يقول الله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } (الأَنعام 12)
ويقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام مؤكدا أن هذه السنَّة ستجري على معارضيه ومعانديه أيضا وفقا لوعد الله تعالى:
“واعلموا أن لوحي الله: “ولا نُبقي لك من المخزيات ذكرا” معنيَين: أولهما أننا سنمحو ما يُشاع ضدك من اعتراضاتٍ بنية الإهانة، فلن يبقى لها اسمٌ ولا أثرٌ.
وثانيهما أننا سنطمس من صحيفة الوجود أولئك المعترضين الذين لا يرتدعون عن شرورهم وإثارتهم المطاعن، فبهلاكهم سوف تنمحي اعتراضاتهم السخيفة أيضًا.” (الوصية)
ومن العجيب أن هذه النبأ قد تحقق بكل جلاء؛ إذ إن معارضيه مثل الشيخ البطالوي والأمرتسري ومهر علي وغيرهم لم يبق لهم أثر، وباءت جهودهم الهادفة للإساءة إلى المسيح الموعود ولإعاقة مسيرة الجماعة بالفشل الذريع، فهلكوا وانقطع نسلهم بصورة مذهلة بينة. ولقد أخبرني أحد الشيوخ الباحثين من القارة الهندية الذي جاء لزيارتي ذات مرة في لندن بأنه تتبع ذرية المشايخ جميعا الذين كانوا يعارضون المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام فوجد أن أكثرهم ماتوا بلا ذرية، ومن تبقى من ذرية بعضهم وجدهم عازفين عن الإسلام وأقرب إلى الإلحاد، وأدهشه أنه لا يوجد عالم واحد من ذريتهم اليوم رغم شهرتهم وصيتهم العظيم فيما سبق. وما أدهشه أنه لم يبق لهم أتباع ومريدون أيضا.
والواقع أن هلاك المعارضين وقطع نسلهم بهذه الصورة المريعة إنما يطمس اعتراضاتهم السخيفة أيضا ويهلكها معهم تلقائيا كما أخبر اللهُ تعالى المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، لأن هذه العاقبة تُثبت على أرض الواقع أن تلك الاعتراضات باطلة سخيفة لا قيمة لها، وإلا لنصَر الله أصحابها وأهلك من اتهموه بها وقطع نسله وأهلك جماعته. فلا يمكن أن يهلك أهل الحق والإيمان ويبقى أهل الباطل والكفر!
وهذه النتيجة المنطقية البسيطة هي آية واضحة لكل ذي عقل. ولا يخفى أن دخول أهل مكة في الإسلام كان بسبب هذا الدليل؛ إذ أدرك أهل مكة جميعا أن الله حقٌّ وأن النبي صلى الله عليه وسلم صادق بمجرد سقوط مكة وفتحها، مع أنهم كانوا معاندين في اليوم السابق، وقد عبَّروا عن ذلك بقولهم إنه ما دام قد انتصر علينا فلا بد أن يكون نبيا صادقا للإله الحق، أما هم فلو كانوا على الحق لنصرتهم آلهتهم.
وهذا الفتح لم يكن آية لأهل مكة فحسب، بل كان آية دائمة زالت بها كل الشبهات والتهم والاعتراضات التي أراد أعداء الإسلام إلصاقها بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الله تعالى:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا } (الفتح 2-4)
أي أن هذا الفتح الذي حُزتَه قد طمس الاعتراضات والاتهامات والأكاذيب التي ألصقوها بك من قبل، بل سيكون سببا أيضا لبطلانها في المستقبل، وستسقط هذه الاتهامات والأباطيل وسيُجعل من يرددها خائبا خاسرا مخزيًّا.
ولقد تكررت هذه السنَّة والآية بوضوح وجلاء مع المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كما تقدَّم؛ إذ هلك أعداؤه وطُمسوا من صفحة الوجود، ولكن الله تعالى عززها أيضا بآية أخرى على عكس آية إهلاك الخصوم قد أنبأ بها حضرته وتحققت تحققا إعجازيا جليا؛ إذ أنبأ الله تعالى المسيح الموعود بأنه سيبارك ذريته المادية والروحانية وينشرها في العالم أجمع. يقول حضرته حول ذلك:
“ومن دواعي تسميتي “آدم” أن الروحانية في بني آدم كانت قد ماتت في ذلك الزمن بوجه عام، فجعلني الله تعالى آدم لسلسلة الحياة الجديدة. وفي هذه الفقرة الوجيزة تكمن نبوءة أنه كما انتشرت ذرية آدم في العالم كله كذلك ستنتشر ذريتي الروحانية والمادية أيضا في الدنيا كلها.” (البراهين الأحمدية، الجزء الخامس)
وقال أيضا:
“كذلك قال سبحانه وتعالى بحقي في أجزاء البراهين الأحمدية السابقة: “سبحان الله، زاد مجدك، ينقطع آباؤك ويُبدأ منك.”، أي سيقطع الله ذكر آبائك وسيبدأ العائلة منك” (البراهين الأحمدية، الجزء الخامس)
وكما هو معلوم فقد تحققت هذه النبوءات تحققا عجيبا إعجازيا؛ إذ بارك الله في نسل المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام المادي وأخرج منه خدَّام الدين المخلصين الذين كان منهم أربعة خلفاء حتى اليوم وغيرهم من الذين ما زالوا ينورون الأرض حيث حلُّوا، وقطع الله تعالى نسل أقربائه وأعمامه الذين لم يؤمنوا به، ولم يُبقِ لهم ذرية، رغم أنهم كانوا يقاربون سبعين رجلا حينئذٍ، ومن بقي من عدد قليل للغاية من ذريتهم فقد انضموا إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية ودخلوا في ذرية حضرته الروحانية.
فمن يقدر على إنكار هذه الآيات الواضحة الجلية؟
أما إذا التقط بعض الأشرار فضلات هؤلاء الهالكين من الاتهامات الباطلة والأكاذيب والافتراءات من الاعتراضات الفاسدة وأرادوا رفع عقيرتهم بها من جديد فهذا لا يعني أنها لم تُطمَس، ولكن الله تعالى يريد أن يري خزي السابقين الهالكين مجددا بخزي أمثالهم في كل وقت، ويثبت أن بضاعتهم فاسدة مطموسة، وأن من يشريها أو يبتاعها هالك فاشل، ويجدد آيات النصرة للمؤمنين، ويجعل المعترضين ببذاءتهم وفساد أخلاقهم سببا لهداية كثيرين بصورة غير مباشرة. فبقاء هؤلاء الهالكين ضعفاء مخزيين إنما هو قدَر الله تعالى الذي قدَّر بقاء المجرمين ما بقيت دعوة نبي أو مبعوث، إذ يقول تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (الفرقان 32)
وقوله تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } (الأَنعام 113)
أما المتنبئ الكاذب فإن الله تعالى يجتثه ويجتث جماعته ولا يبقى أحد في الدنيا يهتمُّ به أو يعارضه. فالمعارضة علامة حياة الدعوة وأحد أدلة صدقها، لأن هذا يُثبت أنها ما زالت تغيظ الكافرين المكذبين وتحرق قلوبهم. ولكن الله تعالى يظهر فيهم آية أخرى وهي آية الخزي والهلاك المستمر. وكلما هلك فوج وقُطع نسلهم حرَّض الشيطان فوجا آخر لينالوا خزيهم ومصيرهم المحتوم كالسابقين، فيظهر الله آياته ويفرح المؤمنون بنصر الله.
والواقع أن الفارق الهائل بين حال جماعتنا ومعارضينا في كل شيء إنما هو علامة واضحة لا يخطئها عاقل. فالجماعة ماضية من مجد إلى مجد ومن نصر إلى نصر، والمعارضون ليسوا سوى حفنة من البذيئين الشتامين الذين يواكبون قافلتها بالبذاءة ويهلكون أنفسهم لهاثا وغيظا وكمدا، ولكنهم لا يستطيعون أن يعيقوا مسيرة الجماعة قيد شعرة. أما إذا ظنوا أن تمكنهم من السب والشتم وإمهال الله لهم علامة رضى الله أو علامة نصر لهم فهؤلاء يكونون قد بلغوا من السفاهة والحمق الغاية، وحالهم ينطبق عليه المثل:
“أوسعتهم سبًّا وأودوا بالإبل”
وصدق المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام إذ قال:
ووالله إني صادقٌ لسْتُ كاذبًا … فلا تهلكوا مستعجلين وفكِّروا
ولو كنتُ كذّابًا شقيًّا لضرّني … عداوةُ قومٍ كذَّبوني وكفَّروا