خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 25/1/2019
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
إن أول الصحابة البدريين الذين سأذكرهم اليوم هو الطفيل بن الحارث القرشي، أمّه سُخَيْلَة بنت خُزَاعِي. بعد الهجرة إلى المدينة آخى رسول الله ﷺ بين الطفيل بن الحارث والمنذر بن محمد بن عقبة. وفي رواية أنه آخى بين الطفيل بن الحارث وسفيان بن نسر. وشهد الطفيل بدرا وأُحدا والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن سبعين سنة.
ثم هناك صحابي آخر اسمه: سليم بن عمرو الأنصاري. أمّه أمّ سليم بنت عمرو. كان من بني السلمي من قبيلة الخرزج. وقيل اسمه: سليمان بن عمرو. بايع بالعقبة مع السبعين، وشهد بدراً، وقتل يوم أُحد شهيداً، ومعه مولاه عنترة.
والصحابي الآخر هو سُلَيْم بن الحارث الأنصاري. كان من بني دينار من الخزرج، وقيل أنه كان مملوكا لبني دينار. وقيل إنه أخو الضحاك بن الحارث. فقد ذُكر كلا هذين الأمرين بحسب المعلومات المتاحة عنه. شهد بدرًا، وقُتل يوم أُحد شهيدًا.
والصحابي الآخر هو سُلَيْم بن ملحان الأنصاري، والدته مليكة بنت مالك. وهو خال أنس بن مالك، وأخو أم سليم وأم حرام. أمّ حرام هي زوجة عبادة بن الصامت، وأمّ سليم هي زوجة أبي طلحة الأنصاري وابنه أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ. شهد بدرًا مع أخيه حرام بن ملحان، وشهد معه أحدًا، وقُتلا يوم بئر معونة.
كانت سرية المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرًا من مُهَاجَرِ رسول الله ﷺ. قدم عامر بن مالك بن جعفر على رسول الله ﷺ، فأهدى له فلم يقبل منه وعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال عامر: لو بعثت معي نفراً من أصحابك إلى قومي لرجوت أن يجيبوا دعوتك ويتبعوا أمرك، فقال: إني أخاف عليهم أهل نجد. فقال: أنا لهم جار إن يعرض لهم أحد. فبعث معه رسول الله ﷺ سبعين رجلاً .. يسمون القراء وأمّر عليهم المنذر بن عمرو الساعدي. (لقد ذُكر هذا الحادث من قبل أيضا) فلما نزلوا ببئر معونة، وهو ماء من مياه بني سليم وهو بين أرض بني عامر وأرض بني سليم …نزلوا عليها وعسكروا بها وسرحوا ظهرهم وقدموا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله ﷺ إلى عامر بن الطفيل فوثب (دون أن يقرأ كتاب رسول الله ﷺ) على حرام فقتله واستصرخ عليهم بني عامر فأبوا، فاستصرخ عليهم قبائل من سُليم عُصَيَّة ورِعلاً وذكوان فنفروا معه ورأسوه. واستبطأ المسلمون حرامًا فأقبلوا في أثره فلقيهم القوم فأحاطوا بهم فكاثروهم فتقاتلوا، فقُتل أصحاب رسول الله ﷺ، وفيهم سليم بن ملحان والحكم بن كَيْسَان في سبعين رجلاً، فلما أحيط بهم قالوا: اللهم إنا لا نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك فأقرئه منا السلام. فأخبره جبرائيل ؏ بذلك فقال: وعليهم السلام؛ وبقي المنذر بن عمرو فقالوا: إن شئتَ آمناك، فأبى وأتى مصرع حرام فقاتلهم حتى قُتل فقال رسول الله، ﷺ: أعنق ليموت، يعني أنه تقدم على الموت وهو يعرفه. (وقاتل العدوَّ بشجاعة كبيرة على الرغم من قلة العدد والعتاد، لأنه لم يذهب بنية القتال أصلا)
ثم هناك صحابي آخر اسمه سُلَيْم بن قيس الأنصاري، أُمّه أمّ سليم بنت خالد، وهو أخو خولة بنت قيس، زوجة حمزة بن عبد المطلب، رضي الله عنهم. شهد بدرًا، وأحدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ وتوفي في خلافة عثمان.
ثم هناك صحابي آخر اسمه ثابت بن ثعلبة، وأمّه أمُّ أُنَاس بنت سعد من بني عُذْرَة.. وهو الذي يقال له ثابت بن الجذع، والجذع ثعلبةُ بن زيد وسمِّي بذلك لشدة قلبه وصرامته. وكان لثابت من الولد عبد الله والحارث وأم أناس وأمّهم أُمَامَة بنت عثمان … وشهد ثابت العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار، وشهد ثابت بدرا وأحدا والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة ويوم الطائف وقُتل يومئذ شهيدا.
والصحابي الآخر هو سِمَاكُ بن سعد بن ثعلبة، أخو بشير بن سعد. والد النعمان بن بشير، شهد بدرًا مع أخيه بشير، وشهد أحدًا أيضًا، كان من قبيلة الخزرج.
ثم الصحابي جابر بن عبد الله بن رِئاب. كان من الأنصار الستة الذين دخلوا الإسلام في مكة قبل غيرهم. شهد جابرٌ بدرا وأُحدا والخندق وغيرها من المشاهد كلها مع النبي ﷺ. قبل بيعة العقبة الأولى لقي النبيَّ ﷺ في مكة نفرٌ من الأنصار وكانوا ستة نفرٍ وهم: أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك بن العجلان، وقُطْبَة بن عامر، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رئاب، فأسلموا، فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول الله ﷺ.
لقد سبق بيان هذه القصة في ذكر عقبة بن عامر بن نابي من قبل ولكن سأذكره هنا بإيجاز شديد. لما انصرفوا من عند النبي ﷺ قالوا: إن الحروب الأهلية قد أضعفتنا، ووقعت بيننا خلافات كبيرة. سنبلغ الدعوة إلى إخوتنا في يثرب ولا يُستبعد أن يجمع الله بيننا بدعوتك فنكون جاهزين لنصرتك.
فانصرفوا وبواسطتهم بدأ الإسلام يشتهر، لقد قضى سيدنا رسول الله ﷺ هذا العام في مكة بين رجاء وخوف من أهل يثرب من حيث الأوضاع الظاهرية والظروف السائدة وكان يترقب ما يؤول إليه مآلهم. فهل سينال نجاحا في يثرب ويَظهر له بصيص أمل أم لا؟ لأنه في الأماكن الأخرى لم يُقابَل النبي ﷺ بالإنكارِ فقط، بل قد أبدى الناس له معارضة شرسة، حيث كان زعماء مكة والطائف قد رفضوا رسالة النبي ﷺ بشدة، وكانت القبائل الأخرى أيضا تأثُّرا بهم ترفض الدعوة واحدةً بعد أخرى. ففي هذه الأوضاع ظهر بصيص من الأمل في المدينة إثر بيعة هؤلاء، إلا أن أمرهم أيضا لم يكن يبعث على الطمأنينة. فمن كان في وسعه القول إن هؤلاء الستة الذين ظهر فيهم بصيص أمل سيقدرون على مقاومة المصائب والاضطهاد إذا تصدى لهم العدو؟!
على كل حال ذهب هؤلاء ونشروا الدعوة، وفي أثناء ذلك كان عداء أهل مكة ومعارضتهم في تزايد مستمر. وكانوا موقنين بأن هذا هو الوقت المناسب للقضاء على الإسلام، لأنه إذا خرج من مكة وبدأ ينتشر فسيتعذر القضاء عليه، لذا كانوا قد أبلغوا معارضتهم منتهاها. ومع ذلك كان النبي ﷺ وأصحابُه المخلصون الذين بايعوه وأسلموا ثابتين على موقفهم كالصخرة الراسخة، ولم يكن شيء يزعزعهم عن الإسلام وتعليمِه والتوحيد. باختصار كانت تلك المرحلة حساسة جدا للإسلام، فكان هناك خوف وأمل أيضا حيث كان النبي ﷺ ينتظر مآل هؤلاء الذين ذهبوا إلى المدينة. في العام التالي أيضا جاء وفد من المدينة بمناسبة الحج، فخرج النبي ﷺ من بيته بمنتهى الشوق ووصل إلى العقبة جانب منى، وأجال نظره إلى هنا وهناك، فوقع نظره فجأة على جماعة صغيرة من يثرب، فعرفوه فورا، وقابلوه بمنتهى الإخلاص والحب. كان خمسة منهم قد بايعوه في العام الماضي، وسبعة جدد من الأوس والخزرج كلتيهما. فأخذهم النبي ﷺ بمعزل عن الناس إلى العقبة، وكانوا وفدا مكونا من 12 شخصا، وقد أخبروا النبي ﷺ عن أوضاع يثرب. وبايعوا كلُّهم على يد النبي ﷺ. وكانت هذه البيعة حجر أساس بناء الإسلام في يثرب. وبايعوا النبي ﷺ على أنهم سيؤمنون بأن الله واحد ولن يشركوا به ولن يسرقوا ولن يزْنوا وسوف يجتنبون القتل ولن يتهموا أحدا، وأنهم سيطيعونه ﷺ في كل معروف. بعد البيعة قال لهم النبي ﷺ: اعلموا أنكم إذا وفيتم بهذا العهد بصدق وثبات فسوف تنالون الجنة، أما إذا تهاونتم فأمركم إلى الله وسوف يعاملكم كما يريد. باختصار قد أنجزوا عهدهم على خير ما يرام وأبلغوا الوفاء بالعهد قمته، ونرى كيف انتشر الإسلام في المدينة بعده.
هناك صحابي آخر سأذكره اليوم واسمه المنذر بن عمرو بن خُنَيْس وكان لقبه المُعْنِق ليموت أو المُعْنِق للموت، أي أنه تقدم إلى الموت وهو يعرفه، وكان من بني ساعدة من الخزرج من الأنصار، واشترك في بيعة العقبة. كان النبي ﷺ قد عيَّن المنذر بن عمرو وسعد بن عبادة رضي الله عنهما نقيبَين لقبيلتهما بني ساعدة. كان المنذر يعرف القراءة في الجاهلية أيضا، بعد الهجرة آخى النبي ﷺ بين المنذر وطُلَيْب بن عُمَيْر. كان المنذر مشتركا في بدر وأُحد. لقد كتب مرزا بشير أحمد ؓ عن المنذر ؓ في كتابه سيرة خاتم النبيين أنه كان من بني ساعدة من الخرزج، وكان زاهد الطبع، استُشهد في حادثة بئر معونة، وتفصيل حادثة بئر معونة قد ذكر سابقا في ذكر الصحابة الآخرين. وأذكر منه هنا أيضا شيئا له علاقة بالمنذر بن عمرو وهو ملخص ما ورد في كتاب سيرة خاتم النبيين.
كانت قبيلتا سُلَيْم وغَطَفَان مقيمتين في نجد في وسط القبائل العربية، وكانتا تتآمران مع قريش ضد المسلمين، وكانوا يتآمرون فيما بينهم كيف يمكن القضاء على الإسلام، وكانت شرور هذه القبائل تزداد تدريجا، وكانت نجد كلها مملوءة بسمّ معاداة الإسلام، وكان لذلك تأثير. ففي تلك الأيام جاء إلى النبي ﷺ أبو البراء عامر وهو رئيس بني عامر في وسط العرب، وقد مرَّ ذكره سابقا أيضا، فعرض عليه رسول الله ﷺ الإسلام بلطف فسمع الدعوة بشوق ولم يسلم. ثم قال للنبي ﷺ: يا محمد لو بعثت معي رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك. قال: أخشى عليهم أهل نجد. قال أبو البراء: أنا لهم جار. فلما كان سيد القوم وكان صاحب نفوذ وثِق به النبي ﷺ إثر طمأنته وبعث معه جماعة من الصحابة إلى نجد.
يقول مرزا بشير أحمد ؓ إن هذه الرواية من التاريخ، بينما ورد في رواية البخاري أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ من بني سليم وغيرهما من القبائل فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ المعارضين للإسلام ولم يذكروا أي نوع من المدد يريدون، أيريدون كتيبة للدفاع أو من ينشر الدعوة، فَأَمَدَّهُمْ النَّبِيُّ ﷺ بهذه الكتيبة، التي نحن بصدد ذكرها.
يقول حضرة مرزا بشير أحمد ؓ: من سوء الحظ حدث اختلاط في تفاصيل حادثة بئر معونة في روايات البخاري مع حادثة أخرى، ولا تتبين الحقيقة من روايات التاريخ والبخاري. إلا أن حضرته قدم حلا لذلك. يقول بسبب ذلك لا تستبين الحقيقة جيدا. باختصار نعرف يقينا أن في تلك الفترة جاء أناس من رعل وذكوان وغيرهما إلى النبي ﷺ وطلبوا منه إرسال بعض الصحابة معهم.
قال مرزا بشير أحمد ؓ إذا أردنا التوفيق بين هاتين الروايتين أي إذا أردنا إيضاح العلاقة والتوفيق بينهما فيمكن أن يكون على النحو التالي، بأن يكون أبو البراء العامري زعيم قبيلة بني عامر أيضا قد جاء مع أناس من رعل وذكوان وهو قد بدأ الحديث مع النبي ﷺ نيابة عنهم، وعليه فإن قول النبي ﷺ – “إني أخاف عليهم من أهل نجد”، وردّ أبي البراء بأنني جار لهم فلن يتعرض أصحابك لأي أذى منهم- يشير إلى أنه قد رافق أبا البراء أناسًا من رعل وذكوان الذين كان النبي ﷺ قلقًا منهم.
على أية حال، بعث النبيُّ المنذرَ بن عمرو الأنصاري في صفر عام أربعة الهجري أميرًا على سرية من 70 من الصحابة معظمهم كانوا من الأنصار، وكلهم من قراء القرآن وحفاظه، فلما نزلوا ببئر معونة، وهو موضع عُرف ببئر هناك، بعثوا حَرَام بن ملحان بكتاب رسول الله ﷺ إلى عمرو بن الطفيل رئيس قبيلة بني عامر. وهو ابن أخي أبي البراء العامري الذي سبق ذكره. وبقي الصحابة الآخرون في مكانهم. فلما أتى حرام بن ملحان إلى عمرو بن الطفيل وأصحابِه رحبوا به في البداية نفاقًا فلما اطمأن وجلس معهم يبلغهم دعوة الإسلام، أومأ بعض الأشرار إلى أحدهم فطعنه في ظهره واستشهده، وكان على لسانه وقت استشهاده: الله أكبر فزت ورب الكعبة. لم يكتف عمرو بن الطفيل بقتل رسول رسول الله ﷺ بل استصرخ على أصحاب النبي ﷺ بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه كما ذكر، أما الزائد في هذه الرواية هو أنهم قالوا: لن نُخْفِرَ أبا البراء وقد عقد لهم عقدًا وجوارًا، فاستصرخ عليهم قبائل من سُليم عُصَيَّة ورِعْلاً وذكوانًا فخرجوا حتى غشوا هذه الجماعة القليلة من المسلمين العزل، فلما رأى المسلمون هؤلاء الوحوش الضارية نحوهم قالوا لهم إننا لن نتعرض لكم لأننا لم نأت إلى هنا للقتال بل أتينا لِمَهَمَّةٍ أرسلنا لأجلها النبي ﷺ فلا نريد قتالكم، إلا أنهم لم يسمعوا منهم قولا وقتلوهم حتى آخرهم.
لقد ورد في التاريخ أنه لما أخبر جبريل عليه السلام النبي ﷺ عن شهداء بئر معونة، فقال النبي ﷺ عن المنذر بْن عَمْرو: “أَعْنَقَ ليموت”. أي أن المنذر بن عمرو لما رأى أنه قد قُدّرت لهم الشهادة فقد عانق استشهاده مقاتلا مع العدو في المكان نفسه مثل أصحابه الآخرين، لأجل ذلك عُرف بلقب المعنق ليموت أو المعنق للموت. لقد قال له قاتلوه: إن شئت آمناك. فأبى أن يقبل منهم أي شيء.
عن سهل قال: أُتِي بالمنذر بن أَبي أُسَيْد إِلى رسول الله ﷺ حين ولد، فوضعه على فخذه، وأَبو أُسَيْد جالس، فَلَهِيَ النبي ﷺ بشيء بين يديه، فأَمر أَبو أُسَيد بابنه فحمل وأَقلبوه، فقال النبي ﷺ: “أَيْنَ الْصَّبِيُّ”؟ قال: أَبو أُسَيد: أَقلبناه يا رسول الله. قال: “مَا اسْمُهُ”؟ قال: فلان. قال: “لاَ، وَلَكِنِ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ”. فسماه يومئذ المنذر.
علمًا أنه ليس بـالمنذر الذي نحن بصدد ذكره. لقد ذكر بعض الشارحين السبب في تسمية النبي ﷺ لهذا الصبي بالمنذر لأن المنذر بن عمرو كان عم أبي أسيد، وهو الصحابي الذي ذكرنا استشهاده في بئر معونة، فقد يكون تسمية ابنه بالمنذر تفاؤلا ليكون خلفًا طيبًا للمنذر بن عمرو، وكان النبي يسمي أقارب بعض أحبائه بأسمائهم ليحيي بذلك أسماء هؤلاء الأحباء.
وهناك صحابي آخر وهو مَعْبَد بن عَبَّاد وكنيته أبو حُمَيْضَة وهو ابن عباد بن قشير. لقد ورد اسمه معبد بن عباد ومعبد بن عُبَادَة أو معبد بن عمارة أيضا. كان من بني سالم بن غَنْم بن عوف بن الخزرج. كان يُكنى بأبي حميضة أو أبي خَمِيصَة. شهد بدرًا وأحدًا.
ثم هناك صحابي آخر وهو عَدِيُّ بن أَبي الزَّغْباء الأنصاري، واسم أبي الزّغْباء سِنان بن سُبَيع توفي في عهد عمر ؓ.
كان والده سنان بن سبيع بن ثعلبة، من جُهَيْنَة أحد قبائل الأنصار. شهد مع الرسول ﷺ بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها.
بعثه رسول الله ﷺ، مع بَسْبَس بن عمرو يتجَسَّسَان خَبَرَ أبي سفيان في وَقْعة بَدْر، فسارا حتى أتيا قريبًا من ساحل البحر فلما وردا بدرًا أناخا بعيرهما إلى تل كان قريبا من الماء واستقيا في شن لهما من الماء، وكان شخص من جهينة اسمه مجدي بن عمر هنالك، فسمعا جاريتين تقول إحداهما لصاحبتها إنما تأتي العير غدًا أو بعد غد، فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك، فخلَّص بينهما مجدي بن عمر وقال صدقتِ، وسمع ذلك بسبس وعدي فجلسا على بعيريهما حتى أتيا رسول الله ص فأخبراه الخبر. أي أخبراه بأنهما سمعا هذا الخبر من جاريتين تتحدثان فيما بينهما أن العير ستأتي غدا، كان ذلك الخبر عن مجيء عير الكفار. فهكذا كانوا يأخذون الأخبار ويوصلونها. ففي الظاهر هناك جاريتان تتحدثان فيما بينهما ولكن هذين الصحابيين يعرفان أهمية هذا الحديث لأنهما بهذا الطريق قد تلقّيا الخبر الهام عن مجيء العير.
تُوُفِّي عدي بن أبي الزغباء فِي خلافة عُمَر بْن الخطاب ؓ.
ثم الصحابي الربيع بن إياس ؓ، وهو من بني لوذان من الخزرج، شهد بدرا مع إخوته وَدَفَة بن إياس وعمرو بن إياس، وشهد أحدا أيضا.
ثم الصحابي عمير بن عامر الأنصاري ؓ، وكنيته أبو داود، واسم أبيه عامر بن مالك واسم أمه نائلة بنت أبي العاصم. كان عمير ؓ من الخزرج، وشُهر بكنيته أبي داود أكثر، شهد بدرا وأحدا مع رسول الله ﷺ. عن أم عمارة أن أبا داود المَازِنِيّ، أيْ عمير، وسَلِيط بن عمرو ذهبا يريدان أن يحضرا بيعة العقبة فوجدوهم قد بايعوا، فبايعا بعد ذلك أسعد بن زرارة وكان رأس النقباء ليلة العقبة. وبحسب روايةٍ أنَّ مَن قتل أبا البُخْتُرِي يوم بدر هو عمير بن عامر ؓ.
ثم الصحابي سعدٌ مولى حاطب بن أبي بلتعة ؓ، وهو من بني كلب، سعد بن خولة – عفوا اسمه خولي وليس خولة – وكان حاطب بن أبي بلتعة قد حرّره، كان من بني كلب، وقال أبو معشر هو من مذحج، وقيل هو من الفرس، شهد بدرًا، أصابه سباء فصار مولى حاطب بن أبي بلتعة، وكان حاطب بن أبي بلتعة يعامله بالحسنى والكرم، شهد سعد مع حاطب بن أبي بلتعة بدرا وأحدا واستُشهد يوم أحد، وفرض عمر بن الخطاب ؓ لابنه عبد الله بن سعد في الأنصار.
ثم الصحابي أبو سِنَان بن مِحْصَن ؓ، وأبوه محصن بن حُرْثَان، وكنيته أبو سنان، واسمه وهب بن عبد الله وقيل عبد الله بن وهب، والأصح كما ورد في التاريخ هو وهب بن محصن. وكان أبو سنان بن محصن أخا عُكَّاشَة بن محصن. وكان أكبر من عكاشة بن محصن، وورد في رواية أنه كان يكبر عكاشة بسنتين تقريبا، وقد تعددت الروايات عن ذلك فقال البعض عشر سنوات والبعض الآخر عشرين سنة. وكان اسم ابنه سنان بن أبي سنان. شهد بدرا وأحدا والخندق، وفي بعض الروايات أنَّ أوّل من بايع رسول الله ﷺ تحت الشجرة هو أبو سنان بن وهب ولكنه ليس صحيحا، لأن أبا سنان مات في حصار بني قريظة في خمسة للهجرة وهو ابن أربعين عاما، والذي بايع بيعة الرضوان هو ابنه سنان بن أبي سنان، ومات أبو سنان بن محصن والنبي ﷺ مُحاصِر بني قريظة، فدفنه النبيُّ ﷺ في مقبرة بني قريظة.
ثم الصحابي قيس بن السكن الأنصاري، وكنيته أبو زيد، واسم أبيه السكن بن قيس، وهو من بني عَدِيّ بن النجار الأنصاري الخزرجي، غلبت عليه كنيته أبو زيد، وشهد بدرًا وأُحُدًا والخندق والمشاهد كلّها مع رسول الله ﷺ، وهو أحد الصحابة الأنصار الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله ﷺ، عن أنس بن مالك ؓ: منا أَربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله ﷺ: أُبي بن كعب، ومعاذ بن جَبَل، وزيد بن ثابت، وأَبو زيد أيْ قيس بن السكن، وقال أنس هو أحد عمومتي.
في ثمانية للهجرة أرسل النبي ﷺ أبا زيد الأنصاري وعَمْرًا بن العاص السهمي بكتاب منه إلى ابني الجلندي عُبيد وجيفر يدعوهما فيه إلى الإسلام وقال لهما: إن أجاب القوم إلى شهادة الحق، وأطاعوا الله ورسوله، فعمرو الأمير، وأبو زيد على الصلاة، (لعل أبا زيد كان أحسن من عمرو دِينًا أو كان أعلم منه بالقرآن الكريم لذا قال النبي ﷺ أن أبا زيد يكون إمام الصلاة) وأخذ الإسلام على الناس، وتعليمهم القرآن والسنن. فلما قدم أَبُو زيد وعمرو عُمَان وجدا عُبَيْدا وجيفرا بصُحَار عَلَى ساحل البحر، فأوصلا كتاب النَّبِيّ ﷺ إليهما فأسلما ودعوا العرب هناك إِلَى الإِسْلام فأجابوا إليه ورغبوا فيه، (انتشر الإسلام بالتبليغ ولم يحدث أي قتال ولم يُستخدم سيف هناك قط) فلم يزل عَمْرو وأبو زيد بعُمَان حتى قبض النبي ﷺ، ويقال: إن أبا زيد قدم المدينة قبل ذلك.
استُشهد قيس في يوم الجسر، في عهد عمر ؓ، إذ مُدَّ جسر على نهر فرات أثناء الحرب مع الفرس لذا سميت هذه المعركة بيوم الجسر.
ثم الصحابي أبو اليَسَر كعب بن عمرو ؓ، وكنيته أبو اليسر، وهو من بني سَلَمَة. واسم أبيه عمرو بن عباد واسم أمه نُسَيْبَة بنت أزهر، وهي من بني سَلَمَة أيضا. شهد بيعة العقبة وبدرا. وهو الذي انتزع راية المشركين يوم بدر من يد أبي عزيز بن عمير. ثم شهد المشاهد مع رسول الله ﷺ، وبعده ﷺ شهد صفين مع علي بن أبي طالب ؓ. وفي روايةٍ كان الذي أسر العباس ؓ في غزوة بدر هو عبيد بن أوس. ولكن ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الَّذِي أَسَرَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو، كان أبو اليسر حينها نحيفا وقصيرا وشابا بعمر العشرين وكان العباس جسيما وطويلا، فقال له رسول اللهِ ﷺ: “كَيْفَ أَسَرْتَهُ يَا أَبَا الْيَسَرِ مع أنك نحيف الجسد وهو طويل وجسيم)؟” قَالَ: لَقَدْ أَعَانَنِي عَلَيْهِ رَجُلٌ مَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ وَلَا قَبْلُ، هَيْئَتُهُ كَذَا، هَيْئَتُهُ كَذَا. فقال رسول اللهِ ﷺ: “لَقَدْ أَعَانَكَ عَلَيْهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ”.
عن ابن عباس ؓ أن النبي ﷺ قال يوم بدر أن من قتل عدوا كان له كذا وكذا، لذلك قتل المسلمون سبعين مشركا وأسروا سبعين.
جاء أبو اليَسَر بأسيرين وقال يا رسول الله لقد وعدتنا أن من قتل منهم أَحدًا فله كذا وكذا، ومن أخذ منهم أسيرا فله كذا وكذا، وها قد جئتك بأسيرين. وفي رواية أن أبا اليسر هو الذي قتل أبا البختري يوم بدر.
وروت سَلَامة بنت معقل وقالت: كنت مولاة للحباب بن عمرو، فولدتُ له ولدًا، وعندما توفي الحباب قالت لي زوجته سوف تباعين الآن لتسديد ديون الحباب. (أي أنت أَمَةٌ وسوف نبيعك الآن) تقول سلامة: فجئت النبي ﷺ وأخبرته الخبر. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ للناس: مَنْ وَلِيُّ الْحُبَابِ في ترْكته؟ قِيلَ أَخُوهُ أَبُو الْيُسْرِ بْنُ عَمْرٍو. فَبَعَثَ إِلَيْهِ النبي ﷺ فَقَالَ: أَعْتِقُوهَا، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ قَدِمَ عَلَيَّ فَأْتُونِي أُعَوِّضْكُمْ مِنْهَا. وهكذا كان وأعتقها الرسول ﷺ، وأعطى أبا اليسر غلاما عوضا عنها.
لقد ذكر مرزا بشير أحمد ؓ في سيرة خاتم النبيين ﷺ واقعة وهي: روى عبادة بن الوليد: لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله ﷺ ومعه غلام له، وعلى أبي اليسر بردة ومَعَافِرِيٌّ وعلى غلامه بردة ومعافري. فقلت أي عم، ما يمنعك أن تعطي غلامك هذه النمرة وتأخذ البردة فيكون عليك بردان وعليه نمرة؟ فمسح على رأسي ودعا لي وقال يا ابن أخي، أشهد، لرأيته بأذني وسمعته بأذني ووعاه القلب أن رسول الله ﷺ قال : “أطعِموهم مما تأكلون واكسوهم مما تكتسون”. يا ابن أخي، لأنْ أعطي غلامي نصيبًا مساويا من متاع الدنيا أحبُّ إلي من أن ينقص من ثوابي في الآخرة.
فهؤلاء قوم رضي الله عنهم، وكانوا يعملون بأقوال النبي ﷺ بأدق صورة، وكانوا حريصين بل عطاشى للفوز برضوان الله دائما.
وروى أبو اليسر: كان لي على فلان من بني حرام دَينٌ، فجئت أبتغيه. فسلمت على الباب وقلت هل هو في البيت؟ فقيل: لا. ثم خرج إليّ وليد (أي جاءني من البيت ولد لم يبلغ الحلم)، فقلت له أين أبوك؟ قال: لقد سمع نداءك واختبأ في حجرة أمي تحت السرير. فناديتُ أنْ اخرجْ إلي يا فلان فقد علمت أين أنت. يقول أبو اليسر: فخرج إلي، فقلت: ما حملك على أن تختفي عني؟ قال: والذي لا إله إلا هو سوف أخبرك ولن أكذب. لقد خشيت أن أكذبك وأعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله ﷺ وكنت والله معسرا قال قلت آلله قال آلله قال قلت آلله قال آلله قال قلت آلله قال آلله قال فأتى بصحيفته ثم محاها بيده وقال إن وجدت قضاء فأقضنى وإلا أنت في حل فأُشهد بصر عينى هاتين ووضع إصبعيه على عينيه وسمع أذنى هاتين ووعاه قلبى هذا. وأشار إلى نياط قلبه وقال إني أرى رسول الله ﷺ وهو يقول من أنظر معسرا أو وضع له أظله الله في ظله.
(أي ها قد وضعتُ عنك العبء لأني محتاج إلى ظل الله تعالى. وهذا مثال آخر على خشية الصحابة لله تعالى. فما كانت لهم أمنية إلا أن يرضى بهم الله ولم يتمنوا المنافع الدنيوية).
كان حضرة أبي اليسر كعب بن عمرو حذرا ومحتاطا جدا في بيان الأحاديث، ذات مرة روى حديثين عن عبادة بن الوليد وكان يقول واضعا إصبعه على عينه وأذنه إن عيني هذه بصرتْ ذلك وسمعه أذني هذا من لسان النبي ﷺ. كان اسم أحد أبنائه عميرا من بطن أم عمرو، وكانت أمُّ عمرو عمةَ جابر بن عبد الله ؓ. وكان أحد أبنائه يزيد بن أبي اليسر، من بطن لبابة بنت الحارث، وكان أحد أبنائه حبيبا وكانت أمُّه أمَّ ولد. وكان اسم ابنته عائشة واسم أمها أم الرّياع. لقد شهد بدرا وكان عمره يومذاك عشرين سنة، وتوفي في العام الخامس والخمسين بعد الهجرة في عهد الأمير معاوية.
كان لهؤلاء الرجال شأن عجيب فقد علَّمونا أساليب الوفاء لله ﷻ وخشيته ﷻ أيضا، وعلَّمونا أساليب الطاعة الكاملة للنبي ﷺ قبولا لأقواله من أعماق القلوب، رفع الله درجاتهم.