خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u
في المسجد المبارك بإسلام آباد يوم 28/6/2019م
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
اليوم سأذكر بعض النصوص وأقص عليكم بعض الأحداث الأخرى عن حضرة زيد بن حارثة t، يقول حضرة مرزا بشير أحمد t في كتابه سيرة خاتم النبيين متحدثا عن السرية التي بعثها النبي r في ربيع الأول من العام السادس بعد الهجرة إلى بني سُليم بقيادة عتيقه ومتبنّاه حضرة زيد بن حارثة، وكانت تضم عددًا من المسلمين. هذه القبيلة كانت تقيم في الجموم الواقعة في نجد وكانت تنشط منذ مدة ضد النبي r وتقوم بمؤامرات وتسعى للحرب. وكانت قد شاركت في غزوة الخندق أيضا ضد المسلمين بحماس. حين وصل زيد بن حارثة مع أصحابه إلى الجموم الواقعة على بعد 50 ميلا من المدينة، لم يجدوا هناك أحدا وكان المكان خاليا، لكن سيدة من قبيلة مزينة اسمها حليمة وكانت من أعداء الإسلام أخبرت المسلمين عن مكان كان بعض من بني سليم يرعون فيه مواشيهم، فاستفاد زيد بن حارثة من هذا الخبر وداهمهم، ففزعوا من هذا الهجوم المفاجئ وتفرقوا هنا وهناك وهربوا، وأسر المسلمون بعضهم وأخذوا المواشي، فجاء بها زيد إلى المدينة، وبالمصادفة كان من بين أولئك الأسرى زوج حليمة هذه أيضا، ورغم أن زوجها كان أسير الحرب قد أطلق سراح حليمة بدون فداء بل أطلق سراح زوجها أيضا منًّا، فعادا كلاهما فرحين مسرورين إلى وطنهما.
يقول حضرة مرزا بشير أحمد t في كتابه سيرة خاتم النبيين عن سرية زيد بن حارثة المرسلة إلى العيص في جمادى الأولى من العام السادس الهجري: لم تمض مدة طويلة على عودة زيد بن حارثة من السرية المرسلة إلى بني سليم حيث كان النبي r قد بعثه من المدينة أميرا على 170 صحابيا في جمادى الأولى، وكتب أهلُ السيَر سبب هذه السرية، أن قافلة لقريش كانت آتية من الشام، ولمقاومتها كان النبي r قد أرسل هذه السرية.
أود أن أوضح هنا أن قوافل قريش عادة كانت مسلحة دوما، وكانوا يمرون دوما بالقرب من المدينة أثناء تنقلهم بين مكة والشام، وبسبب ذلك كانوا يمثلون خطرًا دائمًا، وإضافة إلى ذلك كانت هذه القوافل تثير قبائل العرب ضد المسلمين حيثما تمر بها. يقول حضرة مرزا بشير أحمد t أنه بسبب ذلك كانت نار العداوة الخطيرة قد اشتعلت ضد المسلمين، وكان يجب التصدي لها. باختصار حين علم النبي r بهذه القافلة أرسل لها زيد بن حارثة فتقدم إليها بحذر حتى لا يطلع عليه أحد، ثم أمسك بالقافلة في موضع العيص الواقع على بعد أربعة أيام من المدينة جانب البحر. فلما كان الهجوم مفاجئا لم تستطع القافلة مقاومة المسلمين وهربوا من هناك تاركين متاعهم، فأسر زيد بعضهم وأخذ المتاع فعاد إلى النبي r في المدينة. لا يغيبن عن البال أن وراء كل سرية أو معركة أو قتال كانت تَرِدُ أخبار أن بعض الناس يتآمرون ضد المسلمين ويستعدون للهجوم عليهم.
ثم نجد ذكر سرية أخرى لزيد بن حارثة t المرسلة إلى موضع الطرف في جمادى الآخرة من العام السادس، لقد ذكرها حضرة مرزا بشير أحمد t وقال: إنه بعد غزوة بني لحيان بمدة قصيرة، بعث النبي r في جمادى الآخرة من العام السادس بعد الهجرة سرية قوامها 15 صحابيا إلى موضع الطرف الواقع على بُعد 36 ميلا من المدينة بقيادة زيد بن حارثة t، وكان يقيم به رجال من بني ثعلبة، لكنهم بعد تلقي الخبر انتشروا هنا وهناك قبل وصول زيد إليهم، فأقام زيد مع أصحابه هناك بضعة أيام ثم عاد إلى المدينة بعد غياب قصير. ولم يحدث أي قتال ولم يلاحقهم.
ثم هناك سرية أخرى لزيد بن حارثة قد أرسلت في جمادى الآخرة من العام السادس إلى حِسْمَى، ويقول حضرة مرزا بشير أحمد t في ذكرها: في جمادى الآخرة نفسها أرسل النبي r زيد بن حارثة مع 500 مسلم إلى حسمى، وكانت مسكن بني جذام جانب الشمال من المدينة.
وسبب هذه السرية أن الصحابي دحية الكلبي كان يأتي من الشام بعد لقاء قيصر وكان معه بعض الهدايا من قيصر وشيء من أموال التجارة أيضا، فلما مرَّ دحية من بني جذام هاجمه رئيس القبيلة الهنيد بن عارض برفقة عدد من رجال القبيلة وغصب منه كل ما كان عنده من كسوة قيصر وأموال التجارة، فلم يتركوا عليه إلا سمل ثوب. فلما علم بذلك بنو الضبيب وكانوا فرعا من بني جذام، وكان قد أسلم بعضهم نفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه، وقدم دحية على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بذلك، فبعث r زيدَ بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية. كان زيد يسير الليل ويكمن النهار فأقبل بهم حتى هجم بهم مع الصبح على بني جذام. فقاومه بنو جذام واندلعت معركة إلا أنهم لم يثبتوا أمام الهجوم المفاجئ من المسلمين، وهربوا بعد مقاومة قصيرة، وانتصر المسلمون وعاد زيد بن حارثة بكثير من الغنائم وأخذوا مائة من السبي. لكن قبل أن يصل زيد إلى المدينة اطلع على حملة زيد هذه بنو الضبيب، وهم فرع من بني جذام، فجاءوا إلى النبي r برفقة رئيسهم رفاعة بن زيد وقالوا له: يا رسول الله، قد أسلمنا- وسبق الذكر أن هؤلاء كانوا قد استنقذوا- وقد كُتب كتاب الأمان لبقية قومنا، وعُقد الميثاق أنهم سيؤمَّنون، فلماذا تم الهجوم على قومنا؟ إذ في هذا الهجوم كان بعض الرجال من قبيلتهم، فقال النبي r: صدقتم، لكن زيدًا لم يكن على علم بذلك. ثم أبدى r حزنه مرارا على من قُتلوا منهم. عندها قال صاحب رفاعة أبو زيد يا رسول الله إن الذين قتلوا لا نطالب بحقهم شيئا فقد حدث ما حدث لسوء فهم إذ كان بعض رجال قبيلتنا الذين كانوا قد كتبوا العهد قد تم توريطهم في القتال. إنما نريد أن تطلق سراح أسرانا وتعيد متاعهم. فقال النبي r: هذا صواب ووافَق على طلبهم، فأرسل عليًّا فورا إلى زيد وأعطاه سيفه كعلامة، وقال له أن يقول لزيد أن يطلق سراح الأسرى الذين أسَرهم ويعيد إليهم أموالهم أيضا. فحرر زيد جميع الأسرى فور تلقي الرسالة، وأعاد إليهم متاعهم.
فهذه هي أسوة النبي r في الإيفاء بالعهود، فلم يصرّ على ممارسة الظلم على من وقعوا أسرى في أيدي المسلمين، بل قد أطلق سراح جميع الأسرى الذين أُسروا لسوء الفهم- ومن المحتمل أن يكون بعضهم قد شاركوا في القتال عن عمد- وأعاد إليهم متاعهم أيضا.
ثم هناك سرية زيد بن حارثة التي أرسلت إلى وادي القرى في رجب من العام السادس، فلما وصل زيد مع رجاله إلى وادي القرى كان رجال بني فزارة مستعدين لمقاومتهم. ففي هذه المعركة استُشهد عدة من المسلمين وأصيب زيد نفسه بجروح شديدة، إلا أن الله I أنقذه بفضله.
يقول حضرة مرزا بشير أحمد t: كان وادي القرى المذكور في هذه السرية مكانا على شمالي المدينة على طريق إلى الشام حيث كانت عدة قرى، ولذلك سُمي بوادي القرى.
سرية مؤتة كانت في العام الثامن من الهجرة، وهي موضع قرب بلقاء الشام. يقول العلامة ابن سعد في بيان أسباب هذه السرية:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير إلى ملك بُصرى بكتاب، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله ولم يُقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وندب الناس فأسرعوا وعسكروا بالجرف، وهم ثلاثة آلاف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمير الناس زيد بن حارثة. وعقد لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لواءً أبيض ودفعه إلى زيد بن حارثة وأوصاهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتَلوهم.
كانت سرية مؤتة في جمادى الأولى من العام الثامن بعد الهجرة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
هذه السرية تسمى بجيش الأمراء كذلك، وذكرها موجود في البخاري ومسند أحمد أيضا.
وفي رواية أن حضرة جعفر قال للنبي r: يا رسول الله ما كنت أظن أنك ستؤمِّر علي زيدا، فقال r دعك عن هذا، فلا تعرف ما هو الأفضل.
يقول سيدنا المصلح الموعود t في بيان سرية مؤتة- وهذا الحادث قد ذكرتُ شيئا منه في الخطب قبل أسابيع أو أشهر، لكن لما كان الحديث جاريا عن زيد أذكر مرة أخرى- يقول حضرته: لقد أمَّر النبيُّ r زيدا على هذا السرية وقال إن قُتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة، فإن قُتل فليرتضِ المسلمون منهم رجلاً.
حين قال ذلك كان يجلس معه يهودي فقال له: أنا لا أؤمن بأنك نبي، أما إذا كنت صادقا فلن يعود أحد منهم سالما، لأن ما يخرج من فم النبي يتحقق لا محالة.
ما ذُكر قبل بضعة أشهر كان فيه على أغلب الظن أن اليهودي جاء إلى زيد وقال له ذلك. على كل حال قد سجل حضرة المصلح الموعود هذه الرواية هكذا، وبعده أيضا قال المصلح الموعود إن ذلك اليهودي توجَّه إلى حضرة زيد وقال له إذا كان رسولكم صادقا فلن تعود حيًّا.
قال زيد t ما مفاده: الله أعلم هل سأعود حيا أم لا، ولكن رسولنا r صادق حتما. ثم وقع هذا الحادث على هذا النحو تماما بمشيئة الله تعالى، أي قد استُشهد زيد t وأخذ زمام قيادة الجيش بعده جعفر t، وبعد وفاته تسلّم القيادة عبد الله بن رواحة واستُشهد هو أيضا. وكاد الجيش أن يتشتت حتى أخذ خالد بن الوليد t الراية بطلب من المسلمين، وقدّر الله تعالى الفتح للمسلمين على يده، وأعاد الجيش بسلام.
هناك رواية في صحيح البخاري بهذا الشأن: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ r لَتَذْرِفَانِ ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ.
عندما بلغ النبيَّ r خبرُ شهادة زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة، قام لبيان وقائع شهادتهم وبدأ بزيد t وقال: اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لجعفر، اللهم اغفر لعبد الله بن رواحة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قتل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة y جلس رسول الله r في المسجد يُعرف في وجهه الحزن.
وجاء في الطبقات الكبرى: لما أصيب زيد بن حارثة أتاهم النبي r فجهشت بنت زيد في وجه رسول الله، r فبكى رسول الله r حتى انتحب فقال له سعد بن عبادة: يا رسول الله ما هذا؟ قال: هذا شوق الحبيب إلى حبيبه.
يقول العلامة ابن سعد: عقد له رسول الله r على الناس في غزوة مؤتة وقدّمه على الأمراء، فلما التقى المسلمون والمشركون كان الأمراء يقاتلون على أرجلهم فأخذ زيد بن حارثة اللواء فقاتل وقاتل الناس معه، والمسلمون على صفوفهم، فُقتل زيد طعنا بالرماح شهيدا فصلَّى عليه رسول الله r وقال: استغفروا له وقد دخل الجنة وهو يسعى.
عن أسامة قال: إن رسول الله r كان يأخذني والحسن بن عليّ ثم يقول: اللهم أحبهما فإني أحبهما.
عن جبلة قال كان رسول الله r إذا لم يغزُ لم يعط سلاحه إلا عليا أو زيدا.
وفي رواية أخرى عن جبلة، قال أُهْدِيَ للنبي r رجلان فأخذ واحدا وأعطى زيدا الآخر. وفي رواية أخرى عنه أن النبي r أُهدي ثوبان فأخذا واحدا وأعطى زيدا الآخر.
وفي رواية أن زيد بن حارثة كان يسمّى حبيب الله. روي عنه r أنه قال: “أحب الناس إلي من أنعم الله عليه وأنعمت عليه”، يعني زيد بن حارثة، أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه رسول الله r بالعتق.
ما ورد في كتب التاريخ عن غزوة مؤتة يتلخص فيما يلي: لقد جهّز النبيُّ r جيشا كبيرا في شهر صفر عام 11 من الهجرة للانتقام لغزوة مؤتة، وأمر الناس أن يستعدوا لقتال الروم. علما أن الجيش الذي أُعِدّ للانتقام لغزوة مؤتة لم تكن بعدها علاقة مباشرة مع زيد بن حارثة لأنه كان قد استشهد من قبل. ولكن مادام زيد بن حارثة يُذكر بشأن إعداد الجيش ووقائع أخرى لذا أذكر هذا الجزء عنه أيضا. وقد ذُكر زيد باختصار عند ذكر أسامة من قبلُ. علما أن أسامة لم يشهد بدرا لأنه كان صغير السن حينذاك ولكن ذكرتُه أيضا ضمنيا من قبل حين كنتُ أذكر الصحابة بوجه عام.
على أية حال، عندما أُعدّ هذا الجيش دعا النبي r في اليوم التالي أسامة بن زيدٍ وجعله أميرا لهذه المهمة، وقال له: اذهب إلى المكان الذي قُتل فيه أبوك. وقال له عند الرحيل إلى الشام: عندما ترحل يجب أن تسافر سريعا ويجب أن تصل إلى هناك قبل أن يعرف أهلها عن سفرك، واغزُ عند انفلاق الصبح منطقةَ البلقاء في الشام. البلقاء قريبة من مؤتة حيث نشبت معركة مؤتة. وقد ورد عن البلقاء- التي تقع في الشام بين دمشق ووادي القرى- أن من عمّرها شخص اسمه بالق من قوم لوط.
وقيل عن الداروم أنها تقع في فلسطين قرب غزة وعلى الطريق إلى مصر. فقال النبي r ما معناه: دُسْ هذه الأماكن بخيولك انتقاما لزيدٍ. وقال r أيضا لأسامة ما مفاده: خذ معك من يدلُّك على الطريق، وعيِّنْ للاستطلاع رجالا ليبلّغوك أخبارا صحيحة. رزقك الله الفتحَ، وعُدْ سريعا. كان عمر أسامة حينذاك بين 17 و20 سنة.
وقد صنع رسول الله r لأسامة راية بيده وقال له: جاهِدْ بها باسم الله في سبيله، ومن أنكر اللهَ فقاتِلْه. خرج أسامة بهذه الراية وسلّمها إلى بريدةَ. عسكر الجيش في مكان اسمه الجُرف. (التي تقع على بُعد ثلاثة أميال من المدينة) وقيل إن عِدة الجيش كان ثلاثة آلاف واشترك فيه الصحابة الكبار من الأنصار والمهاجرين مثل أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وغيرهم، واستُعمل عليهم أسامة الذي كان عمره يقارب 17 أو 18 عاما. فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين! فغضب رسول الله r، غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في تأميري أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله! وأيم الله إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، واستوصوا به خيرا فإنه من خياركم… وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودِّعون رسول الله، r، ويمضون إلى العسكر بالجرف، وثقل رسول الله، r فجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة! فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله، r وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبي مغمور، وهو اليوم الذي لدوه فيه، فطأطأ أسامة فقبّله ورسول الله r لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة، قال: فعرفت أنه يدعو لي؛ ورجع أسامة إلى معسكره ثم دخل يوم الاثنين وأصبح رسول الله r مفيقا …فقال له: اُغْدُ على بركة الله! فودّعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل؛ فبينا هو يريد الركوب إذا رسول أمِّه أمِّ أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله يموت! فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله r وهو يموت فتوفِّي، صلى الله عليه صلاة يحبها ويرضاها، حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة.. بلواء أسامة معقودا حتى أتى به باب رسول الله، r فغرزه عنده، فلما بويع لأبي بكر أمر بريدة .. باللواء إلى بيت أسامة ليمضي لوجهه، فمضى به بريدة إلى معسكرهم الأول. بعد وفاة النبي r ارتدت العرب إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة، ونجم النفاق واشرأبَّت اليهود والنصارى. والمسلمون كالغنم في الليلة المطيرة الشتائية لفقدِ نبيهم وقلتهم وكثرة عدوهم. أي كانت الظروف صعبة جدا. فكلم كبار الصحابة أبا بكر t أن يؤخر لبعض الوقت خروج جيش أسامة نظرا إلى حساسية الظروف فأبى وقال ما مفاده: لو خطفتني السباع لأرسلت هذا الجيش كما أمر النبي r ولسوف أنفِّذ ما أمر به رسول الله r. وإن لم يبق في القرى أحد سوايَ لنفَّذتُ هذا الأمر حتما.
على أية حال، نفّذ أبو بكر t أمر النبي r كما كان حقه، وأمر الصحابة الذين كانوا في جيش أسامة من قبل أن يتوجّهوا إلى الجرف وينضموا إلى الجيش. وقال ما معناه: كل من كان في جيش أسامة من قبل وأمره النبي r بالانضمام إليه فلا يتخلف ولن أسمح له بالتخلف أبدا. فلينضم إليه وإن اضطر إلى المشي على الأقدام.
باختصار، فقد أُعِدّ الجيش مرة أخرى، غير أن بعض الصحابة أشاورا بأن يؤخَّر إرسال الجيش حاليا نظرا إلى حساسية الظروف.
بحسب روايةٍ قال أسامة t لعمر t أن يذهب إلى أبي بكر t ويطلب منه إلغاء الأمر بخروج الجيش لكي نتمكن من مواجهة المرتدين، ونحمي خليفة الرسول وحرم الرسول والمسلمين من هجوم المشركين. وقال بعضُ الأنصار لعمر t إذا كان الخليفة أبو بكر t مصرًّا على رحيل الجيش فيلتمسه أن يولّي على الجيش من هو أكبر سنا من أسامة، فذهب عمر t مع رأي الناس هذا إلى أبي بكر t فقال أبو بكر t بكل عزيمة: والله لو دخلت السباع في المدينة وخطفتني لم أرد قضاء قضى به رسول الله r. ثم بلَّغه عمرُ t قولَ بعض الأنصار، فقال أبو بكر بكل جلال: استعمله رسول الله r وتأمرني أن أنزعه، فخرج عمر إلى الناس بعد ما سمع قرار أبي بكر t القطعي ورأى عزمه الصميم، فسألوه ماذا حدث؟ فقال عمر t غاضبا: امضوا ثكلتكم أمهاتكم، ما لقيت اليوم بسببكم من خليفة رسول الله r خيرا. حين اجتمع جيشُ أسامة بأمر أبي بكر t في موضع الجرف، ذهب أبو بكر t نفسُه إليه واستعرض الجيش ونظَّمه، وكان مشهد خروج الجيش أيضا عجيبا جدا، كان أسامة راكبا وكان خليفة الرسول أبو بكر t يمشي معه، فقال أسامة t: يا خليفة رسول الله، إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال أبو بكر t: لا أركب ولا تنزل، ما علي لو غبرت قدمي في سبيل الله ساعة؟! لأن الغازي حين يخطو خطوة يُكتب له سبعمائة حسنة، ويُرفع سبع مئة درجة ويُكفر عنه سبعمائة سيئة. كان أبو بكر t يحتاج إلى عمر t في المدينة لبعض الأمور فلم يحبسه بنفسه بل استأذن أسامةَ أن يخلِّف عمر في المدينة فلبَّى أسامةُ الخليفة وترك عمر في المدينة. وبعد هذا الحادث كلما رأى عمر بن الخطاب t أسامةَ t قال له: السلام عليك أيها الأمير، فيقول أسامة: غفر الله لك يا أمير المؤمنين.
وفي النهاية أوصى أبو بكر t جيشَ أسامة بالكلمات التالية: لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا (أي لا تشوّهوا وجوه قتلى الأعداء المقاتلين)، ولا تقتلوا طفلا صغيرا أو شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة. وسوف تمرون بأقوام قد فرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواما قد فحَّصوا عن أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقا، اندفعوا باسم الله، أفناكم الله بالطعن والطاعون. ثم قال أبو بكر t لأسامة: افعل كل ما أمرك به رسول الله r. يتبين من هذا أن أبا بكر t أكد لأسامة t على المحافظة على الأخلاق الإسلامية في الحرب وعدم الظلم وإضافة إلى ذلك كان t موقنا بانتصار هذا الجيش لذلك قال: ستلقون نجاحات.
باختصار، خرج أسامة في هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة، فسار مع جيشه من المدينة إلى أهل أُبنَى قاطعا منزلا بعد منزل بحسب وصية الرسول r، وشنَّ عليهم الغارة في الصباح الباكر من كل جهة، وكان شعارهم “يا منصور أمِتْ” فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه، وحصل أسامة على كثير من الغنائم فوضع منه الخمس ووزع الباقي بين الجنود وأسهم للفرس سهمَين وللفارس سهما، وأقام الجيشُ بعد المعركة يوما في المكان نفسه ثم عاد إلى المدينة في اليوم التالي، وبعث أسامة مبشرا إلى المدينة. ولم يُقتل أحد من المسلمين في هذه المعركة، وحين وصل الجيش المدينة فاتحا ظافرا خرج أبو بكر t في المهاجرين والأنصار من المدينة ليستقبلهم بكل حفاوة، وكان بُريدة يحمل اللواء أمام الجيش ودخل أسامة t المدينة حتى انتهى إلى المسجد النبوي وصلى ركعتَين ثم انصرف إلى بيته. وبحسب الروايات المختلفة عاد هذا الجيش إلى المدينة بعد أن مكث خارجها من أربعين إلى سبعين يوما، وكان في خروج جيش أسامة نعمة عظيمة للمسلمين، لأن العرب قالوا: لولا قوة المسلمين ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، فهكذا امتنع الكفار من كثير من الأمور التي كانوا يريدون القيام بها ضد المسلمين. وبفضل الله تعالى ونصرته حقق أسامةُ قولَ النبي r فيه حرفا بحرف، وأثبت أن هذه المهمة كانت عظيمة من حيث التدبير والإدارة والإغارة والنجاح والانتصار. كان قول النبي r في أسامة أنه قائد عظيم، ولقد أثبت بفضل الله تعالى وببركة أدعية الرسول r والخليفة أنه كان خليقا للإمارة مثل والده الشهيد زيد t، بل كان يملك مزايا وخواص عظيمة. وكان من عزيمة الخليفة القوية وشجاعته وعلو همته أنه أرسل هذا الجيش رغم العديد من الأخطار الداخلية والخارجية والاعتراضات ثم أكرمهم الله تعالى بالنجاح والظفر وبذلك علّم المسلمين أول درس بعد وفاة النبي r بأن البركات كلها الآن في طاعة الخلافة فقط.
لقد ذكر المسيح الموعود u أيضا هذا الحادث في كتابه “سر الخلافة”. نزّل الله تعالى آلاف البركات والرحمة على زيد بن حارثة وابنه أسامة اللذَين كانا من أحباب سيدنا ومطاعنا محمد رسول الله r.
وبعد صلاة الجمعة سوف أصلي صلاة الغائب على مرحومَين، أولهما صديق آدم دنبيا الذي كان داعية في ساحل العاج، كان مريضا منذ فترة وأُجريت له عملية البروستاتا في السنة الماضية، وكذلك كانت لديه مشلكة كلَوِيَّة وكان يغسل كليتيه بين فينه وأخرى، وكان يتعالج منذ فترة ولذلك كان مقيما في “أبيد جان”، وساءت حالته مؤخرا فجأة فنُقل إلى المستشفى العسكري حيث تُوفي في 14 حزيران، إنا لله وإنا إليه راجعون. ترك في ذويه سبع بنات وابنَين. وُلد صديق آدم في 1950 في قرية “لوسنغي” بساحل العاج. قبل 1977 بفترة دخل الأحمدية، ثم في 1981 وقف حياته وسافر إلى باكستان مع زميلَيه مشيا على الأقدام بغية تحصيل العلم، وبعد تكبد عناء السفر لمدة سنة واحدة وصلوا ربوة في 1982 وبدؤوا دراستهم في الجامعة الأحمدية، وعاد إلى ساحل العاج بعد التخرج من الجامعة الأحمدية في 1985-1986. ووُفّق للخدمة كداعية في بلاد مختلفة في غرب أفريقيا أكثر من ثلاثين عاما إلى أن تُوُفِّي.
وتفصيل سفره إلى باكستان كالتالي، قال: في 1970 حين زار الخليفة الثالث رحمه الله تعالى غانا أحدثت زيارة الخليفة تغييرا في روحه وانقلابا جذريا. فعاد إلى ساحل العاج وحصل على جواز السفر وبدأ مع شخص آخر في السعي للسفر إلى باكستان، وفي هذه الأثناء جاء شابٌّ إلى مسجد “أبيد جان” وقبِل الأحمدية بناء على رؤيا، وهو السيد عمر معاذ الذي يعمل كداعية الجماعة في هذه الأيام، ثم بعد أيام قليلة أبدى أمنية غالية لزيارة مدينة المسيح الموعود u وزيارة خليفة المسيح، وهكذا قرّر هؤلاء الثلاثةُ السفر إلى باكستان وبدؤوا سفرهم في 20 أغسطس/آب 1981 من ساحل العاج ونزلوا منزلهم الأوّل في غانا، والتقوا بالسيد عبد الوهاب آدم أمير الجماعة والداعية المسؤول، وبعد الدعاء ذهبوا إلى مدينة لاغوس بنيجيريا عابرين بنين من توغو. وأقاموا هناك في دار التبشير للجماعة ثم خرجوا إلى الكاميرون، وودَّعهم الداعية المسؤول في نيجيريا ودعا لهم وزودهم ببعض المال أيضا. ثم من الكاميرون دخلوا تشاد حيث تحمّلوا مصاعب الأسر والسجن ولكنهم واصلوا سفرهم بالصبر والعزيمة، وكان شبه مستحيل مواصلة السفر من تشاد ولكن الله تعالى أرشدهم من خلال رؤيا أن ينضموا إلى الجيش، فسعوا للانضمام إلى جيش ليبيا وأعانهم الله تعالى من الغيب بما جعل المستحيل ممكنا، في مناسبة نفتْهم الحكومة الليبية من البلد ولكن الله المسبِّب الأسباب خلق ظروفا بحيث أُلغي أمر النفي وليس هذا فقط بل استطاعوا الانضمام إلى جيش ليبيا كمتطوّعين وحافظوا على الحدود في لبنان لمدة ثمانية أشهر. حين انتهت الحرب أبدوا أمام مسؤولهم رغبتهم في الذهاب إلى باكستان، فقال لهم: لو بقيتم عندنا لمزيد من الوقت لحصلتُ لكم جوز السفر العالمي وأرسلتكم إلى أمريكا. فالأفضل أن تذهبوا إلى أمريكا بدلا من باكستان فاعتذروا عن قبول هذا العرض شاكرين له، وقالوا إننا نريد الذهاب إلى باكستان للدراسة، فرفضت السفارة الباكستانية منحهم التأشيرة ولكن الله تعالى هيأ لهم تذاكر الطائرة إلى كراتشي من خلال مسؤولهم في الجيش، وهكذا وصلوا المطار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1982 للذهاب إلى باكستان. وهناك أيضا رأوا مشهدا آخر لنصرة الله تعالى، عرَّف بهم المسؤولُ شرطيا وقال إنهم يريدون الذهاب إلى باكستان لدراسة الإسلام لذا أرجوك أن تساعدهم بكل ما في وسعك، فساعدهم هذا الشرطي كثيرا وانطلقت الطائرة من دمشق ليلا ووصلت كراتشي صباحا، ولكن حين وصلوا كراتشي كان أمر الحصول على التأشيرة يقلقهم، فسلّموا جوازاتهم أمام شرطة المطار بعد الدعاء الكثير، وجرت معهم المقابلة. ولما أخبر أنه جاء للدراسة وضع رجل الشرطة الختم على جوازه ووقع عليه. ثم سأله أين ستذهب؟ قال: إلى ربوة. فقال الرجل: أنت قادياني؟! وقبل أن تغيِّر أفكارُه السلبية قرارَه فيلغي الختم قال له صاحبُه في العمل: ما الحرج فيما لو كان قاديانيا؟! لقد جاء من أجل الدراسة، فاسمحْ له.
على كل حال، يقول هذا الأخ: كان المرحوم تواقًا للوصول إلى ربوة وكانت مشاعر لقاء خليفة المسيح مستولية عليه جدا حتى لم يخطر بباله أن يسأل أحدًا عن مركز الجماعة في كراتشي أو عن أي فرد منها ليلقاه ولكي تتيسر له السهولة، فبدلاً من الاتصال بالجماعة في كراتشي وصل إلى محطة القطار رأسًا، وطلب التذكرة لربوة. وكان الذي يعطي التذاكر طماعا، فقال له لا نعطي التذكرة للأحمديين. وبعد نقاش كثير طال ساعتين رضي بأن يؤتيه التذكرة بضعف السعر، ومع ذلك آتاه تذكرة قطار بطيء جدا وصل به من كراتشي إلى ربوة في 24 ساعة.
باختصار، وصل المرحوم إلى ربوة بعد سفر شاق جدا يحدوه الشوق لزيارة حضرة الخليفة الثالث. ولما وصل إلى ربوة ذهب إلى دار الضيافة، وكان لا يعرف المستجدات، فسمع اسم الخليفة الرابع يتردد كثيرا على ألسنة الإخوة فأصابه القلق، فعلِم أخيرا أن حضرة الخليفة الثالث قد توفي وأن حضرة الخليفة الرابع قد تولى الخلافة الآن. باختصار، تشرف المرحوم بلقاء حضرة الخليفة، ثم التحق بالجامعة الإسلامية الأحمدية في عام 1982، وبعد إكمال دراسته عاد إلى ساحل العاج، ثم ظلت الجماعة توفده إلى بلاد شتى للخدمة. فخدم في ساحل العاج من عام 1987 إلى 1991، ثم في النيجر من عام 1991 إلى 1992، ثم في بينين من عام 1992 إلى 1994، ثم في توغو من عام 1994 إلى 1996، ثم في ساحل العالج من عام 1996 إلى الوفاة.
كتب السيد عبد الباسط الداعية في ساحل العاج: كان المرحوم صديق آدم عاشقا صادقا للخلافة وخادما مخلصا للجماعة. عمل معي طويلا، فوجدته كثير الدعاء، مواظبا على صلاة التهجد، وصاحبَ رؤى. كانت عنده قدرة فائقة على تعبير الرؤى، وكان كثيرا ما يخبر معارفه بتأويل مناماتهم. كان مواظبا على إرسال التقرير الشهري لأعماله إلى المركز.
(وأنا أقول: كان يراسلني أيضا طالبا مني الدعاء، وكان يكتب رسائله بالأردية. كان هذا دأبه.)
كان كثير الصلاح، حريصا على الالتزام بالمواعيد. كان شديد الإحساس بالمسؤولية. كان يلتزم بالمواعيد دائما وكان يسعى جاهدا لإنجاز العمل المسند إليه في موعده المحدد. لم يكن يخاف أبدا من الجولات إلى مسافات بعيدة. كان يقوم بالدعوة بأسلوب يأخذ بمجامع القلوب. كان يتحدث عن ظهور المسيح الموعود بذكر فتنة الدجال وظهوره وعلاماته والمفاسد المنتشرة في هذا الزمن، فكان المستمعون لا يملكون إلا الثناء على أسلوب بيانه، وكان تبليغه ناجحا في معظم الأحيان. لقد آتانا الله تعالى آلاف الثمار في المنطقة الشمالية نتيجة جولاته التبليغية. كان يكثر من ذكر سفره إلى باكستان وكان يتحدث كثيرا عن أفضال الله تعالى. كان يقول: إن من أدلة صدق الأحمدية أن الله تعالى آتى حضرة المسيح الموعود عليه السلام في بلاد نائية سلطانا نصيرا يظلون مستعدين دائما للتضحية في هذا السبيل، وينعم الله تعالى عليهم ويؤيد بنصره مهديَّه الحبيبَ.
كان أسلوب بيان المرحوم بلغته المحلية “الجولا” أخّاذًا بوجه خاص. كان يقدم البرامج المباشرة على المذياع أيضا، وكانت برامج رائعة ومقبولة جدا.
غفر الله للمرحوم وتغمده بواسع رحمته ورفع درجاته، وألهمَ أولاده الصبر والسلوان، ووفقهم للعمل بالحسنات التي كان يعملها.
والجنازة الأخرى هي لميان غلام مصطفى القاطن في “ميرك” في محافظة “أَوكاره”، الذي توفي في 24 يونيو عن عمر يناهز 83 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان المرحوم أحمديا بالمولد. كان شديد الولع بالعبادة. كان مواظبًا على الصلوات الخمس جماعةً، وعلى صلاة التهجد. كان يؤذّن بنفسه لصلاة الفجر في المسجد، ويوقظ أهله جميعا لصلاة الفجر. وفّقه الله تعالى لصوم رمضان حتى آخر عمره. كان شديد الوله بالدعوة والتبليغ، وكان يبلغ رسالة الجماعة كل من يلقاه بطريق أو بآخر. كان دمث الأخلاق، كبير الصلاح ومخلصا جدا. كان يحب الخلافة حبًا كبيرا. كان يستمع لخطبات الجمعة ويوصي أولاده بالاستماع لها. كان سبّاقًا دائمًا في إكرام الضيوف القادمين من المركز وفي التضحيات المالية. لقد وفّقه الله تعالى للتبرع لحفر بئر للعطاشى في منطقة “تهرباركر”. ودفع في حياته كل ما عليه من تبرع الوصية. وفقه الله قبل بضع سنوات للتبرع ببيته للجماعة حيث بدأ يسكن في غرفة صغيرة في المسجد، ويسكن في بيته الآن داعية الجماعة. كان المرحوم منخرطا في نظام الوصية. ترك وراءه خمس بنات وثلاثة أبناء.
كان المرحوم والدًا للداعية غلام مرتضى الذي يخدم حاليا في بروندي، ولم يستطع حضور جنازة والده، وكان من قبل أيضا لم يستطع أن يذهب عند وفاة والدته، وقد تحمل كلتا الصدمتين بكامل الصبر والهمة. زاده الله صبرا وسلوانا ووفقه للوفاء بعهد وقف الحياة لخدمة الإسلام وفاء كاملا.
اثنان من أحفاد المرحوم من الدعاة وهما السيد قاسم مصطفى والسيد محمد سفير الدين، كما أن أحد أحفاده وهو السيد بلال أحمد أيضا قد نذر حياته وهو طبيب وسيذهب للخدمة في هذه السنة.
رحم الله المرحوم وغفر له ورفع درجاته.
إن الداعية السيد غلام مرتضى منهمك حاليا في نشر رسالة الله بين الناس بعيدًا عن الوطن، ولذلك لم يستطع حضور جنازة والده كما قلت، أسأل الله تعالى أن يلهمه الصبر والسلوان إزاء هذه الصدمة. سوف أصلي صلاة الغائب على الاثنين بعد صلاة الجمعة إن شاء الله.