خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u

في مسجد بيت الفتوح بلندن

يوم 10/5/2019م

*****

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ[

شرح الآيات: “شهر رمضان هو ذلك الشهر الذي نزل بشأنه، أو أُنزِل فيه القرآن، ذلك القرآن الذي أُنزل لهدايةً الناس جميعا، والذي يشتمل على أدلة بينة ترشد إلى الهدى، كما يحوي هذا القرآن آيات ربانية.

لذلك فمن شهد هذا الشهر، وهو ليس بمريض ولا على سفر، فعليه أن يصوم أيامَه، أما المريض أو المسافر فلا يصوم بل عليه أن يصوم في أيام أخرى ويكمل عدة الصيام الفائتة. إن الله يريد لكم السهولة ولا يريد لكم المشقة، وقد أمركم بهذا لكيلا تقعوا في المشقة ولكي تكملوا عدة الصيام الفائت، ولكي تكبّروا الله على أنه هداكم ولكي تكونوا عباده الشاكرين.

يا أيها الرسول عندما يسألك عبادي عني فقل لهم إني قريب منهم، أجيب دعاء الداعي عندما يدعوني، فليأتمر الذين يدعونني بأوامري وليؤمنوا بي، لكي ينالوا الهدى.”

لقد بين الله تعالى في هذه الآيات أهمية وفرضية الصيام، ومسؤوليات المؤمنين في هذا الشهر، وطرق استجابة الدعاء. لقد حدد اللهُ لصيامنا شهرًا يقترب الله فيه من العباد ويصفّد فيه الشيطان. فما دام الله تعالى يفتح على عباده أبواب رحمته وفضله إلى هذه الدرجة، فكم بالحري بنا أن نستجيب لأمر الله تعالى ونسعى جاهدين لنصوم حق الصيام!

قال النبي r ذات مرة لو عرفتم ما في رمضان من فضل حق المعرفة وكم وكيف يُنعم الله عليكم في هذا الشهر لتمنيتم أن يكون العام كله رمضان، لكي تستمتعوا بأفضال الله طوال العام. فالحق أن الله تعالى إنما فرض علينا الصيام لفائدتنا نحن، وبوسعنا أن نجلب في الصيام كل نوع من المنافع الجسدية والروحانية. أما الآن فقد بدأ الأطباء غير المسلمين يعترفون بفوائد الصوم، في الماضي كان عددهم قليلا جدا، أما اليوم فعددهم قد ازداد حيث يقولون إن الصوم يترك أثرا إيجابيا على صحة الإنسان. بل لقد بدأ بعض غير المسلمين أيضا يكتبون بأن الصيام يعلّم المرء الانضباط والنظام. وسواء أاعترف أهل الدنيا هؤلاء بهذه الحقيقة أم لا، إلا أن المؤمن الحقيقي يعرف بخبرته أن الصيام إذا كان يحسّن صحة الإنسان فإنه يساعده على ترقية روحانيته أكثرَ مما يجلب له من منفعة صحية.

فينبغي لنا أن نعمل بحكم الله هذا ساعين كل السعي للانتفاع من شهر رمضان من أجل رقينا الروحاني.

إن الأمور التي بينها الله تعالى في هذه الآيات هي أن الصيام فُرض على كل مؤمن ومسلم حقيقي. الصوم لا يعني الجوع والعطش فقط من الصباح إلى المساء، بل لقد بين المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام أن الهدف من الصيام أن الله تعالى يريد منا أن نقلّل من غذاء ونزيد من غذاء آخر. فعلى الصائم أن يتذكر دائما أن الصوم لا يعني الجوع والعطش فحسب، بل عليه أن يظل مشغولا بذكر الله كل حين لكي يتيسر له التبتل والانقطاع، أي أن يزداد في التعلق بالله وفي عبادته وذكره، ويقلل من اهتمامه بالدنيا. إن مشاغل الدنيا لا تنتهي ولا تتوقف، لذا على المرء عند قيامه بأمور الدنيا أن يذكر الله دوما وأن يجعل أحكام الله نصب عينيه دوما ولا يبرح يذكر الله كل حين.

يقول u إنما المراد من الصيام أن يقلل المرء من الخبز الذي ينمي ويقوي الجسم، ويحصل على الخبز الآخر الذي يروي غليل روحه ويشبعها. إن الذين يصومون خالصة لوجه الله تعالى ولا يصومون تقليدًا، فعليهم أن يظلوا مشغولين بتحميد الله وتسبيحه وتهليله كل حين. وقد قال النبي r أيضا أن ليس لله حاجة في أن تدعوا طعامكم وشرابكم فقط. قال الله تعالى في الآية الأولى لقد فُرض عليكم الصيام لكي تتحلوا بالتقوى.

وما هو التقوى؟ إن التقوى أن تحموا أنفسكم من أنواع الضعف الروحاني والخُلقي. وكما ذكرت آنفًا فإن الرسول r قال إن الله تعالى ليس بحاجة إلى أن تجوعوا وتعطشوا، فلا جدوى من الصيام ما لم يرفع الصائم من مستوى تقواه بحيث تتجنبون كل أنواع ضعفكم الروحاني والخُلقي.

 

وقد وضح المسيح الموعود u مرة ما هي التقوى فقال: لكي يكون المرء متقيًا لا بد له من عقد العزم على اجتناب الذنوب الكبيرة البينة مثل الزنا والسرقة وغصب حقوق الآخرين والرياء والعُجب والتحقير والبخل، ويهجرها نهائيا (أي أن يكون قوي العزيمة في ترك هذه المساوئ)، ويجتنب الأخلاق الرذيلة كلها، ويتقدم مقابلَها في التخلق بالأخلاق النبيلة، أي يحسن أخلاقه ويقابل الناس بحسن خُلق ومواساة، ويكون صادقا في وفائه مع الله سبحانه وتعالى، ويبحث عن المقام المحمود في الأعمال وخدمة الخلق.

لقد تضمن هذا الأمرُ أداءَ حقوق الله والعملَ بأحكام الله، وحسنَ معاشرة الناس وإسداءَ الخدمات لهم، أي أن يكون مخلصًا في خدماته بحيث يشهد الناس بأنه يخدم الناس لوجه الله فعلا، وليس لمصلحة شخصية.

فيقول المسيح الموعود u: بالتحلي بهذه الأمور يسمَّى المرء متقيا، وإن الذين يجمعون في أنفسهم هذه الخصال كلها هم المتقون حقًا، أي إذا كان المرء متصفًا ببعض هذه الأخلاق فلا يسمى متقيا، إنما يسمى متقيا إذا كان جامعًا لهذه الأخلاق الفاضلة كلها، وفي حق مثل هؤلاء الناس قال الله تعالى (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. (أي هذا هو الضمان الذي يؤتيهم الله، فما الذي يريدونه بعد هذا الضمان؟!) إذ يكون الله سبحانه وتعالى وليا لأمثال هؤلاء كما قال {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}. وقد ورد في الحديث أن الله يكون أيديَهم الَّتِي يَبْطِشُون بِهَا وأعينهم الَّتي يُبْصِرُون بِها وآذانهم الَّتي يَسْمَعُون بِهِا وَأرجلَهُم الَّتِي يَمْشون بِهَا.

وورد في حديث آخر: “مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب”.

وفي موضع آخر قال u: عندما يهاجم أحدٌ وليَّ الله فإن الله ينقضّ عليه انقضاضَ اللبوة في غضب على من ينتزع منها شبلها.

فعندما يبلغ المسلم والمؤمن الحقيقي هذا المستوى من التقوى صائمًا كما هو حق الصيام، عندها يجعله الصيام وراءَ جُنّة الله وستره.

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله r قال الله تعالى: “كل عمل ابن آدم فهو له إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به.”

أي أن المؤمن الحقيقي يصوم لي، ومن صام لي فأنا أجزيه به أو أكون جزاءه، فأعطيه ما أشاء من الجزاء.

ثم يقول الرسول r بعد ذلك: وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ (أي لا يقع في الشهوة الجنسية ولا يتخاصم ولا يتشاتم)، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ (أي الرائحة الكريهة التي تخرج من فم الصائم) أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ.

 

أي أنه يفرح عند الإفطار أيضا بأن الله تعالى قد هيأ لإفطاره الطعام والشراب، وسيفرح بِصَوْمِهِ عندما يلقى ربه، لأن الله تعالى قد قال إنه سيكون جزاءه أو أنه سيجزيه خصيصا، والصائم الذي يصوم لوجه الله تعالى إذا جزاه الله في الآخرة بغير حساب وحدود فلا شك أن فرحته ستبلغ الذروة.

فهذا هو معيار التقوى الذي يجب أن يطمح لبلوغه مَن يصوم حقًا، والواقع أن الذي يصوم حقيقةً يبلغ هذا المعيار فعلاً، أعني من يصوم خالصةً لوجة الله تعالى، منزهًا من كل أنواع اللوثة الدنيوية، وقاضيا يومه متجنبًا كل صنوف الضعف الروحاني والخُلقي، وغيرَ فَرِحٍ بأنه صائم في الظاهر فقط، فكم من صائم في الدنيا يصوم في الظاهر ولكنه لا يبلغ في صلاته المستوى المنشود، ولا يبلغ في أخلاقه المعيار المطلوب!

لقد قال الرسول r أن الشيطان يصفد في رمضان، ومع ذلك يستمر الناس في ارتكاب المساوئ في شهر رمضان، فكيف هذا يا ترى؟! والجواب أن الصيام يكون جنةً ويحمي من هجمات الشيطان مَن يتحلى بالتقوى مدركًا حقيقة الصيام.

فهذه الغاية المنشودة من الصيام التي يجب أن نجعلها نصب أعيننا دوما، وإلا فإن الرسول r قد بين أنه مما لا شك فيه أن أبواب الجنة تفتَّح في رمضان، وأن أبواب جهنم تقفل فيه، وأن الشياطين تصفد في هذا الشهر، إلا أنه أنذر مع ذلك بأن من أدرك رمضان ولم يُغفر له فمتى سيُغفر له!

هذا الأمر يقول لنا وللمسلمين الذين قال لهم الله تعالى: كُتب عليكم الصيام لكي تسعوا في هذه الأيام لبلوغ المستويات العالية من العبادات والأخلاق، وإلا فلا فائدة من مجيء رمضان وتصفيد الشيطان وفتح أبواب الجنة وغلق أبواب جهنم. وقد أنذر النبي r بأنه رغم سعةِ رحمة الله هذه إن لم يُغفر لكم فمتى سيُغفر لكم؟! فيجب ألا نكتفي بتبادل التهاني بمجيء رمضان فقط بل ينبغي أن نفحص أنفسنا ما إذا كنا نسعى لتحقيق الهدف المذكور في كلام الله تعالى من شهر رمضان أم لا، وفّقنا الله تعالى جميعا لتحقيق هذا الهدف وغفر لنا.

ثم يخبرنا الله تعالى في الآية التالية عن الظروف التي يمكنكم الحصول على الرخصة من الصيام فيها. ولكنه وضّح أولا بألّا تفهموا من قول الله تعالى: الصوم لي وأنا أجزي به وأغفر للمؤمنين، بأننا قدّمنا تضحية كبيرة بصيامنا لذا أنزل الله تعالى علينا رحمته وفضله ومغفرته. لا شك أن الله تعالى واسع الرحمة ولكن هذه ليست تضحية كبيرة، فإننا نأكل جيدا في السحور وفي الإفطار، ثم هذه ليست تضحية دائمة بل هي لأيام معدودات في السنة كلها. يفتخر بعض الناس بالصيام ولكن اعلموا أنه ليس تضحيةً كبيرة حتى تفتخروا بها، بل المؤمن الحقيقي، حتى لو قدّم تضحية من أكبر ما يمكن فهو يخشى الله ويرجو رضاه تعالى بدلا من إظهار تضحيته. يقول الله تعالى: إنها أيام معدودات وهي جزء من اثني عشر جزءا من السنة. وهذا ليس شيئا كبيرا، ولا يُسمى تضحيةً كبيرة. ثم قال: وفي هذه الأيام المعدودة أيضا يغمركم الله تعالى بواسع رحمته فإذا مرضتم أو اضطررتم إلى السفر فلا صيام في تلك الأيام ولكن عليكم أن تكملوا عدة الصيام الفائتة متى شئتم في باقي أيام السنة. وأما المرضى بأمراض مُزْمِنة الذين لا حيلة لهم بل نصحهم الطبيبُ بألا يصوموا فعليهم أن يُطعموا مسكينا إذا كانوا قادرين على ذلك. وهذا ضروري في حالة القدرة إلا إذا كان المريض نفسه فقيرا يعيش على الصدقة والمساعدة المالية. وأما الآخرون فعليهم أن يُطعموا مسكينا مما يأكلونه من الطعام. ومن تطوّع خيرا فهو خير له، أيْ أن تقدموا الفدية وتصوموا فيما بعد. قال المسيح الموعود u: لا يكلِّف الله نفسا إلا وسعها، عليكم أن تؤدّوا فدية لما فات بقدر استطاعتكم، وتتعهَّدوا أنكم ستصومون بالتزام حتما في المستقبل. ثم قال u: “في إحدى المرات خطر ببالي سؤال عن الأمر بأداء الفدية، فعلمتُ أنها بغرض أن يوفِّق اللهُ تعالى للقيام بالصيام… إنه هو القادر القدير على أن يهب للمسلول أيضا قوة على الصيام إذا أراد ذلك. (أي يمكن أن يُقَوِّي اللهُ المصابَ بالدق أو السل ويجعله قادرا على الصيام، فالفدية للتوفيق والقدرة على الصيام وهذا لا يمكن إلا بفضل الله تعالى) قال u: لذا فالأنسب للذي هو محروم من الصيام أن يدعو الله تعالى أنْ يا إلهي، إن شهرك هذا شهرٌ مباركٌ وأنا لم أزل محرومًا من بركاته، ولا أدري هل أكون على قيد الحياة في العام القادم أم لا، أو هل أقدر على صيام الأيام الفائتة أم لا، لذا يجب أن يسأل اللهَ I التوفيقَ.” (يثبت من هذا أن المصاب بمرض عارِض أيضا يدفع الفدية وبعد التحسن يجب أن يصوم أيضا، وكذلك المسافر حال انتهاء سفره.) قال u: “أما اكتفاء عامة الناس، الذين يستطيعون الصيام بعد استعادة الصحة، بالفدية فهو بمنـزلة فتح باب التحلل.” فالذي أصيب بمرض في رمضان ثم تحسن في رمضان أو بعده فهو لو قال يكفي أنني قد أدّيتُ الفدية مقابل صيام رمضان فهذا بمنـزلة فتح باب التحلل وخَلْقِ البِدَع، إن كان قد أدى الفدية فمع ذلك عليه أن يصوم ما فاته من رمضان في أي وقت قبل رمضان التالي. قال u: إلا أن المصابين بمرض مزمن والمرضعات والحوامل، إذا مضت عليهم سنة فيكفيهم أن يدفعوا الفدية، ولكن يلزمهم أن يستمروا في هذا الشهر في العبادات والذكر الإلهي والحسنات الأخرى إضافة إلى الفدية. الفدية لا تغنيكم عن باقي الحسنات، بل يمكنكم نيل بركات رمضان مع عدْم صيامكم بأداء الفدية والاستمرار في باقي الحسنات، وإذا غفل المرء عن الصلوات والحسنات الأخرى بحجة أنه أدى الفدية فلا يمكن أن يُسمى مؤمنا حقيقيا، ولا يمكن أن ينال نصيبه من بركات رمضان.

ثم قال الله تعالى في هذه الآية أن أيّ حسنة تقومون بها بطاعة كاملة مع أن قلبكم لا يريد القيام بها فإن الله تعالى سيخلق لها نتائج حسنة. عند البعض المراد من “فمن تطوع خيرا” هو أنكم لو قمتم بشيء نفلا فهو خير لكم. له معنيان؛ تؤدون الفدية الزائدة أو تطعمون مسكينَين بدلا من مسكين واحد، أو مع عِلمه أنه إنْ لم يستطع الصيام اليوم فسيصوم غدا ثم دفع فدية فهي حسنة زائدة، قال الله تعالى هو خير لكم، لأن الله تعالى يجزي للحسنات سواء كانت طوعا أم كرها. وقال الله تعالى في آخر هذه الآية وأن تصوموا خير لكم.

ثم قال في الآية التالية نزّلنا في هذا الشهرِ القرآنَ الذي هو هُدًى لكم وبينات من الهدى والفرقان. فإن للقرآن صلة خاصة بشهر رمضان، ويجب أن نتدبره ونتحرَّى أحكامه ونعمل بها إضافة إلى الصيام في هذا الشهر لكي نستطيع أن نستفيد من بركات العمل بأحكام الله تعالى. لا يمكن لكل واحد أن يصل بنفسه إلى عمق المعاني الدقيقة للقرآن الكريم، لذا بالإضافة إلى تلاوة القرآن الكريم وقراءة معاني كلماته، وهذا ما يستطيع كل واحد أن يقوم بنفسه، عليه أن يحضر الدروس في المساجد حيثما دبّرت الجماعة ذلك. كذلك يجب الاستفادة من درس القرآن على الفضائية، وفي هذه الأيام تُبث دروس القرآن للخليفة الرابع. ولقد أوصى النبي r أيضا بالإكثار من تلاوة القرآن في هذا الشهر. على الأحمدي أن يهتم بتلاوة القرآن الكريم حتى في الأيام العادية وأما رمضان فلا بد من اهتمام خاص لها فيه، والإ فلا فائدة من مجرد الصيام.

لقد ذكر الله تعالى بوجه خاص نزول القرآن الكريم في هذا الشهر وأكد النبي r على ذلك، وإننا لمحظوظون أننا وُفِّقْنا للإيمان بالخادم الصادق للرسول r الذي أخبرنا بدقائق القرآن الكريم وحقائقه وتفسيره ومعانيه الجديدة وبالإضافة إلى ذلك وجَّهَنا إلى العمل بأحكام القرآن وإعزازه وقراءته والتدبر فيه، وأخبرنا كيف ينبغي أن نتلو القرآن ونعمل به ونُحدث تغييرا حسنا في حالتنا. فقال المسيح الموعود u في موضع:

“هناك فرق واضح وبيّن بين العلوم الظاهرية والعلوم القرآنية. التقوى ليست شرطا للعلوم الدنيوية والرسمية. وليس ضروريا لدارس الصَرف والنحو وعلوم الطبيعة والفلسفة والأفلاك والطب وغيرها أن يكون ملتزما بالصلاة والصوم وبأوامر الله ونواهيه دائما، (وهذا شيء هام، ومن الضروري جدا لفهم القرآن الكريم الالتزام بالصيام كما يجب الالتزام بالعبادة، والصلاة والازدياد في التقوى أيضا، فقال حضرته: ليس من الضروري لرجل عادي أن يلتزم بالصلاة والصيام ويكون حريصا كل حين وآن على الاستجابة لأوامر الله I والامتناع عما نهى الله عنه. أما الذي يريد الفوز بعلوم القرآن الكريم فيجب عليه هذا الالتزام.

فقال: وأن يُخضِع كل قوله وفعله لحكومة أحكام الله تعالى، بل الملاحَظ عادة أن البارعين في العلوم الدنيوية وطلابها يصيرون دهريين ويتورطون في أنواع الفسق والفجور. وهناك مثال واضح موجود أمام العالم اليوم وهو مثال الأوروبيين والأمريكان؛ إذ قد تقدموا كثيرا في العلوم الدنيوية ويخترعون شتى المخترعات الجديدة كل يوم، ولكن حالهم الروحانية والأخلاقية مخجلة جدا. (أما في العصر الحاضر فنرى أن هؤلاء ينحطون إلى الأخلاق الرذيلة أكثر من ذلك الزمن باسم الحرية) إن أحوال متنـزهات لندن وفنادق باريس المنتشرة لا نستطيع حتى ذكرها. ولكن التقوى هي الشرط الأول للحصول على العلوم السماوية والأسرار القرآنية، فهي تتطلب توبة نصوحا (أي توبة صادقة). وما لم يحمل الإنسان نير أحكام الله تعالى بكل تواضع وتذلل وما لم يتبْ إلى الله تعالى خاضعا مرتجفا لجلاله وجبروته لن يُفتح عليه باب علوم القرآن، ولن ينال من القرآن الكريم أسباب تربية خواص الروح وقواها التي بِنيلها تجد الروح اللذة والطمأنينة. (إذن إن فهْم علوم القرآن الكريم يستلزم التقوى)

فقال حضرته:

إن القرآن الكريم كتاب الله، وعلومُه بيد الله والتقوى هو بمنـزلة السُلَّم إليها. (أي إذا استخدمتم سلَّم التقوى ارتقيتم إلى علوم القرآن الكريم) فكيف يمكن إذًا أن يتمتع بها غيرُ الملتزمين بالدين والأشرارُ وذوو النفوس الخبيثة وأسرى الأهواء الأرضية؟! لذا فإن المسلم، مهما ادعى الإسلام ومهما تمكَّن من علوم الصرف والنحو والمعاني والبديع وغيرها من العلوم، حتى لو صار في أعين الناس “شيخَ الكل” لا يُعطى نصيبا من علوم القرآن الكريم إن لم يهتمّ بتزكية نفسه.

أرى أن انتباه العالم مركَّز حاليا على العلوم الدنيوية. وقد أذهل التنويرُ الغربي العالمَ كله باكتشافاته ومخترعاته ومبتكراته الحديثة. وكل ما خططه المسلمون لصالحهم وفلاحهم هو أنهم اتخذوا لسوء حظهم أهل الغرب أئمة لهم واعتزوا بتقليد أوروبا. (واعتبروا التقدم المادي كلَّ شيء) هذه هي حال المسلمين المتأثرين بالتنوير الحديث، أما الذين يُسمَّون مسلمين تقليديين ويَعُدون أنفسهم حماةَ الدين المتين فإن ملخّص تحصيلهم الممتد على مدى حياتهم ومغزاه هو أنهم متخبطون في خصومات الصرف والنحو ومعضلاته فقط، ويهتمون بالنطق السليم لقول الله “ضالّين” (أي يشتبكون في قواعد اللغة، وعلوم النحو، وأنه كيف يجب لفظ كلمة عربية معينة) ولا يهتمون بالقرآن الكريم قطّ، وأنى لهم ذلك وهم لا يهتمون بتزكية النفس؟!

إذن يقول حضرته: يجب على الأحمديين أن لا يكتفوا بنيل العلوم المادية فقط، بل يجب أن يسعوا للفوز بعلوم القرآن الكريم أيضا.

سأل أحد الإخوة: كيف يجب تلاوة القرآن؟ فقال u: “يجب أن تتلوا القرآن الكريم بالتدبر والتفكر وإمعان النظر. ورد في الحديث الشريف: “رُبَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه”، أي هناك كثير ممن يقرؤون القرآن ولكن القرآن يلعنهم. إن الذي يقرأ القرآن ولا يعمل به يلعنه القرآن. وإذا مرّ المرء أثناء تلاوة القرآن بآية رحمة فعليه أن يسأل الله رحمته، وإذا مرّ بآية تذكر نزول عذاب على قوم فعليه أن يستعيذ بالله من عذابه. وينبغي تلاوة القرآن بالتدبر والإمعان، ويجب العمل به.

فهذا هو أسلوب قراءة القرآن الكريم. في هذه الأيام حيث نشأ لدينا الاهتمام بقراءة القرآن الكريم، فيجب أن نقرأه بهذا التفكير والأسلوب.

ثم يقول حضرته u:

فكونوا حذرين ولا تخْطُوا خطوةً واحدة خلاف تعليم الله وهدْي القرآن. الحق والحق أقول لكم إن الذي يُعرض عن أصغر حكم من أحكام القرآن السبعمائة فإنه بيده يسدّ على نفسه باب النجاة. إن القرآن هو الذي قد فتح سبل النجاة الحقيقية والكاملة، أما ما سواه فليس إلاّ ظلًا له، لذلك فاقرأوا القرآن بتدبّر، وأَحِبّوه حبًّا جمًّا، حبًّا ما أحببتموه أحدًا، لأن الله تعالى قد خاطبَني وقال: “الخيرُ كلُّه في القرآن”. وإنّ هذا لهو الحق، فوا أسفًا على الذين يقدّمون على القرآن الكريم غيرَه! إنّ مصدرَ فلاحِكم ونجاتكم كلّه في القرآن. ما من حاجة من حاجاتكم الدينية إلا وتوجد في القرآن. إن القرآن لَهُو المصدِّق أو المكذِّب لإيمانكم يوم القيامة. لا كتابَ سوى القرآن تحت أديم السماء يمكن أن يهديكم بلا واسطة القرآن. (أي إذا اتخدتم القرآن واسطة اهتديتم) لقد منَّ الله عليكم منّةً عظيمة إذ أعطاكم كتابًا مثل القرآن.

أقول لكم صدقًا وحقًا إنّ الكتاب الذي يُتلى عليكم لو تُلي على النصارى لما هلكوا، وإنّ هذه النعمة والهداية التي أوتيتموها لو أوتيها اليهود مكانَ التوراة لما كفرتْ بعضُ فِرَقهم بيوم القيامة. فاقدروا هذه النعمة التي أوتيتموها. إنها لَنعمة غالية. إنها لَثروة عظيمة! لو لم يأت القرآن لكانت الدنيا كلها كمضغة قذرة. إن القرآن كتاب لا تساوي جميعُ الهدايات الأخرى إزاءه شيئًا.

إذن ثمة حاجة ماسّة إلى أن نقرأ القرآن الكريم ونفهمه ونعمل بإرشاداته بصفة خاصة. في رمضان يلتفت الكثير إلى ذلك فعليهم أن يداوموا عليه طول الحياة. فحين لفت الله I أنظار المؤمنين إلى تلاوة القرآن الكريم في رمضان بوجه خاص، فإنما لأننا إذا اهتممنا بالقرآن الكريم في شهر المجاهدة هذا، فسوف نتعود على قراءته في أيام عادية أيضا، وإلا لن يتحقق هدف الله من لفت الأنظار إلى تلاوة القرآن الكريم في رمضان. فالمؤمن من يبحث عن الحسنات وينجزها على الدوام، فهذه الهداية العظيمة التي أوصلها الله إلينا عن طريق النبي r وعلينا أن نسعى جاهدين لنتخذه وسيلة هُدانا.

وفي الآية التالية وضَّح أكثر وأرشد إلى ضرورة الالتزام بالصيام وأنه يجب على المريض والمسافر أن يقضيا ما فاتهما من الصيام في رمضان، فمجرد دفع الفدية لا يغنيكم عن الصيام نهائيا، وأن الله حين رخص لكم بأن لا تصوموا في المرض والسفر فهي منَّته عليكم. لأنه I لا يريد بعباده العسرَ.

ثم قال: يجب أن تقضوا أيام الصيام في تكبير الله وذكْره والعبادة بوجه خاص، وتشكروا الله I على أنه أعطاكم لهدايتكم كتابا عظيما شاملا هو هداية كاملة، ولا يؤدَّى حق الشكر إلا بالعمل به.

ثم يقول الله I في الآية التالية إن عبادي الباحثين عني حين يسألون عني في رمضان بوجه خاص وباهتمام أكثر فإني قريب وأسمع نداءهم. حين يسألونني بإخلاص فأنا أجيبهم، لكن في الوقت نفسه يجب على الداعي أيضا أن يستجيب لي، ويطيعني ويقوّي إيمانه بي.

أما الشكوى بأننا دعونا الله كثيرا ولم يسمع لنا، إذ البعض يشرعون في هذه الشكاوى بعد الدعاء لبضعة أيام فقط. إذا كنا لا نسمع لهداية الله ولا نعمل بها، ولا نبحث عنه I بحب، ولا نكون عبادا صادقين له، وإنما ندعوه عند طرء المشاكل أو المصاب ثم ننساه، فكيف يجوز لنا الشكوى بأن الله I لم يسمع لدعائنا. علينا أن نُصلح أنفسنا أولا. والإصلاح وجذْب فضل الله يتطلب الدعاء، فلا بد من الدعاء. وسيهيئ لسكينتنا وطمأنينتنا الوسائل أيضا والكيفية لتقبُّل الدعاء. فمثلا إذا حصل للمرء سكينة قلبية فهذا أيضا نوع القبول. فسيقبل الله تعالى أدعيتنا أيضا كما يقبل من عباده المخلصين والمحبين له. فالمبادرة بهذا الشأن يجب أن تكون منا في شهر رمضان فيهيئ الله تعالى فرصة مواتية بوجه خاص للمؤمنين لينالوا قربه ولتُستجاب أدعيتهم. لذا علينا أن نسعى في هذا الشهر سعيا خاصا وإلا لن يكون لنا حق في الشكوى بأن الله تعالى لا يقبل أدعيتنا.

لقد أرشدنا المسيح الموعود u لجعْل حالنا وكيفياتنا جديرة باستجابة الدعاء فقال: “الحق أن الذي لا يعمل فهو لا يدعو بل يمتحن الله، لذا يجب على المرء أن يبذل جلّ قواه قبل الدعاء وهذا هو معنى الدعاء”.

ثم يقول u: “لا تظنوا أننا ندعو كل يوم، وأن الصلاة التي نصلِّيها إنما هي الدعاء. (لا شك أن الصلاة أيضا دعاء ولكن لا بد من أن تنشأ فينا كيفية خاصة لأنها هي الهدف الحقيقي من الدعاء) ذلك لأن الدعاء الذي ينبع نتيجةَ المعرفة الحقيقية ونتيجة فضل الله تعالى يتميز بصبغة خاصة وكيفية مختلفة تمامًا. إن ذلك الدعاء قادر على الإفناء. إنه نار تذيب القلب. إنه قوةٌ مغناطيسية تجذب رحمة الله. إنه موتٌ يهب الحياةَ في نهاية المطاف. إنه لسيل عارم، إلا أنه يتحول إلى السفينة في النهاية. وبه ينصلح كل أمر قد فسد. وبفضله يتحول كل سُمٍّ إلى الترياق في آخر الأمر.”

إذًا، إن الدعاء الحقيقي يُري تأثيره على هذا النحو. ثم يقول u:

“طوبى للسجناء الذين يدعون ولا يَمَلُّون لأنهم سينالون الحرية في يوم من الأيام. وطوبى للعميان الذين لا يتوانون في الدعاء، لأنهم سيُبصرون في آخر الأمر. ومباركون أولئك الراقدون في القبور الذين يستعينون الله بالدعاء، لأنهم سيُخرَجون منها في النهاية. وطوبى لكم حين لا تكِلُّون عن الدعاء أبدًا، وتذوب أرواحُكم في الدعاء، وتذرف عيونكم الدموع، ويُحدث الدعاءُ حرقةً في صدوركم، ويحدو بكم، لكي تتمتعوا بالبكاء والابتهال في الخلوة والانفراد، إلى الحجرات المظلمة والفلوات المقفرة، ويجعلكم مضطربين مفتونين مجذوبين؛ فطوبى لكم لأنكم سوف تحظَون بفضل الله في آخر الأمر. إن الإله الذي ندعو الناسَ إليه إلهٌ كريم رحيم حِيِّيٌّ صادقٌ وفيٌّ، يرحم المتواضعين. فكونوا من أصحاب الوفاء، وادعوا بكامل الصدق والوفاء لعلكم تُرحمون. ابتعِدوا عن الدنيا وضجيجها، ولا تعطوا لخصوماتكم الدنيوية صبغةً دينية… سوف يُري الله تعالى معجزاتٍ للذين يدْعون، وسيُعطَى الطالبون نعمة عظمى. الدعاء من الله يأتي وإليه يرجع. بسبب الدعاء يقترب الله تعالى منكم كقربكم من أنفسكم. إن النعمة الأولى للدعاء هي أنه يُحدِث تغييرا حسنا في الإنسان…. الدعاء إكسير يحوّل حفنةً من التراب تبرًا، وإنه ماء يغسل الأدران الباطنية، وإنه ابتهال تذوب معه الروح وتسيل مثل الماء وتخرّ على عتبة حضرة الأحدية. فهي تقوم في حضرة الله وتركع وتسجد أيضا. وصورة ذلك تلك الصلاة التي علَّمها الإسلام. والمراد من قيام الروح هو أنها تكون مستعدة لتحمّل الصعاب والانصياع لكل أمر في سبيل الله. والمراد من ركوعها أنها تركع لله تاركة كل أنواع الحب والعلاقات، وتصبح لله وحده. والمراد من سجودها أنها تخرّ على عتبات الله وتتخلى عن إرادتها كليا، وتمحو وجودها تماما. هذه الصلاة توصل صاحبها إلى الله. وقد صوَّرها الشرع الإسلامي في الصلاة لتتحرك صلاة الجسد إلى صلاة الروح”.

إذًا، هذه هي الحالة التي يجب أن نخلقها في أنفسنا لنرى مشاهد استجابة أدعيتنا ونستفيد من حقيقة العبادات الأخرى أيضا إلى جانب صيام رمضان. إذا كان هناك نقص في استجابة الأدعية فهو بسبب النقص فينا إذ لا يمكن أن يكون خطأ في كلام الله. فعلينا أن ندعو في هذه الأيام بوجه خاص لتحسين حالتنا. من المعلوم أن الله تعالى قريب جدا من عباده بوجه عام ولكنه يقترب منهم أكثر في هذه الأيام. لذا علينا أن نخرّ أمام الله تعالى مخلصين له في عبادتنا المفروضة وفي النوافل.

لقد أخبرنا النبي r أن العشرة الأولى من هذا الشهر الفضيل هي عشرة رحمة، والعشرة الثانية هي عشرة مغفرة والعشرة الأخيرة هي عشرة عِتْق من النار. ندعو الله تعالى أن يجعلنا عباده الحقيقيين ويتغمدنا برداء رحمته ومغفرته، وأن نتمكّن من الاستفادة من هذا الشهر الفضيل كما هو حقه. ففي هذه الأيام اُدعوا للجماعة بوجه خاص، وادعوا أيضا أن يرُدّ الله تعالى شرور أعداء الأحمدية عليهم، وأن يرُدّ الله تعالى المكايد والمكر على أصحابها وحيثما تُحاك المكايد والمكر ضد الجماعة. وادعوا للأمة المسلمة أيضا أن يكفّ الله أيديهم عن الظلم وقطع رقاب بعضهم بعضا ويجعلهم مسلمين حقيقيين، ويوفقهم لمعرفة إمام الزمان. وادعوا للظروف السائدة في العالم بوجه عام، لأنها تقود بسرعة هائلة إلى دمار كبير. ندعو الله تعالى أن يهب العالَم عقلا وفطنة ليعرفوا الله تعالى فيجتنبوا هذا الدمار.

بعد الصلاة سأصلي صلاة الجنازة على المرحومَينِ اللذين استُشهدا قبل شهرين تقريبا ولكن لم تصلني بياناتهما إلا الآن. أولهما هو الدكتور طاهر عزيز أحمد ابن السيد أرشد الله بهتي من إسلام آباد بباكستان. والجنازة الثانية هي للدكتور افتخار أحمد ابن المرحوم الدكتور خواجه نذير أحمد من أميركا. لقد ذهب الشهيدان إلى بلدة “فتح جنغ” لفحص الأمور المتعلقة بأراضيهما الكائنة بالقرب من البلدة المذكورة. فقام أحد العاملين في أراضي الدكتور افتخار أحمد بتدبير اختطافهما بتاريخ 13 آذار ثم قُتلا فيما بعد دون رحمة، إنا لله وإنا إليه راجعون. والقاتلون في تلك المنطقة لا يبالون بأنه سيُبطش بهم ويُعتقلون إذا قتلوا أحمديا خاصة، لأن قتل الأحمديين عندهم مدعاة للثواب. وأضفْ إلى ذلك أنهم يعرفون أن المشايخ سيسعون جاهدين لإنقاذهم من العقوبة بل سيبذل المشايخ قصارى جهودهم لإنقاذهم إذا قتلوا أحمديا. لذا فإن عنصر الأحمدية أيضا موجود إلى حد ما في قتلهما فيمكننا أن نعُدّ قتلهما شهادة.

وُلد الدكتور طاهر عزيز أحمد في 27/11/1967م في قرية “مِتَّهْـ توانا”. ودخلت الأحمدية إلى عائلته بواسطة والد جده المولوي نور أحمد t الساكن في قرية “لودهي ننغل” محافظة غورداسبور. لقد رفض المولوي نور أحمد t أن يوقّع على فتوى التكفير التي جهّزها المولوي محمد حسين البطالوي ضد المسيح الموعود u. وكتب إلى المولوي محمد حسين بهذا الشأن رسالة وهي منشورة في العدد الأول من جريدة “الحكَم” في 10/10/1897م. ودعا المسيحُ الموعود المولويَّ الله دِتّا (والد المولوي نور أحمد) إلى قاديان لتعليم ولَدَيه، مرزا سلطان أحمد ومرزا فضل أحمد. وهذا أيضا مذكور في تاريخ الأحمديه المجلد الأول.

بعد امتحان الثانوية نال المرحوم شهادة (D.H.M.S)  في طب الهوميوباثي من كلية العلاج بالمثل في إسلام آباد (بباكستان)، ثم بدأ بممارسة العلاج بالمثل في بلدة “جَتَّه بختاور” إسلام آباد. كان طبيبا محببّا عند الجميع وكان خلوقا ومتواضعا جدا ومواسيا للجميع ويتحلى بطبيعة نزيهة جدا. وقد مارس مهنته إلى مدة من الزمن. وكان بيته يُستعمل كمركز الصلاة. كان على علاقة حب كبير مع الخلافة. وقَدِم مئات من غير الأحمديين رجالا ونساء العزاء عند وفاته واعتبروا وفاته خسارة قومية. ترك المرحوم وراءه أرملة وابنتين وابنا. ابنه يسكن هنا في لندن وهو صهر السيد رانا خالد أحمد داعية الجماعة. كان المرحوم أخا أصغر للسيد فضيل عياض أحمد داعية الجماعة الذي خدم في ايم تي ايه من قبل والآن يخدم في الجامعة الأحمدية في ربوة.

الشهيد الثاني هو الدكتور افتخار أحمد وكان من قرة “تريغري” محافظة غوجرانواله. وكان حفيدا للسيد محمد جمال، صحابي المسيح الموعود u من ناحية الأم. وقد دخلت الأحمدية إلى عائلته بواسطة جدّه خواجه جلال الدين، في عهد الخليفة الثاني t. وُفّق والد المرحوم السيد خواجه نذير أحمد لتدريس الكيمياء في كلية “تعليم الإسلام” في ربوة. لقد نال المرحوم شهادة (M.B.B.S) من كلية الملك إدوارد الطبية بلاهور، ثم وُفّق للخدمة قرابة ثلاث سنين في المشفى الأحمدي في مدينة “كانو” في نيجيريا. ثم سافر إلى أميركا بعد ثلاث سنين ونال هناك شهادة (M.D) وعاد إلى باكستان ليمكث فيها إلى 15 عاما. ثم انتقل إلى أميركا مرة أخرى واجتاز امتحانه في كاليفورنيا وبدأ العمل هناك. ثم عاد إلى باكستان لرعاية بناته. كان المرحوم يهتم بالفقراء كثيرا ويتحلى بعاطفة خدمة الخلق كثيرا. وكان سباقا في التضحيات المالية وكان إنسانا مخلصا جدا.

ترك وراءه أرملة وثلاث بنات. ندعو الله تعالى أن يرحم المرحومَين ويغفر لهما ويوفق أولادهما أيضا بالاعتصام بالجماعة والخلافة.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز