خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 26/7/2109م

في مسجد بيت الفتوح بلندن

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

سوف أتابع اليوم أيضا ذكر الصحابة البدريين. وأول من أذكره اليوم هو الصحابي مظهِّر بن رافع رضي الله عنه. والده رافع بن عدي. كان مظهِّر من الأنصار من بني الأوس من بني حارثة بن الحارث. كان مظهِّر وظُهير شقيقين، وهناك شخص آخر اسمه رافع بن خديج، وكانا من أعمامه، أي أن اسم والد مظهر هو رافع وكذلك اسم ابن أخي مظهر أيضا رافع. ولم يكن رافع بن خديج هذا بدريا، ولكن له مقاما في التاريخ.

وأخبركم هنا باختصار عن رافع هذا. إنه الصحابي الذي عرض نفسه للخروج يوم بدر، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرجعه لصغر سنه، غير أنه r سمح له بالخروج يوم أحد. وحضر رافع أحدًا والخندق وسائر الغزوات.

أصيب رافع بن خديج يوم أحد بسهم في ترقوته، فأُخرج السهم ولكن رأسه بقي في جسده، فقال له رسول الله r سوف أشهد لك يوم القيامة. توفي رافع في عهد عبد الملك بن مروان في 74 الهجرية وعمره 86 عاما.

هذا ذكر رافع بن خديج ابن أخي مظهِّر. أما أخوه ظُهير فقد ذكر الإمام البخاري أن ظهيرا حضر بدرا مع أخيه، ولم يذكر البخاري اسم أخيه هذا، غير أن شراح البخاري ذكروا أن اسم أخي ظهير هذا هو مظهِّر.

كذلك ورد عن ظهير بن رافع في سبل الهدي والرشاد، وهو كتاب في سيرة النبي r: قال البخاري إن مظهِّرا وأخاه ظُهيرا قد شهدا بدرًا. أما أُسْد الغابة، والإصابة، والاستيعاب، وهي كتب في سيرة الصحابة، فلا تذكر خروج مظهِّر لغزوة بدر، بل تذكر هذه المصادر الثلاثة أنه شهد سائر الغزوات بعد بدر مع رسول الله r. وتوفي مظهّر في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنهما.

ولكن المصادر التي تؤكد مشاركة مظهّر في بدر هي التي يوثق بها. روى يحيى بن سهل بن أبي حثمة أن مظهّر بن رافع الحارثي جاء إلى والدي بعمّال أقوياء من بلاد الشام للعمل في أرضه، ولما وصل بهم إلى خيبر أقام هنالك ثلاثا. فبدأ اليهود يحرضون العمال على قتل مظهّر، وآتوهم سكّينينِ أو ثلاثا في السر.

فلما خرج من خيبر فكانوا بِثِبَار وثبوا عليه فَبَعَجُوا بطنَه فقتلوه، ثم انصرفوا إلى خيبر، فزوَّدتهم يَهود وقَوّتهم حتى لحقوا بالشام. ولما بلغ ذلك عُمَرَ بن الخطاب قال: إني خارج إلى خيبرَ، فَقَاسِمٌ ما كان بها من الأموال، وَحَادٌّ حُدُودَها، (أي سوف أنتقم للقتيل) ومُجْلٍ يَهُودَ منها، فَإنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لهم: “أُقِرّكم في خيبر ما أَقرّكم الله فيها”، وقد أذن الله في جلائهم. ففعل ذلك بهم. وقد استشهد مظهر في سنة 20 من الهجرة.

والصحابي التالي ذكره هو مالك بن قدامة. اسم والده قدامة بن عرفجة، وفي رواية قدامة بن الحارث، أي أن جد مالك اسمه الحارث بدلاً من عرفجة. كان مالك من الأنصار من بني الأوس من بني غنم. حضر بدرًا مع أخيه منذر بن قدامة، كما شهد أحدًا أيضا.

والصحابي الآخر هو خُرَيْم بن فاتك. كان من بني أسد. والده فاتك بن الأخرم، أو الأخرم بن شداد. وكنيته أبو يحيى، وفي رواية أبو أيمن فأحد أبنائه اسمه أيمن. حضر خريم بن فاتك غزوة بدر مع أخيه سبرة بن فاتك.

وفي رواية أن خريما حضر صلح الحديبية. وهناك رواية غير شهيرة بأن خريما وابنه أيمن دخلا في الإسلام يوم الفتح حين أسلمت بنو أسد. والحق أن الرواية الأولى أصحّ، أي أن خريما حضر بدرا، وقد ذكر البخاري في كتابه التاريخ الكبير أنه بدري.

انتقل خريم مع ابنه إلى الكوفة، وفي رواية أنهما هاجرا إلى الرقة، وهي مدينة شهيرة شرقي نهر الفرات، وتوفي كلاهما هناك في عهد معاوية.

ذكر خريم بن فاتك قصة إسلامه فقال: خرجتُ أبحث عن إبلي الضالة متتبعا آثارها، فخيم عليَّ الليل، فأَصبتها بأَبْرَقِ العَزَّاف، وهي عين ماء شهيرة لبني أسد بن خزيمة تقع على طريق البصرة من المدينة. فعقلتها وتوسدت للمبيت ذِراع بَكْرٍ منها، وكان ذَلك بعيد خروج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثمّ قلت بصوت عال: “أَعوذ بكبير هذا الوادي” ، وكذلك كانوا يفعلون في ذلك الزمن.

يقول خريم: كذلك كانوا يفعلون في الجاهلية بحيث كلما دخل أحد في واد قفر لقضاء الليل تفوه بهذه الكلمات اتقاء شر أهل الوادي ودهمائه. على أية حال، يقول:

فإِذا هاتِف يهتف بي، ويقول:
وَيْحَكَ عُذْ بِالله ذِي الْجَلَالِ      مُنَزِّلِ الْحَرَامِ وَالحَلَالِ
وَوَحِّـدِ الله وَلاَ تُبَالِي             مَا هَوْلُ ذِي الْجِنِّ مِنَ الْأَهْوَالِ

إذ يُذكرُ الله على الأميال       وفي سهول الأرض والجبال

وصار كيد الجن في سفال       إلا التقى وصالح الأعمال
فقال خريم ردًّا عليه:
يَا أَيُّهَا الْهَاتِفُ مَا تَخِيـلُ  أَرَشَدٌ عِنْدَكَ أَمْ تَضْلِيلُ
أي أن أحاديث الجاهلية كانت مختلفة عما تقوله أنت، إذ تتكلم عن التوحيد. فردّ عليه قائلا:
هَذَا رَسُولَ الْلَّهِ ذُو الخَيراتِ

جَاءَ بِيَـاسِيـنَ وَحَامِيَمَـاتِ
وَسُوَرٍ بَعْدُ مُفَصِّلَاتِ

مُحَرِّمَاتٍ وَمُحَلِّلَاتِ
يَأْمُرُ بِالْصَّوْمِ وَبِالْصَّلَاةِ

وَيَزْجُرُ النَّاسَ عَنِ الْهَنَاتِ

قد كنّ في الأنام منكرات

ففهم هذا الرد بأنه بلغنا إعلان التوحيد بهذا الطريق ولأجل ذلك ننادي به.

يقول خريم: قلت: من أَنت؟ يَرحمكَ الله! قال: أَنا مالك بن مالك، بعثني رسول الله r على جن، أي زعماء، أَهل نجد. قال قلت: لو كان لي من يكفيني إِبلي هذه، لأَتيته حتى أَومن به. (فلقد أُعجب بكلامه هذا) قال: أَنا أَكفيكها حَتَّى أُؤديها إِلى أَهلك سالمة إِن شاءَ الله تعالى. فاعتقلت بعيرًا منها، وسلّمت إليه بقية الإبل، ثمّ أَتيتُ المدينة، فوافقت الناس يوم الجمعة وهم في الصلاة.

فقلت: يقضون صلاتهم ثم أدخل لأنني كنت تعبا، فإني لذاهب أنيخ راحلتي، إِذا خرج إِليّ أَبو ذر فقال لي: يقول لك رسول الله r: ادْخُلْ. فدخلت، فلمّا رآني قال: ما فعل الشيخ الذي ضَمِن أَن يؤدي إِبلك إِلى أَهلك؟ أَما إِنه قد أَدَّاها إِلى أَهلك سالمة. فقلت: رحمه الله. قال رسول الله r: أَجَلْ، رَحِمَهُ الله، وهنا قال خريم: أشهد ألا إله إلا الله وهكذا أسلم وحسن إسلامه.

وهكذا هو ذكر بنفسه قصة بيعته.

كان خريم بن فاتك لطيف المعشر نفيس الطبع وكان يهتم بهندمة ملبسه ومظهره، وكان يسبل الإزار قبل إسلامه أي كان يلبس إزارًا طويلا، ويطيل الشعر، فقد ورد في المستدرك للحاكم حديث بهذا الخصوص، عن خريم بن فاتك، رضي الله عنه أنه أتى النبي r، فقال: يا خريم بن فاتك، لولا خصلتين فيك لكنت أنت الرجل، فقال: ما هما بأبي أنت يا رسول الله؟ قال: “وفير شعرك، وتسبيل إزارك”. (أي ذلك الإزار الطويل الذي كانوا يلبسونه فخرًا) فانطلق خريم فجز شعره وقصر إزاره.

وهناك رواية أخرى في التاريخ الكبير، عن ابن الحنظلية قال قال رسول الله r: نعم العبد خريم الأسدي لولا طول جُمّته (أي لولا يطول شعره بحيث يصل إلى منكبيه) وإسبال إزاره (أي لولا يطول سرواله أو ما يلبس مكانه)، فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْمًا، فَجَعَلَ يَأْخُذُ شَفْرَةً، فَيَقْطَعُ بِهَا شَعَرَهُ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، وَرَفَعَ إِزَارَهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، وكان الإسبال في ذلك الوقت يعدّ فخرًا بين الناس. وعليه ففيه درس للذين يطيلون الشعر، ما الحاجة إلى ذلك؟ ينبغي أنلا يزيد طول الشعر أكثر مما كان للنبي r أي ما يصل إلى أنصاف أذني المرء، وينبغي ألا يطيله المرء كشعر النساء.

لقد شارك خريم في فتح الشام في عهد عمر t. عن قيس بن أبي حازم، وعامر الشعبي قالا: قال مروان بن الحكم لأيمن بن خريم: ألا تخرج فتقاتل معنا؟ فقال: إن أبي وعمي شهدا بدرا، وإنهما عهدا إليّ أن لا أقاتل أحدا يقول: لا إله إلا الله. ثم قال أيمن لمروان بن الحكم: فإن أنت جئتني ببراءة من النار، قاتلتُ معك. قال مروان: فاخرج عنا. قال: فخرج وهو يقول:

ولست بقاتل رجلا يصلي      على سلطان آخر من قريش

له سلطانه وعلي إثمي          معاذ الله من جهل وطيش

أأقتل مسلما في غير جرم؟!     فليس بنافعي ما عشت عيشي

إذا نظرنا إلى أعمال المسلمين اليوم لأدركنا كم ابتعدوا من هذه التعاليم الصحيحة!

الصحابي الذي سأذكره الآن اسمه معمر بن الحارث من بني جمح أحد فروع قريش. كان اسم أبيه الحارث بن معمر وأمّه قُتَيْلَة بنت مظعون وهي أختُ عثمان بن مظعون. وبذلك كان عثمان بن مظعون خالا لمعمر. كان لمعمر أخوان أحدهما حاطب والثاني حطاب، وقد أسلم هؤلاء الثلاثة قبل دخول رسول الله r دار الأرقم.

كان معمر من السابقين الأولين. قالت عائشة بنت قدامة أن المهاجرين من بني مظعون وهم عثمان وقدامة وعبد الله والسائب بن عثمان بن مظعون ومعمر بن الحارث عندما جاؤوا إلى المدينة مهاجرين من مكة نزلوا على عبد الله بن سلمة العجلاني. آخى رسول الله r بين معاذ بن عفراء ومعمر بن الحارث. شهد معمر بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله r وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب t في 23 من الهجرة.

الصحابي الآخر الذي سأذكره هو ظُهير بن رافع، وكان الصحابي مظهر أخاه. كان ظُهير من قبيلة بني حارثة من قريش، اسم ابنه أُسيد وكان صحابيا أيضا. كان ظُهير عمّ رافع بن خديج. زوجته فاطمة بنت بشر من بني عدي بن غنم. كان مظهر وظهير شقيقان، وشهدا غزوة بدر. وهناك من يقول خلاف ذلك ولكن معظم كتب التاريخ تقول أنهما شهدا بدرا. شهد ظهير بيعة العقبة الثانية وغزوة بدر وأحدا والمشاهد كلها مع النبي r.

عن رافع بن خديج عن عمّه ظهير بن رافع، قال: أتاني ظهير بن رافع فقال: نهى النبي r عن أمر كان بنا رافقًا. فقلت: وما ذاك؟ ما قال رسول الله r فهو حق. قال: “سألني: كيف تصنعون بمحاقلكم؟ قلت: تؤاجرها يا رسول الله على الربيع أو الأوسق (الوسق يساوي 60 صاعا، والصاع يساوي كيلوين ونصفا تقريبا) من التمر والشعير. قال: فلا تفعلوا، اِزْرَعُوها أو أَزْرِعُوها أو أمسكوها”. قال رافع: قلتُ، قد سمعتُ وسنعمل بذلك فكنا نزرعها أو كنا نأخذ بحيث يصل الحق إلى صاحبه.

والصحابي الآخر الذي سأذكره هو عمرو بن إياس من أهل اليمن، حليف لبني لوذان إحدى قبائل الأنصار. اسم أبيه إياس بن عمرو. وفي رواية أن اسم جدِّ عمرو هو زيدٌ. شهد عمر غزوة بدر وأُحد مع النبي r. كان عمرو أخا ربيع بن إياس وورقة بن إياس. وقد شهد هؤلاء الإخوة الثلاثة غزوة بدر.

وهناك صحابي آخر اسمه مدلج بن عمرو، ويقال: مدلاج بن عمرو. كان من بني حجر من قبيلة بني سليم، أحد حلفاء بني كبير بن غنم بن دودان، وهم حلفاء بني عبد شمس. شهد بدرًا هو وأخواه ثقف ومالك ابنا عمرو، وشهد مدلج بن عمرو سائر المشاهد مع رسول الله.

الصحابي الآخر الذي سأذكره اسمه عبد الله بن سهيل. كان أبوه سهيل بن عمرو وأمّه فاختة بنت عامر، واسم أخيه أبو جندل. كان عبد الله أسنّ من أخيه أبي جندل، ويُكنى بأبي سهيل. كان من بني عامر بن لؤي أحد فروع قريش. ذكره ابن إسحاق ضمن مهاجري الهجرة الثانية إلى الحبشة. أخذه أبوه بعد أن رجع من الحبشة ففتنه عن دينه فأظهر الرجوع وخرج معهم إلى بدر. (كان قد أبدى الرجوع عن الإسلام ظاهريا ولكن لم يكن قلبه مطمئنا بذلك، وإن كان قد خرج مع المشركين في غزوة بدر مع أبيه سهيل بن عمرو ونفقته ومطيته. لم يتبادر إلى ذهن والده أي شك بشأن تراجع عبد الله عن دينه، ولكن عندما واجه جيش المسلمين والمشركين في بدر فرّ عبد الله بن سهيل إلى المسلمين وجاء إلى النبي r قبل نشوب القتال وهكذا اشترك في غزوة بدر مسلمًا، وكان حينها بالغا من العمر 27 عاما. لقد سخط والده سهيل بن عمرو كثيرا على فعله هذا.

شهد عبد الله بن سهيل بدرا وأُحد والخندق وسائر الغزوات مع النبي r، وهو الذي أخذ الأمان لأبيه يوم الفتح، فقد أتى رسول الله r فقال: يا رسول الله، أبي تؤمِّنه؟ قال: “هو آمِن بأمان الله، فليظهر”. ثم قال رسول الله r لمن حوله: “من رأى سهيلَ بن عمرو فلا يشد إليه النظر. فلعمري إن سهيلاً له عقلٌ وشرف، وما مثل سهيل جهل الإسلام”. فخرج عبد الله إلى أبيه فأخبره مقالة رسول الله r، فقال سهيل: كان والله برًّا كبيرًا وصغيرًا. وهكذا أسلم سهيل والدُ حضرة عبد الله بهذه المناسبة. وكان سهيل يقول بعد الإيمان لقد كتب الله لابني خيرا كثيرا. لقد شهد عبد الله حرب اليمامة في عهد سيدنا أبي بكر t سنة اثنتي عشرة واستُشهد، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة.

حين جاء سيدنا أبو بكر الصديق t في عهده للحج إلى مكة، جاء إليه سهيل بن عمرو والدُ عبد الله بن سهيل قصد اللقاء، فعزاه سيدنا أبو بكر t في وفاة ابنه، فقال له سهيل: قد بلغني أن رسول الله r قال إن الشهيد سوف يشفع لسبعين شخص من أهله، وأرجو أن ابني لن يبدأ بغيري، أي بعد وفاتي سيشفع لمغفرتي.

وكذلك بحسب رواية ثانية استشهد عبد الله في منطقة جُواثا في البحرين وكان عمره 88 سنة، وجواثا هو حصن عبد القيس في البحرين، وكان العلاء بن الحضرمي قد فتحها في العام 12 الهجري في عهد سيدنا أبي بكر t. على كل حال هاتان روايتان.

الآن سأذكر الصحابي يزيد بن الحارث t. وكان من بني أحمر بن حارثة من الخزرج، وكان اسم أبيه الحارث بن قيس واسم والدته فُسْحُم، وكانت من قبيلة بَلْقَيْن بن جَسر، وكانت بَلْقَيْن فرع من قبيلة قُضاعة في اليمن، وكان يزيد يُنسب إلى والدته فيقال يزيد فُسْحُم، ويزيد بن فُسْحُم أيضا. وكان ليزيد t بن فُسْحُم أخ آخر اسمه عبد الله بن فُسْحُم أيضا.

يقول ابن هشام عن عمير بن عبد عمرو t ذي الشمالين، أنه كان يقال له ذو الشمالين لأنه كان يعمل بيده اليسرى أكثر، وكان مشهورا بلقب ذي اليدين أيضا، لأن يديه كانتا طويلتين، كما قيل أنه كان يستخدم كلتا اليدين لذا قد سُمِّيَ بذي اليدين أيضا، وكان اسمه عمير بن عبد عمرو الخزاعي، فلما وصل إلى المدينة مهاجرا آخى النبي r بينه وبين يزيد بن الحارث t، فذُكر هنا عميرُ بن عبد عمرو أو ذو الشمالين لأن النبي r كان قد آخى بينه وبين يزيد بن الحارث. وكلاهما قد شهدا بدرا ونالا درجة الشهادة في المعركة نفسها. كان نوفل بن معاوية الديلي قد قتل يزيد t، وبحسب قول آخر كان اسم قاتله طعيمة بن عدي، كان يزيد بن الحارث t يحمل في يده تمرات يوم بدر فرماها وبدأ القتال حتى استشهد.

الصحابي الذي أود أن أذكره الآن اسمه عمير بن الحمام t وكان من عائلة بني حرام بن كعب من بني سلمى أحدِ فروع الخزرج. كان اسم والده الحمام بن الجموح ووالدته هي نوار بنت عامر، وكان النبي r قد آخى بين حضرة عمير بن الحمام وبين حضرة عبيدة بن الحارث المطلبي المهاجر من مكة، واستُشهد كلاهما يوم بدر. حين اقترب المشركون يوم بدر قال النبي r: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض. قال: عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله، عرضها السماوات والأرض؟ فقال: نعم. قال: بخ بخ! قال: ما يحملك على قولك بخ بخ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها. فأخرج تميرات من قرنه فجعل يأكل منها، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمى بهن، ثم قاتل حتى قتل. كان يقرأ الأبيات التالية في بدر:

ركضًا إلى الله بغير زاد … إلا التقى وعمل المعاد

والصبر في الله على الجهاد … إن التقى من أعظم السداد

وخير ما قاد إلى الرشاد … وكل حي فإلى نفاد

كان عمير بن الحمام أول شهيد في الإسلام من الأنصار، وكان خالد بن الأعلم قتله، وعند البعض كان حارثة بن قيس هو أول شهيد من الأنصار، فهناك روايتان، على كل حال هما من شهداء بدر.

ثم الصحابي حميد الأنصاري t الذي سأذكره الآن، قال الزبير t أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ اللهِ r فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ (وهو نوع من سواقي  الحقول) كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r لِلْزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ، (لأن أرض الزبير كانت قبل أرض الأنصاري) فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، آنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ r ثُمَّ قَالَ: اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ، (لأن النبي r كان يريد أن يحسن إلى الإنصاري لذا قال للزبير أن يسقي أرضه قليلا ثم يرسل إلى جاره ولكن الآن جاء موضوع الحق) فَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللهِ r حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلْزُّبَيْرِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ r قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ سَعَةٍ لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ، فَلَمَّا أَحْفَظَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللهِ r اسْتَوْعَى لِلْزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ، قَالَ عُرْوَةُ قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ: ]فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ[ والآية الكاملة هي: ]فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ (النساء 66) وورد في الإصابة في تمييز الصحابة وفي إرشاد الساري شرح صحيح البخاري أن الأنصاري الذي خاصم الزبير هو حميد الأنصاري، فالشيطان يهاجم المرء خفية في بعض الأحيان ولكن الله تعالى قد أعلن عن أصحاب بدر أنه قد غفر لهم.

ثم الصحابي عمرو بن معاذ بن النعمان t واسم والده معاذ بن النعمان واسم أمه كبشة بنت رافع، وهو أخو سعد بن معاذ الأنصاري الأشهلي سيد الأوس، ويُسمى الأشهلي نسبةً إلى قبيلة الأنصار بني عبد الأشهل، وأسلم عدد كبير منهم. روي عن عاصم بن عمرو أن النبي r آخى بين عمرو بن معاذ الأنصاري وبين عمير بن أبي وقاص الذي وصل المدينة مهاجرا من مكة، وكان عمير بن أبي وقاص أخا سعد بن أبي وقاص. شهد عمرو بن معاذ بدرا مع أخيه سعد، واستُشهد عمرو بن معاذ يوم أحد وقتله ضرار بن الخطاب، وحين طعنه ضرار بن الخطاب فأنفذه وقال مستهزئا: لا تعدمنّ رجُلًا يزوِّجك من الحور العين؛ قاله استهزاء، وذاك قَبْل إسلام ضِرار، وأسلم ضرار يوم الفتح، وكان عمرو بن معاذ حين استُشهد ابنَ اثنتين وثلاثين سنة.

كان أبو ضرار بن الخطاب بن مرداس سيّدَ بني فهر في زمانه، وكان يأخذ الـمِرْبَاع لقومه، كان ضرار بن الخطاب بن مرداس يوم الفِجَار على بني محارب بن فهر، كان من فرسان قريش وشجعانهم وشعرائهم المطبوعين المجودين، وهو أحد الأربعة الذين وثبوا الخندق. وقد ذكره ابنُ عساكر في تاريخ دمشق كصحابي، شهد ضرار مع أبي عبيدة t فتوحَ الشام، وأسلم يوم فتح مكة، وإسلامه معروف ويشهد على إسلامِه نظمُه ونثرُه.

ثم الصحابي مسعود بن ربيعة بن عمرو القاري t حليف بني زُهرة، ويُكنى أبا عمير، واختلفوا في اسم أبيه فقيل هو الربيع وربيعة وعامر، وقيل كان له ابن يُسمى عبد الله. يقال لآل مسعود بنو القارئ. أسلم قديمًا بمكّة قبل دخولِ رسول الله r دار الأرقم. ولما هاجر مسعود بن ربيعة إِلى المدينة آخى رسول الله r بينه وبين عُبَيد بن التَّيِّهان. شهد مسعود بن ربيعة بدرًا وأُحُدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله r، ومات سنة ثلاثين وقد زاد في سنّه على الستّين. رفع الله درجات هؤلاء الصحابة جميعا ووفقنا أن نواصل حسناتهم، (آمين).

والآن أريد أن أقول باختصار ستبدأ الجلسة السنوية في بريطانيا من الجمعة القادمة فادعوا الله تعالى لتكون مباركة من جميع النواحي. وعلى المتطوعين أن يؤدوا واجباتهم بكل كفاءاتهم ويدعوا أيضا ليوفقهم الله تعالى لأداء واجباتهم على أحسن وجه. وفّقهم الله تعالى لخدمة ضيوف المسيح الموعود u على أحسن وجه. في هذه السنة سيُضطر قسم المرور إلى أن يعمل أكثر ويخطط أكثر، لأن عليه أن يدبّر الذهاب والإياب للضيوف المقيمين في أماكن الجماعة مِن وإِلى “إسلام آباد” قبل الجلسة وبعدها لبضعة أيام، وأن يوفِّر لهم السيارات وكنتُ قلت لمسؤول الجلسة السنوية أن يخطّط لذلك وآمل أنه يكون قد بدأ العمل في ذلك لكي يتمكن الضيوف من أداء الصلوات في إسلام آباد، وأما في أيام الجلسة الثلاثة فتُهيأ السيارات للذهاب والإياب من قبل أيضا. وفق الله تعالى الجميع ليؤدوا جميع الأمور على وجه أحسن. (آمين)

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد