خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 18/6/2021م

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.

يستمر ذكر عمر t في هذه الأيام. لَمَّا حان وقت وفاة أبي بكر، دَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ. فَقَالَ عبد الرحمن: إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ رَأْيِكَ يا خليفة الرسول r، إِلَّا أَنَّهُ فِيهِ غِلْظَةٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَرَانِي رَقِيقًا، وَلَوْ أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ لَتَرَكَ كَثِيرًا مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَمَقْتُهُ فَكُنْتُ إِذَا غَضِبْتُ عَلَى رَجُلٍ أَرَانِي الرِّضَاءَ عَنْهُ، وَإِذَا لِنْتُ لَهُ أَرَانِي الشِّدَّةَ عَلَيْهِ. وَدَعَا أبو بكر عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ عُمَرَ. فَقَالَ: سَرِيرَتُهُ خَيْرٌ مِنْ عَلَانِيَتِهِ، وَلَيْسَ فِينَا مِثْلُهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَهُمَا: لَا تَذْكُرَا مِمَّا قُلْتُ لَكُمَا شَيْئًا، وَلَوْ تَرَكْتُهُ مَا عَدَوْتُ عُثْمَانَ (يعني كان يراهما يحققان متطلبات مقام الخلافة) وَالْخِيرَةُ لَهُ أَنْ لَا يَلِيَ مِنْ أُمُورِكُمْ شَيْئًا، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مِنْ أُمُورِكُمْ خِلْوًا، وَكُنْتُ فِيمَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِكُمْ.

وَدَخَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أيام مرضه فَقَالَ: اسْتَخْلَفْتَ عَلَى النَّاسِ عُمَرَ وَقَدْ رَأَيْتَ مَا يَلْقَى النَّاسُ مِنْهُ وَأَنْتَ مَعَهُ، وَكَيْفَ بِهِ إِذَا خَلَا بِهِمْ وَأَنْتَ لَاقٍ رَبَّكَ فَسَائِلُكَ عَنْ رَعِيَّتِكَ! فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَجْلِسُونِي، فَأَجْلَسُوهُ، فَقَالَ: أَبِاللَّهِ تُخَوِّفُنِي! إِذَا لَقِيتُ رَبِّي فَسَأَلَنِي قُلْتُ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَى أَهْلِكَ خَيْرَ أَهْلِكَ.

ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَحْضَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ خَالِيًا لِيَكْتُبَ عَهْدَ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا بَعْدُ … – ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ – فَكَتَبَ عُثْمَانُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَلَمْ آلُكُمْ خَيْرًا. ثُمَّ أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ. فَقَرَأَ عَلَيْهِ، فَكَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: أَرَاكَ خِفْتَ أَنْ يَخْتَلِفَ النَّاسُ إِنْ مُتُّ فِي غَشْيَتِي. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا عَنِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ. أي لم يعترض أبو بكر على ما كتبه عثمان عن خلافة عمر.

ورد في تاريخ الطبري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: دَعَا أَبُو بَكْرٍ عُثْمَانَ خَالِيًا، فقال: اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا بَعْدُ قَالَ: ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثم كما ذكر سابقًا أفاق أبو بكر وتكلم بالكلام نفسه الذي تقدّم، ثُمَّ أَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ، فَكَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ كما ذُكر، ثم قَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا عَنِ الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ على كتابة هذه الجملة، وَأَقَرَّهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عَنْهُ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ ولم يغير فيها شيئًا.

وفي رواية أن أبا بكر أَرْسَلَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلٍ يكون خليفة، وَوَاللَّهِ إِنَّكَ عِنْدِي لَهَا لَأَهْلٌ وَمَوْضِعٌ فَقَالَ: عُمَرُ، فَقَالَ: اكْتُبْ، فَكَتَبَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الِاسْمِ فَغُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: اكْتُبْ عُمَرَ

وفي رواية أخرى عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ عُثْمَانُ يَكْتُبُ وَصِيَّةَ أَبِي بَكْرٍ فَأُغْمِيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَجَعَلَ عُثْمَانُ يَكْتُبُ فَكَتَبَ عُمَرَ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: مَا كَتَبْتَ؟ قَالَ: كَتَبْتُ عُمَرَ قَالَ: كَتَبْتَ الَّذِي أَرَدْتُ أَنْ آمُرَكَ بِهِ، وَلَوْ كَتَبْتَ نَفْسَكَ لَكُنْتَ لَهَا أَهْلًا.

وفي رواية لما استقر بأبي بكر الوجع أرسل إلى علي وعثمان ورجال من المهاجرين والأنصار فقال: قد حضر ما ترون، ولا من قائم يأمركم، فإن شئتم اخترتم لأنفسكم وإن شئتم اخترت لكم، قالوا: بل اختر لنا، فقال لعثمان: اكتب؛ هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها وأول عهده بالآخرة داخلًا فيها حيث يتوب الفاجر ويؤمن الكافر ويصدق الكاذب؛ عهد وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وقد استخلف -ثم رهقته غشية- فكتب عثمان: عمر بن الخطاب، فلما أفاق قال: أكتبت شيئًا؟ قال: نعم كتبت عمر بن الخطاب فقال: رحمك الله أما أنك لو كتبت لنفسك لكنت لها أهلًا، فاكتب: قد استخلفت عمر بن الخطاب بعدي ورضيته لكم.

فَلَمَّا كُتِبَ الْعَهْدُ أَمَرَ بِهِ أبو بكر أَنْ يُقْرَأَ عَلَى النَّاسِ، فَجَمَعَهُمْ عثمان وَأَرْسَلَ الْكِتَابَ مَعَ مَوْلًى لَهُ وَمَعَهُ عُمَرُ، فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّاسِ: أَنْصِتُوا وَاسْمَعُوا لِخَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ r فَإِنَّهُ لَمْ يَأْلُكُمْ نُصْحًا. فَسَكَنَ النَّاسُ، فَلَمَّا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْكِتَابُ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: أَتَرْضُونَ بِمَنِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ؟ فَإِنِّي مَا اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ ذَا قَرَابَةٍ، وَإِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ عُمَرَ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَلَوْتُ مِنْ جُهْدِ الرَّأْيِ. فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. ثُمَّ أَحْضَرَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدِ اسْتَخْلَفْتُكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ r وَأَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُمَرُ، إِنَّ لِلَّهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ فِي النَّهَارِ، وَحَقًّا فِي النَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ، أَلَمْ تَرَ يَا عُمَرُ أَنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْحَقَّ وَثِقْلِهِ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ غَدًا إِلَّا حَقٌّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا. أَلَمْ تَرَ يَا عُمَرُ أَنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ غَدًا إِلَّا بَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا. أَلَمْ تَرَ يَا عُمَرُ أَنَّمَا نَزَلَتْ آيَةُ الرَّخَاءِ مَعَ آيَةِ الشِّدَّةِ، وَآيَةُ الشِّدَّةِ مَعَ آيَةِ الرَّخَاءِ؛ لِيَكُونَ الْمُؤْمِنُ رَاغِبًا رَاهِبًا، (أي يرغب في الحسنات من ناحية ويرهب من خشية الله من ناحية أخرى) ولَا يَرْغَبُ رَغْبَةً يَتَمَنَّى فِيهَا عَلَى اللَّهِ مَا لَيْسَ لَهُ، وَلَا يَرْهَبُ رَهْبَةً يَلْقَى فِيهَا بِيَدَيْهِ. أَوَلَمْ تَرَ يَا عُمَرُ أَنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ أَهْلَ النَّارِ بِأَسْوَأِ أَعْمَالِهِمْ، فَإِذَا ذَكَرْتهُمْ قُلْت: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا أَكُونَ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُجَاوِزُ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ سَيِّئٍ، فَإِذَا ذَكَرْتهُمْ قُلْت: أَيْنَ عَمَلِي مِنْ أَعْمَالِهِمْ؟ أي ينبغي أن تستفي قلبك. فَلَمَّا حَضَرَتْ الوَفَاةُ أبا بكر t قَالَ: رُدُّوا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنِّي لا أُصِيبُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا. وَإِنَّ أَرْضِيَ الَّتِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا أَصَبْتُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَدُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ وَلَقُوحٌ وَعَبْدٌ صَيْقَلٌ وَقَطِيفَةٌ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمٍ فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ.

قال سيدنا الخليفة الأول للمسيح الموعود u: سأل أحدُهم سيدَنا عمر t لم تبق فيك الحدة التي كانت فيك في الجاهلية فقال، الحدة هي هي إلا أنها الآن تظهر ضد الكفار.

يقول سيدنا المصلح الموعود t إن الناس قالوا لسيدنا أبي بكر t إذا خلَّفت عمر بعدك فستكون كارثة لأنه شديد الغضب، فقال إن غضبه يثور ما دمت باقيا وعندما لن أبقى فسوف يلين تلقائيا.

قال سيدنا المسيح الموعود u عن سيدنا عمر t أنه قد ورد عن غضب عمر t أن شخصا سأله قائلا: كنت في الجاهلية شديد الغضب. فقال له الغضب نفسه موجود إلا أنه كان يظهر في الماضي في غير محله والآن يظهر في محله.

عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ ذِي قَرَابَةٍ لَهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّنِي. اللَّهُمَّ إِنِّي غَلِيظٌ فَلَيِّنِّي. اللَّهُمَّ إِنِّي بَخِيلٌ فَسَخِّنِي.

عن أول خطاب ألقاه سيدنا عمر بعد أن استُخلف، وردت روايات مختلفة، ومنها:

حُمَيْدُ بْن هِلالٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْ شَهِدَ وَفَاةَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَلَمَّا فَرَغَ عُمَرُ مِنْ دَفْنِهِ نَفْضَ يَدَهُ عَنْ تُرَابِ قَبْرِهِ ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا مَكَانَهُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ ابْتَلاكُمْ بِي وَابْتَلانِي بِكُمْ وَأَبْقَانِي فيكم بعد صاحبَيَّ. فوالله لا يَحْضُرُنِي شَيْءٌ مِنْ أَمْرِكُمْ فَيَلِيَهُ أَحَدٌ دوني ولا يتغيب عني فآلو فيه عن الجزء والأمانة. أي سوف أعيِّن أناسا يراقبونكم وينظرون في القضايا، ولئن أحسنوا لأحسننَّ إليهم ولئن أساءوا لأنكلنَّ بهم.

عَنِ الْحَسَنِ قَالَ فِيمَا نَظُنُّ أَنَّ أَوَّلَ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عُمَرُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَقَدِ ابْتُلِيتُ بِكُمْ وَابْتُلِيتُمْ بِي وَخَلَفْتُ فِيكُمْ بَعْدَ صَاحِبِي. فَمَنْ كَانَ بِحَضْرَتِنَا بَاشَرْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا وَمَهْمَا غَابَ عَنَّا وَلَّيْنَا أَهْلَ الْقُوَّةِ وَالأَمَانَةِ. فَمَنْ يحسن نزده حسنا ومن يُسِئ نُعَاقِبْهُ وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ.

عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ كَلامٍ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ حِينَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي شَدِيدٌ فَلَيِّنِّي وَإِنِّي ضعيف فقوتي وَإِنِّي بَخِيلٌ فَسَخِّنِي.

عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: إِنِّي قَائِلٌ كَلِمَاتٍ فَأَمِّنُوا عَلَيْهِنَّ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْطِقٍ نَطَقَ بِهِ حِينَ اسْتُخْلِفَ.

عَنْ حُصَيْنٍ الْمُرِّيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: إِنَّمَا مَثَلُ الْعَرَبِ مِثْلُ جَمَلٍ أَنِفٍ اتَّبَعَ قَائِدَهُ، فَلْيَنْظُرْ قَائِدُهُ حَيْثُ يقود، وأما أنا فو رب الْكَعْبَةِ لأَحْمِلَنَّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ الصحيح.

في الرواية الأولى حيث ذُكر التأمين لم ترد التفاصيل، وربما هذا تفصيله.

حين بلغ سيدَنا عمر t بعد يومين من استخلافه أن الناس يخافونه أمر مناديه فنادى الصلاة جامعة، فلما حضر الناس صعد سيدنا عمر t المنبر وجلس حيث كان سيدنا أبو بكر يضع قدميه، ثم قام وبعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي r ألقى خطابا مفصلا قال فيه قد بلغني أن الناس يخافون حدة طبعي وغلظتي ويقولون إن عمر كان يغلظ علينا يوم كان النبي r موجودا فينا، وظل يقسو علينا يوم لم يكن حاكما، بل كان أبو بكر t يحكمنا، والآن كيف سيعاملنا حين جاء الحكم عنده وتولى أمرنا كله. فمن قال ذلك فقد صدق إذ لا شك أني كنت مع النبي r بصفتي عبدا وخادما له، ولا أحد يستطيع أن يبلغ رأفته وحلمه، فقد نعته الله I بهما وأعطاه اثنين من أسمائه أي الرؤوف والرحيم، وكنت سيفا مسلولا معه إذا أراد أغمدني أو تركني أقطع الناس، حتى توفي رسول الله r وكان راضيا عني، وأشكر الله على أنني سعيد من هذه الناحية. ثم تولى أبو بكر أمر الناس فكان إنسانا لا ينكر أحدكم رقة قلبه وكرمه وحلمه، وكنت خادمه ومساعده، وكنت أخلط غلظتي مع حلمه، وكنت في يده سيفا مسلولا إذا أراد جعلني مغمدا أو تركني أقطع الناس، فبقيت معه في هذا الحال حتى توفاه الله I وكان راضيا عني. وأشكر الله على أنني سعيد من هذه الناحية.

ثم إني قد وُلّيت أموركم أيها الناس، فاعلموا أن تلك الشدة قد أُضعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، (أي قد ضعفتْ عليكم وستظهر على الأعداء)، أما الصلحاء والمتدينون وأصحاب الفضل فسأكون أرأف بهم أكثر من تراحُمهم. ولست أدَع أحدًا يظلم أحدًا أو يتعدى عليه حتى أضع خدّه على الأرض، وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن للحق. أي سأشدّ عليهم كثيرا. ولكم عليّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها؛ لكم علي أن لا أجتبي شيئًا من خراجكم، ولا مما أفاء الله عليكم إلا في وجهه، ولكم عليّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه، ولكم عليّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم، ولكم عليّ ألا ألقيكم في المهالك، وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

قال المصلح الموعود t وهو يذكر عهد خلافة عمر t: إنّ آية ]أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا[  كانت نصب أعين المسلمين، أي سلّموا هذه الأمانة إلى من يستأهل إدارة شؤون الحكومة. ثمّ كان المسلمون عندما يتسلّمون هذه الأمانة كان أمر الشريعة بأداء الأمانة وإقامةِ العدل في الحكومة مطمح أنظارهم دائما، وكانوا يرون أنّهم إذا لم يراعوا العدل والأمانة وخانوا أمانة الحكم فالله محاسبهم حسابًا عسيرًا، وأنّهم ملاقون جزاء جريمتهم.

هذا هو الدافع الذي كان له أثرٌ بليغٌ في نفس عمر t حتى لترتعد له فرائص الإنسان. إنّ عمر t كان الخليفة الثاني في الإسلام قد قدّم لأجل نهضة الإسلام ورقي المسلمين من التضحيات ما جعل الكتاب الأوربيين الذين يوصلون الليل بالنهار في الاعتراضات على شخصية الرسول r، والذين يرمونه في كتبهم متعنّدين بأنه r لم يكن أمينًا في رسالته، أجل، جعلتهم هذه التضحيات العظيمة يعترفون عند ذكر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بأنّ عاطفة التضحية والجهود التي بذلها هؤلاء الناس لم يسبق لها مثيلٌ في حكام الدّنيا ويمدحون عمر t بوجه خاص، ويقولون هذا هو الشخص الذي استغرق ليلًا ونهارًا في نشر قوانين الإسلام وقام بواجب النهوض بالأمة المسلمة حقّ القيام. لكن ما بال عمر t، أنّه رغم ألوف الخدمات والتضحيات ومكابدة المشقّات والمصائب كان يخضع لآية: ]إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ[ (النساء:59)، أي أنّكم إذا تولّيتم أمرًا من قبل الله وانتخبكم بنو وطنكم وإخوانكم للحكومة فعليكم بالعدل وابذلوا جميع مواهبكم لخير الإنسانية وصالحها.

وما أشدّ إيلامًا ذلك الحادث الذي حصل عند وفاة عمر t، إذ اعتدى عليه رجلٌ طائشٌ جاهلٌ بالخنجر، ولما استيقن بموته كان يضطرب عندئذٍ أشدّ الاضطراب ويردّد: “اللهمّ لا عليّ ولا لي، اللهمّ لا عليّ ولا لي”، أي ربّ كنت ولّيتني أمر هذه الأمة وسلّمت إليّ هذه الأمانة فلا أدري أأدّيت حقّها أم لا؟ والآن حان أجلي وقرب فراقي للدنيا إليك، ربّ لا أطلب منك أحسن مما عملت ولا أتمنّى أيّ جائزة، بل اللهمّ إنّما أطلب أن ترحمني وتغفر لي، وإن كنت مقصّرًا في أداء واجبي فاصفح عني.

إنّ عمر t كان رجلًا عظيمًا قلّما نجد نظيرًا لعدله وإنصافه على وجه هذه البسيطة، لكنّه عندما توفّي وتفكّر في أمر الله عزّ وجل: ]وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ[ اضطرب عند وفاته أشدّ الاضطراب حتى استصغر جميع الخدمات التي قام بها لأجل مصلحة عامّة الناس، واحتقر كلّ أعماله العظيمة التي أدّاها لأجل نهضة الإسلام وقوّته. أجل، إنّه استخفّ واستقلّ جميع تلك الخدمات التي أعجب بها المسلمون والتي استحسنها حتى الأجانب، والتي لم ينوّه بها مواطنوه وغيرهم فقط، بل كان يقدّرها أهل البلاد الأخرى أيضًا، والتي لم يجلّها معاصروه فحسب، بل اليوم أيضًا وبعد مضيّ ثلاثة عشر قرنًا عندما يتذكّر أولئك الذين لم يستحيوا من الاعتداء على مولى عمر وسيّده محمد r، هؤلاء يذكرون خدمات عمر فيضطرون لأن يعترفوا بأنّ عمر كان رجلًا منقطع النّظير. تلك الخدمات الجلّى صارت تافهةً في عين عمر t، حتى قال متضرّعًا ومبتهلًا: “اللهمّ لا عليّ ولا لي”، ربّ إنّي اؤتمنت أمانةً فلا أعرف أأديت حقوقها أم لا؟ فلذا أنا أسألك أن تغفر لي ذنوبي، وجنِّبني النار. (نظام الاقتصاد في الإسلام)

ثم قال المصلح الموعود t في خطابه بعنوان “محسن العالم r”: كان عمر t ذلك الرجل الذي يكتب عنه المؤرخون المسيحيون أنه لم يحكم أحد في العالم مثله. إنهم يسيئون إلى النبي الكريم r غير أنهم يثنون على عمر t. مثل هذا الشخص، الذي ظل في صحبة النبي r دوما، يتمنى عند موته بكل حسرة أن يجد مكانًا عند قدمي النبي r. فلو ظهر من أفعال النبي r أنه لم يقم بها ابتغاء مرضاة الله تعالى لما تمنّى شخص مثل عمر t بعد بلوغه تلك الدرجة السامية – أن يجد مكانا عند قدمي النبي r. (رحمة للعالمين r) هنا يُثبت المصلح الموعود t أنه كانت طاعة النبي r وتربيته التي بسببها ظهر من عمر t هذه العدالة وهذه الخشية لله.

قال المصلح الموعود t عن حب عمر t لأهل بيت النبي r:

عاشت السيدة عائشة رضي الله عنها بعد رسول الله r إلى فترة طويلة. وحين فُتحت إيران في عهد عمر t جيء منها بالرُّحى لسحق القمح، وعندما جُربت الرحى الأولى في المدينة أمر عمر t أن يُهدى أول دقيق مسحوق إلى عائشة رضي الله عنها فأُرسل إليها بأمر منه t وخبزتْ منه خادمتها أرغفة دقيقة. اجتمعت في بيت عائشة رضي الله عنها نساء المدينة اللاتي ما كنّ رأين دقيقا مثله من قبل ليرين الدقيق وكيفية صناعة الخبز منه. اكتظت باحة الدار بالنساء ليرين الخبز المصنوع من الدقيق. يقول المصلح الموعود t مخاطبا هؤلاء النساء: لعلكنّ تفكّرن أنه كان دقيقا من نوع غريب ولكنه لم يكن كذلك بل كان أدنى مما تأكلنه كل يوم إلا أنه كان أفضل بكثير من أنواع الدقيق المتوفرة في المدينة آنذاك. على أية حال صُنعت الأرغفة منه واستغربت النساء لرؤيتها وكنّ يلمسن الأرغفة بأصابعهن من شدة الشوق ويقلن بشدة الاستغراب: ما أنعم الرغيف! هل يمكن أن يوجد دقيق أفضل منه في العالم؟ قد تجهّز الخبزُ، ولكن هنا تبدأ قصة حب عائشة مع النبي r وتتبين من ذلك كم كانت تحب النبي r. وضعت السيدة عائشة رضي الله عنها لقمة من الرغيف في فمها، فنظرت النساء كلهن إليها لعل حالة غريبة ستستولي عليها وستبدي فرحة عارمة عند أكلها وستشعر بلذة كبيرة، ولكن ما إن دخلت اللقمة في فم السيدة عائشة حتى بدا كأنها اختنقت من اللقمة، وبقيت في فمها دون أن تأكلها وبدأت الدموع تسيل من عينيها بغزارة. قالت النسوة: يا سيدتنا إن الدقيق جيد جدا والرغيف ناعم إلى أقصى الدرجات فما بك لا تأكلينه بل شرعتِ في البكاء؟ هل في الدقيق عيب؟ قالت عائشة رضي الله عنها: لا عيب في الدقيق وأعرف أن الرغيف ناعم جدا لدرجة لم أر مثله من قبل. ولكن الدموع من عيني لا تنهمر لسبب في الدقيق، بل تذكرتُ الأيام الأخيرة من حياة رسول الله r حين كان ضعيفا وغير قادر على تناول غذاء صلب، وكنا نسحق القمح بالأحجار ونخبز له رغيفا. ثم قالت ما معناه: لقد غادر الذي أُعطينا هذه النعم ببركته محروما منها ونستخدمها نحن الذين أُعطينا كل هذه النعم بسببه. وألقت اللقمة من فمها وقالت ما معناه: ابعدنَ الأرغفة عني لأنها تكاد تخنقني بتذكيري أيام رسول الله r، ولا أقدر على تناولها.

عن ابن عباس قال: لما فتح الله المدائن على أصحاب رسول الله  r في أيام عمر أمرهم بالأنطاع فبسطت في المسجد، وأمر بالأموال فأفرغت عليها، ثم اجتمع أصحاب رسول الله r فأول من بدر إليه الحسن بن علي فقال: يا أمير المؤمنين أعطني حقي مما أفاء الله  على المسلمين، فقال: بالرحب والكرامة وأمر له بألف درهم ثم انصرف، فبدر إليه الحسين بن علي فقال يا أمير المؤمنين أعطني حقي مما أفاء الله على المسلمين فقال بالرحب والكرامة وأمر له بألف درهم، فبدر إليه ابنه عبد الله بن عمر فقال: يا أمير المؤمنين، أعطني حقي مما أفاء الله على المسلمين فقال له بالرحب والكرامة، وأمر له بخمسمائة درهم! فقال يا أمير المؤمنين أنا رجل مشتد أضرب بالسيف بين يدي رسول الله r والحسن والحسين طفلان يدرجان في سكك المدينة، تعطيهم ألفًا وتعطيني خمسمائة؟ قال نعم! اذهب فأتين بأب كأبيهما وأم كأمهما وجد كجدهما وجدة كجدتهما وعم كعمهما وخال كخالهما فإنك لا تأتيني به.

وقد رُوي عن أبي جعفر ما مفاده: حين أراد عمر t أن يحدد للناس معاشا، وكان أصوبهم رأيا، قال الناس: ابدأ بنفسك، قال: لا، فبدأ بأقرب الأقارب لرسول الله r، وضرب نصيبا للعباس أولا ثم لعليّ رضي الله عنهما.

وقد ثبت أن عمر بن الخطاب كان يكرم الإمام الحسن والحسين، ويحملهما ويعطيهما كما يعطي أباهما، وجيء مرة بحلل من اليمن فقسمها بين أبناء الصحابة ولم يعطهما منهما شيئا، وقال: ليس فيها شيء يصلح لهما، ثم بعث إلى نائب اليمن فاستعمل لهما حلتين تناسبهما.

هذا البيان سيستمر في المستقبل أيضا، أما الآن فأريد أن أذكر بعض المرحومين وسأصلّي عليهم صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة.

الجنازة الأولى هي للمرحومة سهيلة محبوب زوجة المرحوم فيض أحمد الغوجراتي، الذي كان من الدراويش في قاديان وناظرا لبيت المال. وقد توفيت المرحومة عن عمر يناهز 90 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. كانت مشتركة في نظام الوصية.

كانت تنحدر من عائلة مثقفة من إقليم “بهار” بالهند. والدها ما كان أحمديا، ولكن أمّها بايعت بعد التحقيق والبحث بنفسها. وعانت كثيرا إلى ثلاثة أو أربعة أعوام من جفاء زوجها ولكنها ثبتت على الأحمدية. لم يدخل والد المرحومة الأحمدية ولكنه ترك معارضة الجماعة فيما بعد. تزوج أبناؤه في عائلات أحمدية كما تزوجت المرحومة أيضا في عائلة أحمدية. في عام 1958م جاءت أمها إلى قاديان للمرة الأولى مع المرحومة سهيلة. تقول السيدة سهيلة محبوب إنها استأنست بقاديان كثيرا، ودعت كثيرا للسكن والاستقرار في قاديان. نذرت حياتها لخدمة الدين. كتب إليها حضرة مرزا بشير أحمد t -الذي كان ناظرا لخدمة الدراويش حينذاك- ردّا على رسالتها المتعلقة بنذر الحياة: لقد علمتُ عن نذرك حياتك وإن خطوتك هذه لجديرة بالتقدير الكبير. فبحسب مقتضى نذر الحياة إن واجبك الأول هو أن تتعلمي علوم الدين، وتجعلي أعمالك مطابقة للإسلام والأحمدية لتقدمي أفضل نموذج. فقد وقفت حياتها في عام 1964م، وفي العام نفسه تزوجت من السيد شودهري عبد الله دوريش، وأنجبت له ابنة. ولكن حدث الانفصال بينهما بعد فترة وجيزة. ثم تزوجت مع شودهري فيض أحمد الغوجراتي، وأنجبت له ابنا ولكنه مات في صغره. وقد وُفقت المرحومة إلى يوم تقاعدها للخدمة إلى ثلاثين سنة تقريبا كمديرة مدرسة نصرت للبنات.

الجنازة الثانية هي للمرحوم خورشيد أحمد منير داعية الجماعة الذي كان يسكن حاليا في أستراليا وتوفي هنالك. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان مشتركا في نظام الوصية، وقد وُفّق لخدمة الجماعة إلى سنين طويلة في باكستان وفي مناطق مختلفة في كشمير الحرة كداعية الجماعة. كان داعية شجاعا. في أيام الخدمة في كشمير الحرة واجه معارضة شديدة، وقد واجه المعارضة بشجاعة كبيرة في عام 1974م حين كانت المعارضة على أشدها. ذات مرة قال سيدنا الخليفة الثالث رحمه الله عن المرحوم في اجتماع: إن داعيتنا هنالك شجاع جدا. أي قد خلع حضرته على المرحوم لقب “شجاع”. لقد أهدى راجه خورشيد أحمد منير بيته للجماعة في مدينة راولبندي بباكستان، في عهد الخليفة الرابع رحمه الله، فقبل حضرته هدية المرحوم.

بعد تقسيم الهند إلى الهند وباكستان ذهب المرحوم إلى “أحمد نغر” حيث أُقيمت الجامعة الأحمدية ودرس فيها. وفتح محلا صغيرا لسد نفقاته. ثم انضم إلى كتيبة “الفرقان” الأحمدية في عام 1948. اجتاز امتحان “مولوي فاضل” (وهي أعلى شهادة بالعربية في باكستان) وبعد تخرجه في الجامعة الأحمدية ضمن الدفعة الأولى ونيل شهادة “الشاهد” قام بخدمات دينية في مختلف المناطق في باكستان وكشمير.

في عام 1974م هاجم المعارضون بيته، ولكنه تصدى لهم بكل شجاعة غير أنه أصيب بجروح نتيجة رمي الأوباش بالحجارة، وبفضل الله تعالى سلِم جميع أفراد عائلته. كان ينصح الجميع بالثبات ويقول إن هذا النوع من الابتلاءات والامتحانات يحل بالجماعات الربانية على أية حال. في تلك الظروف الصعبة كان يزور فروع الجماعة المختلفة بكل شجاعة ويزور الإخوة في بيوتهم. وقد حدث أكثر من مرة أن الناس أمسكوا به في أثناء جولاته لزيارة الإخوة وضربوه. ولكن المرحوم لم يشكُ من ذلك قط. لقد ترك وراءه أربعة أبناء وأربع بنات. كان المرحوم ساكنا في أستراليا وتوفي هنالك.

الجنازة التالية هي للمرحوم ضمير أحمد نديم عن عمر يناهز 56 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون.كان المرحوم مصابا بالسرطان.

دخلت الأحمدية إلى عائلته في عام 1897 حين بايع والدُ جده حضرة رحيم بخش أحدُ صحابة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام. عندما سمع والد جده أن الإمام المهدي قد ظهر ذهب من قريته التي اسمها “شكاربور ماتشيان” في محافظة غورداسبور إلى قاديان لحضور الجلسة السنوية، فبايع حينها. ثم إنه رضي الله عنه أخبر أحد أقاربه السيد مهر دين، فبايع هو أيضا، ثم صارت قريته كلها تقريبا أحمدية نتيجة دعوته.

بعد تخرجه من الجامعة الإسلامية الأحمدية عمل المرحوم السيد ضمير بعض الوقت في مجال الدعوة والتبليغ تحت إشراف نظارة الإصلاح والإرشاد المقامي. ثم عمل في مكتب “لجنة التخطيط”. ثم وفقه الله تعالى لخدمة الدين تحت نظارة الإصلاح والإرشاد المركزي، وعمل من عام 2005 حتى وفاته مساعدا لناظر الوصية، قسم الاستقبال.

رزقه الله تعالى ابنا وبنتا. ابنه أيضا يعمل داعية في الجماعة. كان المرحوم لاعبا جيدا لكرة السلة، مما ساعده على إنشاء الصداقات والعلاقات على نطاق واسع، فكان يسخّر هذه العلاقات لخدمة الجماعة. كان المرحوم مواظبا على صلاة التهجد وكان كثير التوكل على الله تعالى. كلما واجه وقتا عصيبا قام على الفور وأدى ركعتي نفل وكتب رسالة إلى الخليفة طالبا الدعاء، وكان الله تعالى يقبل نوافله ويستجيب أدعيته بفضله تعالى.

والجنازة التالية هي للسيد عيسى موكي تليمه من تنزانيا حيث توفي قبل بضعة أيام. إنا لله وإنا إليه راجعون. وُلد المرحوم في بيت مسيحي، ورغب في الحوار الديني وهو في التاسعة عشر بتأثير المحيط. ثم شرفه الله تعالى بالإسلام. ثم بعد بضع سنوات تعرف على العقائد الأحمدية، وبعد تحري الأمر والبحث والتحقيق بايع ودخل في الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1992. وحصل فيه بعد البيعة تغيير طيب أحس به كل من حوله إحساسا واضحا، وبرؤية هذا التغيير الطيب فيه بايعت زوجته أيضا.

بعد البيعة سعى المرحوم جاهدا لزيادة معرفته الدينية، وكان لا يدع أية فرصة تنفلت من يده لدعوة الإسلام الأحمدية حتى خلال عمله أيضا.

كان المرحوم سباقا في دفع التبرعات دائما. كان يكثر من قوله إن الإنفاق في سبيل الله تعالى مدعاة البركة في التجارة والمال. كان يقوم بالتجارة. كان سمحا، خلوقا ومتواضعا. كان يقابل واقفي الحياة ومسؤولي الجماعة والعاملين فيها باحترام كبير. كان منخرطا في نظام الوصية. ترك وراءه زوجتين وعشرة أولاد.

كتب الداعية المسؤول في تنزانيا: عُيّن المرحوم رئيسًا لجماعتنا في منطقة دار السلام، فكان لبساطته الواضحة يحظى بحب الناس بسرعة. كان من كبار الجماعة الخادمين بصمت. ثم عُيّن نائب أمير لجماعتنا في تنزانيا، فقام بخدمات جليلة في هذا المنصب أيضا. كان سديد الرأي جدا، وشديد الحرص على مراعاة عظمة نظام الجماعة. كان يعظ الأحمديين دوما بالتسامح والاعتصام بحبل الخلافة الأحمدية بقوة. وكان يسد للعاملين في الجماعة حاجاتهم الشخصية أيضا، ساعيا دائما للتعاون والمساعدة قدر المستطاع. وعندما كان يذهب لعمله في الصباح كان يأخذه معه في سيارته العاملين في الجماعة لكيلا تضيع أوقاتهم بالسفر في الباصات العامة. بنى في داره غرفة لتكون مركزا لأداء الصلوات. ذات مرة وُعظ الموصون بدفع تبرع وصيتهم على عقاراتهم، فلم يلبث أن قام بتخمين قيمة عقارين كبيرين له، ودفع ما عليه من تبرع الوصية على عقاراته.

والجنازة التالية هي للسيد شيخ مبشر أحمد، المشرف على قسم البناء والتعمير بقاديان، وهو ابن شيخ أسرار أحمد القاطن في كيرنغ بتيشه بالهند. وافته المنية بالإصابة بوباء الكورونا قبل بضعة أيام عن عمر يناهز 33 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم أحمديا بالمولد، ينحدر من أسرة أحمدية قديمة. كان خادما للدين، دمث الأخلاق، محافظا على الصلوات، ومستعدا لخدمة الدين دوما. لقد تعلق بالمسجد من طفولته بشدة. ظل يقدم خدماته للجماعة لثماني سنوات على أحسن وجه في مجال البناء والتعمير كمشرف على مكتب البناء والتعمير في قاديان. كان يعمل بكل جدية ويذهب ويفحص العمل بمنتهى الدقة. ترك وراءه أرملته ووالديه وأخوين وأختا.

والجنازة التالية هي للسيد سيف علي شاهد الذي توفي في سيدني (بأستراليا)، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم منخرطا في نظام الوصية بفضل الله تعالى. كان في عائلته صحابيان للمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وهما تشودري محمد علي وتشودري غامي خان، وكان الأول جده من أمه والآخر والد جده من أمه.

كتب أخوه السيد حيدر علي ظفر الداعية في ألمانيا ونائب أمير الجماعة في هذه الأيام: أكمل أخي الثانوية في عام 1961 وتوظف في مدينة حيدرآبارد. فكان ينفق على تعليم أخوين له أنا وأخ آخر، كما كان يخدم الوالدين بكل تفان. كان المرحوم دمث الأخلاق، لين الكلام، متواضعا جدا، مشفقا على الصغار، وكان يقابل الشباب بكل محبة. كان على علاقة حب وطاعة عظيمين لنظام الجماعة والخلافة. وكان يوصي أولاده دائما بحب الخلافة وطاعتها. كان يكنّ لمسؤولي الجماعة احتراما كبيرا، ولا يطيق سماع شيء ضد أي مسؤول في الجماعة.

كان المرحوم كثير الدعاء، يصلي التهجد، ويحسن أداء الصلوات الخمس. وفقه الله تعالى في أثناء إقامته في باكستان لخدمة الجماعة بصفة سكرتير المال وسكرتير الوقف الجديد. ثم جعله حضرة الخليفة الرابع رئيس الجماعة بمدينة ميربور خاص، فظل يخدم بهذه الصفة حتى عُيّن هناك أميرا، وبعد استشهاد الدكتور عبد المنان صديقي خدم المرحوم بصفته أميرا لمدينة ميربور خاص، ثم أميرا للجماعة في محافظة ميربور خاص كلها. وظل يخدم بهذه الصفة حتى هجرته إلى أستراليا. كما أنه خدم الجماعة خدمات جليلة في التنظيمات الفرعية للجماعة في باكستان. ثم في أستراليا خدم الجماعة بصفة عضوا في لجنة القضاء، ونائبا أول لرئيس مجلس أنصار الله، وسكرتيرا للزواج منذ عام 2016.

توفي ابنان للمرحوم في حياته، فصبر على هذه الصدمة صبرا جميلا. ترك وراءه أرملته وأربعة أبناء.

والجنازة التالية هي للسيد مسعود أحمد حيات ابن رشيد أحمد حيات الذي وافته المنية وعمره 80 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون. دخلت الأحمدية في عائلته على يد جده حضرة بابو عمر حيات رضي الله عنه ابن تشودري بير بخش. بايع جده عمر حيات t وانضم إلى الجماعة في عام 1898 ولا يزال عمره 14 عشر عاما. التحق جده هذا بالجيش (بالهند) ثم هاجر إلى كينيا.

هاجر المرحوم مسعود حيات من كينيا إلى المملكة المتحدة عام 1967، وأقام هنا إقامة دائمة. كان نفيس الطبع، ملتزما بالصوم والصلاة، دمث الأخلاق، طيب المعشر، مضيافا، وإنسانا مشفقا. تشرف بحج بيت الله مرتين. وفقه الله تعالى لأداء خدمات السياقة والحراسة في سفريات حضرة الخليفة الرابع لشتى البلاد. في عام 1983 عندما اشترت الجماعة مسجد بيت الأحد في منطقة والثامستو (بلندن)، تبرع هو وزوجته طاهرة حيات المرحومة أكثرَ من أي أحمدي آخر. كان الله تعالى قد آتاه بسطة في المال بفضله الخاص، فكان ينفق منه نصيبًا كبيرا في سبيل الله تعالى.

وعندما أقيم فرع مستقل للجماعة في منطقة ريد بريدج ايست بلندن لم يكن عندهم مسجد، وعندما علم المرحوم بذلك خصص جزءا من داره لنشاطات الجماعة، فظل بيته مركزا للجماعة لثلاثة أعوام تقوم فيه نشاطاتها المختلفة.

بعد وفاة زوجته الأولى تزوج بأخرى فرُزق منها ابنين.

تغمد الله هؤلاء المرحومين جميعا بواسع مغفرته ورحمته، ووفق نسلهم ليظلوا مستمسكين بالأحمدية، واستجاب لأدعية هؤلاء الصالحين بحق أجيالهم. سوف أصلي عليهم بعد الصلاة كما قلت آنفا.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز