خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 2/8/2109م
في حديقة المهدي بمناسبة الجلسة السنوية في بريطانيا
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
إن الله تعالى يوفقنا اليوم لحضور الجلسة السنوية مرة أخرى، وقد عُقدت الجلسة السنوية في ألمانيا في الشهر الماضي، ومن الجماعات الكبيرة في الدول الغربية عُقدت الجلسة السنوية في كندا في الأيام نفسها التي عُقدت فيها الجلسة في ألمانيا، ثم عُقدت الجلسة السنوية في أمريكا وفي كثير من الدول الأخرى، ونرى في كل مكان تحقُّق وعودِ الله تعالى مع المسيح الموعود u بالتأييد والنصرة بكل عظمة وشأن، إلا أن للجلسة السنوية في بريطانيا مقاما خاصا بحيث يتوجَّه إليها العالَم بوجه خاص سواء كان الأحمديين أم غيرهم، وقد أصبحت هذه الجلسة جلسة عالمية من كل ناحية، ولم تعد هذه الجلسة جلسة لبريطانيا. وكنتُ قلتُ عن الجلسة السنوية في ألمانيا أنها أصبحت جلسة عالمية لأن الناس من الدول الكثيرة تحضرها، وقد يكون عدد الحضور أيضا في جلسة ألمانيا أكثر من جلسة بريطانيا ولكن بالرغم من ذلك فالجلسة المركزية هي جلسة بريطانيا ويبذل الناس من الخارج جهدا أكبر لحضورها، لأن مركز الخلافة هنا، لذا يسعى الأحمديون وغيرهم من دول العالم المتعددة أن يحضروها. ومن هذه الناحية تزداد كثيرا مسؤولية العاملين في هذه الجلسة، ثم إن إعدادات الجلسة بتعمير مدينة مؤقتة في حديقة المهدي تتطلب اهتماما خاصا، ففي هذه المناسبة أوجّه العاملين إلى مسؤولياتهم عموما وسأتحدث الآن أيضا حول ذلك.
بفضل الله تعالى إن الأحمديين القاطنين في بريطانيا، صغارا وكبارا ورجالا ونساء وبنات، يقومون بإعدادات الجلسة السنوية وينجزون أعمالها بكل سعادة منذ 35 عاما منذ أن انتقل مركز الخلافة هنا وبدأ عقْدُ الجلسات تحت إشراف الخليفة. لا شك أن تاريخ الجلسة السنوية في بريطانيا قديم جدا ولكن عدد الحضور في تلك الجلسات السنوية ربما كان أقل من حضور الاجتماع الشهري لجماعة محلية واحدة هنا، لذا ذكرتُ 35 سنة ماضية وهو تاريخ الجلسات السنوية بعد انتقال مركز الخلافة الأحمدية إلى بريطانيا. باختصار، في الجلسات البدائية هنا كان الخليفة الرابع رحمه الله تعالى بنفسه يرشد الجماعة كثيرا وقد تعب كثيرا لتعليم إعدادات الجلسة هنا، واستعان ببعض المسؤولين من باكستان أيضا الذين جاؤوا وعملوا مع المسؤولين المحليين هنا. إن طبخ الطعام أيضا عمل جبار إذ لا توجد هنا الوسائل والتسهيلات بحسب متطلباتنا كما كانت في باكستان، لذا كان تدبير الطعام لأربعة أو خمسة آلاف أيضا صعب جدا لهم، وكأنهم يدبرون لمئتين وخمسين ألف شخص. كنتُ حضرتُ الجلسة هنا في 1988 أول مرة بعد هجرة الخلافة، وكان يبدو نظرا إلى حالة المسؤولين آنذاك أن الإعدادات لخمسة أو ستة آلاف شخص أقلقتهم جدا، ولكن اليوم نرى أن العاملين هنا يملكون قدرة لمساعدة العاملين في ربوة. في الأسبوع الماضي بعد فحص الإعدادات كان هناك طعام مع العاملين وكان ناظر أمور الخارجية الذي جاء من ربوة جالسًا قريبا مني وهو نائب مسؤول الجلسة السنوية أيضا، ورأيتُه أنه دعا أحد العاملين الذي جاء من ربوة وتحدث معه في بعض الأمور فسألتُه هل من مشكلة؟ فقال: هذا الخبز الذي نتناوله جودته عالية جدا ولا يكون بهذا المستوى الخبزُ الذي نحضّره في مطابخ الجماعة في ربوة أثناء تشغيل المخابز، وتُشَغَّلُ المخابز هناك بين حين وآخر ليوم أو بعض يوم لكي تبقى الماكينات شغالة ويتعود العاملون على أعمال الجلسة. باختصار، قال: الخبز عندنا ليس بهذا المستوى فكنتُ قلتُ لهذا العامل أن يستعلم وصفة هذا الخبز من العاملين في المخبز هنا، كيف يصنعونه بهذا المستوى وما هي مقادير الماء والطحين لأن للمقادير أهمية كبيرة، لذلك فليسأل عن الوصفة. وبفضل الله تعالى قد أصبح العاملون هنا خبراء ومهرة لدرجة أن المسؤولين الكبار من ربوة بدؤوا يعجبون بخبزهم. في هذه المرة قد قام المهندسون الشباب العاملون في المخبز بتطوير معجنة مما سهل إخراج العجين منها، ولا يزال يعمل عليها مسؤول المخبز والمهندسون الشباب الذين هم من وقف نو، والعاملون الآخرون أيضا يسعون لتطويرها ولتوصيل العجين من المعجنة إلى ماكينة إعداد الخبز مباشرة، وحاليا يوصله العاملون في سطول، فإذا نجح المهندسون في ذلك لن تكون هناك حاجة إلى هذه الواسطة، وهذا لا يعني أننا سنحرم هؤلاء العاملين من الخدمة بسبب التشغيل الآلي، بل سيُوظَّف هؤلاء العاملون في خدمة أحسن بفضل الله تعالى، وهذه ميزة الجماعة الأحمدية أن عاملينا، منذ الطفولة إلى أن يكبروا، يسعون لإنجاز كل مهمة باذلين كل قدراتهم. باختصار، أقصد أنه كان إطعام قرابة خمسة آلاف شخص تحدّيا كبيرا للمسؤولين في الماضي، وكانوا يشترون تسعين بالمئة من الخبز من السوق. واشتُريت ماكينة صغيرة لإعداد الخبز وهي كانت تتعطل مرارا بعد قليل من العمل، وكان المهندسون يراقبونها باستمرار، وظل أحد مهندسينا، الذي هو كبير في السن، يعمل عليها كثيرا، وكانت هذه الماكينة تُعِدُّ بضعة آلاف رغيف فقط، ولم يكن الرغيف مدورا بل كان بيضويا مثل “بِيْتَا بريد” (نوع من الخبز المعروف في بريطانيا، المترجم) ولكن الآن بفضل الله تعالى يُعدون بأنفسهم مئات الآلاف من أرغفة الخبز لأربعين ألف شخص تقريبا وهو عالي الجودة وقد فحصته بنفسي وهو أعجب الناسَ أيضا وأبديتُ إعجابي أيضا بين حين وآخر وهو أحسن بكثير من الخبز الذي كان في الماضي، أدعو الله تعالى أن يزيد هؤلاء الشباب العاملين حرفية ويوفقهم لخدمة ضيوف الجلسة أكثر من ذي قبل.
كذلك إن فِرَق طهي الطعام في دار الضيافة أيضا تعمل بكل جهد وشوق مع مدراء شعبتهم. وإن مستوى الطعام هذه المرة أيضا صار أفضل من ذي قبل. وأدعو الله تعالى أن يكون كذلك في هذه الأيام الثلاثة أيضا. ثم هناك قسم لتنظيف الطناجر الكبيرة، وهو عمل كبير أيضا، ولقد أعطيتْ لهذا القسم قبل عدة سنوات لتنظيف الأواني الكبيرة ماكينة آلية صنعها أحد المهندسين الأحمديين من ألمانيا. إن العاملين في ألمانيا أعجبوا بهذه الماكنة وهي ناجحة جدًّا هناك، وإنهم معجبون بعملها لأنها تغسل آليا الطناجر والأواني الكبيرة وتخرجها نظيفة. ولقد استخدم قسم التنظيف هنا هذه الماكنة لسنتين أو ثلاثة كما ظلوا يغسلون الأواني الكبيرة باليد أيضا. واستخدموها لقولي لهم أنه لا بد أن يستخدموها. ولكنهم في السنة الماضية أخذوا يقولون بكل تواضع أن أسمح لهم بتنظيف الأواني باليد فقط لأنهم هكذا يغسلونها في وقت أقل بكثير، بل يغسلونها في ثلث الوقت المستغرق بتنظيفها بالماكنة، أي الوقت الذي تغسل فيه هذه الماكنة طنجرة كبيرة واحدة يغسلون ثلاثة منها في الوقت ذاته، كما أنهم يغسلونها بشكل أفضل وأنظف من تغسيل الماكنة. ولقد قلت لرئيس هذا القسم مزاحًا في ذلك اليوم: يبدو أنك خبّأت عندك عاملين من الجنِّ في هذا القسم الذين يقومون بتنظيف الطناجر بهذه السرعة لأن الأحمديين في ألمانيا لا يقبلون إلى الآن أن أحدًا يمكنه تنظيف مثل هذه الطنجرة الكبيرة بهذا الوقت القليل كما ذكرت.
على أية حال، إن المتطوعين في هذا القسم يقومون بعمل جبار. إنهم لا يجتهدون فقط بل يقومون بالأعمال الشاقة وفي وقت قليل جدًّا. كان يطلب من الأجراء القيام بهذا العمل في باكستان وفي قاديان وذلك لقاء أجرة مناسبة، ولكن يقوم به ههنا المتطوعون بكل إخلاص وحماس.
ثم هناك قسم لتقديم الطعام، ولقد حاولوا إحداث التحسين فيه أيضا إذ وسّعوا في الخيم حتى يتم تقديم الطعام للضيوف بيُسر وراحة وفي وقت أقل.
ثم هناك قسم النظافة وقسم إيقاف السيارات والنقل، كما أن هناك شُعَبًا أخرى داخل مكان الجلسة وأهمها قسم الحراسة، كما أن هناك شُعَبا متفرقة أخرى ولكل منها أهمية خاصة بها. ويوفّق ألوف من المتطوعين للعمل في هذه الشُّعَب كلها.
كذلك هناك متطوعات يوفقن للقيام بأعمال شتى. وفق الله تعالى الجميع للعمل بأحسن ما يرام. وكما أقول للمتطوعين دائما أن يحافظوا حتى نهاية الجلسة على الشوق والحماس والعاطفة التي قدّموا بها أنفسهم لخدمة ضيوف المسيح الموعود u، بل وهناك قسم يُعنى بتفكيك المنشآت الموقتة هذه بعد الجلسة ويضطر هذا القسم للعمل لمدة أسبوع تقريبا. أما ما قلته بأن تحافظوا على عاطفة الخدمة فإن ذلك يتحقق من خلال لقائكم مع الناس بوجوه مبتسمة باشة وبمعاملتكم الضيوف بالعزة والإكرام والاحترام. فعلى المتطوعين والمتطوعات الذين يعملون في أماكن مختلفة لخدمة ضيوف هذه الجلسة أن يتذكروا دائما أنهم يكسبون ثوابًا مزدوجًا في هذه الجلسة ويستفيضون ببركاتها أكثر؛ إنهم يكسبون ثوابًا مزدوجًا، ثوابًا بحضورهم هذه الجلسة والإستفاضة ببركاتها وثوابًا بخدمة ضيوف المسيح الموعود u.
إكرام الضيف خلق يحبه الله تعالى لدرجة أنه ذكره مرتين في القرآن الكريم في الحديث عن إبراهيم u. لو كان تقديم الطعام للضيوف شيئًا عاديًّا لما ذكره القرآن كل مرة عند ذكر مجيء الضيوف، وأنّ أول عمل قام به إبراهيم u بعد السلام هو أنه جاء بعجل مشوي لقوله تعالى: ]فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ[(هود 70). فلقد قام بما كان يمكن أن يقوم به أحد للضيافة في ذلك العصر، حيث إنّ ذبح بعض المواشي وتقديمها للضيوف في ذلك الوقت كان يعدّ إكرامًا كبيرًا، كما أن هذه الضيافة كانت ميسرة هناك وفي متناول اليد. فلقد أرى إبراهيم أعلى مستوى للضيافة حسب الطريق المروّج في ذلك الوقت. أما نحن فينبغي أن نقوم بالضيافة بحسب الظروف المتاحة لنا اليوم، فينبغي القيام بضيافة تتيسر بسهولة وبسرعة، وليس بالضروة أن تكون ببذل الجهد الكبير والبحث عن العجل. فينبغي أن نضيّف الضيوف بأفضل ما يمكن تأمينه بسهولة وسرعة. إن أسوة النبي r أمامنا في هذا المجال، حيث إذا تيسر معه التمر فقد قدّمه، وإن تيسر معه اللحم أو أي طعام آخر فقد قدّمه، وإن تيسر معه حليب المعز فقد ضيّف به الضيوف، وإن لم يكن مع شيء فقد قال للصحابة أن يأخذوا الضيف إلى بيوتهم ويقوموا بإكرام الضيف. لقد أمر النبي r كل مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بثلاثة أمور تتعلق كلها بأداء حقوق بعضهم البعض كما أنها تتعلق بإنشاء مجتمع آمن. الأمر الأول هو يجب أن يقول المؤمن خيرًا أو ليصمت، أي ينبغي ألا يثير الفساد والفتنة بلغو الكلام ولا يُحدث الخصومات، لأن المؤمن يُعرض عن لغو الكلام والحديث السيئ. والأمر الثاني هو أن يُكرم جارَه، لأن للجار حقًّا كبيرًا فينبغي أن يُكرَم ويُعتَنَى به.
المشتركون في هذه الجلسة كلهم جيران بعضهم بعضا، بمن فيهم الضيوف والقائمون على خدمتهم. فمن هذا المنطلق يجب على الضيوف أيضا أن يحترموا العاملين، وعلى العاملين أن يحترموا الضيوف. لذا عليكم جميعا أن تعامِلوا بعضكم بعضا بالاحترام. والأمر الثالث المذكور هو إكرام الضيف. وهذا الأمر موجَّه إلى العاملين بوجه خاص، ويشكّل أساسا لبناء مجتمع آمن، كما هو أمر من أوامر الله تعالى ومن علامات المؤمنين.
كلما كثُر عدد الضيوف عند النبي r وزّعهم على الصحابة، ثم كان r يسأل الضيوف: هل أحسن إخوتُكم ضيافتكم؟ ولما كان الصحابة قد تربّوا على يد النبي r وفي صحبته لذا كان الضيوف يردون دائما بما مفاده: لقد فضّلَنا المضيفون على أنفسهم وأطعمونا أفضل مما أكلوا بأنفسهم.
إذًا، هذا كان أسلوب ضيافة أصحاب النبي r. كان هؤلاء الضيوف يأتون ليتعلموا الدين، وكذلك إن ضيوفنا الذين يأتون إلى هنا، هم أيضا يأتون لتعلّم الدين. وقد كُلِّفنا بخدمتهم بوجه خاص لأنهم يأتون إلى هنا ملبين نداء المسيح الموعود u للاشتراك في جلسة دينية محضة.
لقد وهب الله تعالى الجماعة سعة مالية كبيرة بمحض فضله ورحمته مقارنة مع الأيام الخالية، فتُقدَّم الضيافة تحت مظلة نظام الجماعة، وهناك بعض الضيوف الذين يقيمون في بيوت أقاربهم، ومسموح لأصحاب البيوت الذين لديهم ضيوف أن يأخذوا الطعام لهم إن أرادوا من دار الضيافة التي تعمل تحت نظام الجماعة. علما بأن صحابة رسول الله r ما كانوا يتمتعون بمثل الظروف السائدة اليوم، ولم يكن هناك نظام مركزي بهذا الشأن، كما أن كثيرا من الصحابة ما كانوا ميسوري الحال في البداية على الأقل. بل قد رُويت أحداث أن المضيفين جعلوا أولادهم ينامون جائعين وتحمل الزوجان المضيفان أيضا الجوع، وأطعما الضيف ما كان في البيت من قدر يسير من الطعام. فأشاد الله تعالى بفعلهما كثيرا. وقد رُوي أن الله تعالى أطلع النبي r على هذا الحادث بوجه خاص.
باختصار، إن الذين أُمرنا بالتأسي بأسوتهم كانوا يقدمون الضيافة مضحين على هذا النحو. وهناك كثير من أفراد جماعة المسيح الموعود u اليوم بفضله الله تعالى الذين يقدمون الضيافة بروح التضحية نفسها، وهذا ما يجب علينا فعله. فهؤلاء الإخوة يقدمون الضيافة للضيوف على الرغم من توفُّر الضيافة من قِبل نظام الجماعة. العاملون الذين كلِّفوا بالخدمة أيا كان مجالها، يجب على كل واحد منهم أن يقدموا الضيافة مظهرين حسن الأخلاق. وكما قلت من قبل، لسنا مطالَبين اليوم لنتحمل الجوع من أجل الضيوف، بل التضحية المطلوبة في هذه الأيام هي التضيحة بالوقت، وإلى جانب ذلك تُطلب التضحية بالعواطف أيضا، لأن بعض الضيوف يقوم أحيانا بتصرف غير لائق، ففي هذه الحالة تُطلب التضحية بالعواطف، بحيث يكون المطلوب هو الصبر والسكوت، وذلك لأننا نحسن الظن بالضيوف ونرى أنهم جاؤوا إلى هنا بخلوص النية من أجل إرواء عطشهم الروحاني والديني، ولعلهم قد تصرفوا على هذا النحو نتيجة سوء الفهم، فيعتذر العاملون إليهم ويحققون مطلبهم، مع أنهم لا يكونون مخطئين بل يصدر الخطأ من الضيف.
باختصار، يجب أن نُظهر هذه الأخلاق السامية في خدمة الضيوف، كما يتوقعها منا سيدنا المسيح الموعود u في هذا الزمن.
هناك أحداث كثيرة من هذا القبيل حدثت مع المسيح الموعود u نفسه، حيث جبر حضرته خاطر الضيوف وضرب أمثلة عليا لحسن الضيافة.
فقد رُوي أنه جاء ذات مرة ضيوف من منطقة بعيدة وعندما وصلوا إلى دار الضيافة في عربة رفض العاملون في دار الضيافة إنزال أمتعهم من العربة، فاستاء الضيوف من ذلك وعادوا أدراجهم. وقد جاء في رواية أنه عندما علم المسيح الموعود u ذهب وراءهم مسرعا لدرجة تعذر عليه لبس الحذاء أيضا وكأن هناك حالة طارئة قد حدثت. كان الضيوف راكبين عربة، وعندما رأوا المسيح الموعود u قادما إليهم أوقفوا العربة ونزلوا منها. فاعتذر المسيح الموعود u منهم وطلب منهم العودة فعادوا أدراجهم إلى دار الضيافة. فقال لهم المسيح الموعود u أنّ عليكم أن تركبوا العربة وأنا سأمشي بجانب العربة. ندم الضيوف ولم يركبوا العربة بل ظلوا ماشين على الأقدام. وعندما وصلوا إلى دار الضيافة مدّ المسيح الموعود u يده لإنزال أمتعتهم من العربة. فتقدم العاملون – الذين خجلوا كثيرا نظرا إلى هذا الموقف -لهذه الخدمة مسرعين. بقي المسيح الموعود u هناك إلى أن تم تدبير سكنهم وطعامهم على خير ما يرام.
لقد قال u لعَمَلَةِ دار الضيافة ذات مرة: انظروا! يأتي الضيوف بكثرة، وتعرفون بعضهم ولا تعرفون آخرين منهم، لذا فمن الأنسب أن تخدموهم جميعًا وتعملوا على راحتهم باعتبارهم كلهم محترمين. إني أحسن بكم الظن بأنكم تسهرون على راحة الضيوف.
فعلينا بأن نكون اليوم أيضا بحسب حسن ظنه u هذا.
بعد هذا أود أن أقول شيئا للضيوف أيضا. أولاً إن من واجب كل واحد منا الاعتناء بالآخرين ومراعاةَ مشاعرهم، سواء الضيوف أو المضيفين.
إذا كان الإسلام قد أمرنا باحترام وإكرام الضيف، فإنه أمرنا أيضا ألا نكون عبأً على المضيف. لقد قال النبي r إن بقاء المرء في بيت أحد طويلا يشكل عبأ عليه، وبقاؤه عنده طويلا هو بمنـزلة صدقة عليه. لا يكون كل واحد ميسور الحال بحيث يقدم الضيافة من أول يومه إلى آخره على ما يرام، لذلك فالضيف مأمور بمراعاة وضع أهل البيت أيضا، وإذا طال مكثه فعليه أن يعيش كما يعيش أهل البيت، وإذا احتاج صاحب البيت إلى الاستعانة به في شيء فعليه أن يعينه عليه ولا سيما في هذه البلدان.
وعلى العموم يفعل الناس هكذا. وهذا أمر ضروري لمجتمع جميل. إذا أحس المضيف أن الضيف أصبح عبأ عليه قلّ الإخلاص والحب، وبالتالي تلاشت السكينة والطمأنينة. لذلك يجب على الضيف أن يتذكر أن من واجبه أيضا أداء ما عليه من واجبات. إذا كانت الضيافة حق الضيف فمن حق المضيف أن يؤدي الضيف حقه ولا يكون عبأ عليه.
وقد حدد النبي r حق الضيف أنه بضعة أيام فقط.
وبالمناسبة أقول للمسؤولين إذا كان ضيوف جلستنا قد جاؤوا هنا لشهرٍ أيضا فعليهم تقديم الضيافة لهم، وعليهم ألا يظنوا بسبب حديث الرسول r هذا أنه يجوز لهم إنهاء ضيافتهم بعد ثلاثة أو أربعة أيام.
لقد عدّ المسيح الموعود u دارَ الضيافة فرعًا من فروع مهمته، ولذلك فإن الذين يأتون إلى دار ضيافة المسيح الموعود u في أي وقت، وليس في أيام الجلسة السنوية فقط، فعلى المسؤولين أن يعاملوهم بحسن الأخلاق في الأيام العادية أيضا.
ثم هناك حكم آخر يجب على الضيوف العمل به في أجواء الجلسة خاصة، وهذا الحكم مزية من مزايا المجتمع الجميل، ألا وهو إفشاء السلام. لقد أخبر النبي r أن من صفات الذين يدخلون الجنة أنهم يفشون السلام فيما بينهم، كما أمر r أن عليكم أن تسلّموا على مَن عرفتم وعلى مَن لا تعرفونه. وقد ذكر المسيح الموعود u أيضا أن من أهداف هذه الجلسة السنوية أن يجتمع الناس وتزداد وتتقوى بهذا الاجتماع أواصر المحبة والتعارف فيما بينهم.
فالتسليم خير سبيل لنشر المحبة والتعارف والتآخي. ومن فوائد التسليم زوال ما قد يحصل بين الإخوة من سخط وعدم رضا لسبب من الأسباب. ثم إن كل من يحضرون هنا إنما يحضرون خالصة لوجه الله تعالى، ويجب أن يحضروا بهذه الفكرة والنية دائما، إذ هذا هو الهدف الرباني لحضورهم هنا. إنما يحضرون هنا لإرواء غليلهم الديني والعلمي والروحاني، وكما قلت يجب أن تكون هذه الغاية لمجيئهم هنا، وإذا كان هذا هو الهدف فيجب أن يسعى كل واحد منا لإصلاح ذات بيننا ويسعي للقضاء على أي سخط أو حقد أو كراهية تجاه أخيه.
ثم قال المسيح الموعود u أن من يأتي للجلسة فعليه أن يسعى لكي يفتر حب الدنيا في نفسه، وهذا هدف من أهدافها، وأن يغلب على قلبه حبُّ المولى الكريم والرسول المقبول r. فمن أجل الفوز بهذا الحب اشترِكوا في فعاليات الجلسة وبرامجها باهتمام خاص، واستمِعوا لها، واذكروا الله كثيرا أثناء الجلسة وقياما وقعودا ومشيًا، وواظِبوا على أداء الصلاة جماعةً بعناية وتركيز بوجه خاص، واهتمّوا أيضا بأداء النوافل وصلاة التهجد. يجب على الذين يقيمون ويبيتون هنا في مكان الجلسة ألا يبرحوا يسعون بوجه خاص لجعل هذه الأجواء طاهرة وروحانية، ويحاولوا تحسين أوضاعهم. أما الذين يأتون هنا في الصباح ويمكثون حتى المساء فعليهم أيضا أن يكونوا من الذين يحققون هدف هذه الجلسة، ألا وهو أن نسعى لنزداد قربًا من الله تعالى، ومحبةً لرسول الله r. إنه لعمل جبار عهده إلينا سيدنا المسيح الموعود u، أعني أن تصبح محبة الله ورسوله غالبة على قلوبنا.
لو أن حضور الجلسة جعلوا هذا الهدف نصب أعينهم ثم سعوا لتحقيقه فليعلموا أنهم قد نالوا غايتهم المنشودة، وسيصبح السكن والطعام من الأمور الهامشية، وسيصبح هدفهم الحقيقي السعي لتطوير روحانيتهم والتقدم فيها أكثر فأكثر، ولو فعلتم ذلك لحققتم الغاية من حضوركم إلى الجلسة.
كذلك من حيث التنظيم ينبغي أن يضع الضيوف في البال أيضا أن في النظام المؤقت الواسع تبقى بعض النقائص، وإذا وجدوا أي تقصير فليصرفوا عنه النظر. أما العاملون فقد قلت لهم أن يصبروا إذا واجهوا أي نوع من القسوة من أحد، لكنه من واجب الضيوف والمشاركين أيضا أن يغضّوا الطرف عن الثغرات والعيوب، وأنه إذا وجدوا أي تقصير فليتقدموا لمساعدة العاملين. فقد لاحظت أن بعض الضيوف يصبحون مضيفين بمنتهى الشوق إذا اقتضى الأمر ويبدأون العمل بأنفسهم. فتنظيف المغاسل مثلا، إذا كان هناك ازدحام ولم يستطع العاملون في هذا القسم إنهاء العمل، فبعض الضيوف من تلقاء أنفسهم ينضمون إليهم ويساعدونهم. وهذا ما يجب أن يتميز به الأحمدي، وهذه هي الروح الحقيقية التي تخلق مجتمعا من ذوي الإخلاص المتبادل. على الضيوف أن لا يضيعوا وقتهم في اختبار العاملين وفحص كفاءتهم فقط، بل إذا اقتضت الحاجة فيجب أن يصبحوا مساعدين في كل قسم كما قلت سابقا. وكذلك في قسم إيقاف السيارات تحدث الطوارئ عند الازدحام، وفي مثل هذا الوضع يجب على القادمين بالسيارات أن يتعاونوا تماما مع المنظمين بكل صبر ورحابة. أحيانا تصلني الشكاوى من الرجال والنساء كليهما، حيث لا يقدِّم القادمون من الرجال والنساء تعاونا كاملا. وكذلك عند المداخل حيث نظام الفحص والتفتيش عادة يصطف الناس ويُبدون الصبر والتحمل، لكنه أحيانا تتكدر الأجواء بسبب شخص أو اثنين، فعلى الجميع أن يبدي الصبر الكامل في هذا القسم. حتى إذا تأخروا قليلا فلا بأس، فبإنشاء الصفوف يمكن أن يفرغ الإخوة من ماكينة الفحص بشكل أفضل.
ثم إنني أقول دوما للجالسين في الخيمة أن يراقبوا يمينهم ويسارهم، وينظروا أثناء التجوال أيضا إلى ما حولهم بنظرة فاحصة. كما يجب أن يبذلوا قصارى جهودهم لتنفيذ كل توجيه يتلقونه من المنظمين، ويداوموا على الدعاء لتحقيق الهدف من حضورهم الجلسةَ والاحتماء من شر كل شرير. إن تقدُّم الجماعة يزيد الحساد حسدا بانتظام، لذا ثمة حاجة ماسة للدعاء. في هذه الأيام اُدعوا للأحمديين في باكستان أيضا، فالمعارضة هناك تبدو تشتد من جديد. نسأل الله I أن يهب لهم حياة الأمن السلام، وحماهم من كل شر وخيَّب مكايد المعارضين الجديدة أو القديمة.
إضافة إلى ذلك أود أن أذكِّر المشاركين في الجلسة أن شتى الأقسام في الجلسة مثل قسم الأرشيف المركزي أو مجلة ريفيو أوف ريليجنـز أو مخزن التصاوير أو غيرها قد أقامت معارضها هذا العام أيضا، وهذه المعارض علمية جدا وتقدِّم معلومات كثيرة، وعلى الحضور أن يسعوا لزيارتها في وقت الفراغ.
إضافة إلى ذلك هناك إعلان من ايم تي ايه أنه سيطلَق تطبيق التلفزيون الذكي، وبتنـزيل هذا التطبيق يمكن الآن مشاهدة برامج القناة الإسلامية الأحمدية الأولى والثانية والثالثة العربية والقناة الإفريقية في أي بلد عبر أيل جي وفلبس وأمازون وسوني وتلفزيونات اندروايد دون الصحن اللاقط. وإضافة إلى ذلك إن برامج ايم تي ايه متوفرة سلفا في أميركا على محطة سامسونج. فالقادمون من الخارج يستطيعون أن يستفيدوا من هذا التطبيق أيضا، وسوف أفتتحه بعد الجمعة.
نسأل الله تعالى أن يُنجح الجلسة على كل الأصعدة، ويوفِّقكم جميعا للاستفادة الكاملة منها.