من عجائب الصدف، التي هي ليست بصدف، ولكنها بلا شك آيات تأييد إلهي مستمر، أنني قد فوجئت قبل مدة من الزمن بتعبير “الطاعون الذري” (Atomic Plague) أثناء بحثي عن أمر لم أعد أذكره، ولم يكن في بالي البحث عن الطاعون ولم يكن هذا هدفي. كان هذا وصفا أطلقه الصحفي الأسترالي ولفريد بورشت (Wilfred Burchett) وهو أول صحفي غربي دخل هيروشيما بعد قصفها بالقنبلة الذرية، وقال إن المدينة لا تبدو مقصوفة كما هو معتاد، بل يبدو أن الطاعون الجارف قد اجتاحها، لأن الناجين والجرحى الذين أصيبوا بجروح طفيفة نتيجة سقوط حجارة أو مخلفات عليهم وكان متوقعا أن يشفوا بدأت تظهر عليهم أعراض خطيرة كتقرُّح اللثة، ثم بدأوا يتقيأون دما ثم ماتوا. وقد ظن الأطباء اليابانيون أن القنبلة كانت تحتوي غازا ساما أو مكونات جرثومية وطالبوا الأمريكان بأن يعطوهم المصل المضاد.
وعندما كتب هذا الصحفي مقالته في جريدة الديلي إكسبرس اللندنية بتاريخ 5 أيلول 1945 قال:
“إنني أكتب هذا تحذيرا للعالم”
وقد وصف الصحفي هذه الكارثة الإنسانية وما رآه في هيروشيما ونغازاكي المنكوبتين، وكان هذا المقال من العلامات الفارقة في الصحافة وفي الضمير الإنساني، ولعل الرعب الذي شهده العالم بسبب ما قامت الصحافة بإطلاع الناس عليه – رغم أن الحلفاء كانوا يرغبون بإخفاء هذه المعلومات – هو الذي أدى إلى عدم تكرار هذه الكارثة مرة أخرى إلى الآن، رغم أن الأسلحة قد تطوَّرت الآن أضعافا مضاعفة، وليست قنبلتا هيروشيما ونغازاكي البدائيتان شيئا يُذكر مقابل الأسلحة النووية الحالية، ولكن وضع العالم الهشِّ الذي ينذر بنشوب هذه الكارثة مرة أخرى، وعندها سيعاين الناس طاعونا لم يشهدوا له مثيلا.
والواقع أن أسلحة الدمار الشامل المتنوعة الآن، وحتى وإن لم تكن نووية، فهي بلا شك تدخل في مسمى الطاعون عموما بسبب هول تدميرها، لأنها لا تقتل فقط من يموت نتيجة للانفجار أو توابعه سواء كانت تقليدية أو كيميائية أو جرثومية، بل إن الدمار والهلاك الهائل يدمِّر البيئة بصورة مذهلة ويؤدي إلى انتشار الأوبئة التي تفتك بالناس أكثر بكثير من الضحايا الذين يموتون مباشرة، هذا بخلاف المجاعات التي تؤدي إلى الموت المباشر جوعا أو إلى ضعف المناعة مما يجعل أبسط الأمراض تفتك بالناس وتقتلهم. وتقول الإحصائيات إن عدد القتلى في الحروب في القرن العشرين قارب 142 مليون نسمة، ولكن الذين ماتوا نتيجة الأوبئة والأمراض الناجمة عن الحروب بلغ مليارا وسبعمئة وثمانين مليونا (1.78)، هذا بخلاف الذين ماتوا نتيجة السرطان الذي كثير من إصاباته سببها التلوث الفيزيائي والكيميائي والذين بلغوا ما يقارب 580 مليونا. وإذا عرفنا أن الذين عاشوا خلال فترة القرن العشرين كانوا ما يقارب 11 مليارا، والذين ماتوا ما يقارب خمسة مليارات ونصف، فإن الموت نتيجة الحروب والأمراض والمجاعات الناجمة عنها يقترب من نصف الوفيات، وهذه نسبة هائلة بلا شك لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل، ويجب أن تكون ناقوس خطر يدق لتعريف الناس أنهم يتعرَّضون لهلاك وعذاب إلهي. وهذه الإحصائيات متوفرة لمن أراد البحث عنها في الشبكة العالمية.
ومما يؤكد ما نقول من أن وصف الطاعون هو الوصف الأمثل للأمراض والأوبئة المهلكة المرعبة التي ظهرت في هذا العصر، أنه قد حاز فيلم وثائقي عن مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز (AIDS) أنتج في عام 2012 بعنوان “كيف النجاة من الطاعون” (How to Survive a Plague) بجائزة أفضل فيلم وثائقي عام 2012 من قبِل جمعية بوسطن لنقَّاد الأفلام.
وهكذا نرى بأن الله تعالى قد أجرى على ألسنة الناس ما كان قد أنبأ به المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام الذي تحدَّث عن عذاب الطاعون الذي كان وسيستمر آية له، وسيضرب مجددا إلى أن يعرف الناس ربهم ويرجعوا إليه. وليس صدفة أن يجري الله تعالى هذا الوصف الدقيق على ألسنة محايدة من جانب أناس ربما لم يسمعوا بدعوة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، ولكنه قدَرُ الله تعالى الذي يأتي الأرض ينقصها من أطرافها، ويجري على ألالسنة ويلقي في القلوب ما يظهر صدق أنبيائه ومبعوثية ويجعلهم يُذكرون بالعزة والجلال إلى أبد الدهر، ويخزي معارضيهم ومعانديهم الذين كلما تطاول عليهم الزمن غرقوا في الذلة والهوان الأبدي.
فيما يلي رابط يتحدث عن هذه المقالة: Fair Observer