خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 30/11/2018

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

الصحابة الذين سأذكرهم اليوم أولهم ثابت بن خالد الأنصاري، وكان من بني مالك بن النجار، شهد بدرا وأحدا، وحربَ اليمامة واستُشهد فيها، وعند البعض استشهد في حادث بئر معونة.

الصحابي التالي حضرة عبد الله بن عرفطة وكان رفيق حضرة جعفر بن أبي طالب في الهجرة إلى الحبشة، وفي رواية حضرة عبد الله بن مسعود قال: إن النبي ﷺ أرسلَنا إلى النجاشي، ونحن قرابة ثمانين نفرا، وكان عبد الله بن عرفظة شهد بدرا.

والصحابي التالي هو حضرة عتبة بن عبد الله وكان اسم والدته بسرة بنت زيد وكان قد شهد بيعة العقبة وبدرا وأُحدا.

ثم هناك الصحابي قيس بن أبي صعصعة الأنصاري وكان اسم أبيه عمرو بن زيد، إلا أنه مشهور بكنيته أبي صعصعة. كان اسم والدة حضرة قيس شيبة بنت عاصم، وكان مشتركا في بيعة العقبة حيث بايع سبعون من الأنصار، وتشرف بالاشتراك في بدر أيضا. عند الخروج إلى بدر نزل النبي ﷺ خارج المدينة عند بيوت السقيا. وأعاد النبي ﷺ الأولاد الصغار الذين كانوا قد جاءوا رغبة في رفقة النبي ﷺ ثم أمر الصحابة بجلب الماء من بئر السقيا، فشرب منه ثم صلى ببيوت السقيا، واستعمل رسول الله ﷺ يوم بدر على المشاة يعني الساقة قيسَ بن أبي صعصعة وأمره حين فصل بيوت السقيا أن يَعُدّ المسلمين فوقف بهم عند بئر أبي عنبة (وهي على مسافة كيلومترين ونصف تقريبا من المسجد النبوي) فعدّهم، ثم أخبر رسول الله ﷺ بأنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر، ففرح بذلك وقال: عدة أصحاب طالوت.

وعن السقيا هناك ملحوظة أنها كانت على مسافة كيلو متر من المسجد النبوي، وكان اسمها السابق حسيكة وبحسب رواية حضرة خلاد غيَّر النبي ﷺ اسمها بالسقيا، قال: فكانت في نفسي أن أشتريها، حتى اشتراها سعد بن أبي وقاص ببكرين، ويقال بسبع أواقٍ (أي ما يساوي 280 درهما). فلما ذكر ذلك عند النبي ﷺ قال إن صفقته رابحة جدا.

وجعل رسول الله ﷺ قيسا على الساقة يوم بدر والساقة هي الكتيبة التي تمشي خلف الجيش قصد الحراسة.

ذات يوم قال لرسول الله ﷺ: في كم أقرأ القرآن؟ قال: “في خمس عشرة ليلة”. قال أجدني أقوى من ذلك. قال: “ففي كل جمعة”. قال: أجدني أقوى من ذلك؟ قال: فمكث كذلك يقرؤه زماناً حتى كبر وكان يعصب عينيه، ثم رجع فكان يقرؤه في كل خمس عشرة ليلة، ثم قال: يا ليتني قبلت رخصة النبي ﷺ.

كان لحضرة قيس ابنٌ اسمه الفاكِهُ وبنت اسمها أمُّ الحارث وأمُّهما أمامة بنت معاذ. وبعدهما لم يكن له عقب.

كان لحضرة قيس ثلاثة إخوة وكانوا من صحابة النبي ﷺ إلا أنهم لم يشهدوا بدرا، أحدهم حضرة الحارث وقد استشهد في حرب اليمامة والآخران هما حضرة أبي كلاب وحضرة جابر بن أبي صعصعة وكلاهما استشهد في غزوة موتة.

هناك صحابي آخر اسمه حضرة عبيدة بن الحارث وكان من بني المطلب، وكان من أقارب النبي ﷺ وكان يكنى بأبي الحارث وعند البعض بأبي معاوية، وكان اسم والدته سخيلة بنت خزاعي، وكان أسنَّ من رسول الله ﷺ بعشر سنين، وكان إسلامه قبل دخول رسول الله ﷺ دار الأرقم. أسلم هو وأبو سلمة بن عبد الأسدي، وعبد الله بن الأرقم المخزومي، وعثمان بن مظعون في وقت واحد. وكان لعبيدة قدر ومنـزلة كبيرة عند رسول الله ﷺ. وكان من زعماء بني عبد مناف، وهاجر إلى المدينة مع أخويه الطفيل والحصين ابني الحارث، ومع مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب. وقبل السفر قرروا الاجتماع ببطن ناجح، فتخلف مسطح لأنه لُدغ، فلما أصبحوا جاءهم الخبر فانطلقوا إليه فوجدوه بالحصاص فحملوه فقدموا المدينة فنزلوا على عبد الرحمن بن سلمة.

آخى النبي ﷺ بين حضرة عبيدة بن الحارث وحضرة عمير بن الحُمام وكلاهما استشهد في بدر. وكان أخواه حضرة الطفيل بن الحارث والحصين بن الحارث أيضا شهدا معه بدرا. بعد الهجرة إلى المدينة اتخذ النبي ﷺ بعض التدابير لحماية المسلمين وتفادي شر الكفار، وهو دليل بيِّن على الكفاءة السياسية العالية للنبي ﷺ ونظرته الثاقبة في الحرب. وفي بيان ذلك قد كتب حضرة مرزا بشير أحمد ؓ في كتابه سيرة خاتم النبيين: من الثابت تاريخيا أن أول سرية أرسلها النبي ﷺ برئاسة حضرة عبيدة بن الحارث والتقت بفريق عكرمة بن أبي جهل، وكان فيه مسلمان ضعيفان من مكة قد جاءا مع الكفار وعند التقاء الفريقين التحق هذان المسلمان بالمسلمين. فقد ورد في رواية أنه حين التقى فريق المسلمين بجيش الكفار انضم رجلان هما المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان وكانا من حلفاء بني زهرة وبني نوفل، وكانا مسلمين وخرجا مع الكفار ليلتحقا بالمسلمين. فكان من أهداف النبي ﷺ من إرسال هذه السرايا أن يخلِّص أمثالهما من مظالم قريش فيتسنى لهم الالتحاق بالمسلمين.

بعد ثمانية أشهر من الهجرة، أرسل النبي ﷺ ستين أو ثمانين راكبا مع حضرة عبيدة بن الحارث، فأعدَّ النبي ﷺ لحضرة عبيدة لواء أبيض، حملها حضرة مسطح بن أثاثة، وكان هدف هذه السرية صدَّ قافلة تجارية لقريش. وكان أمير قافلة الكفار أبا سفيان، وعند البعض كان عكرمة بن أبي جهل وعند البعض الآخرين مكرز بن حفص. وكانت تلك القافلة تضم مائتي راكب، ومعهم أموال التجارة. التحقت جماعة الصحابة بهذه القافلة عند وادي رابغ ويقال له ودان أيضا، ولم يكن بينهما قتال سوى تبادل السهام، ولم يصطفّوا للقتال. والصحابي الذي أطلق أول سهم من قبل المسلمين هو حضرة سعد بن أبي وقاص. في هذا الوقت خرج من جماعة المشركين حضرة المقداد بن الأسود وحضرة عيينة بن غزوان (عتبة بن غزوان بحسب رواية ابن هشام وتاريخ الطبري) لأنهما كانا قد قبلا الإسلام، وكانا يريدان الالتحاق بالمسلمين، وكانت هذه السرية هي الثانية في الإسلام برئاسة عبيدة بن الحارث. بعد تبادل السهام انصرف الفريقان، لأن هيبة المسلمين وقعت على الكفار كثيرا وزعموا أن وراءهم جيشا كبيرا يساعدهم، فانهزموا مرتعبين ولم يلاحقهم المسلمون. فلم تندلع الحرب بين الفريقين، وإنما اكتفى الفريقان برمي السهام وحين انصرف الكفار لم يلاحقهم المسلمون وعادوا إلى المدينة.

لقد كتب حضرة مرزا بشير أحمد ؓ في كتابه السيرة:

بعد أن رجع رسول الله ﷺ من غزوة ودان إلى المدينة، بعث في بداية ربيع الأول أحد أقاربه وهو عبيدة بن الحارث بن المطلب في ستين راكبًا من المهاجرين؛ وكان الهدف من ذلك صدَّ هجمات قريش، فقطع عبيدة بن الحارث وأصحابه مسافة، وحين بلغوا ثنيةَ المرة، لقوا بها مائتي شابّ مسلح من قريش برئاسة عكرمة بن أبي جهل؛ تقابل الفريقان وحصل بينهم تبادل السهام ثم تخلف جيش الكفار زعما منهم أن وراء المسلمين دعما خفيا وربما يصلهم رجال آخرون قريبا. لم يلاحقهم المسلمون وفرَّ من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو، وعتبة بن غزوان وكانا مسلمين؛ ولكنهما خرجا يتوصلان بالكفار إلى المسلمين لأنهما كانا مسلمين من قلبهم، ولم يكونا قادرَين على الهجرة خوفا من قريش، وربما هذا الأمر غيَّر موقف قريش وتشاءموا وقرروا الهروب. وغير مذكور في التاريخ جيش الكفار هذا الذي من المؤكد أنه لم يكن قافلة تجارية، إذ كانوا قد خرجوا مسلحين في جيش رسميا متظاهرين أنهم خرجوا للتجارة، وقد استخدم ابن إسحاق بحقهم “جمعا عظيما”، وكانوا قد أتوا إلى هناك بنية معينة.

ومن المؤكد أن نيتهم لم تكن حسنة، بل كانوا قد جاؤوا لشن الهجوم، لذا رماهم المسلمون بالسهام، ومن المؤكد أن الكفار هم الذين بدأوا بالرمي. ولكن كان من فضل الله تعالى أنهم وجدوا المسلمين مستعدين ورأوا أن بعضا منهم قد التحقوا بالمسلمين، ومن ثم لم يتشجعوا على شن الغارة ورجعوا. وقد استفاد الصحابة من هذه الحملة عمليا أن مسلمَين تخلصا من ظلم قريش.

لقد بارز عبيدةُ بن الحارث يومَ بدرٍ الوليدَ بن عتبة. فقد جاء في الأحاديث أن آية نزلت في القرآن الكريم بهذه المناسبة، فقد رُوي عن عليّ ؓ أن الآيَة (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ) نزلت في الذين بارزوا يوم بدرٍ أي حمزة بن عبد المطلب، وعليّ بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة. الآية بكاملها هي: ( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ)

لقد ورد تفصيل هذه المبارزة في سنن أبي داود كما يلي: عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: تَقَدَّمَ يَعْنِي عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَتَبِعَهُ ابْنُهُ وَأَخُوهُ فَنَادَى مَنْ يُبَارِزُ فَانْتَدَبَ لَهُ شَبَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ. مَنْ أَنْتُمْ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ لا حَاجَةَ لَنَا فِيكُمْ إِنَّمَا أَرَدْنَا بَنِي عَمِّنَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قُمْ يَا حَمْزَةُ قُمْ يَا عَلِيُّ قُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُتْبَةَ وَأَقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ وَاخْتُلِفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ ضَرْبَتَانِ فَأَثْخَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ مِلْنَا عَلَى الْوَلِيدِ فَقَتَلْنَاهُ وَاحْتَمَلْنَا عُبَيْدَةَ. (سنن أبي داوود, كتاب الجهاد)

في هذه المبارزة ضرب الوليد بن عتبة على رِجل عبيدة ضربا مبرحا فُقطعت. وبعد معركة بدر مات عبيدة بن الحارث رحمه الله بالصفراء ودُفن هناك. (الصفراء مكان قرب ميدان بدر).

وفي رواية: أن ساق عبيدة كانت مقطوعة ومُخُّ ساقه يسيل، فاحتملوه إلى النبي ﷺ فقال عبيدة: يا رسول الله، ألست شهيدًا؟ (أي قال ذلك قبيل لفظه الأنفاس) قال: بلى.

وفي رواية أخرى أن عبيدة جيء به إلى النبي ﷺ، فوضع رأسه على ركبته، فقال: يا رسول الله، لو رآني أبو طالب لعلم أني أحق بقوله منه، حيث يقول:

ونسلمه حتى نُصرَّع حوله … ونذهل عن أبنائنا والحلائل.

(هذه كانت مشاعر هؤلاء) كان عمره عند الاستشهاد 63 عاما.

بعد ذكر بعض الصحابة أريد أن أذكر الآن داعية مخلصا من جماعة إندونيسيا،كان قد نذر حياته لخدمة الجماعة، اسمه السيد سيوطي عزيز أحمد، وقد توفِّي بتاريخ 19/11/2018م، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم مصابا بمرض شديد في القلب، وأُرسل إلى ربوة للعلاج حيث أُجريت له عملية جراحية في مركز طاهر للقلب، ولكن لم تتحسن صحته وتوفي بتاريخ 19 نوفمبر. ترك المرحوم وراءه أرملة وابنين وابنتين، وعشرة من الأحفاد والحفيدات، ستة منهم مسجَّلون في مشروع وقف نو. وُلد السيد سيوطي عزيز أحمد في 17/8/1944م في “بوني” بجنوب “سولا ويسي” في إندونيسيا، ودرس في الجامعة الأحمدية بربوة من سبتمبر 1966م إلى 1971م. وفي أبريل 1972م عُيّن داعية مركزيا في إندونيسيا. في عام 1985م مُنح شهادة “الشاهد” -حين كان في ميدان التبليغ- نظرا إلى نشاطاته وخدماته. في عام 2000م حظي بشرف حج بيت الله. خدم داعيةً من 1972 إلى 1979 في سومطرة الجنوبية ولامبونغ، وجامبي، وبينكولو. ثم عُين معلّما للدعاة والمبشرين من 1979 إلى 1981. وفي 1981 عُين داعيةً في جماعة، بوربوكيتو. في العام التالي عُين نائب المدير لصفوف الدعاة والمبشرين. ومن 1982 إلى 1992م عمل عميدا للجامعة الأحمدية في إندونيسيا. وفي هذه الأثناء مُنح شهادة “الشاهد” في عام 1985م. ثم خدم في منصب رئيس المبلغين إلى عشرين عاما وذلك من عام 1992م إلى 2016م. كما وُفق للخدمة عميدا للجامعة الأحمدية في إندونيسيا من 2016م إلى أن وافته المنية.

في عام 1973 تزوج المرحوم من السيدة عفيفة بنت السيد عبد الواحد، داعية الجماعة (وهي الأخت الكبرى للسيد عبد الباسط، أمير الجماعة الحالي في إندونيسيا) وقد رُزق منها بأربعة أولاد هم: السيدة وردية خالد، والسيد حارث عبد الباري، والسيد سعادة أحمد، والسيدة عطية العليم. توفيت زوجته السيدة عفيفة في عام 2009م، وبعد وفاتها تزوج المرحوم من السيدة أرينه داماينتي، ولكن لم يُرزق منها بأولاد.

قال المرحوم ذات مرة في لقاء مع ايم تي ايه عن انتشار الأحمدية في عائلته: السبب الأهم وراء بيعتي وبيعة عائلتي هو أن جدي كان قد أوصى أن الإمام المهدي سيأتي في الزمن الأخير وعليكم أن تبايعوه جميعا عند مجيئه. هاجرت عائلتنا مرتين للعمل بهذه الوصية. ففي عام 1959 هاجرت عائلتي إلى “لامبنغ”. في عام 1963م جاء إلى “لامبنغ” داعية اسمه زيني دهلان لتبليغ الدعوة وأخبرنا في أثناء لقائنا معه أن الإمام المهدي قد جاء. فسألتُه: ما هو الدليل على مجيئه؟ فأعطانا كتابا عنوانه “مسيح آخر الزمان” وطلب منا مطالعته. وحين قرأته أيقنتُ أن الإمام المهدي المنتَظر قد جاء فعلا وهو مرزا غلام أحمد القادياني ؏. ففي 13 فبراير 1963م – حين كنت بالغا من العمر 19 عاما – بايعت أنا وأربعون شخصا من عائلتي بواسطة السيد زيني دهلان المحترم.

وفي عام 1963م جاء وكيل التبشير من ربوة إلى “باندونغ” حيث كنت أسكن حينذاك. فبالاشتراك في برامج الجماعة ولقاء الدعاة اتضح لي صدق الجماعة بجلاء أكثر. ثم قال الراوي متحدثا عن التحاقه بالجامعة الأحمدية:

في عام 1963م زارنا السيد أبو بكر أيوب -داعية الجماعة في سومطرة الجنوبية حينذاك- في منطقة “لامبنغ”. وبعد جولته كتب تقريرا إلى رئيس المبلغين آنذاك السيد شاه محمد الجيلاني وقال فيه: لقد بايع بعض الأفراد من الفئة العرقية “بوغِس” ولكن لا يوجد من بينهم داعية للجماعة بينما هناك دعاة من الفئة العرقية “جاوا” و”سندا”. وقد رأيت هنالك ثلاثة شباب يمكن إرسالهم إلى ربوة للدراسة. يقول الراوي أنني كنت أحد هؤلاء الشباب الثلاثة. ثم شُفع لنا نحن الثلاثة للالتحاق بالجامعة الأحمدية هنالك، وطُلب منا استخراج جواز السفر. ولكن بسبب سوء الظروف السائدة في إندونيسيا آنذاك لم نستطع استخراج جواز السفر. ثم قدمتُ الطلب للتأشيرة في السفارة الباكستانية في 1963 برفقة رئيس المبلغين آنذاك مولانا السيد إمام الدين وحصلتُ على التأشيرة خلال ربع ساعة. وصلت إلى كراتشي ومكثتُ هناك ليلة واحدة ثم وصلت إلى ربوة بالقطار واستقبلني عدد كبير من طلاب الجامعة ووصلنا إلى الجامعة الأحمدية مشيا على الأقدام. كان المحيط غريبا بالنسبة لي وواجهت بعض المشاكل في البداية ثم تأقلمت مع الجو المحيط. بعد ثلاثة أيام تم إلحاقي بالجامعة وكان من أساتذتي أحد أصحاب المسيح الموعود ؏ اسمه الأستاذ عطا محمد. في أثناء إقامتي في ربوة حظيتُ بشرف لقاء عدد لا بأس به من صحابة المسيح الموعود ؏ إذ كنت أبحث عن الفرصة دائما للقائهم، وأثناء الحديث معهم كنت أدلّك أقدامهم.

ثم قال الراوي في بيان لقاء جميل مع سيدنا الخليفة الثالث رحمه الله: عندما انتُخب حضرته خليفةً لقيتُه أول مرة وعانقته. ربَتَ حضرته على خدي وقال: لقد جاء من إندونيسيا، ثم قال لجميع الطلاب الأجانب: إنكم بمنـزلة أبنائي. بعد ذلك ظل النور الروحاني للخليفة الثالث يحالفنا دائما، وبسببه ظلت مشاكلنا تتلاشى تلقائيا. وقال حضرته أيضا: كلما واجهتم مشكلة فتعالَوا إلي.

عندما كنتُ موشكا على العودة إلى إندونيسيا ذهبت للقاء حضرته، فسألني: هل تحتاج إلى شيء؟ قلتُ: أريد كتبا، وقد ذهبتُ إلى المكتب المعني ولكن لم أجدها. فكتب  حضرته على ورقة بقلمه: أعطوا السيد سيوطي كتبا، فأُعطيتُ جميع مجلدات الخزائن الروحانية وهي لا تزال بحوزتي. وقبل المغادرة ضمّني الخليفة الثالث رحمه الله إلى صدره لوقت طويل وقال في أذني، حذارِ أن تكون عديم الوفاء لله تعالى، هذه نصيحتي لك.

في عام 1993م أرسلني أمير الجماعة في إندونيسيا -السيد شريف أحمد بوغِس- إلى الفلبين لدعم برنامج البيعة العالمية وقال: هذا أمرٌ من الخليفة الرابع. قلتُ: أنا ضعيف جدا ولا أعرف لغتهم المحلية أيضا، فقال الأمير المحترم: أنا أثق بك ثقة تامة، وهذا هو أمر الخليفة. فانطلقت من مركز الجماعة، وكان علي أن أمرّ في هذا السفر بمدينة مانيلا ومدينة زمبواكا. أكلت هناك طعاما وأصبت بالهيضة الشديدة وازداد الضعف أكثر. في هذه الحال دعوتُ أن يا ربِّ، لو متُّ هنا فلا يوجد هنا مسلم يصلي علي. فرأيتُ رؤيا في الليل أن ممرضة أتتني في زيِّها الرسمي ونفخت فيَّ ماسحةً رأسي بيدها، فشعرتُ أن جسدي قد برُد وخرج البرد من قدمي. وفي الصباح حين استيقظتُ كنتُ قد تحسنتُ تماما، فذهبتُ إلى “تاوي” حيث دخل الجماعة بفضل الله تعالى 130 شخصا في غضون ثلاثة أشهر.

كتب أمير الجماعة في إندونيسيا السيد عبد الباسط: عرفت السيد سيوطي عن قرب وبشكل جيد لكونه زوجَ أختي وداعيةً. كان رجلا بسيطا ونموذجا عظيما في التواضع ومثالا للصبر والجلد، ملتزما بالدعاء ومتهجدا ومتوكلا على الله جدا. كان يكن للخلافة والخلفاء إخلاصا كبيرا وحبا شديدا، وكان يؤثر أعمال الجماعة على أعماله الشخصية دوما، وكان من الخدام الناجحين للجماعة. وكل مسؤولية عُهدت إليه أداها بكل إخلاص ووفاء. وسواء كان داعية أم أستاذا في الجامعة أم عميدا أم رئيسا للدعاة كان نموذجا حسنا ومثالا لكل واقف للحياة.

قال السيد معصوم نائب عميد الجامعة في إندونيسيا: إن السيد سيوطي كان يُدرس السنة الخامسة والرابعة والثالثة ترجمة معاني القرآن الكريم، والسنةَ الأخيرة علم الكلام، وكان قد ترجم للتدريس كتابَ “العرفان الإلهي” من الأردية إلى الإندونيسية. وحين ضعفت صحته وصعب عليه المشي والتجول كان يدعو الطلاب إلى مكتبه ليدرسوا منه. وقبل ذهابه إلى ربوه أعطى الدرس الأخير في 8 نوفمبر. كان يقول دوما: إن الجامعة قد تطورت بموافقة خليفة المسيح لتُخرِّج الدعاة حَمَلَة شهادة “الشاهد”، لذا ينبغي أن تجتهدوا كثيرا وتحقّقوا آمال الخليفة.

كتبت إحدى بناته السيدة وردية: إن والدي قضى حياته كلها في أعمال الجماعة كواقف الحياة حتى إننا قلّما خرجنا للنزهة، وكنا نعلم جيدا أن هذه هي حياة الواقف، وهذا ما علَّم أولادَه أن وقت واقف الحياة كله للجماعة. ثم قالت: كان مبدأ الوالد في التربية أنه لم يكن ينصح كثيرا بل كان يُري نموذجه العملي. ثم قالت: حين مرضت والدتي كان يـخدمها بصبر، وكان يقوم بأعمال البيت أيضا بنفسه، وكان يُعدّ بنفسه السحور والإفطار في رمضان ولم يكن يطلب من أحد أن يعمل شيئا له، وكان متعودا القيام بأعماله بيده.

كتب ابنه السيد سعادت: كان يربينا بغاية الصبر ولكن في موضوع الصلاة كان يركِّز كثيرا وكلما حان وقت الصلاة في صِغرنا كان يوصينا أن نذهب إلى المسجد لنصلي بالجماعة، وإذا لم يجدني في المسجد بحث عني وأخذني إلى المسجد. كان يقول دوما: لا تترك الصلاة أبدا، وينبغي أن تصلي صلاة السنة أيضا مع الفرض، وأن تداوم على تلاوة القرآن.

قالت ابنته السيدة عطية العليم: كان الوالد يصدق دوما ولم يكن يكذب مع أولاده حتى مزاحا، ولم يترك التهجد قط وكان يصلي الصلوات في الجماعة في المسجد دوما، ولم أره يصلي في البيت صلاة الفرض إلا إذا كان مريضا.

وكتبت زوجته الثانية: قال لأولاده قبل ذهابه إلى ربوة: كفيلي وكفيل أهل بيتي هو الخلافة وحياتي ومماتي للجماعة. في هذه السنة جاء إلى ألمانيا بكل شوق بمناسبة الجلسة السنوية مع أن أولاده حاولوا منعه من السفر بسبب مرضه، ولكنه قال إنني أريد لقاء الخليفة. فجاء والتقى بي في ألمانيا وكان هذا آخر لقاء له معي. قالت: كان زوجا مثاليا، وقد تعلمتُ منه أهمية الطاعة، ولم يكن يبالي بصحته في أعمال الجماعة.

قال السيد زكي وهو زوج ابنة المرحوم سيوطي عزيز: في 2005 حين بلغه أن الناس سوف يهاجمون مركز الجماعة، أمرَنا نحن الخدامَ أن نذهب لحماية المركز. قال: كنتُ أيضا هناك، وكان السيد سيوطي آنذاك رئيس الدعاة، فرأيتُ أن السيد سيوطي لم يُظهر أي خوف وكان يزور الخدام حتى في منتصف الليل أيضا ويشجِّعهم. قال: رأيت فيه حبا شديدا للخلافة، وكان يقول دوما إنني واقف الحياة وكلما أقوم به أقوم به بأمر من الخليفة وبموافقته. أُصيب بجلطة في 2017 ولم يكن يستطيع الكلام بشكل واضح ومع ذلك استمر في قراءة الكتب وكان يسعى ليذهب إلى الجامعة ويدرّس الطلاب.

كتب السيد أحمد سكرتير التربية: كلما أعطاه أحد مشورة شكره بكل إخلاص دونما تصنُّع، وكلما وجد مشكلة في أمر ما استشار الآخرين بكل إخلاص.

كتب الداعية أحمد نور: كان عيشه بسيطا دوما ومع ذلك كان وقورا جدا، وكان نشيطا في أعمال الجماعة مع كِبر سِنّه وكأنه شابٌّ. أذكر وصية له وهي أنه كان يقول دوما لا تُعرضوا عن الله تعالى أبدا بل اسألوه لأنه لا يرد دعاء عبده أبدا. يقول: حين أُجريت المقابلة معي لنيل شهادة “الشاهد” قال لي المرحوم باكيا ومقشعرا: لا تتركن الوقف، والذي يترك الوقف يكون من الخاسرين جدا.

قال شخص: جاء السيد سيوطي إلى “قنداري” وقال ناصحا: إذا كان ثمة داعية يواجه مشاكل داخلية أو خارجية في تطبيق نظام الجماعة فعليه أن يتقدم بلا خوف ويُوقنَ أن الله تعالى سينصره ويؤيده، ولكن لو اعترض عليه الناس بسبب بعض عيوبه الشخصية فعليه أن يحاسب نفسه ويحسّن حاله. لا داعي للقلق بشأن الجماعة، بل عليه أن يتوكل على الله ويعمل بالتقوى ولكن لو كانت فيه بعض العيوب الشخصية فعليه أن يحاسب نفسه.

كتب الداعية خالد أحمد خان: أثناء دراستي في الجامعة كان المرحوم قدوةً لنا في الأخلاق والروحانية. كان يهتم جدا بالصلاة في الجماعة في وقتها دوما، بل كان كثيرا ما يأتي المسجدَ قبل الوقت ويجلس في انتظار الصلاة في الجماعة، وظلّ مهتما بالصلاة حتى أيامه الأخيرة رغم مرضه.

ثم كتب الداعية هاشم المحترم: لقد تشرَّفتُ بدراسة علم الكلام على يده في الجامعة الأحمدية، وكان من عادته أنه يطرح أسئلة على الطلاب وكان يقدّر جدا إجاباتهم. مرة سألَنا ما هو أقوى دليل على صدق الجماعة؟ فأجاب كل منا مستدلا بآيات القرآن الكريم والأحاديث، فقال بعد أن سمع إجاباتنا: إن أقوى دليل على صدق الجماعة هو أنا، أيْ ينبغي أن يحسب كل أحمدي نفسه دليلا على صدق الجماعة. ثم قال لنا: ينبغي أن تجعلوا أنفسكم بحيث يكون كل واحد منكم دليلا على صدق الجماعة. هذا كان أسلوب تربيته أنه إذا عملتم بتعاليم الأحمدية أي الإسلام الحقيقي لكنتم أقوى دليل على صدق الجماعة، هكذا كان يربي الطلاب.

كان يستمع إلى خطبي بإمعان، ثم كان يناقش الطلاب نكات الخطب ويتأكد ما إن كان الطلاب سجلوا نكات الخطب أم لا؟ وهل فهموا رسالة الخليفة أم لا؟ وكان يوصيهم دوما بطاعة الخلافة.

كتب الداعة شـمسوري محمود المحترم: كان السيد سيوطي داعيةً ناجحا. مرة قال لي ناصحا: ينبغي ألا تغفل بعد أن أوقفتَ الحياة، لأن التخلي عن الوقف هو بمنزلة الخروج عن الجماعة. ثم كرر هذه الجملة، وعند قوله هذا كانت عيناه قد احـمرت وفيهما دموع.

يقول الداعية يوسف إسماعيل المحترم: حين عُينتُ داعيةً إقليميا ذهبتُ إلى السيد سيوطي لأنه كان رئيس الدعاة، فسألتُه: لماذا تم تعييني كداعية إقليمي؟ إنني مقصر ولا أملك خبرة كافية، فلا أراني جديرا بأن أكون داعية إقليميا، فهناك مَن هم أكثر خبرة مني ويمكن تعيين أحدهم. فقال ردّا علي بكل بساطة وصراحة: من قال لك أنك عُيّنتَ داعية إقليميا بسبب كفاءتك؟ إنما عُيِّنتَ لتتعلم وينشأَ فيك الإحساس بالمسؤولية. ثم قال: إننا عباد ضعفاء، لا نقدر على شيء، ولكن إذا كانت لنا علاقة قوية مع الله تعالى لسهل علينا كل أمر، يجب أن تتذكر سواء كنتَ داعيةً إقليميا أم داعية عاديا أن عليك توطيد علاقتك بالله تعالى، حينها ستنال النجاحات وتسهل عليك الأمور.

قال المدير العام لـ أيم تي ايه ستوديو في إندونيسيا السيد أخانور: ذات مرة كنتُ أواجه مشكلة عويصة فكتبتُ إلى السيد سيوطي للدعاء فلم يرد علي حينها، ثم سأل أحدا عن رقم هاتفي، وفي اليوم التالي تصادف أن التقيتُ به فكان أول سؤاله أنك كتبتَ إليَّ للدعاء ولكن هل كتبتَ إلى الخليفة للدعاء من أجل مشكلتك؟ وحين أخبرتُه أنني قد كتبتُ فرح جدا وقال هذا هو الطريق المناسب. يقول المدير: كانت حينها الدموع في عينَيه وكان حبه للخلافة باديا في لهجته. هكذا كلما جاء ذكر الخلافة في مناسبات مختلفة كان يصبح عاطفيا جدا.

كان المرحوم منخرطا في نظام الوصية بفضل الله تعالى. تُوفي في ربوه ونُقل جثمانه من باكستان إلى إندونيسيا في 23 نوفمبر/تشرين الثاني ودُفن في مقبرة الموصين بمركز “باروم” يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني. وصلى عليه عدد كبير من أبناء الجماعة. رفع الله تعالى درجاته ورزقه مقاما عاليا في جنة الفردوس، وألهم ذويه جميعا الصبر والسلوان ووفّق أولاده وذريته القادمة ليقتدوا به. (آمين)

******

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز