خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 5/7/2109م

في ألمانيا بمناسبة الجلسة السنوية التي عُقدت في 5، 6، و7/ 2019م

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

هل يصِلُ صوتي إلى آخر القاعة؟ هل هناك ترتيبات لذلك؟ هل فحصتم؟

إن هذه الجلسة السنوية أيضا من أفضال الله ومننه العظيمة لكي نسعى فيها لرُقِيِّنا الروحاني والخُلُقي والعملي، ولكي نسعى للتقدم في مجال قرب الله وتقواه، ولكي نطهر قلوبنا بأداء حقوق بعضنا للبعض، ولكي نحاول أن نحقق الغاية التي من أجلها بدأ المسيح الموعود u هذه الجلسة السنوية، ولكي نُبَدِّلَ ما بين بعضنا من سخط وبُعد صلحًا وقربًا. إن كل هذه الأمور قد جعلها المسيح الموعود u من أهداف هذه الجلسة. إن عددا كبيرا من الأحمديين ينتظرون هذه الجلسة طوال السنة، وبمجرد أن تبدأ السنة الجديدة في التقويم يزداد انتظارهم وشوقهم هذا للجلسة السنوية.

الإخوة المقيمون في هذه البلاد منذ مدة ينتظرون عقد الجلسة، لكن ينتظرها بلهفة أكثر أولئك الذين أتوا من باكستان مؤخرا طالبين اللجوء هنا نتيجة ظروفهم، لأنهم لا يستطيعون عقد هذه الجلسات في باكستان بسبب الحظر المفروض عليهم جراء القانون هناك، ومنذ فترة طويلة لا علم لهم بماهية الجلسة السنوية، ومثل هؤلاء قد ازداد عددهم من المئات إلى الآلاف ولا يزال في ازدياد. كما يزداد باستمرار عدد الذين يحضرون من البلاد الأخرى إلى ألمانيا من أجل هذه الجلسة السنوية فقط، حيث يأتي الإخوة إلى ألمانيا لهذا الغرض بعدد لا بأس به.

أما في هذه السنة فقد حضر بعض الإخوة من البلاد الأفريقية أيضا.  ينتظر الإخوة هذه الجلسة بكل شوق ووله، ويجب أن ينتظروها، لكي يسعوا لتحقيق الغاية من عقدها، ومن لا يحمل هذا التفكير، ولا يحضر الجلسة بهذه النية فانتظاره لها عبث ولغو، ولا جدوى من حضوره إياها. فكل من يحضر الجلسة، ذكرًا كان أو أنثى، ينبغي أن يفحص نفسه دائما ويرى ما إذا كان يسعى للفوز برضا الله تعالى، أو قد حضرها بهذه النية على الأقل أم لا، وما إذا كان يسعى ليزداد تقوى ويحاول أداء حقوق الآخرين بالتحلِّي بالأخلاق الفاضلة، أو على الأقل قد جاء بهذه النية أم لا. وإذا كان لا يفعل ذلك فإن حضوره الجلسة عبث ولا فائدة ترجى من حضوره. لا شك أن أجواء الجلسة تؤثر، ولكن لسعي المرء دخل حتمًا في الانتفاع من هذه الأجواء، لذا فلا بد لنا من السعي لذلك لكي تتحقق لنا كل هذه الأمور ولكي نكون من الذين يحظون بأفضال الله تعالى، ولكي نرث الأدعية التي دعا بها المسيح الموعود u للذين يحضرون هذه الجلسة.

لقد تبرأ المسيح الموعود u من الذين لا يحضرون هذه الجلسة بهذه النية، ولا يصوغون أعمالهم بحسبها. لقد قال u: إني لا أحب أبدًا أن أجمع أتباعي من أجل الرياء والتباهى بين الناس فقط كما يفعل المشايخ أصحاب الزوايا المعاصرون، وإنما العلة الغائية التي ألجأتني إلى هذا الأمر هي إصلاح خلق الله.

فقد بين u صراحة أنه ليس هدفه من الجلسة جمع الناس من أجل الرياء والتباهي بينهم كما يفعل المتصوفة وأهل الزوايا بعقد المحافل والاجتماعات، بل الهدف الذي من أجله بدأت الجلسة إنما هو إصلاح خلق الله، لكي يؤدوا حقوق الله ويؤدي بعضهم حقوق بعض أيضا. ولم يتبرأ المسيح الموعود u من الذين لا يصلحون أنفسهم فقط، بل أبدى كراهيته لهم.

ما الفائدة ولو بلغ عدد الحضور هنا ثلاثين أو حتى أربعين ألفًا من القوم إن لم نحقق أمنية المسيح الموعود u، وكنا نربي حب الدنيا في قلوبنا، ولا يكون حب الله ورسوله غالبًا على حبنا للدنيا، ولا نعيش عاملين بأحكام الله ورسوله r، بل تبقى الدنيا نصب أعيينا حتى في هذه الأيام الثلاثة؟!

فینبغي أن يفكر الجميع في هذه الأمور. لقد انتهى شهر رمضان قبل أيام، وكان شهر الإصلاح والرقي الروحاني، وقد تيسرت فيه لكل مؤمن فرص كثيرة للعبادات الشخصية وللصيام ولذكر الله، والآن قد تيسر لكم معسكر ثلاثة أيام تتاح لكم فيه الفرص للترقي الديني والعملي، وتجدون فيه جوا ملائما للعبادات وذكر الله تعالى. هذه فرصة رائعة للاستفادة من كل هذه الأشياء معًا.

الجميع يركزون على العبادة معًا، ويصلون النوافل ويتهجدون. لا شك أنهم سيقومون في قلوبهم بالأدعية والذكر بألسنتهم بصفة شخصية أيضا، ولكن الجميع سيقومون بذكر الله معًا، فإن لم ننتفع من هذه الأجواء الآن فمتى سننتفع؟! هذه مسؤولية كبيرة ألقاها المسيح الموعود u على عاتق المؤمنين به، وعلق عليهم آمالا كبيرة. فهذا ليس بأمر هين. لن تستفيدوا من هذا الجو حق الاستفادة إلا إذا فتر حبُّكم للدنيا مقابل حب الله ورسوله. إن إعطاء المرء حب الدنيا أهمية ثانوية مقابل حب الله ورسوله لأمر عظيم. وهذا ما يجعل الإنسان مؤمنا حقيقيا، أي لا بد له من الاشتغال بأمور دنيوية أيضا بعد هذه الأيام الثلاثة للجلسة. ولكن لن تنفعكم التربية التي نلتموها في هذه الأيام ولن ينفعكم الاشتراك في الجلسة إلا إذا قدّمتم الدين على الدنيا على الرغم من مشاغلكم الدنيوية. ولا بد أن تجعلوا حب الدنيا فاترا في هذه الأيام بوجه خاص. نرى في أيام الجلسة أن هناك أسواقا مجهَّزة حيث تباع وتُشترى أشياء دنيوية. فعلى المشاركين في الجلسة وأصحاب المحلات إدراك أن التجوال في هذه الأسواق والشراء والبيع لجلب الربح في أثناء فعاليات الجلسة يندرج تحت المشاغل الدنيوية، فاجتنبوها. وينبغي على الزبائن وأصحاب المحلات أن يسمعوا الخطابات الملقاة في الجلسة بانتباه. وفي أوقات الاستراحة يحق لهم أن يزوروا الأسواق ولكن حتى في هذه الحال أيضا يجب أن يؤدوا حق الأسواق، ومنها إلقاء السلام على الآخرين، والاستمرار في ذكر الله تعالى وألا يزدحموا في المحلات ولا يتدافعوا. وينبغي على أصحاب المحلات أن يبيعوا بضاعتهم بربح مناسب ولا يكسبوا ربحا أكثر من المفروض استغلالا لاضطرار أحد، وليستمر الزبائن وأصحاب المحلات في ذكر الله في الأسواق كما قلت من قبل. ولو التزمنا بهذه الأمور في الظاهر لتغيرت حالة قلوبنا أيضا ونشأت فيها التقوى وحب الله تعالى.

يقول المسيح الموعود u موجها إيانا إلى الحسنات وإنشاء التقوى في القلوب:

لقد جعل الله تعالى الهدف من إنشاء هذه الجماعة أن يقيم مجددا المعرفة الحقيقة التي فُقدت من الدنيا ويعيد التقوى والطهارة الحقيقة التي لا توجد في هذا العصر.

ويقول u في موضع آخر ناصحا إيانا برفع مستوى التقوى:

يا من تحسبون أنفسكم من جماعتي، لن تُعدّوا من جماعتي في السماء ما لم تسلكوا دروب التقوى في الحقيقة. ثم يقول u لخلق عظمة الله وحبه في القلوب: رسِّخوا عظمة الله في القلوب ولا تقرّوا بعظمة الله باللسان فقط بل بالعمل أيضا لِيُنْـزِل الله تعالى عليكم فضله وإحسانه.

فهذه هي العبادات التي يجب أن نضعها نصب أعيننا في كل لحظة من أجل خلق التقوى فينا. إن كسب حسنة واحدة ليس من التقوى في شيء. بل يقول المسيح الموعود u أن كسب كافة الحسنات وأداء كافة حقوق الله وعباده هو التقوى الحقيقية. فلو فحصنا أنفسنا من هذا المنطلق سوف تتجلى أمامنا حالُنا تلقائيا. هناك بعض الناس الذين يحسنون صنعا في الخارج وفي أعمال الجماعة مثلا ولكن زوجاتهم وأولادهم يكونون متضايقين جدا منهم.

وبينما يؤدي بعضهم حقوق أهل البيت، يغفلون عن أداء حقوق الله وعن عبادته. أتلقى مثل هذه الشكاوى أيضا، إذ إن البعض يعبدون الله تعالى في الظاهر ولكنهم يغتصبون حقوق بعضهم البعض على المستوى الاجتماعي، والبعض يقومون بالحسنات أمام أهل الدنيا رياء فقط وينسون أن الله تعالى يعلم بنواياهم أيضا ويراهم في كل حال. لذا قال المسيح الموعود u أنَّ ثمة حاجة إلى تحسين حالتكم العملية من جميع النواحي لكي تُحسَبوا من جماعته وتنالوا حب الله تعالى وتحظوا بأفضاله وتفوزوا برحمة الله ومنته، وهذه الجلسات إنما تُعقد لهذا الغرض لكي تتوجهوا إلى الحسنات ولكي يوجّهكم الخطباءُ أيضا إلى ذلك في خطاباتهم، ولكي يُهَيَّأَ لكم جوٌّ ترون فيه جانبا من رضى الله تعالى في كل عمل لكم. ولتحقيق هذا الهدف قال المسيح الموعود u في مناسبة:

“اعلموا أن عباد الله الكمّل هم الذين قال عنهم: ]لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ[. عندما يُنشئ القلبُ علاقة صادقة وحبا صادقا مع الله تعالى فلا ينفصل عنه قط. يمكن فهم هذه الكيفية من أنه إذا كان لدى أحدكم ولدٌ مريض فحيثما يذهب ومهما كان مشغولا في عمل يبقى قلبه وانتباهه مشغولا بالولد، كذلك الذين يخلقون علاقة صادقة وحبا صادقا مع الله تعالى لا ينسون الله بحال من الأحوال.” (الحكم، مجلد8، رقم21، عدد24/ 6/1904م، ص1)

هذه هي الحال التي يريد المسيح الموعود u أن تنشأ فينا، وقد اجتمعنا هنا لكي نسعى لإنشاء هذه الحال، فينبغي أن يسعى كل واحد منا لذلك ويدعو الله تعالى أن يوفقنا لذلك، وحين نُنشئ فينا هذه الحال ونسعى لذلك سيذْكرنا الله تعالى كما قال I: ]فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ[. فما أسعدهم حظا أولئك الذين يذكرهم الله تعالى! وإنما يكرمهم الله تعالى بذلك لأنهم لم ينسوه في أعمالهم الدنيوية. وفي هذه الأيام ينبغي أن نسعى بوجه خاص للقيام بذكر الله تعالى ذكرا حقيقيا ليذكرنا الله أيضا ويكرمنا بأفضاله. فليسْعَ الوافدون إلى الجلسة والعاملون لأن يُرَطِّبوا ألسنتهم بذكر الله تعالى في هذه الأيام وينالوا قرب الله تعالى. أثمَّة شيء أعظم من أن يذكرنا الله تعالى؟! لذا ينبغي أن نسعى لذلك لأننا من دون ذلك لن نُعَدَّ من جماعة المسيح الموعود u في السماء، وينبغي أن تبعثَ فينا كلماتُ المسيح الموعود u هذه القلقَ من أننا لن نُعَدَّ من جماعته ما لم نسلك دروب التقوى حقا. لقد طُرد كثير منكم من قِبل أقاربهم فهاجرتم إلى هنا لأنكم كنتم تواجهون معارضة أعداء الجماعة بسبب قبولكم الأحمدية، ولأن قانون بلدكم فرض القيود على حريتكم الدينية ولكن بالرغم من ذلك كله وبالرغم من المعاناة، التي يواجهها الأحمديون في باكستان وفي بعض الدول الأخرى أو واجهها بعضكم، إذا لم تُحسبوا من جماعة المسيح الموعود u بسبب تقصيراتكم العملية ولم تُعَدّوا من أولئك المحظوظين الذين يذكرهم الله تعالى، فهل من خسارة أكبر من ذلك؟!

إذًا يجب أن تدعوا الله تعالى كثيرا في هذه الأيام، وينبغي أن ندعو بأن لا نُحسَب من الذين لا يرضى عنهم الله تعالى بل من الذين يذكرهم الله تعالى، وأن نوطد علاقتنا بالله تعالى ونزيل ظلمات قلوبنا. عليكم أن تذكروا الله تعالى أثناء مجريات الجلسة كما في الفواصل وفي الليل أيضا وأن تدعوه إضافة إلى ذلك بكل عزيمة أن يا رب، إننا حضرنا بحسن النية الجلسةَ، التي بدأها مسيحُك والتي بدأتْ بتأييدك الخاص وعِلمك، وإننا قد حضرناها لنيل رضاك ولنزداد ذكرا لك وللفوز بحبك، فمَتِّعْنا بجميع البركات التي جعلتها منوطة بهذه الجلسة، وأَحْدِثْ فينا التغيرات الحسنة التي تريدها والتي من أجلها بعثتَ الخادم الصادق للرسول r في هذا الزمن، لكي نكون من المبايعين الصادقين حقا. فحين نقضي هذه الأيام مستعينين بالله ومستغفرين ومصلين على النبي r ومخلصين لله تعالى فسوف ترتفع مستويات عباداتنا وسنكون من الذين يؤدّون حقوق خلق الله نتيجة ارتباطنا به تعالى.

لقد ذكر المسيح الموعود u من بين أهداف الجلسة أن يزداد أفراد الجماعة تودُّدًا وتعارفًا. فحيث تنشأ بينكم وبين الأحمديين الجدد علاقة الحب والتعارف بسبب الأحمدية كذلك من الضروري أن تزداد علاقاتكم القديمة قوة. إن الله يُكرم كثيرا الذي يحب أخاه لوجهه تعالى، لذا ينبغي أن تجعلوا هذه الأيام وسيلة لإزالة الخلافات، لا أن تأتوا هنا ثم لو تلاقى الذين يكنون الخلافات فيما بينهم ثاروا غضبا وازدادوا خلافا وكراهية لبعضهم البعض، وأفسدوا بذلك جوَّ الجلسة وأصبحوا مورد غضب الله تعالى ولعنتِه بدلا من أن يصبحوا ممن يفوزون بأفضاله تعالى.

لقد حسب المسيح الموعود u الجلسة السنوية من شعائر الله تعالى، فالذين يسيؤون إلى قدسية شعائر الله تعالى يأتون تحت طائلة غضب الله تعالى. إنه لمقام الخوف الكبير. فالذين يكنون الخلافات عليهم أن يتقدموا للتصالح فورا ويخلقوا جوّا يخلو من أن يتقيدوا بقوقعة الأنانية ويحترقوا بنار الحسد بل يفشوا السلام والصلح في المحيط. وقول النبي r أن المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، ينبغي أن تضعوه نصب أعينكم دوما، وينبغي أن نستعرض دوما ما إذا كان هذا القول ينطبق على حالتنا العملية؟ وهل نستطيع أن نجزم أننا نعمل به مائة بالمائة؟ إذا كان الأمر كذلك وإذا كان كل واحد منكم كذلك فيجب ألا تأتي أية قضية إلى دار القضاء ولا تُرفعَ القضايا في محاكم البلد لاستعادة الحقوق. وإنني مضطر إلى القول بأسف شديد أن بعض الناس يحضرون الجلسة وحتى في هذا الجو الروحاني للجلسة يبدؤون في الشجار والقتال على أتفه الأمور بسبب عنادهم وخلافاتهم القديمة، وفي بعض الأحيان اضطُررنا إلى أن ندعو الشرطة أيضا. أهذا هو شأن المؤمن؟! أَوَهذه هي أعمال جماعة المسيح الموعود u؟! كلا، سواء طردهم نظام الجماعة من الجماعة أم لا، فإنهم بسبب أعمالهم يخرجون من الجماعة في نظر الله تعالى، وبحسب قول المسيح الموعود u إنهم ليسوا من جماعته في السماء. لذا عليكم أن تحاسبوا أنفسكم وينبغي ألا تكون الازدواجية في أعمالكم وأن تزيلوا كدورة قلوبكم وتسلكوا طريق العفو والتسامح والصلح لنيل رضى الله تعالى، وتخبروا العالم أنه بعد مبايعتكم للمسيح الموعود u قد حدث انقلاب في حالتكم الروحانية والأخلاقية.

كذلك يجب على المسؤولين والعاملين على ترتيبات الجلسة أن ينتبهوا بوجه خاص إلى أن يكون مستوى أخلاقهم عاليا جدا. وإذا كان هناك شيء من قبيل النـزاع أو السخط بينهم فعليهم أن يتسابقوا في أجواء الجلسة إلى الصلح وتصفية ما كدر بينهم بدلا من التفكير في الانتقام. كل من يحضر الجلسة إنما هو ضيف كريم، ويتحتم على كل مسؤول وعامل أن يزيل السخط الشخصي ويُبدي سعة الآفاق وحسنَ الضيافة. ومن واجب المسؤولين بوجه خاص أن يتحلّوا بصفة التحمل والجلَد كما عليهم أن يحسبوا أنفسهم خداما، أما أفراد الجماعة العاديون فعليهم أن يحسبوا المسؤولين ممثلي الجماعة. ففي هذه الحال فقط يمكن أن تزول النـزاعات والتوتر بين أفراد الجماعة. ولكنني أقول بكل أسف أن بعض المسؤولين هنا لم يؤدوا حق مناصبهم. لا أقول هذا بشأن العمل في ترتيبات الجلسة بل هناك بعض من حسبوا المنصب في الجماعة كمناصب دنيوية بدلا من أن يحسبوها فضلا من الله، ولهذا السبب اضطررت إلى عزل بعضهم من مناصبهم. فإذا كان مثل هؤلاء الناس موجودين في هذه الجلسة فعليهم أن يكثروا من عبادة الله وذكره ويزدادوا تواضعا وخضوعا أمام الله تعالى سالكين دروب التواضع ولا يكِنّوا في قلوبهم فتورا تجاه نظام الجماعة. إذا كان القرار المأخوذ بشأنهم غير صائب فالله تعالى يعلم كل شيء، وهو عالم الغيب أيضا وإذا خضع الإنسان أمامه بالتواضع فهو يقبل أدعيته ويُخرجه من المشاكل.

يجب أن تتذكروا دائما أن المنصب ليس هو الأصل بل الأصل هو أن يؤدي المرء حق بيعته سواء أكان يشغل منصبا أو كان فردا عاديا في الجماعة. يقول المسيح الموعود u بشأن أداء هذا الحق:

“يا مَن كنتم من جماعتي، كان الله معكم، وأعَدَّكم القادر الكريم لسفر الآخرة كما أُعِدَّ أصحابُ النبي الأكرم r. اعلموا جيدا أن الدنيا ليست بشيء، وملعونة تلك الحياة التي هي من أجل الدنيا فقط، وشقيٌّ ذلك الشخص الذي يكون كل همه وغمه من أجلها. إن شخصا كهذا ليس من جماعتي قط، وإنما ينسب نفسه إليها عبثا، فهو كغصن جاف لن يثمر.

أيها السعداء، انكبّوا على التعليم الذي أُعطِيته من أجل نجاتكم، آمِنوا بالله واحدا لا شريك له ولا تشركوا به شيئا لا في السماء ولا في الأرض. لا يمنعكم الله من الأخذ بالأسباب، ولكنه مشرك مَن يهجر الله تعالى ويعتمد على الأسباب فقط. لقد قال الله تعالى منذ القِدم أنْ لا نجاة دون صفاء القلب، فكونوا أصفياء القلوب وتخلَّوا عن الضغائن والغضب. في نفس الإنسان الأمارة أنواع عدة من النجاسة وأسوأها نجاسة الكِبْر. لولا الكِبْر لما بقي أحد كافرا، فكونوا متواضعين، وواسُوا بني البشر بشكل عام. إنكم تعظونهم للفوز بالجنة، ولكن كيف تكون موعظتكم في محلها ما لم تكونوا لهم من الناصحين في هذه الدنيا الفانية. اعملوا بفرائض الله بخشية قلبية، لأنكم ستُسألون عنها. أكثروا من الدعاء في الصلوات ليجذبكم الله إليه ويطهِّر قلوبكم، لأن الإنسان ضعيف، ولا يمكن أن يتخلص من أية سيئة إلا بقوة من الله تعالى، وما لم ينل الإنسان قوةً من الله، فلا يقدر على التخلص من السيئة. ليس المراد من الإسلام أن يُقال عن أحدٍ أنه ينطق بكلمة الشهادة عادةً فقط، بل حقيقة الإسلام أن تخِرَّ أرواحكم على عتبة الله تعالى، وأن تقدموه I وأوامره على دنياكم في كل أمر”.

إذًا، هذا هو المعيار الذي يجب على كل واحد منا أن يحققه، سواء أكان يحتل منصبا أو كان عاملا أو فردا عاديا من أفراد الجماعة. لقد أطلق المسيح الموعود u كلمة “السعداء” علينا جميعا نحن الذين بايعيناه وانضممنا إلى جماعته u بفضل الله تعالى. فكل واحد من الجالسين أمامي سعيد عند الله، لذلك وفقكم للإيمان بالمسيح الموعود u، فقد آمنتم به مظهرين هذه السعادة. ولكن هذه خطوة أولى وليست القمة لأنه لا بد لبلوغ القمة من العمل بتعليم أُعطيه المسيح الموعود u. علينا ألا ننسى الله تعالى في حال اشتغالنا في أمور الدنيا وأعمالها كما قلت من قبل. إن الله تعالى لا يمنع الأعمال الدنيوية، إذ لا بد من القيام بها أيضا، بل ينهى عن أن يصبح الإنسان راهبا وينقطع عن الدنيا ويعيش عيشا منقطعا عن العالم، لأن القيام بأعمال دنيوية أيضا ضروري لبقاء الإنسان في الدنيا. وما ينهى الله عنه هو أن يقدم المرءُ الدنيا على الدين. لذا يجب أن يكون الدين مقدَّما على الدنيا في كل الأحوال. يجب على كل أحمدي أن يتذكر أن وراء وجهه وجهَ الأحمدية ووجهَ المسيح الموعود u ووجهَ الإسلام، فعليه أن يحافظ على هذه الوجوه. والذين وفقهم الله تعالى لخدمة الدين وأعطاهم فرصة للخدمة، عليهم أن يؤدوا هذه المسؤولية على خير ما يرام. ويجب أن يجعلوا قول المسيح الموعود u نصب أعينهم دائما حيث يقول u: عليكم ألا تسيؤوا إلى سمعتي بعد بيعتي. فلا يظننّ أحد أن هذا الأمر موجَّه إلى المسؤولين فقط والآخرون مستثنون منه، بل على كل فرد من أفراد الجماعة أن يضع هذا الأمر في باله دائما.

وقد وجّه المسيح الموعود u هذا الكلام إلى كل مَن بايعه، لذا يجب ألا يكون هناك تعارض بين قولنا وفعلنا وإلا سيكون ادعاء البيعة كلاما فارغا فحسب، ولن يكون حضور الجلسة إلا عملا دنيويا فقط.

أقدم لكم الآن دعاء للمسيح الموعود u الذي يتبين منه مدى الألم الذي كان يكّنه للمؤمنين به. فيقول u:

“أدعو الله تعالى وسأواظب عليه إلى أنفاسي الأخيرة أن يُطهِّر قلوب أبناء جماعتي، ويمدّ إليهم يد رحمته ويصرف قلوبهم إليه، وينـزع منها كل أنواع الشر والحقد، ويهب لهم الحب المتبادل الصادق. وإنني على يقين أن دعائي هذا سيستجاب يوما بإذن الله، وأن الله لن يضيِّع أدعيتي”.

يجب علينا أن ندعو الله تعالى أن يتحقق هذا الدعاء بحقنا وبحق أجيالنا، وأن تظل أجيالنا تستفيد من بركة هذا الدعاء. كذلك علينا أن نسعى عمليا أيضا لتحقيق دعاء المسيح الموعود u هذا. وعلينا أن نسعى جاهدين لتحسين حالنا وندعو بهذا الدعاء من الأعماق. وفقنا الله تعالى لذلك.

وفي الجزء التالي لهذا الدعاء دعاء آخر للمسيح الموعود u ويجب أن ندعو الله تعالى ألا يتحقق هذا الجزء من الدعاء بحقنا، وهذا الدعاء هو كما يلي: “وأدعو أيضا أنه إذا كان في جماعتي شقيّ أزلي بحسب علم الله ومشيئته، لم يقدَّر له أن ينال الطهارة وخشية الله الصادقة فاصرفه ياربِّ عني كانصرافه عنك، وآتِني عوضا عنه من كان قلبه ليّنا وروحه تبحث عنك.”

ندعو الله تعالى أن ينقذنا من هذه الحال وألا ننحرف عن الله ورسوله، ويوفقنا للحفاظ على إيماننا ويزيدنا إيمانا دائما، ونتمتع دائما بالأدعية التي دعاها المسيح الموعود u بحق المؤمنين به.

استمروا في الدعاء أن تكون الجلسة مباركة وأن يحميها الله تعالى من كل شر ومكروه. وعليكم أن تكونوا حذرين ومتيقظين بوجه خاص في هذه الأيام، وادعوا أن ينقذنا الله تعالى من شر كل شرير وحسد كل حاسد.

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز