اعترض أحد المعترضين على نبوءة ابنة أحمد بيك (محمدي بيغم) مدعيا أنها لم تتحقق، وتبطل بسببها إلهامات حضرته الأخرى، فرد عليه حضرته عليه الصلاة والسلام:
“أقول: أيها المعترض، ألم تكفك من قبل ندامةً الاعتراضاتُ الواهية حتى أخذتَ نصيبا من ندامة لغو هذا الاعتراض أيضا؟ فاسمع الآن بأذن واعية، إن لتلك النبوءة جزأين وكلاهما كان مشروطا بشرط. الجزء الأول كان مشروطا بموت أحمد بيك، بمعنى أنه لو لم يلتزم أحمد بيك بشروط وضعها الله تعالى لمات قبل نهاية ثلاثة أعوام. ولن يموت هو وحده بل سيموت معه عديد من أقاربه الآخرين أيضا. ولما لم يلتزم بالشروط وقاحةً منه أماته الله تعالى قبل نهاية الميعاد، وحدثت معه وفيات عديدة أخرى أيضا. ولكن أُجِّل الشطر الثاني للنبوءة المتعلق بصهر أحمد بيك لأن بقية الناس أنشؤوا في قلوبهم خشية من جراء مضمون الشروط وخافوا كثيرا. كل واحد يستطيع أن يفهم أنه لو أُنبئ عن موت شخصين ومات أحدهما في الميعاد لنشأ الخوف في قلب الثاني بطبيعة الحال. فكان ضروريا أن يخاف صهر أحمد بيك ومن معه كثيرا نظرا إلى موت أحمد بيك. فحين رأى الله تعالى خوفَهم أجّل تحقيق النبوءة عن موت صهر أحمد بيك بحسب وعده. ومَثَلها كمثل ما حصل في نبوءة موت عبد الله آتهم والبانديت ليكهرام. إذ إن عبد الله آتهم أظهر تخوّفه الشديد حين سمع النبوءة عن موته، فأخّر الله موته وبقي حيًّا إلى بضعة أشهر أخرى بعد الأشهر المحددة. أما ليكهرام فقد تجاسر كثيرا بعد سماعه النبوءة وتجاوز الحدود في بذاءة اللسان، فرُحِّل من هذا العالم قبل انقضاء المهلة المحددة.
الحق أن النبوءات التي ينبئ بها رسل الله وتحتوي على خبر موت أحد أو بلاء من البلايا تسمَّى أنباء الوعيد. ومن سنة الله أن أنباء الوعيد يمكن أن تزول بالتوبة والاستغفار سواء أكانت مشروطة بشرط أم لا، أو تؤجَّل كما حدث في نبوءة النبي يونس. إن وعيد النبي يونس بالعذاب لقومه إلى أربعين يوما كان قاطعا، ولم يكن مشروطا بإيمان القوم أو تخوُّفهم. ولكن مع ذلك حين تضرع القوم وبكَوا رفع الله عنهم العذاب. الاعتقاد المسلَّم به باتفاق الأنبياء جميعا هو أن كل بلاء يريد الله تعالى إنزاله على عبد من عباده يمكن أن يزول عنه نتيجة الصدقة والتوبة والاستغفار. فلو أُخبِر نبيٌّ أو رسول أو مبعوث من الله بالبلاء الذي أُريدَ إنزاله لسُمِّي نبوءة الوعيد. ولأنه يكون بلاء فيمكن زواله بحسب وعد الله تعالى نتيجة التوبة والاستغفار والصدقة والدعاء والتضرع، أو يمكن تأخيره. ولو كان زوال البلاء الذي أُخبِر عنه نبوءةً مستحيلاً نتيجة الصدقات وغيرها، لبطلت جميع الكتب الإلهية، ولفسد بذلك نظام الدين كله.
الحق أن المعترض هاجم الإسلام بشدة، ولم يهاجم الإسلامَ فقط بل هاجم الأنبياء جميعا. وإن لم يهاجم قصدا فيثبت من ذلك جهله التام بالإسلام وشريعته.
على المؤمنين أن يحذروا مثل هؤلاء الناس لأنهم لا يريدون من توجيه الاعتراض إليّ مهاجمتي وحدي، بل الحق أنه ليس لديهم أدنى اهتمام بالإسلام، بل هم أعداؤه المستورون. حمى الله دينه من شرورهم.
هذا المعترض الجاهل لا يدري أنه كما هو من صفات الله أنه يزيل نبوءات الوعيد بالصدقة والتوبة والاستغفار، كذلك علّم الإنسان أيضا الأخلاق نفسها، كما يثبت من القرآن الكريم والحديث الشريف أن التهمة التي ألصقها المنافقون بالسيدة عائشة (رضي الله عنها) بمحض خبث طويتهم اشترك في بيانها بعض الصحابة البسطاء أيضا. وكان منهم صحابي كان يأكل على مائدة أبي بكر رضي الله عنه صباح مساء. فحلف أبو بكر على خطأ صدَر من هذا الصحابي وعاهد على سبيل الوعيد بأنه لن يطعمه أبدا عقوبة على خطئه غير المبرَّر، فنـزلت الآية: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . عندها رَجَع أبو بكر عن عهده هذا وبدأ يطعمه كسابق عهده. فمن أخلاق الإسلام أن المرء إن عاهد على سبيل الوعيد فإن رجوعه عن هذا العهد يُعدّ من حسن الأخلاق. فمثلا لو أقسم أحد أنه سيضرب خادمه خمسين ضربة بالنعل لكان العفو عنه نتيجة توبته وتضرعه سنّة الإسلام ليتحقق التخلّق بأخلاق الله. ولكن لا يجوز الإخلاف في الوعد، لأن الوعد- وليس الوعيدُ- كان عنه مسئولا.” (البراهين الأحمدية – الجزء الخامس)
ما ينبغي أن يلفت الانتباه في كلام حضرته هو قوله عليه الصلاة والسلام:
“الحق أن المعترض هاجم الإسلام بشدة، ولم يهاجم الإسلامَ فقط بل هاجم الأنبياء جميعا. وإن لم يهاجم قصدا فيثبت من ذلك جهله التام بالإسلام وشريعته.
على المؤمنين أن يحذروا مثل هؤلاء الناس لأنهم لا يريدون من توجيه الاعتراض إليّ مهاجمتي وحدي، بل الحق أنه ليس لديهم أدنى اهتمام بالإسلام، بل هم أعداؤه المستورون. حمى الله دينه من شرورهم.”
فصدق حضرته، وطوبى لمن سمع كلامه فوعاه.