خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u
في المسجد المبارك في إسلام آباد ببريطانيا
يوم 24/5/2019م
]إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ[ (النور 52-58)
هذه الآيات التي تلوتها مأخوذة من سورة النور. وفيها آية الاستخلاف التي وعد اللهُ تعالى فيها المؤمنين بإقامة الخلافة واستمرار سلسلتها. أما الآيات التي سبقتها وتلتها فقد وجّه الله تعالى فيها المؤمنين إلى طاعة الله ورسوله والعمل بأوامرهما. وإذا التزم المؤمنون بهذه الأوامر فسيحقق الله تعالى وعده بنعمة الخلافة ويبدّل الخوف أمنا ويعاقب الأعداء.
ثم قرأ حضرته الترجمة الأردية لهذه الآيات، ثم قال:
لقد بيّن الله تعالى في هذا الآيات كل شيء بوضوح وقال إنكم مهما ادّعيتم أنكم مؤمنون ولكن ما لم تثبتوا في كل امتحان وابتلاء، وما لم تعملوا بأوامر الله ورسوله بانشراح الصدر واليقين الكامل لن تنالوا النجاح. إذًا، إن طاعة الله ورسوله طاعة كاملة ضرورية للنجاح ونيل المرادات. ولا بد من العمل بأوامر الله تعالى للفوز برضاه وأن تتولد الخشية في القلوب من أن يسخط علينا ربنا وحبيبنا نتيجة اكتسابنا عملا ما. وكذلك لا بد من السلوك على دروب التقوى بمعنى أن يكسب المرء كل حسنة ويتمسك بالأخلاق الفاضلة لأن الله تعالى أمر بها. وإذا فعلتم ذلك حظيتم بالنجاحات والأمان من الله تعالى. وإذا فحصتم أنفسكم وجدتم في كثير من الأحيان أنكم لستم على المستوى المطلوب من الطاعة. وهناك من يشعر بالضيق في صدره عند العمل بما لا يوافق رغبته.
لقد تم التركيز في هذه الآية على الأمرِ بطاعة الله ورسوله، وقد جاء مقرونا مع وعد استمرار الخلافة. هذا يعني أن الله تعالى يقول هنا أن نظام الخلافة أيضا جزء من النظام الإلهي ومبني على أوامر الله ورسوله، لذا إن العمل بأوامر الخليفة واجب عليكم لأن ذلك أيضا أمر من أوامر الله. بل من الضروري جدا للمؤمنين أن يرفعوا مستوى طاعتهم لاستمرار حياتهم القومية والروحانية.
يقول النبي r: ما معناه: من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصى أميري فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى اللهَ.
أما طاعة الخليفة فهي ضرورية أكثر بكثير من طاعة أمير عادي. نلاحظ نماذج الطاعة بطيب الخاطر في سِيَر الصحابة، وأضرب لذلك مثالا واحدا. لقد حدث أن خالد بن الوليد t كان مكلّفا بالقيادة في إحدى الحروب، ولكن سيدنا عمر t عزله من هذا المنصب لسبب من الأسباب في أثناء القتال، فجاءه أمر خليفة الوقت في أثناء المعركة أن أبا عبيدة سيكون قائدا من الآن لذا عليك أن تسلّم له القيادة. ولكن أبا عبيدة t لم يستلمها ظنا منه أن خالد بن الوليد يقوم بأداء مهام القيادة على أحسن وجه. ولكن خالد بن الوليد قال له: عليك أن تستلم القيادة مني فورا لأن هذا أمر خليفة الوقت، وسأعمل تحت قيادتك بطاعة كاملة وسأعمل بما تأمرني به دون أن تخطر ببالي أدنى شكوى.
إذًا، هذا هو معيار الطاعة الذي يجب أن يتحلى به كل مؤمن، ليس أن يبدأ المرء بالشكاوى إن صدر الحكم ضده. ومن يفعل ذلك فهو لا يتحلى بالطاعة وليست فيه خشية الله ولا تقواه.
لقد علمتُ أن هناك بعضا رؤساء فروع الجماعة المحلية قد تركوا العمل قبل نهاية مدة منصبهم في يونيو/حزيران المقبل، ويقولون: لماذا نستمر في العمل في هذا المنصب الآن؟! فلا يهتمون بالمسؤوليات التي يجب عليهم أداؤها إلى شهري مايو ويونيو. فأقول: أكنتم تعملون واضعين في الحسبان أنكم ستبقون رؤساء دائما؟! إن هذا النهج من التفكير خيانة في أعمالهم الدينية، وثانيا: هذا تمردٌّ أيضا، ويُخرج صاحبه من دائرة طاعة الخليفة، إذ يقول البعض أن خليفة الوقت قد وافق على قاعدة جديدة تقول إن مدة شَغْل رئيس الجماعة المحلية هذا المنصب لن تزيد على ست سنين، وقد مضت عليّ هذه الفترة كرئيس لذا لن أعمل الآن بجدية. أقول: يجب على أمثالهم أن يتقوا الله تعالى ويخشوه. لقد أخذ النبي r ذات مرة البيعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره. كذلك قال رسول الله r: مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. (صحيح مسلم، كتاب الإمارة)
فنحن سعداء لأننا بايعنا إمام الوقت ولم نكن من الجاهلين الذين ينكرونه. ولكن إذا بقيت أعمالنا بعد البيعة أيضا كأعمال الجاهلين فهذا يعني أننا نُخرج أنفسنا عمليا من ربقة البيعة، وبذلك نخرج من طاعة الله ورسوله أيضا.
إذًا، لا بد من تركيز أفكارنا بعد البيعة إلى جهة صحيحة وضربِ أمثلة عليا في الطاعة الكاملة.
ماذا قال إمام الزمان عن مستوى الذين بايعوه؟! يقول u: لا يدخل في جماعتنا إلا من يجعل تعليمنا دستور العمل ويعمل به جُهد المستطيع، أما الذي يكتفي بتسجيل اسمه فقط ولا يعمل بحسب التعليم فليتذكر أن الله تعالى أراد أن يجعل هذه الجماعة جماعة خاصة والذي ليس في هذه الجماعة في الحقيقة لا يمكن أن يبقى فيها بتسجيل اسمه فقط. (أي إذا كان لا يعمل بهذا التعليم فهذا مجرد تسجيل الاسم في الجماعة فقط، ويقول المسيح الموعود u إنه ليس في الجماعة في نظري).
يتابع u ويقول: لذا يجب أن تجعلوا أعمالكم قدر الإمكان تابعة للتعليم الذي تُعطَونه…. لا تقولوا ما يثير الفتنة. واصبروا إذا شتمكم أحد. (أي لا تردّوا اللغو باللغو، ولا تقولوا إن فلانا تولّى منصبا فلن أطيعه، وإذا عُزلت من المنصب فلن أطيع أحدا)
يقول u: إذا عاملكم أحد بالقسوة عامِلوه بالرفق والحسنى، (أي في المعاملات العادية وفي النـزاعات والخصومات أيضا، فإذا قام أحد باللغو فأعرضوا عنه ولا تكتفوا بالإعراض فقط بل عامِلوه بالحسنى)
يتابع u قائلا: “اضرِبوا مثلا أعلى في طَيِّب الكلام، وقولوا قولا لينا. وأطيعوا كل أمر بصدق القلب ليرضى الله عنكم، وليعلم العدو أيضا أن هذا الشخص لم يعُد بعد البيعة كما كان قبلها. اشهدوا شهادة صادقة في القضايا. يجب على الداخل في هذه الجماعة أن يلتزم بالصدق بكل جُهد وعزيمة”.
ثم يقول الله تعالى: ]وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ[ ويقولون بأننا سنفعل كذا وكذا، ولكن عندما يؤمَرون لا يعملون به. لذلك قال الله تعالى: لا تقسموا ولا تدّعوا دعاوى كبيرة بل إذا أطعتم في المعروف فكأنكم عمِلتم بما أُمرتم به وإلا فهذا ليس إلا ادعاء باللسان فقط، والله أعلم بأعمالكم وبما في قلوبكم. فالطاعة هي أن تؤدوا حق الله وتحسِنوا عبادته. فاستمروا في التركيز على العبادة الذي نراه في شهر رمضان وحافظوا عليه، وأدّوا حقوق عباده U أيضا عاملين بأوامره. وقد ذكرتُ قبل قليل ما قاله المسيح الموعود u أن اجتنبوا كل نوع من الفتنة والشر والخصومات. حسِّنوا أخلاقكم لتبلغ مستوى يلاحَظ فيه الفرق بين الأحمدي وغيره بكل وضوح. تمسكوا بالحق والصدق دائما إذ لا بد من فعل الخيرات كلها، وهذه هي الطاعة في المعروف، وبهذا قد أمرنا الله ورسوله r، هذا ما أمر به المسيح الموعود u جماعتَه وهذه أمنيته لهم، وهذا ما تُدْعَون إليه من قبل الخلفاء منذ 111 عاما. كما يجب تقديم نموذج الطاعة الكاملة في الأمور الإدارية أيضا، وليس في الأمور الدينية أو الروحانية فحسب، مثلما قدّم خالد بن الوليد t النموذج الأمثل. فلا تختصموا وتقولوا ما إذا كان هذا يندرج تحت المعروف أم لا. نعم، إذا كان هناك أمر مخالف لأحكام الله ورسوله r فهو ليس بمعروف يقينا. يجب عليكم العمل بما ترددونه في العهد بأنني سوف أرى لزاما علي الالتزام بما يأمرني به الخليفة من معروف. فلا ينبغي لكل واحد أن يقرر بنفسه ما هو معروف وليس بمعروف بحسب شرحه المزعوم للمعروف. إذ لم يقل خالد بن الوليد t بأن القتال دائر بين الفريقين الآن، وقيادتي للجيش الإسلامي رائعة تنفع المسلمين، فأمرُ عمر t الذي جاء الآن ليس بمعروف في هذا الظرف. كلا بل إن خالدا t رأى أن البركة هي في أن يقاتل كجندي عادي تحت إمرة أبي عبيدة بطاعة كاملة.
إن الذين يقعون في نقاشات في المعروف وغير المعروف قد قال فيهم الخليفة الأول r ذات مرة: هناك خطأ آخر في فهم معنى الطاعة في المعروف، (أي أن بعض الناس يقولون إننا بأنفسنا سنقرر ما هو معروف) ولن نطيع في أمور لا نراها معروفًا. اعلموا أن هذه الكلمة قد وردت بحق النبي r أيضا كما قال الله تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}، أَوَأعدَّ أمثالُ هؤلاء قائمة بعيوب محمد رسول الله r أيضا؟! (أي أأعدّوا، معاذ الله، قائمة بعيوبه وأخطائه r تبين ما هو معروف من أوامره وما ليس بمعروف. ثم يقول حضرته r) كذلك قد جعل المسيح الموعود u ضمنَ شروط البيعة شرطَ طاعته في المعروف. والسر في ذلك أن النبي وخلفاءه لا يأمرون إلا بما يتفق مع أحكام الله تعالى، وقد شرح المسيح الموعود u لفظ المعروف ذات مرة وقال: إن هذا النبي يأمر بما لا يخالف العقل، وينهى عما ينهى عنه العقل أيضا، ويحلّ لكم الطيبات ويحرّم عليكم الخبائث.
لقد ذكر الله تعالى هذه الأمور مفصلة في القرآن الكريم، كما بينها الرسول r أيضا، وأخبرنا صراحة ما هي الأوامر وما هي النواهي، والذين يطيعون الله ورسوله هذا ويعملون بحسب هذه الأوامر والنواهي فأولئك هم الفائزون.
فعلينا أن نتذكر دائما أن ما يصدر وسيصدر في المستقبل من قِبل الخلافة من أوامر إنما تصدر تبعًا لله ولرسوله، وتكون بحسب الشريعة والسنة. وقد قال الله تعالى {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}، وأن لا سبيل لنجاة مَن ينحرف عن ذلك.
ثم يقول الله تعالى في هذه الآيات وعد الله الذين يطيعون الله ورسوله ويعملون الأعمال الصالحة بإقامة الخلافة فيهم. واعلموا أنه لا يُعَدّ من العاملين بالصالحات مَنْ يهتمّون بالعبادات فقط، ويخلصون عبادتهم لله تعالى، ويتجنبون كل نوع من الشرك والوثنية، إذ ليس الشرك ظاهريا فقط، بل إن التكالب على الرغبات المادية وإيثارها على الدين أيضا من الشرك، أقول: لا شك أنها حسنات عظيمة، ولكن لا بد للمرء معها من الطاعة أيضا. لذا فإن أردتم الانتفاع من فيوض وبركات الخلافة الموعودة انتفاعًا تاما فلا بد لكم من طاعة كاملة للخليفة أيضا، بالإضافة إلى الحفاظ على عباداتكم وتجنبكم شرك الأهواء المادية، ومن لم يفعل ذلك فسيعَدّ من الفسّاق العصاة، وكما قال المسيح الموعود u، فإن مثل هذا يخرج من البيعة في الواقع.
ثم يقول الله تعالى في هذه الآيات أن جماعةَ المؤمنين جماعةَ المستمسكين بحبل الخلافة تقيم الصلوات وتهتم بإقامتها، وتعمر المساجد بالصلاة وتؤدي الزكاة؛ فتزكّي أموالها، وتقدم التضحيات المالية لله ولرسوله ولدين الله تعالى، وتعمل بأحكام الله تعالى وتتبع سنة الرسول r قدر المستطاع، ومثل هؤلاء العباد يرحمهم الله تعالى. فلكي نجتذب رحمة الله لا بد لنا من إصلاح أنفسنا، وعندما يسترنا الله برداء رحمانيته ورحيميته فسوف يردّ الله على العدو كل مكر يمكره بنا، وسوف يلقى مصيره الأسوأ إن شاء الله تعالى. فلكي نستنزل أفضال الله تعالى يجب فحص أنفسنا لنرى مدى طاعتنا، ومدى عملنا بأحكام الله تعالى، ومدى تحسين عباداتنا، ومدى سعينا للعمل بسنة النبي r، ومستوى طاعتنا. يجب أن نُجرِي هذه الفحوص علينا بأنفسنا.
الآن سوف أقدم بعض الأمور التي ذكرها حضرة المصلح الموعود r في مناسبات شتى، حيث بين فيها كيف أن الجماعة واجهت بعد وفاة المسيح الموعود u ظروفًا أصابت كل واحد منا بالقلق والاضطراب، وكيف أن الخلافة قامت وجلبت لنا الطمأنينة والأمن، وكيف رفض البعض البيعة للخليفة فيما بعد واشتهروا باسم البيغاميين أو غير المبايعين، وكيف كان سلوكهم قبل انتخاب الخليفة الثاني وكيف صار بعده، وماذا كانت أفكارهم قبل ذلك وكيف صارت بعده. وكيف فرح الأعداء عند وفاة المسيح الموعود u، ولكنهم بعد انتخاب الخليفة الأول r ندموا وبرروا ما قالوا بأعذار واهية، ثم كيف أن أعداء الأحمدية ظنوا ثانية عند وفاة الخليفة الأول أن هذه الجماعة ستتشتت وتتمزق الآن، ولكن الله تعالى ساندَ جماعة المؤمنين مرة أخرى وبدّل خوفهم أمنا. هذه أمور تاريخية لا بد من ذكرها أمامكم من أجل تعليم النشء والشباب والذين معلوماتهم ضئيلة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم، وذكرها ضروري أيضا لتطلعوا على هذا التاريخ إلى حد ما.
يذكر حضرة المصلح الموعود r أن حال الأحمديين عند وفاة المسيح الموعود u كانت مشابهة لحال المسلمين عند وفاة النبي r، فكلنا كنا نظن أن المسيح الموعود u لن يموت عاجلا، ولذلك لم نفكر للحظة واحدة فيما سيحدث بعد وفاته u. يقول حضرة المصلح الموعود r: لم أكن عندها طفلا بل كنتُ قد بلغت سن الرشد والشباب، وكنت أكتب المقالات، وأحرر جريدة، ومع ذلك أقسم بالله تعالى أنه لم يخطر ببالي للحظة واحدة أن المسيح الموعود u سيموت. مع أن المسيح الموعود u كان في السنوات الأخيرة يتلقى إلهامات متتالية تُنْبِئ بوفاته، وكثرت هذه الإلهامات في الأيام الأخيرة من حياته ولكن بالرغم من تلقّي حضرته u هذه الإلهامات ومع أن بعض الإلهامات والكشوف كانت تحدِّد عام وفاته وتاريخها، ومع أننا كنا نقرأ كتاب الوصية، كنا نظنّ أن هذه النبوءات قد تحدث بعد قرنَين من اليوم، لذا لم يخطر ببالنا قط عما عسى أن يحدث إذا تُوفي المسيح الموعود u. وبما أننا كنا نحسب أن المسيح الموعود u لا يمكن أن يموت أمامنا لذا حين تُوفي في الواقع صعُب علينا الاعتراف بوفاته. يقول المصلح الموعود t: أتذكر جيدا أنه بعد وفاة المسيح الموعود u حين تم غسله وتكفينه، وبما أنه يحدث أحيانا في مثل هذه الأحوال أن يُحَرِّك الهواءُ الثوبَ أو الشاربين أو الشعر، لذا جاء بعض الناس راكضين وقائلين إن المسيح الموعود u حي، فقد رأينا ثوبه أو شعر شاربيه يتحرك، وقال البعضُ رأينا كفنه يتحرك. وبعد ذلك حين أُحضر نعش حضرته إلى قاديان ووُضع في غرفة في الحديقة وكانت الساعة الثامنة أو التاسعة تقريبًا، فوصل الحديقةَ خواجه كمالُ الدين وأخذني إلى جانب وقال: ميان، هل فكّرتَ ماذا سيحدث بعد وفاة حضرته؟ فقلتُ: يجب أن يحدث شيء ولكنني لا أستطيع أن أقول ماذا ينبغي أن يحدث. فقال: أرى أنه ينبغي أن نبايع المولوي نور الدين خليفة المسيح الأول t، قال المصلح الموعود t: كنتُ آنذاك صغير السن ومع أنني كنت أقرأ الكتب، إلا أن قراءتي كانت محدودة، فقلتُ: لم يكتب المسيح الموعود u في أي مكان أن تبايعوا أحدا بعدي لذا لماذا نبايع حضرة المولوي. كتب المصلح الموعود t: مع أن ذلك مذكور في كتاب الوصية ولكن في ذلك الوقت لم يذهب ذهني إلى ذلك قط. فبدأ السيد خواجة يجادلني قائلا إذا لم نبايع الآن على يد شخص تَدمّرتْ جماعتنا، ثم قال: هذا ما حدث بعد وفاة النبي r أيضا إذ بايع القوم أبا بكر t. (هذا هام جدا، إذ استدل خواجه كمال الدين بأن القوم بايعوا أبا بكر t خليفة بعد النبي r.) ثم قال خواجه: لذا علينا أن نبايع الآن على يد شخص وليس ثمة شخص أنسب لذلك من المولوي نور الدين في جماعتنا. قال المصلح الموعود: وهذا كان رأي المولوي محمد علي أيضا. لا، بل قال السيد خواجه للمصلح الموعود t بأن هذا هو رأي المولوي محمد علي أيضا، وهو أن على الجماعة كلها مبايعة المولوي نور الدين t. قال المصلح الموعود t: باختصار، طلبت الجماعةُ بالإجماع من حضرة الخليفة الأول أن يأخذ البيعة. واجتمع الناس كلهم في الحديقة حيث ألقى حضرة الخليفة الأول خطابا وقال: لا أرغب في الإمامة بل أريد أن تبايعوا شخصا آخر، قال المصلح الموعود t فذكر حضرتُه أولا اسمي ثم ذكر اسم جدّنا للأم حضرة مير ناصر نواب، ثم ذكر اسم زوج أختنا حضرة نواب محمد علي خان. كذلك ذكر أسماء بعض الناس الآخرين، ولكننا جميعنا قلنا لحضرته: إنما أنت أحق بمنصب الخلافة، فبايعه الجميع. بل بحسب بعض الروايات كان السيد خواجه قد نشر إعلانا مفاده أن علينا أن ننتخب لنا خليفةً واجب الطاعة بحسب كتاب الوصية واقترح اسم حضرة الخليفة الأول t، هذا كان موقفهم في البداية وقد يكون موقفهم هذا من أجل تحقيق بعض أهدافهم، صحيح أنهم بايعوا الخليفة الأول t ولكن لم يكن في قلوبهم روح الطاعة الصادقة كما ينبغي، بل كان في قلوبهم شيء آخر لذا كانوا يسعون دائما ليجعلوا هيئة “أنجمن” فوق الخلافة، ويتملكوا السلطة كلها بواسطة الهيئة. هذا كان مرادهم، قال المصلح الموعود t عن إرادتهم هذه: لم يكن قد مضى على بيعة الخليفة الأول إلا خمسة عشر أو عشرون يوما إذ لقيني المولوي محمد علي وقال لي: هل فكرّتَ يوما كيف سيسير نظام جماعتنا. فقلتُ: ما الداعي للتفكير في ذلك إذ قد بايعنا المولوي نور الدين t؟! فقال: هذا مجرد المرشدية والمريدية، السؤال هو كيف سيمشي نظام هذه الجماعة؟! فقلتُ: هذا الأمر لم يعد يستحق أن نتأمل فيه لأننا ما دمنا قد بايعنا شخصا فهو يستطيع أن يعرف جيدا كيف ينبغي إدارة نظام هذه الجماعة، ليس لنا أن نتدخل في هذا الأمر. فسكت على هذا الجواب ولكنه مع ذلك قال: هذا الأمر جدير بالتأمل. أيْ لم يقتنع، الأمر الذي تُعرَف منه حالهم الباطنية، وأنهم كانوا قد بايعوا الخليفة الأول t أيضا لغاية ولم يبايعوه من صميم القلب، لذا لم يثبت الأمن في قلوبهم بحسب وعْد الله تعالى المنوط بالخلافة ومبايعتها، أيْ لم ينشأ الأمن في قلوبهم. ما أرادوا البقاء في الطاعة الكاملة وكانوا يريدون أن يُديروا نظام الجماعة الروحاني كنظام دنيوي. ولقد رأوا نتيجة ذلك أيضًا إذ تلاشوا ولم يبق منهم إلا عدد قليل، قد يكون عددهم بضع مئات فقط، بل الحق أن عددا قليلا جدا بقي معهم بحسب النظام الذي وضعوه، وأما الجماعة القائمة تحت نظام الخلافة فقد انتشرت في 212 دولة في العالم بفضل الله تعالى.
ثم أخبر المصلح الموعود t ماذا كان أعداء الجماعة يقولون عن مستقبل الجماعة بعد وفاة المسيح الموعود u فقال: حين توفي المسيح الموعود u كان رأي عام سائدا بأن هذه الجماعة ستتلاشى الآن وكان العدو فرحا ظنًّا أنَّ ورود التبرعات سيتوقف، وبالتالي يتوقف رقي الجماعة، لأن الناس كانوا يتبرعون من أجل المسيح الموعود u، ولكن حين رأى الناس بعد سنة أو سنتَين أن الجماعة ازدادت عددا وتضحية مالية ونشرًا لرسالة الدين، فاخترعوا قولا جديدا مفاده أنَّ المولوي نور الدين عالم كبير في الجماعة في الحقيقة، ورقي الجماعة كله مقصور عليه وهو الذي كان يعمل جميع الأعمال حتى في حياة المرزا أيضا وإن كان اسمُ المرزا هو الظاهر. بل كان بعض الناس، الذين لهم طبيعة المشايخ ويهتمون بالأمور الظاهرية أكثر، يقولون في زمن المسيح الموعود u أيضا: هذه الجماعة يُديرها المولوي نور الدين. فحين رأوا بعد وفاة المسيح الموعود u أن الجماعة ازدهرت أكثر من ذي قبل في زمن الخليفة الأول غيروا موقفهم وبدؤوا يقولون فرحين: أَلم نكن نقول بأن المولوي نور الدين هو الذي يقوم بجميع الأعمال لذا لم تتأثر أنشطة الجماعة حتى بعد المسيح الموعود u وأن نظام الجماعة يسير بسبب حضرة مولانا نور الدين المحترم.
ثم يقول إن الإخوة في غجرات أخبروني أنه حين توفي سيدنا المسيح الموعود u قال لنا مولوي من أهل الحديث الآن وقعتم في فخ لأن النبي r قد قال إن بعد النبوة تكون خلافة. فأنتم تقولون إن حضرة المسيح الموعود u نبي، وإن كان غير مشرّع ونال النبوة لاتباعه لسيدنا محمد المصطفى r، إلأ أنكم تقولون إنه نبي، ومعلوم أن بعد النبوة تكون خلافة وهي لن تكون فيكم، لأنكم حائزون على ثقافة إنجليزية لذا لن تلتفتوا إلى الخلافة. ويقول هذا الأخ إننا في اليوم التالي تلقينا برقية، حيث كان التواصل السريع في ذلك العصر يتم بالبرقية عبر مكتب البريد. في هذه الأيام تنقل الأخبار وتنتشر عبر وسائل التواصل مثل النت والهاتف المحمول خلال ثوان، لكن في ذلك العصر كان نظام البرقية وكان وصول رسالة البرقية أحيانا يستغرق يومين أو ثلاثة. باختصار، يقول تلقينا البرقية في اليوم التالي- ورد فيها أن الجماعة قد بايعت حضرة المولوي نور الدين خليفة، أي انتخبتْه خليفةً. وحين أخبر الأحمديون ذلك المولوي، قال: إن المولوي نور الدين عالم كبير لذا قد أقام الخلافة في الجماعة، وإذا استمرت الخلافة بعده فسنرى. يقول حضرته وعندما توفي حضرة الخليفة الأول، قال هذا المولوي: كان في السابق وضعٌ آخر الآن سنرى ماذا يحدث؟ يقول الإخوة: في اليوم التالي وصلت برقية تقول إن الجماعة بايعت على يدي. فقال: شأنكم عجيب. ولم يتقبل الأمر. والآن أيضا يقولون ذلك، ولذلك تشتعل في قلوبهم نار الحسد دوما. فكما أخبرتكم من قبل أيضا أن مولويا قال عند انتخاب الخليفة الخامس، لقد شاهدت المشهد كله، ويبدو أن شهادة الله الفعلية معكم، إلا أنهم رغم مشاهدة هذه الآيات لا يزالون يزدادون حسدا ومعارضة بدلا من الإيمان.
على كل حال إن الله I يمكِّن الجماعة المرتبطة بالخلافة من التقدم والازدهار، حيث تنتشر فروع الجماعة في العالم والناس يتمسكون بالخلافة بأواصر الإخلاص والوفاء جالسين في أقصى البلاد ويتقدمون في ذلك. وإن الله I أيضا يرشد الناس إلى الخلافة ويوجِّههم إليها. كيف يحدث ذلك أقدم لكم مثالين، فكما سمعتم قول المولوي بأن شهادة الله الفعلية معكم فاسمعوا الآن مثال ذلك، ويحدث ذلك لأننا خدام صادقون للنبي r وننشر تعليم الله الحقيقي في العالم. فهناك بلد ناء يُدعى غينيا بيساو، تقول سيدة عجوز من هناك: رأيت في الرؤيا أن الداعية الأحمدي أعطاني كتابا وقال إن نجاتك تكمن في هذا الكتاب، فلما فتحت الكتاب رأيت فيه صورة، فحين سألت الداعية من هذا؟ قال هو خليفة المسيح الذي اختاره الله الآن. في اليوم التالي جاءت إلى الداعية وقصت عليه الرؤيا. فقال لها: رؤياك لا تحتاج إلى أي تأويل، إذ قد أرشدك الله بنفسه. فقالت والله أنا أحمدية من اليوم، وفعلا قد جعل الله I هو بنفسه خليفةَ الأحمديين، وهذه الخلافة من الله. ثم بايعتْ وبعد البيعة تشترك في أنشطة الجماعة وبحسب سعتها تتبرع أيضا وتنشر الدعوة أيضا بكل شجاعة، وتخبر الناس كيف وجَّهها الله I بنفسه.
وكذلك هناك أخ مصري يقول إني كنت منغمسا في السيئات الكثيرة وكنت رجلا نزّاعا، فبعد الاستماع إلى خطب الخليفة نشأت لدي رغبة في الدين، وتعهدت بأني سوف أنضم إلى الأحمديين، لأن هذه الخلافة توجهنا بوجه صحيح.
ومثل ذلك هناك أمثلة أخرى، ففي مدينة مروا في الكاميرون يقول الداعية المسؤول إن الناس يشاهدون برامج ايم تي ايه باهتمام وبكثرة بعد أن بدأت ايم تي ايه أفريقيا، وهم يستمعون لخطب الجمعة للخليفة باهتمام ملحوظ. وبعد ذلك يلاحظ فيهم تغير، ويزداد ميلهم إلى الجماعة. والذين هم أحمديون سلفا يزدادون إيمانا ويسعون ليقوّوا علاقتهم بالخلافة، ويُظهروا نماذج الطاعة الكاملة. باختصار إن هذا الحب والارتباط بالخلافة يخلقه الله I. وما دام الأحمديون يحافظون على هذا الحب والارتباط سيتبدل خوفهم أمنا ويهيئ الله لهم الطمأنينة إن شاء الله. فحين أَخرج في جولات مختلفة يخبرني الناس كما يكتبون في الرسائل أيضا بكثرة كيف أن الله وفقهم لإنشاء العلاقة بالخلافة بعد قبول الأحمدية، وكيف أن الله I بدَّل قلقهم واضطرابهم الشديد أمنا. فالذين سيرتبطون بالخلافة ويعملون بأوامر الله ورسوله، ويحافظون على صلواتهم، ويزكون أنفسهم وأموالهم، ويسجلون أسمى نماذج الطاعة سيرثون بتوفيق من الله أفضال الله دوما إن شاء الله. فالدنيا لا يمكن أن ترى مشهد أمة واحدة إلا بالخلافة الأحمدية فقط، وبدونها مستحيل. ولتحقيق ذلك ولجذب أفضال الله I دوما يجب على كل واحد من أبناء الجماعة أن يدعو دوما أن يديم الله هذا الفيض فينا، لكي نتمكن بفضل من الله I والدعاء من جعْل العالم بأسره مسلما وأمة واحدة، والإتيان به تحت راية النبي r. وفقنا الله I جميعا لذلك.
في الخطبة الماضية بمناسبة افتتاح هذا المسجد نسيت ذكر أمر أن التاريخ الذي حُدد لوضع حجر الأساس لهذا المسجد كان بعد انطلاقي إلى كندا، فكنت دعوت على لبنة، ووضعها كحجر الأساس الأستاذ عثمان الصيني المرحوم في 10/10/2016 بالدعاء. وبذلك بدأتْ أعمال مشروع البناء كلها. فالأستاذ المرحوم عثمان الصيني هو كان قد وضع حجر الأساس لهذا المسجد. ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقول إن الشعب الصيني أيضا له إسهام بفضل الله في هذا. ومن ثم يجب أن ندعو الله I أن يوفقنا لنشر الإسلام في الصين عاجلا، فكانت لدى الأستاذ عثمان الصيني المرحوم رغبة عارمة واهتمام كبير بأن تصل إلى الصين رسالة الإسلام الصحيح الأحمدية. فكما يجب أن ندعو لرفع درجات الأستاذ الصيني يجب أن ندعو كثيرا لانتشار الأحمدية الإسلام الصحيح في الصين وفي كل بلاد العالم. وفقنا الله لذلك.