المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود عليه السلام العربية ..233

نكتة الخطأ في التوابع ..9

جمع أعضاء الجسم وإضافتها إلى متضمِّنها

الاعتراض:

يدعي المعارضون خطأ المسيح الموعود عليه السلام في عطفه المفرد والمثنى والجمع على بعضها البعض كما في الفقرة التالية، التي نعرضها مع تصحيح المعارضين لها على حدّ زعمهم:

_  وإنهم قوم تفور المكائد من لسانهم وعينيهم وأنفهم وأُذنيهم، ويديهم وأصدَرَيهم ورجليهم. (سر الخلافة، ص 64).

والصحيح وفق زعم المعارضين : ألسنتهم وأعينهم وأنوفهم وآذانهم وأيديهم وصدورهم وأرجلهم.

وبالإضافة إلى الخطأ المزعوم في العطف بين هذه الكلمات، يتضح من تصحيح المعارضين أيضا تخطيؤهم لصِيَغ الإضافة المتعلقة بأعضاء الجسم، من حيث جمعها وضمها إلى بعضها ثم إضافتها إلى متضمِّنها.

إذ يتضح من تصحيحاتهم أن أعضاء الجسم سواء المفردة أو المزدوجة إذا ضُمت إلى بعضها البعض وأضيفت للجمع، فلا بد أن تكون بصيغة الجمع فقط.

 

الرد:  

 

لا خطأ في كل ما أورده المسيح الموعود عليه السلام في عباراته المذكورة أعلاه، بل كلها صحيحة فصيحة من الدرجة الأولى يشهد عليها كبار النحاة في أقوالهم وكتبهم. حيث يقرّ هؤلاء أن أعضاء الجسم المفردة عند ضمها إلى ما يماثلها في تثنيتها وإضافتها إلى متضمِّنها يجوز فيها الإفراد والتثنية والجمع على حد سواء؛ فنقول: رأسكما/ رؤوسكما/ رأساكما . وأما أعضاء الجسم المزدوجة ففي هذه الحال يقتصر فيها على التثنية لنقول: عيناكما. وهو تماما ما يطابق عبارات المسيح الموعود عليه السلام المذكورة أعلاه.

وهذا ما يصرح به النحو الوافي نقلا عن شارح “المفصل” حيث قال:

 

“ز- جسم الإنسان -وغيره- ذو أعضاء، وأجزاء، وأشياء أخرى تتصل به، منها: ما يلازمه ويتصل به دائمًا، فلا ينفصل عنه في وقت، ثم يعود إليه في وقت آخر؛ كالرأس؛ والأنف، والظهر، والبطن، والقلب … ومنها: ما يتصل به حينًا، وينفصل عنه حينًا، ويعود إليه بعد ذلك؛ كالثوب، والأدوات الجسمية الأخرى وأشباهها … فإذا كان في الجسم شيء واحد لا يتعدد، ولا ينفصل عنه، كالرأس؛ والقلب -ضممت إليه مثله جاز فيه ثلاثة أوجه:

أوَلها: الجمع: وهو الأكثر. نحو: ما أحسن رءوسكما. ومنه قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} . وإنما عبروا بالجمع مع أن المراد التثنية؛ لأن التثنية في الحقيقة جمع لُغَوى؛ ولأنه مما لا يقع فيه لَبس، ولا إشكال؛ فمن المعلوم ألا يكون للإنسان إلا رأس واحد، أو قلب واحد …

ثانيها: التثنية على الأصل وظاهر اللفظ؛ نحو: ما أحسنَ رأسَيْكما، وأطيبَ قلبيْكما.

ثالثها: الإفراد؛ نحو؛ ما أحسنَ رأسكما، وأطيبَ قلبَكما. وهذا جائز لوضوح المعنى، إذ كل فرَد له شيء واحد من هذا النوع، فلا يشكل، ولا يوقع في لبس. فجيء باللفظ المفرد، للخفة.

 

أما ما يكون في الجسد منه أكثر من واحد؛ كاليد، والرجل؛ فإنك إذا ضممته إلى مثله لم يكن فيه إلا التثنية؛ نحو: ما أكرمَ يديكما، وما أسرعَ رجليكما. أما قوله تعالى: {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فإنه جمع؛ لأن المراد الأيمان: “جمع يمين، أي: اليد اليمنى”.

وأما ما يتصل بالجسم وينفصل عنه من نحو: ثوب، وغلام فلا يجوز فيه إلا التثنية إذا ضممت منه واحدًا إلى مثله؛ نحو أُعْجبتُ بثوبيكما … وسلمت على غلاميكما … إذا كان لكل واحد ثوب وغلام. ولا يجوز الجمع في مثل هذا؛ منعًا للإبهام واللبس؛ إذا لو جمع لأوهم أن لكل واحد أثوابًا وغلمانًا. وهو غير المراد. وكذلك لا يجوز الإفراد؛ للسبب السالف.” النحو الوافي (1/ 161- 160)

وما يترشح من هذا النقل ما يلي:

1: أن أعضاء الجسم المفردة عند تثنيتها وإضافتها لمتضمنها يصح فيها الإفراد والقول : رأسكما / قلبكما / أنفكما

2: أعضاء الجسم المزدوجة عند التثنية وإضافتها لمتضمنها لا يجوز فيها إلا التثنية والقول : يداكما / رجلاكما / أصدَراكما . رغم ان عددها في الحقيقة هي أربعة، والأرجح القول أيديكما و أرجلكما، لأنها في المحصلة ليست اثنين بل أربعة.

وقد ذكر النحو الوافي رأيا آخر مشابها مع اختلاف بسيط، فيقول:

“”ملاحظة هامة”: من الضوابط اللغوية ما صرح به النحاة، وملخصه:

أن كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمِّنه- بكسر الميم الثانية المشددة، وصيغة اسم الفاعل: أي: إلى ما اشتمل على المضاف- يجوز فيه الإفراد، والتثنية، والجمع، والأفضل الجمع نحو قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وتقول: تصدقت برأس الكبشين – أو رأسي الكبشين، أو رءوسهما، وإنما فضل الجمع على التثنية؛ لأن المتضايفين كالشيء الواحد، فكرهوا الجمع بين تثنيتهما، ولأن المثنى جمع في المعنى. وفضل الجمع على الإفراد لأن المثنى جمع في المعنى- كما سلف- والإفراد ليس كذلك، فهو أقل منه منزلة في الدلالة على المثنى. هذا ما قاله النحاة كالصبان جـ3 والخضري جـ 2 في أول باب التوكيد- وينطبق ما سبق على “النفس والعين المستعملتين في التوكيد، خضوعا للسماع الوارد فيهما، لا تطبيقا للضابط السالف، فقد قال الصبان في الموضع المشار إليه: إن إضافتهما ليست لمتضمنهما، بل إلى ما هو بمعناهما، لأن المراد منهما الذات. وسيجيء في “ز” من ص 160 ضابط آخر أوضحه شارح “المفصل” وهو يخالف الضابط الذي هنا بعض المخالفة. ويبدو أن الرأي الأقوى هو ما قاله شارح “المفصل“. [النحو الوافي( 1/119-120)

قد يُستشف من هذا النص الثاني، على خلاف من النص الأول الذي نقلناه، أن أعضاء الجسم المفردة والمزدوجة أيضا في حال ضمها إلى مثيلها وإضافتها إلى متضمِّنها يجوز فيها الإفراد والتثنية والجمع. رغم أن النص الأول لا يجيز في المزدوجة إلا التثنية؛ ويقر النحو الوافي أن الرأي الأول الذي يقتصر المزدوجة على التثنية هو الأرجح. ولكن ما يهما من كل هذا أن التثنية في هذه الأعضاء المزدوجة ليست خاطئة فهي إما لازمة أو جائزة على أقصى حد.

ورغم أن الحديث في مثل هذه النقول جاء مقتصرا على حالة التثنية، إلا أن المعنى ينسحب على حالات الجمع أيضا، لأن التثنية هي كالجمع عند اللغويين ، كما يقول النحو الوافي فيما يلي:

 

“وقد يكون المراد عند اللغويين من الاسم المجموع- اثنين، لأن الجمع في اصطلاحهم يطلق على الاثنين، كما يطلق على ما زاد على الاثنين ويؤيد هذا شواهد كثيرة فصيحة، في مقدمتها القرآن. قال تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} وقوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} وقوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وقول أبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه الخمسة الذين ماتوا بالطاعون:

العين بعدهمو كأن حداقها … سملت بشوك، فهي عورا تدمع

فأطلق الجمع في قوله: حداقها – وهي جمع: “حدقة” وأراد الاثنين “كما جاء في حاشية ياسين على التصريج ج2 أول باب المضاف لياء المتكلم” وانظر رقم2 من هامش 137 ثم “ز” من ص160″. [النحو الوافي (1/ 119)]

وبناء عليه فإن نفس هذه النتيجة من الممكن تطبيقها على حالة الجمع أيضا، ولنفس الأسباب وهي عدم اللبس ووضوح المعنى.

فإذا كان وفق القاعدة أعلاه، يجوز في أعضاء الجسم المفردة عند ضمها لمثلها في حالة التثنية القول : رأسهما؛ لوضوح المعنى، إذ كل فرَد له شيء واحد من هذا النوع، فلا يشكل، ولا يوقع في لبس. فجيء باللفظ المفرَد، للخفة. فلا بد أن تنطبق هذه القاعدة في حالة الجمع أيضا أي في حالة إضافة العضو للجمع ، فيجوز القول: رأسهم، وأنفهم، ولسانهم؛ وذلك لوضوح المعنى إذ كل فرد من هذا الجمع له رأس واحد ولسان واحد وأنف واحد ، فلا يشكل ولا يوقع في لبس، فيؤتى باللفظ المفرد للخفة أيضا.

وإذا كان وفق القاعدة أعلاه يجب في الأعضاء المزدوجة عند ضمها لمثلها في حالة الثنية أن تكون فقط مثنّاة، كالقول : (رجلاكما)، رغم أن العدد الكلي المقصود يفوق الاثنين؛ فكذا أيضا في حالة الجمع أي إضافتها للجمع، فنقول: (رجلاكم)، رغم أن العدد الكلي المقصود يفوق الاثنين أيضا. وإذا كان وفق القاعدة نفسها قد أمن اللبس في لفظ المفرد عند إضافته للجمع، إذ المعنى يشمل رأس وأنف كل فرد من الأفراد، فكذا الأمر في حالة الأعضاء المزدوجة عند إضافتها للجمع فقد أمن اللبس فيها والمعنى واضح في شموله لكلتا اليدين والرجلين لكل فرد من أفراد الجمع .

ومما تذكره القاعدة أعلاه في قوله تعالى: {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فإنه جمع؛ لأن المراد الأيمان: “جمع يمين، أي: اليد اليمنى”. نستشف الفرق بين القول (يداكما) و (أيديكما) كما نستشف الفرق بين (يداكم) و(أيديكم) ؛ ففي القول يداكما/ يداكم ؛ يكون القصد شمول كلتا اليدين لكل فرد من الأفراد في المعنى المقصود، أما في القول (أيديكما/ أيديكم) فليس بالضرورة أن يشمل المعنى كلتا اليدين لكل فرد من الأفراد ، بل قد تكون فقط يد واحدة لكل فرد من الأفراد ، كما تدل عليه الآية مِن قطع يد واحدة فقط لكل فرد وهي اليد اليمنى.

فلو جاءت الآية على النحو التالي: “فاقطعوا يديهما” للزم قطع كلتا اليدين للسارق والسارقة، وهو ليس المراد من الحكم، إذ المراد قطع يد واحدة فقط وهي اليمين.

ولا بد هنا من الإشارة إلى الفرق بين أعضاء الجسم والتعامل معها في هذه الحالة من الإضافة لضمير الجمع،  وبين كلمتي (نفس) و(عين) التي هي من الفاظ التوكيد المعنوي ، والتي لا يصح فيها إلا الجمع في حال إصافتها إلى ضمير الجمع فنقول : جاء الطلاب أنفسهم / أعينهم، وما ذاك إلا لأن السماع جاء بها على هذه الصورة، وكذا لأن إضافتهما في هذه الحالة ليست إلى متضمنها كما هي الحال في أعضاء الجسم، بل هي مضافة إلى ما في معناها، حيث القصد منها الذات، كما يصرح بذلك الصبان في أحد الاقتباسات أعلاه.

 

وبناء على كل هذا يتضح صحة عبارات المسيح الموعود عليه السلام المذكورة في الجملة :

_  وإنهم قوم تفور المكائد من لسانهم وعينيهم وأنفهم وأُذنيهم، ويديهم وأصدَرَيهم ورجليهم. (سر الخلافة، ص 64).

فكلها تسير وفق القاعدة التي ذكرناها أعلاه ويقر بها النحاة أنفسهم. فالإتيان بلفظ المفرد خفّة للدلالة على الجمع في الكلمات (لسانهم/ أنفهم) لا لبس فيه، فالمعنى واضح أن القصد لسان وأنف كل واحد منهم. والإتيان بلفظ المثنى في (عينيهم/أذنيهم/يديهم/أصدريهم/ رجليهم) إنما جاء لتأكيد شمول كلتي العينين والأذنين واليدين والأصدرين والرجلين لكل واحد منهم.

وقد وردت مثل هذه العبارات في العديد من المصادر العربية نذكر بعضها :

 

1:عجائب المقدور في أخبار تيمور (ص: 308)

فحين قلعت من وجوههم عيناهم تيقنوا

2:تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (3/ 457)

وفقرهم ما بين عينيهم

3: خطط الشام (6/ 196)

في ذكر العلماء الذين أُصيبوا بفقد إحدى عينيهم

4: أرشيف منتدى الألوكة – 2 (ص: 0)

والرصاص يمر بجوار أذنيهم

5: أرشيف ملتقى أهل الحديث – 1 (79/ 215)

ليروا بأم عينيهم

6: أرشيف ملتقى أهل الحديث – 3 (34/ 493)

جعلتُ خَيرَهم بين عينَيهم

7: أرشيف ملتقى أهل الحديث – 3 (34/ 493)

شاهت الوجوه وعميت الأبصار وكَلَّتِ الألسن، جعلتُ خَيرَهم بين عينَيهم، وشرهم تحت قدميهم، وخاتَم سليمان بين أكتافهم.

وهذا الأخير ما جاء على لسان سيدنا علي بن أبي طالب في دعائه مما تناقلته كتب الشيعة.  هذا بالإضافة إلى أن هذا النوع من الإضافة قد تكرر في لغة المسيح الموعود عليه السلام أكثر من مرة في قوله : (عينيهم) و(يديهم)، فلا يمكن أن يكون كل هذا سهوا أو خطأ بل لغة عربية فصيحة مقصودة.