الخطاب النهائي

الذي ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 30/12/2018

في الجلسة السنوية في قاديان

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.

اليوم هو اليوم الأخير والمجلس الأخير للجلسة السنوية في هذا العام، وقد اجتمع في هذا الوقت تسع وعشرون ألف شخصٍ من دول العالم المختلفة في قرية إمام الزمان المسيح الموعود والمهدي المسعود ؏ الذي بُعث في هذا الزمن بحسب نبوءات الرسول ﷺ ووعدِ الله تعالى، لتجديد الدين الذي أتى به رسول الله ﷺ. إنه هدى العباد إلى طرق التقرب إلى الله تعالى بحسب تعليم الإسلام الجميل وبيّن للعالم تعاليم القرآن الكريم الجميلة، كذلك أخبر العالَم بعظمة رسول الله ﷺ ومقامه العظيم وبذلك قوَّى إيمانَ المسلمين السعداء الذين كانوا قلقِين بسبب هجمات غير المسلمين على الإسلام، بل أفحم كل معارضٍ للإسلام ومعترضٍ على النبي ﷺ ورد عليهم بالأدلة والبراهين بحيث لم يعد لمعارضي الإسلام سبيل إلا الفرار.

لقد بلغ المسيح الموعود ؏ في حبه للرسول ﷺ مقاما لم يبلغه أحد ولا يستطيع أن يبلغه. قال ؏ وهو يذكر كيفية هذا الحب وبالنتيجة كيف عامله الله تعالى أنزل عليه نِعَمَه:

إنني صليت على النبي ﷺ في إحدى الليالي بكثرة حتى تعطرَ به القلب والروح، فرأيت في الليلة نفسها أن الملائكة قد أتوا بيتي بقِرَبٍ من نور في شكل ماء زلال، وقال أحدهم: إنها الصلوات التي صليتها على محمد ﷺ. ثم قال ؏: إني تلقيت مرة إلهامًا فحواه أن أهل الملأ الأعلى في اختصام؛ أي أن مشيئة الله تعالى تهيج لإحياء الدين، ولكن لما ينكشف على الملأ الأعلى تعيين الشخص المحيي، فلذلك هم يختصمون. وفي أثناء ذلك رأيت في الرؤيا أن الناس يبحثون عن محيي، وأتى أحدهم أمام هذا العبد المتواضع وقال مشيرا إليّ: “هذا رجل يحب رسولَ الله ﷺ”. وكان المراد من قوله هذا أن أعظم شرطٍ لهذا المنصب هو حب النبي ﷺ، وهذا الشرط متوفر في هذا الشخص”.

يقول ؏ أنه نال هذا المقام بسبب حبه للرسول ﷺ، وكان ينبغي بعد سماع كلامه ؏ أن يؤيد المسلمون عموما والعلماء خصوصا المحبَّ الصادق للنبي والمبعوثَ لإحياء الدين هذا، ولكن العلماء المزعومين بسبب قسوة قلوبهم وجهلهم وبغضهم بدؤوا يتهمونه ولا يزالون يتهمونه بأنه  ؏ -والعياذ بالله- يقلِّل من شأن الرسول ﷺ لذا هو كافر وأتباعه أيضا كافرون. ولكن مقابل ذلك حين نرى كتابات حضرته ؏ الكثيرة عن حبه للرسول ﷺ ونطلع على كلامه العربي والفارسي والأردي يتبين لنا أنه لا يمكن لأحد أن يبلغ مقام حضرته ؏ في حب الرسول ﷺ. كل كلمة له تُـثبت أنه كان فانيا في حب الله ﷻ وحب الرسول ﷺ. وهذا الأمر حين ينكشف على العلماء السعداء، من العلماء أيضا سعداء في مخـتلف البلدان، وعلى عامة المسلمين يدخلون في بيعته وينضمون إلى أتباعه، وهكذا يصبحون أتباع النبي ﷺ حقيقةً.

قال حضرته ؏ في  أحد أبياته باللغة الفارسية: إنني،  بعد حب الله، سكرت بعشق محمد ﷺ، وإن كان هذا هو الكفر، فوالله إنني كافر أشد الكفر.أي إن كان حب الله وحب الرسول كفرا فأنا أول الكافرين وأشدهم. وكذلك لحضرته قصائد عربية حين يقرؤها العرب يطرأ عليهم الوجد ويقولون أنهم لم يقرؤوا ولم يسمعوا قط مثل هذا الكلام المليء بالحب في مدح النبي ﷺ. ندعو الله تعالى أن يوفق مسلمي العالم ليعرفوا هذا المحب الصادق للرسول ﷺ ولا ينالوا غضب الله تعالى بسبب إنكارهم لهذا المبعوث من الله ومُحِبِّ الرسول لبعض مصالحهم أو لخوفهم من العلماء بل الأجدر أن نقول: من علماء السوء. تذكرتُ عن علماء السوء نكتة، فكان أحد المشايخ مؤخرا يتحدث ضد الأحمديين ويكفرهم وقال بسبب جهله أو قال بفرط الحماس  وكرَّر ذلك عدة مرات بأن الشيخ الفلاني، الذي هو شيخ كبير ويُعَدُّ من علماء السوء هو أيضا، أصدر فتوى أن هؤلاء كفار. على أية حال نحن نشكره فإننا نقول سلفا: إنما مثل هذه الفتاوى من علماء السوء يقينا ولا يمكن لأي عالِم حقيقي أن يُصدر مثل هذه الفتاوى، سواء قال هذا الشخص أم لم يقل فإنهم بسبب إصدارهم فتاوى التكفير ضد المبعوث من الله إنما يُحسبون من علماء السوء حتما.

الآن سأقدم بين أيديكم كلمات محب الرسول هذا التي قالها في حبه كما أسرد عليكم من كتاباته التي تُظهر عظمة الرسول ﷺ وشأنه العظيم والتي كل كلمة فيها بمنـزلة صفعة على وجه مكفري الأحمديين والمسيح الموعود ؏. قال المسيح الموعود ؏ وهو يبين أن أفضل النبيين وأعظم المربين هو النبي ﷺ:

والحق أن أفضل النبيين  وأعلاهم شأنًا هو ذلك النبي الذي هو المربّي الأعظم للدنيا؛ أعنيْ ذلك الإنسان الذي أُصْلِحَ على يده الفساد الأعظم المنتشر في الدنيا، والذي أقام التوحيد المفقود على الأرض من جديد، وجعل الأديان الباطلة كلها مغلوبةً بالحجة والبرهان، وأزال شبهات كل ضالٍّ ووساوس كل ملحد، وهيأ للنجاة وسائل حقة بتعليم المبادئ الحقة من جديد. قال ؏: فكونه أفضل درجة وأعلى مرتبة من الجميع ثابت بدليل أنه أكثر إفاضةً وبركةً من الجميع. والآن يشهد التاريخ والكتاب السماوي وكل من له عينان على أن النبي الذي يُعَدّ أفضل النبيينقاطبة بحسب هذا المبدأ؛ هو سيدنا محمد المصطفى ﷺ. (البراهين الأحمدية، الجزء الأول، الخزائن الروحانية، مجلد 1، ص97 الحاشية)

ثم قال المسيح الموعود ؏ مقدِّما دليلا على صدق النبي ﷺ وفضْلِه:

إن النبي ﷺ بُعث في زمن كان الشرك والضلال وعبادة المخلوق فيه منتشرا في الدنيا كلها، وكان الناس كلهم قد تركوا المبادئ الحقة، واختارت كل فِرقة طريق البِدع المتنوعة ناسين الصراط المستقيم. كانت عبادة الأوثان في قمتها عند العرب. أما في فارس فكانت عبادة النار في أوجها. وأما في الهند فكانت مئات الأنواع من عبادة المخلوق منتشرة إلى جانب عبادة الأوثان. وفي هذه الأيام نفسها أُلِّف العديد من كتب الهندوس منها كتبهم الدينية وغيرها التي بسببها أُلّه عشراتٌ من عباد الله ووُضع أساس عبادة المقدسين. وبحسب قول القسيس بورس (يبدو أنه سهو الناسخ والاسم الصحيح هو جون دافنبورت (John Davenport) قال ؏: وبحسب قول القسيس جون دافنبورت وغيره الكثير من العلماء الإنجليز لم تكن في تلك الأيام ديانة أفسدَ من المسيحية، وكانت تصرفات القساوسة الشائنة وسوء اعتقادهم قد تسببت في إلصاق وصمة عار في جبين الديانة المسيحية. وقد احتلت أشياء عديدة منصب الألوهية في معتقدات المسيحية، وليس مجرد شيء أو شيئين. إن بعثة النبي ﷺ في زمن انتشار الضلال بوجه عام، حين كان الدهر يقتضي معالجا ومصلحا عظيما وكانت الحاجة ماسة إلى الهداية الربانية، ثم تنويره ﷺ العالَمَ بالتوحيد والأعمال الصالحة بعد بعثته، واستئصالُه الشرك وعبادة المخلوق، وهي أمّ الشرور، ليدل دلالة واضحة على أنه ﷺ كان حقًّا رسول الله وأفضل الرسل أجمعين. (البراهين الأحمدية)

أيْ من جهة أقام النبي ﷺ التوحيد والصلاح ومن جهة أخرى أزال عبادة المخلوق والشرك، والشرك وعبادة الأوثان هي أم الشرور وقد أقر القسيس نفسه بأن الشرك كان منتشرا في العالم كله عند بعثة النبي ﷺ.

ثم قال المسيح الموعود ؏ وهو يبين أن النبي ﷺ قد نال أنوارًا إلهية أكثر من جميع النبيين وكان أكملهم جميعا:

“لما كان النبي ﷺ أفضلَ النبيين كلهم وأعلاهم وأكملهم وأرفعهم وأجلاهم وأصفاهم في كافة مقتضيات الطهارة الباطنية وانشراح الصدر والعصمة والحياء والصدق والصفاء والتوكل والوفاء وحُبِّ الله، فعطّره الله جلَّ شأنه بعطور الكمالات الفريدة أكثر من غيره. والصدر والقلب اللذان كانا أكثر رحابة وطهارة وبراءة ونورا وعشقًا من صدور وقلوب جميع الأولين والآخرين، استحقا وحدهما وبجدارة أن ينزل عليهما وحيٌ أقوى وأكمل وأرفع وأتمَّ من وحي الأولين والآخرين جميعا، ليكون مرآةً واسعة وصافية لانعكاس الصفات الإلهية. (أي نزل عليه الوحي البالغ كماله وأعلى مرتبته وهو الوحي الكامل والمكمل لكي يُظهر صفات الله تعالى، لذا سماه المسيح الموعود ؏ مرآةً نزل عليها الوحي وانعكس حتى وصل إلى الدنيا) قال ؏: فهذا هو السبب وراء تمتُّع القرآن الكريم بكمالات عالية، الذي تفوق أشعتُه القوية الخلابة لمعانَ جميع الصحف السابقة وتجعلها كالمعدوم. فلا يقدر أي عقل على استخراج حقيقة لم تندرج فيه سلفا. (أي أن كل شيء موجود في القرآن الكريم الذي نزل على محمد ﷺ) ولا يستطيع أي فكر تقديم برهان عقلي لم يسبق القرآن الكريم إلى تقديمه، ولا يقدر أيُّ خطاب على التأثير القوي في قلبٍ ما كما ظل يلقي تأثيرا قويا ومباركا في مئات الألوف من القلوب على الدوام. فلا شك أنه مرآة صافية ونقية لصفات الله الكمالية ﷻ، حيث يتوفر فيه كل ما يحتاج إليه السالك للوصول إلى أعلى مدارج المعرفة.” (كحل عيون آريا، الخزائن الروحانية مجلد 2 ص23 الحاشية)

فهذه هي وجهة نظره ؏، مادام حضرته يؤمن أنه لا يوجد شيء خارج هذا التعليم  فكيف يمكن اتهامه أنه، والعياذ بالله، يقلل من درجة النبي ﷺ والقرآنِ الكريم. قال ؏ لا يمكن نيل معرفة الله تعالى إلا بالارتباط بالنبي ﷺ وبفهم الشريعة التي نزلت عليه ﷺ. ثم بين المسيح الموعود ؏ أن القوة القدسية القوية التأثير للنبي ﷺ هي التي بلّغت الصحابة الكرام مقاما عاليا من الرقي الروحاني، فقال ؏:

“فلعل أحدا لا يخفى عليه أن مسقط رأس النبي ﷺ هو شبه الجزيرة العربية التي كانت في زاوية الخمول لكونها منقطعة عن سائر البلاد دومًا. وإن عيش أهل هذا البلد كالوحوش والبهائم تمامًا قبل بعثة النبي ﷺ وجهلهم المحض بالدين والإيمانِ وحقِّ الله وحق العباد وتورطهم في عبادة الأوثان وأفكار خبيثة أخرى منذ مئات السنين، وانغماسهم في الملذات والسكر وشرب الخمر والقمار وغير ذلك من أعمال الفسق، وعدم عدّهم السرقة وقطع الطرق وسفك الدماء ووأْد البنات وأكل أموال اليتامى وغصب حقوق الآخرين من الذنوب، الحاصل أن استيلاء جميع أنواع السيئة وجميع أنواع الظلام والغفلة عموما على قلوب العرب كلهم لأمر مشهور ومعروف لا يسع إنكارُه أيَّ معارض متعصب بشرط أن يكون ملمًّا. ثم من الواضح على كل منصف أن الجهلة والهمجيين والوقحين والطالحين أنفسهم كيف تغيروا تمامًا بعد اعتناقهم الإسلام وقبول القرآن الكريم! وكيف غيَّرتْ قلوبَهم تأثيراتُ الكلام الإلهي وصحبةِ النبي المعصوم ﷺ خلال مدة قصيرة دفعةً واحدة، بحيث تمتعوا، بعد الجهل، بمعارف الدين،  وتفانَوا في الحب الإلهي بعد الحب الدنيوي بحيث تركوا أوطانهم وأموالهم وأعزاءهم وشرفهم وراحة نفوسهم من أجل رضوان الله ﷻ! فكلا الوصفين لحالهم السابقة والحياة الجديدة التي تمتعوا بها بعد الإسلام مذكوران في القرآن الكريم بوضوح بحيث لو يقرأها إنسان صالح سعيد القلب تفيض عيناه من الدمع. فما الذي جذبهم من عالم إلى عالم آخر بهذه السرعة؟! ألا إنما كانا أمرين حصرًا؛ أحدهما أن ذلك النبي المعصوم كان قوي التأثير بقوته القدسية إلى درجةِ أنه لم يسبق له نظير ولن يكون في المستقبل. والثاني هو التأثيرات القوية والعجيبة لكلام الله القادر المقتدر الحي القيوم التي أخرجت حزبا كبيرا من آلاف الظلمات إلى النور. لا شك أن تأثيرات القرآن الكريم هذه خارقة للعادة، لأنه ليس بوسع أحد في العالم أن يخبرنا بنظير ينافسه في التأثير. من ذا الذي يقدر على إثبات أن هناك كتابا قام بالتغيير والإصلاح الغريب كما قام به القرآن الكريم؟!”

ثم يذكر المسيح الموعود ؏ أن النور الذي أُعطيه النبي ﷺ لم يُعطَهُ غيرُه فيقول ؏:

إن ذلك النور الأجلى الذي وُهب للإنسان، أعني للإنسان الكامل، لم يكن ذلك النور في الملائكة، ولا النجوم، ولا القمر، ولا الشمس، ولم يكن في بحار الأرض ولا أنهارِها، ولا في اللَّعْلِ، ولا الياقوت، ولا الزمرّد، ولا الماس، ولا اللؤلؤ؛ باختصار، لم يكن ذلك النور في أي شيء من الأرض أو السماء، وإنما كان في إنسان كامل، ذلك الإنسان الذي كان أتمَّ وأكملَ وأعلى وأرفعَ فردٍ من نوع الإنسان، وهو سيدنا ومولانا، سيد النبيين، سيد الأحياء محمد المصطفى ﷺ. فقد أُعطي هذا النور لذلك الإنسان، كما أُعطيه الآخرون أيضا ، بحسب مراتبهم، الذين تصبّغوا بصبغته، أي لأولئك الذين كانوا متصبغين بالصبغة نفسها إلى حد ما. (أي الذين يتبعونه ﷺ، ويتأسون بأسوته)

… وإن هذه المزية وُجدت بوجه أعلى وأكمل وأتم في سيدنا ومولانا وهادينا النبي الأمّي الصادق والمصدوق محمد المصطفى ﷺ … كما يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للهِ) (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).

فقد أمر الله تعالى النبيَّ ﷺ أن يعلن أنه أول المسلمين أي ليس في الدنيا منذ بدايتها إلى نهايتها إنسانٌ كامل وفانٍ في الله من الدرجة العليا مثله حتى يؤدي إلى الله تعالى أماناته كلها. ففي هذه الآية ردّ على أولئك الموحّدين قليلي الفهم الذين يقولون بأنه لا تثبت أفضلية نبينا ﷺ  الكلية على النبيين السابقين، ويقدمون أحاديث ضعيفة ويقولون بأن النبي ﷺ منع من أن يُفضَّل على يونس بن متّى. ولكن قليلي الفهم أولئك لا يدركون أنه لو كان ذلك الحديث صحيحا، فهو على سبيل التواضع الذي كان من عادة النبي ﷺ بوجه عام. والمعلوم أن لكل حادث حديثا؛ فلو كتب أحد الصالحين مثلا في نهاية رسالته: “أحقر عباد الله” فأي غباوة وخبث نفسٍ أكبر من الاستنتاج من ذلك أنه قد أقر بكونه أسوأ من كل شخص في العالم كله حتى من الوثنيين والفاسقين أجمعين؛ حيث يُقر بنفسه أنه أحقر عباد الله؟! (بل الحق أن هذا تواضع يبديه في رسالته)

يجب الانتباه جيدا إلى أنه ما دام الله جلّ شأنه قد سمَّى النبي ﷺ أول المسلمين وعدّه سيد المطيعين جميعا وعَدّه ﷺ أولَ من أدَّى الأمانات كلها قبل غيره، أفيبقى لمن يؤمن بالقرآن الكريم مجال بعد ذلك أن ينتقد، أيّا كان نوع انتقاده، شأن النبي ﷺ العظيم؟! لقد بيّن الله تعالى في الآية المذكورة آنفا مدارج كثيرة للإسلام وبيّن أن الدرجة العليا هي تلك التي أُودعت فطرةَ النبي ﷺ. سبحان الله! ما أعظم شأنك يا رسول الله! (ثم أورد ؏ بيتا بالفارسية وتعريبه)

“إن موسى وعيسى بل كل الأنبياء جنودك أنت، وكلهم سلكوا هذا المسلك بفضلك أنت”. (أي كلُّهم أتباعك)

يتابع ؏ ويقول: فقوله تعالى: “(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ .. )ويقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي..) يعني: اتّبعوا سبيلي الذي هو الحقيقة العليا للإسلام. عندها يحبكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. ثم يقول:(وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أي قل لهم بأني أُمرتُ بأن أسلّم وجودي كله لله تعالى وأفوّض نفسي إليه؛ أي هذا ما أُمرتُ به، فلو اتبعتموني لنلتم درجات، ولصرتم مسلمين صادقين، فاجعلوا أنفسكم خالصة لله تعالى)… أي أفني نفسي في سبيل الله وأكون خادمَ العالمين كما هو رب العالمين، وأكون كلّيا له ﷺ وفي سبيله. لذا فقد سلَّمتُ لله كل ما كان لي، فلم يعد لي شيء، بل كل ما كان لي فقد صار لله رب العالمين.”

أقول: هذه هي المرتبة العظيمة التي ذكرها المسيح الموعود ؏ في كلامه المذكور. ثم يقول ؏ مبينا أن النبي ﷺ هو المظهر الكامل لله تعالى: لقد ورد في عدة آيات من القرآن الكريم تلميحا وصراحة أن النبي ﷺ هو المظهر الأتم للألوهية، وأن كلامه كلام الله وظهوره ظهور الله، ومجيئه مجيء الله، فهناك آية أيضا في القرآن الكريم في هذا الموضوع:(قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا). المراد من الحق هنا هو الله جلّ شأنه، والقرآن الكريم والنبي ﷺ، وأما المراد من الباطل فهو الشيطان وحزبه والتعاليم الشيطانية. فانظروا كيف ضمّ الله تعالى اسم النبي ﷺ إلى اسمه، فصار ظهور النبي ﷺ بمنـزلة ظهور الله تعالى ظهورا جلاليا هرب بسببه الشيطان مع جنوده كافة وذلّت تعاليمه وحقُرت وواجه حزبه هزيمة نكراء. ونظرا إلى هذه الجامعية التامة جاء البيان المفصل في سورة آل عمران أنه قد أُخذ الميثاق من النبيين جميعا أن من واجبهم أن يؤمنوا بعظمة خاتم الرسل وجلاله أي بمحمد المصطفى ﷺ، وينصروا قلبا وقالبا لنشر عظمته وجلالة شأنه. لذلك ظل جميع الأنبياء بدءا من آدم صفي الله إلى المسيح كلمة الله يعترفون بعظمة النبي ﷺ وجلاله”.

ثم يبين المسيح الموعود ؏ عظمة النبي ﷺ ويقول كما أن إلهنا هو معبودنا الوحيد كذلك إن رسولنا المطاع واحد، فيقول ؏ ما نصه: أَمَّا بَعْدُ، فَيَقُولُ عَبْدُ اللهِ الأَحَدِ، أَحْمَدُ عَافَاهُ اللهُ وَأَيَّدَ.. وَمَا فَهَّمَنِيْ إِلاَّ رَبِّيْ الَّذِيْ هُوَ خَيْرُ الْمُفَهِّمِيْنَ .. وَعَلَّمَنِيْ فَأَحْسَنَ تَعْلِيْمِيْ .. وَأَوْحَى إِلَيَّ أَنَّ الدِّيْنَ هُوَ الإسْلَامُ، وَأَنَّ الرَّسُوْلَ هُوَ الْمُصْطَفَى، اَلسَّـيِّدُ الِإمَامُ، رَسُوْلٌ أُمِّـيٌّ أَمِيْنٌ. فَكَمَا أَنَّ رَبَّـنَا أَحَدٌ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ، فَكَذَلِكَ رَسْولُنَا الْمُطَاعُ وَاحِدٌ لاَّ نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَلاَ شَرِيْكَ مَعَهُ، وَأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِـيِّين.

يتهم المعارضون المسيحَ الموعود ؏ أنه قال شيئا قبل ادعائه وقال شيئا آخر بعده. فأقول: إن هذه العبارة التي أوردتها إنما قالها ؏ بعد ادعائه أي كتبها في عام 1895م.

ثم يذكر ؏ أن النبي ﷺ هو وحده الذي ضرب بأسوته المثل الأعلى لكمالات البشر، فيقول:

لقد أُخبرت أن الإسلام وحده هو دين الحق من بين الأديان، وقد قيل لي إن الهداية القرآنية هي وحدها التي ترتقي إلى درجة الكمال في الصحة، وأنها من بين الهدايات كلها صافية من الشوائب البشرية، وقد فُهّمتُ أن الرسول الذي جاء بالتعليم الكامل الطاهر من الدرجة الأولى والفيّاض بالحكمة، وترك الأسوة الحسنة بسيرته لجميع كمالات الإنسان هو سيدنا ومولانا محمد المصطفى ﷺ وحده…

أين القساوسة الذين كانوا يقولون: إنه لم تصدر أي نبوءة (والعياذ بالله) أو أمر خارق من سيدنا وسيد الورى محمد المصطفى ﷺ؟! أقول صدقا وحقا إنه هو الإنسان الكامل الوحيد على وجه الأرض الذي تحقُق نبوءاته واستجابةُ دعواته وظهور خوارق أخرى على يديه أمر ما زال يموج كالنهر حتى اليوم بواسطة أتباعه الصادقين.

أقول: لقد تحدى المسيح الموعود ؏ هنا جميع الأديان الأخرى)

يتابع ؏ قائلا: أيُّ دينٍ غيرُ الإسلام يتمتع بهذه المزية والقوة؟! وأين يوجد أناسٌ وفي أي بلد يقيم أولئك الذين يقدرون على منافسة الإسلام في البركات والآيات؟! (فلو أراد الإنسان رؤية آيات لأمكن له ذلك في الإسلام فقط وفي الذين يتبعون النبي ﷺ اتباعا صادقا وحقيقيا)

يقول ؏ في موضع آخر: لا كتابَ لبني الإنسان على ظهر البسيطة الآن إلا القرآن، ولا رسولَ ولا شفيعَ لبني آدم كلهم إلا محمد المصطفى ﷺ، فاسعوا جاهدين إلى أن تحبّوا هذا النبيَّ ذا الجاه والجلال حبًّا صادقًا، ولا تُفضِّلوا عليه غيرَه بشكل من الأشكال، لكي تُكتَبوا في السماء من الناجين.

واعلموا أنّ النجاة ليست بشيء يظهر بعد الموت، إنما النجاة الحقيقية هي تلك التي تُري لمعانها في هذه الحياة الدنيا. ألا من هو الناجي؟ هو ذاك الذي يوقن بأن الله حق، وأَن محمّدا ﷺ شفيعُ الخَلق كلهم عند الله، وأنْ لا مثيلَ له ﷺ مِن رسول ولا مثيلَ للقرآن من كتاب تحت أديم السماءِ، وأن الله تعالى لم يشأ لأحد أن يحيا حياة الخلود، إلاّ أنّ هذا النبي المصطفى حيّ خالد إلى أبد الآبدين…

لقد نال موسى ؏ المتاعَ الذي كانت قد أضاعته القرون الأولى، وقد نال محمد ﷺ المتاع الذي كانت قد أضاعته سلسلة موسى. لقد قامت الآن السلسلة المحمديّة مقامَ السلسلة الموسوية، إلا أنها أعظم منها شأنًا آلاف المرّات.

ثم يقول ؏ مبيّنا أننا وجدنا الله تعالى بواسطة النبي ﷺ: إن أرواحنا وكل ذرة من كياننا تسجد لذلك الإله القادر والصادق والكامل الذي بيده خُلقت كل روح وكل ذرة من المخلوقات مع كل قواها، والذي بوجوده يقوم كل وجود. لا يخرج شيء عن علمه ولا عن سيطرته ولا عن دائرة خَلقه. وآلاف الصلوات والرحمات والبركات على النبي الطاهر محمد المصطفى ﷺ الذي بواسطته وجدنا الإله الحي الذي يهب لنا بكلامه آيات وجوده، وبإظهاره آيات تفوق العادة يُرينا وجها منيرا لقدراته وقواه القديمة والكاملة. فقد وجدنا رسولا أرانا اللهَ عيانا، ووجدنا إلهًا خلق كل شيء بقدرته الكاملة. ما أعظم قدرته التي لا يخرج شيء إلى الوجود بدونها، ولا بقاء لأيّ شيء بغيرها! إن إلهنا الحق ذو حُسن وإحسان وبركات كثيرة وقدرات لا تُعَدّ ولا حصر لها، ولا إله سواه.”

وقال ؏ مبينا أن كل ما نال فإنما ببركة اتباعه النبي ﷺ:

إنني أقسم به عز وجل أنه تعالى كما شرَّف بالمكالمة والمخاطبة إبراهيمَ وإسحاق وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسى والمسيح بن مريم، ثم في الأخير كلَّم نبيَّنا ﷺ بحيث كان الوحي النازل عليه أوضحَ وأطهرَ ما يكون،كذلك تمامًا شرَّفني أنا أيضًا بمكالمته ومخاطبته. ولكن ما أُعطيتُ هذا الشرف إلا بسبب اقتدائي الكامل بسيدنا محمد ﷺ. فلو لم أكن من أمته وما اقتديت به لما حظيتُ بشرف المكالمة والمخاطبة أبدًا، وإن كانت أعمالي مثل جبال الدنيا كلها. لأن النبوات كلها قد انقطعت ما عدا النبوة المحمدية. لا يمكن أن يأتي نبي بشرع جديد، ولكن يمكن أن يأتي نبي بغير شرع جديد ولكن بشرط أن يكون من الأُمة أولا.

ثم يقول حضرته ؏:

إنني لأعلم يقينا، بناء على معرفتي الحقة التامّة، أنه لا يمكن لأحد الوصول إلى الله ولا يمكن أن يكون له نصيب من المعرفة الكاملة دون اتّباع رسوله الكريم ﷺ. دعوني أخبركم هنا ما هو ذلك الشيء الذي ينشأ في القلب أوَّلا نتيجةَ الاتباع الصادق والكامل لرسول الله ﷺ؛ ألا وهو القلب السليم. أي أن حبّ الدنيا يغادر القلب فيتطلع إلى الحصول على متعة خالدة غير منقطعة، ثم بسبب هذا القلب السليم يتيسر حب الله الكاملُ الصافي، ويرث المرء كل هذه النعم ببركة اتّباعه النبي ﷺ، كما قال الله عز وجل: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)

يقول حضرته ؏ أكثرَ في بيان أن حب المرء للنبي ﷺ واتباعَه إياه يجعله حبيبَ الله: لقد جعل الله ﷻ حبه لأحد مقتصرًا على اتباعه للنبي ﷺ، فقد قال ردًّا على اعتراض شخص مفاده: إذا قال أحدهم أن الغاية هي إحراز الأعمال الصالحة فما الداعي إلى الاتباع حتى يصبح المرء ناجيا ومقبولا؟! وجواب ذلك أن صدور الأعمال الصالحة يتوقف على التوفيق من الله، فحين جعل الله ﷻ أحدا لحكمته العظيمة إمامًا ورسولا وأمَر باتباعه فالذي لا يتبعه بعد تلقي هذه الأوامر فلا يوفَّق للأعمال الصالحة. فاتباع المرسَل من الله ضروري في كل حال، إذ لا تفيد الأعمال وحدها، وإن اتباع النبي ﷺ واجب أكثر من الجميع.

فقال: لقد جربتُ شخصيا أن اتباع النبي بصدق القلب وحبه ﷺ يجعل الإنسان محبوبا عند الله أخيرا بحيث يخلق في قلب الإنسان حرقة لحب الله تعالى، فيخضع إلى الله راغبا عن كل شيء ولا يبقى له أُنسٌ ولا شوق إلا لله عز وجل. عندها يقع عليه تجلٍّ خاص لحب الله فيصبِّغه بصبغة الحب والعشق الكاملة ويجذبه إلى نفسه بكل قوة. حينئذ يتغلب على أهواء النفس وتظهر أعمالُ الله تعالى الخارقة لتأييده ونصرته من جميع النواحي بصورة الآيات.

لقد بين حضرته ؏ أن فيوض النبي ﷺ تُكسب النبوةَ، فقال:

لقد جعل الله ﷻ النبيَّ ﷺ صاحب الخاتَم .. أي وهبه لإفاضة بركاته الروحانية خاتَمًا لم يوهب لأحد من النبيين مطلقًا. لذلك قد سمي خاتَم النبيين بمعنى أن اتّباعه يَمْنَحُ كمالات النبوة، وتربيته الروحانية توصل الإنسان إلى مقام النبوة. ولم يُعطَ هذه القوة القدسية أحدٌ من النبيين سواه. وهذا هو معنى الحديث: “علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل” .. مع أنه كان في بني إسرائيل أنبياء كثيرون ولكن نبوتهم لم تكن نتيجة اتباعهم لموسى ؏ بل كانت تلك النبوات كلها هبة إلهية بصورة مباشرة وما كان فيها أدنى دخْل لاتّباع موسى.

لذا فإنني أقول للعلماء: أيها العلماء المزعومون، فكِّروا وتدبَّروا، هل عدُّ النبي ﷺ واهبَ النبوة يرفع شأنه ﷺ أم يحطه؟! لكنكم لن تتدبروا ذلك، لأن مصالحكم المادية تتضرر بذلك. أما نحن فنقول بكل يقين: إن حضرة مرزا غلام أحمد القادياني ؏ أعطانا إدراكا لعلو شأن النبي ﷺ وسمو مكانته. فليفرض كل أحمدي على نفسه الالتزامَ بالصلاة على النبي ﷺ لكي ننال الفيوض والبركات المرتبطة بالعلاقة الصادقة بشخصه المبارك ﷺ. يقول سيدنا المسيح الموعود ؏ لافتا أنظارنا إلى أهمية الصلاة على النبي ﷺ:

انظروا إلى صدق سيدنا ومولانا محمد رسول الله ﷺ وإخلاصه إذ قاوم كل نوع من السيئات والخبائث، وتحمّل أصناف المصائب والمعاناة ولم يبال بها. فبناء على صدقه وإخلاصه هذا حصرا قد أنزل الله عليه فضله فقال: (إنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). يتبين من هذه الآية أن الله تعالى لم يستخدم كلمة خاصة لمدح أعمال الرسول الأكرم ﷺ وتعيين مزاياها. لا شك أن الكلمات كانت متوفرة لكنه ﷻ قصد ألا يستخدمها، لأن أعماله الصالحة كانت تفوق التحديد. لم يُنـزل آية مثلها بحق أيّ نبي آخر. كانت روحه ﷺ تتحلى بالصدق والصفاء وكانت أعماله مرضية في نظر الله بحيث أمر الناس أمرا دائما أن يصلوا عليه في المستقبل على سبيل الامتنان.

ثم قال حضرته مفسرا أكثر أنه بأي هدف وغاية يجب نصلي:

“وجب أن يصلي المرء على النبي الكريم ﷺ بنية أن يُنـزل الله الكريم بركاته الكاملة على نبيه ﷺ، ويجعله مصدر البركات للعالم كله، ويُظهر جلاله ومجده وعظمته في الدنيا والعقبى. ويجب أن يصدر هذا الدعاء بخشوع تام كما يدعو أحدكم بضراعة عند حلول المصائب، بل ينبغي بالتضرع والابتهال أكثر من ذلك. ويجب ألا يجعل لنفسه أي نصيب أي أنه سينال أجرا أو جزاء على ذلك، بل ينبغي ألا يكون هدفه من ذلك إلا أن تنزل البركات الإلهية الكاملة على الرسول المقبول ﷺ، وأن يُشرق جلالُه في الدنيا والآخرة، الأمر الذي يجب أن يعقد عليه الإنسان عزمه ويداوم عليه بكل حرص وتركيز ليلَ نهار حتى لا تكون في قلبه أمنية سواها.”

ثم يقول حضرته ناصحا إيانا بالصلاة على النبي ﷺ: صلُّوا على النبي ﷺ كثيرا لكن ليس بدافع التقليد والعادة بل تذكُّرا لحسن النبي ﷺ وإحسانه، ولرفع درجاته ومراتبه ونجاحاته. فما هي نجاحاته؟! إنما هي أن ينتشر الإسلام الصحيح في العالم. وتتلاشى الشرور والفتن المتفشية باسم الإسلام في العصر الراهن. فمن واجب كل أحمدي اليوم أن يورد على نفسه هذه الحال، ويدعو ويصلي على النبي ﷺ على هذا المنوال. وإنما الوسيلة المتاحة لنا أن نقضي بالدعاء على الشرور المتفشية في العالم.

ثم قال حضرته ناصحا أحد مريديه بالصلاة على النبي ﷺ:

“عليكم بالإكثار من الصلاة على النبي الكريم ﷺ، واسألوا الله البركة للنبي ﷺ بمنتهى الشوق والإخلاص كما يطلبها أحد في الحقيقة لمن يحبه، وينبغي أن تكون بضراعة متناهية. ويجب أن يكون هذا التضرع والدعاء خاليا تماما من التصنع، بل يجب أن يكون إخلاصك وحبك للنبي ﷺ صادقَين حتى تطلب بصدق الروح البركات المذكورة في الصلاة عليه ﷺ وعلامة الحب الخالص هي ألا يتعب الإنسان ولا يمل بل يصلي على النبي ﷺ لتظهر عليه بركات الله تعالى ولا يصلي عليه لتحقيق مصالحه الشخصية.”

قال حضرته عن الحكمة في الصلاة على النبي ﷺ: الحق أنه ﷺ ليس بحاجة إلى دعاء أحد ولكن في ذلك سر عميق وهو: عندما يطلب أحد رحمةً وبركةً لغيره بحب خالص يُصبح الأول جزءًا من وجود الثاني بسبب علاقة الحب الذاتي بينهما. فالفيض الذي ينـزل على المدعو له ينزل على الداعي أيضًا، ولما كانت بركات الله ﷻ على رسول الله ﷺ لا تعدّ ولا تحصى، لذلك ينالها المصلون عليه ﷺ أيضا بقدر حماسهم بسبب حبهم الخالص. إلا أن هذا الفيض يظهر قليلا بدون حماس الروح والحب الخالص.”

إذن يجب أن نصلي على النبي ﷺ بمنتهى الحماس وعاطفة الحب.

نسأل الله ﷻ أن يهب لنا هذا الحماس عند صلاتنا على النبي ﷺ لكي نكون من المصلين عليه ﷺ بوجه حقيقي، ونرى تلك النجاحات والفتوح التي وعدها الله ﷻ وننال نصيبا منها، والتي قُدرت بواسطة المحب المخلص له ﷺ في هذا العصر. لسنا بحاجة إلى أية شهادة من أية حكومة أو عالم ديني مزعوم بأننا مسلمون، ولا نكون مسلمين أو غير مسلمين بموجب المكتوب في أية استمارة، وإنما نريد شهادة وحيدة فقط وهي أن الله راض عنا، فسوف يسلِّم إلينا هذه الشهادة عندما سنؤدي في الحقيقة حق الانتماء إلى أمة سيدنا محمد المصطفى ﷺ واتباعِه، عندها ستصل صلواتُنا إليه وتُكسبنا نصيبًا من البركات التي وعد الله ﷻ النبيَّ ﷺ بإعطائها، وفَّقنا الله لذلك.

هذه السنة توشك على النهاية، إذ بقيت في بعض البلاد 24 ساعة وفي بعض البلاد الأخرى بقي يومان وليلتان، فاقضوا هذا الوقت المتبقي من السنة مصلِّين على النبي ﷺ بكثرة واستقبِلوا السنة الجديدة أيضا مصلين على النبي ﷺ لكي ننال عاجلا تلك البركات المرتبطة بهذه الصلاة. وفقنا الله لذلك وحمانا من كل معارض، وجعل شرورهم تنقلب عليهم، تعالوا شارِكوني في الدعاء.

أخبرتكم قبل قليل أن عدد شركاء الجلسة 18 أو 19 ألف ضيف، والعدد المعين لحضور الجلسة هناك بحسب التقرير الوارد هو 18864، وهم يمثِّلون 48 بلدا. وفَّقهم الله كلَّهم لنيل بركات هذه الجلسة، وأعاد الضيوف القادمين من شتى البلاد مثل باكستان إلى بلادهم سالمين وغانمين وحماهم. أما عدد الحضور هنا في بريطانيا فهو 5365 والنساء منهم 2400 تقريبا والرجال هم 2600 تقريبا.

فليبدأ أهل قاديان الآن برنامجهم التالي.

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز