تحقق نبوءات المسيح الموعود عليه السلام ح8

دحض شبهة الكذب في تفسير وتحقّق نبوءات غامضة …

نردّ في هذه الحلقة على الأسئلة التالية:

  • هل كذب المسيح الموعود عليه السلام في تطبيق نبوءاته على الأحداث التي تلتها؟
  • هل كانت هذه النبوءات غامضة بالفعل؟
  • هل يجب أن يكون مفهوم النبوءة واضحا بشكل كليّ قبل تحققها؟
  • كيف ردّ المسيح الموعود بنفسه على هذه الشبهات والأسئلة؟

الاعتراض:

يدعي المعارضون ما معناه أن سيدنا أحمد عليه السلام كان يتنبّأ بنبوءات غامضة، ثم بعد ذلك يطبقها على أحداث معينة حدثت بعدها، وهذا هو التزييف والكذب وفق زعمهم؛ فهكذا كان الأمر في نبوءات وفاة المولوي عبد الكريم السيالكوتي،2/9/1905 “سینتالیس سال کی عمر۔” أي: العمر 47 سنة. “إنا لله وإنا إليه راجعون.

4/9/1905 “ما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذن الله.

8/9/1905 “کفن میں لپیٹا گیا۔” أي: لُفَّ في الكفن

9/9/1905 “إنّ المنايا لا تطيشُ سهامُها.

19-6-1905 “ ما كان له أن يُشفى

حيث إنها مبهمة وبعد وفاته طبّقها عليه!

وكذلك في نبوءة “عفت الديار محلها ومقامها” لا علاقة لها بالزلزال وبعد حدوث زلزال 1905 طبقها عليه.

الردّ:

كنا قد فصّلنا في هذه النبوءات وأثبتنا أنها ليست مبهمة بل واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، فمثلا النبوءة التي تقول العمر 47 إذا لا تتحدث عن الشخص المهم المريض الذي عمره 47 وهو المولوي عبد الكريم فعمّن إذن تتحدث!!؟؟ والنبوءات الأخرى الملازمة لها ونزلت في نفس الشهر متتابعة، فهي الأخرى لا بدّ تتحدث عن نفس الشخص بفضل القرب الزمني بين بعضها البعض ونزولها في حالة مرض المولوي عبد الكريم وقبل وفاته بحوالي شهر.

وأما بالنسبة لنبوءة “عفت الديار” فقد فصلنا فيها الحديث في الحلقات الماضية.

الآن لنرَ كيف أن المسيح الموعود عليه السلام ردّ على هذه الشبهة في زمنه، حيث قلنا: إن كل هذه الاعتراضات ما هي إلا عملية سرقة واجترار وتكرار لنفس الاعتراضات التي أثيرت زمن المسيح الموعود عليه السلام، وإن الجماعة والمسيح الموعود قامت بتدوين هذه الاعتراضات كلها والردّ عليها منذ ذلك الحين.

فكيف ردّ حضرته على شبهة أن إلهاماته البدائية مبهمة ثم يطبقها كما يحلو له على الأحداث التي تليها، فقد ذكر حضرته عليه السلام قائمة من نبوءات الأنبياء السابقين والتي لم تُفهم إلا بعد حدوثها فقال:

أقول: من المؤسف أنك لا تعلم شيئا عن سنن الله. ليس ضروريا للنبي أن يعلم علما قطعيا عن جانب معين من النبوءة بأنها ستتحقق على هذا النحو حتما. غير أنه من الضروري للنبوءة أن يكون مفهومها خارقا للعادة وألا تقدر قوة من قوى الإنسان أو مكائده وتخطيطه على مبارزتها. ولكن ليس ضروريا أن تُظهر حقيقتُها من كل الجوانب والنواحي. فترى أن النبوءة الهامة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في التوراة مبهمة المعنى؛ إذ جاء فيها أن نبيًّا مثيلا لموسى سيأتي من بني إسرائيل، من إخوتهم (1). وما قيل بصراحة في أيّ مكان أنه سيُبعث من بني إسماعيل، وسيكون اسمه كذا واسم أبويه كذا، وسيولَد في مكة وسيأتي بعد مدة كذا وكذا. لذا لم يستفد اليهود من هذه النبوءة شيئا ووصل آلاف منهم جهنم بسبب هذا الخطأ، مع أن القرآن الكريم قد أشار إلى النبوءة نفسها فقال: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} (2). يقول اليهود بأن مثيل موسى هو النبي يشوع الذي خلف موسى بعد وفاته. ويقول النصارى بأن عيسى هو مثيل موسى لأنه أيضا جاء منجِّيا مثله تماما. قل الآن بالله عليك، ما الفائدة من نبوءة التوراة هذه التي لم تحكم حكما واضحا؟! فلم يستطع اليهود ولا النصارى أن يعرفوا النبي – عليه السلام – الذي كانت النبوءة تتعلق به، بل حُرم كِلا الحزبين من سعادة القبول. (البراهين الأحمدية الجزء الخامس)

يقصد حضرته عليه السلام أن هذه النبوءة الموجودة في التوراة أيضا ليست بذلك الوضوح التام، إلا أنه عُرف معناها الحقيقي بتحققها بشخص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فبعض النبوءات تُفهم بشكل واضح ويقينيّ بعد تحققها.

ويقول حضرته عليه السلام:

لقد ورد في كتب التفاسير الموثوق بها أنه حين نزلت الآية: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (1) قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: لا أدري بأيّ حادث تتعلق هذه النبوءة. ثم حين نال – صلى الله عليه وسلم – فتحا عظيما في معركة بدر، قال ما معناه: الآن علمتُ بأنها كانت تتضمن نبأ بهذا الفتح العظيم. وقال – صلى الله عليه وسلم – بمناسبة أخرى بأني قد أُعطيتُ عنقود عنب وقيل إنه لأبي جهل، احترتُ لأن في أبي جهل مادة خبيثة ولا يستحق دخول الجنة، فلم أفهم معنى ذلك. ثم تحققت النبوءة بإسلام ابنه عكرمة. وذات مرة سافر – صلى الله عليه وسلم – سفرا طويلا من المدينة إلى مكة بناء على وحي من الله تعالى. وكان قد بُشِّر وحيا بأنه سيدخل مكة ويطوف بالبيت، ولكن لم يُخبَر بموعده المحدد. ولكن النبي – صلى الله عليه وسلم – تحمل عناء السفر بناء على اجتهاده الذي لم يكن صحيحا، ولم يستطع أن يدخل مكة، لأنه – صلى الله عليه وسلم – أخطا في فهم النبوءة فابتُلي بعض من الصحابة.

كذلك أخبر الله تعالى عيسى – عليه السلام – بأنه سيكون ملكا، ففهم من وحي الله أن المراد منه هو ملكوت الدنيا. وبناء على ذلك أمر حوارييه أن يشتروا الأسلحة ببيع لباسهم. ثم تبين في آخر الأمر أن ذلك كان سوء فهم من قِبل عيسى، وكان المراد من الملكوت هو ملكوت السماء وليس ملكوت الأرض.

الحق أن الأنبياء أيضا بشرٌ، فلا غضاضة إن أخطأوا في الاجتهاد، غير أنهم لا يُتركون ثابتين على خطئهم بل يُنبَّهون عليه في وقت من الأوقات حتما. فيجب أن يُنظر إلى نبوءة النبي من منطلق مفهومها الخارق للعادة. وإن لم تظهر النبوءة من جانب معين وظهر جانبه الآخر ووُجد في ذلك الجانب أيضا الأمرُ الحق والخارق للعادة وفهم كل عاقل بعد ظهور الحدث أن هذا هو المعنى الصحيح للنبوءة الذي كشفه الحادث بظهوره، فذلك لا يحط من شأن النبوءة شيئا، ويكون الطعن فيها بغير حق خبثا وإلحادا وتعنُّتا. ( البراهين الاحمدية الجزء الخامس)

فالذي يعترض ويثير هذه الإعتراضات ، على كيفية تحقق النبوءات وكيفية فهم تحققها، إنما يعطي شرعية للاعتراض على نبوءات الرسول صلى الله عليه وسلم ويقوض أركان الإسلام، ويعطي شرعية للاعتراض على نبوءات الأنبياء الآخرين، وليس فقط على نبوءاتهم بل يعطي شرعية للاعتراض على الأنبياء أنفسهم ويضع الفأس على رأس الدين والإيمان والتوحيد