تبلورت أسس الإمبراطورية السيخية في الهند منذ القرن السابع عشر، ولكن البدايات الحقيقية كانت في مطلع القرن الثامن عشر وتحديداً من سنة 1709 حين قام جيشٌ مدجّجٌ من القوات والعصابات السيخية المسلحة التي تُعرَف بـ “الخالصة Khalsa” وشعارهم المعروف بـ “خوندا” والذي هو عبارة عن خنجر وسيفين قاموا باحتلال مدينة “سامانا Samana” الهندية ضمن محافظة “بطالة Patiala” الواقعة في البنجاب، فأعملوا في المدينة الخراب وقتلوا أكثر من عشرة آلاف مُسْلِم أعزل بين نساء ورجال وأطفال جميعاً ذبحًا بحد السيف. وبعدها تم حصار “سرهند” فأصدر الحاكم السيخي الأوامر بإحراق جميع سكان “سرهند” من النساء والرجال والأطفال المحاصرين فيها وهم أحياء ومطاردة من نجا من النيران والتأكد من قتله ذبحًا أيضا.

شعا "خوندا" والذي هو عبارة عن خنجر وسيفين
شعار الخالصة “خوندا” والذي هو عبارة عن خنجر وسيفين

وفي سنة 1757 قامت القوات السيخية بهجوم عاصف لإبادة سكان مدينتي “دواب” و”جلندر”، وبالفعل قاموا بنهب وتخريب المدينتين بعد ذبح جميع الأطفال والولدان وسحل النساء المسلمات في الطرقات لإجبارهن على ترك الإسلام والدخول في السيخية. وكانت الإمبراطورية السيخية منذ بداياتها قد سنّت عشرات القوانين ضد المسلمين مثل منع الأذان والصلاة في المساجد وذبح الأبقار. وبالفعل هدموا مجموعةً من المساجد ومنها المسجد الشهير “مسجد شاه حمدان the Shah-i-Hamdan mosque” وحوّلوا بعض تلكم المساجد إلى معالف ومرابط للحمير وما شابه ذلك، أما المصاحف فقد كان السيخ يدفنونها عند مداس وعتبات بيوتهم. أما عقوبة ذبح البقر وأكل لحمها فهي الإعدام الفوري. وقد كانت هذه القوانين الرهيبة أيضاً نافذة في أفغانستان.

في هذه الفترة العصيبة لم يكتف حاكم السيخ باحتلال ونهب مدن ومناطق المسلمين بل كان أيضاً يختطف جميع نساء المسلمين وخاصة الأوزبكيات والباشتون منهن وبيعهن في سوق النخاسة في “لاهور” التي كانت عاصمة الإمبراطورية السيخية.

وفي ذلك يروي الشيخ السيد أحمد البريلوي رحمه الله تعالى قائد المقاومة ضد السيخ:

أثناء سفرنا في منطقة البنجاب وردنا على بئر لشرب الماء، فوجدنا عندها بعض نساء السيخ يستسقين. ولما كنا لا نعرف لغة تلك المنطقة أشرنا إليهن بأيدينا أننا عطاشى، ونريد الماء. فنظرن فيما حولهن، وقلن لنا باللغة الأفغانية: إننا مسلمات ومن أولاد المسلمين الأفغان القاطنين في المنطقة الفلانية والقرية الفلانية، وهؤلاء السيخ قد اختطفونا من هناك.” (سوانح أحمدي، رواية السيد محمد جعفر الثانيسري)

لم يتوقف السيخ طيلة الوقت عن أعمال العنف والظلم ضد المسلمين، فواصلوا حملات هدم وانتهاك المساجد، فكانوا يلقون برؤوس ودماء الخنازير وأشلائها في منابر المساجد وباحاتها. وفي إحدى هذه الغارات الفضيعة قام السيخ بنبش ضريح السيد ناصر علي وهو إحدى الشخصيات المحترمة عند مسلمي الهند والتمثيل برفاته وخلطها بأشلاء الخنازير في مشاهد ترتعد لها الفرائص.

ومع إعلان تأسيس الإمبراطورية السيخية في نهاية القرن الثامن عشر أي في سنة 1799، بدأ الظلم ضد المسلمين ينتشر في عموم الهند برعاية الإمبراطورية السيخية، وهو ظلم يفوق تصور العقول كان يمارَس ضد المسلمين الأبرياء في الهند، حتى أن “دائرة المعارف السيخية Encyclopedia of Sikh Literature” نفسها كتبت ما يلي:

لقد كان السيخ يبغضون المسلمين للغاية، فقد قُتِل من المسلمين على أيديهم رجالاً ونساء وأطفالاً كثيرين بغاية القسوة، ودُمّرت عليهم قراهم تدميراً كاملاً، وانتهكوا حُرمة النساء، وهدموا المئات من مساجدهم.” (دائرة المعارف السيخية، ص127)

ويقول “تُلسي رام” أحد علماء الهندوس:

في بداية حُكم السيخ، كان شغلهم الشاغل قطْع الطرق والقتل والنهبَ وتقسيمَ “الغنائم” فيما بينهم. وكانوا يبغضون المسلمين بغضاً شديداً حتى إنهم كانوا لا يسمحون لهم برفع الأذان للصلاة. وقد استولَوا على مساجدهم، وقرؤوا فيها “جرنث” كتابهم المقدس.” (شير فنجاب، طبعة 1872)

وأخيراً بدأت المقاومة المسلمة ضد السيخ تتشكل بقيادة الشيخ “السيد أحمد البريلوي”، وتطورت الأحداث إلى “معركة بالاكوت” سنة 1831، ولكن الحاكم السيخي “هاري سنغ نالوا” قضى على هذه المقاومة وأعدم وطارد جميع أفرادها، وتمكن من القبض على السيد أحمد البريلوي وقَطعَ رأسه رحمة الله عليه.

وفي الحقيقة لم تكن أعمال العنف والوحشنة السيخية قد ابتدأت فقط في عهد المهراجا رانجيت سنغ، بل كانت أيضاً قبل ذلك، ففي السنوات 1761 إلى 1772 كانت عصابات السيخ المعروفة بـ “الميسال” تؤسس مراكز خاصة للتمركز والانطلاق لإرعاب وترويع وقتل المسلمين بالجملة. ***

أثناء تلك الأحوال الفظيعة التي كانت سائدة في البنجاب، وبعد وفاة الإمبراطور رانجيت سنغ Ranjit Singh في سنة 1839 فَتحَ الإنجليز تلك البلاد بعيد ذلك بسنوات قليلة فيما بين عامي 1846 و1849 في الحرب التي سمّيت اصطلاحاً بالحرب الأنجلوسيخية، وقد كانت آخر المناطق الكبرى تخليصاً من السيخ هي البنجاب التي كان السيخ يركزون عليها كثيراً لكونها غنية بالموارد وكانت تسمى اصطلاحاً بـ سلة الخبز Breadbasket التي تغذي الهند بأسرها.

وبهذا التدخل الإنجليزي الذي هزمَ السيخ وأنهى ظلمهم، عاد للمسلمين متنفسهم واستردوا أخيراً حقوقهم. يقول مفتي الديار المصرية “الشيخ محمد عبده” في كتابه “الإسلام والنصرانية” ما يلي:

إنَّ الأمة الإنجليزية هي وحدها الأمة المسيحية التي تُقدّر التسامح حق قدره، فلنا أنْ نقول ولا نخشى لائماً أنَّ هذه الخصلة من أجَلِّ الخصال التي ورثها غير المسلمين عن المسلمين. ألا ترون أنَّ نظامهم في ذلك يقرب من نظام المسلمين يوم كانوا مسلمين لا يُفرّقون بين دين ودين.” (الإسلام والنصرانية، ص165)

وقال الكاتب واللغوي الألماني “فلوريان كولماس” ما يلي:

في أثناء حكم الاستعمار الإنجليزي، بدأ مسلمو البنجاب بإعادة بناء مؤسساتهم وصروحهم الإسلامية التي خربها ودمرها السيخ أثناء حكمهم الطاغي للبنجاب.” (Coulmas, Florian. Writing systems. p. 232)

وهذه التصريحات من علماء المسلمين وغير المسلمين سببها في الواقع هو انتهاء ظلم المسلمين على يد السيخ بمجيء الإنجليز الذين ضمنوا للمسلمين حرية العبادة. وبالفعل فتحتَ حكم الإنجليز بين 1849–1947 شهدت الهند أيضاً تشييد المباني الحديثة التي جمعت بين الطراز المغولي والفيكتوري حيث شُيد مبنى البريد العام وأبراج الساعة في عموم الهند احتفالاً باليوبيل الذهبي للملكة فيكتوريا، فشيدَ الإنجليزُ على أثر ذلك مبانٍ عديدة عريقة مثل مبنى المحكمة العليا والجامعة الحكومية والكلية الحكومية والكلية الوطنية للفنون وقاعة وطريق مونتغومري وسوق تولنتون وجامعة البنجاب ومتاحف عديدة منها متحف إيتشسون ومتحف لاهور وافتتاح مجلس المدينة وثانوية الليدي مكلاغان للبنات ومستشفى غانغا رام ومدرسة مايو للفنون وكلية التجارة وقسم الكيمياء في الجامعة الجديدة ودار رعاية المعاقين ومدرسة ليدي مينارد الصناعية بالإضافة إلى شق ورصف الطرق الحديثة وبناء النوادي الرياضية المختلفة ومنها نادي سباق الخيول بلاهور وحفر وتأسيس قنوات مائية للنقل والري وغير ذلك الكثير من المشاريع الحديثة، وصولاً إلى نشوء دولة في جزء من القارة الهندية خاصة بالمسلمين تضم أقليات دينية مختلفة في الفترة التي شهدت استقلال الدولتين الهند وباكستان. (انظر: Famous Architecture Archived 2009-01-18 at the Wayback Machine atlahoredishaan.com)

ويعترف الشيخ “أبو الأعلى المودودي” الذي كان ألدّ أعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية فيقول:

كانت الهند بلا شك “دارَ حرب” حين كان الإنجليز يسعون لمحو السلطنة الإسلامية منها، وكان من واجب المسلمين وقتئذ أن يُقاتلوهم ليحفظوا سلطنتهم الإسلامية أو أن يُهاجروا من الدولة بعد أن خُذلوا في سعيهم ذاك. أمّا الآن وقد غُلبوا على أمرهم وقامت الحكومة الإنجليزية ورَضِيَ المسلمون بالبقاء في ظلها مع ما لهم من حرية العمل بقوانينهم الشخصية، فَلَمْ يعد هذا القُطر “دارَ حرب”، بل صار “دار الكفر” الذي يعيش فيه المسلمون رعايا عند الآخرين، ويتمتعون بحرية العمل بدينهم، ضمن حدود قانون هذا البلد. واعتبار مثل هذا البلد دارَ حربٍ وتطبيق الرخص الخاصة بدار الحرب بسبب الاضطرار هو مخالف تماماً لمبادئ القانون الإسلامي وخطير جداً أيضا.” (المودودي، كتاب “الربا”، إسلامك ببليكيشنز، لاهور، طبعة 2000، ص249).

ومن العلماء المشهورين في عدائهم للجماعة الإسلامية الأحمدية “الشيخ سليمان الندوي” زعيم “ندوة العلماء” التي هي أكبر مؤسسة إسلامية في الهند والتي أعلنت عن هدفها يوم تأسيسها كالتالي على لسانه كما يلي:

مع أن مدرستنا لا تَقدر على إحداث طائفة يصلحون للتوظف في أعمال الدولة، ولكن نحن على ثقة أن مدرستنا تنشئ رجالا يقدرون على إطفاء الثورات الحالية … رجالاً يكون من شيمتهم الاستكانة للأكابر والمواساة للجار والتواضع للعامة، وفوق كل ذلك الانقياد للحكومة والخضوع لها. … ونحن على يقين أن المسلمين كما يسلم إذعانهم لحكومتهم يزيدون من هؤلاء العلماء الناشئين طاعة وانقيادًا للحكومة. والآن نقدم إلى جنابكم أزكى التشكرات حيث تفضلتم علينا بقُطيعة من الأرض لنرفع عليها قواعد مدرستنا.” (مجلة “الندوة”، عدد ديسمبر 1908م، ص 7).

وقال أيضاً:

صحيح أن الندوة في معزل عن السياسة، ولكن لمّا كان هدفها الأساسي تخريج علماء مستنيرين، فمِن واجب هؤلاء العلماء إطلاع القوم على بركات هذه الحكومة “الإنجليزية” ونشرِ أفكارٍ تساعد أهل البلاد على الوفاء لها.” (مجلة الندوة، عدد يوليو 1908م، ص1)

وكذلك شمس العلماء بالهند “المولوي نذير أحمد الدهلوي” قال عن الإنجليز:

من مصلحة الهند كلها أن يحكمها حاكم أجنبي، لا هو هندوسي، ولا مسلم، وإنما يجب أن يكون من أحد سلاطين الغرب، ومِن عناية الله العظمى أن الإنجليز تولَّوا الحكم …. هل هذه الحكومة قاسية ومتشددة؟ كلا، ثم كلا، بل هي أكثر عطفاً وحناناً من الوالدين … كنت أنظر، بمنظار معلوماتي، إلى ولاة الهند عندئذ. كما كنت أجول بفكري إلى بورما، ونيبال، وأفغانستان، بل إلى فارس ومصر والعرب، فلم أجد في كل هذه البلاد من أقصاها إلى أقصاها أحداً أسلِّم إليه حكم الهند، وما رأيت فيمن يريدون السيطرة على الحكم أحداً أحق من هؤلاء. فقررت عندئذ أن الإنجليز هم أحق وأولى بحكم الهند، ويجب أن يستمر الحكم فيهم.” (مجموعة محاضرات مولوي نذير أحمد الدهلوي، ص 4 و5 و19 و26).

وهذا ما قاله “المولوي محمد حسين البطالوي” أعدى أعداء مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام:

لا شك أن سلطان الروم (يعني السلطان التركي) ملِكٌ مسلم، ولكننا، نحن المسلمين، لسنا أقل منهم اعتزازاً وافتخاراً بالحكومة البريطانية نظرًا لحسن نظامها .. بصرف النظر عن الدين .. وإن فرقة “أهل الحديث” على الأخص، لما تتمتع به من أمن وحرية من قبل هذه الحكومة، لتفتخر أمام جميع الدول الإسلامية الحالية، سواء في الروم أو في إيران أو خراسان. فنظراً للأمن والاستقرار والحرية العامة وحسن النظام الذي تتحلى به الحكومة البريطانية، فإن فرقة أهل الحديث بالهند تعتبرها غنيمة عظيمة، وتُفضّل أن تكون من رعاياها بدل أن تكون من رعايا الدول الإسلامية.” (مجلة إشاعة السنة، مجلد 10، ص 292- 293)

ويقول “المولوي ظفر علي خان” محرر جريدة “زميندار” ما يلي:

إن المسلمين .. لا يمكن أن يسيئوا الظن بهذه الحكومة (أي الإنجليزية) للحظة واحدة .. ولو أن شقياً من المسلمين تجاسر على الخروج على الحكومة فإننا نقول علناً بأنه ليس مسلماً.” (جريدة زميندار، لاهور 11 نوفمبر 1911م)

ولهذا كان موقف المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية الذي كان شاباً في تلك الأحداث في أواسط القرن التاسع عشر كان مطابقاً لمواقف مشايخ المسلمين وعقلائهم، وَمِمَّا قاله عَلَيهِ السَلام:

إني لا أداهنُ هذه الحكومة أبدًا، وإنما الأمر الواقع بأن أية حكومة لا تعتدي على دين الإسلام، والشعائر الإسلامية، ولا تشهِّر السيف في وجوهنا لنشر دينها .. فإن القرآن الشريف يحرّم علينا أن نحاربها حربًا دينية، لأنها أيضا لا تحاربنا حربًا دينية“. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 75 الحاشية)

ويقول عَلَيهِ السَلام:

ألم تروا كيف نعيش أحرارًا تحت ظل هذه السلطنة، وكيف خُيّرنا في ديننا وأوتينا حريّة في مباحث المِلّة الإسلامية …. وكنّا، في زمن دولة “الخالصة”، أوذينا بالسيوف والأسنّة، وما كان لنا أن نقيم الصلاة على طريق السُنّة، ونؤذّن بالجهر كما نُدب عليه في المِلّة. وَلَمْ يكن بدٌّ من الصمتِ على إيذائهم، ولم يكن سبيل لدفع جفائهم، فرُددنا إلى الأمن والأمان عند مجيء هذه السلطنة … ولا ننسى إحسان هذه الحكومة، فإنها عَصَمت أموالنا وأعراضنا ودمائنا من أيدي الفئة الظالمة، فالآن تحت ظلها نعيش بخفض وراحة، ولا نَرِدُ مورد غرامة من غير جريمة، ولا نحلّ دار ذلّة من غير معصية، بل نأمن كل تهمة وآفة، ونُكفَى غوائلَ فَجَرةٍ وكَفَرة، فكيف نكفر نعم المنعمين؟ وكنا نمشي كأقزل قبل هذه الأيام، وما كان لنا أن نتكلم بشيء في دعوة دين خير الأنام، وكان زمان “الخالصة” وزمان الذلة والمصيبة، صُغّر فيه الشرفاء، وأسادت الإماء، وصُبّت علينا مصائبٌ ينشق القلم بذكرها، وخرجنا من أوطاننا باكين. فقُلّب أمرنا بهذه الدولة من بؤسٍ إلى رَخاء، ومن زعزع إلى رُخاء، وفُتح لنا بعناياتها الفَرج، وأوتينا الحريّة بعد الأسر والعَرج، وصرنا متنعمين مرموق الرخاء، بعد ما كنّا في أنواع البلاء. ورأينا لنا هذه الدولة كريف بعد الإمحال، أو كصحّة بعد الاعتلال، فلأجل تلك المنن والآلاء والإحسانات، وجب شكرها بصدق طويّة وإخلاص النيّات.” (البلاغ، الخزائن الروحانية، ج13، ص442، 450-453)

وهكذا بعد أن كان الأذان في عهد السيخ يُعَدُّ من النجاسات والعياذ بالله إذا به بعد إنهاء الاحتلال البريطاني لحكم السيخ على الهند أصبحَ يصدح في قلب الهند وضواحيها وانتشر مفهوم المناظرات الدينية Interfaith Conferences التي يفخر بها الغرب اليوم، وانتصر المسلمون وَلَمْ يعد أحدٌ يظلمهم في دينهم بل كانوا أحياناً يرفعون القضايا على القسس الذين أتوا مع الاحتلال البريطاني بدعم مادي كبير. كذلك كما ذكرنا فقََدْ شيدت المدارس الحديثة والمستشفيات وتم علاج الأمراض ومنها الأوبئة كالطاعون والكوليرا، وما كان للهند أن تدبر ذلك حينها لولا الحكومة الإنجليزية. هنالك فوائد كثيرة أخرى لاحتلال بريطانيا للهند التي نظمت فيها الهند من بلد متخلف يشيع فيه الظلم إلى دولة حديثة أساسها الاحترام والتعايش والعلم، ثم خرجت بريطانيا بعد أن ترسخت هذه المبادئ في الهند. طبعاً كانت هنالك خروقات وأعمال ظلم فلا يوجد احتلال محمودٌ في كل شيء على كل حال أيضاً ولكن هذه الأخطاء والخروقات قليلة العدد والغالب هو العدل والإحسان، ولذلك ذَكَرَ الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام -وهو أحد الشهود على الاحتلال البريطاني للهند- ذَكَرَ بالنقد تصرفات الجيش البريطاني مثل جلبهم الفتيات والخمور لجنودهم وعزى حضرته قيامهم بذلك إلى تعاليم القسس التي يأولونها من الكتاب المقدس والتي جعلت نساء لندن وقتها يخالطون الرجال في حدائق “هايدبارك” وغيرها مثل الغانيات. ويبيّنُ عَلَيهِ السَلام أن شكر الإنجليز إنما هو لتخليص المسلمين من ظلم السيخ والهندوس، أما عقيدتهم فلا نوافق عليها، بل اشتهر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام خاصة بالتصدي للقسس وأطلق عليهم صفة الدجال وهزمَ جمهم، فيقول حضرته:

أقول صِدقاً وحقاً بأن خيانة المحسن وقاحةٌ وفعلُ شخص سيء الطوية. فمذهبي الذي أؤكد عليه مراراً وتكراراً هو أن الإسلام جزءان. أولاً: طاعة الله وثانيا طاعة السلطنة التي أقامت الأمن وهيّأت لنا تحت ظلها ملاذاً من أيدي الظالمين، وتلك السلطنة هي الحكومة البريطانية. صحيح أننا نختلف مع الأقوام الأوروبية في الدين، ولا نبيح بحق الله تعالى أموراً يبيحونها، ولكن لا علاقة لتلك الأمور الدينية مع أمور الرعية والعلاقة مع الحكومة. إن الله تعالى يعلّمنا بصراحة تامة أن تشكروا وتطيعوا الملك الذي تعيشون في ظله بأمن.” (شهادة القرآن)

وقد ورَدَ في الحديث الشريف مدح النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم للإنجليز أو الأوربيين بصفة عامة لعدلهم وكرمهم للمحتاج كما يلي:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ؛ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ؛ أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ؛ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُلَيٍّ؛ عَنْ أَبِيهِ قَالَ؛ قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ». فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ: «إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا؛ إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ؛ وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ.»” (صحيح مُسْلِم، 2898)

فالإنكليز والغرب عند الصحابة سيكونون:

أَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ
أَسْرَعُ النَّاسَ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ
أَوْشَكَُ النَّاسِ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ
خَيْرُ النَّاسِ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ
وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ (وَهذه الخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ)

ولكن هل يجب السكوت والرضى باحتلال البلاد مهما كان الاحتلال عادلاً بين الناس؟

الجواب: لا! ولا نعني بـ لا أن تنشأ المليشيات والمجموعات المسلحة التي تتربص بالمحتل وتقتل أفراده ثم تلوذ بالفرار ليصاب الأبرياء، بل نقصد الأسلوب السلمي الصحيح لسياسييّ البلد وحكامه الذي من شأنه إزالة الاحتلال كما حدث عند استقلال الهند، فَلَمْ تُجْدِ الثورات المسلحة إلا في خراب البلاد وحدها بينما أجْدَت الثورات السلمية التي انتزعت استقلال البلاد كما يجب وإلى الأبد. ولهذا لن يمكن للأمة أن تستعيد مجدها وهيبتها إلا إذا اتّحَدَت على قلب إمامٍ واحدٍ من جديد. إنه داعيَ الله تعالى في هذا العصر: المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

المصادر

١. “تاريخ البنجاب History of the Panjab: From the Remotest Antiquity to Present Time” ص 111–21 لمؤلفه السيد “محمد لطيف” طبعة عام 1964.

٢. “وادي كشميرThe Valley of Kashmir” لمؤلفه “السير والتر روبر لورنس Lawrence, Sir Walter Roper” طبعة 1895.

٣. “تاريخ الهند الوجيز A Concise History of India” لمؤلفته “باربرا توماس ميتكالف Metcalf, Barbara” طبعة 2002. بالإضافة إلى مصادر تاريخية أخرى عديدة.

٤. “تاريخ الحضارات في شرق آسيا 1500-1950 History of Civilizations of Central Asia: Development in contrast : from the sixteenth to the mid-nineteenth century” الصادر عن مؤسسة اليونسكو، في 1 January 2003. UNESCO. pp. 317–319. ISBN 978-92-3-103876-1.

٥. “المجاميع والأقليات الأصلية في جنوب ووسط آسيا INDIGENOUS GROUPS AND ETHNIC MINORITIES IN SOUTH AND CENTRAL ASIA” لمؤلفته “باربرا جونستن Barbara Rose Johnston” طبعة 2007. Left Coast Press. p. 135. ISBN 978-1-59874-121-6.

٦. “مراجعة السيخ The Sikh Review” طبعة 2005. الصادر عن المركز الثقافي السيخي Sikh Cultural Centre. 2005. p. 53.

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد