في ما يلي أهمّ الأمور التي يستند عليها الخصوم في تأسيس شبهاتهم ضد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وخلافته الكريمة:
- لن ينـزل بعد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أي مسيح إلا الابن الموعود. (الكتاب: إعجاز المسيح)
- سينزل المسيح ثلاث مرات وسينزل مسيح جلالي قرب القيامة. (الكتاب: مرآة كمالات الإسلام)
- يمكن أن يأتي عشرة آلاف مسيح. (الكتاب: إزالة الأوهام)
السؤال:
هل يوجد تناقض في هذه النصوص؟
هل المسيح الآتي واحد أو أكثر؟
ومن هو المسيح الثاني؟ ومتى سيظهر؟
كما لم يعلن الخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن كونه مثيلاً للمسيح كي يصبح أحد المسحاء الآتين بل عدّ نفسه فقط مصداقاً للنبوءة عن الابن الموعود!
الجواب:
نقدِّم فيما يلي النص الأصلي كاملاً من كلام المسيح الموعود ؑ مع السياق:
“ومن أعظم الأخبار وأكبرها أنها تبشّر بزمان المسيح الموعود وأيام المهدي المعهود، وسنذكره في مقامه بتوفيق الله الودود. ومن أخبارها أنها تبشّر بعمر الدنيا الدنيّة، وسنكتبه بقوة من الحضرة الأحديّة. وهذه هي الفاتحة التي أخبر بها نبي من الأنبياء، وقال إني رأيتُ مَلَكاً قويًّا نازلا ًمن السماء، وفي يده “الفاتحة” على صورة الكتاب الصغير، فوقع رجلُه اليمنى على البحر واليسرى على البر بحكم الرب القدير، وصرخ بصوت عظيم كما يزْأَر الضرغام، وظهرت الرعود السبعة بصوته وكلٌّ منها وُجِد فيه الكلام، وقيل: اختم على ما تكلّمتْ به الرعود، ولا تكتبْ، كذلك قال الرب الودود. والملَك النازل أقسم َبالحيّ الذي أضاء نورُه وجهَ البحار والبلدان، أن لا يكون زمان بعد ذلك الزمان بهذا الشأن. وقد اتفق المفسرون أن هذا الخبر يتعلق بزمان المسيح الموعود الربّاني، فقد جاء الزمان وظهرت الأصوات السبعة من السبع المثاني. وهذا الزمان للخير والرشد كآخر الأزمنة، ولا يأتي زمان بعده كمثله في الفضل والمرتبة. وإنّا إذا ودَّعنا الدنيا فلا مسيحَ بعدنا إلى يوم القيامة، ولا ينْزل أحدٌ من السماء ولا يخرج رأسٌ من المغارة، إلا ما سبق من ربي قولٌ في الذرّيّة. وإنّ هذا هو الحق، وقد نزل مَن كان نازلاً من الحضرة، وتشهد عليه السماء والأرض ولكنكم لا تطّلعون على هذه الشهادة، وستذكرونني بعد الوقت، والسعيدُ مَن أدركَ الوقت وما أضاعه بالغفلة.” (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية مجلد 18، ص 71-73)
وهكذا بيَّنَ الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام أن المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام قد مات، وأن الميت لا يعود إلى الدنيا أبداً، لأن الأموات بعد وفاتهم إما يدخلون الجنة أو جهنم، وبما أن المسيح الناصري ؑ نبي الله وهو بلا شك في الجنة ولن يُخرَج منها لقول الله تعالى: {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ}، وأنني أنا -أي الكاتب ومؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية- هو المسيح الموعود في نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويكون حكمًا عدلاً، ويجعل الإسلام غالباً على الأديان الأخرى، فلا تنتظروا نزول عيسى نبي إسرائيل عليه السلام.
إذن حين ذَكَرَ حضرته عليه السلام أنْ لَنْ يأتي بعده أيُّ مسيح إلى يوم القيامة فقد بينَّ أيضاً مَن هو ذلك المسيح الذي أنكر مجيئه إلى يوم القيامة حيث صرح:
“إنّا إذا ودَّعنا الدنيا فلا مسيحَ بعدنا إلى يوم القيامة، ولا ينْزل أحدٌ من السماء ولا يخرج رأسٌ من المغارة.” (إعجاز المسيح)
فيتبين من ذلك بأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أنكر مجيء المسيح الناصري عليه السلام الذي يظنُّ النَّاسُ أنه جالس في السماء وينتظرون نزوله، كما أنكر حضرته أيضاً ظهور المهدي الذي يظن الناس أنه موجود في مغارة وينتظرون خروجه. وهكذا يتضح ما المراد من إنكار مَجيء المسيح عَلَيهِ السَلام أي عدم مجيء المسيح الناصري نبي إسرائيل عَلَيهِ السَلام والمهدي الدموي الذي في أذهان الناس.
أما المسيح المقدّر مجيئه لكسر الصليب حسب الأحاديث الصحيحة فقد أعلن الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام بأنه قد أتى –وقال بأنه أنا أي هو بنفسه عَلَيهِ السَلام- ولن يأتي بعده أحد.
ولمن يريد التأكد من نبوة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أي أنه نبي وليس مجرد ولي أو خليفة في هذه الأمة نقدِّم حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الذي سماه فيه أربع مرات نبي الله:
“… وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ … فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى … ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ …. فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ.” (صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة)
وهكذا فقََدْ أثبت النبيُ بنفسه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نبوة المسيح الموعود لهذه الأمة، وهذه النبوة تخصُّ المسيح الموعود وحده.
أما عن المسحاء أو مثيلي المسيح فقدْ وضّح الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام كما سنبين إنْ شاءَ الله تعالى بأن الآلاف من هذه الأمة وُلِدُوا وكانوا مثلاء المسيح، ويمكن أن يظهروا في المستقبل أيضاً، إذ إنَّ كون جميع الأولياء والخلفاء أمثال للأنبياء هو أمرٌ ثابت في الكتاب والسنَّة حيث يقول تعالى:
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} -النساء 70
وينبغي أن يُعلَم أن المقصود بأمثال المسيح أنهم الخلفاء والأولياء فقط وليسوا في الحقيقة أنبياء لأن النبوة ترتبط بالرسالة حصراً كما ورد تعريفها في القُرآن الكَرِيم بكل وضوح حيث يقول الله تبارك وتعالى:
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا . إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} -الجن 27-28
إذن لا يكون النبي الحقيقي نبياً إلا إذا كان رسولاً، أما بغير رسالة فلا يسمَّى أحدٌ نبياً في الحقيقة، ولا ينال مقام النبوة الحقيقي. فالنبي هو الذي يختاره الله تعالى، ويسميه نبياً، ويظهره على الغيب، ويكِّلفه برسالة أو مهمَّة -سواء كانت شريعة جديدة أو مهمة ضمن الشريعة– يكون فيها مبشراً ونذيراً ويرسله بها، فيكون نبياً رسولاً، ولا نبي بدون رسالة ولا رسالة من دون نبوة.
فلا نبي رسول من بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إلا الذي أكّد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بأنه نبي في الحديث الصحيح أعلاه وهو المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فقط، أما الذين يأتون بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من صلحاء وأولياء إلى يوم القيامة الذين هم أمثال المسيح فيُطلق عليهم الخلفاء فقط، إِذْ يَقُولُ النبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
“كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ.” (صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء)
فنفي النبوة بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أثبتها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نفسه بعد أن استثنى منها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الذي سمّاه نبياً بنصوص صريحة، وأما الذين يأتون في هذه الأمة فلا يصح حسب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إطلاق لقب الأنبياء عليهم بل الخلفاء وهم كثر أي بلا عدّ ولا إحصاء.
وقد أكد هذا المعنى حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في بيت شعر له معرّب من الفارسية كالتالي:
“أرى مئات آلاف يوسف في حفرة ذقن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خُلق بَنَفَسه أمثال المسيح الناصري بغير عدّ وحساب.” (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية مجلد 5، ص 27)
وهكذا يتبين ما القصد من مجيء المسحاء في هذه الأمة أي امثال المسيح عَلَيهِ السَلام أي الخلفاء والأولياء بلا عدّ ولا حسبان. وهولاء في غياب الرسالة من بعده، وأن لا بعثة إلا لواحد فحسب هو المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، والإنباء عن قيام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وبقائها إلى يوم القيامة من بعده، فإن باب البعث والإرسال يكون قد أُغلق، فلا يمكن أن ينال أحد مقام النبوة على الحقيقة ويكون مبعوثاً ومرسلاً. بل يصبح معنى الآية أنه ستستمر السُنّة التي كانت جارية في الأمة من قبل وهي أن هنالك أفراداً من الأمة هم الأولياء الذين يحوزون مقامات ودرجات الأنبياء عند الله تعالى، ولكنهم لا يُسمَّون أنبياء على الحقيقة ولا يبعثون فلا نبوة دون رسالة، فلا يعلنون عن أنفسهم ولا عن مقاماتهم، بل يميلون دوماً إلى التواضع ونكران الذات رغم مقامهم الرفيع عند الله تعالى. وعلى رأسهم بالطبع الخلفاء الراشدون رَضِيَ اللهُ عَنْهُم الذين يمتازون عن غيرهم من الأولياء باصطفاء الله تعالى لهم وتمكينهم من منصب الخلافة. ويمكن اعتبار هؤلاء الأولياء أنبياء مجازيين فقط أي أمثال الأنبياء وذلك نتيجة لما يتمتعون به من مقامات وقدرات روحانية عالية، ولكن دون تعيين أحد منهم بناء على الاجتهاد، بل لا بد من الإيمان الإجمالي بهذا المقام في الأمة لا غير.
وقد أشار حضرته عَلَيهِ السَلام لهؤلاء فقال:
“وإنّ له عبادًا من الأولياء يُسمّون في السماء تسمية الأنبياء بما كانوا يشابهونهم في جوهرهم وطبعهم، وبما كانوا يأخذون نورًا من أنوارهم، وكانوا على خُلقهم مخلوقين. فيجعلهم الله وارثهم، ويدعوهم بأسماء مورثيهم، وكذلك يفعل وهو خير الفاعلين. وللأرواح مناسبات بالأرواح لا يُدْرى دقائقها، فالذين تناسبوا يُعَدّون كنفس واحدة، ويطلق أسماء بعضهم على بعض، وكذلك جرت سُنَّة الله، وذلك أمرٌ لا يخفى على العارفين.” (التبليغ، مرآة كمالات الإسلام)
وورد أيضاً أن أحداً سأل حضرته: هل سيأتي عدة مُسحاء؟ فقال عليه السلام:
“كما تكون هناك مماثلة في الصُّوَر كذلك تكون في الأخلاق. لقد قيل بأن قلب الصالح يكون على قلب نبي من الأنبياء. ولكن الموعود القادم واحد فقط (أي حضرته).” (الملفوظات)
فَلَمْ ينف المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن يُبعَث أمثال المسيح بغير عدّ وحساب في هذه الأمة أي الخلفاء، وقد يكون أحدهم جلالياً فينال القوة المادية والروحية معاً، فيقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“فمن الواضح أنه إذا كان ظهور ثلاثين دجالاً ضرورياً، فلا بد أن يكون هناك ثلاثون مسيحاً أيضاً بحكم المثل: “لكل دجال عيسى”. فمن الممكن بحسب هذا القول، بل ممكن جداً؛ أن يأتي في زمن من الأزمان مَسيحٌ تنطبق عليه بعض كلمات الحديث الحرفية أيضاً، لأني ما جئت بحكومة دنيوية أو ملكوتها، بل جئت في حُلّة المسكنة والفقر. فما دام الحال على هذا المنوال، فأيّ إشكالية بقيت لدى المشايخ؛ إذ قد تتحقق أمنيتهم هذه أيضا في حين من الأحيان. غير أني لا أرى -كشفاً وإلهاماً وعقلاً وفرقاناً- تحقُّق أمنيتهم ليروا يوماً من الأيام المسيح ابن مريم نازلاً من السماء في الحقيقة.” (إزالة الأوهام)
وكذلك يقول حضرته مؤكداً هذه الحقيقة:
“فالجواب على هذه الوسوسة أنني ما ادّعيتُ قطٌّ أني أنا المسيح الموعود الوحيد فقط ولن يأتي مسيح في المستقبل، بل أؤمن وأقول مراراً وتكراراً بأنه يمكن أن يأتي أكثر من عشرة آلاف مسيح دع عنك مسيحاً واحداً، ومن الممكن أن يأتي بعضهم بشوكة وجلال ظاهري أيضاً، وممكنٌ أيضاً أن ينزل بدايةً في دمشق. ولكن اعذُرني يا صديقي من قبول نزول المسيح ابن مريم -الذي مات- من السماء بجسده.” (إزالة الأوهام)
ويبيّنُ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أن الوقت قد يقتضي بعثة أحد الخلفاء بالقوة والجلال المادي أيضاً في المستقبل:
“وكُشف عليّ أيضا أن مِن المقدّر أن ينتشر الفساد والشرك والظلم في العالم ثانيةً بعد انقضاء فترة الخير والصلاح وغلبة التوحيد، فيأكل البعض بعضًا كالديدان، ويسود الجهل، ويبدأ الناس في عبادة المسيح ثانية، وتنتشر جهالة اتخاذ المخلوق إلهًا على نطاق واسع، وستنتشر كل هذه المفاسد في الدنيا في الفترة الأخيرة من هذا الزمن الأخير على يد الديانة المسيحية، وعندها تهيج روحانية المسيح هيجانًا مرةً ثالثة، وتقتضي نزولَها نزولاً جلاليًّا، فتنزلُ في صورة مثيلٍ له قاهرٍ، وينتهي ذلك الزمن، وعندها تكون النهاية ويُطوى بساط العالم.” (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، مجلد 5، ص 341 – 346)
فالحديث كله وفق ما سبق بيانه إلى الآن هو حول الخلفاء والأولياء في هذه الأمة وخلفاء المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، ولم يُٰسمَّون بالخلفاء عبثاً بل وفق نبوءة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خلافة على منهاج النبوة والخلفاء الكثر.
أما عن الابن الموعود وكونه أحد هؤلاء المسحاء أو أمثال المسيح فقََدْ ورَدَ في نبوءة للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن أحدهم هو خليفة المسيح الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إذ يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في نبوءة عن الابن الموعود بأنه:
“يشفي الكثيرين من أمراضهم بنَفَسِه المسيحي وببركةِ روح الحق.” (مرآة كمالات الإسلام، والخزائن الروحانية مجلد 5، ص 647)
فالخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو أحد المسحاء أو أمثال المسيح في الأمة الذين ليسوا أنبياء في الحقيقة بل خلفاء فقط، وقد يكون أحد هؤلاء الخلفاء في المستقبل مسيحاً جلالياً أي ينال الشوكة المادية بالإضافة إلى الشوكة الروحية كما يستدعي الظرف والوقت وكما يرغب المشايخ.
أما لماذا لا يمكن تسمية الخلفاء بالأنبياء واقتصار النبوة للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فقط فيقول حضرته في كتاب تذكرة الشهادتين مسجِّلاً حواراً بينه وبين الشهيد عبد اللطيف:
“لمّا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم مثيلا لموسى، وكان خلفاؤه كأنبياء بني إسرائيل، فلماذا سُمِّي المسيح الموعودُ وحده في الأحاديث نبيًا ولم يُعطَ هذا الاسم للخلفاء الآخرين؟ فأجبته على ذلك بما يلي: إن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتَم الأنبياء، ولا نبيَّ بعده، لذا فلو سُمِّي كُلّ خليفة من خلفائه نبيًّا، لاشتبه أمر النبوة، ومن ناحية ثانية لو لم يسَمَّ أي خليفة منهم نبيًّا، لوقع الاعتراض من حيث عدم تحقق التشابه، لأن خلفاء موسى كانوا أنبياء، ولذلك اقتضت الحكمة الإلهية أن يُبعث الخلفاءُ في بداية الأمر مراعاةً لختم النبوة دون أن يسمُّوا أنبياء أو يُعطَوا هذه المرتبة. وأُطلِقَ على الخليفة الأخير (أي المسيح الموعود) اسم نبي، لكي يتم التشابه بين السلسلتين من حيث الخلافة.” (تذكرة الشهادتين)
فمسألة النبوة ليست عبثاً كما يتوهم بعض الذين تنقصهم الدراية.
وبإقفال هذه النقاط الثلاثة نقول باختصار:
- المسيح المنكر مجيئه هو مسيح إسرائيل الذي يعارض مجيئه حديث تفضيل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على النبيين كافة أنه هو الوحيد الذي أُرسل إلى الناس كافة وأُرسلوا لأقوامهم وقبل ذلك يعارض جملة من آيات القُرآن الكَرِيم بل الكتاب بأسره والأحاديث الصحيحة والفطرة والعقل ومجموع ذلك معا.
- المسيح الموعود لهذه الأمة الذي سماه النبي ﷺ نبياً بحسب الأحاديث الصحيحة هو مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية نفسه وليس المسيح الناصري نبي إسرائيل عَلَيهِ السَلام.
- المسحاء أو أمثال المسيح عَلَيهِ السَلام ليسوا أنبياء حقيقيين بل هم الخلفاء الراشدون والأولياء في هذه الأمة.
بقيت نقطة أخيرة وهي؛ لماذا لَمْ يُعلن الخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأنه مثيل المسيح كما ورد عنه في النبوءة، وجواب ذلك هو أن الإعلان عن ذلك ليس واجباً أو أمراً ضرورياً، فالثابت من الكتاب والسنَّة أن عباد الله الأحباء والمقدسين كالخلفاء والأولياء هم مثيلو مريم وابن مريم عليهما السلام، لكن لم يعلن أيّ وليٍّ دعواه بكونه مثيل مريم أو ابنها عليهما السَلام سواء كانوا من الخلفاء الراشدين أو الصحابة أو التابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. فليس من الضروري أو الواجب على الولي أن يعلن بأنه مثيل النبي الفلاني البتة. وإذا ثبت أن الخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وقد أعلن ذلك بنفسه أي أنه هو مصداق النبوءة حول الابن الموعود فقد شمل ذلك الاثبات وعبر الإعلان أيضاً شمل تلقائياً جميعَ ما ورد في تلك النبوءة، والتي فيها كذلك أنه مثيلٌ للمسيح.
ولكي نزيد الشعر بيتاً، نقول بأن الخليفة الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قدْ تلقّى بالفعل بتاريخ 6/1/ 1944 الوحي التالي:
“أنا المسيح الموعود مثيلُه وخليفتُه.” (رؤى وكشوف سيدنا محمود ص 191)
وبعد هذا مباشرة أعلن حضرته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه هو المُصْلِح المَوْعود والابن الموعود.
وبهذا يتهافت الزعم بأن النصوص أعلاه متناقضة وأن المسحاء غير معروفين وأن حضرة الخليفة الثاني المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لم يعلن نفسه مثيلاً للمسيح، ذلك أن أمثال المسيح معروفون وهم الخلفاء والأولياء في هذه الأمة خير الأمم وقد يأتي وقت يكون فيه أحد الخلفاء جلالياً أي تكون له شوكة مادية الى جانب الشوكة الروحانية حسب مقتضى الظرف والوقت، إذ لا طاعة لخليفتين معاً بل لخليفة واحد فقط، حيث الخلافة هي القدرة الثانية كما بيّن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأنها الخلافة حين قال حضرته بأنَّ هذه القدرة الثانية التي ستكون من بعده ستكون كخلافة أبي بكر الصدّيق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للنبي ﷺ وأنَّ الخلافة هذه هي التمكين الذي وعده الله تعالى باستخلاف المؤمنين الصالحين كما يلي:
“إنه تعالى يُري نوعين من قدرته: فأولاً، يُري يدَ قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يدَ قدرته العظيمة بعد وفاة النبي عند حلول المحن، حيث يتقوى الأعداء ويظنون أنَّ الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أنَّ نهاية هذه الجماعة قد دنت، حتى إنَّ أعضاءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد، وتُقصَم ظهورهم، بل ويرتدّ العديد من الأشقياء منهم، وعندها يُظهر الله تعالى قدرتَه القوية ثانيةً، ويُساند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حيث ظنوا أنَّ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قد سبقت أوانَها، وارتدّ كثير من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة لشدة الحزن كالمجانين، فعندها أقام الله تعالى سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وأظهر نموذجًا لقدرته الثانية، وحمى الإسلام من الانقراض الوشيك، وهكذا أتمّ وعده الذي قال فيه {ولَيُمكِّننَّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم وليُبدِّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا}.” (الوصية، الخزائن الروحانية، المجلد 20، ص 305، 306)
وهكذا تترابط النصوص كالبنيان المرصوص، ويثبت أن المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو بالفعل أحد هؤلاء المسحاء أو أمثال المسيح، وقد أعلن ذلك بنفسه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرضاه.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ