خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 11/6/2021

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.

في الخطبة الماضية ذكرت لكم صلح الحديبية ضمن ذكر سيدنا عمر t، ومن هذا المنطلق نجد أن قبيلة بني بكر التي كانت حليفة قريش هاجمت بني خزاعة حليفةَ المسلمين مخالفين بذلك صلحَ الحديبية. وساعد قريشٌ بني بكر بالأسلحة والركوبات ولم يراعوا شروط صلح الحديبية. عندها أراد أبو سفيان تجديد معاهدة صلح الحديبية فجاء إلى المدينة فقابل النبيَّ r لكنه أعرض عنه. ثم توجه أبو سفيان إلى سيدنا أبي بكر t وكلَّمه ليحدِّث النبيَّ r فرفض طلبَه، فجاء أبو سفيان إلى سيدنا عمر t فقال له عمر: أتريد أن أشفع لك عند النبي r؟ والله إذا لم يبق عندي غير جذع صغير فسوف أقاتلكم به.

كتب الدكتور علي الصلابي أن النبي r حين وصل إلى مرَّ الظهران خاف أبو سفيان على نفسه، فأشار عليه العباس عمُّ النبي r أن يستجير النبي r. يقول العباس t لقد قلت لأبي سفيان ويحك إن النبي r موجود هنا بين الناس، قال: فما الحيلة؟ فداك أبي وأمي. قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله r فأستأمنه لك، فركب خلفي وكلما مررت بنار من نيران المسلمين (كان الوقت ليلا وكانت النيران مشتعلة) قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله r وأنا عليها قالوا عمُّ رسول الله r على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب t فقال: من هذا؟ وقام إلي فلما رأى أبا سفيان قال: أبو سفيان عدو الله! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد. ثم خرج يشتد (أي أبا سفيان) نحو رسول الله r فدخلت عليه ودخل عليه عمرُ فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنقه. قلت: يا رسول الله إني قد أجرتُه. فلما أكثر عمر من شأنه قلت: مهلاً يا عمر فوالله أن لو كان من بني عدي بن كعب ما قلتَ هذا ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف فقال: مهلاً يا عباس فوالله لَإسلامُك يوم أسلمتَ كان أحبَّ إلي من إسلام والدي الخطاب لو أسلم. وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحبَّ إلى رسول الله r من إسلام الخطاب لو أسلم. فقال رسول الله r: اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحتَ فأتِني.

على كل حال استمر هذا النقاش بين سيدنا عمر وبين سيدنا العباس، وأخيرا قال النبي r للعباس أن يذهب به وألا يتحرش به أحد.

عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول الله r بعث سيدنا عمر بن الخطاب في سرية تضم ثلاثين نفرا إلى فرع من قبيلة هوازن في التربة في شعبان من العام السابع الهجري. والتربة وادٍ على مسافة يومين من مكة، كان يسكن بها بنو هوازن، وحين يقال مسافة يومين أو أيام فبحسب ما كانت تُقطع المسافة في العصر القديم على الأحصنة والجمال.

وعن بريدة الأسلمي أنه حين نزل رسول الله r في ميدان أهل خيبر، سلَّم الراية لسيدنا عمر بن الخطاب، وقد ورد في كتب السيرة أن الراية ذُكرت أول الأمر في غزوة خيبر، أي الراية الكبيرة، وقبل ذلك كانت ألوية صغيرة. وكان لون راية النبي r أسود، وصُنعت من رداء أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وسميت بالعُقاب. كما كانت له راية بيضاء أيضا سلَّمها لسيدنا علي، كما كان قد أعطى سيدنا حباب بن المنذر راية وأخرى لسيدنا سعد بن عبادة.

حين جاء النبي r إلى خيبر أصيب بشقيقة، ولم يستطع أن يخرج، فأعطى رايته سيدَنا أبا بكر t، ثم سلَّمها لسيدنا عمر واندلع قتال شديد، ومع ذلك لم يستطع المسلمون فتح القلعة، فقال النبي r سأعطي الراية غدا لمن يفتح الله به، ثم سلَّم اللواء في اليوم التالي لسيدنا علي t فمكَّنه الله من الفتح.

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ سَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ: كَيْفَ كَانَ إعْطَاءُ رَسُولِ اللّهِ r يَهُودَ خَيْبَرَ نَخْلَهُمْ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ r افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ وَكَانَتْ خَيْبَرُ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ U عَلَى رَسُولِ اللّهِ r خَمّسَهَا رَسُولُ اللّهِ r وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَنَزَلَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلَاءِ بَعْدَ الْقِتَالِ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ r فَقَالَ إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى أَنْ تُعْمِلُوهَا، وَتَكُونَ ثِمَارُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أي يمكن أن تعملوا بتقاسم الثمار.

وَأُقِرّكُمْ مَا أَقَرّكُمْ اللّهُ، فَقَبِلُوا، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ يُعْمِلُونَهَا وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ r يَبْعَثُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَيَقْسِمُ ثَمَرَهَا، وَيَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرْصِ فلم يكن يختار لنفسه أفضل الثمار بل كان يراعي العدل في التقسيم.

فَلَمّا تَوَفّى اللّهُ نَبِيّهُ r أَقَرّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْدَ رَسُولِ اللّه r الْمُعَامَلَةِ الّتِي عَامَلَهُمْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ r ثُمّ أَقَرّهَا عُمَرُ t صَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ . ثُمّ بَلَغَ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ r قَالَ فِي وَجَعِهِ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ فِيهِ لَا يَجْتَمِعَنّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ فَفَحَصَ عُمَرُ ذَلِكَ حَتّى بَلَغَهُ الثّبْتُ فَأَرْسَلَ إلىَ يَهُودَ فَقَالَ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ أَذِنَ فِي جَلَائِكُمْ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ r قَالَ لَا يَجْتَمِعَنّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ r مِنْ الْيَهُودِ فَلْيَأْتِنِي بِهِ أُنْفِذْهُ، أما الذي ليس عنده عهد من النبي r، فَلْيَتَجَهّزْ لِلْجَلَاءِ أي إذا كان النبي r قد وعد أحدكم بالسكن هنا فحسن، فسوف أفي به، وإن لم يكن معكم عهد فلا بد لكم من مغادرة هذا المكان.

فَأَجْلَى عُمَرُ t مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللهِ r مِنْهُمْ.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجْت أَنَا وَالزّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ إلَى أَمْوَالِنَا بِخَيْبَرِ نَتَعَاهَدُهَا، فَلَمّا قَدِمْنَا تَفَرّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ فَعُدِيَ عَلَيّ تَحْتَ اللّيْلِ وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِي، فَفُدِعَتْ يَدَايَ مِنْ مِرْفَقَيّ فَلَمّا أَصْبَحْت اسْتَصْرَخَ عَلَيّ صَاحِبَايَ فَأَتَيَانِي فَسَأَلَانِي: مَنْ صَنَعَ هَذَا بِك؟ فَقُلْت: لَا أَدْرِي، قَالَ فَأَصْلَحَا مِنْ يَدَيّ ثُمّ قَدِمَا بِي عَلَى عُمَرَ t؟ فَقَالَ هَذَا عَمَلُ يَهُودَ ثُمّ قَامَ فِي النّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللهِ r كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنّا نُخْرِجُهُمْ إذَا شِئْنَا، وَقَدْ عَدَوْا عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَفَدَعُوا يَدَيْهِ كَمَا قَدْ بَلَغَكُمْ مَعَ عَدْوِهِمْ عَلَى الْأَنْصَارِيّ قَبْلَهُ لَا نَشُكّ أَنّهُمْ أَصْحَابُهُ لَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوّ غَيْرُهُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِخَيْبَرِ فَلْيَلْحَقْ بِهِ فَإِنّي مُخْرِجٌ يَهُودَ فَأَخْرَجَهُمْ.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَكْنَفٍ قَالَ: لَمّا أَخْرَجَ عُمَرُ يَهُودَ مِنْ خَيْبَرَ رَكِبَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَخَرَجَ مَعَهُ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ وكَانَ جبار خَارِصَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَاسِبَهُمْ، وَهُمَا قَسَمَا خَيْبَرَ بَيْنَ أَهْلِهَا، عَلَى أَصْلِ جَمَاعَةِ السّهْمَانِ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا. (سيرة ابن هشام)

وورد أنه حين بعث حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ مع امرأة كِتَابًا إلَى مكة سرا يُخْبِرُ مشركي مكة بِاَلّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ r مِنْ الْأَمْرِ فِي السّيْرِ إلَيْهِمْ، فجاء النبي r خبر من الله تعالى فبعث عليا t وأُدركت الامرأة في الطريق، وبعد ذلك سأل رَسُولُ اللهِ r حَاطِبًا سبب ذلك؟ فَأخبر حاطب عذره وقال إن إيمانه لم يتزلزل بل إيمانه كامل، وأكد على إيمانهن فقبل النبي r عذره ولكن عُمَر بْن الْخَطّابِ قال: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَضْرِب عُنُقَ هذا المنافق، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: إنه شهد بدرا وَمَا يُدْرِيك لَعَلّ اللهَ قَدْ اطّلَعَ إلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ ساترا ذنوبكم.

وهناك واقعة أخرى لا تتعلق بعمر مباشرة ولكن ورد فيها ذكر عمر ضمنا لذا أذكره:

قَالَ أَبُو قَتَادَةَ t: رَأَيْت يَوْمَ حُنَيْنٍ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ مُسْلِمًا وَمُشْرِكًا، قَالَ وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُرِيدُ أَنْ يُعِينَ صَاحِبَهُ الْمُشْرِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ فأراد أن يهاجم المسلمَ من ورائه خداعا ليقتله. فَأَتَيْتُه بسرعة فرفع علي يده لقتلي، فضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً، وَكَادَ يَقْتُلُنِي، ثم تركني فدفعته وقتلته.

وكان المسلمون قد هربوا من الهزيمة فهربتُ معهم، ثم رأيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مع الناس فَقُلْتُ مَا بَالُ النَّاسِ قَالَ عمر: أَمْرُ اللهِ. ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا إلى رسول الله r فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَقُمْتُ لأجد شهادة على قتيلي ولكن لم أجد من يشهد لي فجَلَسْتُ. ثم َاقْتَصَصْتُ عَلَي رسول الله r الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ كان جالسا بجنب رسول الله r: سَلَبُ هذا القتيل المذكور عندي فَأَرْضِهِ عَنِّي بشيء، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ t: لَاهَا اللهِ إِذن لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللهِ وَرَسُولِهِ r يُعْطِيكَ سَلَبَهُ، قَالَ أبو قتادة: فقام النَّبِيُّ r فَأَعْطَاني السلب فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ.

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ r عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اعْتِكَافٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ r بِوَفَائِهِ (صحيح البخاري، كتاب المغازي) فالنذر الذي يمكن إيفاؤه ضمن تعاليم الإسلام يجب إيفاءه.

ماذا كان دور عمر t في غزوة تبوك؟ بيّن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ t واقعة له حين دعا النبي r إلى تضحية مالية، فقال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ r أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا، فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ وَاللهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. (سنن الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله)

لقد بين المصلح الموعود t هذه الواقعة فقال: قال سيدنا عمر t في إحدى مناسبات الجهاد خطر ببالي أن أبا بكر t يسبقني دوما واليوم سأسبقه، فذهبتُ إلى بيتي وأخرجت نصف مالي وقدمت للنبي r وكان ذلك الزمن زمن مصيبة عظيمة للإسلام ولكن أبا بكر t جاء بكل ماله فسأله النبي r: يا أبا بكر ماذا تركت في البيت؟ فقال: الله ورسوله. قال عمر t: حين سمعت ذلك شعرت بخجل شديد، وفهمتُ أنني اليوم حاولت أن أسبق أبا بكر t بكل قوتي ولكنه سبقني اليوم أيضا.

قال المسيح الموعود u:

كان زمن كان الناس فيه يضحون بأرواحهم كالغنم من أجل الدين الإلهي ناهيك عن الأموال، فقد ضحى سيدنا أبو بكر t أكثر من مرة جميع أثاث البيت، حتى لم يُبقِ إبرة في البيت، وكذلك سيدنا عمر وعثمان رضي الله عنهما قدما بحسب سعتهما، بانشراح وانبساط، وعلى هذا القياس استعد كل من الصحابة بحسب مراتبهم للتضحية بأرواحهم وأموالهم من أجل الدين الإلهي. ثم قال المسيح الموعود u عن جماعته: بينما هناك أناس يبايعون ويقرون أنهم سيؤثرون الدين على الدنيا، وعند تقديم المساعدة والنصرة يمسكون بجيوبهم، فهل يمكن أن ينال أحد هدفا دينيا بمثل هذا الحب للدنيا، وهل يمكن أن ينفع أمثال هؤلاء شيئا، كلا ثم كلا.

يقول الله تعالى: ]لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ[.

ماذا كانت ردة فعل سيدنا عمر t عند وفاة رسول الله  r؟ فقد ورد بهذا الشأن: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ r وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ النَّبِيُّ r: هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بَعْدَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ. فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ r كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: قُومُوا.

هذه الرواية مأخوذة من صحيح مسلم، وتفصيل هذا الحادث مذكور في صحيح البخاري أيضا حيث جاء فيه: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ r … قَالَ النَّبِيُّ r: هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ r قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا … فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ r قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: قُومُوا. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ r وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ.

والآن أقرأ عليكم بعض ما كتبه السيد زين العابدين في شرح الكلمات الواردة في الحديث:”لا تضلوا بعده” فيقول: من معاني الضلال النسيان والانحراف عن الطريق بالنسيان أيضا. وإن التعبير: “غلبه الوجع” يعني قد أعياه المرض. هذا ما كان يقصده عمر t ولم يكن له أن يتصور بوفاة رسول الله r قط فقال: حسبنا كتاب الله. وذلك لأن الله تعالى يقول: ]مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ[ (الأَنعام: 39) وقال أيضا: ]تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ[ (النحل: 9).

ثم يقول السيد زين العابدين في شرح الجملة: “لَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ”: إن بعض الناس الذين كانت عواطفهم رقيقة مثل عمر t قالوا ما مفاده: يجب ألا نزعج النبي r وقال غيرهم: يجب أن نطيع أمره r، أي أمره بالإتيان بالقلم والمحبرة. ولكن النبي r أمرهم بالانصراف حين بدا الاختلاف بينهم وقال ما مفاده: لا تتنازعوا عندي. يتبين من ذلك كم كان r مهتما بعظمة كتاب الله تعالى في هذه الحالة من الوجع والاضطراب أيضا. فلما سمع ما قاله عمر t لم يطلب القلم والمحبرة. كما يتبين من روايات أخرى في البخاري أنه r عاش بعد الحادث المذكور إلى بضعة أيام وأوصى أيضا ببعض الوصايا ولكن لم يكرر إرادته السابقة. فيبدو من ذلك أن الأوامر التي أراد كتابتها كانت موجودة في القرآن الكريم. أي كان r يريد أن يؤكد على التمسك بالقرآن الكريم، فأيد النبي r رأي عمر r وفضّل السكوت. هذا هو الأدب الذي لا يهتم به المشايخ المزعومون.

يتابع السيد زين العابدين ويقول: هذه كانت عظمة القرآن الكريم عند النبي r التي لا يهتم بها المشايخ المزعومون، لأنهم إذا أبدوا رأيا يتمسكون به كأنه وحي من الله. علينا ألا ننسى الأسوة الطاهرة التي قدمها رسول الله r أنه لا أهمية لأي شيء آخر مقابل كتاب الله.

عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي r؛ أن رسول الله r مات وأبو بكر بالسنح. قال إسماعيل: يعني: بالعالية. فقام عمر t يقول: والله! ما مات رسول الله r. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذلك، وليبعثنه الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر t فكشف عن وجه رسول الله r، فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدًا. ثم خرج، فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر t جلس عمر t. فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله U حي لا يموت، وقال: ]إِنَكَ مَيتٌ وَإِنَهُم مَيتون[، وقال: ]وَما مُحَمَدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلت مِن قَبلِهِ الرُسُلُ أَفَإِن ماتَ أَو قُتِلَ اِنقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلى عقبَيهِ فَلَن يَضُرَّ الله َشَيئًا وَسَيَجزي اللَهُ الشاكِرينَ[، قال: فنشج الناس يبكون.

قال ابن عباس: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ، قال: وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم قال: الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب: قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله r قد مات.

يقول سيدنا المسيح الموعود u في كتابه وقد نقل نص الحديث أيضا فقال: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاسَ (أي كان يقول لهم بأن النبي r لم يمت بل هو حي)، فَقَالَ أبو بكر اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ. فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الحمد لله والصلاة على رسول الله، أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا r فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنَّ اللهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ. وساق الدليل على موت النبي r قائلا: قَالَ اللهُ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ إِلَى قَوْلِهِ الشَّاكِرِينَ. والمراد من قد خلت: قد ماتت. وَقَالَ الراوي: وَاللهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِن النَّاسِ (صحابيا أو غير صحابي) إِلَّا يَتْلُوهَا… وأَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلَاهَا عَلِمْتُ أَنَّ النَّبِيَّ r قَدْ مَاتَ.

وقال سيدنا المسيح الموعود u: وفي هذا المقام جاء في القسطلاني، شرحِ صحيح البخاري، ما يلي: وعمر بن الخطاب يكلم الناس، يقول لهم ما مات رسول الله r ولا يموت حتى يقتل المنافقين.

ثم يقول u: وجاء في الملل والنِحل للشهرستاني عن هذا الحادث ما يلي: “قال عمر بن الخطاب: مَن قال إن محمدا مات فلأقتلنه بسيفي هذا. وإنما رُفع إلى السماء كما رُفع عيسى بن مريم. وقال أبو بكر: مَن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللهَ إلهَ محمد فإنه حيٌّ لا يموت، (أي أن الله تعالى وحده متصف بالبقاء للأبد، أما ما سواه من إنسان وحيوان فيموت، فلا يُتوهم فيهم الخلود بل يموتون بعد فترة)، وقرأ (أبو بكر) هذه الآية: ]وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ[. فرجع القوم إلى قوله نابذين أفكارهم.

ففكّر الآن، أنه لو لم يستدل أبوبكر t بالقرآن الكريم على أن جميع الأنبياء قد ماتوا، ولو لم يكن استدلاله صريحا وقطعي الدلالة، فكيف اتفق الصحابة كلهم -الذين كان عددهم بحسب قولك، أكثرَ من مئة ألف صحابي (في تلك المناسبة)- على أمر مبني على الشك والظن؟ ولماذا لم يقدموا أمامه حجتهم قائلين: يا سيد، إن دليلك هذا ناقص وليس في يدك نصّ قطعي الدلالة؟ هل ما زلتَ تجهل أن القرآن نفسه يبين رفع المسيح u إلى السماء حيا بجسده المادي في آية: ]رَافِعُكَ إِلَيَّ[؟ أولم تسمع قول الله: ]بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ[ أيضا؟ فلماذا إذًا تستبعد صعود النبي r إلى السماء؟ كلا، بل إن الصحابة الذين كانوا يدركون مذاق القرآن الكريم تخلّوا عن فكرهم السابق فورا بعد أن سمعوا هذه الآية ووجدوا شرح “خلتْ” في عبارة: ]أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ[. فصارت قلوبهم حزينة ومنكسرة جدا بسبب وفاة النبي r حتى ضاقت عليهم أنفسهم حتى قال عمر t وَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ. سبحان الله، كم كان t سعيدا ووقّافا عند القرآن حيث إنه لما فهم بإمعان النظر في الآية أن جميع الأنبياء السابقين قد ماتوا، ما كان منه إلا أن أجهش بالبكاء ومُلئ حزنا.

وقال حضرة المسيح الموعود u في مناسبة أخرى: يبدو من قول سيدنا عمر t: “مَن قال إن محمدا مات فقتلتُه بسيفي هذا”، أنه t كان مسوقا بغلوٍّ عن حياة النبي r نتيجة فكرة من أفكاره، وكان يرى أن من قال مات النبي فقد كفر وارتد. وجزى الله تعالى سيدَنا أبا بكر خير الجزاء آلاف المرات إذ أخمد هذه الفتنة سريعا وبيّن بتقديم نصّ صريح أن الأنبياء السابقين كلهم قد ماتوا. والحق أنه t قد قتل بهذا التصريح، وبواسطة إجماع جميع الصحابة، كثيرًا من الكذّابين مِن زمن فيج أعوج، مثلما قَتَلَ مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وغيرهما من الكذابين، وكأنه لم يقتل أربعة كذابين بل خمسة. اللهم أنزِلْ على روحه عشرات ملايين الرحمة، آمين.

وفي هذا المقام لو استُنبط مِن كلمة “خلتْ” أن بعض الأنبياء صعدوا إلى السماء وهم جالسون هنالك أحياءً، لكان عمر t محقا في موقفه، ولم تكن هذه الآية ضده بل تؤيد موقفه، ولكن الجملة التالية في الآية التي جاءت كشرح أعني: ]أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ[ والتي وقع عليها نظر أبي بكر t، تبيّنُ بجلاء أن الاستنتاج من هذه الآية بأن جميع الأنبياء خلوا، سواء بالموت أو هم أحياء، لهو دجلٌ وتحريف وافتراء عظيم على عكس مشيئة الله تعالى. وإن الذين يقومون بمثل هذا الافتراءات والذين لا يخافون يوم الدينونة ويخترعون معانيَ على عكس شرح الله تعالى، فهم تحت لعنة أبدية بلا أدنى شك. أما عمر t فما كان مطّلعا على هذه الآية إلى ذلك الحين، وكذلك كان بعض الصحابة الآخرين أيضا يحملون الفكرة الخاطئة نفسها، وكانوا واقعين في السهو والنسيان بمقتضى البشرية، وكانوا يظنون أن بعض الأنبياء ما زالوا أحياء وسيعودون إلى الدنيا، فلماذا لا يكون النبي r مثلهم إذن؟

ولكن أبا بكر t قرأ الآية كلها، ثم قرأ: ]أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ[، وهكذا رسّخ في القلوب أن معنى “خلت” تنحصر في قسمين فقط: (1) حتف الأنف، أي الموت الطبيعي (2) القتل. وعندها أقرّ المعارضون بخطئهم وأجمع الصحابة كلهم على أن الأنبياء السابقين كلهم قد ماتوا. وتركت العبارة ]أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ[ تأثيرا كبيرا عليهم وتراجع الجميع عن أفكارهم المعارضة. فالحمد لله على ذلك.

هذه الفقرة قد وردت في كتابه u “التحفة الغزنوية”

وقال u في مقام آخر: قد شهد الصحابة كلهم عند وفاة النبي r نفسِها على أن جميع الأنبياء قد ماتوا. كان عمر t يقول إن النبي r لم يمت بعد وقام مستلًّا سيفه، إلا أن أبا بكر t قام وألقى كلمته هذه: ]ومَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ[. فبهذه المناسبة التي كانت بمنزلة ميدان القيامة حيث كان النبي r قد رحل من هذه الدنيا، والصحابة كلهم كانوا مجتمعين، حتى إن جيش أسامة أيضا لم يكن قد غادر بعد، قام أبو بكر بعد كلام عمر رضي الله عنهما وقال بصوت عال إن محمدا r قد مات، واستدل على ذلك بقوله تعالى: ] ومَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ[. فلو كانت حياة عيسى u في مخيلة الصحابة لقالوا بها عندئذ حتما، ولكنهم جميعا لزموا الصمت، وبدأوا يتلون هذه الآية في الأسواق وكأنها نزلت يومئذ. إن الصحابة ما كانوا منافقين، معاذ الله، حتى يسكتوا مرعَبين بأبي بكر t ولا يرفضوا قوله. كلا، بل الحق أن ما قاله أبو بكر t  كان هو الحق، فعنت له الأعناق كلها. هذا هو إجماع الصحابة. كان عمر t أيضا يقول إن النبي r  سيعود ثانية، فلو لم يكن استدلال أبي بكر هذا كاملا -ويقتضى كماله ألا يكون فيه أي استثناء، إذ لو كان عيسى قد صعد إلى السماء حيا وكان سيعود ثانية فلن يكون ذلك استدلالا بل كان مضحكة- لرفضه عمر t حتما.

لقد بين سيدنا المسيح الموعود u هذه الواقعة التي ذكرتها آنفا مرارا في أماكن مختلفة، وذلك لكي يطرد من قلوب الناس فكرة كون سيدنا عيسى جالسا في السماء حيا، ويكشف أن لا أحد من البشر صعد إلى السماء حيا، وأن عيسى u أيضا قد مات.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَاللهِ إنِّي لَأَمْشِي مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ عَامِدٌ إلَى حَاجَةٍ لَهُ، وَفِي يَدِهِ الدّرَّةُ، وَمَا مَعَهُ غَيْرِي، قَالَ: وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ، وَيَضْرِبُ وَحْشِيَّ قَدَمهُ بِدرَّتِهِ، قَالَ: إذْ الْتَفَتَ إلَيَّ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ حَمَلَنِي عَلَى مَقَالَتِي الَّتِي قُلْتُ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ r؟ (أي قوله بأن النبي r لم يمت، ومن قال بموته فسيضرب عنقه) قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْتَ أَعْلَمُ، (أي قال ابن عباس لعمر بأنك أعلم لماذا قلت مثل هذا الكلام) قَالَ: فَإِنَّهُ وَاللَّهِ، إنْ كَانَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنِّي كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا[ (البقرة: 144) فوالله إنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r سَيَبْقَى فِي أُمَّتِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِآخِرِ أَعْمَالِهَا، فَإِنَّهُ لَلَّذِي حَمَلَنِي عَلَى أَنْ قُلْتُ مَا قُلْت.

أما ما ورد عن خلافة أبي بكر في البخاري فقد ذكرته سابقا وأذكره هنا مرة أخرى وهو أن الأنصار اجْتَمَعَتْ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ (أي قال للأنصار بأنكم الوزراء) فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لَا وَاللهِ لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ (أي قريش) أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ (لأبي بكر) بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ r فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ.

لما أمسك عمر بيد أبي بكر وقال له: بل نبايعك، ثم بايعه عمر وقال له: ألم يأمرك النبي r يا أبا بكر أن تؤم الصلاة؟ أنت خليفة الله، ونبايعك لأنك كنت أحب إلى النبي r أكثر منا جميعًا.

لقد ورد في سيرة ابن هشام عن فتنة المرتدين: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ r عَظُمَتْ بِهِ مُصِيبَةُ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ، فِيمَا بَلَغَنِي، تَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ r ارْتَدَّتْ الْعَرَبُ، وَاشْرَأَبَّتْ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ. هذا ما قاله ابن اسحاق.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ r وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ r أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ (أي لا يمكن القتال مع من قال لا إله إلا الله) فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ؛ فَقَالَ: وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ r لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. (البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة)

عند إنفاذ أبي بكر جيش أسامة بن زيد أسدى له نصائح عدة. كان أسامة راكبًا وأبوبكر يمشي معه، فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: وَاللهِ لَتَرْكَبَنَّ أَوْ لأَنْزِلَنَّ! فَقَالَ: وَاللهِ لا تنـزل ووالله لا أَرْكَبُ! وَمَا عَلَيَّ أَنْ أُغَبِّرَ قَدَمَيَّ فِي سَبِيلِ اللهِ سَاعَةً، فَإِنَّ لِلْغَازِي بِكُلِّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له، وسبعمائة درجة ترتفع له، وترفع عنه سبعمائة خَطِيئَةٍ! حَتَّى إِذَا انْتَهَى أبو بكر من إسداء النصح قَالَ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعِينَنِي بِعُمَرَ فَافْعَلْ! (وذلك لأن النبي r قد جعل عمر من ضمن جيش أسامة) فَأَذِنَ لَهُ أسامة.

لقد استشهد في عهد أبي بكر سبعون من الصحابة القراء في حرب اليمامة. وهناك رواية عن ذلك عن زَيْد بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ r؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ.

قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ r فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. يقول زيد بن ثابت: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ r؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ. فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الرِّقَاعِ وَالْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ:

]لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[  (لقد ورد في الرواية أنه وجد آيتين ولكن لم تذكر هنا إلا آية واحدة، لعل المراد منها الآية التالية أيضا.)

ثم ورد في الرواية: كَانَتْ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، ثم بعد ذلك أخذ منها عثمان كما ذكر سابقًا.

هذا الذكر مستمرٌ وسأتناوله لاحقًا أيضا.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز