خطبة الجمعة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 16/8/2109م

في مسجد بيت الفتوح بلندن

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

سوف أستأنف اليوم الحديثَ عن الصحابة البدريين الذي هو مستمر منذ فترة لا بأس بها. وأول من أذكره اليوم هو قتادة بن النعمان t. كان من الأنصار من الخزرج من بني ظفر. اسم والده نعمان بن زيد، ووالدته أنيسة بنت قيس. كنيته أبو عمر، ويقال أبو عمرو وأبو عبد الله أيضا. كان أخًا لأبي سعيد الخدري من أمه. كان من الصحابة السبعين الذين حضروا بيعة العقبة. لكن ابن إسحاق قال إنه لم يكن من بين الصحابة الذي بايعوا بيعة العقبة، أو أن ابن إسحاق لم يذكره من بينهم.

كان قتادة t من الرماة الذين عينهم الرسول r. قد حضر مع النبي r بدرًا وأحدا والخندق وسائر الغزوات بعدها. أصابه سهم في عينه يوم أحد فخرجت حدقته، فجاء النبي صىلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله قد أصابني سهم وخرجت حدقة عيني، وإني أحب زوجتي جدا، وأخشى أنها إن رأت عيني هكذا تبدأ تكرهني. فأخذ رسول الله r الحدقة في يده ووضعها في عيني، فثبتت في مكانها ورجع بصري، وكانت عيني هذه أقوى وأحدَّ بصرا من الأخرى في شيخوختي.

وقيل في رواية أن رسول الله r بزق في عينه فصارت أجمل من العين الأخرى.

وقد ذكر قتادة بنفسه تفاصيل هذه الواقعة فقال أُهديتْ لرسول الله r قوس، فآتاني إياها يوم أحد، فكنت أرمي بها السهام وأنا أمام رسول الله r حتى انكسر وترها، فوقفت أمام وجه رسول الله r.

يُذكر عادةً أن طلحة قام أمام وجه رسول الله صلى الله وسلم يدافع عنه، لكن قتادة أيضا يقول: وقفتُ سترًا أمام وجه رسول الله r، وكلما جاء إليه سهم تقدمت إليه بوجهي لأصبح جُنةً أمام وجهه المبارك. ولم يبق عندي سهم أطلقه، فأصاب سهم عيني فخرجت حدقتها وتدلت على خدي. لما انفضّ جمع الكفار أمسكتُ حدقتي في يدي وجئت رسول الله r. فلما رآها رسول الله r في يدي دمعت عيناه فقال: “اللهم إن قتادة قد أوجه نبيك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظرا”، فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا..

فالقصة التي سردها قتادة بنفسه لم يرد فيها أنه كان يحب زوجته جدا فخاف أن تكرهه بسبب عينه المصابة، كما هو مذكور في القصة الأولى التي أوردها المؤرخون، فلعل البعض ذكر هذا الأمر تزيينا للقصة أو خطأً منه. على كل حال خرجت حدقة عينه أثناء القتال، فأعادها النبي r، فثبتت وعاد بصرها على ما يرام، ومن أجل ذلك اشتهر قتادة بلقب بذي العين.

شهد قتادة مع رسول الله r كل الغزوات بما فيها بدر وأحد والخندق. وكانت راية بني ظفر في يده يوم فتح مكة. توفي قتادة t في العام ال 23 الهجري وعمره 65 عاما، وصلى عليه سيدنا عمر t في المدينة. وعند الدفن نزل في لحده أخوه من أمه أبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والحارث بن خَزَمَة، وفي رواية أن سيدنا عمر أيضا كان بين النازلين في لحده.

وكان من أحفاد قتادة عاصمُ بن عمر، وكان عالما بالأنساب، أي خبيرا بمعرفة الأسر والأعراق والقبائل، وقد نقل عنه ابن إسحاق كثيرا.

وفي رواية: كانت عند رسول الله r قوس اسمها الْكَتُومُ، وكانت صنعتْ من شجرة ” نَبْع” التي كانت تصنع منها السهام، وانكسرت هذه القوس في يد قتادة يوم أحد من كثرة الاستعمال.

وقال قتادة بن النعمان t كانت في الأنصار أسرة تسمى بني أُبَيْرِقٍ، وكان فيها ثلاثة إخوة: بشر، وبُشير ومبشر. وكان بُشير منافقا يكتب شعرًا يهجو به أصحاب رسول الله r، ثم يعزو شعره إلى بعض العرب. كان يتظاهر بالإسلام ولكن أعماله لم تكن حسب ادعائه.

فلما سمع شعرَه صحابة رسول الله r قالوا والله إنه شعرُ هذا الشقي السيئ الباطن الذي هو من بني أبيرق. وكانت بنو أبيرق في الجاهلية والإسلام أيضا في فقر وفاقة، ولم يتغيروا شيئا. كانوا لا يعملون شيئا ولا يبذلون جهدا لذا كانوا في غاية البؤس والفقر.

وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير. وكان الرجل إذا كان له يسار، فقدمت ضافطة من الشام (أي تاجر الغلال بدقيق ناعم أبيض) فابتاع الرجل منها، فخص به نفسه، فأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير.

فقدمت ضافطة من الشام، فابتاع عمي حملاً من الدرمك (أي الدقيق الأبيض)، فجعله في مشربة له، وفي المشربة سلاح له: درعان، وسيفاه، وما يصلحهما، فعدي عليه من تحت الليل، فنُقبت المشربة وأُخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال يا ابن أخي تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا، فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار، وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني الأبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نراه إلا على بعض طعامكم (أي يطبخون الطعام المسروق ويفرحون). قال: وقد كان بنو الأبيرق قالوا: ونحن نسأل في الدار والله، ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل -رجل منا له صلاح وإسلام- فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟! والله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنا أيها الرجل! فوالله ما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار حتى لم نشكّ أنهم (أي بنو أبيرق) أصحابها. فقال لي عمي: يا ابن أخي، لو أتيت رسول الله  r، فذكرتَ ذلك له. قال قتادة فأتيت رسول الله r، فذكرتُ ذلك له، فقلت: يا رسول الله، أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردّوا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا به. فقال رسول الله r: سأنظر في ذلك. فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له: أسير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله r، فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمَّه عمدوا إلى أهل بيت منا بيت إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة عن غير بينة، ولا ثبت. قال قتادة فأتيت رسول الله r فكلمته، فقال: “عمدتَ إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة، على غير ثبت، ولا بينة”! قال فرجعتُ، (إذ كان صالحا طيب الطبع) ولوددت أني خرجت من بعض مالي، ولم أكلم رسول الله r في ذلك، (فقد قالت لي نفسي إني عبثا قد سببتُ الإزعاج للنبي r، إذ لو كان مالي قد ضاع لما كان في ذلك حرج لكن كان يجب ألا أزعج النبي r) فأتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته ما قال لي رسول الله r، فقال: الله المستعان. فلم نلبث أن نزل القرآن: ]إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا[ وقد ورد أن المراد منهم بنو أبيرق ]وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ[ أي مما قلت لقتادة ]إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا. [

]وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا * وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[

يقال إن في ذلك إشارة إلى قول بني أبيرق إن لبيد بن سهل سرق.

]وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا * لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[

باختصار في هذه الآيات مطالب أخرى كثيرة، لكن إذا اعتبرنا أنه قد خطر ببالهم بعد مدة قصيرة أن هذه الآيات نزلت فيهم، فقد كشف الله الحقيقة على النبي r مما أدى إلى أن بني أبيرق الذين كانوا يُشك فيهم سلموا بأنها نزلت فيهم حصرا واعترفوا بجريمتهم وأتوا بما سرقوه من السلاح وغيره إلى رسول الله r فردَّه إلى رفاعة صاحب السلاح.

قال قتادة: كان عمي شيخًا قد عسا في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، (أي كنت أظن أنه أسلم لكن إيمانه ليس قويا) فلما أتيُته بالسلاح، قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحًا. (وتبين لي أن إيمانه قوي وصحيح وأني عبثا كنت أشك في ضعف إيمانه)

فلما نزل القرآن، لحق بشير بالمشركين، وهو أخوهم الذي مر ذكره أنه كان يُشَكّ فيه أنه منافق، فنزل على سلافة ابنة سعد بن شُهَيد، فأنزل الله تعالى فيه: ]وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ[ إلى قوله: ]وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا[ فلما نزل على سلافة وابتعد عن الإسلام رماها حسان بن ثابت t بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت فرمتْ به في الأبطح، ثم قالت: أهديتَ إليّ شعر حسان! (أي أنه هجاك حسان بن ثابت فأشركني في الهجو بسببك) ما كنت تأتيني بخير لذا لن أضع رحلك عندي. هذه كانت عاقبة هذا المنافق أو المشرك.

وعن أبي سعيد الخدري t قال: بات قتادة بن النعمان t يقرأ الليل كله بسورة الإخلاص، فذكر ذلك للنبي r فقال: “والذي نفسي بيده، لَتَعدلُ نصف القرآن، أو ثلثه”، وهذا هو الحق لأنّ وحدانية الله تعالى هو القرآن أصلا وهذا ما يعلِّمه القرآن.

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ t قَالَ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ r أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ يَسْأَلُ اللهَ خَيْرًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ. قَالَ: وَقَلَّلَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْتُ وَاللهِ لَوْ جِئْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ السَّاعَةِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ، فَأَتَيْتُهُ فَأَجِدُهُ يُقَوِّمُ عَرَاجِينَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا هَذِهِ الْعَرَاجِينُ الَّتِي أَرَاكَ تُقَوِّمُ؟ قَالَ: هَذِهِ عَرَاجِينُ جَعَلَ اللهُ لَنَا فِيهَا بَرَكَةً، كَانَ رَسُولُ اللهِ r يُحِبُّهَا وَيَتَخَصَّرُ بِهَا فَكُنَّا نُقَوِّمُهَا وَنَأْتِيهِ بِهَا فَرَأَى بُصَاقًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَفِي يَدِهِ عُرْجُونٌ مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ فَحَكَّهُ وَقَالَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّ رَبَّهُ أَمَامَهُ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ (لأنَّ المرءَ يحضر أمام ربه لذا قال لا يبصق أمامه، وأرى أنه لم تكن نزلت الأحكام بالتفصيل إلى ذلك الحين لذا قيل في الرواية “وليبصق عن يساره أو تحت قدميه”. وردت هذه الرواية في صحيح البخاري أيضا، وكان المسجد في ذلك الوقت ترابيا لذا أمر r بدفن البصاق ولكن الأصل هو كما ورد في رواية أخرى أن على المرء أن يبصق أو ينظّف أنفه في طرَف ردائه إذا دعت الحاجة، وأما الآن فهناك مناديل ومحارم وفي المساجد سجّادات فلا يجوز البصاق هناك على الأرض وإنما كان ذلك جائزا مؤقَّتا في حالات معينة، ثم وضّح النبي r وأخبر بأنه إذا اضطُّر أحد إلى تنظيف أنفه أو البصاقِ فعليه أن يأخذ طرَف ردائه ويردّ بعضه على البعض بعد التنظيف وينظف الرداء بعد الخروج) قَالَ الراوي: ثُمَّ هَاجَتْ السَّمَاءُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ r لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بَرَقَتْ بَرْقَةٌ فَرَأَى قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ فَقَالَ: مَا السُّرَى يَا قَتَادَةُ؟ قَالَ: عَلِمْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَّ شَاهِدَ الصَّلَاةِ قَلِيلٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَشْهَدَهَا، قَالَ: فَإِذَا صَلَّيْتَ فَاثْبُتْ حَتَّى أَمُرَّ بِكَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَعْطَاهُ الْعُرْجُونَ وَقَالَ: خُذْ هَذَا فَسَيُضِيءُ أَمَامَكَ عَشْرًا وَخَلْفَكَ عَشْرًا فَإِذَا دَخَلْتَ الْبَيْتَ وَتَرَاءَيْتَ سَوَادًا فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فَاضْرِبْهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ، قَالَ: فَفَعَلَ، قال أبو سعيد: فَنَحْنُ نُحِبُّ هَذِهِ الْعَرَاجِينَ لِذَلِكَ، (أعطانا النبي r إياها أو كنا نعطيه العراجين، وكان يستخدمها ثم يردها إلينا أو يهدينا إياها، وفيها بركات كثيرة لنا، لذا أقوّمها) قَالَ أبو سلمة: قُلْتُ يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَنَا عَنْ السَّاعَةِ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْهَا عِلْمٌ؟ (كان قد ذهب ليسأله هذا السؤال ولكن حين رأى العراجين بدأ ذكرها ضمنا والآن عاد إلى سؤاله الأصلي فقال: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَنَا عَنْ السَّاعَةِ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْهَا عِلْمٌ؟) فَقَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ r عَنْهَا فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ قَدْ أُعْلِمْتُهَا ثُمَّ أُنْسِيتُهَا كَمَا أُنْسِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ.

يقول أبو سلمة قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ.

ورد ذكر الساعة يوم الجمعة في رواية مسند أحمد بن حنبل التي ذُكِرتْ هنا، ولقد وردت روايات شتى عن هذه الساعة، وكلها تتلخص في ثلاثة أوقات لها أو هي ثلاثة أمور مختلفة. أولها أن هذه الساعة تأتي أثناء الجمعة، وثانيها أنها تأتي في آخر ساعات النهار. وثالثها أنها تأتي بعد صلاة العصر.

فأذكر لكم هذه الروايات ههنا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.

أي أن وقت هذه الساعة قليل جدًّا.

ثم هناك رواية في صحيح مسلم عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ.

ثم هناك رواية أخرى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ r جَالِسٌ إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا قَضَى لَهُ حَاجَتَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَأَشَارَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ r أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ، فَقُلْتُ صَدَقْتَ أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ. قُلْتُ أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ هِيَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ (أي عند غروب الشمس) قُلْتُ إِنَّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ؟ قَالَ بَلَى إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ لَا يَحْبِسُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ.

أي إنْ انشغل المؤمن بالذكر الإلهي فهي حالة مشابهة للصلاة التي تنتج منها حالة الدعاء.

ثم هناك رواية أخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ.

فهنا ذكر يوم الجمعة إلا أن الساعة تأتي بعد العصر، وهي رواية مسند أحمد بن حنبل.

ثم ورد في رواية أن أبا سلمة لما سأل النبي r عن هذه الساعة قال: آخر ساعات النهار. أي أن هذه الساعة تأتي في آخر ساعات النهار.

يقول سيدنا المصلح الموعود t موضحًا هذا الأمر ومفسّرًا إياه:

هناك تشابه بين الجمعة ورمضان وهو أن الجمعة يوم استجابة الدعاء وكذلك رمضان أيضا شهر استجابة الدعاء. يقول رسول الله r عن الجمعة أن من يأتي المسجد للصلاة ويجلس منشغلا بالذكر الإلهي بصوت خافت وينتظر قدوم الإمام، ثم يستمع لخطبة الإمام بكل طمأنينة، ويشترك في صلاة الجماعة، فستنزل عليه بركات خاصة من الله تعالى. وتأتي في يوم الجمعة ساعةٌ يستجاب فيها كلُّ دعاء يدعو به الإنسان.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.

هو حديث البخاري الذي سبق ذكره وكان رواية أبي هريرة.

لا بد من تفسير هذا الحديث في ضوء القانون الإلهي، تستجاب الأدعية التي تكون مطابقة لسنة الله وللقانون الإلهي، ولا تستجاب التي كانت مخالفة لسنة الله وقوانينه. باختصار، لا يستجاب إلا تلك الدعوات التي تكون متوافقة مع سنة الله تعالى وتكون جائزة وخاضعة لقوانين الله تعالى.

إنها نعمة عظمى كما أن الحصول عليها ليس أمرًا سهلا. وذلك لأن وقت الجمعة يبدأ من الأذان الثاني للجمعة أو قبله بقليل ويستمر إلى التسليم في ختام صلاة الجمعة. لو قِيسَ الوقت بين هذين الحدين وكانت خطبة الجمعة قصيرة فسيكون مقدار هذا الوقت على أقلّ تقدير نصف ساعة تقريبا، ولكن إن كانت الخطبة طويلة فيمكن أن يمتد هذا الوقت إلى ساعة أو ساعة ونصف. وخلال فترة الساعة أو الساعة والنصف هذه تأتي ساعة الجمعة المذكورة التي إذا دعا فيها الإنسان استجيب دعاؤه. ولكن الإنسان لا يعلم خلال فترة التسعين دقيقة هذه هل كانت ساعة الاستجابة هي الدقيقة الأولى أو الثانية أو الثالثة، بل لا يستطيع الإنسان القول إلى آخر هذه الدقائق التسعين أن هذا هو وقت استجابة الدعاء. فلا بد من تحري هذه الساعة التي يستجاب فيها كل دعاء في هذه الدقائق التسعين، ولن ينجح في البحث عن فرصة استجابة الدعاء إلا ذلك الشخص الذي يظل مركزًّا على الدعاء تسعين دقيقة متواصلة. ولا يقدر كل واحد على الانشغال بالدعاء بشكل متواصل طيلة تسعين دقيقة مع الحفاظ على التركيز، لأنه أمر صعب للغاية.

لقد كتب المصلح الموعود t أن بعض الناس لا يستطيعون الحفاظ على تركيزهم لخمس دقائق، بل تطيش نظرتهم هنا وهناك أحيانا، فمثلا جئت هنا للصلاة فلاحظت قبل الخطبة أن بعض الناس كانوا يصلّون السنن وكانت نظرتهم تطيش هنا وهناك فجأة. إن أداء السنن لا يستغرق إلا دقيقة ونصف أو دقيقتين فحسب، وإذا كان الناس ينظرون يمينا مرة ويسارا مرة أخرى أو إلى الأرض تارة وإلى السماء تارة أخرى في هذا الوقت الوجيز أيضا ويتعذر عليهم التركيز لدقيقة ونصف أو دقيقتين فقط فإن القيام بالدعاء وذكر الله إلى تسعين دقيقة مع التركيز إلى جهة واحدة ليس بأمر سهل.

أقول: إذًا، لقد ذُكرت تلك الساعة ولكن هناك حاجة إلى التركيز، وهذا الأمر يتطلب جهدا، ويكون الإنسان بحاجة إلى المجاهدة لها.

فباختصار، يجب على الإنسان أن ينهمك في الدعاء في هذه المدة دون أن يطيش تركيزه، إذ لا بد من ذلك. وكما قال المصلح الموعود t، هذا ليس بأمر سهل، بل هناك حاجة إلى جهد كبير للحصول على بركات يوم الجمعة.

والصحابي الآخر الذي سأذكره الآن، اسمه عبد الله بن مظعون القرشي الجمحي، وأمّه سخيلة بنت العنبس. وكان أخو عثمان بن مظعون وقدامة بن مظعون والسائب بن مظعون. كان هؤلاء الإخوة أخوال عبد الله بن عمر y لأن عمر t تزوج أختهم زينب بنت مظعون.

هناك رواية عن يزيد بن رومان أن عبد الله بن مظعون وقدامة بن مظعون أسلما قبل أن يدخل النبي r دار الأرقم ويبلّغ الدعوةَ من هناك. كان عبد الله بن مظعون وإخوته الثلاثة أي قدامة بن مظعون وعثمان بن مظعون والسائب بن مظعون ممن هاجروا إلى الحبشة. وعندما بلغهم في أثناء الإقامة في الحبشة أن قريشا أسلموا، عادوا إلى مكة. وقد ذكرتُ هذا الأمر من قبل أيضا في بيان سيرة بعض الصحابة الآخرين، وقلت أنه لما بلغت معاناة المسلمين منتهاها أمرهم النبي r أن يهاجروا إلى الحبشة، وقال أن ملك الحبشة ملِك عادل ولا يُظلَم أحد في مُلكه. في ذلك الزمن كانت في الحبشة حكومة مسيحية قوية مستتبةٌ، وكان الملك يُسمى “النجاشي”.

باختصار، هاجر إلى الحبشة في شهر رجب من العام الخامس من النبوة بأمر من النبي r أحد عشر رجلا وأربع نساء. وكان من حسن حظ هؤلاء المهاجرين أنهم عندما خرجوا من مكة مسافرين إلى الجنوب ووصلوا إلى الشعيبة، وهو مرفأ السفن، وجدوا سفينة تجارية موشكة على الانطلاق إلى الحبشة فركبوها بأمن وسلام وانطلقت السفينة.

بعد الوصول إلى الحبشة حظي المسلمون بحياة الأمن والسلام ونجوا بفضل الله تعالى من مظالم قريش. ولكن، وكما يقول بعض المؤرخين، وقد ذكرته من قبل أيضا، عاد المسلمون إلى مكة بعد أن بلغهم أن قريشا أسلموا. ولم يكن قد مضت فترة طويلة على وصول المسلمين إلى الحبشة حين بلغهم بطريقة ما أن قريشا أسلموا جميعا وصارت مكة آمنةً تماما. كانت نتيجة هذا الخبر أن معظم المهاجرين المسلمين عادوا إليها دون أن يتحققوا من صحة الخبر. وعندما وصلوا قرب مكة علموا أن الخبر كان كاذبا، بل كانت هذه خطة الكفار لإعادة المهاجرين من الحبشة إلى مكة. فبالنتيجة واجه هؤلاء المهاجرون مشكلة كبيرة، ولم يبق أمامهم سبيل إلا أن عاد بعضهم من هناك إلى مكة واستجار بعضهم بشخص ذي نفوذ في مكة، ولكن هذا الملاذ أيضا لم يكن ليبقى طويلا. اشتدت مظالم قريش أكثر من ذي قبل، ولم يبق لدى المسلمين مكان آمن. وما دام النبي r كان قد أمرهم أن يهاجروا من مكة، فبدأ المسلمون الآخرون أيضا يستعدون للهجرة سرا، وكلما وجد أحد فرصة خرج منها مهاجرا إلى الحبشة، وهكذا بدأت الهجرة حتى بلغ عدد المهاجرين إلى الحبشة مائة نسمة، منهم 18 سيدة، والبقية رجال. وكانت هذه هي الهجرة الثانية.

باختصار، لقد ورد عن عبد الله بن مظعون أنه كان قد عاد بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم هاجر إليها مرة ثانية، ثم هاجر منها إلى المدينة فيما بعد.

عندما وصل عبد الله بن مظعون المدينةَ مهاجرا آخى النبي r بينه وبين سهل بن عبيد الله الأنصاري. وفي رواية أنه r آخى بينه وبين عتبة بن عامر رضي الله عنهما. شهد عبد الله بن مظعون مع إخوته قدامة بن مظعون، والسائب بن مظعون بدرا وأُحدا والخندق والمشاهد الأخرى. توفّي عبد الله بن مظعون في الثلاثين من الهجرة عن عمر يناهز ستين عاما، في عهد عثمان t. ندعو الله تعالى أن يرفع درجات الصحابة y باستمرار.

 

About الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز

حضرة أمير المؤمنين الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز ولد حضرته في الخامس عشر من أيلول 1950 في مدينة (ربوة) في الباكستان. هو حفيد لمرزا شريف أحمد نجل المسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام. أنهى حضرته دراسته الابتدائية في مدرسة تعليم الإسلام في مدينة (ربوة) وحصل على درجة البكالوريوس من كلية “تعليم الإسلام” في نفس المدينة. ثم حصل حضرته على درجة الاختصاص في الاقتصاد الزراعي من كلية الزراعة في مدينة (فيصل آباد) في الباكستان وذلك في عام 1976م.

View all posts by الخليفة الخامس مرزا مسرور أحمد أيده الله بنصره العزيز