خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

يوم 8/2/2019

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

الصحابة الذين سأذكرهم اليوم أولهم أبو مُلَيل بنُ الأَزْعَر t، اسم أمه أم عمرو بنت الأشرف. وهو أنصاري من قبيلة الأوس. شهد بدرا وأحدا، وبحسب رواية شهد أخوه أبو حبيب بن الأزعر أيضا بدرا والغزوات كلها.

الصحابي الثاني هو أنس بن معاذ الأنصاري t، وفي بعض الروايات ورد اسمه “أنيس” أيضا. وهو من بني النجار من الخزرج، وكان اسم أمه أم أناس بنت خالد. شهد بدرا وأحدا والخندق والغزوات كلها مع النبي r، وشهد معه أخوه أُبَيّ بن معاذ أحُدًا. ثمة اختلاف في وفاته، ففي رواية توفي في عهد عثمان t وفي رواية أخرى استُشهد أنس بن معاذ وأخوه أبي بن معاذ يوم بئر معونة.

والصحابي التالي هو أُبَيُّ بن ثابت t، يكنى أبا شيخ، كان من بني عدي من قبيلة الخزرج، وقيل: أبو شيخ كنية ابنِه، واسم أمه سُخْطى بنت حارثة، كان أبي بن ثابت أخا حسان بن ثابت وأوس بن ثابت. شهد بَدْرًا وأحُدًا، توفي يوم بئر معونة شهيدًا، واختلفت كتبُ التاريخ أبي بن ثابت شهد بدرا أم لا؟ قال ابن إسحاق توفي أبي في الجاهلية والذي شهد بدرا وأحدا هو ابنه أبو شيخ بن أبي بن ثابت، وأما ابن هشام فذكر أبا شيخ أبي بن ثابت في من شهد بدرا. ورد عن وفاة أبي بن ثابت أنه استشهد يوم بئر معونة، وقيل إنه استشهد يوم أحد، ويتبين من بعض الروايات أن الذي استُشهد يوم أحد ليس أُبَيًّا بل أخاه أوس بن ثابت.

ثم الصحابي أبو بردة بن نيار t، كنيته أبو بردة، وكان معروفا بكنيته، وكان اسمه هانئ، وفي روايةٍ اسمه الحارث وفي رواية اسمه المالك، هو بلوي من قبيلة بني قُضَاعة. قيل هو خال البراء بن عازب وقيل هو عمه. شهد العقَبَة الثانية، وشهد مع النبي r بَدْرًا وأحُدًا والخندق وسائرَ المشاهد، وكانت معه رايةُ بني حارثة في غَزْوَةِ الفتح. ولما أسلم أبو بردة وأبو عبس تولَّيَا كسر أصنام بني حارثة، أي أصنام قبيلتهما.

عن أبي أمامة بن ثعلبة لما همَّ رسول الله r بالخروج إلى بدر أجمع على الخروج معه، فقال خاله أبو برده بن نيار‏:‏ أقم على أمك‏ (لأنها كانت مريضة).‏ قال‏:‏ بل أنت، فأقم على أختك‏. ‏(هو أيضا كان متحمسا للخروج إلى أول حرب تُشن ضد الإسلام) فذكر ذلك لرسول الله r فأمر أبا أمامة بالمقام، (أي أمر الابنَ بالمقام) وخرج أبو بردة مع الجيش، ولما رجع رسول الله r كانت أم أبي أمامة قد تُوفِّيت، فصلى عليها رسول الله r‏.‏

ويوم أحد لم يكن مع المسلمين من الخيل سوى فرسين، فرس لرسول الله r يسمى السكب وفرس لأبي بردة يسمى ملاوع. عن أبي بردة بن نيار أن رسول الله r أتى القبائل في منازلهم يدعو لهم، فترك قبيلة من تلك القبائل، لم يأتها، فشق ذلك عليهم فالتمسوا فيهم، فوجدوا في برذعة رجل عقدا من جزع قد غله، فردوا هذا العقد، ثم أتاهم رسول الله r، وصلى عليهم أيضا.

شهد أبو بردة مع علي t حروبه كلها، ومات في أول عهد معاوية t، وتعددت الروايات عن وفاته أيضا فقيل: إنه مات سنة إحدى، وقيل اثنتين، وقيل خمس وأربعين.

عن البراء بن عازب قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَنَسَكَ نُسْكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ وليست نسكا فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَتَعَجَّلْتُ وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ قَالَ فَإِنَّ عِنْدِي عَنَاقَ جَذَعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَهَلْ تَجْزِي عَنِّي قَالَ نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ. (صحيح البخاري)

يتبين من الأحاديث الأخرى أيضا أن النسك بعد صلاة العيد وثانيا لا بد للشاة أن تبلغ عمرا معينا للنسك، وأما قول النبي r: لن تجزي عن أحد بعدك، فسئل المسيح الموعود u عن ذلك في مجلس ماذا ينبغي أن يكون عمر الذبيحة؟ فقال المسيح الموعود u لمولانا نور الدين الذي كان جالسا هناك أن يرد فقال: عند أهل الحديث لا بد أن تكون لسنتين وفي بلادنا يقال يجب أن تكون ذات سِنَّيْن (أي لا بد أن تكون ثنيتاها قد خرجتا). باختصار، كما قال النبي r لأبي بردة أن الجَذَعَةٍ البالغة سنة واحدة تَجْزِي عَنك وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ، بل يجب أن تكون بالغة عمرها، هذا هو الطريق السائد في الجماعة، وبحسبها فتاوى الجماعة كما بينتُ قول المسيح الموعود u.

ثم الصحابي أسعد بن يزيد t، واسم والده يزيد بن الفَاكِه وهو من بني زريق من الخزرج. شهد مع الرسول r بدرا وأحدا. كتب العلامة ابن إسحاق بين أصحاب بدر سعد بن يزيد بدلا من أسعد بن يزيد واختلفوا في اسمه فقال البعض هو سعد بن زيد، وقيل سعيد بن الفاكه، وقيل سعد بن يزيد.

ومن أصحاب بدر تميم بن يَعَار الأنصاري t، واسم والده يَعَار وهو من بني خُدَارَة بن عوف بن الحارث من الخزرج، شهد بدرا وأحدا وكان من أولاده ابنه رِبْعِيّ وبنته جميلة. وأمه من قبيلة بني عمر.

ثم الصحابي أوس بن ثابت بن منذر وهو أيضا أنصاري وكنيته أبو شداد، واسم والده ثابت واسم أمه سُخْطَى بنت الحارث، وهو والد الصحابي الشهير شداد بن أوس t، وكان من قبيلة الأنصار بني عمرو بن مالك بن النجار. شهد بيعة العقبة الثانية وآمن، وشهد بدرا وأحدا مع رسول الله r. كان حسان بن ثابت t شاعرا معروفا وكان أُبي بن ثابت أخاه. عندما هاجر عثمان بن عفان t إلى المدنية أقام عند أوس، فآخى النبي r بينه وبين عثمان بن عفان. يقول عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري عن وفاة أوس أنه قُتل يوم أُحد. وقد اختلف البعض في موعد وفاته ولكن الذين يختلفون في ذلك رواة ضعفاء.

ثم هناك صحابي اسمه ثابت بن خنساء t من بن غنم بن عدي بن النجار وشهد بدرًا. هذا كل ما هو معروف عنه.

ثم هناك صحابي آخر اسمه أوس بن الصامت. شهد بدرا، وكان أخو عبادة بن الصامت. وشهد أوسٌ بدرا وأُحدا والمشاهد كلها مع النبي r. آخى r بين أوس بن الصامت ومرثد بن أبي مرثد الغنوي. لقد جاء في الروايات أن أوسا ظاهَر زوجتَه خويلة بنت مالك.

(كانت عادة الظِّهار سارية في العرب آنذاك، إذ كان الرجل يقول لامرأته ساعة الغضب: أنتِ عليَّ كظهر أمي، تحريما لها عليه، فجاء الإسلام فأبطل هذه العادة وقال بأن التفوُّه بهذه الكلمة لا يوجب التحريم، وفرض الكفارة على ارتكاب هذه العادة السيئة. إن أوسا ظاهر من امرأته فوطئها قبل أن يكفّر فأمره رسول الله r أن يكفّر بخمسة عشر صاعًا من شعير على ستين مسكينًا.

وقد جاءت الأحكام عن الظهار في القرآن الكريم أيضا حيث يقول الله تعالى: ]الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ[ (المجادلة 3-6)

يقول المسيح الموعود في ترجمة معاني هذه الآية: إن الذين يظاهرون من زوجاتهم لا تصبحن أمهاتهم إذ ليست أمهاتهم إلا اللواتي ولدنهم، غير أن قولهم هذا قول سخف ومحض كذب، والله عفوُّ غفور. والذي يظاهر من زوجته ثم يتراجع عما قال يجب أن يحرر رقبةً قبل أن يمس زوجته. هذا ما يعظكم به الله الخبير. وإن لم يستطع فليصم شهرين قبل أن يمسها، وإن لم يستطع الصوم أيضا فليطعم ستين مسكينا.

عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت، فجئت رسول الله r أشكو إليه، ورسول الله r يجادلني فيه ويقول: “اتقي الله فإنه ابن عمك”، فما برحتُ حتى نزل القرآن. أي قال لها النبي r كيف تكونين أمّه وهو ابن عمك وأنت متزوجة به؟! على أية حال تقول خويلة بنت مالك أنها أصرّت على شكواها حتى نزلت الآية: ]قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها[…فقال لها r عن زوجها: يعتق رقبة، قالت: لا يجد، فهو شخص فقير. قال: فيصوم شهرين متتابعين قالت: يا رسول الله، إنه شيخ كبير ما به من صيام! قال: فليطعم ستين مسكينًا، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به! قالت: فأُتي سَاعَتَئِذٍ بِفَرْقٍ من تمر، قلت: يا رسول الله، فإني أعِينُه بعذق آخر. (أي إذا أعطيتَني هذا يمكنني أن أدبر له آخر مثله) قال: “قد أحسنتِ! اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكينًا وارجعي إلى ابن عمك”. (أي إذهبي عند زوجك فإنك زوجته ولم تصبحي أمّه لمجرد قوله المذكور)

إذًا، في سياق بيان سيرة الصحابة تتبين بعض المسائل والأحكام أيضا.

قال ابن عباس: أول ظهار كان في الإسلام أوس بن الصامت، وكان تحته بنت عم له، فظاهر منها.

هذه حدود الله الله التي أقامها. وقد طُرح السؤال نفسه على المسيح الموعود u فقال مشيرا إلى الكفارة المذكورة أن هذه هي عقوبة الظهار. ثم طُرح السؤال نفسه على الخليفة الثاني t فأعطى الجواب نفسه. أما إذا كان أحد فقيرا فقرا مدقعا لا يقدر على شيء فليستغفر الله وليكفّر بحسب استطاعته.

باختصار، لقد وضع الله تعالى بعض الحدود، منها أنه إذا قال أحد لزوجته أنها مُحَرَّمة عليه كأمّه أو أخته فلا تصبح كذلك. إذ من عادة بعض الناس أنهم يحرمون زوجاتهم على أنفسهم لأتفه الأمور ويقسمون أيضا أنهن محرمات عليهم كفلانة وفلانة. ومن فعل ذلك سيعاقَب بحسب الحدود المذكورة أي فليحرر رقبة أو يَصُمْ شهرين أو يطعمْ ستين مسكينا.

كان أوس بن الصامت شاعرا أيضا، وقد سكن هو وشداد بن أوس الأنصاري في بيت المقدس. وتوفي أوس بالرملة في أرض فلسطين سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.

ثم هناك صحابي آخر اسمه الأرقم بن أبي الأرقم، كنيته أبو عبد الله وأُمّه أميمة بنت الحارث. ويقال بل اسمها تماضر بنت خذيم وصفية بنت الحارث. كان من قبيلة بني مخزوم ومن أوائل الصحابة الذين أسلموا، وقيل أنه كان سابع سبعة في الإسلام وقيل أسلم بعد عشرة أنفس.

وعن عروة بن الزبير أن الأرقم وأبا عبيدة بن الجراح وعثمان بن مظعون آمنوا معا. كان للأرقم بيت قرب الصفا خارج الكعبة وهو معروف في التاريخ بـ “دار الأرقم”، كان النبي r والمسلمون يتعبدون فيها. وفيها دخل عمر t الإسلامَ، وبإسلامه t بلغ عدد المسلمين أربعين نفرا وبدأوا يخرجون بحرية. بقيت هذه الدار مِلكا للأرقم t ثم باعها أحفاده لأبي جعفر المنصور.

يقول مرزا بشير أحمد t في تأليفه “سيرة خاتم النبيين” في بيان أول مركز للإسلام أي دار الأرقم: خطر ببال النبي r إقامة مركز في مكة لتبليغ الدعوة حيث يمكن أن يجتمع المسلمون للصلاة والعبادة بحرية، ويبلغوا دعوة الإسلام بانتظام بسكينة وهدوء وأمن وصمت. فكان r بحاجة لهذا الغرض إلى دار ذات صبغة مركزية. فأعجبته r دار الأرقم بن أبي الأرقم، الحديث الإسلام، وكانت تقع في وادي الصفا. فجعل المسلمون كلهم يجتمعون ويصلّون فيها ويحضرها الباحثون عن الحق لسماع دعوة الإسلام واستيعابها وللاستفادة من بركة صحبة النبي r، فكان r يبلّغهم دعوة الإسلام. فبناء على ذلك احتلت هذه الدار أهمية خاصة في التاريخ واشتهرت بدار الإسلام. استمر النبي r في تبليغ الدعوة في هذه الدار إلى ثلاث سنين تقريبا أي اتخذها مركزا في العام الرابع من البعثة وواصل مهتمه فيها إلى نهاية العام السادس. يقول المؤرخون أن عمر t كان آخر مَن أسلم في دار الأرقم وبإسلامه حاز الإسلام قوة كبيرة وبدأ المسلمون يبلّغون الدعوة علنا بعد خروجهم من دار الأرقم.

بعد الهجرة إلى المدينة عَقد النبي r المؤاخاة بين الأرقم t وأبي طلحة زيد بن سهل t. لقد شهد الأرقم بدرا مع النبي r وأعطاه النبي r سيفا من غنائم بدر، وإضافة إلى بدر قد شارك النبيَّ r في سائر الغزوات، ووهب النبيُّ r له بيتا أيضا في المدينة. ذات مرة أرسله النبي r لجمع الصدقات أيضا، وقد ورد في التاريخ أن حضرة الأرقم كان شريكا في حلف الفضول أيضا، (أي الحلف الذي كان عقَده كبار أهل مكة قبل الإسلام لمساعدة الفقراء، وكان النبي r أيضا شريكا في ذلك الحلف). قال عثمان بن الأرقم: توفي أبي الأرقم سنة ثلاث وخمسين وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وقيل توفي سنة خمس وخمسين، وهو ابن بضع وثمانين سنة. وأوصى أن يصلي عليه سعد بن أبي وقاص، وكان سعد عند وفاته بالعقيق، فقال مروان بن الحكم: يُحبس صاحبُ رسول الله r لرجل غائب؟! (أي ينبغي أن لا تؤجَّل جنازة صحابي حتى يأتي رجل معين) وأراد الصلاة عليه، فأبى عبيد الله بن الأرقم ذلك على مروان، ثم جاء سعد فصلى عليه ودُفن بالبقيع.

وفي رواية أن حضرته تجهَّز يريد بيت المقدس، فلما فرغ من جهازه جاء إلى النبي r يودِّعه فقال: ما يُخرجك أحاجة أم تجارة؟ قال: لا يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، ولكني أريد الصلاة في بيت المقدس. فقال رسول الله r: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فجلس الأرقم.

الصحابي التالي الذي أود أن أذكره اليوم، هو بسبس بن عمرو، وفي رواية ورد اسمه بسبس بن بشر أيضا، كان حضرة بسبس الجهني الأنصاري من بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وقال عروة بن الزبير: هو من بني طريف بن الخزرج. لقد شهد بدرا ويعدّ من الصحابة الأنصار، ويُعرف باسم بسيسة وبسيس وبسبسة أيضا، وإضافة إلى بدر قد شهد أُحدًا أيضا.

عن خروج النبي r من المدينة إلى بدر يقول مرزا بشير أحمد t في كتابه سيرة خاتم النبيين: لقد أمَّر النبيُّ r عبدَ الله ابن أم مكتوم t على المدينة، فلما وصل إلى الروحاء وهي على مسافة 36 ميلا من المدينة فربما خطر ببال حضرته r أن عبد الله كفيف البصر، وإن خبر مجيء جيش قريش يقتضي أن يكون النظام المدينة منسقا ومتينا، لذا قد أعاد من هناك أبا لبابة بن المنذر إلى المدينة أميرا وأمَر بحق عبد الله بن أم مكتوم أنه سيؤم الناس في الصلاة فقط، أما الأمور الإدارية فينجزها أبو لبابة، كما أمَّر r عاصم بن عدي t على المنطقة العليا للمدينة أي قباء.

ومن نفس الموضع الذي أجرى فيه بعض التعديلات أرسل حضرته r اثنين من الصحابة وهما بسبس وعدي بن عدي إلى موضع بدر للاستطلاع، وأمرهما بنقل الأخبار إليه بسرعة. (وقبل أسبوعين قد ذُكر هذا الحادث في ذكر عدي بن أبي الزغباء أنه كان قد أُرسل مع بسبس إلى بدر) فمضى بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء حتى نزلا بدرا، فأناخا إلى تل قريب من الماء، ثم أخذا شنًّا يستقيان فيه، فسمعا جاريتين تتحدثان عن مجيء قافلة، وكان هناك رجل آخر أيضا اسمه مجدي، وسمع ذلك عدي وبسبس، فجلسا على بعيرهما، ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله r، فأخبراه بما سمعا.

وأقبل أبو سفيان في الصباح التالي وقد تقدم العيرَ حذرًا حتى ورد الماء، فقال لمجدي: هل أحسست أحدًا؟ (وقال له أيضا إذا أخفيت عني خبر العدو فلن يصالحك أحد من قريش) فقال مجدي: ما رأيت أحدًا أُنكره؛ (فليس هناك أي عدو بينك وبين يثرب، ولو كان هناك أحد لما خفي علي ولما أخفيته عنك) إلا أني رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل (مشيرا إلى المكان الذي كان توقف فيه بسبس وعدي)، ثم استقيا في شن لهما؛ ثم انطلقا. فأتى أبو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بعيريهما ففتَّه؛ فإذا فيه نوى. فقال: هذه والله علائف يثرب! (فكانا من هناك وهما جاسوسا محمد (r) وأصحابه، ولقد خمنت من أبعار الجمال لماذا أتيا إلى هنا، ويبدو أنهم قريبون من هنا) ثم رجع إلى أصحابه سريعا.

فكان العرب في ذلك الزمن يملكون ملكة خاصة للتخمين والتقدير، ولقد كتب مرزا بشير أحمد t في كتاب سيرة خاتم النبيين على ذكر غزوة بدر: حين وصل النبي r قرب بدر تقدم-لفكرة غير مذكورة في الروايات- وأركب أبا بكر t خلفه وتقدم الجيش الإسلامي قليلا، فلقي بدويا مسنًّا علم r من خلال الحديث معه أن جيش الكفار قد وصل قريبا جدا من بدر. فعاد r إلى أصحابة وأرسل للاستطلاع عليًّا والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص y وفي رواية أن بسبس أيضا كان معهم. في السابق كانوا خرجوا لاستطلاع أخبار القافلة، والآن حين تبيَّن أن الجيش قادم، أرسل النبي r بعض الصحابة لنقل الخبر عنه وكان منهم بسبس أيضا. فلما وصلوا إلى وادي بدر رأوا أن بعض الناس من مكة يستقون من نبع، فهاجمهم هؤلاء الصحابةُ وأسروا منهم عبدا حبشيا، وجاؤوا به إلى النبي r، فوجدوه يصلي. وحين رأى الصحابة أن النبي يصلي بدأوا يستفسرون هذا العبد الحبشي عن قافلة أبي سفيان، وهذا العبد الحبشي لما كان جاء مع الجيش القادم لغزوة بدر، لم يكن له علمٌ بالقافلة. فقال: لا أعرف عن أبي سفيان، وإنما أعرف أن أبا الحكم (أي أبا الجهل) وعتبة وشيبة وأمية وغيرهم قد نزلوا على الطرف الآخر من هذا الوادي. فالصحابة الذين كانوا يعرفون عن القافلة فقط وهذا كان رسخ في أذهانهم، قد ظنوا أنه يكذب ويُخفي عنهم خبر القافلة، ومن ثم ضربه بعضُهم، وكان عند تلقّي الضربات يقول دعوني أخبرْكم، وعندما كانوا يتركونه كان يقول لا أعرف عن قافلة أبي سفيان وإنما أعرف أن أبا جهل قد جاء بجيش وهو موجود وقريب من هنا.

لما سمع النبيّ r هذا الأصوات أنهى صلاته مستعجلا ونهى الصحابة عن ضربه وقال: إنه عندما يصدقكم القول تضربونه، وعندما يكذب عليكم تتركونه. ثم سأله النبي r برفق: أين جيشهم الآن؟ قال إنهم الآن وراء التل الذي أمامنا. ثم سأله: كم عددهم؟ قال: لا أعلم عددهم بالضبط. فقال r: كم بعيرا يذبحون للأكل يوميا؟ قال: عشرة. (لقد أتوا بهذا القدر من المؤن للأكل والشرب علاوة عن الأسباب الأخرى) فتوجه النبي r  إلى صحابته وقال إذا كانوا يذبحون عشرة من الإبل للأكل كل يوم فعددهم ألف شخص، وكانوا فعلا بهذا العدد.

ثم هناك الصحابي ثعلبة بن عمرو الأنصاري. كان من بني النجار. أمه كبشة، وهي أخت الصحابي الشهير حسان بن ثابت. شهد ثعلبة مع النبي r غزوة بدر وسائر الغزوات. كان من الصحابة الذين كسروا أصنام بني سَلَمَة. توفي في خلافة سيدنا عمر t في معركة الجسر في السنة الرابعة عشرة الهجرية. وفي الطبري أن هذه المعركة وقعت في السنة الثالثة عشرة من الهجرة ضد الفرس. تواجه الفريقان على شاطئ نهر الفرات، وكان أبو عبيدة قائد الجيش المسلم، وكان بهمن جازويه قائد الفرس، وبُني جسر لعبور النهر، ومن هنا سميت هذه الوقعة معركة الجسر. ويرى البعض أن ثعلبة توفي في خلافة سيدنا عثمان t في المدينة.

والصحابي الآخر هو ثعلبة بن غنمة (رضي الله عنه). وفي رواية أن اسمه ثعلبة بن عنمة. أُمُّه جهيرة بنت القين. كان من الأنصار من بني سلمة. كان من الصحابة السبعين الذين بايعوا النبي r في بيعة العقبة الثانية. لما آمن ثعلبة كسر مع معاذ بن جبل وعبد الله بن أنيس أصنام بني سلمة، أي كسروا أصنام قبيلتهم. حضر بدرًا وأحدا، استُشهد في غزوة الخندق على يد هبيرة بن أبي وهب. وفي رواية أنه استُشهد في غزوة خيبر.

والصحابي التالي هو جابر بن خالد (رضي الله عنه). كان من الأنصار من بني دينار.  حضر بدرًا وأحدا.

ثم هناك الصحابي الحارث بن النعمان بن أمية الأنصاري. كان من الخزرج.  شهد مع النبي r غزوتي بدر وأحد. كان عمًا لعبد الله بن جبير وخَوَّات بن جبير. شهد وقعة صفين بجانب علي (رضي الله عنه).

ثم هناك الصحابي الحارث بن أنس الأنصاري. اسم والدته أم شريك، واسم والده أنس بن رافع. أسلمت والدته أيضا وتشرفت ببيعة الرسول r. كان الحارث من الأوس من بني عبد الأشهل. حضر بدرًا وأحدًا واستُشهد في أحد. وكان الحارث من الصحابة القلائل الذين ظلوا في غزوة أحد ثابتين على الممر مع عبد الله بن جبير واستشهد هناك.

ثم هناك الصحابي حريث بن زيد الأنصاري. وفي رواية أن اسمه زيد بن ثعلبة. كان من الخزرج من بني زيد بن الحارث. حضر غزوة بدر مع ابنه عبد الله الذي أيضا تلقى كلمات الأذان في الرؤيا. شهد غزوة أحد أيضا.

ثم هناك الصحابي الحارث بن الصمة. كان من الأنصار من بني النجار. استشهد في وقعة بئر معونة. آخى النبي (r) بينه وبين صهيب بن سنان. خرج الحارث بن الصمة مع الرسول r لغزوة بدر، ولما بلغ مكانا يسمى الروحاء لم يقو على المزيد من السفر، فأرجعه النبي r إلى المدينة، ولكنه ضرب له سهمًا من غنائم غزوة بدر مثل ما أعطى الذين حضروها.  (أي أنه لم يشترك في غزوة بدر عمليًا ولكنه خرج بعاطفة صادقة إلا أن صحته لم تسمح له بذلك، فربما فاجأه المرض عندها أو كان مريضا فاشتد به المرض فأرجعه النبي r، لكنه عده ممن شارك في بدر نظرا إلى حسن نيته وصدق حماسه للمشاركة) حضر غزوة أحد، وحين تفرق الناس في أحد ظل الحارث ثابتا في مكانه. كان الحارث قد بايع النبي (r) على الموت. قتل في غزوة أحد عثمان بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وأخذ سلبه (أي ما عليه من لباس حربي وسلاح من خوذة ودرع وسيف)، فأعطاه النبي r إياها. ولما بلغ النبيَّ r خبرُ مقتل عثمان بن عبد الله قال: الحمد لله الذي أهلكه. كان هذا المشرك عدوا كبيرا خطيرا وكان حضر يوم أحد بكامل عدته وسلاحه بنية الإضرار بالنبي r.

لما سأل النبي (r) يوم أحد ماذا فعل عمي حمزة، خرج الحارث يبحث عنه، ولما تأخر خرج سيدنا علي ووصل إلى الحارث، فوجدا أن سيدنا حمزة قد استشهد. فرجعا وبلّغا النبي (r) خبر استشهاده.

يقول الحارث قال لي النبي (r) وهو في الشعب يوم أحد: هل رأيت عبد الرحمن بن عوف؟ قلت نعم لقد رأيته، كان في جانب الجبل وكان المشركون يشنون عليه الهجوم، فتوجهت إليه لإنقاذه، لكني لما وقع بصري عليك يا رسول الله جئتك. فقال النبي r إن الملائكة تحفظ عبد الرحمن بن عوف. وفي رواية أن النبي r قال: إن الملائكة تقاتل بجنب عبد الرحمن. قال الحارث: لما انتهت المعركة ذهبت إلى عبد الرحمن بن عوف، فوجدت أمامه سبعة من القتلى، فقلت هل قتلتهم جميعا؟ قال قد قتلت ثلاثة منهم ولا أعلم من قتل الباقين. فقلت صدق الله ورسوله، أي أن الملائكة تقاتل بجنبه وتنصره.

استشهد الحارث في بئر معونة. عندما وقعت حادثة بئر معونة واستشهد الصحابة كان الحارث وعمرو بن أمية في الخارج يرعيان الجمال (ورد في بعض الكتب منها سيرة ابن هشام أن عمرو بن أمية والمنذر بن محمد هما كان يرعيان الجمال) ولما رجعا إلى المكان الذي كانوا نازلين فيه وجدا فيه الطير، فأدركا أن أصحابهما قد استشهدوا. فقال الحارث لصاحبه عمرو ماذا ترى؟ قال عمرو أرى أن نرجع إلى رسول الله r ونخبره الخبر. فقال الحارث ما كنت لأرغب بنفسي عن موضع قُتل فيه المنذر. فتقدمَ وقاتل الكفار حتى استشهد. وروى عبد الله بن أبي بكر أن الحارث استشهد نتيجة رماح الأعداء التي كانوا يرمونها نحوه والتي دخلت جسده.

رفع الله درجات كل الصحابة البدريين باستمرار، آمين.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز