الخطاب الختامي

الذي ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه المهدي عليه السلام

في  الجلسة السنوية  في حدیقۃ  المہدي ببريطانيا

يوم 30/7/2017

%%%%%

 

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[

كلما شاركت في برنامج دُعي إليه غير المسلمين أيضا، وقدمتُ فيه التعليم الجميل والمسالم للإسلام، تحيَّر أغلبية الحضور وتساءلوا هل هذا هو تعليم الإسلام في الحقيقة؟ وردة الفعل هذه وهذا التصريح لا يخص سكان بلد واحد في العالم بل يحدث دون تمييز في كل بلد. وفي هذه الأيام يوزع الأحمديون من شتى فروع الجماعة في كل بلاد العالم نشرات التعليم الجميل والمسالم للإسلام- كما أخبرتكم يوم الأمس في الخطاب- وهي توزَّع بمئات الآلاف- فالملاحظ أن كل من تلقى هذه النشرة صرح مذهولا قائلا إنني أستغرب أنكم تتكلمون عكس ما نسمعه عن الإسلام في الإعلام تماما. فالإعلام قد شوَّه الإسلام كثيرا بناء على عمل عدد من الفئات المتطرفة، لدرجة يعتقد سكان بلاد أفريقية نائية جدا وأميركا أيضا وسكان الجزر في أميركا الجنوبية وأستراليا وأوروبا واليابان بل العالم غير الإسلامي كله أن تعليم الإسلام والمسلمين هما السبب وراء الاضطراب السائد في العالم والفتن والفساد. بينما الحق أن تعليم الإسلام وحده يقدم ضمانا للأمن الحقيقي، وسلامِ العالم. ففي كلمة “الإسلام” أصلا تكمن رسالة الأمن والسلام. فهو يريد أن يهب السلام والأمن للجميع دون أي تمييز واستثناء. إن تعليم الإسلام الجميل يقول- بعد القضاء على كل أنواع الشعور بالدونية أو التفوق- إن الناس كلهم سواسية. فقد أعلن النبي r أنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي علي عربي  ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر. فكل الناس كبشر سواء. ثم إن الله I قد لقَّب النبي r “رحمة للعالمين” وبذلك جعله يضمن الأمن والسلام للناس أجمعين. فالذي بُعث رحمةً للعالمين كيف يمكن أن يكون تعليمه وعمله مدمرًا لأمن العالم وسلامِه؟ وأكثر من ذلك كله أن الإسلام يوقن بإله هو رب العالمين، الذي خلق كل شيء في الكون ويربيه، وهو ربُّ أتباع الأديان كلها. وليس ذلك فحسب بل هو يهيّئ الحاجات المادية حتى لأولئك الذين لا يؤمنون به، ويهيئ لهم الأمن والسلام. إن إله الإسلام يقول: إن الإله الذي يقدِّمه التعليم الأساسي لكل دين هو في الحقيقة إله واحد فهو يقول إنني أنا مهيئ كل شيء. إن أتباع كل نبي قد سـمَّوه بأسماء مختلفة بحسب لغة نبيهم ومن ثم يظنون أن إلههم مختلف عن إله غيرهم؛ وتكلموا عن الاختلافات. أما الإسلام فقد أعلن بوضوح أنه لا داعي للخصومات والشجار ولا داعي لضرب الرقاب باسم الدين، فالله I هو إله واحد وهو إله اليهود وهو إله النصارى وإله الهندوس وإله المسلمين أيضا، وهو نفسه إله أتباع الأديان الأخرى، وهو رب كلِّ واحد. فالخلْق كلهم له وهو رب الخلق كلهم، وفيضُه عام. فما دام فيضه عامًّا والخلق كلهم له وهو رب الجميع فلماذا تثيرون الفتن لاختلاف في الدين أو أمرٍ آخر. لقد أخبرنا سيدنا المسيح الموعود u في هذا العصر أن ظهور الفتنة والفساد مرتبط بنشوء الشعور بالتفوق. أي حين يحدث الإحساس في الأديان والأمم أن الله لهم وحدهم، ولا علاقة له بالأمم والأديان الأخرى. لكن الإسلام حين يعلن أن إلهنا هو رب العالمين فهو بتعبير آخر يعلن أنه ما دام إلهنا جميعا إلها واحدا وهو الذي خلقَنا كلَّنا ويربِّينا جميعا، فعلينا أن نعيش جميعا بأمن وسلام.

فقد كتب سيدنا المسيح الموعود u: لقد استهل اللهُ تعالى القرآن الكريم بآية سورة الفاتحة ]الحمد لله رب العالمين[ أي أن الله تعالى يملك جميع الصفات الكاملة والطيبة. إن كلمة “العالَم” تشمل الأقوام المختلفة والأزمنة المختلفة والبلاد المختلفة أيضا. وفي استهلال القرآن الكريم بهذه الآية تفنيد الأقوام التي تعتبر ربوبية الله العامة وفيضه العميم مقتصرا على قومهم فقط ويظنون الأقوام الآخرين وكأنهم ليسوا عباد الله، وكأن الله خلقهم ثم رماهم كشيء رديء أو نسيهم، أو ليسوا من خلقه أصلا والعياذ بالله. فالذين يظنون أن الله تعالى فضّلهم على الجميع وأن الآخرين كأنهم ليسوا من خلق الله أو نبذَهم الله كشيء رديء بعد أن خلَقَهم، في الحقيقة يثيرون الفتن في الدنيا بسبب شعورهم بالفوقية والاستعلاء ويدمّرون أمن العالَـم.

قال مؤخرا أحد أصدقاء الرئيس الأميركي وهو رجل سياسي، قال على التلفاز علنًا بأننا البيض أفضل أقوام العالم وخيرهم، ومن حقِّنا أن نحكمهم ونفعل ما نشاء. وسـمّى السود والأفارقة أدنى الجميع بل قال إنه بسبب بشرتهم السوداء لا يستطيعون أن يملكوا القوى الدماغية التي يملكها البيضُ.

لقد جعله الكبرُ متجاسرا لحد كأنه جعل نفسه مقابل الله تعالى. فليفكر قليلا أولئك الذين يسعون للإساءة إلى سمعة الإسلام إن كان هل هذا البيان يقيم الأمن والسلام. إن هذا البيان لصوت المتكبرين، مهما ادّعوا الإنصاف والأمن والسلام فإنهم في الحقيقة يسعون لتحقيق هذا الهدف ويعملون بهذه الخطة التي يُظهرونها وأخبرتُ بها آنفا.

يقول المسيح الموعود u وهو يشرح مزيدا قول ]الْـحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[:

“استهل الله تعالى القرآن الكريم بآية: ]الحمد لله رب العالمين[، وقال في القرآن الكريم في عدة آيات بصراحة إنه ليس صحيحا أن الأنبياء جاءوا من قوم معين أو في بلد معين فقط بل لم ينس الله تعالى أيّ قوم أو بلد. وقد قيل في القرآن الكريم بضرب أمثلة مختلفة بأنه كما أن الله تعالى ظل يربي أهل كل بلد بما يناسبهم كذلك متّع كل بلد وقوم بالتربية الروحانية أيضا كما يقول في القرآن الكريم: ]وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ[ فالجدير بالقبول دون أي نقاش أن ذلك الإله الكامل والصادق الذي يجب على كل إنسان أن يؤمن به هو رب العالمين وأن ربوبيته ليست محدودة على قوم دون قوم ولا لمدة معينة ولا لبلد معين بل هو رب الأقوام كلها ورب الأزمنة كلها ورب الأماكن كلها ورب البلاد كلها وهو مصدر الفيوض كلها. وكل قوة مادية وروحانية تأتي من عنده فقط، وببركته يتربى كل موجود وهو السند لكل وجود. وأن فيض الله عام ويحيط بكل الأقوام والبلاد والأزمنة لكيلا تكون لدى قوم شكوى وألا يقولوا بأن الله منّ على قوم كذا وكذا ولم يمنّ علينا، أو وجد قوم كذا وكذا كتابا منه ليهتدوا به ولكننا ما أُعطيناه، أو ظهر بوحيه وإلهامه ومعجزاته في زمن كذا وكذا ولكنه بقي مخفيا في زمننا. لذا فقد جلّى فيضا عاما ودفع الاعتراضات كلها من هذا القبيل وأبدى أخلاقه الواسعة إذ لم يحرم قوما من فيوضه المادية والروحانية ولم يحرم زمنا من الأزمنة. (رسالة الصلح، ص3-7)

فالذين يقولون أن البيض أكثر الناس عقلا وذكاءً ويملكون قدرات أكثر هم مخطؤون، بل الله تعالى أعطى كل قوم قدرات ومنَّ على كل قوم بفيضه، بغض النظر عن اعتبار بعض أهل الدنيا أنهم خاصّةً أفضل وأعلى من الآخرين في بعض الأمور، فلا يُظهر أي دين غير الإسلام المواساةَ بهذه الصراحة مثل تعليم الإسلام. إنه تعليم الإسلام وحده الذي يصرح أن الله تعالى عامل الجميع بالمساواة حتى في الدين وبعث الأنبياءَ إلى كل قوم وجاء جميع الأنبياء برسالة واحدة من الله تعالى ولم يكن فيها أي فرق. الحاصل أن المسلمين وحدهم ملزمون بحسب تعليم القرآن الكريم أن يؤمنوا بوجود أنبياء في كل قوم وأما أتباع الأديان الأخرى فليسوا ملزَمين بذلك، لأن القرآن الكريم يعلّم أنه في كل قوم جاء الأنبياء، وأن علينا أن نؤمن بجميع الأنبياء. فما دمنا نؤمن بجميع الأنبياء فلا نستطيع أن نقول للآخرين بأن نبيكم كاذب وأن تعليم نبيكم خاطئ، لا يمكن لمسلم أن يقول ذلك، لأنه لو قال ذلك لكذّب تعليمَ القرآن الكريم –والعياذ بالله- فهذا الشيء يُثبت أنه من المستحيل أن يقابل الإسلامَ أيُّ دين في التسامح الديني وفي تعليم الأمن. وبالمقابل يمكن لأي مسيحي أو يهودي أو لتابع أي دين أن يقول كلمات غير مناسِبة في حق النبي r، ولكن المسلم ملزم بأن يذكر عيسى u وموسى u وأسماءَ مؤسسي الديانات الأخرى وأنبياءهم باحترام.

فحين يتكلم أهل الأديان الأخرى بكلام بذيء عن النبي r ويسيؤون إليه، نسلِّم نحن المسلمين على كل نبيّ مضيفين تعبير “عليه السلام” إلى اسمه وبذلك نقيم عزة كل نبي واحترامه. فالإسلام يعلّم الأمن والسلام أكثر من أيّ دين آخر، ويأمر أتباعه أن يؤصِّلوا الأمن في كل الأحوال. فقد نصح الله تعالى المسلمين بالتعايش بالأمن والسلام ناسين الخلافات الدينية لدرجة قال I: ]وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ[. أيُّ أمر يمكن أن يكون أقوى من المبدأ المذكور في هذا الكلام لإزالة المفاسد من العالم وتوطيد دعائم الأمن والسلام فيه؟ فقال: لا تسبوا الذين يدعون من دون الله ويرتكبون الشرك، مع أن الشرك أكبر الكبائر عند الله، ومع ذلك يقول الله تعالى: لا يحق لكم أن تسبّوا أوثانهم، لأن لكل شخص مشاعر دينية سواء كانت صحيحة أو خاطئة، فلو قلتم شيئا بحق أوثانهم بغير حكمة لسبُّوا إلـهكم فتهيج مشاعركم، وبالنتيجة سوف تضطرم نار الفساد والفتنة، لذا عليكم أن تجتنبوا مثل هذا التصرف. لا شك أن الجميع سيمثلون أمام الله بعد الممات فيحكم بينهم ويوضح من هو الربّ وقاضي الحاجات ومَن بيده الجزاء. هذا هو المبدأ الذهبي الذي يقضي على الفتن والفساد ويعطي تعليم الأمن والوئام ويرفع مستوى المسلمين الأخلاقي. يقول المسيح الموعود u في بيان ذلك:

“لقد علّمنا الله تعالى في القرآن الكريم طريق الأدب ودرس الأخلاق فيقول: ]لَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ[. انظروا الآن مع أنه لا حقيقة للأوثان على الإطلاق بحسب تعليم القرآن الكريم، ومع ذلك يُعلِّم الله المسلمين خُلقَ أن يمتنعوا عن سبّ الأوثان أيضا، ويأمرهم بدلا من ذلك أن يوضِّحوا الأمر لعبدة الأوثان باللين لئلا يثوروا ويسبوا الله، فتصبحوا أنتم سببا لهذا السباب.”

فإذا كان هناك مسلم لا يعمل بهذا التعليم فهذا خطؤه وليس خطأ التعليم ولكن غير المسلمين يعيبون تعليم الإسلام ويستهزئون به دون تفكير رصين. الحق أن هؤلاء هم الذين يفسدون أمن العالم وليس تعليم الإسلام. إذًا لا يمكن اتهام تعليم الإسلام بأيّ حال. أما إذا كان أحد من المسلمين يقوم بتصرف غير لائق فهذا عمله الشخصي وهو بعيد عن تعليم الإسلام. وإذا كان غير المسلمين يسيؤون إلى الإسلام بعد علمهم بحقيقة الأمر، فهم المسؤولون عن كل فتنة وفساد ينتج عن تصرفهم هذا. هناك أمثلة كثيرة أن الإسلام لا يعلّم أيّ إكراه أو فساد بل يعلّم الأمن والصلح والصفاء والسلام بما لا نظير له في أيّ دين آخر، ولا يضاهيه أيّ تعليم في هذا المجال. فمثلا يقول الله تعالى في سورة يونس: ] وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ[، فإذا كان الإيمان بالإكراه مطلوبا، أو جاز إكراهُ مَن لم يؤمن وكانت لديه خلافات دينية وكان الإخلال بالأمن مسموحا به لما قال الله تعالى: ]أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ[. بل يقول الله تعالى: ] وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا[ ولكنه لم يفعل ذلك لأنه إكراه. فما دام الله لم يشأ ذلك فقال للنبي r بأنه لا يجوز لك أيضا أن تكره الناس على الإيمان. فلما لم يكن النبي r مسموحًا بذلك فأنّى لأحد أن يكون مسموحًا به؟ إذًا، إن هؤلاء المشايخ والإرهابيين وغيرهم الذين يقولون بأننا نكره الناس على الإيمان إنما يقومون بما ينافي تعليم الإسلام.

ثم يقول الله تعالى: ]وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر[. إذًا، لـمّا لم يُسمَح لسيدنا ومولانا محمد رسول الله r بإكراه الناس على الإيمان، فكيف يُسمح للمشايخ المعاصرين والمنظمات المزعومة المعاصرة أن يستخدموا الإكراه لنشر الإسلام، ويسيؤوا إلى الإسلام؟ فإذا كان أحد يقوم بعمل خاطئ باسم الإسلام فهو المخطئ، ولا يجوز لأحد أن يتّهم تعليم الإسلام. الإسلام دين ينشر الصلح والحب والأمن والوئام.

كل ما ذكرتُه إلى الآن يخطِّئ كِلا الطريقين ويخطِّئ تصرفات غير المسلمين أيضا الذين يعُدّون الإسلام دين الارهاب والعنف والفتنة والفساد، وكذلك يخطئ المسلمين الذين يقومون بأعمال إرهابية باسم الإسلام ويفسدون أمن العالم. إن أعمال المسلمين من هذا القبيل على الرغم من تعليم الإسلام الجميل قد شجّعت غير المسلمين ليرفعوا أصابع الاتهام إلى الإسلام، وهذا من سوء حظ المسلمين. ولكن كان مقدرا نتيجة الفساد الذي أحدثه في العالم المشايخُ المزعومون أن يبعث الله تعالى بحسب وعده لإصلاح ذلك الفسادِ المسيحَ الموعود عليه الصلاة والسلام الذي كان سيقدم لنا تعليم الإسلام الحقيقي والجميل في ضوء القرآن الكريم، ففعل u ذلك على صعيد الواقع. القرآن الكريم هو الكتاب المقدس عند المسلمين إن شرح تعليم الإسلام الجميل والحقيقي ممكن في ضوء القرآن الكريم فقط كما يمكن العمل بهذا التعليم. وقد شرحه لنا المسيح الموعود u في هذا الزمن. يقول القرآن الكريم عن مكانة بيت الله الكعبة أو عن مكانة مكة: ]وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا[. للأمن هنا معنيان، الأول: من دخله نال الأمن. والمعنى الثاني هو أنه مَن آمن به سيكون في الأمن ويهيّئ الأمن للآخرين أيضا. لقد عُمِل بهذا التعليم لأول مرة حين عفا النبي r عند فتح مكة عن أعدائه وأعداء أصحابه الذين كانوا متعطشين لدمائهم، وأعلن لهم الأمن والسلام. قال أحد زعماء  الأنصار حينذاك بأننا سننتقم اليوم من قريش ونهينهم. سمع أبو سفيان هذا الكلام وجاء إلى النبي r وقال: قد سمعت كذا وكذا من زعيم أنصاريٍّ، فهلَّا تهيّئ لنا الأمن في هذه المدينة على الرغم من مظالمنا المتتالية التي قمنا بها فيما سبق؟ قال النبي r، سوف أُعطيكم الأمن على الرغم من مظالمكم لأن هذه المدينة قد جُعلت آمنةً، وقد جُعل بيت الله بيت الأمن، وما قاله الزعيم الأنصاري هو خطأ، وإن تعليم الأمن والرحمة والسلام سوف ينطلق من هذه المدينة المقدسة ومن الكعبة المكرمة. فأخذ r الراية من الزعيم الأنصاري المذكور وسلّمها لزعيم آخر، وبذلك أقام بعمله الأمن والسلام المنوط بهذه المدينة.

فهذا هو تعليم الإسلام المبني على الأمن والسلام بحيث عفا النبي r عن أعدائه بعد الانتصار والغلبة وعاملهم بالرحمة. من يستطيع أن يعمل اليوم على هذا النحو في العالم المتحضر المزعوم.

كذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم داعيا إلى السلام: ]وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ[. فحين قال الله تعالى بأنْ تعالوا وادخلوا دار السلام، سمّى الداخلين فيها “مسلمين”، أي الذين ينشرون السلام ويقيمون الأمن.

أما إذا لم يحترم المرء قداسة هذه الكلمة فهذا خطؤه. كذلك يعلّم الإسلام أن تسلّموا على الآخرين عندما تلتقون بهم قائلين: “السلام عليكم”. فهل الذي يسلِّم على الآخرين بقوله: “السلام عليكم” سيحمل السيف ويقوم بالقتل والفتك بالناس ويعيث الفساد في الأمن؟ كذلك نرى المصلّين عندم ينهون صلاتهم يسلّمون يمينا ويسارا قائلين: “السلام عليكم ورحمة الله”. هذا يعني أنهم عندما يتفرّغون من العبادة يقولون بلسانهم: أودّ أن أقيم الأمن والسلام عن اليمين وعن اليسار وفي الأمام والخلف. إذًا، الإسلام لا يقضي على الأمن والسلام ولا يعلّم العنف والإرهاب بأي حال بل إن تعليمه جميل لدرجة يعلّم الأمن والسلام أكثر من أيّ دين آخر. ثم يخبرنا القرآن الكريم أن الحرم هو المركز الحقيقي للأمن والسلام فيقول: ]أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ[. إذًا، هذا إعلان بأن الهدف الحقيقي من بيت الله هو إقامة الأمن والسلام. وقد أُلقيت على المسلمين بهذا الشأن مسؤولية كبيرة وهي أن عليهم أن يحافظوا دائما على كونه مركز الأمن والسلام. وقد أعلن الله تعالى أن أصحاب العلاقة معه سيكونون في الأمن دائما، بمعنى أنهم ليسوا وحدهم الذين سيستفيدون من الأمن الحقيقي بل سيحظى به أيضا كل من سيقيم علاقة صادقة ببيت الله مؤمنا بالله الأحد. إنه من سوء حظ المسلمين، وخاصة ملوك البلاد الإسلامية أنهم بدلا من أن ينظروا إلى الله الأحد- بعد ضمان واضح سبق ذكره- وينتهبوا إلى الهدف من بناء بيت الله الكعبة الذي بيّنه القرآن الكريم ويسعَوا لإرساء دعائم الأمن والسلام، قد عقدوا العزم على المظالم معتزين بثروتهم وقوتهم. ويحسبون أن أصدقاءهم وسادتهم الماديين هم الذين يضمنون السلام. يقول الله I إنه هو الذي جعل الحرم آمنا، وإن الذين يتعلقون به في الحقيقة سيبقَون آمنين ببركته حصرا. فلو كانت القوى والمكايد المادية تقدر على إرساء دعائم الأمن والسلام لما وُجدت في الدنيا فتنةٌ وفساد نراهما الآن فيها. إنما القلق والاضطراب يسود في العالم لأنهم ينظرون إلى الدنيا بدلا من الله.

فالإنسان المادي يُعدّ وسائل دماره وهلاكه غافلا عن الله I، أما المسلمون فيجب أن يفكروا ويعقلوا أن التوحيد الذي كان الله I قد بنى بيته لإقامته وأرسل الخادم البار للنبي r لاستعادته- بعد فقدانه في العصر الراهن- عليهم أن يؤمنوا به u لكي ينالوا الفيض الحقيقي للمكان الآمن. وإلا سوف يتردَّون إلى الدمار باستمرار كالشعوب حولهم . إن مقام بلد السلام سيبقى ويدوم حتما، لكن الله I سيأتي بالحكام محبي العدل والمتمسكين بالروحانية مكانَ الحكام الظالمين والبعيدين عن الروحانية، إذ من المستحيل أن يقوم السلام الحقيقي بدون الروحانية. فالذين يدَّعون أنهم خدام الحرمين عليهم أن يبحثوا عن الروحانية لإحراز هذا اللقب في الحقيقة، لكي يتحقق السلام الحقيقي. وهو يتطلب اتّباع الخادم البار للنبي r. فهذا واجب عليهم لكي يتراءى التعليمُ الحقيقي للإسلام الناشر للسلام عيانا واضحا للعالم غير الإسلامي أيضا.

ثم نجد في القرآن الكريم الردَّ على الذين لا يقْبلون الإسلام، فقد قال الله I: ]وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا[ (القصص: 57) فلو كان الإسلام دينَ الإكراه والعنف لما تلقَّى النبي r من أولئك المنكرين هذا الردَّ أي أنهم إذا آمنوا به فسيُخرجون من بيوتهم. إذن فالظالمون والمعتدون ليسوا مسلمين بل هم أناس آخرون، أي الحكومات الأخرى والزعماء الكافرون الذين خوفا منهم لا يعتنق هؤلاء الإسلامَ. فالأغيار أيضًا يقبلون تماما أن الإسلام يعلِّم السلام والأمن، ولذلك قالوا للنبي r إننا إذا انضممنا إليك وبدأنا العمل بتعليمك وآمنَّا بتعليم الإسلام فسوف يخطفنا هؤلاء ويطردوننا من بيوتنا.

فمن هنا ثبت أن تعليم الإسلام في ذلك العصر أيضًا كان مروِّج السلام والأمن في نظر الأغيار، إذ قد قالوا للنبي r: إنك تقول لنا أن ننشر السلام والأمن، فنقول لك إذا اتبعنا طريق الأمن والسلام فسوف تتخطفنا الأقوام المجاورة وتُهلكنا.

فهناك سِباق صناعة الأسلحة الذي نلاحظه في العالم حيث تُبتكر القنابل النووية، بحجة أنها تُصنع لتفادي الخطر الذي نشعر به من الأقوام الأخرى وإبطاله. حاليا تملك تسعة أو عشرة بلاد في العالم تقريبا السلاح النووي، وباكستان هو البلد الإسلامي الوحيد منها، وقدرته غير معروفة أي كم هو قوي. أكبر خطر هو من الأسلحة النووية التي ستستخدم في الحرب القادمة. وتصنع أحدث الأسلحة الخطيرة في العالم في الدول غير الإسلامية. وإذا كانت الدول الإسلامية تستخدمها فبعد شرائها من هذه الدول غير الإسلامية، والأحزاب المتطرفة التي تستخدمها باسم الإسلام تشتريها من هؤلاء غير المسلمين الذين يقولون إن الإسلام يروج العنف والظلم والاعتداء وهم يبيعونها لتستمر تجارتهم. باختصار هذه هي الأوضاع الراهنة في العالم، فهؤلاء الذين يتسابقون في صناعة الأسلحة هم الذين يزوِّدون بها أولئك الذين يعملون ضد التعليم الإسلامي. أي إنه من هذه الدول التي تثار فيها ضجة أكثر أن الإسلام يعلِّم الظلم والعنف تُرسَل الأسلحة للقضاء على السلام. أما الإسلام فيعلِّم السلام لدرجة قال الناس في ذلك العصر أيضا للنبي r: إننا إذا آمنَّا بك فسيقتلنا الناس، بحجة أننا نروج الأمن والسلام. لكن من شقاوة المسلمين أنهم أنفسهم في العصر الراهن يشترون الأسلحة من الذين يتَّهمون الإسلام بالعنف والاعتداء ويستخدمونها ضد المسلمين وغيرهم، وبذلك يدمِّرون سلام العالم. قبل بضعة عقود ألَّف كاتب غير مسلم محب الحقائق كتابا قال فيه مُظهرا وجه هؤلاء موجها الخطاب إليهم إن عدد الأعداء الحقيقيين الذين قُتلوا في حروب محمد رسول الله r في حياته كلها قد يصل إلى بضع مئات من القتلى، أما حربكم العالمية الواحدة فقط فقد قُتل فيها مئات الألوف من الناس، ومع ذلك تقولون إن محمدا رسول الله r والإسلام قد ظلمَا العالم! وأن الإسلام يعلِّم قتل الأمن والسلام وأنه يروِّج العنف والتشدد!

فالرد الحقيقي- إثباتًا أن الإسلام دين السلام- هو ما قدَّمه بعض القبائل للنبي r، أي أن الإيمان بدينكم سيعرِّضنا للهلاك. فالإسلام يعلِّم اجتناب الحروب بلا مبرر. فقد قال أفراد القبائل للنبي r إنه إذا عمِلنا بقولك فهذا يعني أننا سنتعرض لاضطهاد الظالمين لأنهم سيستمرون في القتال لذا لا نستطيع أن نقضي على حياتنا بالانضمام إلى جماعتك. لذا سوف نبقى كما نحن الآن. لأن الانضمام إلى جماعتك يعني أننا سنُضطهَد.

عند إلقاء نظرة على التاريخ يتبين لنا أن الإسلام هو الذي أزال الفوضى والفساد. فإن ما قالته القبائل كان أننا سنتعرض للمشاكل إثر اعتناق الإسلام، وإنما قالوا ذلك لعدم إدراكهم بحقيقة أفضال الله ووعوده ولكونهم لا يملكون الإيمان؛ إذ كانوا يظنون نظرا للظروف في الظاهر أن اعتناقهم للإسلام في هذه الأوضاع التي انتشر فيها الفساد والفتنة في كل مكان ليس إلا دعوتهم للموت. لكن حين فُتحت مكة وانتشر الإسلام بل قبل ذلك حين أحست القبائل أن أهل مكة قد عقدوا ميثاقا للصلح مع المسلمين وأن تعليم الإسلام جميل وأنهم باعتناقه سيَجْنون فوائد مادية أيضا إلى جانب منافع روحانية، وشاهدوا إضافة إلى ذلك بعضَ الآيات أيضا، فقد اعتنقوا الإسلام. فلم يُكرههم على ذلك أحد، وظلوا يكفرون ما دامت نظرتهم مادية. فلو كان هناك إكراهٌ لما طمْأن الله النبيَّ r في القرآن بعد بيان قلقه r في قوله: ]وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ[ (الزخرف: 88-89) فقد ورد في هذه الآية قولُ النبي r لله I إن التعليم الذي أتيتُ به منك وهو تعليم الأمن والسلام للجميع لا يفهمه هؤلاء ولا يؤمنون به بل يشتغلون في القتال والحروب والفتن. فقد ظلَّت المظالم تمارَس على النبي r لثلاثة عشر عاما على التوالي في مكة، ثم لاحقوه في المدينة أيضا. يقول حضرته r إن القوم الذين من أجلهم أتيتُ برسالة السلام هم لا يهيئون لي الأمن والسلام بل قد عقدوا العزم على الاضطهاد. فلم يوجِّهه الله I هنا بأن يردّ إليهم بالمعاملة نفسها فورًا، وأن يقاتلهم ويردّ عليهم بقسوة. بل قال فاصفحْ عنهم، أي اعفُ عنهم. لأنهم لا يدركون عظمة تعليمك وأهميته، ولذلك يقومون بهذا التصرفات تجاهك. فقلْ لهم بعد ملاحظة هذه التصرفات إني أهيّيء لكم سلامًا على الدوام، لأني قد أتيت بسلام لكم. في القريب العاجل ستعرف الدنيا أن محمدًا رسول الله r كان قد جاء بالأمن والسلام للعالم. فبعد فترة وجيزة تأكد العالم العربي من ذلك. لم يكن ردُّه r هو رسالةَ السلام لأتباعه فقط بل كان رسالة السلام للذين لم يؤمنوا به أيضا. ثم يسأل هؤلاء الأغيار قائلين لنقبلْ أن ذلك كان رسالة الأمن والسلام فلماذا خاض الحروب إذن؟ فجواب ذلك أن الكفار حين شنُّوا الهجوم على المدينة للقضاء عليها قال الله I: ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا[ أي أن الذين يحارَبون ظلمًا ودون مبرر يُسمح لهم أيضًا بالقتال لأنهم قد ظُلموا وأُخرِجوا من بيوتهم جراء قولهم ربُّنا الله. ثم قال في آية تالية: إن لم تردّ شرورُهم وفِتنُهم هذه فسوف تتجاوز هذه القوى المعادية للدين حدودَها، ولن تبقى أي كنيسة ولا بيعة ولا معابد أخرى ولا مساجد فهم سوف يدمرونها.

إذن كان السماح بالحرب بقصد إقامة الأمن والسلام فقط. فالجهاد لا يعني قط أن تمارَس المظالم. نحن سعداء إذ قد وجَّهنا سيدنا المسيح الموعود u في كل مجال. فقد قال في موضع موضِّحًا هذا الموضوع في تفسير هذه الآيات:

“لم يسبق الإسلام برفع السيف بل رفعه بقدر الضرورة لإرساء دعائم الأمن فقط، ولم يأمر بقتل النساء والأطفال والرهبان، بل الذين سبقوا بسلّ السيف على الإسلام قُتلوا بالسيف، والتوراة أعطت تعليم الحرب بالسيف أكثر من غيرها، وبسببها قُتل النساء والولدان بأعداد لا تُحصى. والإله الذي ما استاء من تلك الحروب التي شُنّت دون رحمة بل بقسوة شديدة -بل نشبت بناء على أمر منه- فمن الظلم تماما أن يستاء الإله نفسه من حروب الإسلام التي اضطر لخوضها نبي الله الطاهر r كونه مظلوما أو لإرساء دعائم الأمن.” (حجة الإسلام)

ثم يقول u: “وَلَوْ لَم تكن عادة الله دفع النَّاس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَبلغ الظلم درجةً هُدِّمَتْ صَوَامِعُ الزهاد (خَلَوات الذين يعبدون الله تعالى في انفراد) وَبِيَع المسيحيين وَصَلَوَات اليهود وَمَسَاجِدُ المسلمين حيث يُذْكَرُ اسْمُ اللهِ كَثِيرًا. هنا يقول الله تعالى بأنه هو يضمن حماية هذه المعابد كلها. ومن واجب الإسلام أنه إن سيطر المسلمون على بلد مسيحي مثلا فعليهم ألا يتعرضوا لمعابدهم ويمنعوا هدم كنائسهم. والتعليم نفسه يُفهم من أحاديث النبي r أيضا لأنه يتبين من الأحاديث أنه كلما كلِّف قائد جيش المسلمين بالمواجهة كان يؤمَر بألا يتعرض لمعابد المسيحيين واليهود وصوامع رهبانهم. فيتبين من ذلك بُعد الإسلام عن طرق العناد وأنه يحمي كنائس النصارى ومعابد اليهود كما يحمي المساجد. غير أنه لم يرد الله الذي هو مؤسس الإسلام أن يفنى الإسلام نتيجة هجمات الأعداء فأذن بالحرب الدفاعية وأذن بالمواجهة دفاعا عن النفس.” (ينبوع المعرفة)

فلا يثبت أبدا أن الإسلام دين يقضي على السلام أو يأمر بهدم المعابد لأهل الأديان الأخرى، فالذين يقومون بذلك –كما دُمّرت المعابد القديمة لأهل بعض الأديان في العراق وسورية أو هُدمت الكنائس، وهنا أيضا حُرقت الكنائس- إنما يخالفون تعاليم الإسلام ولم يكتب الله تعالى لهم جزاء الجنة بل عقاب جهنم بالتأكيد.

ثم هناك شيء آخر يقضي على أمن العالم. يقول الإسلام عليكم مواجهة كل ما ينافي الأمن والسلام، يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ]وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ[ (البقرة: 192)

القتل من كبائر الإثم ويقول القرآن مع أن القتل فعل شنيع للغاية ولكن الفتنة أكثر منه شناعة، لماذا؟ لأنها تُلقي بعشرات أو مئات الآف من النفوس في الهلاك، بل في بعض الحالات نرى في بعض الأماكن أن مئات الآلاف من الأرواح تُزهَقُ بسبب فنتة، ويتسبب مثيرو الفتن في نشوب الحرب بين الشعوب، لذا يوصي الإسلام بعقابِ مثيري الفتن، لأنهم لا يدمّرون أمن البيوت وراحتها فقط بل يدمّرون أمنَ الشعوب وراحتها أيضا. إنما التحالف والتخالف في السياسة اليوم فتنة ليس إلا. وإذا غضبت دولةٌ من أخرى فيُعد حكام الدولة الأولى تقارير كاذبة لجعل الدول الأخرى حليفتها ضد الثانية أو يُغرون الحكام لنيل أهدافهم ويجعلونهم نصراءهم، ثم يسعون لكسب التأييد على نطاق واسع جدا في العالم لكي تُتخذ إجراءات ضد الدول المعارضة، ولا يهدأون ما لم يجعلوها خرابا. يقول الإسلام إن هؤلاء الناس الذين يدمّرون الشعوب الأخرى بنار الفتنةبحياكة المؤامرات وباسم إقامة الأمن، هم القتَلةُ أصلا، ولا بد أن ينالوا عقوبة القتل، ويجب أن يُعاقبوا بما يستحقّون، ولكنهم أصحاب النفوذ والسلطة والقوّة فمن ذا الذي يستطيع أن يتجرأ على عقابهم، ولكن الإسلام يقول يجب معاقبتهم.

ثم هناك تعليم آخر للإسلام؛ علّمناه النبي r أن المسلم مَن سلم المسلمون وفي رواية مَن سلم الناسُ، فالإسلام وحده يعطي ضمان الأمن والسلام للمسلمين وغير المسلمين والشعوب الأخرى كلها في العالم، إن أهل الدنيا جربّوا جميع الأنظمة كما جرّبوا قوانين سَنَّها البشر، ولكنهم لم ينجحوا في درء الفساد بالرغم من تنفيذ تلك القوانين، ولن ينجحوا ما لم يقيموا في الدنيا نظام التعليم الإسلامي على أساسه الحقيقي، وما دام تعليم الإسلام قائما في الدنيا في حالته الأصلية سادها الأمن والسلام، ولكن حين نسيه المسلمون من سوء حظهم أصبح المسلمون أنفسُهم أكثرَ الناس ظلما.

إن الإسلام أعطى تعليما مفصلا عن الأمن والسلام، وذكرتُ بعضه هنا في مناسبة الجلسة، لأنه قد جاء هنا كثير من المندوبين وممثلي الإعلام وغير المسلمين أيضا، وإنهم يسألونني في لقاءات خاصة أسئلة وآمل أنهم يكونون قد وجدوا إجابات إلى حد ما مما بيّنتُ. تشير حالة الدنيا إلى أن الفساد في تزايد لذا رأيتُ ضروريا أن أبيّن بعض الأمور، لعلهم يخبرون بها العالَـم أن الإسلام وحده يُعلّم العيش مع جميع الأديان بالأمن والسلام، وهو وحده يُنشئ الأمن والسلام بين الأمم والملل ويعلِّم ذلك، وهو وحده يعلّم التحابب والتآخي على جميع المستويات. وإذا كان بعض الذين لا يفهمون هذا التعليم يعترضون عليه بسبب نقصان علمهم وجهلهم ويسعون لإخراجه من دائرة الحب والوداد والأخوة والأمن والسلام فلا يسعنا إلا أن نقول لهم أصلحوا أعمالكم وزكّوا عيونكم من الجهل والعنصرية وكحّلوها بالنور الحقيقي الذي لا يُـحرَز إلا بقرب الله تعالى. اليوم تتقدم الدنيا إلى الهلاك ولا طريق لإصلاحها ولإنقاذها من الهلاك إلا معرفة الله الخالق الذي يدعونا إلى رحمته وإلى ظل سلامه I، واليوم مهما اختبرت الدنيا من نُظم لا يمكن لأيّ نظام أو قانون أو اتفاقية أو سعي أن يُنقذ العالم من الوقوع في هوة الهلاك.

فأقول لأهل الدنيا، يا أهل الدنيا! الذين تتحرّون الأمن والسلام، بدلًا من أن تعترضوا على الإسلام عليكم أن تسمعوا صوت الخادم الصادق للنبي r الذي بعثه الله تعالى في هذا الزمن لحماية البشرية من الدمار ومن سخطه I، والذي يقول: “يا أهل أوروبا! لستم في مأمن، ويا سكان آسيا! لستم أيضا في أمان، ويا سكان الجُزُر! لن يقدر إلهٌ زائفٌ على إسعافكم. إنني أرى المدن تتهدم وأجد العمران خرابًا يبابًا.” (حقيقة الوحي)

فقبل أن يأتي ذلك الوقت يجب على الدنيا أن تعود إلى الله الواحد الأحد، يقول u:

“لقد اقتربت الأيام حين تطلع شمس الصدق من الغرب، وستعرف أوروبا الإله الحق. ثم يُغلق باب التوبة بعد ذلك، لأن الداخلين فيه سيدخلونه مندفعين، ولن يبقى خارجه إلا الذين سُدَّتِ الأبواب على قلوبهم بسبب فطرتهم الفاسدة، والذين لا يحبون النور بل يحبون الظلمة. قرب أن تهلك الملل كلها إلا الإسلام، وأوشك أن تنكسر الحِراب كلها إلا حَرْبة الإسلام السماوية التي لن تنكسر ولن تنبو حتى تُمزِّق الدجلَ تمزيقًا. لقد حان أن ينتشر في البلاد توحيد الله الحقيقي الذي يشعر به سكّانُ الصحارى والبراري والغافلون عن جميع التعاليم أيضا. عندها لن تبقى في الدنيا أية كفارة زائفة ولا إله زائف، ويد الله القوية سوف تبطل مكايد الكفر كلها، ولكن ليس بسيف ولا ببندقية، بل عن طريق تنوير الأرواح المستعدة وإنزالِ النور على القلوب الطاهرة. عندها ستفهمون كل ما أقوله الآن.” (مجموعة الإعلانات)

ندعو الله تعالى أن يوفّقنا لنفهم التوحيد مخلصين له، ولنكون عابدين صادقين وأن نحظى بفضل الله تعالى ورحمته ونخبرَ العالم هذه الحقيقة أن الدنيا لو كانت تريد بقاءها فعلا فعليها أن تعرف إلهها الواحد، وفَّقنا الله تعالى لذلك. والآن سنقوم بدعاء جماعي فأرجو أن تذكروا فيه الأحمديين الباكستانيين الذين يواجهون المشاكل واذكروا الأحمديين الجزائريين أيضا، والعالم الإسلامي كله أيضا لأنهم يدعون عذاب الله تعالى بسبب جهلهم، وحالةُ الدنيا العامةُ أيضا تَفسد يوما فيوما -كما ذكرتُ- فعليكم أن تذكروا الدنيا عموما في أدعيتكم. أنزل الله تعالى فضله ووفّقنا لأداء واجباتنا. تعالوا ندعو. (الدعاء)

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز