خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u
في مسجد بيت الفتوح بلندن
يوم 22/3/2019م
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
يوم الغد هو الـ 23 من آذار، وهو يوم يُذكر في تاريخ الجماعة بيوم المسيح الموعود إذ أعلن في هذا التاريخ عن بعثته ذلك المسيحُ والمهدي الذي كان مقدّرًا أن يُبعَثَ ويَنشر في العالم التعاليم الحقيقية للإسلام ويجمع المسلمين على يد واحدة، بل كان مقدّرًا أن يجمع أتباع جميع الأديان تحت راية النبي r؛ أي أعلن مرزا غلام أحمد القادياني u أنه ذلك المسيح الموعود والمهدي المعهود الذي أنبأ به النبي r، وهكذا بدأ في أخذ البيعة في هذا اليوم.
أقدم الآن بعض المقتبسات من كلام المسيح الموعود u التي ذكر فيها الحاجة إلى بعثة المسيح الموعود، وحالة الزمان الداعية إلى ذلك، ثم ذكر تفصيلا عن دعواه وبعض الآيات المتعلقة بها.
يقول حضرته u في بيت من الشعر ما معناه:
كان الوقت وقتَ بعثة المسيح الموعود لا غيره، فإن لم آت أنا لكان شخص آخر بعث مسيحًا موعودًا.
فكانت حالة الزمان تقتضي أن يُبعَث أحدٌ للحفاظ على سفينة الإسلام المتأرجحة، ولكن أكثر علماء المسلمين الذين كانوا قبل ذلك في انتظار طويل للمسيح أعلنوا معارضتهم بعد إعلان دعواه u، وألّبوا عامة المسلمين ضد جماعته بإلقاء حكايات ملفّقة على مسامعهم، وبنسبةِ أمور كاذبة إلى حضرته u إلى درجة أنْ شرعوا إصدار فتاوى القتل، بل إلى الآن تتكرر ضد الأحمديين في بلاد وبقاع مختلفة أحداثُ الظلم والاضطهاد والقتل والدمار، والعجيب أن كل ذلك يتم باسم الإسلام، وهو أمر لا يمكن أن يفكر فيه من يعرف حقيقة الإسلام، ولا يمكن أن تصدر منه مثل هذه الأعمال.
على أية حال نلاحظ كيف ذكر المسيح الموعود u في أماكن شتى حاجة العصر والظروف وبعثة المسيح الموعود. فتناول ردًّا على سؤال: لماذا هناك حاجة إلى بعثة المسيح الموعود، وما هي خصوصية المسيح بهذا العصر؟ فقال:
“لقد أشار القرآن الكريم إشارةً واضحة إلى وجود المماثلة بين خلافة السلسلتين الإسرائيلية والإسماعيلية كما هو واضح بيِّن من هذه الآية: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ[ (النور:57). وآخرُ خلفاء السلسلة الإسرائيلية الذي جاء بعد موسى بأربعة عشر قرنا هو المسيح الناصري عليهما السلام، فكان لزامًا إزاء ذلك أن يظهر مسيح هذه الأمة على رأس القرن الرابع عشر. هذا، وإن أصحاب الكشوف من صلحاء الأمة (الذين كانت لهم علاقة خاصة مع الله تعالى وكانوا يحظون بكشوف منه) قد حددوا هذا القرن لبعثة المسيح الموعود، وعلى سبيل المثال، فإن حضرة الشاه ولي الله وغيره من أهل الحديث متفقون على أن كل العلامات الصغرى ومعظم العلامات الكبرى قد تحققت. (يقول حضرته: أي أن العلامات الصغرى والكبرى لبعثة المسيح قد تحققت.) غير أنهم مخطئون في هذا القول إلى حد ما.. فإن العلامات كلها قد تحققت. إن أكبر علامة أو آية هذا الموعود مذكورة في البخاري كالآتي: “يكسر الصليب ويقتل الخنزير … إلخ”، أي أنه في زمن ظهور المسيح تكون غلبة النصارى وعبادة الصليب في أوجها. أفليس هذا هو الوقت بعينه؟ أيوجد منذ آدم إلى هذا اليوم نظير للضرر الذي حل بالإسلام بأيدي القساوسة؟ لقد حصلت الفوضى في كل بلد، وما من عائلة مسلمة إلا ووقع شخص أو أكثر منها فريسة في أيدي هؤلاء القوم. فوقت هذا الموعود إنما هو أوان غلبة عبادة الصليب. فما أدلَّ على غلبة الصليب مِن أن أهله قد هجموا على الإسلام حاقدين كالسباع هجمات متكررة. (إن هذه الكلمات تتضمن ردًّا واضحًا على من يتهم حضرته بأنه غراس الإنجليز، إذ تثبت هذه الكلمات وتصرح ما إذا كان غراس الإنجليز أم أُنزل من الله تعالى في الحلبة للدفاع عن الإسلام ولإثبات علو كعبه)
فهل هناك فئة من المعارضين لم تذكر رسولنا الأكرم r بكلمات بذيئة وبسباب قذر للغاية؟ فإذا لم يكن هذا هو وقت هذا الموعود فهو إنْ أتى عاجلاً فإنما يأتي بعد قرن من الزمان، لأنه مجدد العصر، وزمنُ بعثته هو رأس القرن. أفتظنون أن الإسلام لا يزال به في الوقت الراهن من القدرة والقوة ما يظل به صامدا لقرن من الزمان أمام غلبة القساوسة التي تزداد باطِّراد؟ لقد بلغت غلبتهم المنتهى، والآتي قد أتى. نعم، إنه سيقتل الدجال بإقامة الحجة عليه، إذ سبق القول في الحديث أن هلاك الملل كلها مقدر على يده، وليس هلاك الناس أو هلاك أهل الملل، وقد تحقق كما قيل.”
أي لقد جاء المسيح المحمدي الذي كان قد وعد أنه سيأتي ويثبت من خلال الأدلة والبراهين تفوق التعاليم الإسلامية على الأديان كلها ويقدّم التعاليم الإسلام على كل دين وملة لإثبات علو كعبه عليها، وإن ألوفًا من غير المسلمين الذين يدخلون في الجماعة الإسلامية الأحمدية سنويًا إنما يقتنعون بالأدلة والبراهين التي قدّمها سيدنا المسيح الموعود u.
ثم يذكر حضرته حال الزمان والحاجة إلى بعثة المسيح الموعود فيقول:
“إذا لم تكن الأرض صالحة فلا ينفعها المطر شيئا، بل يضرها. (إن كانت الأرض قاحلة أو صلبة فتضيع مياه المطر ولا تنفعها شيئا) وكذلك ينزل نور السماء وينور القلوب، فاستعدّوا لتلقي نور السماء والانتفاع به، مخافة أن تسيروا في الظلام مع نزول هذا النور فتتعثروا وتقعوا في بئر مهجورة فتهلكوا.
(يقول حضرته: أي اجعلوا أراضي قلوبكم صالحة للانتفاع بهذا الماء، وإلا فلن تستفيدوا شيئا كما أن الأرض التي ليست فيها كفاءة تامة لتلقي الماء فإنها تضيعه ولا ينفعها الماء شيئا، فإن لم تفعلوا ذلك فهناك احتمال أن تنالوا الظلمة بدلا من النور فتقعوا في البئر الحالكة فتهلكوا.)
إن الله تعالى أشد حنانًا من الأم الرؤوم، ولا يريد أن يضيع مخلوقه. إنه يفتح عليكم سبل الهدى والنور، ولكن عليكم إعمال العقل وتزكية النفس للعمل بهديه ونوره. فكما أن الأرض لا يبذر فيها البذر ما لم تجهز لذلك بالحراثة والفلاحة، كذلك لا ينزل على المرء الماء الطاهر من السماء ما لم تتم تزكية نفسه بالمجاهدات والرياضات.
لقد منَّ الله في هذا العصر منّة عظيمة إذ بعث إنسانا، وهو الذي يتحدث بين ظهرانيكم، لتأييد دينه وغيرة على دينه ونبيه r، لكي يهدي الناس إلى هذا النور. لو لم يكن في هذا العصر هذا الفساد والفتنة وهذه المحاولات للقضاء على الدين لما كانت هناك أدنى حاجة إلى بعثه، ولكنكم ترون كيف أن الملل كلها تسعى جاهدة من اليمين واليسار للقضاء على الإسلام. (وهذه المحاولات مستمرة إلى يومنا هذا بحيث تبذل جميع القوى محاولاتها للقضاء على الإسلام بطريق أو بآخر) أتذكر جيدا، وقد سجلت هذا في “البراهين الأحمدية” أن ستين مليون كتاب قد أعدت ونُشِرت ضد الإسلام. (أي في زمن حضرته قبل 125 أو 150 سنة) والغريب أن عدد المسملين في الهند يبلغ ستين مليونا، والكتب المعادية للإسلام أيضا تبلغ ستين مليونا. (كان عدد المسلمين في الهند آنذاك ستين مليونا أما الآن فقد بلغ عدد مسلمي هذه المنطقة نفسها من 500 إلى 600 مليون مسلم أو أكثر). ولو تركنا الكتب الإضافية التي نشرت في هذه الفترة جانبًا. (يقول حضرته: أي لقد نُشرت الكتب بعدد المسلمين في العالم، أما الآن فقد زاد هذا الانتشار من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت والوسائل الأخرى بحيث اتُّخذت طرقٌ جديدة لتحقيق هذا الأمر فقد زاد الأمر شدة.) إن معارضينا قد وضعوا في يد كل مسلم في الهند كتابا. ولولا أن ثارت غيرة الله الآن، ولولا أن سبق وعده الصادق ]وإنا له لحافظون[، لقضي على الإسلام اليوم حتما واندرست آثاره نهائيا. ولكن هذا محال، فإن يد الله الخفية تحميه. إن ما يؤسفني ويؤلمني أن المسلمين، رغم ادعائهم بالإسلام، لا يبالون به ولو بقدر ما يبالي المرء عند اختياره أصهاره للزواج. لقد اتفق أن قرأت مرارًا أن بعض المسيحيات يوصين عند وفاتهن بإنفاق الملايين من أموالهن في سبيل نشر دينهن وإشاعته، (كان في ذلك الوقت ميل لدى النساء المسيحيات إلى تقديم المساعدة من أجل الدين) أما قضاء المسيحيات حياتهن كلها في سبيل نشر المسيحية فنراه بأم أعيننا كل يوم، فآلاف المبلغات المسيحيات يتجولن في الشوارع ويترددن على البيوت وينتزعن إيمان القوم بكل طريقة. ولم نر أحدًا من المسلمين يوصي قبيل موته بخمسين روبية للإنفاق في سبيل نشر الإسلام. يهدرون الأموال في الأعراس وغيرها من التقاليد الفارغة بلا هوادة، (ومثل هذا الإسراف مستمر إلى يومنا هذا، وما ينفقونه لخدمة الإسلام من نزر يسير فلا مقارنة بينه وبين ما ينفقونه مسرفين على التقاليد والرسوم) وينفقونها مُبَذِّرِين ولو اضطروا إلى استدانتها، وإذا أمسكوا ففي سبيل الإسلام فقط ولا يمتنعون عن الإنفاق إلا في سبيل الإسلام. فوا أسفاه! فما أدعى حالكم للرثاء والرحمة!”
هذه هي حال معظم المسلمين اليوم، لا شك أن هناك تحسنًا في بعض الأماكن إلا أن ما ينفقونه للدين في تلك الأماكن أيضا هو عشر معشار ما ينفقونه لتحقيق رغباتهم الدنيوية. كانت هذه هي ظروف ذلك الزمن الذي أعلن فيه المسيح الموعود u عن دعواه، ولكن الآن إن انتبه بعض المسلمين إلى الدين فهو فقط إلى حد شعورهم بضرورة التشبث بالإسلام، أي طرأ التحسن بأن الكثيرين من المسلمين يريدون أن يكونوا ثابتين على الإسلام، وقد عمروا مساجدهم أيضا إلى حدّ ما، إلا أنهم لم يبذلوا جهودهم من أجل نشر تعاليم الإسلام. إن كانت هناك محاولات مزعومة منهم فهي من أجل التشدد الديني ونشر الإسلام بالقوة والإكراه، وهكذا تكوّنت أحزاب شتى، كما أن محاولاتهم تصب في معارضة المسيح الموعود وجماعته. فيجب أن يتذكروا أنه إذا انتشر الإسلام الآن فسينتشر من خلال مبعوث الله تعالى هذا، وهذا هو قدر الله عز وجل.
لقد أخبرنا الله تعالى ورسوله عن بعض العلامات لبعثة المسيح الموعود الآتي، فإنه لن يعلن عن دعواه بدون تحقق تلك العلامات، يذكر حضرته u هذا الأمر فيقول:
“ومن آيات هذا الموعود وقوع الكسوف والخسوف في زمنه في شهر رمضان. إن الذين يستهزئون بآية الله إنما يستهزئون بالله تعالى. إن وقوع الكسوف والخسوف بعد إعلان هذا الموعود دعواه لأمرٌ بعيد عن الافتراء والاختلاق. (أي لا نستطيع أن نسميه مصادفة أو خداعا) لم يقع الكسوف والخسوف على هذا النحو من قبل قط. إنها آية كان الله تعالى يريد بها أن يخبر العالَم كله بمجيء هذا الموعود، فالعرب أيضا لما رأوا هذه الآية قالوا حقًا بحسب مزاجهم. إن هذا الكسوف قد أعلن عن ظهور هذا الموعود في كل مكان تعسّرَ وصول إعلاناتنا إليه. كانت هذه آية ربانية وهي أسمى من تخطيط البشر تماما. على كل إنسان، مهما كان فيلسوفا، أن يفكر في الأمر ويرى أنه ما دامت الآية الموعودة قد ظهرت، أفليس ضروريا أن يكون مصداقها أيضا موجودا في مكان ما في العالم. لم يكن هذا الأمر ليعرفه أحد بتقديره وتخمينه. بل كان النبي r قد أخبر أنه سيقع ويكون مدعي المهدوية قد ظهر. وقد قال r أيضا أنه لم يقع حادث كهذا منذ آدم إلى ذلك المهدي. ولو أثبت أحد الآن من التاريخ أن هذا قد وقع من قبل فسوف نصدق قوله.”
ثم يقول حضرته u:
“ومن هذه الآيات طلوع المذنب المسمى “ذو السنين”، أي نجم السنوات الماضية، أي ذلك النجم الذي طلع في أيام المسيح الناصري u. فقد طلع الآن حتى ذلك النجم الذي كان أخبر من السماء بظهور مسيح اليهود.
كذلك نقرأ في القرآن الكريم: ]وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ[ (التكوير:6 – 12)، (إنها نبوءات قرآنية تقول بأن الوحوش ستحشر في ذلك الزمن، هناك تفاسير كثيرة لهذا الأمر منها أنه ستقام حدائق الحيوانات، ومنها أن التعليم يعمّ العالم، ومنها أن بعض الأقوام تهاجم الأقوام المحلية فتقضي عليها. ثم هناك نبوءة عن الجمع بين البحار وعن تزويج النفوس فهي تدل على اختراع الوسائل السهلة واليسيرة لتواصل الناس، والآن يمكن التواصل في كل مكان في العالم في ثانية واحدة.
ثم هناك نبوءة عن المرأة التي كانت تتعرض للظلم وتُغتصب حقوقها وتُقتل، فهي ستَسأل: بأية جريمة تقتلونني؟!
أما بالنسبة إلى نشر الصحف فإن الإعلام والمطابع كلها تثبت أن هذا هو زمن المسيح الموعود الذي نبوءاته موجودة في القرآن الكريم. يقول حضرته:)
“أي في ذلك العصر ستتعطل النوق التي كانت أفضل وسائل الركوب والنقل والمواصلات في الأيام الغابرة، بمعنى أنه ستخترع عندها مراكب أفضل من النياق بحيث تصبح هذه عاطلة في زمن المسيح الموعود، والمراد منه زمن اختراع القطار. (أما الآن فبحسب هذه النبوءة قد أِعدّت طريق السكة الحديدية بين مكة والمدينة بل وبدأ القطار بينهما. يقول حضرته:)
أما الذين يظنون أن هذه الآيات تتعلق بالقيامة فإنهم لا يفكرون كيف تظل النوق حُبْلَى يوم القيامة، ذلك أن العشار تعني النوق الحبلى.
ثم ورد في هذه الآيات أن القنوات تفجّر في كل طرف وصوب، والكتب تشاع بكثرة. فكل هذه الآيات تتعلق بهذا العصر.”
ثم يقدم حضرته u دليلا على مكان بعثة المسيح الموعود فيقول:
“أما مكان ظهور المسيح الموعود فاعلموا أنه قد ذُكر أن خروج الدجال يكون في الشرق، والمراد منه بلادنا، فقد كتب صاحب “حجج الكرامة” أن فتن الدجال تظهر في الهند؛ وعليه فواضح أن المسيح سيظهر حيث يظهر الدجال.
ثم ذكر أن المسيح سيظهر من قرية تسمى “كدعة”، وهو اختزال لقاديان. قد يكون في اليمن قرية تسمى بهذا الاسم، ولكن يجب ألا يغيب عن البال أن اليمن يقع في جنوب الحجاز لا في شرقها…”
يقول حضرته: “بالإضافة إلى ذلك، فإن الاسم الذي أطلقه عليّ قضاء الله وقدره يتضمن إشارة لطيفة إلى هذا الأمر، ذلك أن القيمة العددية لألفاظ “غلام أحمد قادياني” هي 1300 بالضبط وفقا لحساب الجمل، وفيه إشارة إلى أن إماما بهذا الاسم سيقام في بداية القرن الرابع عشر. باختصار فإن النبي r قد أشار إلى هذا الأمر نفسه.”
ثم يذكر حضرته الآيات والعلامات الأخرى فيقول:
“ومن هذه العلامات الكوارثُ. (أي ستحدث الآفات والحوادث) لقد نزلت الكوارث السماوية على شاكلة القحط والطاعون والكوليرا. إن الطاعون عذاب خطير بحيث قد أصاب الدولة أيضا بزلزال، (ولقد استمر في ذلك الزمن مدة خمسة أو ستة أعوام وأحدثَ دمارًا رهيبًا، يقول حضرته:) ولو اشتدت وطأته فإنه يكتسح البلاد كلها. (أي ينتشر بهذه السرعة الهائلة). أما الكوارث الأرضية فهي الحروب والزلازل التي دمرت البلاد. (أما الحروب الأرضية فهي مستمرة إلى يومنا هذا)
كان لزاما على المأمور الرباني أن يُرِيَ الآيات السماوية دليلا على صدقه. ألا تكفي آية هلاك ليكرام الهندوسي دليلا على صدقي؟! فقد كان هناك شرط ظل يطيل هذا الصراع إلى خمس سنوات، ودار الجدال كالقتال بين الطرفين بدون انقطاع، ونشر الفريقان الإعلانات، وذاع الأمر على نطاق واسع بما يستحيل نظيره، ثم حل القدر كما أنبأت. أفهناك نظير لهذا الحادث؟!
ثم إني كنت قد أعلنت قبل أيام عديدة من انعقاد مؤتمر الأديان العظمى أيضا أن الله تعالى قد أطلعني على أن محاضرتي ستكون الغالبة على المحاضرات الأخرى كلها. الذين قد حضروا هذا المؤتمر العظيم المليء بالهيبة يمكنهم أن يتدبروا ويعرفوا ما إذا كان الإنباء بالغلبة في هذا المؤتمر قبل انعقاده تخمينا وحدسا أم لا. ثم حدث وفق ما قيل عن كتابه “فلسفة تعاليم الإسلام”، هناك جريدة للجنرال جوهر آصفي من كولكتّه، أقرأ عليكم بيانا منها كتب فيه: “لو لم يكن في هذه الجلسة مقال السيد مرزا لالتصق بالمسلمين وصمة الذل والندم أمام أصحاب الديانات الأخرى، ولكن يد الله تعالى القوية حفظت الإسلام من السقوط بل جعل في نصيبه بسبب هذا المقال انتصارا عظيما حتى لم يقل المسلمون فقط بل المعارضون أيضا قالوا عفويا بحماسهم الفطري بأن هذا المقال يفوق الجميع.” هذا الكاتب ليس أحمديا، ومع أنه غير أحمدي لكنه اضطُر إلى كتابة هذا وسجّل في تعليقه أقوال غير المسلمين أيضا، وهكذا كتبت كثير من الجرائد الأخرى أيضا.
ثم قال u مُدليا بشهادات على كونه مبعوثا من الله: باختصار، هناك شهادات كثيرة على أنني مبعوث من الله. أولا: الشهادة الداخلية، وثانيا: الشهادة الخارجية، وثالثا: حديث صحيح عن بعثة مجدد على رأس القرن. رابعا: وعدٌ بـ ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ[ (الحجر:10)
والآن أقدم الشهادة الخامسة والقوية وهي وعد الاستخلاف في سورة النور. يقول الله تعالى فيها: ]وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ[ (النور:56) الخلفاء الذين سيكونون في الأمة المحمدية بحسب هذه الآية سيكونون مثل الخلفاء السابقين. كذلك عُدّ النبي r في القرآن الكريم مثيلا لموسى u كما قال: ]إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا[ (المزمل: 16). فهو r مثيل لموسى بحسب نبوءة وردت في الكتاب المقدس، سِفر التثنية أيضا. كما ورد حرف “كما” لبيان هذه المماثلة كذلك جاء “كما” في سورة النور أيضا. فتبين من ذلك أن هناك مشابهة ومماثلة تامة بين السلسلة الموسوية والسلسلة المحمدية. وقد انتهت سلسلة الخلفاء في أمة موسى u على عيسى u إذ قد جاء في القرن الرابع عشر بعد موسى u. فمن الضروري لتحقيق هذه المماثلة على الأقل أن يُبعث في القرن الرابع عشر خليفة مثيل للمسيح بالقوة والصفات نفسها ويكون مثيلا للمسيح ويأتي بصفاته وعلى شاكلته. فلو لم يُظهر الله تعالى شهادات أخرى على هذا الأمر لكان من مقتضى هذه المماثلة بالطبع أن يُبعث في أمته r بروزُ عيسى في القرن الرابع عشر وإلا ثبت ضعفٌ ونقص في مماثلته، والعياذ بالله. ولكن الله تعالى لم يصدّق فقط تلك المماثلة وأيدها بل أثبت أيضا أن مثيل موسى، أيْ النبي محمد r، أفضل منه ومن جميع الأنبياء عليهم السلام.
كما لم يأت المسيح الناصري u بشريعة خاصة به بل جاء ليتمم التوراة، كذلك لم يأت المسيح في الأمة المحمدية أيضا بشريعة خاصة به بل جاء لإحياء القرآن الكريم وللإكمال الذي هو إكمال نشر الهداية. (أي جاء لنشر تعليم القرآن الكريم ولتكميل نشره.) ثم قال u مزيدا:
ليكن معلوما عن نشر الهداية أن إتمام النعمة وإكمال الدين على النبي r كان من وجهين: أولا، إكمال الهداية، وثانيا: إكمال نشر الهداية. فقد أُكملت الهداية من كل الوجوه ببعثته r الأولى، أي ببعثة النبي r وبنزول الشريعة، وأُكمل نشر الهداية ببعثته الثانية لأن الآية: ]وَآخَرِينَ مِنْهُمْ[ في سورة الجمعة تُشير إلى إعداد قوم آخرين ببركته r وتعليمه. فيتبين منها بصراحة أن للنبي r بعثة أخرى أي بصورة البروز وهي البعثة الحالية.
فهذا العصر هو عصر إكمال نشر الهداية. لذلك تكتمل كافة وسائل النشر وأسبابه. إن كثرة المطابع وظهور أمور جديدة كل يوم (تُستخدم اليوم التكنولوجية الحديثة في المطابع) وإجراء مكاتب البريد ونظام البرقية، والقطار والطائرات ونشر الجرائد قد جعلت العالَم كله في حكم مدينة واحدة. إذًا، كل هذه الترقيات الحاصلة إنما هي ترقيات رسول الله r في الحقيقة، لأن الجزء الثاني لهدايته الكاملة أي إكمال نشر الهداية في طور التحقق. (الملفوظات)
قال u: الآن يجب على العاقل أن يتدبر في هذه الأمور كلها معا ويتأمل، هل ما أقوله جدير بالرفض بنظرة عابرة، أو يستحق التأمل والتفكير الرصين؟ هل أعلنت دعواي على رأس القرن أم لا؟ لو لم آت لكان من واجب كل عاقل وورع أن يبحث عن القادم؛ لأن رأس القرن قد أتى وأوشكت عشرون عاما على الانتهاء لذا كان الأمر يستحق التأمل أكثر. كان الفساد الحالي يدعو بأعلى صوته أنه يجب أن يأتي شخص للإصلاح. وقد نشرت المسيحية تحررا وحرية لا حدود لهما. ونضطر إلى القول نظرا إلى تأثيرهما الذي وقع على أولاد المسلمين بأنهم ليسوا أولاد المسلمين أصلا. (الملفوظات)
ماذا يجب أن يكون طريق معرفة الحق؟ قال u عن ذلك: ليدعوا الله في صلواتهم أن يكشف عليهم الحق. وأنا واثق من أنه إذا توجّه الإنسان إلى الله تعالى لإظهار الحق منزِّها نفسه عن العناد والتعنت لن يمضي اعتكافا واحدا لأربعين يوما في التعبد إلا وسينكشف الحق عليه. ولكن قليلا ما هم الذين يطلبون الحكم من الله بهذه الشروط بل يتسببون في سلب إيمانهم نتيجة إنكارهم ولي الله بسب قلة فهمهم أو نتيجة عنادهم وتعنتهم؛ لأنه إن ضاع إيمانهم بولي اضطروا إلى إنكار النبي أيضا لأن الولي بمنـزلة الوتد للنبوة، والمعلوم أن إنكار النبي يستلزم إنكار الله، وبذلك يُسلب الإيمان كله. (الملفوظات)
بعد مقتبسات المسيح الموعود u هذه أقدِّم بعض المقتبسات للمصلح الموعود t التي كتبها في مواضع مختلفة عن المسيح الموعود u، فقال في موضع: “عندما تشتدُّ المعارضة تُحقق الجماعة تقدُّمًا، وعندما تزداد المعارضة تزداد تأييدات الله ونصرتُه الإعجازية. ولذلك عندما كان أحد أبناء الجماعة يقول لسيدنا المسيح الموعود u أن في منطقتهم معارضةً شديدة كان حضرته يقول له: هي علامة تقدُّمكم، وحيثما تكون المعارضة يزداد عدد أفراد الجماعة، لأنه نتيجة المعارضة يطَّلع كثير على الجماعة من غير المطلعين، وتدريجيا تنشأ في قلوبهم رغبة في قراءة كتب الجماعة. وعندما يقرأون الكتب يخلب الصدقُ قلوبهم. ذات مرة جاء شخص إلى المسيح الموعود u وبايعَه، وبعد أخذ البيعة سأله حضرته u مَن الذي بلَّغه دعوة الأحمدية، فقال فورا دون تردد: لقد بلَّغني الشيخ ثناء الله (الذي كان من ألد خصوم للمسيح الموعود u). فسأله حضرته بمنتهى الاستغراب كيف ذلك؟ فقال: كنت أقرأ جريدة الشيخ وكُتبَه وألاحظ فيها دوما معارضة شديدة للجماعة الأحمدية. ذات يوم خطر ببالي أنه ينبغي أن أقرأ شخصيا أيضا كتب الجماعة وأطَّلع على ما ورد فيها. وعندما بدأتُ قراءتها انشرح صدري، واقتنعتُ بالبيعة. فأول فائدة للمعارضة أن بها تتقدم الجماعاتُ الإلهية ويهتدي الكثيرون.
كيف يرد الأنبياء على المعارضة؟ كتب المصلح الموعود u وهو يتحدث عن معارضة المسيح الموعود u وقدّم أول مثال للحكومة المصرية القديمة، فقال: كانت الحكومة المصرية معروفة في زمنها وكان ملكها يفتخر بقوته (كان الفراعنة يحكمونها) ولم يكن موسى u شيئا مقابل ملِك كهذا ولكن بالرغم من ذلك ذهب موسى إلى ذلك الملك، والملك هدّده وحذّره وأبدى عزمه على تدمير موسى u وقومه وقال إن لم تكف سأدمّرك وقومك، ولكن موسى u لم يكف وقال: سأبلغ الرسالة التي بعثني الله تعالى بها إلى الدنيا، ولا يمكن لأية قوة أن تمنعني من ذلك. والحال نفسها كانت لعيسى u ولمحمد r وكذلك رأينا حال المسيح الموعود u إذ كانت جميع الأمم معارضة له، كانت الحكومة أيضا معارضة له وإن كانت معارضتها قد خفت في الزمن الأخير. باختصار، كان الأقوام وأتباع الديانات كلها يعارضونه، وكذلك كان المشايخ وأصحاب الزوايا يخالفونه، وكان العوام والأمراء والخواص يعادونه، الحاصل أنه كان محاطا بطوفان المعارضة من كل جانب.
نصحه الناس كثيرا وقال البعضُ بدافع الصداقة أن يخفف قليلا من دعاويه، وقال البعض لو تركت كذا وكذا لانضم الجميع إلى جماعتك، ولكنه u لم يبالِ بأي من هذه الأقوال، وظل يقدم دعاويه باستمرار، مما أثار الضجيج والضرب والقتل (وهذا مستمر إلى اليوم) ولكن بالرغم من هذه المشاكل كان يواجه العالَم الذي لم يكن حضرته u يملك قوة لمواجهته قط من حيث الأسباب الظاهرية، ومع ذلك ظل يواجهه، بل أتذكَّر جيدا وقد سمعت من المسيح الموعود u عدة مرات أن مَثل النبي كمثل امرأة مجنونة يقال عنها أنها كانت تسكن في قرية وحين كانت تخرج من بيتها كان الأولاد الصغار يشاغبون ويضحكون عليها ويُزعجونها مرارا وتكرارا، وكانت تواجههم بالسباب والدعاء عليهم، فذات يوم تشاور أهل القرية أن هذه المرأة مظلومة وأولادنا يُزعجونها بغير حق وهي تدعو عليهم مظلومةً ونخشى أن تُستجاب أدعيتها، فعلينا أن نمنع أولادنا من إزعاجها، فاتفقوا على أن يحبس الجميع أولادهم في البيوت ولا يدَعوهم يخرجون. وفي اليوم التالي قال الجميع لأولادهم لن تخرجوا اليوم، ولمزيد من الحيطة أترسوا الأبواب من الخارج وأقفلوها، وحين أشرق النهار وخرجت المرأة من بيتها كالعادة تجولت هنا وهناك في الأزقة، ذهبت من زقاق إلى زقاق ولكنها لم تجد ولدا، وقبل ذلك كانت الحال أن ولدا يجرُّ ذيل ثوبها والآخر يقرُصها والبعض يدفعها والبعض يمسك بيدها والبعض يسخر منها، ولكن اليوم لا يُرى أي من الأولاد، انتظرت حتى الظهر وحين رأت أنه لم يخرج أحد منهم ذهبت إلى المحلات وسألت الجميع هل سقط اليوم سقف بيتكم وهل مات جميع أولادكم؟ ما لي لا أراهم اليوم؟ وبعد قليل حين قالت مثل هذا الكلام في كل محل فكر الناسُ قائلين: إنها تسبُّنا في كل حال فلماذا نحبس أولادنا، يجب أن نتـركهم. قال المصلح الموعود t بعد سرد هذه الحكاية: إن حال الأنبياء أيضا يكون كحالها، تُزعجهم الدنيا وتظلمهم بحيث يصعب عليهم العيش حتى تبدأ فئة من الناس تشعر أن الدنيا تظلمهم فعليها ألّا تفعل ذلك، ولكن الأنبياء لا يتركون الدنيا بل حين لا تُزعجهم الدنيا هم أنفسهم يهزُّونها ويُوقظونها لكي تتوجه إليهم الدنيا وتستمع لأقوالهم بطريقة ما، ثم يخرج الناس الطيبون نتيجة المعارضة.
قال المصلح الموعود t: إن المولوي محمد حسين البطالوي، الذي كان صديق المسيح الموعود u منذ شبابه وكان على صلة معه وكان يمدح دوما مقالات حضرته، حين أعلن حضرته دعواه قال: أنا رفعتُ هذا الشخص والآن أنا الذي سأدمِّره. من كان يستطيع أن يتصوّر آنذاك أنه لن يُدمَّر شخص قال عنه شخص كبير وذو نفوذ مثل المولوي محمد حسين البطالوي إنني سأدمره. كان البطالوي قويا بحيث كان يستطيع أن يحقق ما يقول. ثم أعلن أقرباء المسيح الموعود u أيضا بل نشر بعضهم إعلانا في الجرائد أيضا أن هذا الشخص إنما بدأ بتجارة لذا لا ينبغي أن ينتبه له أحد. وهكذا أرادوا أن يجعلوا العالم كله يسيء به الظن. ثم قال المصلح الموعود t: أتذكر أنني كنتُ في سِنّ الوعي حين أنكر العمّال، الذين يُحسبون من فئة عرقية دُنيا في أعمال الزراعة، أن يقوموا بأعمال بيته، والذين كانوا يعملون عند حضرته رفضوا العمل، وكان من حرضهم أقرباؤنا هؤلاء.
باختصار أراد الأقرباء والأغيار كلاهما أن يمحوه ويدمِّروه تدميرا ولكن ماذا حدث؟ يُذكر اسمه اليوم في 212 دولةً، إن لم يكن هذا دليل على صدقه فما هو إذًا؟ ثم بين المصلح الموعود t آية أخرى على صدقه فقال: إن الله تعالى بعث فينا المسيح الموعود u، فكان واحدةً من آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ لنا. فكل من جلس في صحبته تجلى عليه صدق القرآن الكريم وانكشف عليه صدق محمد رسول الله r، ولم تستطع قوة إبعاده عن الإسلام. ذات مرة رُفعت ضده u قضية من قِبل “كرم دين” وكان القاضي هندوسيًا، فقام الآريا الهندوس بتحريضه على المسيح الموعود u وألحوا عليه ألا يدَعه u ينفلت من يده بدون عقاب؛ فوعدهم بذلك. وبلغ الخبرُ الخواجه كمال الدين فخاف خوفًا شديدًا وجاء إلى المسيح الموعود u في غورداسبور حيث كانت المحكمة وكان حضرته مقيمًا هناك مضطرًا. فقال الخواجه المحترم لحضرته u: سيدي هناك أمر مزعج جدًّا، فإن الآريا الهندوس قد أخذوا من القاضي وعدًا بأنه سيحكم عليكم بنوع من العقوبة في كل حال. وكان المسيح الموعود u عندها مستلقيًا، فهبَّ من فوره وقال للخواجه المحترم: من ذا الذي يستطيع أن يشتبك مع أسد الله؟ إنني أسد الله، فسأرى كيف يشتبك هذا الهندوسي معي! فحدث كما قال حضرته u. لقد رفعت هذه القضية أمام قاضيين مختلفين في محكمتين مختلفتين، وكلاهما قد نـزل عليه نكال شديد من الله تعالى. فأحدهما طُرد من وظيفته، وأما الآخر فمات ابنه غرقًا في النهر، فصار شبه مجنون حزنًا عليه. قال المصلح الموعود t: وذات مرة رآني في محطة القطار بمدينة “لدهيانه” خلال سفري إلى “دلهي”، فجاءني وقال لي بإلحاح شديد وألم شديد: أرجوك أن تدعو لي بأن يعطيني الله الصبر، فقد ارتكبت أخطاء كبيرة، وأخاف أن أصبح مجنونًا. وقال أيضا: لقد تُوفي لي ولد وبقي ولد آخر، فادعُ الله تعالى أن ينجيني وإياه من المزيد من الدمار. وهذه كانت نتيجة ما فعلوه مع المسيح الموعود u، قال المصلح الموعود t: إذًا، فقد تحقق بكل جلاء قول المسيح الموعود u: من ذا الذي يستطيع أن يشتبك مع أسد الله؟ وفشل الآريا الهندوس فشلاً ذريعًا.
ثم يقول المصلح الموعود t: هناك حادث ممتع من زمن المسيح الموعود u وهو أنه كان لحضرته u صديقٌ كان في الوقت نفسه صديقا للشيخ محمد حسين البطالوي أيضا، واسمه نظام الدين. كان قد حجّ سبع مرات، وكان مرحا ولطيف الطبع. لما كان على صداقة بالمسيح الموعود u والشيخِ محمد حسين البطالوي كليهما فقد تألَّم كثيرا من إصدار الشيخ محمد حسين البطالوي الفتوى بكفر المسيح الموعود u إثر إعلانه أنه مبعوث من الله، وذلك لأنه كان واثقا جدا من صلاح حضرته u. كان يقيم في لدهيانه وعندما كان الخصوم يتكلمون ضد المسيح الموعود u كان يخاصمهم، ويقول لهم: “يجب أن تذهبوا أولا إلى حضرته لتنظروا إليه فهو رجل صالح جدا. وإنني أقول ذلك بناء على عِشْرَتي معه ومعرفتي أنه حين يُشرح له أمرٌ من القرآن الكريم يقبله فورا، ولا يخادع أبدا. إذا شُرح له من القرآن الكريم أن دعواه خاطئة، فأنا واثق من أنه سيقبل فورا.
فكان يجادل الناس كثيرا على هذا الأمر ويقول عندما أذهب إلى قاديان سأرى كيف لا يتخلَّى الميرزا عن دعواه. ويقول: سوف أضع أمامه القرآنَ الكريم وعندما أقدم له آية تثبت صعود عيسى u إلى السماء حيا، سيقبل فورا. فأنا أعلم جيدا أنه لا يقول شيئا بعد الاستماع للقرآن الكريم. ثم ذات يوم وصل ميان نظام الدين من لدهيانة إلى قاديان، وفور وصوله إلى حضرته u سأله هل قد تركت الإسلام وأنكرت القرآن الكريم؟ فقال له المسيح الموعود u كيف يمكن لي ذلك، فأنا أؤمن بالقرآن الكريم والإسلام هو ديني. فقال الحمد لله. فهذا ما أقول للناس، إذ ليس في وسعك تركُ القرآن الكريم. ثم قال: إذا قدمتُ لك مئات الآيات من القرآن الكريم التي تثبت أن عيسى u صعد إلى السماء حيا فهل سوف تقبل ذلك؟ فقال المسيح الموعود u: لا أطلب منك مئات الآيات وإنما تكفيني آيةٌ واحدة من القرآن الكريم تثبت ذلك، فسوف أقبل. فقال: الحمد لله. هذا ما كنت أناقش الناس بصدده من أن إقناع المرزا ليس صعبا، وأن الناس عبثا يثيرون شغبا. ثم قال: إذا قدمتُ لك مائة آية تثبت حياة المسيح فهل سوف تقبل؟ فقال حضرته: قد قلت لك سلفا إني سوف أقبل حتى لو قدمتَ لي آية واحدة فقط على هذا الموضوع، فكما أن العمل بمائة آية من القرآن الكريم ضروري فكذلك يجب العمل بكل كلمة منه، وليست قضية مائة آية أو واحدة. فقال لحضرته: إذا قدمت لك خمسين آية بهذا الصدد فهل تعدني بأنك ستتخلى عن دعواك؟ فقال له سيدنا المسيح الموعود u قد قلت لك إني مستعد لقبول آية واحدة فقط، فكلما تمسَّك حضرته بالاكتفاء بآية واحدة اختلج شكٌّ في قلب نظام الدين أنه قد لا تكون في القرآن الكريم آياتٌ كثيرة بهذا الموضوع، فقال لحضرته أخيرا: إذا قدمتُ لك عشر آيات فسوف تقبل حتما. فابتسم حضرته وقال أنا ما زلت متمسكا بقولي الأول، فأرجو أن تقدِّم لي آية واحدة فقط. عندها قال لحضرته u: الآن أود أن أنطلق، فسأعود إليك بعد بضعة أيام لأقدم لك الآيات من القرآن الكريم.
في تلك الأيام كان الشيخ محمد حسين البطالوي يقيم في لاهور وكان الخليفة الأول أيضا يقيم هناك، حيث كان المزمع انعقاد المناظرة بين الشيخ والمسيح الموعود u، وكان الخليفة الأول هناك لكتابة الشروط، وكانت بينهما مراسلة، وكان موضوع المناظرة وفاة المسيح. كان الشيخ محمد حسين البطالوي يقول: لما كان الحديث مفسرا للقرآن الكريم لذا إن ثبت أمر من الأحاديث فينبغي أن يُنسب إلى القرآن الكريم نفسه. ومن ثَم ينبغي أن يكون النقاش حول وفاة المسيح أو حياته بناء على ما ورد في الأحاديث. وكان حضرة المولوي أي الخليفة الأول يقول إن القرآن الكريم مقدَّم على الحديث، فلا بد من إثبات الدعوى من القرآن الكريم حصرا. فدام النقاش على هذا الأمر أياما عدة، لكن لإنهاء النقاش والتوصل إلى القرار بعقد المناظرة بين سيدنا المسيح الموعود u والشيخ البطالوي سلَّم حضرته بكثير مما قال الشيخ، وكان الشيخ مسرورا جدا من أن حضرته يقبل الشروط التي يريدها. وأثناء ذلك وصل إلى الشيخ البطالوي ميان نظام الدين وقال له أنْهُوا النقاشات كلها. فإني آتٍ من عند المرزا فهو مستعد للتوبة تماما. بما أنني صديقك أنت وفي الوقت نفسه أُصادقُ المرزا أيضا فأنا أتألم من هذا الاختلاف. وأنا أعرف أيضا أن في طبع المرزا المحترم برًّا وصلاحا، فقد ذهبتُ إليه وأخذت منه عهدا بأني إذا قدمت له عشر آيات من القرآن الكريم على حياة المسيح فسوف يؤمن بأن عيسى u حي. أرجو أن تُخرج لي عشر آيات في هذا الموضوع. كان الشيخ محمد حسين البطالوي حادَّ الطبع ومتسرعا أيضا. فقال له: أيها الشقي، لقد أفسدتَ عملي كله، فقد أقنعتُه بعد مناقشة دامت شهرين بأن تكون المناظرة بالأحاديث، والآن أعدتَه مرة أخرى إلى القرآن الكريم. عندها قال له ميان نظام الدين: إذن ليستْ هناك عشر آيات تؤيدك؟! فقال له الشيخ: أنت رجل جاهل، فما أدراك ماذا يعني القرآنُ الكريم. فقال له: إذن أنا مع مَن معه القرآنُ الكريم. قال ذلك وجاء إلى قاديان وبايع على يد سيدنا المسيح الموعود u.
يقول سيدنا المصلح الموعود t: انظروا كم كان حضرة المسيح الموعود u يثق بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يخالفه! وهذا لا يعني أن للقرآن الكريم قرابة خاصة مع حضرة المسيح الموعود u أو له علاقة خاصة بالجماعة الأحمدية. فالقرآن الكريم يُري سبيل الحق، ويؤيد مَن كان على حق. أما سيدنا المسيح الموعود u فلمَّا كان على ثقة بأنه على حق، لذا كان القرآن الكريم يؤيده، ولهذا السبب كان حضرته u يقول إذا كان أيٌّ من دعاواي غير متفق مع القرآن الكريم فسوف أرميها في سلة المهملات. وهذا لا يعني حتما أنه u كان على شك في دعواه، وإنما قال ذلك لإبداء اليقين بأن القرآن سيأبى إلا أن يؤيده ويصدِّقه. وهذا هو الأمل الذي نجَّحَنا في العالم.
وهو اليوم أيضا يشكل وسيلة لنشْرنا رسالةَ المسيح الموعود u في العالم ونجاحاتِنا. فمن المؤكد أن القرآن معنا حصرا.
يقول سيدنا المسيح الموعود u: اعلموا يقينا أن وعود الله صادقة تماما، وقد أرسل بحسب وعده نذيرا في الدنيا، فأنكروه أهلها وما قبلوه، ولكن الله يقبله حتما، ويُظهر صدقه بصولٍ قويٍّ شديدٍ صول بعد صولٍ. الحق والحق أقول لكم إني قد جئتكم مسيحا موعودا بحسب وعد الله تعالى، فاقبلوني إن شئتم، أو ارفضوني إن شئتم. إلا أن رفضكم لن يضرني شيئا، بل سيتحقق ما أراد الله تعالى، لأنه قد سبق أن قال في “البراهين الأحمدية”: “صدق الله ورسولُه وكان وعدًا مفعولاً”. (ملفوظات أول) أي قد تحقق ما قال الله ورسولُه وإن أمر الله لا محالة نافذ.
الآن أود أن أقول شيئا حول ما حدث في نيوزيلندا في يوم الجمعة الماضية، وكنت أنوي ذلك في الجمعة الماضية لكنني نسيت، على كل حال بعد ذلك قد أمرت بنَشر بيان صحفي من قبل الجماعة الأحمدية لاستنكار هذا الحدث البشع، حيث كثير من الأبرياء والأولاد كانوا ضحية للعداء الديني والعنصرية، واستُشهدوا، تغمَّدهم الله بواسع رحمته، وألهم ذويهم الصبر.
بعد ذلك ظهرت بعض الأمور، ومن ثم كان عدم ذكري ذلك مفيدا من ناحية، فالأخلاق السامية جدًّا التي أبدتْها الحكومة النيوزيلندية وخاصة رئيسة الوزراء التي أدت حق تأدية الواجبات، فهي عديمة المثال. وليت الحكومات الإسلامية أيضا تتعلم منها الدرس، وتؤدي دورا في القضاء على العداء الديني. والشعبُ هناك أيضا أيَّد الحكومة، وأعلنت الإذاعة والتلفزة أنها ستبث الأذان يوم الجمعة لإظهار المواساة مع المسلمين. كما أعلنت السيدات المسيحيات أنهن سيغطين رؤسهن إظهارا للتضامن مع المسلمات. نسأل الله تعالى أن يتقبل منهم هذه الحسنات ويوفقهم لمعرفة الصدق والحق أيضا، فالذين استُشهدوا في المسجد قد جادُوا بحياتهم لهدف نبيل وإحرازا للحسنة حيث قُتلوا خلال مساعدتهم للآخرين، رحمهم الله تعالى. وأبدى أقاربُهم أيضا صبرا غير عادي، فقد نُشرت مقابلةٌ لسيدة قد استُشهد زوجُها وابنُها البالغ من العمر 21 سنة وأبدت صبرا غير عادي. باختصار كان الحدث بشعا ومؤسفا جدا، وأظهر المسلمون هناك صبرا عظيما. وهذا ما يُتوقع من المسلم، لكن في الوقت نفسه أعلنت بعض الجماعات المتطرفة أنها ستنتقم، وهذا أمر مستنكَر جدًّا، إذ سيؤدي إلى استمرار العداوات. نسأل الله تعالى أن تنقرض الجماعات المتطرفة في المسلمين، وينتشر في العالم التعليم الحقيقي الجميل للإسلام، وأن يوفق الله غالبية المسلمين بل كلَّهم للإيمان بإمام الزمان، لكي يتمكنوا من نشر التعليم الحقيقي الجميل للإسلام في العالم متحدين.
وبعد الصلاة سأصلي جنازة الغائب على بعض مرحومِين، أولهم مولانا خورشيد أحمد أنور المحترم، الذي كان وكيل المال للتحريك الجديد في قاديان، فقد توفي في 19/3/2019 عن عمر يناهز 73 سنة، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان بفضل الله منخرطا في نظام الوصية، وكان منذ مدة طويلة مريضا بالسرطان، وقاوم المرض بكل صبر وهمة. فرغم المرض الشديد والضعف، لم يقصِّر قط في تأدية واجباته، حيث كان يحضر المكتب بانتظام، بل قد بذل كل جهد ممكن لتأدية واجباته لآخر لحظة من حياته، فأرى أنه نجح في ذلك. كان المرحوم ابنَ السيد عبد العظيم المحترم، الذي كان من دراويش قاديان، ورئيسة بيغم المحترمة. كان والد المرحوم من قرية بندي بهتيان وكان أول من بايع في عائلته، بعد البيعة ضربه والدُه كثيرا واضطهده فهاجر إلى قاديان واستقر هناك. لقد قضى المرحوم أيام الطفولة في قاديان بصحبة الصحابة الأجلّة والدراويش. حصل على الشهادة الثانوية من مدرسة تعليم الإسلام بقاديان، ثم دخل في المدرسة الأحمدية وحصل على شهادة “مولوي فاضل” من المدرسة الأحمدية بقاديان نفسها في 1967، وعُين أستاذا في المدرسة نفسها. ثم في 1982 عُين مديرًا لجريدة بدر كما عمل لمدة قصيرة كرئيس تحرير لها أيضا. في 1989 عُين ناظمًا للإرشاد في الوقف الجديد بقاديان. كما خدم بصفته نائبا لناظر الإشاعة، ورئيسًا لمجلس خدام الأحمدية في الهند، ونائبا لناظر المال (الدخْل) أيضا. في عام 2006 عينتُه وكيلَ المال في التحريك الجديد، وظل يخدم الجماعة على هذا المنصب إلى الوفاة على خير ما يرام. وكذلك كان رئيسا لبعض اللجان في الجماعة وعضوا في بعضها أيضا. كان يتمتع بكفاءة عالية في الإدارة، وكان ينجز أعماله ببشاشة القلب وبجهد كبير.
لقد أحكَم المرحومُ مكانة الهند في صندوق “التحريك الجديد” أيضا بجهد جهيد وجعل الهند تتقدم كثيرا في هذا المجال بعد أن كانت الهند متأخرة. كان كثير الاهتمام بأموال الجماعة وينفقها بحذر شديد. كانت مواهبه العلمية عالية جدا، بحيث كانت مقالاته جيدة جدا دائما. وُفّق للعمل مديرا لجريدة “بدر” الصادرة في قاديان بنجاح إلى عدة سنين. كانت كلماته الافتتاحية في الجريدة مليئة بالمعلومات والفصاحة والبلاغة دائما. كانت هناك مؤسسة في “حيدر آباد دَكَّن” باسم “تعمير الملة” وكانت تعقد مسابقة لكتابة المقالات حول سيرة النبي r. فكتب المرحوم ذات مرة مقالا في هذه المسابقة ونال الجائزة الأولى، وذلك قبل أربعين سنة حين كان المرحوم شابا.
كان المرحوم يتحلى بصفات حسنة كثيرة، أبرزها دماثة الأخلاق والجهد الجهيد دون كلل وملل. قبل موعد الجلسة السنوية كان يستعد لاستقبال الضيوف باهتمام كبير، وعلى الرغم من إمكانياته الضئيلة كان يقدم لهم الضيافة على أحسن ما يرام. كان ذا رأي سديد، يواسي الفقراء، يطيع المسؤولين طاعة كاملة ويحب الخلافة كثيرا. إن زمن خدمته للجماعة يمتد إلى 52 عاما تقريبا. ترك وراءه أربع بنات وابنا. يسكن ابنه هنا وإحدى بناته في أميركا والأخرى في قاديان. يقول صهره السيد خالد أحمد إله الدين: كلما قلتُ له في أيام مرضه أن يستريح قليلا، كان يقول دائما: أتمنى أن ألقى الله تعالى وأنا أخدم الجماعة إلى آخر لحظة في حياتي. وقد وفى بهذا العهد على أحسن وجه.
يقول نائب رئيس مجلس “التحريك الجديد”. كنت على علاقة مع المرحوم منذ أيام دراستي، ووُفقت للعمل معه في عدة مناسبات. لقد عُيّن المرحوم نائبا لناظر بيت المال وعمل في هذا المنصب على خير ما يرام إلى مدة طويلة. كان مطيعا جدا ومجتهدا وأمينا جدا، ويهتم بالأمور المالية بنظرة دقيقة. عندما عُيّن مسؤولا عن ميزانية صندوق “التحريك الجديد” كوكيل للمال كانت ميزانية هذا الصندوق بضع مئات الآلاف ولكن نتيجة جهده واهتمامه بلغت هذه الميزانية إلى الملايين. ندعو الله تعالى أن يرفع درجاته ويوفق أولاده للاستمرار في حسناته.
الجنازة الثانية هي للسيد طاهر حسين منشي، نائب أمير الجماعة في “فيجي” الذي توفّي بتاريخ 5/3/2019م عن عمر يناهز 72 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد خدم المرحوم جماعة فيجي لمدة طويلة، ووُفّق للخدمة كنائب أمير الجماعة إلى فترة طويلة. كان كثيرا الدعاء ومخلصا وإنسانا صالحا وورعا، ومشتركا في نظام الوصية بفضل الله تعالى، وقد دفع في حياته تبرع الوصية المترتب على عقاراته. ترك وراءه ابنا وابنة، ولكنهما ليسا أحمديين. لقد كسب المرحوم صيتا حسنا في مجال التعليم في بلده فيجي. فقد عمل عميدا في كلية، مسؤول التعليم الإضافي في وزارة التعليم، ثم نال الترقية وأصبح نائب مدير التعليم، وتقاعد من هذا المنصب في عام 1999م، غير أن الحكومة وظّفته مرة أخرى بعد تقاعده وعيّنته عضوا في لجنة المحاسبة العامة. وعمل بهذا المنصب إلى فترة حتى تركه نتيجة المرض.
يقول السيد حامد حسين رئيس الجماعة في “نَسْر بانغا” في ذكر قبوله الأحمدية: لقد عُيّن المرحوم في أول وظيفة في عام 1968م في المدرسة الابتدائية في “نَسْر بانغا”، حين كنتُ أنا سكرتيرا للمدرسة، فنشأت بيننا أواصر الصداقة وكنا نقضي معظم الوقت معا. كان المرحوم يعارض الجماعة ومع ذلك كان يسمع مني ويناقشني. كان من حيث الخلفية من أهل السُّنّة، فكان يدعو المشايخ من فِرقته للنقاش ولكنهم كانوا يرفضون ذلك، وهذا الأمر كان يُحزن المرحوم كثيرا. وبعد فترة وجيزة وفّقه الله تعالى لمعرفة إمام الوقت بفضله ورحمته.
ذات مرة سافر المرحوم إلى قاديان، وقال لي عند العودة منها: لقد دعوت لك كثيرا في “بيت الدعاء” لأن الله تعالى وفقني للوصول إلى هذا المقام بسببك أنت (أي وُفِّق لقبول الأحمدية، لذا دعا له كثيرا في بيت الدعاء لأنه كانت له منة كبيرة عليه. إنه من شأن الأحمدي فقط أن يدعو على هذا النحو لمن أحسن إليه)
يتابع الراوي قائلا: لقد عيّنه الخليفة الرابع في عهده نائب أمير الجماعة في “فيجي”.
يقول داعيتنا السيد نعيم إقبال: كان المرحوم مخلصا جدا وكانت علاقته مع الخليفة تتسم بالوفاء والإخلاص الكبيرَين، وكان يحض الآخرين أيضا على احترام الخليفة وطاعته. وكان دائما يضرب مَثلا أعلى في الأخلاق الفاضلة في تصرفاته. وإذا اختلف في أمر ثم علم بعد ذلك برأي الخليفة تخلّى عن رأيه فورا.
الجنازة الثالثة هي للسيد موسى سسكو من مالي الذي توفّي في 15/2/2019م، إنا لله وإنا إليه راجعون. كان لواء في الجيش. تعرّف إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية بواسطة مجلة ثم بقي على تواصل مع داعيتنا في منطقة “وسكاسو” ووُفِّق لقبول الأحمدية في عام 2012م. وفي عام 2013م بدأت إذاعة الجماعة في مدينة وسكاسو وعُيِّن المرحومُ مديرا لها. وفي العام نفسه عُيّن رئيس الجماعة المحلية. وبعد بدء الإذاعة لقيت الجماعة معارضة شديدة ولكن المرحوم لزم الحكمة الصبر والجَلد وحلّ المشاكل كلها بالحكمة، وتواصل مع الجهات المعنية وعرّف إليهم الجماعة. إضافة إلى ذلك كان يعمل منذ عام 2016م سكرتيرا للأمور الخارجية في الهيئة الإدارية الوطنية. بعد البيعة نذر المرحوم نفسه لخدمة الجماعة. كان ملتزما بصلاة التهجد إلى جانب الصلاة جماعةً. كان إنسانا مخلصا ووفيّا جدا، ويحب الخلافة بشكل خارق للعادة، وكان سباقا دائما في تلبية دعوة الخليفة دائما. ترك وراءه أرملتين وعشرة أبناء وخمس بنات. ندعو الله تعالى أن يرفع درجات جميع المرحومين ويوفق أولادهم للسلوك على دروب التقوى والحسنات، ويوفق أولاد المرحوم طاهر حسين منشي غير الأحمديين لمعرفة إمام الزمان.