وتستمر الآية.. المباهلة المفتوحة آية ودليل صدق متجدد للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام
كما ذكرنا في المقال السابق، فإن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كان مترددا في قبول طلب المباهلة الذي كان يرفعه بعض المشايخ حمقا وتسرُّعا، إشفاقا منه على المسلمين وإيمانا منه أن المباهلة تقتضي إتمام الحجة وتتطلب الإذن من الله تعالى. ولكن بعضهم أصرَّ على طلبه، فقبل حضرته على مضض فأصابهم العذاب وفق شروطهم. ورأينا كيف أن الله تعالى قد أمره بإعلان المباهلة للمشايخ عام 1897م ودعا إليها عددا منهم بأسمائهم ودعا من شاء من المشايخ أن يدخل فيها أيضا، وكيف أنهم تهرَّبوا من هذا الإعلان المزلزل الذي جعل حضرته فيه شروطا قاسية عليه – كأن يعتبر خاسرا لو لم يصب العذاب جميع من شارك في هذه المباهلة دون استثناء واحد منهم- وسهَّل عليهم الشروط بحيث كان من الممكن أن يشتركوا فيها بالمراسلة. ورأينا كيف أن هذه الدعوة أدت إلى إيمان اثنين من كبار المشايخ والتحاقهم بالجماعة الإسلامية الأحمدية. كما رأينا أن عددا من المشايخ الذين لم يستجيبوا للمباهلة قد هلكوا وفقا لما ذكر حضرته؛ إذ اعتبر الله تعالى إصرارهم على التكذيب والإيذاء قبولا.
ثم بعد انقضاء هذه المباهلة، فقد فتح حضرته طريقا متجددا لظهور هذه الآية بإذن من الله تعالى، وهو طريق مفتوح إلى الأبد. يقول حضرته عليه الصلاة والسلام حول ذلك في كتابه حقيقة الوحي، بعد أن قدَّم سلسلة المباهلات التي جرت وانتصر فيها حضرته كآيات واضحات من آيات صدقه:
“ومن تلك الآيات ما امتد تأثيره إلى كل قوم وزمن وبلد، أقصد بها سلسلة المباهلات التي رأت الدنيا نماذجها. أما الآن، بعد مشاهدة قدر كبير منها، فقد ألغيت طريق المباهلة من جانبي. ولكن كل من يظنني كاذبا، ويراني خائنا ومفتريا ويكذَّبني في إعلاني بأني مسيح موعود، ويزعم أن الوحي النازل علي من الله إنما هو من افترائي – سواء أكان مسلما أو هندوسيا أو من الآريا أو من أتباع أي دين آخر – فله الحق أن ينشر مباهلته الخطية معتبرا إياي خصما فيها. بمعنى أن ينشر إقراره أمام الله في بضع جرائد قائلا: أقول حلفا بالله أني على بصيرة كاملة بأن هذا الشخص (هنا يكتب اسمي بصراحة) الذي يعلن كونه المسيح الموعود كذّابٌ في الحقيقة. وهذه الإلهامات التي كتب بعضها في كتابه هذا ليست كلام الله بل كلها من افترائه هو، لذا فإنني أعتبره مفتريا وكذابا ودجالاً ببصيرة كاملة وبيقين كامل وبعد التأمل جيدا. فيا إلهي القادر إذا كان هذا الشخص صادقا عندك وليس كذابا أو مفتريا أو كافرا أو ملحدا فأنزلْ عليَّ بسبب التكذيب والإساءة عذابا شديدا وإلا فأنزِل العذاب عليه، آمين.
فهذا الباب مفتوح للجميع من أجل طلب آية جديدة، وإنني أقرّ بأن الذي يباهلني حالفا بالله بصراحة -بعد دعاء المباهلة الذي يجب نشره على الملأ وفي ثلاث جرائد معروفة على الأقل- لو أمِن من العذاب السماوي لما كنت من الله. ولا حاجة لتحديد المدة في هذه المباهلة. والشرط الوحيد هو أن ينزل أمر تشعر به القلوب.” (حقيقة الوحي 1907م)
ونلاحظ هنا أن هذه المباهلة لم يشترط فيها حضرته الموت ولا المدة؛ ولكن شرطها من ناحيته هو أن الخصم الذي يختار أن يحلف هذا القسم فإنه سيناله العذاب المخزي الذي تقشعر منه القلوب، وستكون هذه عاقبته مهما طال الزمن.
وهكذا فالمعيار وفقا لحضرته هو ما سبق، أما الخصم فيمكن أن يختار الشرط الذي يشاء كأن يحدد الموت أو عذاب معين خلال سنة أو مدة معينة هو يحددها، بل الواجب لو كان واثقا أن الله تعالى معه أن يضع شرطا محددا. فإن لم يتحقق هذا الشرط الذي يضعه الخصم فسيكون هذا أول مدارك خزيه وخسارته، ثم سيصيبه شرط حضرته وهو العذاب المخزي الذي تقشعر له القلوب مهما طال الزمن.
ومع أن هذا الإعلان جاء الواقع أن هنالك من تجرَّأ على إعلان المباهلة ضد حضرته من قبل هذا الإعلان، فأصابهم العذاب، وقد ذكر حضرته نموذجا منهم في حاشية الإعلان السابق قال فيها:
“كل منصف عادل يستطيع أن يدرك بمطالعة كتاب المولوي غلام دستغير القصوري كيف باهلني من تلقاء نفسه ونشرها في كتابه “فيض رحماني” ثم مات بعدها ببضعة أيام فقط. وكيف باهلني جراغ دين الجموني برغبته هو وكتب أن يهلك الله الكاذب منا. ثم هلك بالطاعون مع ابنيه بعد بضعة أيام“
ولاحقا كان هنالك من حاول المراوغة كالشيخ ثناء الله الأمرتسري الذي تهرَّب من المباهلة العامة أول مرة ثم أطلق دعوى للمباهلة عندما كتب حضرته كتاب الوصية عام 1905 وأعلن قرب وفاته، فأراد أن يستغل الفرصة، ولكن عندما قبل حضرته أخذ يتهرب ويراوغ، وقدَّم معيارا معكوسا من عنده وهو أن يموت الصادق في حياة الكاذب كما كان أمر مسيلمة الذي مات النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، ومع أن المباهلة لم تجرِ بسبب تهربه، إلا أنه قد وقع تحت شرط هذه المباهلة المفتوحة، وبالفعل، عاش طويلا بعد وفاة حضرته وفقا للشرط الذي وضعه، إذ عاش إلى عام 1948 وتعرَّض للآفات والإهانة كاستصدار فتوى تكفيره من جماعته جماعة أهل الحديث من مكة المكرمة، ثم نُكب بمقتل ابنه بوحشية في حرب انفصال باكستان واحتراق مكتبته، ثم هاجر محزونا ومكروبا بشدة وأصيب بالفالج وتوفي بعد فترة قصيرة، ثم انقطع نسله وذكره.
واليوم، يمكن لمن شاء من الحمقى المتهورين أن يختار هذا الطريق، فيعلن الإعلان السابق ويشترط الشروط التي يريدها، وسيجعل من نفسه آية متجددة على صدق المسيح الموعود وجماعته من بعده.
وقد تجلَّى تجديد هذه الدعوى المفتوحة من جديد في عهد الخليفة الرابع رحمه الله، حيث أعلنها مجددا ودعا المشايخ المعارضين وعلى رأسهم طاغية باكستان ضياء الحق لها، ورغم أن ضياء الحق لم يعلن قبوله لها إلا أنه استمر في ظلمه فنزل به العذاب عام 1988، وقد رأى العالم تصريحات حضرته بأن الله تعالى قد أوحى له بأن ضياء الحق سوف يعاقب حتما خلال فترة قصيرة، وشدد على ذلك في خطبة الجمعة التي سبقت الحادث بخمسة أيام، وظهرت الآية في السماء وحطَّت على الأرض لتظهر يد تأييد الله القوية التي كانت ولا زالت تبطش بالمجرمين أعداء جماعته المباركة.
وبما أن هذه الدعوة كانت مفتوحة للمشايخ، فقد تجاسر بعضهم حمقا ونالهم العذاب المخزي والعاقبة السيئة، وذكر حضرته عاقبة عدد منهم في برنامج “لقاء مع العرب”. ولا بأس أخيرا من الإشارة إلى قصة شيخ مغمور في باكستان اسمه إلياس ستار، فهذا الشيخ قد دعا للمباهلة في عام 1999م، أي بعد مرور أكثر من عشر سنوات على دعوة الخليفة الرابع للمباهلة ثم موت ضياء الحق وخزي وعذاب المشايخ المعارضين المعروفين، وقدَّم المباهلة لاثنين من المبلغين فقبلاها – رغم أنه لم يكن هنالك حاجة لأن يكونا هما طرفا فيها بل كان يكفي أن يدخلها وفقا لطريق المباهلة المفتوح- ووُضِع فيها شرط أن يموت الكاذب في حياة الصادق خلال عام من جانبه تهورا، فانقضى العام ولم يمت الخليفة رحمه الله كما لم يمت أيٌّ من المبشريْن، وعاش بعدها الخليفة أربع سنوات رغم مرضه بصورة إعجازية، بل تقدَّمت الجماعة تقدما هائلا في تلك السنوات. وبذلك ثبت كذب الشيخ ستار الذي يبدو أنه تجرّأ لحمقه وتسرُّعه، ولا زال هذا الشيخ مجهولا – الذي يتسكع حاسر الرأس بخلاف وقار المشايخ المعتاد – إلا بسبب هذه الحادثة، ليرى تقدُّم الجماعة وازدهارها وفشله وفشل معارضي الجماعة المتواصل. ومع أن قصته لا قيمة لها إلا أنني وددت ذكرها لأن بعض المعارضين يقدمونه على أنه فائز في المباهلة خيانة وكذبا منهم؛ إذ يتناسون آية عذاب وموت ضياء الحق نيتجة المباهلة ويأتون بشيخ مغمور أراد إلحاق نفسه بها بعد سنوات طويلة.
وهكذا، وأخيرا، فإن هذه الآية المستمرة كانت ولا زالت دليل صدق عظيم وآية متجددة للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، وما زال الباب مفتوحا لمن شاء، ويمكن أن يشترط الشروط التي يريدها من جانبه، وسيخيبه الله تعالى ويبيَّن كذبه بأن يرى العالم عدم تحقق شروطه، ثم سيرى العالم عاقبته المخزية وعذابه الذي سيمسُّه حتما ولو بعد حين. والحمد لله رب العالمين.