خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u

في مسجد بيت الفتوح بلندن

يوم 5/4/2019م

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

الصحابة البدريون الذين سأذكرهم اليوم أولهم حضرة خراش بن الصمة الأنصاري t وكان من بني جشم من الخزرج. كان اسم والدته أم حبيب، وأولاده سلمى وعبد الرحمن وعائشة. وقد شهد حضرة خراش بدرا وأحدا، وفي أُحد أصيب بعشرة جروح، وكان من رماة النبي r المهرة، وكان في بدر قد أسَر صهر النبي r أبا العاص.

الصحابي التالي اليوم حضرة عبيد بن التيهان ويُذكر اسمه عتيك بن التيهان أيضا، وكان اسم والدته ليلى بنت عتيك وكان حضرة أبو الهيثم بن التيهان أخاه وكان من حلفاء بني عبد الأشهل، ولقد شارك عبيد في بيعة العقبة الثانية ضمن سبعين أنصاريا. ولقد آخى النبي r بينه وبين حضرة مسعود بن الربيع. شارك في بدر مع أخيه أبي الهيثم واستُشهد في أُحد، وكان عكرمة بن أبي جهل قتله. ويقال أيضا إنه شارك في معركة صفين مع علي t واستُشهد فيها. وفي هذا اختلاف إلا أن الأمر الذي اتفقت عليه الروايتان هو أنه استُشهد. ويُذكر له ابنان هما حضرة عبيد الله وحضرة عباد. وبحسب رواية الطبري قد شهد حضرة عباد أيضا بدرا، ويقال إن حضرة عبيد الله استُشهد في حرب اليمامة.

الصحابي التالي اليوم هو حضرة أبو حنّة مالك بن عمرو وكانت كنيته أبا حنة واسمه مالك بن عمرو، وذكَره محمد بن عمرو الواقدي ضمن البدريين، وهناك اختلاف في اسمه، إذ قد ورد اسمه في بعض الروايات عامر وثابت بن النعمان أيضا. وتُذكر كنيته أبو حبة وأبو حية أيضا، لكن محمد بن عمرو الواقدي يقول إن هناك اثنين كنيتهما أبو حبة، أحدهما أبو حبة بن غزية بن عمرو المازني، والثاني أبو حبة بن عبد عمرو، وكلاهما لم يشهد بدرا. وليس فيمن شهد بدرًا أحدٌ كنيته أبو حبة ويُصِرُّ على أن من شهد بدرا كان يكنى أبا حنة حصرًا.

الصحابي التالي حضرة عبد الله بن زيد بن ثعلبة، ويقال له عبد الله بن زيد الأنصاري، وكان يكنى أبا محمد، واسم والده حضرة زيد بن ثعلبة، وهو الآخر كان من الصحابة. وكان من بني جشم من الأنصار. شارك في بيعة العقبة الثانية مع سبعين أنصاريًّا، وشهد بدرا وأُحدا والخندق وغيرها من المعارك مع النبي r. كان حامل لواء بني الحارث بن الخزرج يوم فتح مكة. كان حضرة عبد الله بن زيد يعرف القراءة والكتابة قبل الإسلام وكان في ذلك الزمن قليلون من هم يعرفون الكتابة. استقر أولاده في المدينة، أحد أولاده محمد من بطن زوجته سَعْدة بنت كُليب، وكانت له ابنةٌ اسمها أم حميد وكانت أمها من اليمن، وكان أخوه حريث بن زيد أيضا بدريا، كما كانت إحدى أخواته قُرَيْبَة بنت زيد وهي أيضا كانت صحابية.

حضرة عبد الله زيد عُلِّم كلماتِ الأذان في الرؤيا، فلما أخبر بذلك النبيَّ r أمر بلالا أن يرفع الأذان بحسب ما رأى حضرة عبد الله في الرؤيا، وهذا بعد بناء المسجد النبوي السنةَ الأولى بعد الهجرة، وتفصيل ذلك:

عن أبى عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال اِهتمَّ النبيُّ r للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذَن بعضهم بعضا، فلم يُعجبه ذلك، فذكر له القُنْع يعنى شَبُّور اليهود فلم يعجبه ذلك وقال هو من أمر اليهود، فذكر له الناقوس فقال هو من أمر النصارى فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لِـهمِّ رسول الله r ودعا الله فأُري الأذان في منامه.

يتابع حضرة عبد الله بن زيد ويقول: طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلتُ يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال أفلا أدُلّك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى. فقال تقول: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على  الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. وأقدم لكم الترجمة أيضا فهي تفيد الأولاد الصغار والمسلمين الجدد..، ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال تقول إذا أقمتَ الصلاة: الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. فهي نفس كلمات الأذان وإنما أضيف جملة قد قامت الصلاة مرتين.

فلما أصبحتُ أتيت رسول الله r فأخبرتُه بما رأيت فقال إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألقِ عليه ما رأيت فليؤذِّن به فإنه أندى صوتًا منك. فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذِّن به قال فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجرّ رداءه يقول والذى بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى فقال رسول الله r: فلله الحمد. وفي رواية أخرى أن النبي r قال الحمد لله، وهذا هو الأمر المتين.

لقد ذكر حضرة مرزا بشير أحمد t في كتابه سيرة خاتم النبيين بعض الأمور الإضافية من كتب أخرى، فيقول: يوم لم يكن هناك أي أذان أو إعلان للصلاة، كان الصحابة يجتمعون بتقدير الوقت شخصيا، إلا أن هذا الوضع لم يكن مطمئنا. وبعد بناء المسجد النبوي أثير السؤال بشدة أكثر كيف يمكن جمع الناس للصلاة. فاقترح أحد الصحابة استخدام الناقوس لذلك كما كان النصارى يفعلون، وغيرُه اقترح بوقا كما كان يستخدمه اليهود، وكذلك صدرتْ اقتراحات، فاقترح سيدنا عمر t أن يعيَّن رجلٌ لنداء الصلاة عندما يحين وقت الصلاة، فأَعجب النبيَّ r هذا الرأيُ، فأمر r بلالا أن يتولى هذه المهمة. فبدأ بلال t يعلن عند وقت الصلاة قائلا: الصلاة جامعة، وكان الناس يجتمعون. وعلاوة على الأذان أيضا كان يصدر النداء على الطريق نفسه لجمع الناس لغرض آخر غير الصلاة. وبعد ذلك ذكرت نفس القصة أن الصحابي حضرة عبد الله بن زيد الأنصاري قد عُلِّم كلمات الأذان في الرؤيا فجاء إلى النبي r وقص عليه رؤياه، أنه رأى في الرؤيا رجلا يؤذِّن بهذه الكلمات، فقال هذه الرؤيا من الله وأمر عبدَ الله أن يعلِّم بلالا هذه الكلمات.

ثم كتب حضرته أن من الغريب أن بلالا حين رفع الأذان أولا، جاء عمر t بعد سماعه إلى النبي r وقال له لقد رأيت أنا أيضا نفس الكلمات في الرؤيا، وفي رواية أن النبي r حين سمع كلمات الأذان قال لقد نزل الوحي أيضا بحسب هذا.

عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد، عن عبد الله بن زيد الذي أُري الأذان أنه تصدق بمال لم يكن له غيره. كان عبد الله بن زيد ووالده يعيشان على هذا المال، وهذا كان كل ما يملكانه، فسلّمه إلى النبي r. فجاء أبوه إلى رسول الله r وقال إن عبد الله تصدق بماله وكان لنا وله كفافًا، فدعا النبي عبد الله فقال إن الله U قد قبل صدقتك ورُدَّها على أبويك قال فتوارثناها بعد ذلك.

وذات مرة أعطى النبيُّ r عبدَالله بن زيد أظفارَه تبركا. عن محمد بن عبد الله بن زيد أن أباه شهد النبي r في حجة الوادع عند المنحر في منى وعنده رجل من الأنصار وقسم رسول الله r ضحايا فلم يصبه ولا صاحبه شيء فحلق رسول الله r في ثوبه فقسم منه على الرجال وقلم أظفاره فأعطاه وصاحبه.

عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً أتى النبيَّ r، فقال: يا رسول الله، أنت أحبُّ إليَّ مِن نفسِي وأهْلي ومالي، وإني إذا ذهبْتُ لِدَاري لا تطيبُ نفسِي حتى آتِيَك وأرَاكَ، وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين وإن دخلتُها لا أراك…فلم يُجِبْه الرَّسولُ r، فنـزل جبريلُ u، بقوله U: ]وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ[

هذه الآية نقدمها دليلا على أن نوال النبوة غير التشريعية ممكن نتيجة طاعة النبي r، ويمكن للمرء أن يتقدم نتيجة طاعة النبي r من مرتبة الصالحية إلى مقام النبوة. إذًا، إن مقام النبوة، وإن كانت نبوة غير تشريعية، في طاعة النبي r إنما هو مقام سامٍ جدا ويعطيه الله من يشاء. وقد استخدم النبي r كلمة “نبي الله” بحق المسيح الموعود المقبل. لذلك نؤمن بالمسيح الموعود u نبيا غير مشرّع ومطيعا كاملا للنبي r، وهذا لا يُنقص من مقام ختم النبوة شيئا بل يرفع مكانة النبي r لأن النبوة غير التشريعية أيضا لا تنال إلا بطاعته واتباعه r. ولا نستنبط هذا المعنى نحن فقط بل السلف الصالح أيضا ذهبوا إلى هذا المعنى، منهم الإمام الراغب حيث قال أنه يمكن أن يأتي نبي غير مشرع بعد النبي r نتيجة اتباعه. أحببت أن أبيّن هذا الأمر في سياق هذه الآية ضمنيا وتوضيحا للموضوع.

يقول العلامة الزرقاني أن هذا الحادث مذكور في كتب التفسير المختلفة مرويا عن ثوبان، خادم النبي r، بينما جاء في “ينبوع الحياة” نقلا عن مقاتل بن سليمان أن الذي رأى الأذان في الرؤيا كان عبد الله بن زيد الأنصاري. ثم يقول العلامة الرزقاني ما مفاده: إذا كان ذلك صحيحا فمن الممكن أن كليهما ذكر هذا الأمر للنبي r، فنـزلت الآية. وقيل أن عديدا من الصحابة ذكروا هذا الأمر للنبي r.

إضافة إلى ذلك فقد ذُكر هذا الحادث عن ثوبان في كتب التفسير بكلمات مختلفة أيضا. وبيان ذلك أن ثوبان كان شديد الحب لرسول الله r قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغيّر لونه يُعرف الحزن في وجهه، فقال له رسول الله r: “ما غيّر لونك”؟ فقال يا رسول الله، ما بي من مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فأخاف أن لا أراك؛ لأنك ترفع مع النبيين، وأني إن دخلت الجنة في منـزلة أدنى من منـزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا.

يقول العلامة الزرقاني أن عبد الله بن زيد هذا كان يعمل في جنة له فأتاه ابنه فأخبره أن النبي r توفي فقال: اللهم أذهب بصري حتى لا أرى بعد حبيبي محمدٍ أحدًا، فكُفّ بصره.

وقد اختُلف في وفاة عبد الله بن زيد، فقال بعض أنه توفي بعد معركة أُحد، ولكن ما قيل بكثرة هو أنه شهد المشاهد كلها مع النبي r، وتوفي في المدينة في أواخر عهد عثمان t في عام 32 من الهجرة. وإذا قبلنا بصحة حادث ذهاب بصره فيبدو أنه توفي في عهد عثمان t حين كان بالغا من العمر 64 عاما، وصلّى عليه عثمان t.

والصحابي الآخر هو معاذ بن عمرو بن الجموح الذي كان من بني سلمة من الخزرج. وقد شهد بيعة العقبة الثانية وبدرا وأُحدا. كان أبوه عَمْرَ بن الجموح أحد أصحاب النبي r وقُتل يوم أُحد. كان اسم أُمّه هند بنت عمرو.

قال موسى بن عقبة، أبو معشر ومحمد بن عمر الواقدي أن أخاه معوذ بن عمرو بن الجموح أيضا شهد بدراً. زوجته ثبيتة بنت عمرو، وكانت من بني ساعدة فرع الخزرج، وأنجبت له ابنا هو عبد الله وبنتا هي أمامة. شهد معاذ بيعة العقبة الثانية ولكن والده أي عَمْرَ بن الجموح كان متمسكا بشدة بمعتقداته الشركية إلى ذلك الحين. ذُكر حادث إسلام معاذ في سيرة ابن هشام وقد ذكرتُه باختصار قبل عام تقريبا وقلت أنه عندما عاد معاذ وأصحابه إلى المدينة بعد بيعة العقبة بلّغوا دعوة الإسلام على نطاق واسع. وكان بعض الناس من قومهم ما زالوا على معتقداتهم الشركية وكان منهم عَمْرَ بن الجموح أيضا. وقد اشترك ابنه معاذ بن عمرو في بيعة العقبة الثانية وبايع النبيَّ r.

كان عمرو بن الجموح سيدًا من سادة بني سلمة، وشريفًا من أشرافهم، وكان قد اتخذ في داره صمنًا من خشب يقال له “مناة” يعظمه ويطهره، فلما أسلم فتيان بني سلمة: ابنه معاذ بن عمرو، ومعاذ بن جبل في فتيان منهم، كانوا ممن شهد العقبة، فكانوا يدخلون الليل على صنم عمرو فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة، وفيها عَذَر الناس، منكسًا على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم! من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟ ثم يغدو يلتمسه، حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه، ثم قال: أما والله لو أعلم مَن فعل هذا بك لأخزينه. فإذا أمسى ونام عمرو، عدوا عليه، ففعلوا به مثل ذلك، فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى، فيغسله ويطهره: ويطيبه، ثم يعدون عليه إذا أمسى، فيفعلون به مثل ذلك. فلما أكثروا عليه، استخرجه من حيث ألقوه يوما، فغسله وطهره وطيبه، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، ثم قال: إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع، فهذا السيف معك. فلما أمسى ونام عمرو، عدوا عليه (وكان فيهم ابنه أيضا) فأخذوا السيف من عنقه، ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة، فيها عذر من عذر الناس، ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به.

فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت، فلما رآه وأبصر شأنه، وكلمه من أسلم من (رجال) قومه، فأسلم برحمة الله.

هكذا وردت هذه القصة في سيرة ابن هشام، ومفادها أنه فكر في أن الصنم لم يستطع أن يحرك ساكنًا رغم السيف الذي كان معه، فما الفائدة من عبادة مثل هذا الإله؟!

كان معاذ بن عمرو بن الجموح ممن قتل أبا جهل. فقد ورد في رواية للبخاري:

عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا. فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالَا: لَا. فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ.

ولقد ذكرت هذا في البدايات أيضا حين تناولت واقعة معاذ ومعوذ، ولكن قد يُشَكِّل إبهامًا ما ورد في كتب الحديث المتفرقة وكتب السيرة وما ورد في هذه الرواية الأخيرة من البخاري التي تقول بأن مَنْ هاجم أبا جهل وقتله هما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء، وعبد الله بن مسعود قد احتزّ رأسه؛ في حين أنه ورد في مكان آخر أن من قتله هما أخوان معاذ ومعوذ. ولكن قد وردت في صحيح  البخاري أيضا رواية أخرى جاء فيها:

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r يَوْمَ بَدْرٍ مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ معاذ ومعوذ حَتَّى بَرَدَ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ أَوْ قَالَ قَتَلْتُمُوهُ؟

فقد وردت في البخاري هاتان الروايتان؛ في إحداهما ذكر معاذان وفي الأخرى معاذ ومعوذ، وفي إحداهما ذُكر أنهما ابنان لرجل واحد وفي الأخرى يختلف اسم أبويهما.

لقد تناول سيد زين العابدين ولي الله شاه هذا الإشكال في تعيين قاتلي أبي جهل فوضح الأمر كما يلي: لقد ورد في بعض الروايات أن ابنَي عفراء معاذ ومعوذ قد صرعا أبا جهل حتى أوشك على الموت، ثم وصل إليه عبد الله بن مسعود فاحتزّ رأسه. وقد ذكر الإمام ابن حجر هذا الاحتمال بأنه ربما بعد ضربات معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء جاء معوذ فضربه أيضا لأجل ذلك ورد ذكر الأخوين في بعض الروايات وورد ذكر غلامين مختلفين في الأخرى.

ولقد ورد في فتح الباري شرح البخاري أنه ربما قتله هؤلاء الثلاثة.

ويقول العلامة بدر الدين العيني في تحديد قاتلي أبي جهل أن معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء هما قد قتلاه، وشاركهما عبد الله بن مسعود الذي قطع رأسه فأخذه إلى النبي r.

يقول العلامة بدر الديني العيني بأنه قد ورد في صحيح مسلم أن من قتل أبا جهل هما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء. كان والد معاذ بن عفراء هو الحارث بن رفاعة  وعَفْرَاء النجارية أمه، عُرف بها وَهِي ابْنة عبيد بن ثَعْلَبَة، وَكَذَلِكَ تقدم فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب من لم يُخَمّس الأسلاب أَن معَاذ بن عَمْرو هُوَ الَّذِي قطع رجل أبي جهل وصرعه ثمَّ ضربه معوذ بن عفراء حَتَّى أثْبته ثمَّ تَركه وَبِه رَمق فدفق عَلَيْهِ عبد الله بن مَسْعُود واحتز رَأسه. فَإِن قلت: مَا وَجه الْجمع بَين هَذِه الْأَقَاوِيل؟ قلت: لَعَلَّ الْقَتْل كَانَ بِفعل الْكل.

وهناك رواية للزرقاني أن عبد الله بن مسعود أدرك أبا جهل وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وقال:

هَلْ أَخْزَاكَ اللهُ يَا عَدُوَّ اللهِ؟ قَالَ أبو جهل بتكبر: وَبِمَا أَخْزَانِي أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟ (أي لا أشعر بأي عار في هذا المآل). ثم سأله ابو جهل: لمن الغلبه اليوم؟ فرد عليه: لله ورسوله يا عدو الله.

وورد في رواية أخرى أن أبا جهل قال: أبلغ محمدًا (r) بأنني بقيت عدوًّا له طول حياتي وارتقيت في عدواته مرتقى عظيمًا اليوم. فاحتز عبد الله بن مسعود رأسه فأخذه إلى النبي r. فقال النبي r: إنني معزز ومكرم من الله تعالى أكثر من جميع الأنبياء كذلك أمتي معززة ومكرمة أكثر من جميع الأمم. وكذلك إن فرعون هذه الأمة أكثر شراسة من فراعين جميع الأمم.

والسبب في ذلك أن فرعون موسى لما أدركه الغرق قال: ]آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ[ أي لما أوشك على الغرق فقد ورد في سورة يونس بأنه قال بأنني أؤمن بأنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، أما فرعون هذه الأمة فقد تقدّم في العداوة والكفر أكثر بكثير، وهو ظاهر من أقوال أبي جهل قبل الموت.

ولقد ورد في روايات أخرى أيضا أنه لما تلقى النبي r خبر قتل أبي جهل ورأى رأسه قال: الله الذي لا إله إلا هو، وهكذا قالها ثلاثا، ثم قال الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله.

وورد أيضا أن رَسُول اللهِ r قال: “لِكُلِّ أُمَّةٍ فِرْعَوْنُ وَفِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ الذي جعله الله تعالى يُقتَل بذلٍّ.

تُوفي معاذ بن عمرو بن الجموح t في عهد عثمان t، قال خليفة بن خياط أن معاذ بن عمرو بن الجموح t أصابته نكبة يوم بدر فبقي عليلا إلى عهد عثمان t ثم تُوفي بالمدينة سنة أربع عشرة وصلى عليه عثمان t ودفن بالبقيع. وعن أبي هريرة t قال قال رسول الله r: نِعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح.

نزَّل الله تعالى آلاف البركات على هؤلاء الذين نالوا رضوان الله تعالى لانغماسهم في حبه I وحب رسوله r.

سأصلي صلاة الغائب على السيد ملك سلطان هارون خان الذي لقي حتفه في 27 آذار في مدينة إسلام آباد، إنا لله وإنا إليه راجعون. ابنُه الأكبر هو صهر الخليفة الرابع t فقد تزوج من ابنته الصغرى. كان ملك سلطان هارون أحمديا من الولادة، واسم أبيه العقيد ملك سلطان محمد خان الذي بايع على يد المصلح الموعود t وهو في الثالث والعشرين من عمره، وكان الأحمدي الوحيد في أسرته، ثم زوَّجه المصلح الموعود t من السيدة عائشة صديقة بنت الشودري فتح محمد سيال المحترم. وكانت أسرته من الأُسر الشريفة ومن الرؤساء، ملك أمير محمد خان الذي كان حاكم باكستان الغربية ومعروف بلقب “نواب كالا باغ” كان ابن عم العقيد ملك سلطان والد المرحوم، واسم جده ملك سلطان سرخرو خان الذي -لكونه رئيسا- كان يتبوَّأ مقاما مرموقا عند الحكومة البريطانية حين كانت مستعمِرةَ الهند وباكستان، حظي بشرف قبول الأحمدية بعد أربع سنوات من بيعة ابنه ملك سلطان محمد خان. كانا سعيدي الفطرة لذا مع كونهم أهل الدنيا توجَّهوا إلى الدين ووفقهم الله تعالى لسعادتهم إلى قبول الأحمدية.

تزوج السيد سلطان هارون خان من السيدة صبيحة حميد بنت شوردي عبد الحميد الذي كان يشتغل المدير العام في قسم الكهرباء، وأعلن الخليفة الثالث t عقد قرانهما وقال حضرته في تلك المناسبة: كان السيد الشودري فتح محمد سيال t، مؤسسُ دارِ التبشير في إنكلترا والداعيةُ الأول فيها، من أساتذتي وله منّة كبيرة عليَّ، قال الخليفة الثالث t: كان الشودري فتح محمد سيال يأخذني معه حين كنتُ حديث السن وغيرَ خبير وهيَّأ لي أسبابا لتتوسع خبرتي، ووجدتُ بسبب العيش معه فرصةَ إظهارِ حُبِّي الكامنِ في قلبي لسكّان البادية، وإلى الآن حين ألتقي بشخص بسيط من القرى أشعر بسعادة بالحديث معه بغير كلفة، ولا أشعر بتلك السعادة عند حديثي مع شخص مدني، لأن أهل المدينة يتكلفون عادةً وبسبب عادتهم هذه نبدأ نتكلف معهم بغير قصد. باختصار سيُعقد قران ابن أخت المحسن إليَّ هذا على ابنة السيد ملك سلطان هارون خان ابن العقيد سلطان محمد خان، وسأعلن هذا القران. قال حضرته أيضا: ادْعوا الله تعالى أن يُديم في الأجيال القادمة عاطفةَ الخدمة والإيثار والتضحية التي بها خدم كبارُنا دين الله بكل إخلاص ووفاء.

واليوم جاء ذكره بمناسبة وفاته فندعو الله تعالى أن يواصل أولاد المرحوم ملك هارون أيضا هذه  العلاقة بالأحمدية والخلافة بل يقوّوها. وللمرحوم ثلاثة أبناء وثلاث بنات وكما قلتُ، فابنه الأكبر سلطان محمد خان هو صهر الخليفة الرابع t، كان المرحوم يخدم فقراء المنطقة جدا ويحسن إلى النساء الفقيرات بوجه خاص كما قالت بعض النساء: كنا نشعر في حياة المرحوم بأننا في مأمن والآن بدأنا نشعر بالخوف، كان من منطقة “أَتَكْ” المعروفة بالعداوة والقسوة ولا يُعطى الضعيف فيها أي حق، ولكن المرحوم، مع كونه إقطاعيا كبيرا ومن أقوياء المنطقة، كان يساعد الفقراء جدا.

قالت أخته السيدة راشدة سيال من كندا: كان أخي المرحوم يملك مزايا كثيرة ويغار للجماعة ويفدي الخلافة بروحه وصديقا مخلصا للأصدقاء وشديدا على الأعداء وسندا للفقراء والمساكين. أضافت: كتب إلي الخليفة الرابع t في رسالةٍ أن أباك العقيد سلطان محمد خان كان سيفا مسلولا للأحمدية ويُلاحَظ الشيء نفسه في إخوتكِ أيضا. كانوا يواجهون العداء الشديد في منطقتهم، وعموما يتعادى الناسُ في تلك المنطقة، فكانوا يواجهون العداء الشديد بسبب بعض العقارات وبسبب الأحمدية أيضا. ذات مرة قال الخليفة الثالث t للمرحوم: سوف تأتيك رصاصات ولكنها ستمرّ من فوقكم ولن تُصيبك بشيء بفضل الله. قالت: لقد رأينا تحقق قول الخليفة الثالث هذا. ففي 1977م حين شُنَّ هجوم على ملك سلطان هارون لاغتياله في مخفر الشرطة بـ”فتح جنك” وأُطلقت عليه رصاصات ومرّت من فوق رأسه مُحرقةً بعض شعره ولكنه لم يُصب حتى بخدش وحفظه الله تعالى بشكل إعجازي. كان يجود على الفقراء والمساكين. كتبت ابنته: كان سندا للضعفاء ولمن لا سند له.

كتب أخوه الأكبر ملك سلطان رشيد خان: بعد وفاة أبينا كان هو رئيسَ قبيلتنا الحقيقيَّ، وكان يسبقني دوما في خدمة الجماعة رغم بذلي كل السعي لأسبقه، كان محبا صادقا للمسيح الموعود u وخلفائه وجماعته. ذات مرة بعد أحداث 1974م قال له أحد الضباط الكبار أمامي: كيف إيمانك بإمامك؟ فقال باللغة البنجابية: مثل الحديد، أيْ إيماني بالخلافة قوي مثل الحديد. كان في هجرة الخليفة الرابع t ورافقه حتى كراتشي، كتب السيد رشيد: رسائل الخليفة الرابع t التي أحتفظ بها سـمّاه فيها الخليفة الرابع في موضعٍ جنرالَ الأحمدية وفي موضعٍ آخرَ سـمّاه سيفَ الحب والغيرة للجماعة. كتب السيد رشيد: أما التزامه بالنوافل وتلاوة القرآن في الليل فلعلّ القلة يعرفون ذلك، لأنه لم يكن يذكر ذلك قط، ولكنه كان ملتزما جدا بكلا الأمرين، حتى أنا ما كنتُ عرفتُ بذلك لو لم أعِش معه في غرفة واحدة لمدة أربعة أشهر أثناء مرضي الشديد في 2016. في تلك الأيام كان صعبا عليَّ أن أجلس أو أقوم وحدي فكان يعيش معي في غرفتي ليعتني بي، فحينها اطلعتُ على التزامه بالتلاوة والنوافل الجدير بالتقدير. قلتُ: يمكن أن نوظِّف شخصا لعيادتي، لماذا تثقل على نفسك، فقال: لا حاجة إلى توظيف أي خادم ما دمتُ معك. ثم كتب السيد رشيد: كان إنسانا نافعا للناس، أسّس تسع أو عشر مدارس، ثم ذات مرة لم يأته الدخل الكافي ولم يستطع  مساعدة المدرسة فعمِل بنفسه مع العمال وقال لهم: إنني أعمل أكثر منكم. لم يكن لديه أنانية لكونه ابن رئيس أو إقطاعي كبير في المنطقة.

كتبت ابنته محمودة سلطانة كاشف: حب أبي للخلافة ووفاؤه لها ليس خفيا، فمنذ عمر وعيي كان أول درس تلقّيتُه من أبي هو التوكل على الله تعالى والدعاء في كل أمر، وأنه لا شيء من دون الدعاء. كان يتوكل على الله تعالى جدا وكان شجاعا لا يخاف أحدا إلا الله، وكان مولعا بخدمة الخلق.

كذلك كتب ابنه سلطان محمد خان: إن أبي قام بكثير من العمل الاجتماعي، وهب أرضا لثماني مدارس وبنى مدرستَين ووهب أرضا لمقبرتَين. وساعد كثيرا من الفقراء في الحصول على الوظائف. رحم الله تعالى المرحوم وغفر له ووفق أولاده أيضا للثبات على الحسنات وللارتباط بالخلافة. سأصلي على المرحوم بعد صلاة الجمعة.

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز