خطبة الجمعة بتاريخ 3/1/2020م

أعلن حضرته في هذه الخطبة السنة الجديدة للوقف الجديد فتحدث عن التضحيات المالية في سبيل الله :

لقد بين المسيح الموعود u في كتابه الجليل “فلسفة تعاليم الإسلام” ثمانية وسائل لمعرفة الله تعالى ونيله وتوطيد الإيمان به، وهذه الوسائل هي التي تُحقق الغاية من خلق الإنسان.

قال المسيح الموعود u: “والوسيلة الخامسة التي وضعها الله للفوز بالمرام الأصلي هي المجاهدة، أي أن نطلب الله بإنفاق أموالنا في سبيله، وتسخير قوانا من أجله، والتضحية بنفوسنا وبذل عقولنا في سبيله، كما يقول I: ]وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ[، ويقول تعالى: ]وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[، ويقول تعالى ]وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا[ أي ابذلوا في سبيل الله أموالكم وأنفسكم.. بجميع ما فيها من قوى وملكات، وأنفقوا في سبيله كل ما أعطاكم من عقل وعلم وفهم ومهارة وغيرها. والذين يسعون بكل طريق في سبيلنا فإننا لا بد أن نُرِيَهم سبلنا.” (فلسفة تعاليم الإسلام)

ثم قال المسيح الموعود u في مناسبة وهو يبين طريق الحصول على حب الله تعالى: “لا يمكنكم أن تحبوا المال وتحبوا الله أيضا، بل تستطيعون أن تحبوا أحدهما فقط. وإذا أحب أحدُكم اللهَ تعالى وبذل المال في سبيله فإنني متأكد أنه سيبارَك في ماله أكثر من غيره، لأن المال لا يأتي تلقائيا بل يأتي بمشيئة الله. فالذي يتخلى عن جزء من ماله لوجه الله سيناله حتما، ولكن الذي يحب المال ولا يقوم بالخدمة كما يجب فسوف يخسره لا محالة. (محموعة الإعلانات ج2)

ثم قال u: “يجب أن يتعهد كل متنفس في جماعتنا أنه سيتبرع بمبلغ معين من المال، فالذي يتعهد لله I فالله يبارك في رزقه. (الملفوظات ج6)

وبفضل الله تعالى هناك مئات الآلاف من المخلصين الذين حين يُوجَّهون إلى أهمية التبرعات يسعون للتقدم في التضحية المالية بغية نيل حب الله تعالى.

ثم بين حضرته نقطة هامة جدا وهي أنه ليس الهدف من جمع التبرعات هو جمع المال فقط، وإنما الهدف الحقيقي منه هو التضحية في سبيل الله لكسب حبه. ومن أجل ذلك لفت حضرته نظر أبناء الجماعة إلى أمرين هامين وهما:

  • ضمّ المبايعين الجدد في نظام التضحية المالية وذلك ليتقربوا من الله وينالوا حبه.
  • أن لا يطلب من الأغنياء دفع التضحيات المالية عن أقاربهم الفقراء، وإنما ينبغي على الفقير أن يتبرع هو بنفسه رغم فقره حسب سعته. فإذا كان أحد يملك كثيرا من المال والثروة ويدفع منه قليلا فهذا ليس شيئا عظيما وأما إذا كان أحد يعاني من ضيق مالي وفقر ثم ضحى في سبيل الدين لنيل حب الله تعالى فهذه هي التضحية الحقيقة التي تكون وسيلة لإحراز قرب الله تعالى.

ثم ضرب حضرته مثلاً يوضح فيه كم كان حرص المخلصين من جماعة المسيح الموعود tكبيرا على أداء التضحيات المالية، حتى أنه عندما طلب مرة من المنشي ظفر أحمد t أن يطلب من جماعة مدينته أن يدفعوا مبلغ كذا، هيأ t هذا المبلغ من عنده رغم ضيق حاله، وضحى بهذا المال من عنده حيث باع حلي وزوجته، ولكن عندما علم أفراد جماعة مدينته بهذا غضبوا كثيرا لأنه حرمهم بركات هذه التضحية. لقد أعطى الله تعالى المسيح الموعود u مثل هؤلاء المخلصين الذين كانوا مستعدين لكل نوع من التضحية لنيل حب الله تعالى. وهذا هو النموذج الذي قدّمه صحابة الرسول r وأحياه اليوم أتباعُ المسيح الموعود u. وهذا لا يقتصر على عهد المسيح الموعود u فقط بل هو مستمر إلى اليوم. نرى كيف يقدم الناس تضحيات مالية في صناديق مختلفة ويضحون ولو كانت بهم خصاصة، ولكن الله تعالى الذي لا يبقى مدينا لأحد يُعيد إليهم مالهم بطريقة ما. ثم قدم بعض الواقعات والأمثلة في هذا الوقت، من أماكن مختلفة تظهر الكاميرون وأندونيسيا وغيرها من الدول:

  • كيف الله تعالى يبارك في أموال وأعمال وزراعة المتبرعين.
  • وكذلك تظهر أنه لا يهم كمية المال الذي يقدمه الشخص فالغني الذي يتبرع ببعض مالديه يحسن صنعا، ولكن الفقير الذي يتبرع بكل ما لديه فهذا يكون مثلا للتضحية في سبيل الله. فالمال القليل الذي يُدفع بإخلاص يتقبله الله تعالى ويعيده أضعافا وهذا هو المال الذي يتسبب في الوصول إلى الله تعالى ولتقوية الإيمان به تعالى.
  • وكيف يجعل الله تعالى خسارة بعض الأحمديين سببًا لإصلاحهم، فيزدادون إيمانًا مع إيمانهم.
  • وتبين أن الفقير المتوكل على الله تعالى، يعاملة الله تعالى وفقا لحسن ظنه به ولتوكله عليه.
  • كيف يعامل الله عباده المخلصين ويقوي إيمانهم.

كل هذه الواقعات هي من مناطق مختلفة، بعضها من أفريقيا، وبعضها من أمريكا، وبعضها من أوروبا، وبعضها من الشمال وبعضها من الجنوب، ولا يوجد بين أصحاب هذه الواقعات أي تواصل أو ترابط، ومع ذلك واقعاتهم مماثلة مشابهة. إن هذه الواقعات ليست من قبيل المصادفات بل هي طرق معاملة الله تعالى مع الذين يتوكلون عليه فيتعامل بها معهم لتقوية إيمانهم، وفيه دليل على صدق المسيح الموعود u.

إنهم أولئك الذين قال عنهم المسيح الموعود u بأنه يتعجب المرء عندما يرى مثل هؤلاء الناس وعندما يعرف كيف يقومون بالتضحيات عندما يتم حثهم عليها. فإنهم يقومون بالتضحية كما قال المسيح الموعود u كلما تم حثهم عليها.

لقد بدأ عام الـ 62 لمشروع الوقف الجديد من 31 ديسمبر 2019م، وبدأ العام الجديد من أول يناير/كانون الثاني 2020م. وفي العام المنصرم وفق الله الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية بدفع 9643000 جنيه أسترليني كتضحية مالية. وهذا المبلغ يربو على العام الذي سبقه بنصف مليون جنيه أسترليني.

وكانت ترتيب الدول حسب التبرعات على النحو التالي: بريطانيا، باكستان، ثم ألمانيا، ثم أميركا، ثم كندا، ثم الهند، ثم أستراليا، ثم إندونيسيا، ثم هناك جماعتان من الشرق الأوسط.

ترتيب عشرة فروع للجماعة التي أضافت تبرعها بشكل ملحوظ من حيث العملة المحلية مقارنة مع العام الذي سبق هو كما يلي: تحتل جماعة إندونيسيا، تليها ألمانيا، ثم أميركا، ثم هناك فرعان آخران من الجماعة. على أيه حال، هذه هي فروع الجماعة الكبرى بحسب الترتيب المذكور. لقد أضافت جماعة الهند أيضا بقدر ملحوظ. أما الإضافة في العملة المحلية التي قامت بها جماعة الهند أكثر مما أضافتها جماعة كندا وبريطانيا وفروع الجماعة في الشرق الأوسط وباكستان وأستراليا. فمن هذا المنطلق تحتل جماعة الهند مرتبة خامسة.

أما الفروع البارزة في أفريقيا من حيث جمع التبرعات فأولها غانا ثم نيجيريا ثم بوركينافاسو ثم تنـزانيا ثم بنين ثم غامبيا ثم كينيا ثم مالي ثم سيراليون ثم كونغو كِنشاسا.

بفضل الله تعالى قد ساهم في صندوق الوقف الجديد في هذا العام 1821000 شخص. وهكذا كانت زيادة عدد المتبرعين في هذا العالم مقارنة بالعالم المنصرم هي 89 ألف شخص.

والفروع البارزة في بذل الجهد لزيادة عدد المتبرعين هذا العام هي الكاميرون والسنغال والنيجر وسيراليون ونيجيريا وبوركينافاسو وإندونيسيا والفروع الأخرى.

ثم نوه حضرته إلى أن الوضع العام في العالم يفيد أنهم يدعون هلاكهم. في الشرق الأوسط أيضا تتدهور الأوضاع، ويتصاعد خطر اندلاع الحرب بين إيران وأميركا وإسرائيل، والوحدة بين الدول الإسلامية مفقودة. لذا يجب أن ندعو كثيرا لنجاة العالم من الدمار والمجيء إلى الله، أنزل الله عليهم فضله وألهمهم العقل والفهم. لقد بدأ العام الجديد ونحن نتبادل التهانئ، لكن الظلمات تشتد، فليكون هذا العام مباركًا يجب أن ندعو الله I، أن يجعله مباركا بحيث لا تسوق الحكوماتُ المادية العالمَ إلى الهلاك لتثبت تفوقها، بل تسعى لإرساء دعائم السلام والعدل، ولا تعقد العزم على القضاء على البشرية لنيل المصالح الشخصية تمسكا بأنانيتهم، وهب الله لهم العقل. أما البلاد الإسلامية فيجب أن ندعو الله I أن يوفقهم للتمسك بالمسيح الموعود والمهدي المعهود الخادم البار للنبي r، ليساعدوه على رفع لواء النبي r ونشر التوحيد في العالم، لا أن يعارضوه، فقد بلغوا منتهى المعارضة.

كما نسأل الله I أن يوفقنا نحن أيضا لأن نؤدي حق الإيمان بإمام الزمان u أكثر من ذي قبل، وبذلك نرفع لواء التوحيد في العالم ونأتي به تحت لواء النبي r ونوظف في سبيل ذلك جميع كفاءاتنا ووسائلنا، أما إذا كنا لا نفكر هكذا ولا ندعو بهذا التفكير ولا نستقبل العام الجديد مع أدعيتنا فإن تهانينا بالعام الجديد سطحية وغير مجدية.

يجب أن يدرك كل أحمدي صغيرا كان أو كبيرا وذكرا كان أو أنثى المسئولية التي تلقيها علينا التهنئةُ الحقيقية بالعام الجديد، وفي سبيل ذلك يجب أن يبذل قصارى جهوده وكفاءاته، كما يجب أن نسعى لخلق حالة خاصة في دعائنا وعلاقتِنا بالله I، عندها فقط يمكن أن ننال البركات الحقيقة لهذا العام وفَّقنا الله لذلك. آمين.