بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وجد عبدا في قرية بعيدة عن العمران مجهولة يبكي لمصيبة الإسلام ويطلب الهداية والعون، فأوصل الله ذكره لأقصى أطراف الأرض ومسكن الإنسان، وأسمع العرب قصائده في لسان عربي عجيب البلاغة والبيان، في حب الله والإسلام والرسول والقرآن، وجعل من تفسير ولده للقرآن أعجوبة في الفهم عن الله وفقه الميزان.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد صلاة تذيب من صخور العدوان، وترقق من قسوة قلوب العدو، وتتسبب في هدى الحيران.

ياسادة ياكرام:

وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. سورة النساء 83.

القرآن لايتناقض وكلام الله عليّ غني منزه عن التناقض، وفكرتنا عن معنى خاتم النبيين يجب أن تنسجم ماجاء في القرآن كله من نظم ربانية وقوانين التعامل بين الله والبشر، والنبوءات القرآنية عن المستقبل.

لاشك أن حالة المسلمين بعد مرور 14 قرن على وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام هي بالضبط حالة اليهود بعد مرور 14 قرن على وفاة موسى عليه السلام. فلنبحثها ..

وفي هذا الوقت أرسل الله عيسى رحمة لهم، ليعيدهم لمعنى القرب من الله، ويصحح الخرافات في عقولهم، رحمة تقبلها واستخدمها من كان منهم رقيق القلب، وممن جعل الله في قلوبهم رحمة، لاسفكا وذبحا، واستمرت أمتهم 300 سنة مستضعفة حتى مكنهم الله.
فهل ليس للمسلمين رحمة على نفس المنوال؟؟ يصعب على العقل الإسلامي الذي يعرف الله أن يصدق هذا.

والله الذي قال لبني إسرائيل في كتابهم: ستعملون وأعمل معكم وتعملون ثانية وأعمل، وفي القرآن في سورة الإسراء الآية9، قال لهم: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ. فهل المسلمون ليس لهم رحمة؟؟

لقد علم النبي الشعب كله عن بكرة أبيه، رجالا ونساء، شدة التوقي من انتهاك حقوق الناس مهما كانوا كافرين، وأن يقرأوا القرآن ويتدبروه باسم الرحمن الرحيم أي بمعني الرحمة العامة للبشر والرحمة الخاصة للمسلمين، لاباسم السفك واستحلال الناس والتكفير تمهيدا للقتل، وبالرحمة يكون لكل منهم نصيب في مس روحه لروح القرآن، فيتكون كائن حي في القلب اسمه التقوى: يأمر وينهى ويتحكم.

لكننا عملنا كاليهود تماما كصورة المرآة، نفس محاولات قتل الخلفاء ثم تلاها قتل الحكام، ومن ثم تفرغ الحكام لحراسة أنفسهم وقمع الشعوب، وشيوع أعمال العصابات والنهب والتغني بأساطير الفوضويين كالشاطر حسن وأمثاله، وفوضى الوثوب على الحكم، وعم التقليد الأعمى، وعمت الشعب الأمية الدينية بعدم قراءة القرآن أو عدم فقه القرآن بعمق، ولم يقم العلماء باستنكار ذلك باستماتة، وعمت الأنانيات المتعددة، ونفس الجماعات ونفس التفرق، ونفس معارك الجماعات السرية والإرهابية وأعمالها الفوضوية، ونفس العنتريات الدون كيشوتية مع امبراطوريات العالم، والمادية والقسوة واستحلال الحرمات حتى بين المسلمين، وشيوع معاصي الغيبة والنميمة وأكل المال بالباطل، ناهيك عن سبي بعضهم لبعض وسلب بعضهم لبعض وصار الذئب راعي الغنم.

ولنا أن نتوقع من الله أن يتدخل لنا كما تدخل لبني إسرائيل.

قد يقول قائل إن التشابه مكسور بأن القرآن محفوظ الآن والتوراة كانت قد حرفت، والجواب: إن شئون الأمتين واحدة، وحفظ القرآن هو من شئون الله، وأن مايخص أمتهم كان استحفاظ الله لهم نص الكتاب، وما استحفظوه لم يحفظوه، فوضع وضاع كثير وبقي كثير، ونحن لم يستحفظنا الله نص القرآن، واستحفظنا الأحاديث النبوية فوضع وضاع كثير وبقي كثير، والاستثناء الخاص بالقرآن ليس استثناء من السنة، بل هو داخل في سنة الله إذا قرر أن يكون هذا آخر كتاب، فمن نظام الله أن يحفظ الكتاب الذي حل محل الجميع، ولايضر العالم بعده ضياع الجميع.

  • 1 .مادام الله يعلم وقد قدر أن يوجد بشر بالمليارات لهم كرامة آدمية وفرصة ربانية في الجنة، فلابد أن يكون ذلك الجمهور الغفير معمول حسابه في القرآن، ولابد أن يجدوا أنفسهم فيه، لأنه آخر كتب الله للأرض ومحفوظ للناس قلوا أم كثروا.

وإذا كان القرآن كتاب الهداية الشاملة وما فرط الله فيه من شيء وكان هناك مهدي يأتي لهذه الأمة العامة، فلابد ولابد أن يكون القرآن قد ذكره، وقد ذكره الله في سمع العالم ضمن أوليائه الصالحين في قول الله عز وجل وعلا: وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ، سورة الرعد 18 ، وأنفع شيء على الإطلاق للناس هو وجود ناس صالحين يهدون بالحق وبه يعدلون، ولإذن فلابد أنهم من يوم وجدوا وهم ماكثون في الأرض، لكن على الإنسان أن يبحث عنهم كما يبحث المريض عن الطبيب ولو في الصين. والحمد لله، ومشمولا في قوله: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ، جاء هذا في سورة الحج العظيم الآية 76، في سياق حديث ربنا مع جمهور الناس الغفير في عرفة.

ولازال الله يصطفي بفعل المضارع، من الملائكة رسلا ومن الناس، وكيف للناس بدون الصالحين الربانيين المعلمين من ربهم أن يتعلموا معنى حملة العرش؟؟ ومعاني الجنة والنار ومايحدث في البرزخ، ولو تركوا لذاتهم بدون هؤلاء لجسموا ذات الله ولاخترعوا لله كرسيا ضخما للقدمين، وكرسيا أكبر منه بمراحل للاستواء، وأخرسوا من يسأل ليفهم الموضوع، تعالى الله الغني عن الكراسي، سبحانه.. والمليارات السبعة أحوج لحظات الأرض إلى رسالة من الله تؤكد لهم، بقوة الوحي لابشطارة العلماء وذكائهم، أن خلاصهم مع محمد صلى الله عليه وسلم.

فهل في القرآن أدلة على المهدي ومواصفاته؟؟

اللهم إن كان ذلك غير موجود فإن هناك عذرا للمتخلفين.

  • 2 .في نطاق ثبات السنن وتماثلها، فكل مؤمن يقرأ مانزل في مكة في سورة الأنعام العظيمة من قول الله لأهل مكة ومن على شاكلتهم:وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ، الآيات 134و135. فيحس أن قرار الله نافذ نافذ في كل عصر وحين، خاصة في عصر الجموع الغفيرة من البشر. ويقرأ الآية 55 في المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ، فيعلم أن الدور أتى على أمة النبي لو أعرضوا عن ربهم، ومعناها ينطبق على أعداد على قدر العصر، فعصر عشرات الملايين قد يناسبه وجود مئات من الصالحين لمن يبحث عنهم، وعندما يكون العصر عصر المليارات فلابد أن يكون هؤلاء الصالحون بمئات الألوف، فيتشوف لهذا اليوم، ويربط المؤمن ذلك بما في سورة محمد الآية39: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ. ويعلم أن ذلك حادث لاريب فيه، ويربطه بقول الله عز وجل: بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ. العنكبوت50، وقول الله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. الحجر10، فيعلم يقينا: أن حفظ النسخة الجامدة ليس له عند الله أي قيمة، ولايعقل أن يحفظ الله ذكر الرسم لنا دون الذكر في قلوب الصالحين المطهرين الذين يمسهم نوره فيفيض من لسانهم على الناس، دراسة وتعليما، بينما كان يحفظ تعاليم موسى برسل كلما هلك واحد خلفه وورثه آخر من آل يعقوب، فنكون نحن أتعس الأمم، ومما لايعقل أن يكون القرآن:آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم لو وجدوا. وحاشا لله. بل المعنى أنه هو: أي شأنه الدائم أنه آيات مفهومات واضحات، فعلا لااحتمالا، في صدور الذين ( أُوتُوا ) العلم وانتهى الأمر، فعل ماض يدل على وجودهم الدائم وإن اختلف العدد حسب سكان الأرض.

 

  • 3 .في نطاق مماثلة معينة لأمة سيد المرسلين قال الله في سورة المزمل الآية 16 يقول ربنا: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا.
    كلمة ” كَمَا ” في الآية لابد أن تقدر حق قدرها، فهي تعني المماثلة التامة بين الرسالتين، مما يجعلنا نتوقع المستقبل.

اجمع من فضلك هذه الآية مع آيات سورة الحديد: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ الآيات 27 و 28

لاحظ أن الإنجيل ليس بكتاب منصوص بل هو بشرى ونور في القلب، يتكلم النبي بموجبه ومن نوره لابنصه، يفصل في خلافات قوم موسى ولاينسخ حرفا من شريعة النبي موسى، واجمع عناصر هذه المعادلة الرياضية مع آية البقرة: وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ … الآية 88

النتيجة هي: إن أمة الإسلام بكل شعوبها منهم مهتد وكثير منهم فاسقون، وقد قفى الله بمصدق موسى لهم، ولابد ( بالمثل ) أن الله الذي يصطفي دائما، لابد فاعل كما فعل من قبل ، مرسل رجلا يقفي به على آثار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يفصل في خلافات أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولاينسخ حرفا من القرآن.

  • 4 .في نطاق المماثلة في السنن جاءت سورة هود المعجزة الفائقة المغزى: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الآية 121.. وهنا لاننسى ملاحظة المتقين: أن سورة هود نزلت ليثبت الله بها فؤاد رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن عادا أمة النبي هود هي ممن نجا من قوم نوح، وأن ثمود أمة النبي صالح هي ممن نجا من قوم هود وأن مدين أمة شعيب هي ممن نجا من قوم صالح، والسنة هنا أن الله لايترك الأمة الفاسدة بعد نبيها، نبيها الذي نجاه الله وصحبه، بل يعود الله تعالى فيرسل فيها بعد فسادها.. فسورة هود تثبت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمرين، نجاته وصحبه، سنة الله الثابتة بلاتحويل في معاودة الرسالة إذا فسدوا، وسنته التي لاتتبدل في نجاة المتقين.

هذا هو السياق الرائع لسورة هود وبدون هذا السياق الحاسم لاتفهم السورة حق الفهم، وفي هذا السياق نفسه وبالسنة ذاتها تفهم الآية 18: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً ؟؟؟ فسياق هذه الآية يؤكد المعادلة التي سبق بيانها، وهي المماثلة التامة بين خط الرسالتين: موسى ومحمد، وأن الشاهد يأتي في إطار هذه المماثلة، وفي نطاق تلك المشابهة (كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا) . لقد حاول الشيعة أن يجعلوا هذا الشاهد عليا كرم الله وجهه، حتى يكون ( مِنْهُ ) بشكل مادي، ولكن كلمة (مِنْكُمْ ) في كتاب الله تعني على صبغتكم المميزة ونهجكم وملتكم (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) الحج الآية 79.

  • 5 .في نطاق المماثلة في (النعم) أمرنا الله في أعظم السور أن ندعوه أهم دعاء، في الفاتحة، ولقننا النص: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، وحدد جدواه بأنه صراط ينتج عن اتباعه نيل نفس نعم الله التي أنعم بها من قبل، وليس أقل منهم: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. وفي إجابته الدعاء في البقرة الآية 2 قال سبحانه: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ.. ولمن اتقى الله واتبع نوره أنزل الله في سورة النور وعده القاطع الساطع بنعمة الاستخلاف فقال الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.الآية 56. ولو جمعت ذلك مع النعمة الواردة في آية النساء 67 لمن (فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ ) ، وتحدد جائزة من هداهم الله صراطا مستقيما لمّا فعلوا ذلك، ( فعلوا مثل القرآن أونسخة سلوك محمد صلى الله عليه وسلم ) فكانوا مطيعي هدى الله وأسوة الرسول: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ الآية 70 النساء و: مع ، تعني مِنْ، كما قال الله: وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ، آل عمران الآية 194، أي توفنا من الأبرار.

 

  • 6 .وهناك تفصيل دقيق للماثلة في نعمة الاستخلاف يستحق الوقوف عنده في قول الله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.النور 56. فيدل الحق الجليل في كلمة: مِنْكُمْ وكلمة: كَمَا على مماثلة أبناء أمتنا العامة لمن كانوا قبلنا من أمة موسى الخاصة في خاصية: الاستخلاف.

إن أهم من كانوا قبلنا هم أمة موسى، ومع العلم أن متبعي عيسى هم منهم ، فهم أمة واحدة هي أمة أهل الكتاب، وأل للعهد، وهو كتاب موسى بالذات ولاغير. والاستخلاف فيهم كان له صفات معينة: أهمها الدوام، ثم انتهت بنبي يردهم لربهم ونبيهم الأول: يرد قلب الأبناء على حب قدوة الآباء، حبا لله، فيرد الله مشاعر الإيمان الذي كان في قلب الآباء على مشاعر الأبناء.. فقد كان فيهم دوما من الورثة والصلحاء والأنبياء ممن يحكم بالتوراة للذين يريدون هداها اختياريا، لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ، ولذلك كان الأساس في مهمة النبي هي الإرشاد الاختياري، وندر منهم من كان ملكا نبيا.

إذن مادام قد كان فيهم على الدوام من يهدي بالحق، فلابد ولاشك أنه كان فينا على الدوام أيضا، من كان مستخلفا على ميراث النبي الحق، وهو عمق الإيمان ونور الفهم، وصلاح العمل والتربية والتعليم، وما دام قد ( كان ) فينا، فلابد أن هذه الكينونة موجودة الآن فينا، وعلى كل مسلم أن يجوب العالم بحثا عنها.

ولابد أن الله باعث فينا مثيل عيسى عليه السلام مهما كان منا عبدة العجول الذهبية، والشهوات الجسدية والنفسية من الشاردين.

إن من المستحيل أن تكون بركات الله في دعوة وكتاب موسى قد استمرت بدون انقطاع مدة 1400 سنة وأنتجت صالحين في كل جيل، ينيرون الطرق ومن بعضهم يتسلمون الراية، وتتسع آثارهم أو تضيق من قرن لقرن، بصرف النظر عن كل شارد عنهم من عباد العجول والزناة والكذابين والسفاكين للدماء والعنصريين، وبركات الله في دعوة وكتاب محمد صلى الله عليه وسلم منقطعة بعد مرور 30 سنة من وفاته، لاتنتج صالحين في كل جيل، ينيرون للناس الطرق.

كان مع بني إسرائيل قضاة وأنبياء دائما لمن يريد النور، ولكن بالنسبة للصور الباهرة في الاستخلاف فقد قال لهم موسى: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ (الاعراف،130)، ولقد خرج بهم موسى وعصوه فلم يستخلفوا، واستخلفهم الله بصورة عالية في عصر داوود وسليمان، ثم ذهبت ريحهم وبقي من الصالحين ماينفع الناس، وسمح الله لهم بعيسى عليه والسلام، فصابروا مع دعوته مئات السنين حتى أظهرهم الله.

  • 7 .في نطاق المماثلة في السلوك السيء للأمم، واتباع سننهم البغيض، وتطبيقا لنفس فعلهم، رحنا نأمر الناس بالبر وتصديق بشريات الله، ورحنا نلوم أهل الكتاب لأنهم يهملون نبوءات الله عن لحظة حاسمة في تاريخهم، حين يلاقون النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، تلك النبوءات التي يجدونها في كتبهم، وما الإنجيل إلا بشارة به، ثم ننسى أن نأمر أنفسنا بنفس البر، ونهمل النبوءات ونحن نتلوها في الكتاب العظيم: القرآن الكريم، ولانعقل هذه البشريات الواردة في كتابنا عن لحظة حاسمة في تاريخنا جاء بها قرآننا، وبشرنا بها بشيرنا، الذي نصف عمله كان التبشير، فلنتأمل هذه الآية: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (البقرة،الآية 45) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ؟؟ وأنتم تتلون الكتاب؟؟؟ أفلا تعقلون؟؟ ولو صلينا حق الصلاة لذكرنا الله، وعرفنا سنة الله في التبشير بالخير الآتي، وهو مؤمن آمن فهداه الله كما يفعل دائما سبحانه ، وهداه لحقيقة نور الإيمان الراقي كما قال سبحانه في البقرة الآية 214: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ، وكما قال في العنكبوت الآية 70 جل وعلا وتقدس سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ، ولفحصوا جيدا كلام المهدي الآتي، وكيف يزكيهم من كل شائبة ويحكم في خلافاتهم، هذا المؤمن الذي أحصن فرجه، فنفخ الله فيه من روحه، وصدق بكلمات ربه وكتبه وكان من القانتين.

 

  • 8 .نقرأ ونعتقد صدق الله عندما يقول في القرآن أنه: أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ،الآية في سورتين: التوبة 34 والصف10. وهي موجهة لأهل الكتاب المنصرين الشتامين. ولذلك شبهه الله با بن مريم ،لأنه منعم عليه بوحي الله أي نفخه، وهو ابن روحي متطور من حالة تشبه حالة مريم في الملامح العامة، نكاية فيهم لماضرب مثلا للمؤمنين، في سورة التحريم.

وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا: نهاية الآية 29 في سورة الفتح. وهي موجهة للمسلمين الذين هم حائرون في أمره .

لقد أظهره الله جزئيا كما حدث في القرون الأولى، ولكن كيف سيتم الظهور العظيم؟؟ لقد بين الله ذلك في اول سورة الجمعة: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ *هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. كلمة آخرين مجرورة بحرف: في، (فِي الْأُمِّيِّينَ) لرسول الله بعثتان إذن: واحدة في الأميين، والأخرى في آخرين، منهم، يأتون بعدهم بأجيال طويلة. اربط ذلك بأن ديننا يرفض تناسخ الأرواح، ولو ربطنا ذلك كله معا ومع قول الله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا. الجمعة الآية 6 لتبين لنا أنه كما أن حمل التوراة بلا فكر قد تولد عنه تكذيب نبي موجود ذكره في الكتاب الذي معهم. فكذلك حمل القرآن بلا تدبر ينتج تكذيب مصدق مهدي مجدد تابع وظل لنبي الله صلى الله عليه وسلم، رسول ظلي ونبي تابع أمين وولي نبي.

  • 9 .الأصل في العهود والمواثيق أنه عندما يوقع جيل من أمة عهدا مع أمة أخرى، فإن العهود تتوارث وتلتزم بها الأجيال المنتسبة لتلك الأمم..

وفي نطاق هذا المنطق، وفي نطاق التماثل التام بين كل الأمم في العهود والمواثيق التي تبرمها الأجيال مع الله، ووجوب التزام كل جيل ممن رضي النسبة للأمة التي عاهدت الله.. في هذا النطاق أنزل الله آياته الملزمة بالعهود في آل عمران 82، يذكـِّـر أمة أهل الكتاب وليس الرسول، يذكـِّـرهم بما قد وقـَّـع عليه نبيهم، مهما كان اسم ذلك النبي، فارتبط به كل من يدعي الإيمان به.

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ

شرط وحيد خطير هو أن يكون مصدقا.. وآية خطيرة من خالفها وقع عليه إصر.. أغلال وتعاسات.

إشارة لذلك الميثاق، ميثاق النبيين، وتكملة للدين وتماما للنعمة أنزل الله الحميد علينا في الأحزاب الآيات 8 و9يقول: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا.

صار المسلمون بهذا ملزمون بالإيمان بمصدق لما مع محمد صلى الله عليه وسلم.
قبل رسولنا كان من حق المصدق أن يقول: هذا مالم يقله موسى ولم ينزل على موسى، وهذا الجزء من التوراة لم يتكلم به الله، ولكن الرجل المصدق لما مع رسولنا يعلم أن القرآن الكريم كان به كمال الدين، وأن الله قد حفظ هذا القرآن بنفسه، لذلك يصدق هذا ولايزيد حرفا على القرآن ولايبدل حرفا.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا. المائدة 4

وصار علينا أن نصدق بمهدي يشرح القرآن شرحا يليق برسول الله صلى الله عليه وسلم.
جاءت الآية بعد آية: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ، (الاحزاب، الآية 7 ) لتقول أنه أب الجزء الأخروي منا، وتقلل من شأن نسب الجزء الدنيوي منا.. جاءت الآية تقول للمتوسمين الذين يفهمون الإشارة أن رسولكم هو من محمد، ابنه الروحي، صلى الله عليه وسلم، مصدق ملامحه الخلقية بالضم، ولاتشترطوا الخلقية بكسر الخاء.. في سياق سورة تحوي ذكر خاتم النبيين، كي تنفي الفهم المغرض، وهو التخلص من الرسول الآتي، بالتظاهر بالتمسك بآية: خاتم النبيين، جاءت لتقول أن من يحمل خاتمه مصدقا له مطابق كصورة الخاتم فهو منه وهو المعهود كما عاهدتم.. ولما كان منكم فهو الموعود، والمستخلف حسبما وعد الله، في سورة النور.

About فتحي عبد السلام

View all posts by فتحي عبد السلام