خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 19/7/2019
في مسجد بيت الفتوح بلندن
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
سوف أتحدث اليوم أيضا عن الصحابة البدريين، وأول من أذكره اليوم هو الصحابي عامر بن سلمة. كان يدعى أيضا عمرو بن سلمة. كان من قبلية بلي التي هي فرع من قضاعة القبيلة العربية العريقة، وكان موطنها اليمن، وبسبب هذه النسبة كان هذا الصحابي يدعى عامر بن سلمة البلوي. كان عامر t من حلفاء الأنصار. له شرف حضور غزوتي بدر وأحد.
والصحابي الآخر الذي أذكره اليوم هو عبد الله بن سراقة. كان من قريش من بني عدي التي هي قبيلة سيدنا عمر بن الخطاب t. يتصل نسبه بسيدنا عمر عن طريق جد يدعى رياحا بعد خمسة أجيال، وبرسول الله r عن طريق جد يدعى كعبا بعد عشرة أجيال. يدعى والد سراقة بابن المعتمر، وأمه هي أمة بنت عبد الله، وأخته زينت وأخوه عمرو بن سراقة، وزوجته أُميمة بنت الحارث، وكان له منها ولد اسمه عبد الله.
يرى معظم كتّاب السِيَر أن عبد الله بن سراقة شهد بدرًا، ولكن البعض يقول أنه لم يشهدها، بل شهد أُحدًا وما بعدها من المعارك. على كل حال، إن الأكثرية ترى أن عبد الله وأخاه عمرو بن سراقة قد شهدا غزوة بدر. وكان من ذريته عمرو بن عبد الله (ويدعى عثمان بن عبد الله أيضا) وأيوب بن عبد الرحمن.
وروى عبد الله بن أبي بكر أن عبد الله بن سراقة هاجر مع أخيه عمرو من مكة إلى المدينة، وكلاهما نزل على رفاعة بن عبد المنذر. توفي عبد الله بن سراقة في خلافة سيدنا عثمان في العام 35 من الهجرة.
وروي عن عبد الله بن سراقة أن النبي r قال: “تَسَحّروا لو بالماء”، أي يجب على الصائم أن يتناول شيئا وقت السحور ولو كان ماء.
والصحابي التالي ذكره هو حضرة مالك بن أبي خولي. كان من بني عجل الذين كانوا حلفاء بني عدي بن كعب التي كانت فرعًا من قريش. كان اسم والده عمر بن زهير، ويكني بأبي خولي. ويروى أن اسم مالك هو هلال. عندما هاجر سيدنا عمر t إلى المدينة هاجر معه أفراد عائلته الآخرون، ومنهم مالك وأخوه خولي.
حضر مالك مع أخيه عبد الله بدرا، وفي رواية أن خولي شهد بدرًا مع أخويه هلال (أي مالك) وعبد الله. توفي مالك بن أبي خولي في عهد خلافة سيدنا عثمان.
والصحابي الذي أذكره بعد ذلك هو واقد بن عبد الله t. أبوه عبد الله بن عبد مناف، وكان من بني تميم. كان واقد من حلفاء الخطاب بن نفيل، وفي رواية أنه كان من حلفاء بني عدي بن كعب من قريش. وتذكر كتب التاريخ والسيرة أن واقدا كان من بين قوم أسلموا بجهود سيدنا أبي بكر t. أسلم واقد قبل دخول النبي r في دار الأرقم.
لقد سبق أن ذكرت شيئا عن دار الأرقم، وأذكر هنا بإيجاز أن النبي r لما فكر في أن يكون في مكة مركز للمسلمين يجتمعون فيه للصلاة وتتم فيه أمور التربية والإرشاد ونشر دعوة الإسلام بحرية وبهدوء على يد النبي r، فكان هناك حاجة إلى مكان يكون مركزا للمسلمين، فأعجبَه بيتُ أحد المسلمين الحديثي الإسلام هو الأرقم بن الأرقم. وكان يقع بيته في سفح جبل الصفا. فصار مكانَ اجتماع المسلمين وصلواتهم وفيه كان النبي r يدعو من يأتيه باحثا عن الحق، فذاع صيت هذا البيت في التاريخ وصار شهيرا بدار الإسلام.
أقام النبي r في دار الأرقم قرابة ثلاث سنوات، أي اتخذه النبي r مركزا للإسلام في العام الرابع من النبوة وظل يقوم فيه بنشاطه الدعوي والتربوي حتى العام السادس من النبوة. كتب المؤرخون أن آخر من أسلم في دار الأرقم هو سيدنا عمر حيث نال المسلمون القوة بإسلامه فخرجوا من دار الأرقم وقاموا بالدعوة علنا.
لما هاجر سيدنا عمر t إلى المدينة كان واقدا بين أفراد أسرته الذين هاجروا معه. نزل واقد على رفاعة بن عبد المنذر بعد الوصول إلى المدينة، حيث آخى النبي r بينه وبين بشر بن البراء.
حضر واقد t بدرًا وأحدًا والخندق وسائر الغزوات مع النبي r. كان واقد ضمن السرية التي بعثها النبي r تحت قيادة عبد الله بن جحش. قُتل في هذه السرية شخص من الكفار اسمه عمرو بن الحضرمي وقد قتله واقد. كان هذا أول مشرك قُتل في الإسلام، وكان واقد أول مسلم قتل مشركا في الحرب. لقد سبق أن ذكرت تفاصيل سرية عبد الله بن جحش. توفي واقد t في بداية خلافة سيدنا عمر.
والصحابي التالي ذكره هو نصر بن الحارث t. كان أنصاريًا من بني عبد بن رِزَاح من الأوس. ويقال اسمه أيضا نُمير بن الحارث. كنيته أبو الحارث. والده الحارث بن عبد، وأمه سودة بنت سواد. كان لنصر بن الحارث شرف حضور غزوة بدر. وكان والده أيضا من صحابة النبي r. استُشهد نصر بن الحارث في معركة القادسية.
والقادسية كان موقعًا للفرس وكان يقع في العراق الحالي على بعد 45 ميلا من الكوفة الحالية. دارت في القادسية حرب حاسمة بين المسلمين والفرس في عهد سيدنا عمر في العام 14 الهجري، أدت إلى سقوط الإمبراطورية الإيرانية في أيدي المسلمين.
والصحابي الذي أذكره بعد ذلك هو مالك بن عمرو t. كان من بني حجر من قبيلة بني سليم، وكانوا حلفاء بني عبد شمس. اسم والده عمرو بن سميد. حضرَ مالك غزوةَ بدر مع أخويه ثقف بن عمرو ومدلج بن عمرو. شهد مالك غزوة أحد وسائر الغزوات مع النبي r، واستُشهد في حرب اليمامة في السنة 12 من الهجرة.
والصحابي التالي ذكره هو النعمان بن عصر t. كان من الأنصار من بني بَلِيّ الذين كانوا حلفاء بني معاوية. وكان يسمى لقيط بني عصر أيضا. كما كان يدعى النعمان البلوي. حضر النعمان بن عصر بيعتي العقبة الأولى والثانية، وشهد بدرًا وسائر الغزوات مع النبي r. استُشهد في حرب اليمامة، ويقال أن النعمان قد قتله طليحة في الحرب التي دارت ضد أصحاب الردة بعد وفاة النبي r.
الصحابي البدري الآخر هو عويم بن ساعدة t وهو من بني عمرو بن عوف أحد بطون قبيلة الأوس. شهد بيعة العقبة الأولى والثانية. وبحسب ما ورد في سيرة خاتم النبيين قد آمن بالنبي r ستة أنفار من أنصار المدينة قبل بيعة العقبة الأولى وفي بعض الروايات كان عددهم ثمانية، وكان عويم بن ساعدة أحدهم. وورد في الطبقات الكبرى: آخى رسول الله r بين عويم بن ساعدة وبين عمر بن الخطاب، وفي رواية أخرى: آخى بين عويم بن ساعدة وبين حاطب بن أبي بلتعة.
وعن عبد الله بن الزبير أنه سمع رسول الله r يقول عن عويم: نعم العبد من عباد الله والرجل من أهل الجنة. وفي رواية أنه لما نزلت ] فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ[ قال رسول الله r: عويم بن ساعدة نعم العبد لأنه منهم.
شهد عويم بن ساعدة مع رسول الله r بدرًا وأُحدًا والخندق والغزوات كلها.
وعن عاصم بن سويد أنه سمع ابنة عويم بن ساعدة تقول: إن عمر بن الخطاب وقف على قبر أبيها فقال: “لا يستطيع أحد من أهل الأرض أن يقول أنه خير من صاحب هذا القبر، ما نصب رسول الله r راية إلا وعويم تحت ظلها.”
ورد في رواية أنه في الجاهلية قتل سويد -والد الحارث- زيادًا أبا المجذّر، ثم تمكّن يومًا المجذّرُ، أي ابن المقتول، من سويد فقتله ثأرًا لوالده. ولقد حدثت الواقعتان كلتاهما قبل الإسلام وكانتا سببا لاندلاع حرب بعاث بين الأوس والخزرج. فلما جاء رسول الله r المدينة أسلم الطرفان أي الحارث بن سويد والمجذر بن زياد، وشهدا بدرًا.
وورد في رواية ولا نعرف مدى مصداقيتها أن الحارث بن سويد حتى بعد إسلامه كان يتحين الفرص لقتل المجذر ثأرًا لوالده إلا أنه لم يجدها. فلما حدثت الفوضى يوم أُحد ورجعت قريش وشنت هجمة على المسلمين وثب الحارث بن سويد على المجذر وضرب عنقه غدرًا، وفي رواية قتل الحارث بن سويد قيس بن زيد أيضا في ذلك اليوم. فلما رجع النبي r من غزوة حمراء الأسد أتاه جبريل u فأخبره بأن الحارث بن سويد في قباء، وقد قتل المجذرَ بن زيد غدرا، فانهض إليه واقتص منه بالمجذر بن زيد. فنهض رسول الله r إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه وهو شدة الحر في يوم حار، فخرج إليه الأنصار من أهل قباء y ومنهم الحارث بن سويد وعليه ثوب مورّس أو ثوبان مضرّجان. فأمر رسول الله r عويمر بن ساعدة بضرب عنقه، فقتله عند باب المسجد.
لقد ورد في السيرة الحلبية اسم هذا الصحابي عويم الذي نحن بصدد ذكره “عويمر” في حين أنه ورد في طبقات ابن سعد وفي الكتب الأخرى عويم بن ساعدة. على أية حال لقد أمر النبي r بقتل الحارث اقتصاصًا منه لأنه قتل مسلما خداعًا وكلاهما كانا مسلمين، ولكن القاتل تلقى جزاء مماثلا لما فعله. وورد في رواية أخرى أن النبي r أمر عثمان بن عفان بقتله، وورد في رواية أن الحارث قال: والله قتلتُه: أي المجذر، وما كان قتلي إياه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه، ولكن حمية من الشيطان، وإني أتوب إلى الله ورسولِه مما عملت، وأُخرج ديته، وأصوم شهرين متتابعين، وأعتق رقبة، فلم يقبل منه النبي r ذلك ونفّذ فيه عقوبة القتل.
هناك رواية عن أبي عمر في السيرة الحلبية أن عويمًا مات في حياة النبي r. وقيل توفي عويم بن ساعدة في خلافة عمر وهو ابن خمس وستين سنة .
والصحابي البدري الآخر هو النعمان بن سنان، وهو كان ينتمي إلى بني النعمان من الخزرج قبيلة الأنصار. كتب ابن هشام أنه كان مولى لبني النعمان بينما اعتبره ابن سعد مولى لبني عبيد بن عدي. شهد بدرًا وأُحدًا.
ثم هناك صحابي آخر اسمه عنترة مولى سليم بن عمرو. وهو عنترة السلمي ثم الذكواني، حليف لبني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، بطن من الأنصار. شهد بدرًا وأحدًا وقتل يوم أَحد شهيدًا، قتله نوفل بن معاوية الدِّيلي. وقيل أنه استشهد في يوم صفين في خلافة علي t عام 37 للهجرة.
الصحابي الآخر هو النعمان بن عبد عمرو وهو من بني دينار بن النّجّار بطن من الأنصار من الخزرج، والده عبد عمرو بن مسعود ووالدته السميراء بنت قيس. شهد بَدْرًا وأُحدًا. وشهد بدرا مع أخيه الضّحّاك بن عبد عمرو، وقُتِل النّعمان بن عبد عمرو يوم أُحُدٍ شهيدًا.
وكان للنعمان والضحاك أخا ثالثا أيضا اسمه قطبة، وهو الآخر حظي بشرف الصحبة مع رسول الله r وقد استشهد في وقعة بئر معونة.
عن سعد بن أبي وقاص، قال: مر رسول r بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله r بأحد، أي استشهدوا كلهم، فلما نعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله r؟ قالوا: خيرا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؟ قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل!
وفي رواية ذكر استشهاد ابنها أيضا. عن أنس بن مالك قال: “لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة، أي لما حدثت الفوضى بينهم، وأشيع أنه قتل محمد r، حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار متحزمة، فاستقبلت بابنها وأبيها وزوجها وأخيها، لا أدري أيهم استقبلت به أولا، فلما مرت على آخرهم قالت: من هذا؟ قالوا: أخوك، زوجك، ابنك، تقول: ما فعل رسول الله r؟ يقولون: أمامك، فمشت حتى وصلت إلى رسول الله r، فأخذت بناحية ثوبه، ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذ سلمتَ من عطب. قيل أنها كانت السميراء بنت قيس والدة النعمان بن عبد عمرو.
لقد ذكر المصلح الموعود t هذا الحادث ذات مرة وقال: إن أمثلة هذه الشجاعة ملحوظة في سِيَر الصحابة بكثرة بينما يمكن أن يلاحَظ مثالٌ أو مثالان فقط من هذا القبيل في بلايين الناس الماديين وفي مئات البلاد، ولكن تلاحَظ مئات الأمثلة في بضعة آلاف من الصحابة y. ما أعظمه من مثال يتعلق بسيدة! وقد سردتُه مرارا من قبل. (أقول: قد ذكرتُه أنا أيضا أكثر من مرة وهو يستحق أن يُحْيَا ذكره في كل مجلس)
يتابع المصلح الموعود t ويقول: هناك بعض الأحداث التي لا تفقد متعتها على الرغم من ذكرها مرارا، ومنها حادث سيدة سمعتْ يوم أُحد في المدينة أن النبي r قُتل. فخرجت من المدينة مذعورة مع سيدات أخريات وحين رأت أول فارس راجعا من ميدان أُحد سألته: كيف حال رسول الله r؟ قال: لقد قُتل زوجك. قالت: لقد سألتك عن رسول الله r وأنت تخبرني عن زوجي!! قال الفارس: لقد قُتل والدك أيضا. فقالت: أسألك عن رسول الله r وتخبرني عن والدي! أخبرني عن رسول الله r. قال: لقد قُتل أخواك أيضا. أعادت السيدة الجملة نفسها ثم قالت: أَجبْ على سؤالي فورا، لا أسألك عن أقاربي بل أسألك عن النبي r. لما كان الصحابي مطمئنا ويعرف أن النبي r بخير فظن أن الأهم لهذه السيدة هو أن تُخبَر بموت أقاربها. ولكن الأهم والأحب عندها كان شخص النبي r، فقالت للصحابي بشيء من الزجر والتوبيخ: أجبْ على سؤالي. فقال: نعم، إن رسول الله r بخير. فقالت عند سماع هذا الخبر ما معناه: إذا كان رسول الله r حيًّا فليُقتل من يشاء فلا يهمّني أحد سواه r. من الواضح أنه لا أهمية لمثال هذه السيدة العجوز أمام المثال الذي يعترف به الصحفي بنفسه (لعله ذكر حادثا من النوع نفسه) إذ كانت المرأة تبكي سرا دون الجهر. ثم يقول المصلح الموعود t أن هذا الحادث الأخير لا يماثل حادث تلك الصحابية المذكورة آنفا لأنها ما كانت تكتم حزنها وبكاءها، كانت فرحة بأن النبي r ما زال حيا يُرزق وبخير. أما المرأة الأخرى التي ذكرها المصلح الموعود t في حادث آخر أو ذكرتها الجرائد في تلك الأيام، كان قلبها متأثرا بصدمة الحزن حتما وإن كانت قد كتمته. أما الصحابية المذكورة فلم تكن حزينة قط. وهذا مثال عظيم وفريد من نوعه لا يمكن لتاريخ العالم أن يأتي بنظيره. قولوا الآن، إن لم يُذكر هؤلاء الناس بـ ] فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ[ فأي قوم كان يستحق أن يقال عنهم هذا الكلام؟
يتابع سيدنا المصلح الموعود t: عندما أقرأ هذا الحادث عن الصحابية المذكورة يمتلئ قلبي أدبا واحتراما لها، وأتمنى أن أمسَّ بيديَّ تبركا تلك السيدة المقدسة ثم أمسح بهما عينيّ لأنها تركت ذكرى عديمة النظير عن حبها تجاه حبيبي.
ثم يقول t في مكان آخر في بيان الحب والعشق نفسه: انظروا كم كانت هذه السيدة تحب النبي r! إذ قد أُخبرت بقتل أقاربها واحدا بعد الآخر ولكنها ظلت تقول كل مرة: أخبروني عن رسول الله r. إذًا، قد أبدت هذه السيدة هذا القدر من الحب لرسول الله r.
وقال المصلح الموعود t في موضع آخر عن الموضوع نفسه: الآن افحصوا أنفسكم من هذا المنطلق. لا بد أن يكون كل واحد منكم شاهد أحدا يموت من أقاربه، فهناك من يكون شهد أمّه ميتة أو أباه أو أخاه أو أخته، فتذكروا مشهدا وفكّروا كيف تكون حالة من يموت أقاربهم بين أيديهم الذين طبخوا أفضل الأطعمة لهم في البيوت وأطعموهم وخدموهم، وكيف تقوم القيامة في البيت على إثر موته، لا يفكرون في شيء إلا في موت هذا القريب لهم. ولكن النبي r خلق في قلوب أصحابه حبا له بحيث لم يبالوا بشيء سواه r. وكان السبب وراء هذا الحب أنه r حبيب الله. فإذا كانوا يحبون النبي r فلم يكن سببه أنه “محمد” بل كان السبب وراءه أنه رسول الله. الحقيقة أن هؤلاء الناس كانوا يعشقون الله تعالى، ولأن الله تعالى يحب محمدا رسول الله لذا كان أصحابه يحبونه. ولم يكن الرجال فقط يحبونه بل انظروا إلى النساء أيضا كيف كانت قلوبهن عامرة بحبه وعشقه r. الحق أن هذا الحب للنبي r قد خلقه الله تعالى في قلوبهم، ومع ذلك كانوا يقدمّون الله تعالى على كل شيء. وهذا هو التوحيد الذي جعلهم غالبين في كل مكان في العالم. فما كانوا يبالون مقابل الله تعالى بآبائهم ولا بإخوتهم أو أخواتهم أو أزواجهم، بل كان أمامهم شيء واحد وهو أن يرضي بهم ربهم. لذلك قال الله تعالى بحقهم: ]رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ[. لقد قدّموا الله تعالى على كل شيء، فقدّمهم اللهُ. ولكن لم تعد حالة المسلمين فيما بعد على المنوال نفسه حتى إنهم إذا كانوا على علاقة بالله تعالى اليوم فهي علاقة ذهنية فقط، أي أن في ذهنهم أنهم يؤمنون بالله تعالى ويؤمنون بوحدانيته، ولكن ليس ذلك في قلوبهم. وإذا ذُكر النبي r أمامهم تهتز أوتار الحب في قلوبهم، كذلك تهتز هذه الأوتار على ذكر أقارب النبي r. يتحمس الشيعة وأهل السنة أيضا عند ذكر النبي r وذكر آل بيته. ولكن لا تهتز أوتار قلوب المسلمين عند ذكر الله تعالى مع أنه I هو الذي أعطاهم هذه النعمة أي النبيَّ r.
إذًا، يجب أن تحدث في قلوبنا نتيحة حب الله تعالى وذكره هزة مماثلة لأن التقدم الحقيقي سيحصل نتيجة حب الله تعالى والثبوت على التوحيد فقط.
إذًا، هذا هو المبدأ الحقيقي الذي يجب أن يتذكره كل واحد منا. ندعو الله تعالى أن يوفقنا لإنشاء الحب الحقيقي لله ولرسوله، ويوفقنا لفهم هذا الحب على وجه الحقيقة.
والآن سأذكر بعض المرحومين الذين سأصلي عليهم بعد صلاة الجمعة. الذكر الأول هو للمرحوم مودود أحمد خان- أمير الجماعة الأسبق في كراتشي- ابن نواب مسعود أحمد خان. وقد توفّي في 4 يوليو عن عمر يناهز 78 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد وُلد المرحوم في قاديان في 12/4/19041م في بيت السيد نواب مسعود أحمد خان والسيدة طيبة صديقة، وكان حفيد السيدة نواب مباركه بيغم والسيد نواب محمد علي من ناحية الأب، وحفيد الدكتور مير محمد إسماعيل من ناحية الأم.
لقد حاز المرحوم شهادة المحاماة من جامعة البنجاب ومارس المحاماة لبعض الوقت مع المرحوم شيخ محمد أحمد مظهر. ثم التحق بشركة معروفة في المحاماة اسمها “اروغانم” وانتقل إلى دكّا، وعمل هناك مع هذه الشركة إلى 52 عاما، بل كان شريكا رئيسيا لها. وكان يُعَدّ من كبار محامي الشركات في باكستان. وكان ماهرا في قوانين التجارة العالمية والخدمات المصرفية وقوانين الشركات. وكان معروفا جدا في هذا المجال. وقد صاغ بعض القوانين المتعلقة بالشركات في باكستان. لقد عرضت عليه الشركات الكبيرة إدارتها ولكنه رفض هذا العرض دائما وكان يقول: إن أصحاب مثل هذه المناصب يُتَّهمون عادة بالفساد، حتى وإن لم يكونوا فاسدين بأنفسهم فإنهم يُتّهَمون بسبب أفعال زملائهم، وهذا الأمر يمكن أن يسيء إلى سمعة الجماعة لذا أنا أتجنبها.
ترك المرحوم وراءه زوجة وابنا وابنة، ابنُه أيضا يعمل في سلك المحاماة، وابنته تقيم في كندا مع زوجها، وهو أي صهر المرحوم مودود خان ابنُ حفيدة الصاحبزاده مرزا مبارك أحمد المحترم. كان المرحوم مودود أحمد خان قد عُين أمير الجماعة في محافظة كراتشي في أكتوبر 1996، وقبل ذلك كان يخدم الجماعة بصفته نائب الأمير وسكرتير الأمور الخارجية، كما كان من مديري مؤسسة فضل عمر ومؤسسة ناصر ومؤسسة طاهر أيضا، حين واجهت الجماعة ابتلاء في 1984 أنشأ العلاقة الطيبة مع الصحافة. تقول زوجته السيدة أمة المؤمن المحترمة (وهي ابنة المرحوم ملك عمر علي المحترم، وسيدة سعيدة بيغم المحترمة ابنةِ حضرة مير محمد إسحاق المحترم): كان المرحوم رجلا بسيطا وخلوقا ومواسيا ومتواضعا وعطوفا جدا، كل من كانت له علاقة به يقول إنه كان يحس أن هذه العلاقة من سنين طويلة، سواء كان عاملا عاديا في الجماعة أو كان عضوا كبيرا. لم أجد أي نقص في أي جانب من حياته سواء بصفته زوجا أو أبا، فكان زوجا مثاليا وأبا مثاليا وإنسانا مثاليا وكان يتأثر به كل واحد.
يقول ابن المرحوم مأمون أحمد خان: كان المرحوم أبا مثاليا، فقد عوَّدَنا على الصلاة منذ الطفولة، حيث كان يأخذني معه إلى المسجد لصلاة الفجر يوم كنت صغيرا جدا، كما كان ينصحني بإكرام الكبار وخدمتهم، وإن محافظته على الصلاة وتضحيته بالمال أثرت فينا نحن الأخ والأخت كثيرا، حيث كان من السباقين في التضحية بالمال. عندما كنا نسافر إلى ربوة كان يأخذنا إلى بهشتي مقبرة، ويأخذنا إلى قبور الصحابة وكبارِ أبناء الجماعة ويعرِّفنا بهم. كان يتحلى بكثير من التواضع والغنى، حيث كان يقابل الفقراء بكل تواضع، أما المسؤولون فلم يكن احترامه لهم طمعا في الترقية أو الانتفاع، بل كان يحافظ على الوقار أثناء مقابلتهم، تقول زوجته إني كنت أقول له مزاحا: إنك تستقبل العامة بتواضع وحين تستقبل أي مسؤول تحافظ على وقارك، وربما عندئذ يخطر ببالك أنك “نواب”.
لقد قدم خدمات بارزة بخصوص الاعتناء بالأسرى في سبيل الله في السند، كما كان يعتني بعائلات الشهداء الأحمديين كثيرا. تقول زوجته: كان يأخذني معه لزيارة هذه العلائلات ويطلب مني تقديم الهدايا لهم.
لقد كتب كل واحد أنه كان مضيافا جدا. تقول زوجته: أحيانا كان يخبرني قائلا: إني سآتي بعد عشر دقائق بعدد كذا من الضيوف، أعدِّي لهم الطعام. وكان يخبرني على الهاتف ثم يغلقه فورا لئلا أتمكن من تقديم أي عذر. كان يكنّ علاقة حب واحترام وإخلاص كبير للخليفة. يقول ابنه: كان أبي دوما ينصحني أنا وأختي والأولاد الآخرين أن نرسل إلى الخليفة رسالة بالفاكس مرة في الأسبوع حتما لنطلعه على أوضاعنا ويجب أن نقوّي هذه العلاقة. قبل سنتين أصيب بالسرطان وتلقى العلاج وتحسن بفضل الله تماما. وكتب إلي أيضا أن العلاج ناجع، وبدأتُ الدوام في المكتب من جديد، وبدأت أنجز أكثر من نصف أعمالي. ثم قبل بضعة أيام توعكت صحته فجأة، ويبدو أنه أصيب بنوبة قلبية لم يقدر على مقاومتها. باختصار عندما كان يتلقى علاج السرطان قال الأطباء إننا تأثرنا جدا أولا بكونه صبورا وذا همة كبيرة، وثانيا أنه يملك ثقافة عالية. يقول ابنه عندما كنا نأخذه إلى المستشفى كان الأطباء يقفون له احتراما عند رؤيتهم له. ولقد جاء بعض الشباب من غير الأحمديين أيضا لتقديم التعازي، وقال لي أحدهم: كان لأخلاق المرحوم وإخلاصه وتوجيهه تأثير كبير في حياتي.
ثم تقول زوجته إن من مزاياه البارزة الالتزام الكبير بدفع التبرعات، كان صاحب دخل كبير وكان غنيا، لم أسأله قط عن دخله وإذا خطر ببالي أحيانا السؤال عنه لم أتشجع، إلا أنني إذا اطلعت على قوائم تبرعاته كنت أقدر بحسب ذلك كم دخله، وكان يقدم التبرعات عن المرحومين الكثر أيضا. كان يقول لي: قللي نفقات البيت وأكثري النفقات على الجماعة، وكنت أشعر أحيانا أنه يكسب كثيرا ليتبرع للجماعة أكثر فأكثر. كان يكره الشكاوى- وهذا ما قال عنه الجميع وأنا الآخر أشهد على ذلك– ويشمئز منها ويمنع عنها. لم أسمع منه قط أمرا ضد أحد، وكذلك كان يكره جدا النميمة. النصيحة التي أسداها لي كثيرا هي: لا تعقدي الأمل على أحد، إن ما تريدين إنجازه فأنجزيه بقوتك الشخصية لئلا تشتكي أحدا لاحقا.
يقول العميد بشير طارق المحترم- وكان نائب الأمير أو كان يشغل منصبا آخر-: ذات مرة قلت للمرحوم إنك تتعامل بلطف أكثر من اللازم، كن قاسيا قليلا، إذ لا بد من القسوة في بعض الأمور، فقال: كيف يمكن أن أقسو على المتطوع؟! أنى لي أن أقسو على من أخرج شيئا من وقته لخدمة الدين؟!
فقد كان لطيفا جدا، وكتب إلي الخدام والقائدون أيضا أنه كان يستخدمهم بلطف كبير، كان الخدام يقدمون أعمالا تطوعية بل كان المركز قد أمر بأن يكون الخدام مع الأمراء للحرس، ومن ثم كان الخدام يرافقون المرحوم وكان يعتني بهم جدا ويطلب مني أن أخبره بعد الوصول إلى البيت بسلام، ويقول القائد إن لم تكن عندي سيارة أحيانا كان المرحوم يقدم لي سيارته لكي أصل إلى البيت بأمان.
تقول ابنة المرحوم: والدي قدم لنا مثالا عظيما منذ الطفولة للإيقان بالله والإخلاص للخليفة وطاعته، وكان ينصحنا بذلك، لقد ظل يشاهد برامج الجلسات السنوية حتى في المرض. فقد شاهد جلسة أميركا التي بثت مباشرة عبر النت، وكان يقول لي كل يوم أن أشاهدها أنا أيضا. ثم عندما عُقدت جلسة ألمانيا وكندا في التواريخ نفسها قال لي إني أشاهد جلسة ألمانيا. وكان معتادا على الاستماع إلى خطب الجمعة بانتظام، وكان يولي شهر رمضان اهتماما كبيرا، ولم يكن ينسق أي سفر أو نزهة في رمضان لكي يحافظ على احترام رمضان، وفي ذلك درس للكثيرين الذين يبحثون عن العذر للإفطار لأبسط الأمور، ويتركون الصيام.
يقول السيد حسين أحمد المحترم الداعية الأحمدي في كراتشي سابقا وهو من أقارب المرحوم أيضا: يوم كنت داعية في كراتشي لاحظتُ أن المرحوم كان عادة يقول في اجتماعات الهيئة الإدارية عند طرء موقف معقد: هذه أفعال الله أما نحن فإنما نمسها بأيدينا فقط لذا يجب أن لا ندخر جهدا من طرفنا. كان يقف احترامًا لاستقبال كل زائر، كما كان يقرأ طلب كل ذي حاجة باهتمام ويتدبره ويقوم بفعل اللازم، كان يساعد اليتامى والأرامل قدر الإمكان، وكان رغم قلة الميزانية يدبر السعة.
تقول السيدة مريم ثمر من كراتشي: لم يكن المرحوم أبا عطوفا لولَديه فقط بل كان أبا عطوفا لجميع أبناء الجماعة في كراتشي، وكان يشارك الجميع في الأفراح والأحزان، ويهتم بالجميع، وكان متواضعا وكيِّسا فطنا. ذات مرة كُتب اسمه في برنامج “نواب مودود أحمد خان” فشطب بقلمه كلمة “نواب”.
قال القائم بأعمال الأمير ونائب الأمير السيد قريشي محمود: إن المرحوم قاد الجماعةَ في كراتشي في عهد إمارته كأب كريم وعطوف، وكان شخصا محبوبا لدى الجميع ومحترما وحليم الطبع وصبورا ومتواضعا، وكان التواضع من مزاياه. كان يلتقي بكل واحد -سواء كان كبيرا أم صغيرا، ثريا أم فقيرا، مثقفا أم غير مثقف- بالحب ويستمع له باهتمام ويُكرمه بمشورته، وكان يقف من كرسيه عند لقاء الآخر صغيرا كان أم كبيرا. كان يؤدي واجباته نحو الجماعة جالسًا في مكتبه عدة ساعات في المساء. كان يأتي من مكتبه مباشرةً إلى مكتبه في الجماعة ويجلس فيه حتى الساعة العاشرة ليلا. كذلك كان يسعى سعيا حثيثا ليُرغب الأطفال والشباب في الحصول على التعليم. كان بصفته أميرا للجماعة على صلة شخصية بكل سكرتير والرؤساء المحليين وكان يُرشدهم في الأعمال المتعلقة بمكتبهم بين حين وآخر.
كتب رئيس مجلس أنصار الله في باكستان: كان متحمسا جدا لتعليم الجماعة وتربيتها، ذات مرة ذهبتُ إلى كراتشي للزيارة الرسمية وكانت هناك دورة تثقيفية للمسؤولين، فجاء المرحوم إلي وقال بكل حرقة: إنك أتيت كراتشي من أجل الدورة التثقيفية ولكنني أريد أن أخبرك بأن اليوم في صلاة الفجر كان ثلاثة أنصار فقط مع أن هناك بيوتا عديدة قرب المسجد وفي كل بيت سيارة ويمكن لهم أن يأتوا المسجد بكل سهولة، والآن في هذه المناسبة قد جاء جميع المسؤولين فعليك أن تُفهمهم أن يُحدثوا أولا في أنفسهم تغييرات طيبة وينتبهوا للعبادة بوجه خاص ثم يتحمّسوا لتربية أولادهم والجيل الناشئ، وكنتُ أشعر بالألم الذي كان المرحوم يكنه عند قوله هذا لي.
ثم كتبت امرأة: كنا في سفر من باكستان إلى قاديان بالهند وكان عند الجميع بعضُ النقود من العملة الهندية، كنا نظن أن أخذ العملة الهندية معنا مسموح، ولكننا أُخبرنا على الحدود أنه لا يجوز قانونيا، فأعطى أحد الموظفين في مكتب الهجرة للهند استمارة للأمير المرحوم ليملأها وقال له: لا يجوز للباكستانيين أخذ العملة الهندية معهم ولكن إذا أتيتم بها لعدم علمكم فلا بأس، لا تذكروها في هذه الاستمارة وخذوها معكم، ولكن الأمير لم يقبل ذلك وذكر في الاستمارة أن لديه كذا من المبلغ في العملة الهندية، ولم يكن مبلغا صغيرا بل كان ثلاثين ألف روبية تقريبا وقد صرّح بها، وقال له المؤظف مجددا: لا تذكروها في الاستمارة وإلا سنُضطر لضبطها قانونيا، ولكن المرحوم صرّح بها بكل أمانة في الاستمارة وأعطاهم المبلغ كله بكل سعادة ليحجزوه، ولم يستفد من أي تسهيل.
لقد ذكر خدام الأحمدية أن المرحوم كان يهتم بهم جدا وكان يشكرنا على أدائنا واجبات الحراسة بأسلوب كأننا أحْسَنَّا إليه إحسانا عظيما. كتب السيد امتياز حسين شاهد وهو أمير الجماعة في شارع رِغْ بكراتشي: إذا أردتُ أن ألخّص شخصية المرحوم فتتجلّى أمامي صفاته التالية: التواضُع، والانكسار، والحب للخلافة والاحترام لنظام الجماعة. ثم قال: في 2016 عُيِّنْتُ أميرا محليا فذهبتُ إلى أمير المحافظة وقلتُ له: أُلقيتْ على عاتقي مسؤولية كبيرة، فقال لي: لا شك أنها مسؤولية كبيرة ولكن تذكرْ دوما كلّما واجهتَ مشكلة اكتبْ إلى الخليفة للدعاء وسوف ترى أن الله تعالى سيحل المشكلة بفضله، وقال: هذا ما أفعله أنا أيضا. فكان المرحوم يكتب إليَّ بالتزام كل جمعة عن كل برنامج أو حادث هام في كراتشي أو في نهاية سنة كل تبرع.
قال قائد خدام الأحمدية في كراتشي السيد بلال حيدر تيبو: كان المرحوم يحب سورة المؤمنون، وكثيرا ما كان يقول لي في برامج خدام الأحمدية: اطلب تلاوة سورة المؤمنون، ثم كان ينصح بقراءة هذه السورة بإمعان وخاصة الآيات الأولى منها. كلما أفكر يشهد قلبي أن المرحوم كان يحافظ على صلواته ويُعرض عن كل نوع من اللغو وأبدى لنا نموذج المؤمن الحقيقي وكيفية فلاحه. ووصيته الثانية التي أذكرها هي أنه قال لي على انفراد: إن خلاصة حياتي كلها هي أنه يجب كتابة رسالة إلى الخليفة كل أسبوع. قال: أفهمني المرحوم هذا الشيء بكل حب وإنني أستفيد من وصيته هذه.
كان بالفعل يطيع الخليفة جدا ويحترم الخلافة جدا. كانت هناك مناسبة في عائلة المسيح الموعود u وحدثت فيها بعض الأمور غير المناسبة، وحين بلغني كتبتُ إليه أيضا فقلت: إنك كنتَ موجودا هناك وما كان ينبغي أن يحدث ذلك وأنت موجود، وما كنتُ أتوقع ذلك. فجاءتني رسالته التي استعفى فيها أولا ثم كتب: إنني فرح بأننا لسنا أحرارا بل هناك من يهتم بنا ويُوجّهنا ويربّينا وأشكركم على ذلك. كان من الأقارب الذين يكبرونني سنا وكان يحترمني جدا حتى قبل الخلافة ولكنه تواضع جدا بعد أن انتُخبتُ خليفة، بل منذ عيَّنني الخليفة الرابع رحمه الله تعالى ناظرًا أعلى عاملني المرحوم بكل تواضع ووفاء واحترامٍ، احترامًا لنظام الجماعة. رحمه الله تعالى وغفر له ورفع درجاته ووفّق أولاده ليواصلوا حسناته.
والجنازة الثانية للسيد خليفة عبد العزيز نائب الأمير في جماعة كندا، الذي تُوفي نتيجة توقف القلب في 9 تموز عن عمر يناهز 84 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان ينتمي إلى عائلة خليفة الشهيرة من “جَـمُّونْ كَشْمِيرْ”، كان والدُه حضرة خليفة عبد الرحيم وجدُّه خليفة نور الدين الجموني وجدُّه لأمه حضرة عمر بخش كلُّهم صحابةَ المسيح الموعود u، وحظي جدُّه بشرفِ العثور على قبر عيسى u في محلّة خانيار بـ”سِرِيْ نَغَرْ كَشْمِيرْ” الذي ذكره المسيح الموعود u عدة مرات في كتبه. كان المرحوم من الأعضاء الأوائل في جماعة كندا. وانتقل من باكستان إلى كندا في 1967 وكان محاميا فأقام شركة المحاماة، ثم ظل يساعد الجماعة أيضا في الأمور القانونية دوما، وفترة خدمته للجماعة تتجاوز نصف قرْن، وكان أول رئيس وطني للجماعة في كندا، وأولَ رئيسٍ لدار القضاء وخدم بصفته نائب الرئيس حتى نفَسِه الأخير، وحظي بشرف حج بيت الله تعالى. كان دمثا ومحبوبا وطليق الوجه ومتفهِّما للأمور وصائب الرأي وصالحا ومخلصا ووفيًّا. وكان يؤدي واجباته بعزيمة إلى النهاية بالرغم من سوء حالته الصحية. كان على صلة الحب العميق والطاعة للخلافة، وكان يسعى جدا للعمل بكل ما يصله من أوامر من المركز، كان موصيا بفضل الله تعالى. غفر الله تعالى له ورحمه وألهم ذويه الصبر والسلوان ووفّقهم لمواصلة حسناته. (آمين)