خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 19/10/2018
في مسجد بيت العافية بفلادلفيا، أمريكا
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين، آمين.
(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة: 18)
نحمد الله ﷻ على أنه وفَّقنا لبناء أول مسجد في هذه المدينة واليوم يتم افتتاحه رسميًا. ومعروف أن افتتاح المباني المادية أو التي تبنى لتحقيق الأهداف المادية يتم بالاحتفال والأفراح ماديا، بحسب التقاليد المادية السائدة في هذه البلاد خاصة، وفي سائر البلاد عموما. ويصدر الإعلان أننا سنجني منها كذا وكذا من الفوائد. أما المسجد فحين نبنيه ونفتتحه نضع في الحسبان ابتغاء مرضاة الله ﷻ، ويجب أن يكون هدفنا الوحيد وغايتنا المتوخاة من بناء بيت الله هذا أن ننال رضوان الله ﷻ. ولنيل رضوان الله ﷻ لا بد من العمل بكل ما أمرَنا به ﷻ. وأول واجب فُرض علينا هو أن نؤدي حق عبادته بأسلوب علَّمَناه. في الآية التي تلوتُها عليكم وسمعتم ترجمتها أيضا قد أُخبرنا عن الهدف الذي يجب أن يضعه بُناة المساجد في الحسبان، أو بتعبير آخر، مَن هم الذين يؤدون حق بناء المساجد. فهم أولئك الذين يُهمهم عمرانُ المساجد، والاعتناء بنظافتها، وهم الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر. من المعلوم أن الجميع يدَّعون بألسنتهم أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر. لكن الله ﷻ يقول أنْ لا بد من إظهار ذلك من خلال العمل أيضا. ولا يتم ذلك إلا بإقامة الصلاة عمليا. هنا يبرز التساؤل عن ماهية إقامة الصلاة وكيفية تحقيق ذلك عمليا، أو كيف يمكن أن نقيم الصلاة؟ فالعمل بإقامة الصلاة يتم أولا بأدائها جماعةً، وبالحفاظ على التركيز والانتباه في الصلاة ثانيا. وهذا ما نجده في هَدْيِ المسيح الموعود ؏ وتفسيره. فالذين يقيمون الصلاة في الحقيقة هم أولئك الذين يداومون على أداء الصلاة جماعة، ويصلون محافظين على الانتباه الكلي إلى الله ﷻ وحده. والذين يدعون الله ويستغفرونه في الصلاة ويحافظون على انتباههم، وإذا اختل تفكيرهم وجَّهوه إلى الله من جديد. ويمكن أن يفحص كل واحد منا نفسه إلى أي مدى يسعى للوصول إلى هذا المعيار لإقامة الصلاة. إن غالبية سكان هذا العالم المادي لا تهتم بأداء الصلاة جماعة أصلا، وإذا جاؤوا إلى المسجد فلا يحافظون على التركيز، الذي هو حق الصلاة، لا في الفرائض ولا في السنن. إذا كانت هذه حالُنا فيمكن أن نقدِّر مستوانا، أنُعدّ من أولئك الذين وصفهم الله بأنهم يعمرون مساجد الله ويؤدون حقها أم لا؟!
ثم قال ﷻ إنهم يؤتون الزكاة، ويضحُّون بأموالهم من أجل الدين، وتحسين أوضاع خلق الله أيضا وتأدية حقوقه. ثم قال الله ﷻ إنهم لا يخشون إلا الله، وإنما يخافون أن يسخط الله عليهم بسبب أي عمل لهم، فيُحرموا من حبه ﷻ. وينجزون أعمالهم بحسب ما وجهنا الله إليه، ويضعون في الحسبان كل حين ما أمر الله به وبيَّنه الله في القرآن الكريم للمسلم الحقيقي. فالمسئولية التي ألقيتْ على المسلم المؤمن ليست هينة بسيطة. وبعد بناء هذا المسجد قد تزايدت مسؤوليات مرتاديه والمنتسبين إليه أكثر بكثير مما سبق. عليكم أن تؤدوا حق الله ﷻ وحق خلقه أيضا، وعندئذ ستعدّون، في نظر الله، من الذين يهتدون، والذين ينظر الله إليهم بحب.
فقد قال الله ﷻ في الآية السابقة أنه لا يحق للمشركين أن يبنوا المساجد أو يعمروها، لأن قلوبهم عامرة بغير الله، فالذي يكون قلبُه عامرا بغير الله لا يستطيع أن يؤدي حق الله ولا حق خلقه. وللشرك أيضا أنواع.
لقد قال سيدنا المسيح الموعود ؏ في موضع: إن للشرك أنواعا، فالشرك الجلي المعروف أن يتخذ المرء إنسانا أو حجرا أو جمادات أو القوى أو المعبودات الخيالية إلها. وصحيح أن هذا الشرك أيضا موجود في العالم في الظاهر، لكن العقول في عصر الاستنارة والعلم هذا بدأت تكره هذا النوع من الشرك. أي صحيح أن هذا الشرك موجود في العالم إلا أن التعليم قد جعل الإنسان يدرك أن هذه الأصنام من الحجر لا تقْدر على نفعه شيئا، الأمر الذي لا يقبله عقلُه أصلا.
ولكن قال ؏ هناك نوع آخر للشرك الذي يؤثر خفيةً مثل السمّ، وهو يتزايد كثيرا في هذا الزمن، وهو عدم التوكل على الله تعالى وعدم الثقة به ﷻ. وقد شرح ؏ ذلك بأن المرء يتوكل على أشياء أخرى أكثر من توكله على الله، ويهتم أكثر بوظيفته وتجارته وأشغاله الدنيوية، لذا لا يتوجه إلى الصلوات وعمرانِ المساجد. فعلينا أن ندعو الله تعالى ونسأله بكل تواضع أن يا رب اجعلني مؤمنا كاملا، لأن ذلك أيضا منوط بفضل الله تعالى ولا يمكن للمرء أن يصبح مؤمنا كاملا إلا بدعائه إياه ﷻ. فلا ينبغي أن نفرح بأننا بنينا مسجدا جميلا في مدينة فلادلفيا، بل حين نأتي إلى حضرة الله تعالى مؤدِّين حق المسجد نسمع أن هؤلاء الناس هم الذين بنوا مساجد لله تعالى وسعوا لأداء حقها. فمِثل هؤلاء يُعَدُّون من المهتدين وممن رضي الله عنهم. لذا ينبغي أن نسعى لإيجاد هذا التفكير لدينا، وإذا كان هذا تفكيرنا وسعينا فسنشعر ببركات هذا المسجد وأفضاله في هذه الدنيا، وسيتعلق أولادنا وأجيالنا القادمة أيضا بالدين، وسنتمكن من نشر رسالة الله تعالى في هذه المنطقة وهذه المدينة، وسنُقيم وحدانية الله في العالم، وسنرفع راية محمد رسول الله ﷺ فيه.
بين المسيح الموعود ؏ أحد أهداف بناء المساجد، وهو أنكم لو تريدون نشر تعليم الإسلام الحقيقي وتبليغ دعوته في منطقة ما فعليكم أن تبنوا فيها مسجدا، وقال ؏ أيضا: إن جماعتنا تحتاج إلى مساجد كثيرة في هذا الوقت، والمسجد يكون بيت الله، فاعلموا أن القرية أو المدينة التي بُني فيها مسجد الجماعة وُضع فيها أساس رقي الجماعة، وإذا كان عدد المسلمين في قرية أو مدينة ما قليلا، أو لم يكن فيها مسلمون قط، وأردتم ازدهار الإسلام فيها فعليكم أن تبنوا فيها مسجدا، وسيجذب الله تعالى بنفسه مسلمين، ولكن يُشترط أن يُبنى المسجد بِنِيَّةٍ خالصة أيْ يجب أن يكون بناء المسجد بإخلاص وليس رياءً. قال ؏: ويكون لوجه الله فقط، أي يكون عمران المسجد لوجه الله فقط، فلا يكون فيه أي دخل لأهواء النفس أو لأي شر أبدا، حينها سيباركه الله تعالى. ينبغي أن نضع أمام أعيننا دوما أننا نبني المسجد ونقدم لذلك تضحيات مالية أيضا فلا ينبغي أن يكون في ذلك رياء بل يجب أن تكون نيّتُنا أننا بعد بناء المسجد سنؤدي حق العبادة وستكون أجيالنا القادمة مصونة ومرتبطة بالدين. باختصار، هناك مسؤولية أخرى على عاتق الأحمديين المحليين مع بناء هذا المسجد وعمرانه وهي أن يجعلوه وسيلة تبليغ الإسلام. يقال إن في هذه المدينة 47 مسجدا ومركزا للصلاة للمسلمين ولكن المسجد الأول الذي بُني رسميا هو هذا المسجد، ولما بُني هذا البناء في صورة المسجد في هذه المدينة فلا يُقصد من ذلك إخبار الناس بأن مسجد المسلمين يكون بهذا الشكل بل هو لإظهار تعليم الإسلام الجميل والآمن على العالم بشكله الصحيح. إننا نبلّغ رسالة الإسلام الحقيقية بالدعوات والعبادات والآن سننشرها بقوة أكثر من خلال أسوتنا العملية. وبإراءتنا نموذجنا العملي لتعليم الإسلام في هذه المنطقة سنزيد عدد المسلمين الأحمديين أيضا، ولقد أُخبرتُ أن الأحمديين يسكنون على بعد مسافات طويلة من هنا ماعدا بيتَين. كنتُ أتحدث مع أمير الجماعة فأخبرني أن قطعة الأرض التي بُنِيَ المسجد على جزء منها كبيرة ويمكن الحصول على ترخيص لبناء البيوت هنا، فلو بنينا هنا شققا أو منازل، أو سمحنا للأحمديين أن يبنوا فيها البيوت، فيمكن أن يزداد عدد السكان قرب المسجد. أرى أن هذا المقترح جميل ولا بد من التفكير فيه، فإن كان العمل عليه ممكنا فيجب السعي لعمران الأحمديين هنا، وحين يكون السكان الأحمديون هنا ويأتون هنا بنية عمران المسجد ولتبليغ رسالة الإسلام الجميلة فسوف يبارك الله تعالى في هذه النية، وهذا سوف يتسبب في ازدياد عدد الأحمديين أيضا.
يخبرنا تأريخنا أن في 1920م حين جاء المفتي محمد صادق داعيةً في أمريكا نزل في ميناء فلادلفيا ولكن لم يُسمح له بدخول البلد وحُبِسَ في منـزل كان فيه مُحتَجَزون آخرون أيضا.
وبدعوته أسلم خمسةَ عشرَ مُحتجَزًا خلال شهرين. علما أنه إلى جانب الدعوة كانت قدوته الحسنة وتقواه وأدعيته. فهذه الأمور ضرورية جدًّا إلى جانب الدعوة. يقال إنه قد انضم إلى الأحمدية ما بين خمسة إلى ستة آلاف شخص هنا خلال إقامته وكان حضرة المصلح الموعود ؓ قال في حينها إنه إذا استمر الناس يبايعون بهذه السرعة، فيمكن أن يبلغ عدد المبايعين مئات الآلاف خلال بضعة عقود. على أية حال هذا الهدف لم يتحقق لأسباب وظروف لا نعرفها، أو ربما هو تقصير منا، إلا أنه قد سنحت لنا الآن فرصة السعي لذلك بالعزيمة. بل الحق أن الدعوة قد وصلت إلى هنا في زمن المسيح الموعود ؏. فقد تحدَّث المسيح الموعود ؏ عن ذلك في كتابه البراهين الأحمدية حيث قال: كذلك هناك يوجد العديد من الغربيين في هذه البلاد الذين يُثنون على هذه الجماعة ويعبرون عن موافقتهم لها ويمدحونها جدا، ويقولون إننا نصدِّق هذا التعليم تماما. فإن الدكتور بيكر الذي اسمه “ايه جورج بيكر” أو “بيغر” المقيم في رقم 404 شارع سسكي هانا بفلادلفيا أميركا، قد كتب بعد أن قرأ اسمي وذكري في مجلة ريفيو آف ريليجنـز في رسالة موجَّهة إلى صاحب المقال المنشور في المجلة: إنني أتفق كلية مع أفكار إمامكم، لقد قدم الإسلام تماما بالصورة التي قدَّمه بها حضرة النبي محمد ﷺ.
ثم إن حضرة مفتي محمد صادق أيضا كتب في تقرير له: لقد نلتُ أنا العبد المتواضع كاتبُ هذه الرسالة، نجاجاتٍ عديدة في هذه الأيام القليلة التي قضيتها هنا بعد دخول البلاد الأمريكية رغم مواجهة مشاكل وعراقيل شديدة من قبل المسيحيين المتعصبين والحمد لله على ذلك.
ثم كتب: في هذا الوقت قد دخل في الدين المتين 29 من السادة والسيدات مؤخرا نتيجة دعوة هذا العبد المتواضع، وأذكرهم هنا مع أسمائهم الجديدة الإسلامية. ثم ذكر تفصيلهم وكتب: المذكوران الأول والثاني وهما الدكتور جورج بيكر وسيد أحمد اندرسن كلاهما كانا يراسلانني منذ فترة، وقد أسلما منذ مدة وهما مسلمان مخلصان وأرى من الضروري أن يسجل اسماهما في رأس هذه القائمة.
ثم كما قلت قد ذكر حضرة مفتي أسماء أناس آخرين. وكان هذا في مدينة فلادلفيا هذه. وقد بلغني أنه قد وجدوا بعد البحث قبر الدكتور بيكر أيضا حيث توفي عام 1918 ودُفن هنا. إذن فقد جاءت الأحمدية إلى هنا في ذلك الوقت، أي قبل حوالي قرن وربع. وكما قلت، فإن الله تعالى قد وفَّقنا الآن لبناء مسجد جميل في هذه المدينة. ومن واجب أبناء الجماعة والداعية هنا وضع خطة للدعوة بعزيمة جديدة تساعد على نشر تعاليم الإسلام الجميلة وهذه الرسالة في كل جانب لتصبح هذه المنطقة من حيث الأمن والجمال منطقة تجذب الناس لكي يسعوا ويرغبوا في الإقامة فيها. هذه المدينة هي سادس أكثر مدينة أميركية سكانا، إذا نشرنا رسالة الإسلام الصحيحة في هذه المدينة والمناطق المجاورة لها فسوف يولد بين هؤلاء القوم إن شاء الله قوم يعبدون الله حقا ويعمرون المساجد ويخشون الله ويكونون من المهتدين. وكل مسجد نبنيه يشكل لنا تحدِّيا لكي نصلح حالتنا العملية. حيث نوثق صلتنا بالله ونقدم قدوتنا الحسنة ونحسِّن أوضاعنا، ونفتح مجالات جديدة للدعوة. فلا تفرحوا مطمئنين بأننا قد بنينا مسجدا. لقد آمنّا بالخادم الصادق لرسول الله ﷺ في هذا العصر، والذي كان مهمته أن يحيي الإسلام من جديد، وينفخ فيه حياة جديدة، ويزيل من عقول العالم كلَّ سوء فهم إزاء الإسلام سواء أكان قد تولد على أيدي غير المسلمين أو نتيجة التفاسير الخاطئة من قبل العلماء المزعومين. وهذا الواجب قد وقع الآن علينا نحن المؤمنين بالمسيح الموعود ؏. فمن واجبنا أن نبذل كل جهودنا وكفاءاتنا لإصلاح أحوالنا، وأن نرفع عباداتنا إلى مستويات تصبح مقبوله عند الله تعالى. كما نبَّهنا إليها حضرةُ المسيح الموعود ؏ مرة بعد أخرى.
كانت كلفة بناء هذا المسجد كما أخبرت قد بلغتْ حتى الآن ثمانية ملايين ومائة ألف دولار، وقد دفعت الجماعة ثُلثَها، وسوف أذكر بقية التفصيل لاحقا. وقد دفعت الجماعة المركزية هنا جزءا منها. ولكن لا فائدة من إنفاق الثمانية ملايين والمائة ألف دولار هذه إلا إذا حققنا هدف بناء هذا المسجد. إذا كان الإخوة لا يقيمون قريبا من هذا المسجد حاليا فعلى الذين يقيمون في هذه المدينة أن يسعوا لعمران هذا المسجد بحضورهم خمس مرات، وإن كان بيوتهم بعيدة.
قال المسيح الموعود ؏ ذات مرة أن زينة المساجد ليست بالمباني بل بالمصلين الذين يصلّون بالإخلاص، وإلا فتجد المساجد كلها خربة، كما كانت خربة في ذلك الزمن. والتي هي عامرة اليوم فقد جعلتها هتافات باطلة للمشايخ المزعومين المعاصرين مكانا للفساد بدلا من الأمن والسلام. يقول المسيح الموعود ؏: إن مسجد النبي ﷺ كان صغيرا وكان سقفه من سعف النخل وكان يقطر منه الماء عند نزول المطر. (ولكن كم من أمور عظيمة تمت فيه) وإنما زينة المساجد بمصلّيها. ثم قال ؏: الأصل في المساجد هو أن تُبنى بالتقوى. فلو عمّرنا المساجد مصلّين بالإخلاص سالكين مسالك التقوى، عندها ستُقبل عباداتنا وعندها يمكن تبليغ دعوة الإسلام إلى غير المسلمين بصورة صحيحة.
وقال رَسُولِ اللهِ ﷺ: مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَنَا هَذَا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ لِيُعَلِّمَهُ كَانَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ.
إذًا، هذا هو الهدف الحقيقي للمؤمن.
في هذه الأيام يساءُ إلى سمعة الإسلام ويقال بأنه يعلِّم الجهاد العدواني، وهناك بعض المسلمين أيضا مشتركين في هذه الإساءة. ولكن يجب على المؤمن الحقيقي أن يتعلّم الحسنات والخيرات، ويعمل بها ويعلّمها الآخرين، وإذا فعل ذلك كان مجاهدا في سبيل الله. وهذا الجهاد واجب اليوم على الأحمديين. لقد نصحنا المسيح الموعود ؏ مرارا وتكرارا بكسب الحسنات وسلوك مسالك التقوى، فقد قال ذات مرة:
“اسمعوا هذه الوصية جيدا، إن الذين ينشئون علاقات الْمُريدية والإخلاص معي بالانضمام إلى جماعتي فإنما الهدف من ذلك أن يرتقوا إلى أعلى مدارج السلوك الحسن والسعادة والتقوى، ولكي لا يقترب منهم أي نوع من الفساد والشر وسوء السلوك، ولكي يتمسكوا بالصلوات الخمس، ولا يكذبوا ولا يؤذوا أحدا باللسان ولا يرتكبوا أي نوع من السيئة، ولا يدَعوا أي شر وظلم وفساد وفتنة يخطر ببالهم.
باختصار ينبغي أن يجتنبوا كل نوع من المعاصي والجرائم والمنكرات والأفعال والأقوال المنهي عنها، والثوائر النفسانية والتصرفات الباطلة، ويكونوا عباد الله طيبي القلوب وعديمي الشر ومتواضعين، ولا تبقى في وجودهم أية مادة سامة…
يجب أن يكون التعاطف مع الجنس البشري هدفهم الأول، وأن يتّقوا الله ﷻ ويخشوه. يجب أن يحفظوا ألْسِنَتَهم وأيديهم وأفكارهم من كلّ نوع من الرجس وطرق الفساد والخيانة، ويقيموا الصلوات الخمس يوميًا بالتزام، ويجب أن يجتنبوا الظلم، والاعتداء، والرشوة وغصب أموال الآخرين وهضم حقوقهم، والتحيّزَ والمحاباة”.
أقول: التحيز بغير وجه حق وغصب حقوق الآخرين خطأ كبير، ولا بد من الانتباه إلى هذا الأمر، وأخص الشباب بالذكر، ففي هذه الزمن هناك وسائل كثيرة للاشتراك في الصحبة السيئة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي وما شابهها حيث يتم الخوض بواسطتها في أحاديث سيئة، فكل هذه الأمور إنما هي صحبة سيئة ويجب على الجميع اجتنابها.
هناك أناس كثيرون جاؤوا إلى هنا من باكستان لاجئين، فعليهم أن ينتبهوا إلى هذا الموضوع جيدا. يجب على الأحمديين ألا يضعوا أمام أعينهم أفراحا ورغبات دنيوية فقط بل يجب أن يفكروا في العالم الآخر، لأن إنعاماته ومنافعه دائمة. يقول المسيح الموعود ؏: “إن الله ﷻ يُعدّ الحساب اليومي لأعمال الإنسان، وعلى الإنسان أيضًا أن يحاسب نفسه، (أي يجب أن يرى ماذا فعل في يومه، هل كسب الحسنات؟ أم اكتسب السيئات؟) ويتدبر فيها إلى أي مدى تقدَّم في الحسنات. (التدبر في الأعمال فقط يمكن أن يقود المرء إلى كسب الحسنات) فيجب ألا يستوي يوم الإنسان وأمسُه، فمن استوى يومُه وأمسُه من ناحية التقدم في الحسنات فقد خسر. إذا كان الإنسان مؤمنًا بالله إيمانا كاملا فلا يضاع أبدًا”.
أقول: يجب أن نفكر في هذا الموضوع جيدا، فما دام الله تعالى يُنعم علينا فإن شكره ﷻ واجب. فالذين نسوا حقوق الله تعالى وعباداتهم بسبب مشاغلهم الدنيوية أو هم غير منتبهين إلى العبادة كما يجب، فعليهم أن يفحصوا أنفسهم، وينتبهوا إلى ما هو عهد بيعتهم وما هي أعمالهم. والذين جاؤوا إلى هنا حديثا يجب أن يتذكروا أن الاستغراق في الدنيا ليس تقدما بل هو دمار، وعليهم أن يجعلوا نصب أعينهم أن يقدموا الدين على الدنيا، ويؤدوا حق المساجد وحق عبادة الله تعالى.
أقدم مقتبسًا آخر من كلام المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام، حيث يقول: “اعلموا يقينا أنه ليس الهدف من جماعتنا أن يعيشوا كالناس الماديين العاديين، ويقولوا باللسان فقط إننا ننتمي إلى هذه الجماعة، ولا يروا حاجة إلى العمل كما هي حال المسلمين لسوء الحظ، حيث إذا سألتموهم: هل أنتم مسلمون؟ قالوا: الحمد لله، والشكر لله، ولكن لا يصلون ولا يحترمون شعائر الله. ولكنني لا أريد منكم أن تقرّوا باللسان فقط دون أن تعملوا شيئا. هذه الحال متردية ولا يحبها الله. والحق أن حال الدنيا هذه قد اقتضت أن يقيمني الله تعالى لإصلاحها، فإذا كان أحد لا يُصلح نفسه الآن بعد الارتباط بي ولا يطوّر قواه العملية، بل يحسب الإقرار باللسان وحده كافيا، فكأنه يؤكّد بعمله على عدم الحاجة إلى بعثتي. (وتطوير القوى العملية هو أداء حقوق الله وحقوق العبادات وحقوق مخلوق الله تعالى، كما تقدم، وهو تبليغ رسالة الله تعالى في العالم كله. يقول حضرته:)
فإن كنتم تريدون أن تُثبتوا بعملكم أن مجيئي كان عديم الجدوى فما معنى إقامة العلاقة معي إذن؟! إن كنتم تريدون أن تُنشئوا علاقتكم معي فحققوا أهدافي ومقاصدي، ألا وهي أن تُثبتوا إخلاصكم ووفاءكم في حضرة الله، واعملوا بتعليم القرآن الكريم كما عمل رسول الله ﷺ والصحابة رضي الله عنهم. تحرَّوا مشيئة القرآن الحقيقية واعملوا بحسبها. لا يكفي عند الله أن تقرّوا باللسان دون أن يرافقه عمل يفيض بالنور والحماس. اعلموا يقينا أن الجماعة التي يريد الله إقامتها لا يمكن أن تعيش بدون العمل. (أي لا حياة للجماعة بدون العمل) إنها الجماعة العظيمة التي بدأ إعدادها منذ زمن آدم ؏، ولم يأت نبي إلا وقد أخبر عن هذه الدعوة، فاقدروها قدرها. والمراد من قدرها أن تُثبتوا بعملكم أنكم أنتم حزب أهل الحق”.
فهذه المهمة ليست بالسهلة وهي بحاجة إلى الاهتمام بها بكل تركيز. ينبغي أن نتذكر أن الدنيا وثرواتها لا تشكل ضمانًا لبقاء ذرياتنا ونسلنا، إنما السعي لإقامة العلاقة مع الله تعالى من أجل نيل أفضال الله تعالى ورحمته في الدارين سيكفل بقاءنا، وإن العمل بأوامره تعالى هو الذي يضمن بقاءنا. وفّق الله تعالى الجميع للعيش بحسب هذه النصائح، آمين.
كما اعتدتُ لدى افتتاح أي مسجد أن أذكر بعض تفاصيله أيضا فأقدم بعض الأمور المتعلقة بهذا المسجد أيضا. لقد اُشتُرِيت أرض هذا المسجد في 2007، وبدأ العمل عليها بعد ست سنوات في عام 2013، ثم كانت هناك بعض العقبات، وبغض النظر عن كونها حقيقية أم غير حقيقية، قد أدت إلى التأخير بحيث اكتمل بناؤه في هذه السنة. وكما أخبرت قبل قليل أن مجموع كلفتها هي 8.1 ملايين دولار، أدّت منها الجماعة المحلية في فلادلفيا أزيد من 2435000 دولار، في حين دفعت فروع الجماعة في أمريكا أزيد من 1240000 دولار، وساهم المركز الوطني بأكثر من 4470000 دولار، أي أكثر من نصف التكلفة قد تمّ أداؤها من قبل المركز الوطني.
لقد اُشتُرِي أولا فدانان من الأرض ثم اُشتُرِي فدان آخر، وبعد ذلك في عام 2015 قد تبرَّع أحد غير المسلمين، لعله مسيحي، بقطعة أرضية مساحتها ثلاثة أرباع فدانٍ، وكانت أرضه هذه متاخمة لأرض المسجد، كان هدفه دنيويا، إلا أنه تبرّع بهذه الأرض للجماعة. والآن صارت مساحة أرض المسجد كلها 4 فدادين. وكما ذكرت سابقًا، يمكن هنا إنشاء مشروع سكني أو شقق وغيرها.
تقدَّر مساحة الجزء المسقوف من هذا المبنى بـ 21400 قدم مربع، هناك بناية ذات 3 طوابق، والقبو يشتمل على مطبخ صناعي. أنشِئت شقة للداعية في الطابق الثاني، والطابق الثالث يضم المكاتب والمكتبة. أما البناية الثانية التي أنشئ بها المسجد فهي أيضا ذات طابقين، فهناك قاعة كبيرة للرجال والنساء ومساحتها 5000 قدم مربع قُسمت قِسمين، حيث يمكن أن يصلي ما يقارب 350 رجلا و350 امرأة. وهذا الجزء من البناية يضم مراحيض للرجال والنساء كلا على حِدة، بالإضافة إلى بعض الأمور الضرورية الأخرى. كما أن هناك قاعة كبيرة للمناسبات المختلفة على مساحة 6000 قدم مربع، ويمكن أن تكون صالحة لجلوس 700 شخصا، ويمكن أن تصلح لبعض الألعاب أيضا، كما أن هناك بعض المكاتب للجماعة أيضا.
لقد أنشئ مِرآبٌ مسقوف بالصلب لإيقاف 86 سيارة وأكثر.
ندعو الله تعالى لكل أحمدي أن يحقق الهدف من إنشاء المسجد كما بين الله تعالى وقدّمتُه أمامكم، وأن يكون هذا المسجد معلمًا بارزًا لإيصال رسالة الإسلام الحقيقي إلى هذه المنطقة. آمين.