لقراءة بداية التفسير نرجو زيارة الرابط هنا: قصة سيدنا زكريا و سيدنا يحيى عليهما السلام – ولادة سيدنا يحيى وتسميته
أحوال سيدنا يحيى ؏:
أما الآن فأخبركم عن أحوال يوحنا، أي يحيى، كما وردت في الإنجيل.
يقول الإنجيل إن زكريا الكاهن وامرأته أَلِيصاباتُ كانا عجوزين. وكانت أليصابات عاقرًا، ولم يكن لـهما ولد. وكانا صالحينِ بارّينِ. وذات يوم ذهب زكريا ليبخّر البخور في الهيكل. فظهر لـه ملاك، وقال لـه: “لا تَخَفْ يا زكريا لأن طِلْبتَك قد سُمِعتْ، وامرأتُك أليصاباتُ ستلد لك ابنًا، وتسمّيه يوحنا. ويكون لك فرح وابتهاج، وكثيرون سيفرحون بولادته، لأنه يكون عظيمًا أمام الرب، وخمرًا ومسكرًا لا يشرب. ومِن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس. ويردّ كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم. ويتقدم أمامه بروحِ إيليّا وقوّتِه” (لوقا 1: 5-17).
ثم ورد أن هذا الملاك هو جبريل، وأن زكريا شك في قول الملاك، فصار أبكمَ لا يتكلم إلى أن وُلد يوحنا وتم ختانه.. أي ظل زكريا بدون كلام قرابةَ عشرة شهور. وهذا الأمر يخالف بيان القرآن الكريم، والبديهي أن ما يقول القرآن هو الأقرب إلى الصواب لكونه لائقًا بمكانة زكريا الذي كان نبيًّا، أما ما يذكره الإنجيل فلا يليق بمكانة نبي. وثمة فروق أُخرى بين بيان الإنجيل وبيان القرآن الكريم، وهي:
الأول: يقول القرآن إن الحافز الذي دفع زكريا ؏ للدعاء هو ذلك الكلام البريء الذي تكلمت به مريم. ولكن الإنجيل ساكتٌ بهذا الصدد، غير أن سكوته لا يرادف إنكارَه لهذه الواقعة. إذ ذكر في سياق تلقِّي زكريا بشارةَ الابن أنه كان يدعو الله تعالى من أجل الابن، حيث ورد أن الملاك قال لـه إن “طِلْبتَك قد سُمِعتْ” (لوقا 1: 13). بيد أن الإنجيل لم يذكر الحافز على هذا الدعاء. أما القرآن فقد بدأ هذه القصة بذكر هذا الأمر نفسه وقال إن زكريا لما تكلم مع مريم الصبية امتلأ قلبُه حماسًا للدعاء بسماع كلامها البريء، فدعا ربه من أجل الابن (آل عمران: 38-39). وهذا يعني أن الإنجيل لم يذكر الحافز الأساسي للحدث، وإنما ذكر الجزء الأخير منه، وهذا دليل على نقص الإنجيل.
ودليلنا على صحة بيان القرآن هو أن يحيى وُلد عند زكريا في أواخر عمره، وهذا باعتراف الإنجيل نفسه، إذ ورد فيه أن الملاك لما بشّره بالولد قال: “كيف أعلم هذا لأني أنا شيخ وامرأتي متقدمة في أيامها” (لوقا 1: 19). والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا لم يقم زكريا بهذا الدعاء من قبل؟ إن دعاءه في أواخر عمره لدليل واضح أنه كان وراء دعائه حافز جديد، وما هو إلا أن مريم كانت قد وُلدت في تلك الأيام من عمره، فكان كلامها البريء هو الحافز الجديد الدافع لـه إلى الدعاء. إن هذه القرينة لدليل على أن بيان القرآن هو الصحيح…
الثاني: يقول الإنجيل إن الملاك هو الذي بشّر زكريا بالولد، أما القرآن فيخبر أن الله تعالى هو الذي بشره به. ولكن هذا ليس اختلافًا في الحقيقة، لأن الملائكة هي التي تأتي برسالات الله عادةً، ولأنها لا تتكلم بالغيب من عندها، وإلا لزم اعتبارها آلهةً. فلو سلّمنا أن الملاك هو الذي قد بشره بالابن فإنما بشره من عند الله تعالى. لذا فيمكننا أن نقول إن الملاك قال كذا، كما يجوز لنا أن نقول إن الله تعالى قال كذا. فإذا كان الإنجيل يخبرنا أن الملاك قال لـه إن “طِلبتَك سُمعتْ” فهذا يعني أن الله تعالى أخبر الملاك أنه قد استجاب دعاء زكريا. فكان قول الملاك نيابة عن الله تعالى. ومثاله كمثل شخص يرى ثمرة المانجو في المنام، وتعبيره أنه سيُرزق ابنًا؛ ثم بعد فترة يُرزق ابنًا بالفعل، فيقول للناس: لقد أخبرني الله تعالى سلفًا بولادة الابن عندي؛ فهل من عاقل في الدنيا يقول لـه: إنك كاذب؛ متى أخبرك الله بذلك، إنما رأيت في المنام المانجو فحسب. وكل من يقول مثل هذا الكلام سيعتبره القوم مجنونًا، إذ كان الرجل قد أُخبر بذلك من عند الله تعالى ولو على شكل رؤية المانجو في الرؤيا.
فيمكننا القول إن الملاك أخبر زكريا بولادة الابن، كما يمكننا القول إن الله تعالى أخبره به؛ لأن الملائكة لا تبشّر من عندها وإنما من عند الله تعالى. وهذا هو الثابت في موضع آخر من القرآن الكريم حيث سرد الله الحدث نفسه وقال (فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) (آل عمران: 40). فترى أن هذه الآية لا تذكر كلام الله تعالى مع زكريا، بل كلام الملائكة معه. فثبت أن ما ورد في سورة مريم بأن الله تعالى قال لزكريا لا يعني أنه تعالى كلّمه مباشرة، بل المراد أنه تعالى كلّمه من خلال الملائكة أي سيّدِهم جبريل كما صرّح بذلك في سورة آل عمران. فليس هنا أي اختلاف، بل هو مزيد من الشرح اللطيف، حيث بين الله تعالى أن كلام الملاك إنما هو كلامه تعالى في الواقع. فيمكن أن نقول إن الله قال كذا، كما يمكن تمامًا القول إن الملاك قال كذا…
الثالث: ورد في الإنجيل أن يوحنا كان إرهاصًا للمسيح عليهما السلام، ولكن القرآن الكريم لا يذكر ذلك. وهذا الأمر أيضًا من الاختلافات التي يثيرها المسيحيون.
والجواب أن القرآن الكريم لم يذكر هذا الأمر هنا في سورة مريم، ولكنه يقول في وصف يحيى في سورة آل عمران (مصدِّقًا بكلمة من الله) (آل عمران: 40). فليس ثمة اختلاف في الحقيقة. ذلك أن الإنجيل ينبئ أن يوحنا سيسير أمام المسيح بروح إيليّا وقوته (لوقا 1: 17)، ويقول القرآن الكريم أنه سيحقق بمجيئه نبوءة وردت في الصحف السابقة. والظاهر أن سرد قصةٍ ما كاملةً في موضع واحد ليس ضروريًّا، فإن الكتاب المقدس أيضًا قد ذكر جزءًا في مكان وآخرَ في مكان آخر.
الرابع: ورد في القرآن الكريم أن زكريا أُعطيَ آيةَ عدم الكلام ثلاثة أيام -سواء أكان توقّفَ عن الكلام قصدًا، أم أن الله تعالى جعل لسانه لا ينطق- بينما يقول الإنجيل إن لسانه توقف عن الكلام عقابًا من الله تعالى، فظل أبكمَ منذ تلقى البشارة إلى أن وُلد يحيى وجاء يوم ختانه، فسئل عن اسم الولد، فكتب على لوح أن اسمه يحيى، فانفتح لسانه وتكلم (لوقا 1: 20 و57-64).
لا شك أن ثمة اختلاف في بيان القرآن الكريم والإنجيل، وعلى المرء أن يسائل عقله وضميره ليعرف أي البيانين حقٌّ وصـدق. فهناك كاهـن بحسب الإنجـيل -والكاهن يماثل المحدَّث عندنا نحن المسلمين- يمنحه الله تعالى الإنعام الإبراهيمي، أعني أن إبراهيم ؏ كما وُعد في شيخوخته بابن من عند الله تعالى كذلك وُعد زكريا العجوز بابن كان موعودًا من قِبل جميع الأنبياء في رأي المسيح، وكانت ولادته ضروريّة وإلا لم يأت المسيح أيضًا؛ ومع ذلك عندما قال زكريا: أنّى يكون لي ولد وأنا شيخ عجوز وامرأتي عاقر، عاقبه الله تعالى بعذاب، وصيّره أبكم لا يتكلم حوالي عشرة أشهر. وذلك بالرغم أن الفعل نفسه قد صدر عن سارة زوجة إبراهيم، حيث ورد: “فضحكت سارة في باطنها قائلةً: أبَعْدَ فنائي يكون لي تنعُّمٌ وسيدي قد شاخ” (التكوين 18: 12)، ولكن ما نـزل بها أي عذاب، ولم يجعلها الله تعالى بكماء ليوم واحد. إذا كان هذا الفعل جناية كان لزامًا أن تعاقَب عليه سارة أيضًا كما عوقب زكريا للسبب نفسه بالبكم لعشرة أشهر.
ثم يتضح من الإنجيل أن زكريا ما قال ذلك إنكارًا، بل عجبًا واستغرابًا من قدرة الله تعالى بدليل قول الملاك: “لا تخَفْ يا زكريا لأن طِلْبتَك قد سُمعتْ” (لوقا 1: 13).. أي أن دعاءك قد استُجيب. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل صار زكريا وزوجته عجوزين في ذلك اليوم بالتحديد؟ لا بد أنهما قد شاخا قبل ذلك بفترة. فإذا كانت ولادة الابن أمرًا مستحيلاً في رأي زكريا فلماذا دعا إذًا من أجل الابن؟ إن دعاءه هذا، ثم قول الملاك هذا، يؤكدان إيمانَه بأن الله قادر كل القدرة على أن يهب له الولد. كان زكريا يدرك أنه عجوز، وأن زوجته أيضًا عجوز، ولكنه على يقين أن الله تعالى يملك القدرة المُطْلقة، ومن أجل ذلك كان يواظب على الدعاء من أجل الابن. فلما تلقى الخبر باستجابة دعائه هذا استولت عليه الحيرة وقال في نفسه مستغربًا: سبحان الله، كيف استُجيب هذا الدعاء غير العادي؟ ولكنه لم يكن منكرًا لقدرة الله على ذلك. والبديهي أن العقاب إنما ينـزل بالمنكِر المتردد، أما المتحير المستغرب فلا يعاقَب، بل يعطى الصلات والجوائز.
إذن فإن هذه الشهادة من الإنجيل نفسه لتدعم بيان القرآن الكريم بأن زكريا طلب من الله تعالى آية على ولادة الابن، ولكنه لم ينكر قدرة الله. فثبت أن الإنجيل قد أخطأ حين قال أن زكريا عوقب، فظل أبكمَ لا يقدر على الكلام قرابة عشرة أشهر، وأن القرآن كان على حق حين قال إن سكوت زكريا استمر ثلاثة أيام فقط، وأن هذا السكوت لم يكن عقابًا من الله تعالى، وإنما لكي يذكر الله تعالى في تلك الأيام بكثرة. يقول الله تعالى (آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) (آل عمران: 42). أي أن زكريا مُنع من الحديث مع الناس في تلك الأيام حتى يذكر الله فيها كثيرًا، من غير أن يكون به أي عيب ولا مرض كالعي والخرس كما اتهمه الإنجيل. ومن أجل ذلك قال الله تعالى (آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) (مريم: 11).. أي أن علامة ذلك أنك لن تتكلم ثلاث ليال، ولكنك تكون (سويًّا) أي بريئًا من أي مرض وعيب. فما أصدقَ ما يقوله القرآن الكريم! فإن الله تعالى لما استجاب دعاء زكريا قال: دَعْني يا رب أشكرك الآن. قال: فاعتكِفْ في المسجد ثلاثة أيام منشغلاً بذكري، وهذا سيكون آية على شكرك لي. أما ما يقوله الإنجيل فغلطٌ عقلاً ونقلاً…
الخامس: ورد في الإنجيل أن مريم لما حملتْ وذهبتْ لزيارة أم يوحنا، امتلأت أم يوحنا بالروح القدس فقالت: “فمِن أين لي هذا أنْ تأتيَ أُمُّ ربي إليّ. فهوذا حين صار صوتُ سلامكِ في أذنيّ ارتكض الجنينُ بابتهاج في بطني” (لوقا 1: 43-44). ولكن القرآن الكريم يقول في صفة يحيى (وآتيناه الحُكمَ صبيًّا) (مريم: 13)، ويقول إنه كان (سيِّدًا وحَصورًا) (آل عمران: 40).. أي أن الله تعالى قد منحه منذ صغره القوة الروحانية والحكمة الروحانية والحكومة الروحانية، وأنه كان سيدًا وبريئًا من كل عيب ومنقصة.
فالمسيحيون يقولون إن كتابهم يعدّ يحيى عبدًا للمسيح، فكيف يعدّه القرآن سيدًا وأنه قد أُعطي السيادة منذ نعومة أظفاره؟
والرد على قولهم هذا هو أن فقرات أُخرى من الإنجيل تؤكد أن الإنجيلي لوقا قد زاد هذا القول من عنده في إنجيله على سبيل المبالغة فحسب، إذ لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة. لو كان يحيى مجرد خادم للمسيح، كما يزعم لوقا، فما الذي دفع المسيح ليكون تلميذًا ليحيى؟ إن كتّاب الأناجيل قد ظلموا هنا سيدهم المسيح ظلمًا عظيمًا في محاولتهم لأن يرفعوه أكثر من مكانته الحقيقية. فمثلاً يقول متّى في إنجيله إن المسيح جاء إلى يوحنا ليتعمد منه، ولكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاج أن أتعمد منك وأنت تأتي إليّ؟ (متى 3: 13-14).. أي أنك يا سيدي وأستاذي وأنا تلميذك، فكيف أعمّدك؟ ثم نسبوا إلى المسيح أنه قال ليوحنا: “اسمحِ الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمّل كل برٍّ” (المرجع السابق: 15).. أي صحيح أنني أعظم منك، ولكن ما دام الأنبياء قد تنبأوا بذلك فلا بد لنا أن نحقق نبأهم. كم هو غير معقول هذا الجواب! ذلك أن المسيح إذا كان أسمى من أن يكون تلميذًا ليوحنا فلماذا تنبأ الأنبياء بذلك أصلاً، ولماذا قدر الله تعالى هكذا. أليس غريبًا أن المسيح يذهب إلى يوحنا ليبايع على يده، ولكن يوحنا يقول لـه: كيف آخذ منك البيعة وأنت أعظم مني؟ فيجيبـه المسيح: لقد أخطأ الأنبياء إذ تنبأوا بأنك ستعمدني. لا شك أنني أعظم منك ولكن ماذا نفعل الآن؟ علينا أن نعمل كما قالوا. ثم إن لوقا أيضًا لم يذكر هذا الحوار، بيد أنه ذكر قصة تتلمذ المسيح على يد يوحنا.
أما يوحنا فلم يذكر في إنجيله أصلاً أن المسيح قد تعمد على يد يوحنا. ولكن هذا لن يجديه شيئًا، لأن الأناجيل الثلاثة تنصّ على أن يوحنا قد عمّد المسيح، أي صار أستاذًا لـه.
إذن فمن الخطأ والعبث القول أن يوحنا، وهو في بطن أمه، قد اعترف بعظمة المسيح. إذا كان الأمر كما يقولون فلماذا أمره الله تعالى أن يعمّد المسيحَ. علمًا أن القسيس “ويري” قد استشاط غضبًا على قول الله تعالى في القرآن (مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ) (آل عمران: 40)، فقال كيف اعتبر القرآن يوحنا مصدقًا للمسيح مع أنه أدنى منه شأنًا (تفسير القرآن لـ”ويري” مجلد 2 ص 16-17). والحق أن قول القسيس “ويري” هذا إنما يدل على غبائه هو، لأن الإنجيل نفسه يؤكد ما قاله القرآن.. أي كان يوحنا إرهاصًا للمسيح عليهما السلام.
السادس: يقول القرآن الكريم إن الرزق كان يأتي مريمَ بكرةً وعشيًّا، ولكن الإنجيل لم يذكر ذلك. وهذا الاختلاف ليس بشيء. إن حب الناس للصغار شيء طبيعي. أما إذا كان الأطفال ممن قد نذرهم آباؤهم في سبيل الله تعالى فيبدون نحوهم مزيد الحب وكبير الاحترام، كما يُهْدونهم الهدايا لمعرفتهم بمكانتهم السامية. أما الذين يجهلون المقام السامي لهؤلاء الأولاد فيعطونهم الصدقات. فكان القوم يأتون مريم بشتى الهدايا حبًّا واحترامًا لها. وقد سجل ميور وآرنولد أيضًا في كتبهما روايات مسيحية بهذا المعنى، وقدموها كمعجزة للمسيح (المرجع السابق).
ولقد انطوت كلمة (غلام) على البشارة إلى الأمور التالية: الأول أن المولود سيكون ذَكرًا، والثاني أنه سيبلغ سن الكهولة، والثالث أن زكريا سيرى الأيام السارّة من حياة ابنه. فدُهش زكريا ؏ من عظمة البشارة وقال مستغربًا: لقد أصبحتُ شيخًا هرمًا، وزوجتي عقيم لا تلد، ومع ذلك يبشرني ربي بابن، وبأني سأعيش أيامًا بعد ولادته وسأقوم بتربيته؟ فما هذا الوحي الغريب المفعم بالعجائب؟
قال الله تعالى (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)… (خلقتُك) لا يشير هنا إلى الخلق المادّيّ، إذ لا خصوصية لزكريا في هذا الخلق، وإلا لقال الله تعالى “وقد خلقتُ الكون كله من قبل ولم يك شيئًا”. فما دام الله تعالى يوجه الخطاب هنا إلى زكريا خاصة، فثبت أن الحديث هنا لا يدور عن الخلق المادي، وإنما يشير في الواقع إلى أمر آخر، وهو -عندي- ما ذُكر في قوله تعالى (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (مريم: 8). فولادة ابن عند زكريا أولاً، ثم كون الابن يعيش ثانيًا، ثم كونه ابنًا غير عادي منقطع النظير في مجالات معينة ثالثًا كانت أمورًا محيرة حقًّا. فأجاب الله على الأمرين الأولين بقوله (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ). بينما أجاب على الأمر الثالث بقوله (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا).. أي لم يكن لك يا زكريا من قبلُ شأن يُذكَر، ثم وهبنا لك العلوم والمعارف، كذلك نحن قادرون القدرة كلها على أن نمنح ابنك أيضًا هذه الحقائق والمعارف.
لقد استخدم القرآن في مواضع كثيرة كلمة “الآية” بمعنى الأمر والحكم، ولذلك تُسمَّى جُمل القرآن آياتٍ لكونها تحتوي على أوامر الله تعالى وأحكامه. فقول زكريا (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) (آل عمران: 42) يعني ربِّ مُرْني بشيء أقوم به.. أي لقد أنعمت عليّ بنعمة عظيمة أريد أن أشكرك عليها، فأرجوك أن تأمرني بأمر يكون علامة ظاهرة على شكري إياك، فأقوم به وأفرح بأني قد نفذّتُ أمر ربي.
يتضح من التوراة أن الله تعالى جعل لبني إسرائيل بعض العلامات بصدد الأنباء المستقبلية. فكانت بعضها علامات سماوية، وبعضها عبادات فقط. فقد ورد في التوراة أن الله تعالى عهِد إلى نوح ؏ وأولاده أنه لن يأتي بعد ذلك بطوفان عالمي في المستقبل، وقد جعل قوس قزح علامةً على ذلك…
لا شك أن هذه الرواية مشوهة، إلا أنها تخبرنا بكل تأكيد بعادات اليهود وتقاليدهم، مبيّنةً أن الله تعالى إذا عهد إليهم عهدًا جعل على تحقيقه علامة ظاهرة من عنده. وأحيانًا جعل الله لذلك أمرًا كان على العباد القيام به. فقد ورد في التوراة: “قال الله لإبراهيم: وأما أنت فتحفظ عهدي، أنت ونسلُك مِن بعدك في أجيالهم. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يُختَن منكم كلُّ ذَكَرٍ. فتُختَنون في لحم غُرْلَتِكم. فيكون علامةَ عهدٍ بيني وبينكم.” (التكوين 17: 9- 11).
فاتضح من هذه الفقرات أن القيام ببعض الحسنات قد جُعل علامة ظاهرة على تحقق بعض الأنباء عند بني إسرائيل. وعلى هذا النحو نفسه دعا زكريا ربَّه فقال: (ربِّ اجْعَلْ لي آيةً).. أي مُرْني بشيء أعمله حتى يصبح وعدك أمرًا مفعولاً. ذلك أن العبد إذا وفى بوعده أنجز الله وعده حتمًا كما وعد تمامًا، ولم يبدّله بشكل آخر.
ثم تقول الآية: (قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا) (مريم: 11).. أي قال الله تعالى إني آمرك، كعلامة على شكرك لي، أن لا تكلّم الناسَ ثلاث ليال وأنت سليم معافى لا مرض بك ولا عيب، وذلك لكي تتمكن من التركيز على ذكر الله في هذه الأيام خاصة.
لقد اشترط الله تعالى هنا إنجاز وعده بأمر من أوامره، والحكمة في ذلك أن العبد لو نفذ أمر الله تعالى فلا بد أن يتحقق ذلك الوعد ولا يلغى أبدًا.
لما أُمر زكريا بالسكوت ثلاث ليال مع نهارها ليذكر الله خلالها كثيرًا، قرّر العملَ بأمر الله تعالى. فخرج مِن غرفته أو محراب مسجده، وكلّم أصحابه بكلام خافت لم يُسمعه غيرهم. وهذا أيضًا يؤكد أنه لم يفقد القدرة على الكلام بتاتًا، بل يعني قوله تعالى (فأوحى إليهم) أنه تكلم معهم بحيث لم يسمع غيرهم.
وفي سورة آل عمران قال الله تعالى (آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا) (آل عمران: 42) بدلاً من (أوحى إليهم). وبما أن كلمة الرمز تعني الإشارة عمومًا، فقد فسرها المفسرون هنا بمعنى الإشارة متأثرين من بيان الإنجيل (تفسير ابن كثير). ولكن تذكر القواميس أن من معاني الرمز الإيماء بالشفتين أو العينين أو الحاجبين (الأقرب). والظاهر أن الإنسان لا يشير بالشفاه وإنما يتكلم بها كلامًا خافتًا. فالمراد من الإيماء بالشفاه أن يتكلم الإنسان بحيث لا يرتفع صوته، كقولنا لمن يكون بحنجرته التهاب: تكلّمْ بحيث لا يرتفع صوتك. بل يقول الثعالبي الإمام في اللغة عن لفظ الرمز: “هو مختص بالشفة”× (“فقهُ اللغة” للثعالبي: فصلٌ في تفصيل تحريكات مختلفة).. أي هو مختص بالكلام الخافت بالشفة دون الحنجرة. وهذا المعنى مطابق تمامًا لقوله تعالى (فأوحى إليهم).. بمعنى أن زكريا مُنع من الكلام بصوت عال، وأُمر بالكلام بالشفاه أي بصوت خافت. ذلك لأنه كان لزامًا عليه أن يبلّغ أصحابه القريبين بما أمره الله به، فقال لهم بصوت منخفض جدًّا: سوف أركّز على ذكر الله تعالى في الأيام الثلاثة التالية خاصة، فاذكروا الله أنتم أيضًا بكرة وعشيًّا. ولأن البكرة يطلق على الصباح إلى الظهر، ويطلق العشي على ما بعد زوال الشمس إلى الليل، فالمراد أنني سأقضي كل هذه الأيام في ذكر الله وعبادته، فعليكم أيضًا أن تركّزوا فيها على العبادة والذكر.
× لم نعثر على هذه العبارة في النسخة المتوفرة لدينا للمصدر المشار إليه. بيد أنه ورد فيه: “رَمَزَ بِشفته” (“فقهُ اللغة” للثعالبي: فصلٌ في تقسيم الإشارات) (المترجم)
نستنبط من هذا أن التوراة وصُحفها لم تكن قد أصبحت منسوخة حتى ذلك الوقت. ذلك لأن يحيى ؏ لم ينـزل عليه أي كتاب جديد بحسب عقيدة المسلمين والمسيحيين أيضًا. فالمراد من الكتاب الذي أُمر يحيى بأخذه بقوة هو التوراة.
الغريب أنه قد جاء في ذلك الزمن نبيّانِ الواحدُ بعد الآخر، وقد استخدم القرآن لكل واحد منهما كلمة (صبيًّا). يخبرنا الله تعالى أن أمّ عيسى ؏ لما جاءت به قومَها قال لها اليهود (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (مريم: 30). وهذا يعني أن الناس سموا عيسى صبيًّا، وأما يحيى فسماه الله صبيًّا. وذلك ليشير إلى أنه إذا كان كلام عيسى ؏ في صغره معجزة فإن يحيى أيضًا كان موصوفًا بهذا الوصف حيث قال الله عنه (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (مريم: 13).
إذًا فالله تعالى قد فنّد في هذه السورة مزاعم المسيحيين بذكر كل الأمور التي يستدلون بها على أفضلية المسيح. وإليك بيانها:
- أولاً: يقال أن المسيح كان حليم القلب ورؤوفًا ومحبًّا للجميع. فردّ الله تعالى عليهم بقوله إن يحيى أيضًا كان حليم القلب ورؤوفًا ومحبًّا للجميع.
- ثانيًا: يقال أن المسيح قد أتى بشرع جديد، فيقول الله تعالى لقد أمرنا يحيى هو الآخر بأخذِ الكتاب بقوة.
- ثالثًا: يقال أن المسيح تكلم وهو صغير، وهذا دليل على أفضليته، فيقول الله تعالى إننا جعلنا يحيى مأمورًا من عندنا وهو صغير، وبعثناه إلى الناس.
- رابعًا: يقال أن المسيح كان بريئًا من الذنوب، فيقول الله تعالى إن يحيى أيضًا كان مبرأً من الذنوب حيث قال (وزكاةً).. أي منحناه الطهر والقدس.
لقد وصف الله تعالى يحيى هنا بكل الخصوصيات التي تعزى إلى المسيح ليقيم الحجة على المسيحيين، وقال إذا كنتم تفضلون المسيح على الأنبياء الآخرين بسبب هذه الأمور فلم لا تؤمنون بأفضلية يحيى الذي كان هو الآخر مخصوصًا بها.
وبعد أن وصف الله تعالى يحيى بأنه آتاه (زكاةً) قال الآن (وكان تقيًّا).. أي كان صاحب تقوى وورع… وقوله تعالى آتيناه (زكاة) يعني غير ما يعنيه قوله تعالى (وكان تقيًّا). ذلك أن الزكاة في العربية تعني إزالة العيوب الباطنة، أما التقوى فيعني إزالة العيوب الخارجية. فالآية تعني أننا منحناه من عندنا الحلم والرفق، وجعلنا أفكاره المختلجة بداخله طاهرة، كما وهبنا لـه القوة ضد المساوئ التي تهاجم من الخارج.
لقد أخبر الله تعالى بقوله (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ) أن يحيى كان مطيعًا كاملاً لوالديه. كان متخلقًا بالأخلاق التي يحبّانها، ومتجنبًا لجميع المساوئ التي كانا يكرهانها.
ثم قال الله تعالى (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا). لقد وصف الله تعالى يحيى بهذه الصفات خاصة ليفنّد مزاعم النصارى الذين يقدمون بكل زهو وتباه التعليمَ التالي للمسيح: “مَن لطَمك على خدّك الأيمن فحَوِّلْ لـه الآخرَ أيضًا” (متى 5: 39). فيردّ الله تعالى عليهم ويقول إن يحيى أيضًا لم يكن جبّارًا، وأنه هو الآخر قد دعا الناس إلى ترك الظلم والعدوان.
إذن فقد وهب الله تعالى ليحيى كل المحاسن التي تُعزى إلى المسيح ؏. لا شك أن المسيح كان أعظم درجة من يحيى عليهما السلام، ولكن الحديث هنا لا يدور عن الدرجة والمقام، وإنما يخبر الله تعالى هنا أن المسيح لم تكن فيه خصوصية خارقة للعادة. ذلك لأن المسيحيين يبالغون جدًّا في تعظيم المسيح ؏ زاعمين أنه قد وُجدت فيه صفات خارقة، ولذلك رد الله تعالى على مزاعمهم هذه، مؤكدًا أن يحيى أيضًا كان متحليًّا بتلك المزايا والمحاسن؛ فإذا كنتم تبالغون في تعظيم المسيح بسببها فلم لا تفعلون ذلك بحق يحيى أيضًا.
معنى السلام على يحيى ؏:
يظن البعض أن السلام المشار إليه في الآية هو السلام المادي، ولأن السلام كان مقدرًا ليحيى ؏ يوم موته أيضًا فثبت أنه لم يُستشهد.
ولكني أقول إذا كان السلام يعني سلامته من القتل، فما هو المراد إذن من السلام عليه يوم القيامة؟ فهل سيحاول عدو من أعدائه اغتياله يوم القيامة حتى وعده الله بالسلام في ذلك اليوم أيضًا؟ إذا كان هذا هو مفهوم السلام فسيكون معنى الآية كلها كالآتي: أن يحيى سيسلَم من القتل يوم يولد، وسيسلَم من القتل يوم يموت، وسيسلم من القتل حين يُبعث حيًّا يوم القيامة!
الحق أن الله تعالى قد أشار هنا إلى ثلاثة أدوار مختلفة، ولكن أصحاب الرأي المذكور أعلاه قد أخطأوا في فهم هذه الآية. الواقع أن حياة الإنسان ثلاث. فتبدأ الحياة الأولى بولادة الإنسان وتنتهي بموته. وأما الثانية فتبدأ بموت الإنسان وتستمر إلى يوم القيامة، وتسمى الحياة البرزخية. وأما الثالثة التي تُسمَّى يوم البعث في القرآن الكريم، فتبدأ بدخول أهل الجنة الجنةَ وأهل النار النارَ بشكل كامل. فالولادة بداية للحياة الدنيا، والموت بداية للحياة البرزخية، ويوم القيامة بداية للحياة الآخرة. ويخبرنا الله تعالى هنا أن سلامنا سيشمل يحيى في كل هذه الفترات من الحياة؛ فسينـزل عليه السلام منا عند ولادته، وسيظل متمتعًا بها في حياته الدنيا كلها. ثم يشمله السلام منا حين يموت، وسيظل في سلام خلال حياته البرزخية. ثم يكون في سلام يوم القيامة، وسيظل موردًا لفضل الله ورحمته في حياته الآخرة.
وباختصار فلا ذكر للقتل في هذه الآية، وإنما يدور الحديث هنا عن الأنواع الثلاثة من الحياة، حيث أخبر الله تعالى أن يحيى سيكون موردًا لسلام الله تعالى في كل فترة من فترات حياته الثلاث.
الحق أن لكلمة السلام مفاهيم واسعة. لا شك أنها تعني تارةً العصمة من القتل بيد العدو أيضًا، ولكنها تعني السلامة من المرض حينًا؛ وتعني الحماية من الفشل حينًا آخر. إذن فلا يصح أبدًا تحديد مفهوم لكلمة ذات مدلولات عديدة بغير قرينة قوية ولاسيما إذا كان ذلك المفهوم مخالفًا لوقائع التاريخ.
فثبت أن السلام هنا ليس سلامًا ماديًّا، إذ لا يمكن في هذه الحالة تفسير السلام وقت الموت، لأن الإنسان لا يموت إلا جراء مرض أو حادث، فأين السلام إذن؟ مما يدل دلالة واضحة أن السلام هنا لا يعني السلام المادي، وإنما السلام الروحاني. والمراد من السلام على يحيى يوم ولادته أنه سيولد بريئًا من كل النقائص العقلية والنفسية، والمراد من السلام عليه يوم موته أنه سيظل مبرَّأً من جميع الأمراض الروحانية، وأن الله سيشمله بفضله ورحمته أيضًا يوم يُبعث حيًّا.
لقد جاءت هذه الآية أيضًا لإبطال خصوصية تُعزى إلى المسيح ؏. إذ يزعم البعض أنه لم يسلَم من مسّ الشيطان أحد من البشر إلا عيسى وأمه. وهذا لم يقل به المسيحيون بل قاله المسلمون منّةً على المسيحيين (تفسير ابن كثير: قوله تعالى وإني أُعيذها بك وذريّتَها من الشيطان الرجيم). فكان الله تعالى يعلم أنه سيأتي على الناس زمان سيقول فيه المسلمون أن المسيح معصوم من مس الشيطان، وهذه خصوصية ينفرد بها المسيح وحده؛ فرد الله ﷻ على زعمهم فقال عن يحيى ؏ (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ).. أي لقد كان يحيى تحت ظل سلام الله تعالى منذ يوم ولادته. فإذا كان الشيطان يمس كل إنسان عند ولادته فكيف يمكن أن يقول أحد: كم كان مليئًا بالسلام والرحمة اليومُ الذي وُلد فيه يحيى ومَسَّه فيه الشيطان! إن كل عاقل يدرك أن الشيطان ما دام يمسّ كل واحد من البشر عند ولادته فلا يمكن القول عن يحيى أن يوم ولادته كان يوم سلام وبركة. إنما يصح هذا القول إذا كان الشيطان لم يمسه عند ولادته.
وباختصار فإن الله تعالى قد نبّه المسلمين هنا أن عليهم لدى الجدال مع أهل الكتاب أن ينظروا في أحوال يوحنا، وسيجدون أن الأمور التي تُعزى إلى المسيح توجد كلها في يوحنا أيضًا. فما خصوصية المسيح في ذلك إذن؟ فبدأً من قوله (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) حتى آخر هذه السورة قد ساق الله تعالى البراهين على بطلان المسيحية منبهًا المسلمين أنهم حين يذكرون أخلاق نبيهم ﷺ العالية فلن يقبلها المسيحيون. وها نحن نخبرهم بطريق الجدال مع هؤلاء القوم. عليهم أن يقروا في الإنجيل أحوال يوحنا، وسيجدون فيها كل ما يعزوه المسيحيون إلى المسيح. فليقولوا للمسيحيين: ليس للمسيح خصوصية فيما تذكرون حتى تؤلهوه أو تتخذوه ابنًا لله تعالى.
هل يحيى حي الان بدليل إسمه الذي يعني آنه يعيش آي سيموت لاحقا في المستقبل؟ وهل سيتعاون هو مع المسيح ابن مريم في اخر الزمان للقضاء علي الكفر؟يرجي التوضيحي شكرا.