السؤال

ما معنى الحديث عيسى عليه السلام يصلي خلف المهدي؟

الجواب

من أهم الحقائق حول ذلك هي أنَّ المسيح عليه السلام رسول إلى بني إسرائيل وليس إلى الناس كافة. لذا؛ لم يبقَ إمامنا إلا القول بأن المقصود بنـزول المسيح هو مجيء شخص مثيل له في هذه الأمة، وهذا الشخص هو المهدي نفسه. ولو لم يكن هنالك أي دليل على ذلك، لكان الأصل بنا أن نقول بأنهما شخص واحد وُصف بصفتين، فكيف وهناك أدلة عديدة على أنَّهما شخص واحد، ومنها:

الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل. وهو: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؓ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

“يُوشِكُ مَنْ عَاشَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى عيسى بن مريم إِمَامًا مَهْدِيًّا وَحَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا.” (مسند أحمد)

إذًا، فالمسيح الموعود والمهدي ليسا شخصيتين مختلفتين، بل هو شخص واحد متصف بصفة المهدوية، وصفة المسيحية، ويجمع في ذاتـه وظيفتين مختلفتين نوعًا وأهمية، فهو مهدي كونـه سيزيل ما شاب العقيدة الإسلامية من شوائب، وكونـه سيعمل على إصلاح أحوال المسلمين. وهو مسيح كونـه سيعمل على كسر الصليب؛ بمعنى إبطال عقائد النصارى بحجج دامغة.

والحديث الذي رواه ابن ماجة. وهو: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؓ أَنَّ رَسُولَ اللـه ﷺ قَالَ:

لا يَزْدَادُ الأَمْرُ إِلا شِدَّةً، وَلا الدُّنْيَا إِلا إِدْبَارًا، وَلا النَّاسُ إِلا شُحًّا، وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ، وَلا الْمَهْدِيُّ إِلا عيسى بن مريم.” (ابن ماجة)

أما الحديث الذي يقول: “فينـزل عيسى بن مريم عَلَيهِ السَلام، فيقول له أميرهم: تعال صلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة.” (مسلم، كتاب الإيمان) فهذا الحديث يعني أنَّ المسيح سيكون تابعًا للشريعة الإسلامية يصلّي خلف أئمتها وليس من بني إسرائيل ولن ينسخ حكمًا واحدًا منها. كما أن الحديث لا يذكر المهدي، بل يذكر “أميرهم

وكذلك الحديث الذي رواه البخاري. وهو: عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللـه ﷺ:

كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ.” أهـ

إذا كان عيسى نبيًّا، وكان المهدي رجلاً مؤمنًا مجددًا من دون أنْ يكون نبيًّا، فمن يتبع الآخر؟

إنَّ جملة (وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ) تعني: وهو إمامكم منكم وليس من أمة أخرى، إنّ “ابن مريم” هنا؛ هو إمامنا المهدي عليه السلام، وهو من أمة الإسلام، لا من بني إسرائيل. ولسنا بحاجة إلى تكرار أنَّ ابن مريم اسم أطلق على شخص شبيه بـه، ويسمى هذا في اللغة العربية الاستعارة التصريحية، حيث صُرِّح بالمشبه به، وحُذِف المشبه.

يقول المسيح الموعود عليه السلام:

مِن البراهين الدالة على أنَّ المسيح الموعود به للأمة المحمدية سيكون فرداً من هذه الأمة نفسها، حديثٌ ورَدَ في البخاري ومسلم وهو: “إمامُكم منكم” و”أَمّكم منكم“، ومعناه أنه سيكون إمامكم وسيكون منكم. وبما أنَّ هذا الحديث يتكلم عن عيسى الآتي، وبما أنه قد وردت في هذا الحديث نفسه قبل هذه الجملة “حَكَم” و”عَدْل” وصفًا لعيسى، لذا فإن كلمة “الإمام” أيضًا قد جاءت وصفًا لعيسى نفسه. ولا شك أنَّ الخطاب في كلمة “منكم” موجّه إلى الصحابة رضي الله عنهم، ومن الواضح أنه لم يدَّعِ أحد منهم أنه المسيح الموعود، فثبت أنَّ كلمة “منكم” تتحدث عن شخص هو من الصحابة عند الله تعالى، وهو نفس الشخص الذي اعتُبر من الصحابة في الآية التالية: [وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ]. إذ توضح هذه الآية أنَّ هذا الشخص قد رُبِّيَ بروحانية النبي الكريم صَلَّى، فهو من الصحابة طِبق هذا المعنى. وهذه الآية قد شرحها حديث يقول: “لَو كَانَ الإِيمَانُ معلّقاً بالثرَيا لَنَالَهُ رَجُلٌ مِنْ فارس“، وبما أنَّ هذا الرجل الفارسي قد وُصِف بصفة قد خُص بها المسيح والمهدي – أعني أنه سيملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً وخلت من الإيمان والتوحيد – فثبت أنَّ هذا الرجل الفارسي هو المهدي والمسيح الموعود، وهو أنا”.” (تحفة غولروية، الخزائن الروحانية؛ 17، ص 114-115)

وهنالك أدلة عديدة أخرى تثبت أن المهدي وعيسى شخص واحد

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد