الخطاب الذي ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام في خيمة النساء

يوم 15/09/2018

بمناسبة الجلسة السنوية في بلجيكا

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

معظمكن وصلن إلى هنا جراء الأوضاع غير المواتية التي تواجه الأحمديين في باكستان، ولكن نادرًا ما تكون إحداكن -ربما هناك واحدة أو اثنتان لا أكثر- قد مرت مباشرة بهذه المحن والمشاكل. ولكن هناك خوف سائد لدى السيدات الأحمديات في باكستان من الخطر الشديد الذي يحيق بأزواجهن وأولادهن وأقاربهن الأعزاء، إذ يمكن لأي متهور وطائش في أي وقت من الأوقات أن يقع تحت تحريض العلماء المزعومين فيلحق بهم أضرارًا. هذا ما يعانيه كل أحمدي في باكستان وهذا ما يهدده كل حين وآن. ولكن الحقيقة أيضا أن الناس عمومًا والسيدات والأطفال خصوصًا ينسون هذه الظروف الصعبة بعد وصولهم إلى هنا بفترة قصيرة.

لقد لوحظ عمومًا أن الكثيرين من الفتيات والفتيان الذين وُلدوا هنا أو الذين مضى على عيشهم في هذه البلاد فترة طويلة قد نسوا ما يتعرض له الأحمديون في باكستان من شدائد. أما الذين قد نزح جميع أقاربهم إلى هذه البلاد فلا يعرفون حجم الشدائد التي لا يزال الأحمديون يتحملونها هناك، أو لا يشعرون الآن بالألم الذي كانوا يشعرون به سابقًا بسبب تعرض بعض أقاربهم لتلك الشدائد.

إن الأحمديين يتعرضون في باكستان لهذه الشدائد جراء قانون شُرِّع ضدهم، حيث يتمتع المشايخ أو معارضو الجماعة بحرية كاملة للإضرار بهم. ولكن هناك بلاد أخرى غير باكستان أيضا اضطر فيها الأحمديون إلى مُقاساة الشدائد والمشاكل بعد قبولهم الأحمدية.

وهناك البعض منكن قد وصلن إلى هنا من بلاد أقل رقيًّا من هذه البلاد وجئن أو جاء أزواجهن إلى هذه البلاد المتطورة ليغتنموا فرص عمل أفضل ههنا. على أية حال، أيّا كانت الأسباب التي أدت بمعظمكن إلى المجيء إلى هنا؛ سواء كان ذلك بسبب الأوضاع أو بحثًا عن عمل أفضل أو جراء الظروف الصعبة، إلا أنه يجب عليكن أن تتذكرن ما منّ الله تعالى عليكن من أفضال من الناحية الدنيوية وما متّعكن به من أسباب تحسين الظروف المادية، وتشعرن بأنه ينبغي عليكن ألا تتغافلن عن الله تعالى. فإن تذكرن الله تعالى فستنلن الدنيا إلى جانب نيلكن نصيبًا من أفضال الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى.

هناك كثير من الأحداث تتعلق ببعض السيدات أو العائلات ممن وصلوا إلى هذه البلاد بعد المرور بظروف صعبة ثم منّ الله تعالى عليهم بأفضال كثيرة لا تحصى، ولكن هناك كثيرون بقوا في بلدهم رغم الظروف الصعبة ولا يزالون يعيشون هناك، ولكن الله تعالى منّ عليهم بفضله هناك أيضا حين صمدوا في مواجهة تلك الشدائد. وهناك بلاد أخرى غير باكستان أيضا يُمارس فيها مثل هذا الظلم، وقد أحرز الإخوة نجاحات هناك أيضا رغم بقائهم فيها. سأقدم بعض هذه الأحداث لمن لا علاقة له بباكستان وذلك لكي تعرفن أنتن الوافدات إلى هذه البلاد منذ فترة طويلة والجالسات أمامي، ولكي تعرف الفتيات والفتيان -الذين ترعرعوا هنا وبلغوا مرحلة الشباب ولا يشعرون جراء مكوثهم هنا لفترة طويلة – بتلك الشدائد، ولكي يزدادوا إيمانًا، وينتبهوا إلى أداء مسؤولياتهم ولكي يزداد اهتمامهم بإيثار الدين على الدنيا.

الواقعة الأولى هي لسيدة باكستانية سافرت إلى كندا بعد تجشم صعوبات وشدائد كثيرة وتعرضت شخصيًا لتلك الشدائد في حين أن معظم السيدات لم يتعرضن للشدائد بأنفسهن بقدر ما تعرض له أزواجهن من صنوف التعذيب، مما حدا بهم إلى ترك بلدهم، أما هذه السيدة فقد تعرضت شخصيًا للشدائد، ثم سافرت إلى كندا حيث شاهدت بنفسها أفضال الله الكثيرة إلا أنها لم تنس الظروف السابقة. هي السيدة آنسة من كندا، تقول: لما كنت في باكستان اضطرت عائلتنا إلى الهجرة من كشمير إلى فيصل آباد. لم تكن الأوضاع المالية للعائلة بخير بسبب الهجرة. وحينها وجدت وظيفة جيدة كرئيسة للممرضات في أحد المشافي الخاصة، ولكن بعد فترة علمت أن رئيس الأطباء ومدير هذا المشفى يتكلم بلسان بذيء ضد المسيح الموعود ؏. دعاني يومًا إلى مكتبه وطلب مني الإدلاء بالشهادتين فقرأت ذلك، ثم قلت فورًا لا أستطيع أن أسمع ضد المسيح الموعود ؏ تلك الكلمات التي ترددها، فسرّحني من الوظيفة قائلا: إنك قاديانية وكافرة.

بعد ذلك وصلتْ هذه السيدة إلى كندا وتغيرت ظروفها بحمد الله. وينبغي أن يبدي كل أحمدي مثل هذه القوة الإيمانية وينبغي أن يتذكر أن القوة الإيمانية هذه تجعلنا مقربين إلى الله تعالى.

ذكرت رئيسة لجنة إماء الله في فيصل آباد هذه الواقعة في رسالتها إلى الخليفة الرابع رحمه الله، وقالت أن حضرته كتب ردًّا على طرد مدير المشفى هذه الأخت أنه سوف يُقْضَى على مشفى هذا الشخص وعلى عمل الذي فعل ذلك. فقد حصل لاحقًا أن رُفعتْ ضدّ مالك المشفى هذا قضيةٌ في المحكمة أدتْ إلى القضاء على عمله، فقد انتقم الله تعالى منه بحيث قضى على عمل هذا الشخص الذي كان يشتم المسيح الموعود ؏. هذه هي الآيات التي نراها بأم أعيننا، وكثيرا ما يحدث ذلك في الأوضاع السائدة في باكستان مما أدى إلى خروج كثير من الناس إلى البلاد الأخرى، ولكن تضحيات السيدات اللواتي تعرضن للشدائد في بلاد أخرى أيضا غير عادية وأمثلتها كثيرة أيضا حيث أنهن رغم هذه الظروف قد حافظن على إيمانهن، وإن هذه الأمثلة يجب أن تنبهكن أكثر من السابق إلى إيثار الدين على الدنيا.

هناك سيدة من بنغلاديش كتب عنها أمير الجماعة هناك (لقد خرج عدد قليل من الأحمديين من بنغلاديش من بلدهم، اللهم إلا بعض العائلات القليلة، إلا أنهم لم يخرجوا كما خرج الإخوة من باكستان بسبب الظروف الصعبة، مع أن الأحمديين في بنغلاديش أيضا يعانون الظروف الصعبة والخطيرة حيث استشهد هناك الأحمديون أيضا. على أية حال): كانت هناك سيدة أحمدية اسمها “صديقة” وكانت تعمل مهندسة في شركة خاصة. طلبت الإجازة في عام2011م لحضور الجلسة السنوية في بريطانيا، فسُمح لها أولا من قبل الشركة، ولكن عندما عرفوا أنها أحمدية وتذهب للقاء خليفتها ولحضور الجلسة قالوا: إذا كنت مصممة على الذهاب فلا بد أن تقدمي استقالتك من الوظيفة قبل المغادرة وإلا فلن نسمح لك بالإجازة. فقدمت على الفور استقالتها، وكتبت بعد ذلك رسالة الدعاء إليّ أيضا فقلت لها بأن الله تعالى سوف يمنّ عليك بأفضاله وييسر لك وظيفة أفضل منها.

فقد منّ الله تعالى عليها بأفضال كثيرة كتب عنها أمير الجماعة فقال: إن الحصول على الوظيفة الجيدة في بلدنا يقتضي جهدًا كبيرا، إلا أن هذه السيدة قدمت طلبها في مكان وحظيت بوظيفة أفضل فورًا بدون بذل أي جهد أو تحمل أية مشقة. وهكذا فإن الله تعالى ينعم على مثل هؤلاء الذين يقدمون التضحيات.

ثم هناك سيدتان أحمديتان أخريان أيضا تحملتا كل نوع من الظلم، إلا أنهن آثرن الدين على الدنيا، ولم يكن هناك سبيل لخروجهما من بلدهما، إلا أنهما لم تكترثا بهذا الأمر مطلقا. هذه الواقعة وقعت في إقليم البنغال الواقع في الهند. يقول مدقق حسابات “التحريك الجديد” في تلك المنطقة: لقد وُفّق السيد “واجد علي مندل” من فرع الجماعة في “بتهياري” لقبول الأحمدية في عام 1982، وواجه معارضة شديدة بعد قبولها، حتى إن أخاه أيضا تحول إلى معارضٍ شديد له وقاطعته عائلته أيضا.

كانت ابنتا السيد واجد علي- السيدة فاطمة بيغم والسيدة ماجدة بيغم- متزوجتين قبل انضمامهما إلى الأحمدية، فاستغل أخوهما المعارض للجماعة الموقفَ وبدأ يحرِّض زوجيهما غير الأحمديينِ، اللذين بدورهما بدآ يعذبان زوجتيهما تعذيبا شديدا ليتأذى والدهما بسببهما ويتراجع عن الأحمدية، ولكن أباهما لم يبالِ بهذا التعذيب، حتى أرسل الزوجان ورقة الطلاق إلى زوجتيهما عن طريق المحكمة. فجاءت السيدة فاطمة إلى بيت أبيها مع ولدَيها الصغيرين، علما أنها ما كانت قد انضمت إلى  الجماعة إلى ذلك الحين، بل حدث ذلك قبل انضمامها إليها، وأخذت من أبيها مزيدا من المعلومات عن الأحمدية. وانضمت إلى الجماعة أختها أيضا بعد الحصول على معلومات كافية ودراسة متأنية. بعد فترة وجيزة تزوّجت السيدة ماجدة بيغم في قاديان، وهي تعيش عيشا سعيدة بفضل الله تعالى، أما أختها السيدة فاطمة فقد اضطرت إلى التضحية بسعادة حياتها بسبب قبولها الأحمدية، ولكن لم تتزعزع قدمها بفضل الله تعالى. فاشتغلت بالخياطة لكسب لقمة العيش، وقوِيَ إيمانها بفضل الله تعالى بعد انضمامها إلى الجماعة، وبدأت تقدم التضحيات المالية أيضا بقدر استطاعتها. ويقول الإخوة أنها كانت تقدمها أكثر بعشرة أضعاف من استطاعتها، وكان من عادتها بعد الانضمام إلى الجماعة أن تكون سباقة في التضحيات المالية. فالسيدات مثلها اللواتي يقدمن التضحيات لا يستطعن حتى الخروج من بلادهن.

ثم يذكر المسؤول في منطقة البنغال الهندية سيدةً مخلصة أخرى، وبيان ما ذَكَرَ أن أحد الإخوة وهو السيد فضل الرحمن الذي كان يعمل كاتبا على الآلة الكاتبة قام بالبيعة ولكن زوجته عارضتْه بشدة حتى لم تتحمل العيش معه وذهبت إلى بيت أهلها، ولكنها بايعت بعد فترة وجيزة نتيجة رؤيا رأتها وعادت إلى زوجها وتصدت للمعارضة بشجاعة. حاول أقاربها والمشايخ كثيرا ثنيها عن الأحمدية حتى ضربها أيضا أقاربها. وقد ضربوها ذات مرة ضربا مبرحا حتى أُدخلت المشفى بسبب الضرب ولكنها ظلت ثابتة على الأحمدية. وفي تلك الأيام كانت عائلتها هي العائلة الأحمدية الوحيدة. عندما توفي زوجها أثار المشايخ ضجة كبيرة وقالوا لن نسمح بدفنه في مقبرة القرية. فاتصلت بمبشر الجماعة وطلبت منه أن يأتي بالأحمديين لدفن زوجها، وقالت: لا بأس إذا كان المعارضون لا يسمحون بدفنه في المقبرة فسأدفنه في باحة دارنا. فصلّى عليه الأحمديون الجنازة ودفنوه في باحة دارهم. والآن يعمل ابن المرحوم أيضا داعية للجماعة بفضل الله تعالى.

هناك قصة عن سيدة مخلصة أخرى من الهند، وبيانها أن بعض الناس ابتعدوا عن الجماعة بسبب المعارضة المريرة في قرية نارائن بور محافظة “كهم” إقليم “آندهرا برديش”، بمعنى أنهم قبلوا الأحمدية ثم لزموا الصمت. ولكن بقيت عائلتان ثابتتين على الرغم من المعارضة. كانت ضمنهم سيدة اسمها “بي جان” عمرها 65 عاما. كانت العائلة تعمل بالزراعة. وفي هذه الأثناء أرادت السيدة المذكورة السفر إلى قاديان. وعندما عادت منها جاءها المعارضون الذين كانوا قد أرعبوا أهل القرية كلهم سلفا، وقالوا لها: إن زوجك متقدم في السن، فلو مات لن يصلي عليه أحد ولن يدفنوه، بل ستبقى جثته هكذا حتى تأكلها الديدان. قالت السيدة: لا أبالي بذلك وأنا ثابتة على إيماني، وإن ربي سيعاقبكم حتما، وقد دعوتُ في قاديان كثيرا. ثم حدث بعد أيام قلائل أن الشخص الذي جاءها من المعارضين من قبلُ وُجد ميتا في حالة مريبة، وتم تشريح جثته ولم يأت أحد لاستلامها إلى ثلاثة أيام. يقول الراوي أن الديدان نشأت في جثته.

إذًا، إن الله تعالى عندما يسمع آهات عباده المظلومين يُري نتائجها بكل وضوح.

تروي سيدة أخرى اسمها “عرفانة” من مدينة سهارنبور قصة أليمة مما حدث مع زوجها، فتقول: لقد صبّ عليه المعارضون من المظالم الوحشية ما تقشعر لهوله الأبدان، وشاهدتها بنفسي. علمنا عن الجماعة في عام 2006م، كان زوجي عندئذ يدير محلا لبيع الأقمشة، فكان كثيرا ما يجلس معه بعد الظهر بعض من أصدقائه الذين كانوا يعرفون الجماعة جيدا، وكانوا يناقشون أمور الجماعة إلى ساعات طويلة. تتابع السيدة وتقول: كان زوجي إلى ذلك الحين ينتمي إلى “الجماعة الإسلامية” (جماعة السيد المودودي) وكان أمير هذه الجماعة في مدينة سهارنبور منذ 8 سنوات تقريبا. ذهب ابني الأكبر إلى قاديان في 2006م، وبايع هناك. ولكنه أخفى عنا أمر بيعته إلى عام تقريبا. وعندما علم بقية أفراد العائلة بانضمامه إلى الأحمدية، بايع بعده ابني الأصغر أيضا لأن أخاه الأكبر كان يبلّغ الدعوة بحكمة. عندئذ قرر زوجي وبعض الأقارب الآخرين زيارة قاديان. وما وجدوا وما شاهدوا فيها كان مختلفا تماما عما قاله لنا المشايخ كذبا وزورا، فعلموا أن ما يقوله المشايخ عن قاديان محضُ كذب لا حقيقة فيه. بعد عودتهم منها أطلعونا على حقيقة الأمر فاطمأنت لها قلوبنا فبايعنا جميعا في 27/5/2018م. ففي اليوم الذي قتل الظالمون أحمديين في مسجدَينا في لاهور وفق الله تعالى عائلتنا للبيعة. بعد ذلك بدأ مَن حولنا يشكون في أمرنا بأننا أصبحنا أحمديين. وبمرور الوقت تحوّل شكّهم إلى اليقين، وظلت المعارضة تتفاقم حتى قاطعنا أقاربنا وبدأوا يطعنون فينا وينادوننا “قاديانيين”، ويُزعجون أولادنا. ورفض أصحاب المحلات من المسلمين أن يبيعوا لنا الأغراض، وتلقينا تهديدات بالضرب والقتل، وبدأت الدعاية الكاذبة ضدنا وظلت الظروف تسوء والمعارضة تتفاقم يوما فيوما، ولكنها لم تؤثر فينا، وبقينا ثابتين على إيماننا. بدأ إزعاج أولادي في المدرسة من ِقبل زملائهم الذين لقّنهم المشايخ والأساتذة في المدارس أن يقولوا لأولادي بأنكم بعتم إيمانكم مقابل الأموال.

باختصار، فقد أُزعِجنا وأوذينا بكل طريقة، حتى تعذر خروج الأولاد من البيت والذهاب إلى المدرسة ومركز الدروس الخاصة، فقلقنا جميعا إذ قد قاطعنا الأقارب وأهل الحارة كلهم، ولم يدخروا جهدا لإيذائنا. بدأ أصحاب المحلات الأخرى يعاملون زوجي معاملة سيئة وفرضوا حصارا حول محله وبيتنا حتى لا يدخلهما أحد. امتنع المعارضون من المسلمين عن شراء الأغراض من محلنا فأدى ذلك إلى كساد تجارتنا يوما إثر يوم. كان زوجي كلما أتى إلى البيت من الخارج قص علينا ما جرى معه طول النهار من أحداث.

وذات ليلة في الساعة الثانية عشرة تقريبا بينما كنا نائمين تناهى إلى سمعنا صياح أحد أولاد الحارة بأن محلاتكم حُرقت. أسرع جميعُ رجال البيت إلى المحلات فوجدوها تحترق، وكان فريق الإطفاء قد وصل واشتغل في إطفاء النار لذا لم نتعرض لخسائر كبيرة بفضل الله تعالى، ولكن بالرغم مما وقع من خسارة وبالرغم من كل هذه المعارضة كنا ثابتين على إيماننا ومرتبطين بالجماعة ولم يخطر ببالنا قط بسبب هذه المعارضة أن انضمامنا إلى الجماعة الأحمدية عرّضنا لهذا الظلم. باختصار، كلما ازداد الظلم قوِي إيماننا. بدأ المشايخ يعقدون الجلسات ضدنا بكثرة ويثيرون الناس علينا، ومع كوننا في الهند كان جزء من المدينة للمسلمين والجزء الآخر للهندوس، وفي منطقة المسلمين عارضونا قدر المستطاع. ذات ليلة عقدوا ضدنا جلسة كبيرة ووضعوا مكبر الصوت ليُسمعوا المدينة كلها مجريات الجلسة، وكانت الخطابات مُهَيِّجة جدا، وفي الليلة نفسها بلغَنا أن الأعداء شنّوا الهجوم على بيت الأحمدي السيد فضل أحمد، وضربوه ضربا مبرحا حتى أُصيب بجروح بليغة، وبعد ذلك هاجموا بيوت كل الأحمديين تباعا، وفي اليوم التالي هاجموا بيتنا أيضا بعد صلاة الجمعة وكان المهاجمون يهتفون ضدنا وكنتُ وحيدة في البيت آنذاك، وكنتُ قد أخفيت أولادي في الغرفة الخلفية للبيت، وكان الأعداء قد تسوَّروا بيت أخي زوجي وألحقوا به ضررا ماديا كبيرا وأما أنا فواجهتهم وحدي ولم أقبل الهزيمة وكادوا يحرقوا بيتي ولكن جاءت الشرطة وضربوهم بالعصي وأطلقوا عليهم غازا مسيلا للدموع‏، وكان الحشد كبيرا حتى تعذَّر حتى على أفراد الشرطة أيضا ضبطهم وكانوا خائفين، فنصحتنا الشرطة أن نغادر المكان لبعض الوقت لأن الظروف سيئة، وفي الليلة نفسها تركنا سهارنبور ثم أتينا إلى قاديان ولكننا كنا ثابتين في هذه الظروف كلها. الحاصل أن المرء حين ينال إيمانا حقيقيا يُعطى الاستقامة كذلك، واستقامةُ النساء والأولاد تشجّع الرجال أيضا، ولو أبدت النساء والأولاد الجبن لقلق الرجال بدورهم. فهؤلاء الناس الذين لا يستطيعون أن يخرجوا من بلادهم بل يواجهون المعارضة فيها، وأقصى ما يمكن أن يفعلوا هو أن يذهبوا إلى قاديان.

ثم كتب أمير الجماعة في غامبيا: هنا في منطقة “نورث بنك” امرأة تُدعى “تيدا” وهي أحمدية منذ الولادة وتنتمي إلى أسرة أحمدية مخلصة، ولكنها لسوء حظها تزوجت من غير أحمدي، وكان زوجها من أسرة دينية متطرفة، في أفريقيا أيضا يوجد المسلمون المتطرفون، وكان إمام المسجد أيضا يُعَيَّن من هذه الأسرة،  فلكم أن تتصوروا مدى معارضتهم للجماعة، ومع كل هذا لم تُخف هذه المرأة مذهبَها وأظهرته علنا وظلت تشارك في برامج الجماعة كالسابق ولم تصلِّ قط خلف زوجها أو خلف أي شخص من أسرته، وقالت: إنني أحمدية فلن أصلي خلفكم، وقبِلت أن تصبح عرضة لمعارضتهم وظلمهم ولكنها لم تدَع إيمانها وظلت ثابتةً وربطت أولادها أيضا بالجماعة ربطا قويا وكان أولادها يأتون دار التبشير للجماعة بالتزام ويشاركون البرامج التربوية. والزوج بعد معارضته لها تزوج عليها وتركها لمدة تسعة أشهر بلا نفقة ولم يبالِ بها، فساعدها أخوها الكبير والجماعةُ أيضا خلال هذه الفترة، وقضت هذه الفترة الصعبة أيضا بمنتهى الصبر والثبات وظلت تدعو الله تعالى وتُظهر قوة إيمانها. والحادث الآخر الذي يدل على قوة إيمانها هو أنه جرت العادة في أسرة زوجها أنهم مع جيرانهم كانوا يعقدون مجلسا دينيا يدعون فيه شيخا كبيرا، فجاء شيخ في المجلس قال في خطابه أن الذي يصلي في مسجد الجماعة الأحمدية يُعطى خمس وعشرون “دلاسيا” –و”دلاسي” عملة محلية في غامبيا- كانت السيدة “تيدا” موجودة هناك فقامت وقالت: هذا الشيخ يكذب لأنني بنفسي أُصلي دائما في مسجد الأحمديين ولم آخذ “دلاسيا” واحدا قط، وكان هذا يكفي لإخجال الشيخ، فطردها الأهل والجيران من المسجد وصبوا عليها مظالم كثيرة. باختصار، إنها ربّت أبناءها الخمسة وابنتها الوحيدة تربية حسنة وجميع هؤلاء متعلقون بالجماعة بإخلاص، وهي تتبرع بالتزام مع أن دخلها قليل وتدفع عن أولادها أيضا في كل صندوق، والأولاد أيضا أحمديون مثاليون، ويقرؤون القرآن الكريم. هؤلاء الأحمديات حافظات لدينهن وثابتات على الدين وسوف يُفلحن ويرِثْن نِعم الله تعالى ولن يرثْنها اللواتي يُظهرن الضعف في الدين. إنها كانت سباقة في التضحية المالية رغم ضيق ذات اليد، وربت الأولاد تربية حسنة رغم الظروف غير المواتية وربطتهم بالجماعة رغم معارضة الأهل.

فأنتم الذين تحظون هنا بالحرية الدينية عليكم أن توجّهوا أولادكم إلى تعلُّم الدين وزيدوا أنفسكم أيضا علما دينيا، وقوُّوا إيمانكم. نرى في هذه البلاد المتطورة أن المحيط يُفسد كل حين، وقد أفهمتُ مرارا الأطفال والنساء والرجال أيضا أننا هنا بحاجة إلى الاهتمام بالأولاد أكثر من ذي قبل. إن ربط الأولاد بالجماعة لشيء هام للغاية، وهي مسؤولية النساء والأمهات بوجه خاص، لذا عليكن أن تدركن أهمية هذه المسؤولية وتذكَّرْن أن هذه المرأة رغم عيشها بين أعداء الجماعة في بلد أفريقي ناءٍ اهتمّت بتربية أولادها بشكل خاص، فأنتن اللواتي هن متعلمات وأتين هنا عليكن التوجه إلى ذلك بشكل خاص لكي تثبت ذريتكن على الأحمدية ولا تضيع.

كتب أمير غامبيا عن حادث لامرأة مخلصة أخرى، هي السيدة “سوادي”، التي قبلت الأحمدية مع والديها ثم تزوجت من شاب أحمدي، وبعد فترة ارتد والداها عن الأحمدية لسبب ما ولضعف إيمانهما وطلبا منها أيضا أن تتخلى عن زوجها الأحمدي وتأتي عندهما ولكنها قالت لوالدَيها: كنتم تعرفون عن زوجي أنه أحمدي ولا أستطيع الآن أن أتركه وأذهب معكم. فقاطعها والداها ولم يتحدثا إليها ومضت على ذلك ثلاث سنوات وبعدها ظنت البنت أن الظروف قد تحسنت فذهبت إلى والديها فطرداها من البيت، وكلما ذهبت إليهما طرداها، وتحملت هذا الأذى العاطفي بكل شجاعة ولكنها لم تترك الأحمدية، وهي أحمدية مخلصة جدا بفضل الله تعالى ومتقدمة في التضحية المالية أيضا وتحب الخليفة أيضا للغاية، ندعو الله تعالى أن يقوي إيمانها دوما. في هذه البلاد الأفريقية خاصة حيث أوامر الكبار والوالدين تحوز أهمية كبيرة، فهم حتى الآن لم يحرزوا الحرية التي تسوقهم إلى التحدث في وجه الوالدين. فالتحدث في وجه الوالدين وتقديم الدين على الدنيا في هذه الأوضاع هو إظهار شجاعة إيمانية قصوى أبدتْها هذه السيدةُ. النساء اللاتي تقمن في مناطق بعيدة، حيث ربما لم تتوفر الطرق المعبدة، حين يؤمنَّ إيمانا قويا لا يُقمن أي وزن لأي شيء مقابله. حين يُنشئن العلاقة بالخلافة تكون قوية لا تساويها أي علاقة أخرى، فهؤلاء السيدات قويات الإيمان اللاتي ستتقدم ذريتهن يوما وترتقي مقاما ساميا إن شاء الله.

ثم يقول أمير الجماعة في غامبيا حين بايع زوجُ الأخت سمباغ في منطقة “ابر ريور” بذل أفرادُ أسرتها جهودا كثيرة لتترك زوجها. وحين اتصل بها والداها قالت لهما: لقد نصحتماني عند زواجي أن أبقى دوما مطيعة لزوجي، (هذا التحمُّل والصبر والقيم أيضا تلاحَظ فقط في سكان البلاد التي تعدّ غير راقية، مع أن هذا في الحقيقة رقيٌّ حقيقي. فالزيجات الكثيرة التي تفشل وتنتهي بالطلاق فإنما سببها قلة التحمل لدى البنات والشباب أيضا. فالزيجات تفشل بعد بضعة أشهر من الزواج حيث الآباء أيضا يُفسدون البيوت أحيانا، بينما تقول هذه السيدة الأفريقية لوالديها: لقد قلتما لي أن أحافظ على هذا الزواج في كل حال، وأبقى مطيعة لزوجي. إلا إذا صدر أمر يخلّ بالإيمان أو صدر ظلم شديد، فأمر آخر. أما الأمور البسيطة العادية فيجب تحمُّلها للحفاظ على البيت، لكيلا يَفسد الأولاد. فالملاحَظ أن الأولاد يتأثرون بعد فشل الزواج في حالات كثيرة. باختصار قالت هذه السيدة لوالديها إن طاعة زوجي ليست واجبا أخلاقيا عليَّ بل هو واجب ديني أيضا) فأنا لم ألاحِظ عليه أي تصرف غير إسلامي يفرض علي ترْكَه، بل على عكس ذلك ألاحظ منذ بايع أنه يداوم على الصلوات الخمس. (ففي هذا درس للرجال أيضا، إذ ينبغي أن لا يمارسوا القسوة على النساء وينصحوهن ويطالبوهن حقوقهم فحسب بل يجب أن يؤدوا هم أنفسهم أيضا حق الله ويهتموا بالصلوات الخمس، ويحسنوا إلى زوجاتهم) فقالت هذه السيدة: ما دام يداوم على الصلوات الخمس وتحسنتْ أخلاقه ومعاملته تجاهي أيضا فيجب أن أطيعه أكثر من ذي قبل، حتى إذا تطلَّب ذلك مني أن أقطع علاقتي بكم فسوف أقطع، فأنا الآن أحمدية.

فهذا هو الانقلاب الذي يحدث في سكان هذه البلاد البعيدة بسبب الأحمدية، وهو يلفتهم إلى التضحيات وهم مستعدون لتقديم كل تضحية لله ﷻ. باختصار قد قطع عنها والداها المساعدة المالية التي كانا يقدمانها لها. لكنها تقول: بعد انقطاع هذه المساعدة لاحظنا أنه لم تنشأ لدينا المشاكل الاقتصادية التي كان تظهر أحيانا فيما مضى، وقد حسَّن الله أوضاعنا كثيرا. فالله ﷻ أيضا يبدي غيرة لعباده كما قلت سابقا.

ثم تقول بي بي تبسُّم المحترمة زوجةُ السيد رياض المحترم من قاديان وكانت قد بايعت في قرية كيرن في ولاية أُرِيسه الهندية عن طريق المولوي آفتاب المحترم في عام 2008: بعد البيعة بلَّغت رسالة الأحمدية الحقيقية إلى أهلي وأقاربي أيضا، (أي بعد البيعة فورا دعتْ أهلَها إلى الأحمدية) وبدأ يمارَس الاضطهاد والضغط علينا لترك الأحمدية، فعقد أهل زوجي اجتماعا قرروا فيه إما أن يُبعدونا عن الأحمدية أو يعاقبونا على قبولها. فاضطُررنا إلى الهجرة بسبب الاضطهاد والسكن في بيت مستأجَر بحارة هندوسية في نجيب آباد في محافظة بجنور. وكنت حاملا بابني وكنت موشكة على الولادة، فأتينا إلى قاديان بمقتضى الأوضاع. كانت لزوجي أمنية عارمة أن يزور والده لكنها لم تتحقق أبدا. بسبب المعارضة لم نكن نزور أقاربنا أيضا. أعطى والد زوجي الأرض من إرثنا لأصهاره وحُرمنا من العقار نهائيا. باختصار مورس علينا كلَّ اضطهاد ممكن. فلما كانت قوية الإيمان بالله وكانت علاقتها بالله وثيقة وكانت تدعو الله ﷻ لذا قالت: حين انطلقنا من بلدنا إلى قاديان سمعت من الغيب صوتا يقول: لقد تحقق الهدف الذي من أجله دعوناك. ذات يوم هيأ الله لي زيارة المسيح الموعود ؏ في الرؤيا، فقال لي حضرته ؏ في الرؤيا “رحمة الله عليكم”. فمن محض فضل الله ﷻ أنه ربَطنا بهذه الجماعة الصادقة الحبيبة، ونوَّر قلوبنا بالنور الروحاني. فالسكينة الحقيقية أن تنشأ علاقة المرء بالله تعالى وينال النور الذي أمرَنا الله بالحصول عليه. وهو نور الله ﷻ وهو نور الارتباط بالنبي ﷺ وطاعتِه الكاملة. ويتمثل في العمل بجميع الأمور التي أخذ المسيح الموعود ؏ العهد منا عليها في البيعة. بعد الارتباط به ؏  ينال المرء السكينة الحقيقية، فالطمأنينة لا تُنال بالثروة. فكثيرون لم يجدوا هذه السكينة بعد المجيء إلى هنا، لأنهم ابتعدوا عن الدين. فهذا هو المبدأ الذي يجب أن يضعه كل واحد في الحسبان ويتذكره.

ثم يقول أمير الجماعة في غامبيا نفسُه إن الأخت تبارا المحترمة في الضفة الشمالية بايعتْ قبل ثلاث سنوات، وعمرها 57 سنة، وهي متميزة بين الداعيات إلى الله في قريتها. فليلاحَظ أنها بايعت قبل ثلاث سنوات وأحرزت مكانة متميزة في التبليغ والدعوة إلى الله. فهي تقطع مسافة عدة كيلومترات لتصل إلى أقاربها لتبليغهم رسالة الإسلام الأحمدية. وبمساعيها قد بايع أخوها وهو زعيم إحدى المناطق، وهو بفضل الله أحمدي قوي ومخلص. فهذه السيدة تنصح الأحمديات الأخرى أن يحضرن الجلسة على حسابهن. فالجماعة أحيانا تهيئ نفقات السفر لبعض الفقيرات لكنها تنصحهن بأن يتحملن نفقاتهن بأنفسهن، كما تنصح بأداء التبرعات الإلزامية الأخرى واشتراك العضوية في اللجنة.

فحين أتيتنَّ إلى هنا حيث الأوضاع جيدة ولا عائق أو حظر على نشر الدعوة يجب أن تكنّ مستعدات لإيصال رسالة الإسلام الصحيح إلى كل بيت وتسعين لذلك. يجب أن تخططن لذلك بشكل منظم، على صعيد الجماعة والمنظمة الفرعية وعلى الصعيد الفردي أيضا. إذا كانت هذه السيدة الأفريقية قد قدمت التبليغ في الأوضاع الصعبة، وهي تبلِّغ رسالة الدين، فعليكن أيضا أن تعقدن العزم على إيصال رسالة الله إلى كل بيت ابتغاء رضوانه ﷻ. وأول خطوة في سبيل ذلك حصرا هي أن تتزودن بعلوم الدين وتُربِّين أولادكن تربية صحيحة.

في بعض المواقف كانت السيدات الأحمديات أكثر شجاعة من الرجال، وعبَّرن عن الغيرة الإيمانية التي حيرت العقول. فقد كتب المسؤول عن منطقة مالده بالبنغال: في عام 2005 عارضَنا المناهضون معارضة شديدة بمناسبة وضع حجر الأساس لمسجد الجماعة الأحمدية في قرية “بيرغاجهي” في منطقة مالده، حتى إن بعضهم أرادوا الشجار. فعبرت السيدة ذكية المحترمة، وهي إحدى السيدات الأحمديات، عن شجاعتها الإيمانية حيث أخرجت سكّينا وتصدت للرجال المعارضين للجماعة وتحدَّتْهم قائلة: ليتقدم الآن من يملك منكم الجرأة ليعرقل بناء مسجدنا. فخاف المعارضون جميعا برؤية همتها وحماسها ولاذوا بالفرار من هنالك فورًا. وقد بني الآن هنالك بيت لداعية الجماعة إلى جانب المسجد، وتؤدى هنالك الصلوات الخمس بانتظام.

هذه هي الشجاعة الإيمانية التي تحلت بها سيدة أحمدية، ولا شك أنها أسوة للرجال أيضا.

ثم هناك قصة من آندرا برديش الهند أيضا. فقد بايعت هناك عائلة قبل عامين أي عند كتابة هذا التقرير. وبعد فترة تعرضت هذه الأسرة للمعارضة. كانت في هذه الأسرة فتاة اسمها محسنة بعمر 16 عاما، وكانت تدرس في السنة الأولى في الثانوية، وكانت تدرّس في مدرسة مسلمة ابتدائية. فطردوها من العمل في المدرسة بسبب المعارضة لأنها صارت أحمدية مع والديها. لم يستطع أخوها الأكبر الصمود أمام المعارضة فضعط على أخته وقال إنهم قد طردوك من العمل الآن بسبب الأحمدية، وليس لنا بيت بل نسكن في بيت مستأجر، وسوف يخرجوننا من البيت المستأجر أيضا، فعليك أن تظلي أحمدية صامتة، ولا تخبري أحدًا أنك أحمدية. فردت الفتاة على أخيها قائلة: لو أنهم مزقوني إربا فلن أتخلى عن الأحمدية. ثم قام أبواها بنصحها وأخذاها إلى قاديان لبعض الوقت، وأقاموا هناك فترة ثم عادوا إلى وطنهم.

فلم تتحلَّ هذه الفتاة المخلصة التي كانت تعيش في فقر شديد بالاستقامة والثبات فحسب، بل تحملت أذى المعارضين بمنتهى الشجاعة. فهؤلاء لا يستطيعون الهجرة إلى الخارج للتخلص من مشاكلهم، ومع ذلك يصبرون على الأذى بمنتهى الثبات ورغم هذا الأذى فإيمانهم قوي. لذا فيجب على الذين هاجروا إلى هذه البلاد أن يهتموا بعد تمتعهم بالمرافق والتسهيلات بتقوية إيمانهم والحفاظ عليه وأن يصبحوا من خلال أعمالهم أحمديين صادقين وحقيقيين أكثر من ذي قبل. فاسعين للعمل بأحكام القرآن الكريم لا أن تنغمسن وتنصهرن في هذا المحيط. كما أن عليكن نصح أولادكن أيضا. على الفتيات أن يتذكرن أن آباءهن وعائلاتهن قد هاجروا إلى هنا من أجل الدين، لذا ينبغي ألا تنصهرن في مُتع الدنيا، بل يجب أن تؤثرن الدين على الدنيا. وهذا هو الأمر الذي بسببه يكتب لكم البقاء في الدنيا والآخرة. يجب أن يكون كل تصرف من تصرفاتكن متفقًا مع ما يريده الله منا. هناك أحكام قد أمرنا الله بها بكل وضوح، ومنها حكم الحجاب. إن الالتزام بالحجاب واجب على كل سيدة وفتاة. إن ارتداء اللباس المحتشم هو واجب كل امرأة وفتاة. وهذه هي النماذج التي ستقام في الأجيال التالية. هذه هي النماذج التي ستحافظ على هوية الجماعة. هذه هي النماذج التي سوف تنفعكن في مجال الدعوة والتبليغ أيضا. وليس أن تتبعن اللواتي ينسين الحجاب بعد المجيء إلى الغرب. تقع هنا بعض الظروف والأمور التي تعيق الالتزام بالحجاب، حيث توجد هنا مؤسسات غير دينية أو أناس لا علاقة لهم بالدين وهم يديرون بعض الدوائر، وهؤلاء يضعون بعض العراقيل أمام الأحمديات. وأكبر ما يثيرونه من اعتراض هو على الحجاب ويقولون عليك ألا تلتزمي بالحجاب، ولا تلبسي الحجاب. ولكن صاحبات الإيمان القوي يقدمن نماذجهن الطيبة. أقدم لكن مثالا من كندا، وكانت توجد هنا أيضا سيدة مثلها، تقول هذه السيدة واسمها كهكشان: عندما أكملت دراستي أردت أن أعمل، وقدمت طلبي في أماكن كثيرة، ولكني لم أجد العمل في أي مكان رغم مؤهلاتي لأني متحجبة. وكنت قد عاهدت نفسي على ألا أترك الحجاب مهما حدث، ووفقني الله تعالى للثبات ورفضتُ فرص العمل في أماكن كثيرة حفاظا على الحجاب.

فهذه هي علامة قويات الإيمان. يوجد في هذه البلاد وفي ألمانيا والمملكة المتحدة سيدات إنجليزيات وألمانيات قد قبلن الأحمدية، وإنهن ملتزمات بالحجاب بدون أدنى خجل أو قلق. ولم يفعلن كما فعلت بعض الأخريات، حيث جئن من باكستان وهن يلبس الحجاب، وعندما وصلن إلى هنا نزعنه أو لم يروجن له في ذريتهن.

إن الحجاب حكم أساسي، وقد ورد هذا الحكم في القرآن الكريم بكل وضوح وصراحة. فما دمتن تهتممن بأداء الصلوات وتقديم التضحيات بالمال، فعليكن أن تعتنين بأحكام الله الأخرى، لأن في ذلك فلاحنا في هذه الدنيا وكذلك في الآخرة. إن مثال هذه الفتاة الكندية الذي ذكرتُها لكُنَّ، وكذلك أمثلة كثير من الأحمديات اللاتي هن من هذه البلاد أصلا التي أراها أمامي يمثل درسًا لكل أولئك اللواتي ينزعن الحجاب لأتفه الأسباب. ما دمتن قد عاهدتن بإيثار الدين على الدنيا فلا بد أن تتحملن هذه الصعوبات وتفِين بهذا العهد وإلا فستنكثن عهد البيعة الذي هو العهد بإيثار الدين على الدينا.

فهناك حاجة ماسة إلى الانتباه إلى هذا الأمر. هناك واقعات كثيرة تدل على قوة الإيمان. لقد التقت بي في ألمانيا مؤخرا ثلاث أخوات كن قد جئن إلى ألمانيا من فلسطين، وهن يواجهن معاملة سيئة من عائلاتهن، ويواجهن الشدة من أزواجهن، بل هناك قضايا مرفوعة ضدهن، مما يحرمهن حقوقَهن وأولادَهن، ومع ذلك عندما سألتُهن هل هن ثابتات على الإيمان، قلن أجل، ولا يقدر أحد على زعزعة إيماننا، وإننا ثابتات على الأحمدية وإيمانِنا بقوة، وسوف نتحمل كل نوع من المعارضة والعداء.

فما دامت هؤلاء السيدات يحافظن على إيمانهن من الضياع بثبات واستقامة رغم المعارضة فلمَ لا تستطعن أن تتحلين بمثل هذا الثبات والاستقامة وأنتن تتمتعن بالمرافق والتسهيلات. فيجب أن تُشعركن هذه الواقعات بأن الله تعالى ما دام قد هيأ لكن أوضاعا أفضل من هؤلاء النسوة من حيث المال ومن حيث العمل بدينكم بحرية، فكم بالحري بكن أن تجعلن أعمالكن وأحوالكن بحسب ما يأمركن دينكن، وأن تؤثرن أحكام الدين على كل شيء آخر. عليكن أن تضعن نصب أعينكن تضحيات هؤلاء السيدات اللواتي يصبرن على الأذى من أجل دينهن. أما إذا مات فيكن هذا الشعور، وتمكنت المغريات المبهرة الموجودة في هذه البلاد وحب الدنيا السائد هنا من إغراقكن في الدنيا، كما ذكرت ذلك أمس في خطبة الجمعة أيضا، فاعلمن أن الله أيضا لا يبالي بأحد. تذكرن دائما أن الحياة الحقيقية ليست في الانغماس في الدينا، إنما هي في الثبات على الدين. هذا ما قال الله تعالى ومن أجل ذلك قد بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، أي ليهب الحياة الروحانية. فهذا ما قال الله تعالى في القرآن الكريم عنه والنبي صلى الله عليه وسلم، ومن أجل تحقيق هذه الغاية قد أرسل المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في هذا الزمان. فإذا أردتن الحياة الحقيقية لَكُنَّ ولأولادكن فعليكن الوفاء بعهدكن بأنكن ستؤثرن الدين على الدنيا، وأن تضعن هذا العهد نصب أعينكن كل حين. وفق الله جميعًا لذلك. تعالين ندع معًا.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز