المعترض: فسر الميرزا دابة الأرض خلافا لتفسير الخليفة الثاني
لقد فسر الميرزا دابة الأرض على أنها دودة مخالفاً تفسير خليفته الثاني الذي فسر معناها في قصة سليمان أنه ابنه من بعده ؟؟؟
النص التالي من كتاب نزول المسيح:
“ثانيا: القرينة الثانية هي أن القرآن يفسر بعضه بعضا، ونرى أنه كلما وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم مضافة، أُريد منها ذلك الكائن دائما. ومثال ذلك الآية: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ أي حين قُدّر على سليمان الموتُ لم يُطلِع الجِنَّةَ على موته إلا دابةُ الأرض التي كانت تأكل عصاه.
لاحِظوا، لقد أُطلِقت الدودة هنا على دابة الأرض. فأي شهادة أكبر على كشف المعنى الحقيقي لدابة الأرض من أن القرآن الكريم بنفسه قد بيّن في مكان آخر أن المراد من دابة الأرض هو الدودة. وإن استنتاج معنى مخالفا للقرآن الكريم إنما هو التحريف والإلحاد والدجل بعينه.”
و هذا نص آخر من الملفوظات:
” البحوث الحديثة أيدت دابة الأرض كثيرا وكشفت معانيها بأنها دودة فقط وهي دقيقة جدا كما جاء في قصة سليمان عليه السلام : تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ. كانت دقيقة فظلت تأكل المنسأة داخليا دون أن يُعلم عنها. كذلك المراد من: تُكَلِّمُهُمْ (النمل: 83) هو الطاعون لأنه قد ورد في آية أخرى من القرآن الكريم: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا (الإسراء: 59).”.
الرد: معنيان للدابة لا واحد
نعم فسّر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام دابة الأرض بأنها دودة الطاعون فقال عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“فالحاصل أن الطاعون قد لازم هذہ الدیار ملازمة الغریم، أو الكلب لأصحاب الرقیم. وما أظنّ أن یُعدَم قبل سنین، وقد قیل: عمر هذہ الآفة إلی سبعین. وإنہا هی النار التی جاء ذكرها فی قول خاتم النبیین، وفی القرآن المجید من ربّ العالمین، وإنہا خرجت من المشرق كما رُوی عن خیر المرسلین، وستحیط بكل معمورة من الأرضین، وكذلك جاء فی كتب الأوّلین، فانتظر حتی یأتیك الیقین. فلا تسأل عن أمرها فإنہ عسیر، وغضبُ الربّ كبیر، وفی كل طرف صراخ وزفیر، ولیس هو مرض بل سعیر. وتلك هی دابّة الأرض التی تكلّم الناسَ فہم یجرحون، واشتد تكلیمہا فیُغتال الناس ویُقعَصون بما كانوا بآیات اللّٰہ لا یؤمنون، كما قال اللّٰہ عزَّوجلَّ.” (الخزائن الروحانية، المجلد 19، مَوَاھب الرحمٰن، الصفحہ 245)
وهذا المعنى ثابت لغةً حيث ورد في تفسير “البحر المحيط” التالي:
“وَقِيلَ مَعْنَى تُكَلِّمُهُمْ: تَجْرَحُهُمْ مِنَ الْكَلْمِ، وَالتَّشْدِيدُ لِلتَّكْثِيرِ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبِي زُرْعَةَ، وَالْجَحْدَرَيِّ، وَأَبِي حَيْوَةَ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: تَكْلِمُهُمْ، بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ مُخَفَّفَ اللَّامِ، وَقِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: تَجْرَحُهُمْ مَكَانَ تَكْلِمُهُمْ. وَسَأَلَ أَبُو الْحَوْرَاءِ ابْنَ عَبَّاسٍ: تُكَلِّمُ أَوْ تَكْلِمُ؟ فَقَالَ: كُلُّ ذَلِكَ تَفْعَلُ، تُكَلِّمُ الْمُؤْمِنَ وَتَكْلِمُ الْكَافِرَ. انْتَهَى. وَرُوِيَ: أَنَّهَا تَسِمُ الْكَافِرَ فِي جَبْهَتِهِ وَتُرْبِدُهُ، وَتَمْسَحُ عَلَى وَجْهِ الْمُؤْمِنِ فَتُبَيِّضُهُ… وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ الْمَنْطُوقُ بِهَا أَوِ الْمُقَدَّرَةُ سَبَبِيَّةً، أَيْ تُخَاطِبُهُمْ أَوْ تَجْرَحُهُمْ بِسَبَبِ انْتِفَاءِ إِيقَانِهِمْ بِآيَاتِنَا.” (البحر المحيط في التفسير، “أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بن يُوسُفُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَيَّان الْأَنْدَلُسِيُّ الْجَيَّانِيُّ الغرناطي”، ج 8، ص 269)
الدودة تطلق على البشر للتحقير
كما أن للدودة وجه آخر حيث يقول عَلَيهِ السَلام بأن الدابة أي الدودة ممكن أن تُطلق أيضا على البشر للتحقير:
“كما من المعلوم أن إطلاق كلمة “الدابة” على إنسان مسبّة أيضا، ولكن القرآن الكريم لا يذكر الكفار والمنكرين بكلمة الدابة فقط، بل يعتبرهم شرّ الدواب في العالم كله كما يقول: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُون﴾ (الأنفال: 56).” (إزالة الأوهام، ص 129)
بل قال عَلَيهِ السَلام بأن الدابة هي وصف للإنسان البعيد عن روح الدين:
“وأما دابة الأرض؛ فليس المراد منها حيوان لا يعقل، بل هي الإنسان بحسب قول سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. والمراد من كلمة دابة الأرض هنا طائفة من الناس الذين ليس فيهم روح سماوية، ولكنهم يفحمون منكري الإسلام بالعلوم والفنون الأرضية، ويبذلون علم الكلام وأساليب المناظرة في سبيل تأييد الدين، ويؤدون خدمة الشريعة الغراء قلبا وقالبا. ولكنهم ما داموا أناسا ماديين حقيقةً وليسوا سماويين ولا يملكون روحا سماوية كاملة، فيُدعون دابة الأرض. وما داموا غير حائزين على التزكية الكاملة والوفاء الكامل، فإن وجوههم وجوه الناس، أما بعض أعضائهم فتشبه أعضاء الدواب. وهذا ما أشار إليه الله جلّ شأنه فيقوله: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾، أي حين يأتي زمن يحلّ فيه العذاب بالكفار ويقترب أجلهم المقدّر، عندها نخرج من الأرض فئةً؛ هي دابة الأرض، وهي فئة المتكلّمين الذين سيهاجمون جميع الأديان الباطلة تأييدا للإسلام، أي أنهم سيكونون علماء في الظاهر، وذوي كعب عالٍ في علم الكلام والفلسفة. فسيهُبُّون هنا وهناك في تأييد الإسلام، وينشرون حقائق الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بالاستدلالات. ولقد استُخدمت كلمة أَخْرَجْنَا هنا للإشارة إلى أن خروجهم -وليست نشأتهم- سيتم في الزمن الأخير؛ بمعنى أنهم سيكونون موجودين في كل زمن كبذرة، أو بعدد ضئيل، أما في الزمن الأخير فسيخرجون بكثرة وبكمال ملحوظ، ويحتلّون في تأييد الإسلام منصب الوعاظ في كل مكان تقريبا، ويكثر عددهم. فليكن معلوما أيضا أن كلمة “الخروج” وردت في القرآن الكريم عن يأجوج ومأجوج أيضا بأسلوب آخر، كما وردت في القرآن الكريم عن الدخان كلمة شبيهة لها تعني الخروج، وكذلك استُخدمت في الأحاديث كلمة “الخروج” للدجال أيضا.” (إزالة الأوهام، ص 395-396)
جساسة الدجال
وقد وردت هذه النبوءة في رواية تحققت حين مُنع المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وجماعته من أداء فريضة الحج، وكان لدابة الأرض دور في ذلك المنْع، حيث يقول الفيض الكاشاني في تفسيره:
“عن القائم عليه السلام إنه سُئل متى يكون هذا الأمر (أي بعثة المهدي)؟ فقال: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة. واجتمع الشمس والقمر، واستدار بهما الكواكب والنجوم، فقيل: متى؟ فقال: في سنة كذا وكذا، تخرج دابة الأرض من بين الصفا والمروة.” (“التفسير الصافي”، للفيض الكاشاني، ج 7، ص 346. وكذلك “الغيبة” للطوسي، ص 161، س 10)
أي أن من آيات ظهور الإمام المهدي عَلَيهِ السَلام أنه سيُمنَع هو وجماعته من أداء فريضة الحج إلى مكة المكرمة بالإضافة لظهور آية الخسوف والكسوف، وسوف يكون ذلك كله -أي المنع- بسبب الدابة أو شرّ الدواب وهم المشايخ الذين يخرجون من أرض الحجاز لمحاربة دعوة الإمام المهدي عَلَيهِ السَلام، وهم سبب منعه من الحج وجماعته من بعده.
ويشرح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هذا الحديث كما يلي:
“كذلك أُطلق في الحديث اسم خاص على دابة الأرض أيضا، ولكن التعمق في الأحاديث يبيّن أن هذا الاسم أيضا عامٌّ من حيث استخدامه؛ ففي صحيح مسلم، ذُكرت دابة الأرض من ناحية بأنها جساسة الدجال ورفيقةً له ومقيمة معه في جزيرة، ومن ناحية ثانية أُعطيت مكانا تحت الصفا في حرم مكة المعظمة، وكأنها توجد في تلك الأرض المقدسة وليست مع الدجال، وقيل أيضا بأنها ستخرج منها. يبدو أن المراد من هذه الاستعارة أن دابة الأرض في الحقيقة اسم جنس يطلَق على مشايخ ذوي اتجاهين. فمن ناحية لهم علاقة مع الدين والحق، ومن ناحية أخرى مع الدنيا والدجل. وإن خروج مشايخ أمثالهم في الزمن الأخير مذكور عدة مرات في صحيح البخاري. فقد جاء أن هؤلاء الناس سيقرؤون أحاديث خير البرية ويتلون القرآن الكريم أيضا ولكنه لن يجاوز تراقيهم. فالعصر الراهن هو عصر هؤلاء الذين حذّرنا النبي ﷺ منهم وقال: “قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ.” (صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام) مع أن الله جلّ شأنه ورسوله ﷺ يعلنان وفاة المسيح ابن مريم عَلَيهِ السَلام بكل وضوح، ولكن هؤلاء القوم لا يعتمدون على ما قاله الله والرسول، مع أنهم قد أُمروا: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾. وفي صحيح البخاري : ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، قضاء الله أحق. وفيه: ما عندنا شيء إلا كتاب الله، وأيضا: حسبكم القرآن. إلى هنا قد انتهينا من إفادات البخاري التي ذكرناها على سبيل المثال. والواضح من الإفادات المذكورة آنفا أن الإمام البخاري شاهد على دعاوينا ومؤيدها من الدرجة الأولى، ولا يمكن لخصومنا أن يقدموا ولو حديثا واحدا من صحيح البخاري تأييدا لأفكارهم. فالحق أنهم هم الذين ينكرون صحيح البخاري ولسنا نحن.” (إزالة الأوهام، ص641-642)
ويقول عَلَيهِ السَلام:
“قال قائل: لو كان هذا هو الحق أن دابة الأرض هي طائفة علماء هذا الزمان فيلزم أن يكون تكفيرهم حقاً وصدقاً، فإن من شأن دابة الأرض أنها تسم المؤمن والكافر، فمن جعلته الدابة كافراً (يشير المعترض إلينا)، فعليكم أن تقرّوا بكفره، فإن التكفير بمنزلة الوسم من دابة الأرض. فيقال في جواب هذا المعترض أن المراد من الوسم إظهار كفر كافرٍ وإيمان مؤمن فهذا الإظهار على نوعين، قد يكون بالأقوال وقد يكون بالأفعال ونتائجها. وقد جرت سنة الله أنه قد يجعل الكافرين والفاسقين علةً موجبةً لظهور أنوار إيمان أنبيائه وأوليائه. ألا ترى إلى سيدنا ونبينا محمد المصطفى ﷺ كيف كانت عداوة أبي جهل وأمثاله موجبة لإنارة صدقه وضياء إيمانه؟ ولو لم يكن أبو جهل وإخوانه من المعارضين لبقي كثيرٌ من أنوار الصدق المحمدي في مكمن الاختفاء، فإذا أراد الله أن يظهر صدق نبيه ﷺ بين الناس جعل له الحاسدين المعادين في الأرض كأبي جهل وشياطين آخرين، فمكروا كل المكر وأذوا كل الإيذاء وسعوا لإطفاء أنوارٍ نزلت من السماء فعجزوا عن ذلك وجاء الحق وزهق الباطل وظهر أمر الله ولو كانوا كارهين، فجاز أن يقال أن أبا جهلٍ وأمثاله كانوا سبباً في ظهور صدق المصطفى وإيمانه الطيب وأنواره العليا فكذلك نقول أن دابة الأرض التي هي خادمةٌ للشيطان أعني التي تتكلم بالإست لا بالفم كالصالحين من نوع الإنسان هي تسم المؤمن بمعنى أنها تظهر إيمانه كما أظهر أبو جهلٍ أنوار إيمان خاتم النبيين. فتفكر ولا تكن كالمعتوه والمجانين.” (حمامة البشرى)
إذن أثبت المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن للدابّة معنيان لا معنى واحدا، حيث أن القرآن الكريم كتابٌ حمّال أوجه أي تحتمل آياته وجوه عدّة للتفسير دون أي تناقض أو تضارب، ولكن المعترض يحسب ذلك تناقضاً لقلة فهمه، وفي هذا يقول المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام عن أمثال المعترض بأنهم يعيشون حياة الكسل والتراجع الروحي فلا يقفون على أسرار القرآن المجيد، وأن المعنى للدابة صحيح بوجهيه دون تناقض أو مخالفة، وأن ما يُكشف على حضرته إنما هو بأمر الله تعالى فقط كما يلي:
“لقد سبق أن كتبنا في بعض كتبنا أن المشايخ وأصحاب الزوايا المعاصرين الذين ليسوا متقين بل هم مُخلِدون إلى الأرض، هم دابة الأرض. أما الآن فقد كتبنا في هذا الكتاب أن دابة الأرض هي جرثومة الطاعون. فلا يحسبنّ أحد أن هناك تناقضا في هذينِ البيانينِ. إن القرآن الكريم ذو المعارف، فتحمل معانيه عدة وجوه ولا تناقِض بعضها بعضا. وكما أن القرآن الكريم لم ينـزل مرة واحدة، كذلك إن معارفه أيضا لا تنـزل على القلوب دفعة واحدة. لذا فقد ذهب الباحثون إلى أن النبي ﷺ أيضا لم يُعطَ المعارف دفعة واحدة، بل أكمل ﷺ دائرة التقدم العلمي تدريجا. والحال نفسه بالنسبة إليّ كَوني مظهراً له ﷺ بصورة ظلية. والسر في تقدم النبي ﷺ التدريجي هو أن مدار تقدمه كان القرآن وحده. فلما كان نزول القرآن الكريم تدريجيا كذلك كان تكميل معارف النبي ﷺ أيضا تدريجيا. والحال نفسه بالنسبة إلى المسيح الموعود الذي ظهر فيكم الآن. إن علم الغيب خاص بالله تعالى فنتلقّاه منه بقدر ما يعطينا الله ﷻ. فهو الذي أعطاني فهمًا من الغيب أن الذين يعيشون عيش الكسل ويؤمنون بالله وبرسوله ولكنهم ضعفاء جدا من حيث حالتهم العملية هم دابة الأرض أي ديدانها، ولا حظّ لهم من السماء. وكان مقدرا أن يكثر في الزمن الأخير أمثال هؤلاء الناس الذين ينطقون بشهادة الإسلام بلسانهم وتكون قلوبهم في الظلام. هذا هو المعنى الذي نشرناه من قبل وهو صحيح بحد ذاته. وهناك معنى آخر لهذه الآية قد كشفه الله تعالى وذكرناه آنفا أن المراد من دابة الأرض، هي تلك الدودة أيضا، التي كان مقدرا لها أن تخرج من الأرض في زمن المسيح الموعود وتدمِّر الدنيا بسبب سوء أعمال أهلها. من الجدير بالذكر حقاً أنه كما تحوي هذه الآية معنيينِ كذلك توجد مئات الأمثلة من هذا القبيل في كلام الله، ولهذا السبب يُسمَّى كلاما معجزا، إذ إن آية واحدة تحمل عشرات الأوجه وتكون كلّها صحيحة.” (نزول المسيح)
الدودة المادية والمعنوية
إذن، الدابة عند المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام تشمل الدودة المادية والمعنوية، فالمادية هي التي تفتك بصحة البشر عقاباً لهم، ومعنوية أي زمرة المعارضين الذين يضعون العراقيل ويُثيرون الكراهية والخصومات ضد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فكأنهم ديدان الأرض حيث لا صلة لهم مع السماء بل يخلدون إلى الأرض ويرون كل جميل قبيحاً مشوهاً، وما هو إلا انعكاس مرآة أنفسهم المهشمة، فيرتد البصر إليهم خائباً وهو حسير. وما نفاه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في النص الذي نقله المعترض هو الفهم التقليدي الخرافي للدابة واعتراض البعض بأن الدابة شيء والطاعون شيء آخر حيث أن الدابة يجب أن تكون حيواناً عظيم الجسد يتكلم كالعلماء، فكان بيان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن الطاعون ينشأ من الديدان التي تنتقل إلى الفئران ثم إلى البشر فتهلكهم مصبحين. فكان رد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأن الدودة هي المعنى الوحيد للدابة الذي يصح بشهادة القرآن الكريم وأن أي معنى آخر للدابة غير الدودة إنما هو دَجَل وتعسف وإلحاد بآيات الله ﷻ. فالدودة إذن هي المعنى الصحيح، وللدودة ذاتها معنييَن كما أثبت المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في النصوص أعلاه وأنه تم بتعليم الله تعالى لشرح معنى هذه الآية، وقد كُشف فيما بعد على المُصْلِحِ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الوجه الآخر للدابة في قصة سليمان عَلَيهِ السَلام. فالذي يرى هذا البيان الرائع والتناسق الفائق تناقضاً ومخالفة لبعضه البعض فهذه مشكلته وفقر فهمه وقلة فطنته. فإن المعنيَيَن مقبولان متناسقان ولله الحمد وعليه التكلان.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ