خطبة عيد الفطر  

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 16/06/2018

في مسجد بيت الفتوح بلندن

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

إن يوم العيد هذا يجب أن يكون مدعاة لتوجيهنا إلى الاستمرار في الحسنات التي استمتعنا بها على مدى شهر مضى. الأمور التي يتوجه الإنسان إليها في شهر رمضان عادة منها العبادات والصدقات والتضحيات المالية وأداء حقوق العباد. لقد مضت أيام القيام بها معا في أجواء معينة، ولكن من واجب المؤمن ألا يداوم فقط على تلك الحسنات بل يجب أن يتقدم فيها. لقد انتهت يوم أمس أيام صيام شهر رمضان هذا العام وقد قمنا فيها بالعبادات والنوافل، أما العبادات الأخرى وأداء حقوق العباد التي قمنا بها فيجب أن نداوم عليها. فمثلا إذا ركزنا على النوافل فلنسعَ جاهدين للاستمرار فيها، وإذا ركزنا على الصلاة جماعة فلنستمر فيها، وإذا اعتدنا ضبط النفس فلنحاول المداومة عليه، وإذا انتبهنا إلى مواساة الخلق فلتستمر هذه العاطفة فينا.

يقول بعض الناس بأننا نحاول الالتزام بالصلاة جماعة، ولكن إذا فحصوا أنفسهم سيجدون أنها خديعة النفس فقط وهم لا يحاولون أصلا ولا يدركون مسؤوليتهم بشأن الصلاة جماعة. ولو أدركوها لما خابت مساعيهم. الحق أن حالتهم بهذا الشأن تتحسن في رمضان، ولكن لماذا؟ لأنهم يقومون في هذه الأيام بمحاولة حقيقية، ويريدون حقا أن يستيقظوا، إلا إذا كان أحد عنيدا جدا لا يخجل بالنظر إلى الأجواء المحيطة به أيضا. فهناك من يستيقظ لتناول السحور ولو تقليدا للآخرين. والكسالى منهم أيضا يبذلون جهدا لأداء صلاة الفجر في وقتها. فهذا هو السعي الحقيقي الذي نرى نتائجه على صعيد الواقع. لذا يجب أن تتذكروا دائما أن ما لا يعطي نتائجه إلى سبعين أو ثمانين بالمئة لا يكون السعي المبذول بشأنه على ما يرام. فعلينا أن نعقد اليوم عزما صميما على أننا سنسعى سعيا حقيقيا لكسب الحسنات كلها ولن نخدع أنفسنا زاعمين أننا نحاول لهذا الغرض. وإذا فعلنا ذلك فعندها فقط يكون عيدنا عيدا حقيقيا، وعندئذ ستُعمّ فرحتنا العامَ كله. هذا هو الهدف الحقيقي من العيد، وإن لم يتحقق هذا الهدف فلا فائدة قط من ارتداء لباس جديد اليوم بوجه خاص وأكل أطعمة شهية وزيارات متبادلة وترتيب برامج أخرى. الروح الحقيقية وراء أفراح هذا اليوم هي أننا امتنعنا بأمر من الله تعالى لشهر كامل عن بعض الأمور المسموح بها أيضا من أجل تربية أنفسنا، وفعلنا ذلك بطيب خواطرنا، ونحتفل اليوم بالفرحة أيضا بحسب أمر الله تعالى على أننا قضينا شهرا كاملا على النحو المذكور. وإلى جانب ذلك نتعهد أيضا أننا سنظل منتبهين إلى أداء حقوق الله وحقوق العباد نتيجة تربية تلقيناها في هذا الشهر.

إذًا، يجب أن يتذكر كل واحد منا أن العمل بأوامر الله وأداء حقوقه I لشهر واحد فقط كل عام لا يحقق الهدف من حياتنا، كما لا يتحقق هدفنا بأداء حقوق العباد لشهر واحد فحسب. بل سوف يتحقق هدفنا إذا دوامنا على هذه الأمور، وتخلينا على الدوام عن أنواع الكسل التي تخلينا عنها في شهر رمضان، وداومنا على الحسنات كلها التي وفِّقنا لكسبها لنيل رضا الله تعالى  ليكون كل يوم بمنـزلة يوم العيد لنا ولتطلع شمس كل يوم جديد ونحن حائزون على رضا الله تعالى.

فإذا كنا نريد ذلك يجب أن نكون مضرب المثل في عباداتنا والسلوك على دروب التقوى، كما ينبغي أن نواسي الفقراء مؤدين حقوق العباد، ونحسن إلى الأقارب والجيران، وينبغي أن ننـزِّه قلوبنا من الأنانية وأن نضرب أمثلة عليا في مواساة الخلق.

اليوم أودّ أن أوجه أنظاركم بوجه خاص إلى مواساة الخلق وحقوق العباد من منظور العيد. إن أداء حقوق العباد أيضا عبادة، كما علّمنا المسيح الموعود u بكل وضوح. إذًا، إننا إذ نحتفل اليوم بالعيد، وخاصة أولئك الأحمديون الساكنون في بلاد متطورة وكذلك الذين يتمتعون بظروف جيدة، عليهم أن ينتبهوا إلى أن هناك عددا كبيرا في العالم ممن يعيشون في ظروف سيئة جدا إلى درجة أن بعض التقديرات تقول بأن ثماني مائة وخمسة عشر مليونا منهم لا يجدون قوت يومهم بل هم معرّضون للجوع. وشخص واحد من كل تسعة أشخاص في العالم ينام جائعا كل يوم. وواحد من بين ثلاثة، وخاصة الأولاد الصغار يعانون من نقص أو سوء التغذية. ولكنني أقول إن هذه الإحصائيات التي تقدَّم ليست صحيحة بل هناك عدد من الناس أكبر بكثير من المذكور في هذه الإحصائيات يعانون من الجوع. وبسبب الحروب الناشبة في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها قد حُرم الأولاد الصغار من الغذاء والعلاج. وهذا العدد في تزايد مستمر.

قبل بضعة أيام كانت هناك صورة لطفل مُتداولة في وسائل التواصل الاجتماعية وكان مكتوبا عليها أن طبيبا أعطى طفلا قطعة خبز، فقال له الطفل: هل لك أن تعطيني دواء لا أجوع بعد تناوله أبدا؟ وهذا الكلام من طفل بريء أثار بكاء الطبيب. قد تكون هذه الصورة صحيحة أو زائفة، ولكن هذا هو حال الأطفال في العالم بسبب الجوع. ولكن المولعين بالحرب إلى حد الجنون لا يفكرون في هذه الأمور. لقد حُرم الأولاد من آبائهم، وليس ذلك فحسب بل يتعرضون بعد ذلك للمجاعة أيضا.

باختصار، يجب علينا، نحن الذين نأكل أطعمة شهية مِلء بطوننا، أن نشعر في يوم العيد بهذا الشعور أكثر من ذي قبل، ونواسي هولاء المحرومين أكثر مما سبق. بل الحق أن هناك أناسا في العالم لا يجدون ماء كافيا أيضا للشرب، دع عنك الطعام، وما يجدونه يكون كدرا بحيث إن الكثيرين منا قد لا يطيقون حتى النظر إليه. يقول الله تعالى في القرآن الكريم موجها أنظارنا إلى هذا الأمر ومبيّنا صفات المؤمنين: ]وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا[ (الإِنْسان 9-10)

وقد فسَّر المسيح الموعود u هاتين الآيتين بشيء من الشرح فقال إن معناهما هو أن الذين يكسبون حسنة حقيقية من صفاتهم أنهم يُطعمون نتيحة حب الله تعالى المساكين واليتامى والأسرى مما يحبونه، ويقولون بأننا لا نَمُنّ عليكم بشيء بل نفعل ذلك ليرضى عنا ربنا ونقوم بهذه الخدمة لوجه الله تعالى ولا نريد منكم أيّ مقابل ولا نريد أن تشكرونا.

وقد وضَّح u أيضا، أن البر أن ينفق المرء مما يحبه، أما الذي ينفق شيئا فاسدا ورديئا فلا يسعه الادعاء بأنه أحرز حسنة. إذن فالحسنة الحقيقية أن يضحي المرء بما يحب ويعتني بالآخرين حتى بتحمل شيء من الألم. فالاعتناء بالفقراء بتقديم التضحية من أجلهم وبسد حاجاتهم ابتغاء مرضاة الله ولوجهه يُكسب المرء قربَ الله تعالى، وتصبح خدمةُ الخلق هذه عبادةً إذا كانت قد صدرت لوجه الله. من الملاحظ أن الناس في رمضان يهتمون بإخراج الصدقات ومساعدة الناس بحسب سعتهم، وينبغي ألا يكون ذلك مؤقتا بل يجب أن يستمر طوال السنة. وإذا فكر الإنسان على هذا النحو طول السنة واعتنى بمساعدة الفقراء ابتغاء مرضاة الله فيصبح كل يوم له يوم عيد ويُفرحه.

المشاريع يقيمها الماديون، رجالا ومنظمات، لمساعدة الفقراء، بحسب زعمهم، في الدول الفقيرة ومن أجل إزالة جوعهم، إلا أنهم يستعيدون ما يقارب 70 أو 80 في المائة من التبرعات للنفقات الإدارية، وذلك لأنهم لا يقومون بهذه الأعمال لوجه الله ونيل رضوانه. وإنما يقومون بها ليجعلوهم مدينين لمنَّتهم. فمن مزِيَّة المؤمنين أنهم يُسْدون الخدمة إلى الخلق باعتبارها عبادة، وفي أيامَ الفرحة تتيسر لهم فرحةٌ حقيقية حين يعتنون بالآخرين. في نظام الجماعة هناك صندوق للإنفاق على اليتامى والاهتمام بتوفير الطعام والدراسة لهم، ويجب على المقيمين في الدول الغنية وميسوري الحال أن يتبرعوا لهذا الصندوق ويقدموا نصيبا للفقراء في كل مناسبة فرحة. ثم إن الجماعة تنفق على العلاج المجاني للمرضى الفقراء، كما أن هناك نظام في الجماعة لتوفير الماء والطعام لذوي الحاجة، وهناك نظام لمساعدة الطلاب الفقراء. وإذا كان الإخوة ينفقون شخصيا على الفقراء فيجب عليهم أن يتبرعوا بشيء بحسب سعتهم حتما في الصناديق المفتوحة في نظام الجماعة مثل مساعدة الفقراء ومساعدة المرضى أو صندوق اليتامى. ومثل ذلك هناك في الجماعة بعض المنظمات الفرعية ومنها منظمة المهندسين الأحمديين (IAAAE) فهي تهيئ الماء العذب الصافي في أفريقيا، فقد نصبوا مضخات في بلاد أفريقية كثيرة، وهيأوا الطاقة الشمسية أيضا. وحين يتوفر الماء الصافي للناس هناك أمام بيوتهم فإن الفرحة التي تظهر في أعينهم لجديرة بالمشاهدة. كثيرون منّا حين يشترون لأولادهم لباسا محببا لديهم أو لعبة ما تعجبهم تظهر على وجوههم فرحةٌ، وقد رأيتها أضعافا مضاعفة على وجوه الأولاد الفقراء في البلاد البعيدة حين يجدون ماء صافيا للشرب أمام بيوتهم.

وكذلك تُنجز منظمة “الإنسانية أولا” أنواع الأعمال الخيرية، ومنها توفير الطعام والماء والتعليم والعلاج وغيرها أو تقديم المساعدة في الطوارئ مثل الزلازل والفيضانات. وفي “الإنسانية أولا” يعمل الإخوة بكل حماس، حيث ينجز الأحمديون المتطوعون أعمالا تفوق كلفتها ما تنجزه المنظمات الأخرى بمئات الآلاف. فبعض أبناء الجماعة ينجزون هذه الأعمال بإنفاق المال وتقديم خدماتهم تطوعا أيضا. وهناك الكثيرون لا يساهمون في هذه الأعمال فعليهم أيضا أن يتقدموا بمناسبة الأفراح للاشتراك في الأعمال الخيرية، ابتغاء مرضاة الله. والفرحة التي ستنالونها إثر تعوُّدكم على هذه الأعمال هي في الحقيقة أكثر بكثير من هذه الأفراح المادية المؤقتة. وكذلك يجب أن تعوِّدوا أولادكم أيضا على أن يتبرعوا بشيء للأولاد الفقراء في العالم من العيدية التي يقدمها لهم الكبار. إذا عوَّدتموهم على ذلك الآن فهذه العادة إن وجدت فيهم فستمكِّنهم في المستقبل من خدمة الخلق والإنفاق في سبيل الله ومواساة الناس من ناحية فمن ناحية أخرى ستُكسبهم أفضالَ الله وتنقذهم من المشاكل في الحياة، وتوفِّقهم للدوام على الحسنات. إذن يجب أن تستمر هذه العادة في الأجيال القادمة أيضا، وهذه هي أفراح العيد في الحقيقة.

فقد لفت أنظارَنا المسيحُ الموعود u مرارا وتكرارا إلى ضرورة الاهتمام بحقوق العباد والمشاعر الطيبة تجاه الآخرين، فقد قال:

“إن للشريعة جانبين هامَّين يجب على الإنسان أن يحافظ عليهما، أحدهما حق الله والجانب الآخر هو حق العباد. إن حق الله هو حب الله وطاعته وعبادته والتوحيد وعدم إشراك أحد في ذاته وصفاته. (أي من حق الله أن يُعبد ويُحَب ولا يصدر منا الإقرار بوحدانيته فحسب بل يجب أن يصدر من كل عمل لنا الإقرار بتوحيده، ونوقن بأنه لا شريك له في أي صفة له)، وحق العباد هو ألا يعامل المرء إخوته بأي نوع من الكبر والخيانة والظلم، أي يجب ألا يكون هناك فتور في الأخلاق. إنهما جملتان خفيفتان من حيث الكلمات ولكن العمل بهما في غاية الصعوبة. لا يسع الإنسانَ أن يثبت على هذين الجانبين إلا إذا حالفه فضل كبير من الله. (إذن يجب أن نتحرى أفضال الله ونسعى لئلا يبقى أحد منا محروما منها) هناك أناس تكون قوة الغضب متزايدة عندهم، فعندما تثور هذه القوة ويغضب المرء لا يبقى قلبه طاهرا ولا لسانه. فهو يحيك في قلبه ضد إخوته مكايد سيئة ويؤذيهم بلسانه.. فعلى المرء أن يسعى جاهدا ليل نهار لإصلاح أخلاقه بعد كونه موحِّدا صادقا. (أي بعد التمسك بالتوحيد يجب أن تحسِّنوا أخلاقكم).. أرى أن الكثيرين لا يكنّون لإخوتهم المواساة مطلقا، فإذا كان أخوهم يتضور جوعا فلا يهتم به الآخر ولا يرعى أحواله. أو إذا كان يواجه مشاكل أخرى فلا يبذل شيئا من ماله من أجله. لقد ورد في الحديث الشريف تأكيد شديد على الاهتمام بالجيران، بل قد ورد أيضا إذَا طَبَخْتُمْ اللَّحْمَ فَأَكْثِرُوا الْمَرَقَ أَوْ الْمَاءَ فَإِنَّهُ أَوْسَعُ أَوْ أَبْلَغُ لِلْجِيرَانِ.. ولكن الذي يحدث حاليا هو أن الكلّ لا يهمه سوى إشباع بطنه دون الاهتمام بغيره. ولا تظنوا أن المراد من الجار هو من يسكن قرب بيتكم بل إخوتكم في الدين أيضا جيرانكم وإن كانوا على بُعد مائة ميلٍ”.

فهذه هي المعايير للمؤمن، كيف يجب أن يواسي وكيف يجب أن يبذل الجهد والاهتمام لإطعام الآخرين.

ثم يقول u: “يجب على كل واحد أن يحاسب نفسه كل يوم إلى أيّ مدى يهتم بهذه الأمور وإلى أيّ مدى يواسي إخوته ويحسن إليهم. هذه مسؤولية كبيرة على الإنسان. لقد ورد في حديث صحيح أن الله تعالى سيقول يوم القيامة: كنتُ جائعا فلم تطعموني، وكنت ظامئًا فلم تسقوني، وكنت مريضًا فلم تعدوني. فيقول الذين يُسألون ذلك: متى كنتَ جائعا يا ربنا ولم نطعمك، ومتى كنت ظامئا ولم نسقك، ومتى كنت مريضا ولم نَعُدْك؟ فيقول الله تعالى: كان عبدي فلان محتاجا إلى هذه الأشياء فلم تواسوه، فلو واسيتموه فكأنكم واسيتموني. كذلك سيقول لجماعة أخرى: واها لكم! فقد واسيتموني، كنت جائعا فأطعمتموني، وكنت ظامئا فسقيتموني وهلم جرا. تقول هذه الجماعة: يا ربنا، متى عاملناك بهذا؟ سيقول الله: إن مواساتكم لعبدي فلان كانت مواساة لي.

الحق أن مواساة خلق الله عمل عظيمة، والله يحبها كثيرا. هل من إشادة أكبر من أن الله تعالى يعُدّ المواساة (أي مواساة عبده أو مواساة فقير) مواساةً له I. (أي كأنه واسى اللهَ تعالى، ثم ضرب u مثالا وقال: )  يحدث في العالم أيضا عادة أنه إذا ذهب خادم أحد إلى صديقه ولم يُكرمه صديقه أفسيفرح السيد بالمعاملة التي عومل بها خادمه عند صديقه؟ كلا، مع أن صديقه لم يؤذِ خادمه. (أي لو ذهب خادم أحد إلى صديق ولم يعره اهتماما فلا بد أن يستاء السيد من صديقه بسبب خادمه ولا يرضى أبدا) الحق أن إكرام الخادم وحسن معاملته بمنـزلة حس معاملة مع سيده. كذلك لا يحب الله أيضا أن يعامل أحد خلقه بفتور (ولا يهتم بهم ولا يساعدهم عند الحاجة) لأنه I يحب خلقه كثيرا. فالذي يواسي خلقه فكأنه يُرضي ربه.

ثم يقول حضرته u: باختصار، الأخلاق هي المرقاة لكل نوع من التقدم. أرى أن حقوق العباد تقوِّي حقوق الله. (أيْ أن هذا الجانب من حقوق العباد أعني المواساة إنما يقوي حقوق الله فإن كانت صلتكم بخلق الله تعالى قوية كانت صلتكم بالله تعالى قوية كذلك) قال u: إن الذي يعامل بني البشر بالأخلاق الفاضلة لا يضيع الله إيمانه. عندما يعمل الإنسان شيئا لنيل رضا الله تعالى ويواسي أخاه الضعيف يتقوى إيمانه بسبب هذا الإخلاص. ولكن يجب التذكر أن الأخلاق التي يُبديها المرء رياءً فقط لا تكون لله ولا تجدي شيئا لافتقادها الإخلاص. (فيجب أن تكون التضحيات والتبرعات أيضا لنيل رضى الله تعالى. جرت عادة في الجماعة أنه تُعَدُّ القوائم في رمضان من أجل الدعاء، لا غضاضة في إعدادها ولكن لا ينبغي أن تكون للرياء) فمثلا هناك أناس كثيرون يبنون الخانات وما شابهها ويكون هدفُهم كسبَ شهرة وصيت. (يبنون خانات وأماكن الإقامة للمسافرين ويهيؤون فيها الإقامة أو الماء للشرب بالمجان لأنهم يملكون مالا ولكن يكون هدفهم كسب صيت ولا يقومون بذلك لوجه الله تعالى، وكما أخبرتُ أن كثيرا من البلاد الثرية تساعد البلاد الفقيرة لتحقيق أهدافها.) ثم يقول u: أما إذا عمل المرء شيئا لوجه الله مهما كان بسيطا فلا يضيعه الله بل يجزي به.

لقد قرأت في تذكرة الأولياء قول ولي الله أن الأمطار نزلت ذات مرة إلى عدة أيام و(قال الولي) رأيتُ في أيام المطر أن شخصا مُسنّا من عبدة النار ينثر الحبوب للطيور فوق سطح بيته. قلتُ في نفسي أن أعمال الكفار تحبط فقلتُ له: هل سينفعك عملك هذا شيئا؟ قال العجوز: نعم، سينفعني لا محالة. ثم قال ولي الله نفسه: ذهبتُ ذات مرة للحج ورأيت ذلك العجوز يطوف حول البيت وعرفني وقال: انظُر هل أُجرتُ على نثر تلك الحبوب أم لا؟ أي تلك الحبوب التي كنتُ أنثرها للطيور صارت سببا لإسلامي. (لم يحسب ذلك الرجل عابدُ النار حسنته وسيلةَ كسب الدنيا بل حسبها وسيلة إسلامه ونيلِ رضوان الله تعالى وسعد بذلك.) ثم يقول u: قد ورد في الحديث أيضا أن صحابيا سأل النبي r عما إذا كان سينال ثواب الكثير الذي أنفقه في زمن الجاهلية (كان ينفق بلا رياء بدافع مواساة خلق الله) قال النبي r: إنها ثمرة صدقاتك وإنفاقك أنك وُفِّقت للإسلام. (أي تأكل ثمرة تلك الحسنات إذ وفقك الله تعالى لقبول الإسلام،) قال u: يتبين من ذلك أن الله تعالى لا يضيع أدنى عمل أحد عمله بإخلاص. ويتبين أيضا أن مواساة الخلق ورعايتهم تكون سببا للحفاظ على حقوق الله. (يجب ألا يكون هدفنا من وراء عمل معروف منفعةً دنيويةً بل يجب أن نقوم به لرضى الله تعالى ولو فعلنا ذلك لأصبح سببا للحفاظ على حق الله تعالى.)

قال u: إن مواساة خلق الله تعالى صفة لو هجرها الإنسان وتخلى عنها صار وحشًا بالتدريج، هذا هو الأساس لإنسانية الإنسان. يكون المرء إنسانًا فقط مادام يُعامِل أخاه بالودّ واللطف والرأفة والحنان والإحسان، ويفعل ذلك دونما تمييز. كما قال سعدي: “الناس كأعضاء الجسد الواحد”. تذكّروا أنّ نطاق المواساة، في رأيي، واسع جدًا، وعليكم ألاّ تستثنوا أيّ قوم أو فرد منه. (لا ينبغي أن تقتصر مواساتنا على قوم بل يجب أن تكون للجميع دونما استثناء) إنني لا أقول كالجاهلين في هذا العصر بأنَّ عليكم أن تحصروا مواساتكم وتعاطفكم بالمسلمين فحسب، بل أقول: عليكم أن تكونوا متعاطفين مع جميع خلق الله تعالى، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا هندوسًا أو مسلمين أو غيرهم. إنني لا أقبل مطلقًا كلامَ الذين يرغبون في حصر المواساة في أبناء قومهم فقط”.

(يضرب حضرته مثلا لهؤلاء الذين كانوا يتبنون مثل تلك الأفكار، إذ يقولون: “يمكنكم أن تغمسوا يدكم في جرة مليئة بقطر أو عسل ثم أدخلوها في كيس مليء بحبوب السمسم، ثم يمكنكم خداع الآخرين بقدر ما يلتصق باليد من حبوب السمسم. أي أنهم قد اخترعوا مثل هذه الأمثلة لتبرير كذباتهم وخداعاتهم إذ يقولون عليكم بغمس اليد في القطر أو العسل ثم يجب غمسها في حبوب السمسم فلا بد أن تلتصق بها كمية كبيرة من الحبوب وبالتالي يقولون بأنه يجوز لهم خداع الآخرين بقدر ما يلتصق باليد من حبوب السمسم، هذه هي حال الذين شوهوا تعليم الإسلام. ما أعظم منة الله تعالى علينا إذ هُدينا بواسطة المسيح الموعود u إلى الإسلام الحقيقي) يقول حضرته:

“إن مثل هذه الأفكار الفاسدة والسيئة أضرت بالمسلمين أيما إضرار وهي التي جعلتهم كالوحوش والسباع تقريبا. ولكن أنصحكم مرة بعد أخرى ألا تضيقوا دائرة مواساتكم بل اعملوا في سبيل المواساة بالتعليم الذي أعطاه الله تعالى أي: ]إِنَّ اللهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى[، أي كونوا عادلين أولا عند القيام بالحسنة، وأحسنوا إلى من أحسن إليكم.

والدرجة الثانية هي أن تحسنوا إليه أكثر مما أحسن إليكم، وهذا إحسان. ومع أن درجة الإحسان أعلى من العدل وهو حسنة كبيرة، ولكن من الممكن أن يمنّ المحسن بإحسانه في وقت من الأوقات. وفوق هاتين الدرجتين هناك درجة أخرى وهي أن يحسن المرء بحب ذاتي لا تشوبه شائبة المنّ كما تربي الأم ولدها ولا تطمع بذلك في أدنى أجر أو إنعام، بل تتحلى بحماس طبيعي وبسببه تضحي بكل راحتها وسعادتها من أجل ولدها”.

(تخدم الأم ولدها إلى حد التفاني. تحتل هذه الحسنة الدرجة الثالثة وهي القيام بخدمة تكون في مرتبة “إيتاء ذي القربى”، وأكبر مثال على هذه الدرجة هو ما تقوم به الأم لولدها، ولا يمكن أن يتحلى أهل الدنيا بمثل هذه الحسنة، إذ لا يتجاوزون مرتبة الإحسان بل في هذه الدرجة أيضا لا يتورعون من المنّ. إن لم تنفّذ الحكومات الفقيرة خطط هؤلاء وأهدافهم فإنهم يسحبون أيديهم من مشاريع بدأوا فيها من أجل البلاد الفقيرة بل في هذه الحالة يكونون لهم بالمرصاد من أجل القضاء عليهم. والسبب نفسه وراء تعرض بعض البلاد للقصف، تتبع هذه السياسة نفسها بعض البلاد الإسلامية بل بعض البلاد الإسلامية الكبرى أيضا، وللسبب ذاته تتعرض اليمن للدمار اليوم لأنها لم تتبع بشكل كامل دولة إسلامية كبرى، أي المملكة العربية السعودية، ولم تنفذ خططها، لأجل ذلك قالت هذه الدولة الكبيرة: اقضوا على فقراء هذه الدولة وعلى أبريائها من مواطنيهم وأطفالهم ونسائهم وعجائزهم وعلى كل مواطن مسالم لهم. اعلموا أن لقاء الله لا يتسنى لإنسان يحمل مثل هذه الأفكار. لا يمكن أن تعدّ مثل هذه الأعمال سببا لمرضاة الله ولا يمكن الفوز بالله نتيجة لهذه الأعمال. فعلى الأحمديين اليوم أن يعملوا بكل إخلاص وبإنكار الذات، كما ينبغي عليهم أن يكثروا من الدعاء ليكف الله تعالى أيدي هؤلاء الظالمين. يقول حضرته شارحًا هذا الأمر: “فيجب أن تبلغ الحسنة مرتبة طبيعية لأنه عندما يبلغ الشيء في تقدمه مرتبة كماله الطبيعي عندها يصبح كاملا”. يوضح حضرته هذا الأمر ويقول إن مواساة الناس بحماس طبيعي تسمى بإيتاء ذي القربى، وبهذه المناسبة تقتضي مشيئة الله تعالى أنه إذا كنتم تريدون أن تكونوا صالحين كاملين فلا بد أن توصلوا حسناتكم درجة إيتاء ذي القربى أي درجة مواساة الناس بحماس طبيعي، وما لم يبلغ شيء في تقدّمه مرتبة كماله الطبيعي لا يحرز درجة الكمال.

يقول حضرته: “اعلموا أن الله يحب الحسنة كثيرا ويريد أن يُحسَن إلى خلقه، ولو أحبّ السيئة لنصح بها ولكن الله أسمى من ذلك (سبحانه وتعالى شأنه) “.

وفقنا الله تعالى للقيام بالحسنات وأن نحقق أرفع مستوياتها وننال رضى الله تعالى، وأن نؤدي حقوق العباد ونخدم البشرية كما يجب حتى ننال أفراح العيد الحقيقية على الدوام.

والآن سنقوم بالدعاء وينبغي أن نذكر في دعائنا إخوتنا الفقراء والمعوزين المحتاجين، ويجب أن نتذكر أولئك الذين يؤدون حقوق العباد بكل إخلاص وبإنكار الذات، واذكروا في الدعاء جميع الواقفين حياتهم أيضا واذكروا أيضا جميع من يخدمون الجماعة في أي مجال كان. وادعوا لمن يقومون بتضحيات مالية من أجل توسيع نطاق أعمال الجماعة، وادعوا للأمة الإسلامية أن يكف الله تعالى أيدي أبنائها عن إراقة دماء بعضهم البعض إذ إنهم قد قصفوا اليمن في رمضان في الأيام الأخيرة مما أسفر عن تَيَتُّم كثير من الأطفال وترمل عديد من النساء وإعاقة كثير من الناس، كما أزهقت أرواح كثير من النساء والأطفال والعجائز ظلما دونما تمييز. كفّ الله تعالى أيدي هؤلاء الظالمين.

ادعوا للأحمديين في باكستان حيث تُضيّق عليهم الأرض يوميًا، وادعوا للأحمديين في إندونيسيا حيث مورس عليهم الظلم في بعض مناطقها في الأيام الأخيرة، كذلك ادعوا للأحمديين في الجزائر أيضا حيث تُرفع عليهم قضايا من قبل الحكومة وبالتالي يتعرضون للعقوبات. وقى الله تعالى الجميع من شرور هؤلاء الناس، وأن يكون هذا العيد عيدًا حقيقيًا لهؤلاء الأحمديين وأن ينالوا أفراحه الحقيقية، آمين.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز