المظاهر الإعجازية في لغة المسيح الموعود ع العربية .. 158

الفصاحة في لغات المسيح الموعود عليه السلام ..5

المعيار الأساسي للحكم على فصاحة لغة معينة هو مجرد تلفظ العرب الفصحاء بها

نتابع ما أورده العلامة عباس حسن في سلسلة مقالاته: “صريح الرأي في النحو العربي داؤه ودواؤه” :

5: يؤكد عباس حسن أن لا فرق بين القبائل العربية المختلفة في فصاحتها، ولا مكان لتفضيل إحداها عن الأخرى بحجة مخالطة العجم. فقد عُرف عن قريش وبعض القبائل الستّ التي أخذت منها اللغة مخالطتها للعجم أيضا. ويقول في مسألة الدفاع عن القبائل الستّ التي أُخذت منها اللغة بحجة عدم مخالطتها العجم ما يلي:

فهذا دفاع واهن غاب عن أصحابه ما غاب عن جامعي اللغة أن هذه قبائل عربية أصيلة، و أنها تملك من اللغة أضعاف ما تملكه القلة المحصورة في الستة، و أنه لا يعيبها أن تسكن الحضر و أطراف البلاد و تقارب الأعاجم و النصارى هناك، ذلك أنها بحكم أصالتها العربية، و أنها من أهل شبه الجزيرة الخلص تملك أن تنشيء الكلمات إنشاء و تخترعها ابتداء؛ بل لكل فرد منها ذلك ما دام بعيدا عن التجريح (أي ليس متهما بالغفلة أو الجنون أو الكذب أو المرض المذهل) و لها أن تأخذ من لغات العجم ما تشاء فتنقله إلى لغتها باسم المعرب أو غيره من الأسماء، و إلا فكيف خُلقت الألفاظ العربية الصحيحة أول ما خلقت؟ و كيف دخلت الألفاظ المعربة في حوزة العربية و اندمجت مع أخواتها العربيات، و نطق بها خلصاء العرب القدامى، و نزل بها القرآن في آيات كثيرة و مواضع متعددة لأمم أعجمية مختلفة بين فارسية و حبشية و يونانية؟ كيف نوفق بين استبعاد تلك القبائل العربية الكثيرة و إباحة خلقها الكلمات ابتداء، و ابتكارها ما تشاء منها؟

كيف نوفق بين استبعادها عن ميدان الاستدلال بلغتها و كلامها من أجل تلك التعلة الواهية التافهة – و وجود المعرب الذي جرى على لسان العرب جميعا و بتخلل أبلغ كلام عربي مبين و هو القرآن الكريم؟ إن وجود المعرب أقطع دليل على أن العرب الناطقين به عاشروا العجم طويلا أو قصيرا و أخذوا عنهم بعض لغتهم بسبب هذه المعاشرة أو بغيرها من الأسباب فارتضوه و قبلوه و أدخلوه في لغتهم و أجروه على لسانهم و أخذ مكانه من القرآن و غيره؛ فليس مقبولا و لا معقولا بعد ذلك أن نرفض كلاما عربيا من إحدى القبائل بشبهة مهلهلة هي شبهة اتصالها بالأعاجم اتصالا قد يغريها بأخذ بعض ألفاظ أعجمية وزجّها في غمار العربية. على أنا نعلم أن بعض القبائل الستّ اتخذ له رحلات رتيبة إلى أطراف شبه الجزيرة شمالا حيث الرومان و السريان و بعض الناطقين بالعبرانية و جنوبا حيث النزلاء من الهنود و الفرس و اليونان. فقد كانت قريش (و هى أظهر تلك القبائل و أعظمها) ترحل كل عام رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام و تقيم فيهما و تخالط أهلهما ما شاءت لها دواعى التجارة و أسباب الحياة و كذلك كان بعض القبائل الأخرى يرحل إلى أطراف البلاد الشرقية حيث الفرس و حيث إخوانهم الذين أخضعهم الفرس لسلطانهم حينا من الزمان فليس من النصفة أن نفرق بين القبائل العربية في الحكم اللغوي و نجعلها درجات بعضها فوق بعض في الوقت الذي يسجل فيه أعلام الأئمة أن العرب الخلص سواسية من حيث صحة كلامهم و الاستشهاد بلغتهم، لا فضل لأحدهم على الآخر من هذه الناحية و ليس بينهم فاضل و لا مفضول فكلهم في هذا سواء. و إذا انفردت قبيلة أو عربي أمين بكلمة أو أكثر لم يسعنا إلا قبول ما انفرد به، و لم يجز لنا الرفض أو التجريح؛ يقول بذلك ابن جنى و أبو حيان و أبو عمرو و ابن فارس و الشافعي و غيرهم ممن تصدوا لبحث هذه المسألة فقد انتهوا فيها للرأى السالف الذي سجلناه في بحث آخر. ” [إ.ه]

النتيجة:

أقول: ما نستنجه من كلام عباس حسن هو ما يلي:

  1. لا فرق بين فصاحة القبائل العربية المختلفة ولغاتها، فكلها لغات عربية أصيلة وفصيحة.
  2. إذا شذّت لغة معينة مسموعة عن عربي فصيح، فلا إشكال في اعتبارها لغة عربية صحيحة وفصيحة، وذلك لمجرد سماعها من فصيح عربي، إذ للعربي الفصيح الحق في إنشاء اللغة وإدراجها ضمن لغته العربية الأصيلة . وهذا ما يقر به أئمة اللغة كالشافعي وابن جني وغيرهم.
  3. إقصاء القبائل العربية المختلفة في كونها مصدرا للّغة بحجة اختلاطها بالأعاجم هو خطأ فادح، لأن أفصح القبائل العربية اختلطت بالعجم وعاشرتهم مثل قريش، حيث كانت لها رحلة الشتاء والصيف.
  4. يحق للعربي الفصيح تعريب لغات أعجمية وإدخالها إلى اللغة العربية، فتصبح بذلك جزءا لا يتجزأ من الفصاحة العربية ، ودليل ذلك وجود هذا المعرب في القرآن الكريم نفسه.

وكل هذا يقودنا للإقرار بأن كل اللغات التي ذهبنا إليها في توجيهنا للغات المسيح الموعود عليه السلام، ما هي إلا لغات عربية صحيحة أصيلة وفصيحة، لا لشيء سوى لصدورها عن العرب الفصحاء. وهذا يفضي بنا للقول بأن المعيار الأساسي للحكم على لغة معينة كونها فصيحة هو مجرد تلفظ العربي الفصيح بها.

ومن هنا لنا أن نضع المعايير التالية التي تقودنا إلى الحكم بفصاحة لغات المسيح الموعود عليه السلام المختلفة:

المعيار الخامس: لا أفضلية للغة قبيلة عربية على أخرى فكلها قبائل ولغات عربية اصيلة

المعيار السادس: يحق للعربي الفصيح ارتجال اللغة وإنشائها

المعيار السابع: يحق للعربي الفصيح أخذ اللغة من الأعاجم وتعريبها

المعيار الأساسي والثامن: مجرد تلفظ العرب الفصحاء بلغة معينة يجعلها في عداد الفصيح، بغض النظر عن مدى شيوعها ومدى سماعها واتفاقها مع القياس .