خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز، الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي ؏ في مسجد بيت الفتوح بلندن يوم 18/5/2018
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ (البقرة 184)
من فضل الله ﷻ أننا نشهد في حياتنا رمضان آخر، قد بدأ يوم أمس، في هذا الشهر يهتم عدد كبير من المسلمين بالصلاة والعبادة وهم يأتون المساجد لأداء الصلوات والتراويح. في مساجدنا أيضا يزداد عدد المصلين مقارنة مع الأيام العادية. الآية التي تلوتها قبل قليل تُردَّد في هذه الأيام على ايم تي ايه لتذكِّرنا أن الهدف من الصيام الذي كُتب علينا هو التقوى، كما كان الصيام الذي كتب على الذين من قبلنا أيضا يهدف إلى التقوى.
اليوم لم يبقَ تعليم الأديان السابقة على حاله الأصلية ولم يعُد أهلها يعملون به، ومن ثم لم تبقَ فيهم التقوى أيضا. أما الإسلام فدين خالد يدوم إلى يوم القيامة، وتعليمه أبدي والقرآن الكريم باق على حاله الأصلية في كل بقاع العالم وهو هدى للمتقين، أو بتعبير آخر، الذين سيعملون بتعليمه سيتحلَّون بالتقوى دوما، فهو إرشاد لهم.
ثم في الزمن الأخير بعث الله ﷻ المسيح الموعود ؏ ليُصلحنا وينشر القرآن الكريم ويلفت انتباهنا إلى العمل به، ويرينا سبل ذلك، فوفَّقنا للإيمان به. لذا تقع علينا نحن الأحمديين مسؤولية جسيمة في إدراك حقيقة الصيام، والسعي لإحراز الغاية المنشودة من رمضان، أي التحلي بالتقوى والتقدم على دربها.
في الآيات التي تَلِي هذه الآيةَ وردتْ تفاصيل الأوامر المتعلقة برمضان، ومنها قراءة القرآن الكريم والاستجابة لأحكامه والاهتمام بالدعاء أيضا. ولخص القرآنُ الكريم كلَّ هذه الأوامر في كلمتين من هذه الآية وهما “لعلكم تتقون”. فاسعوا جاهدين للعمل بأحكام الله وعبادته بوجه خاص في هذا الشهر لكي يسهل عليكم العمل بها دوما ولكي تجعلوه جزءا لا يتجزأ من حياتكم. ففي رمضان حين نسعى لإحراز التقوى نلتفت إلى العبادة أيضا، وإذا صمنا بهدف التقوى فسوف نجتنب السيئات، سواء تلك التي تضرُّنا أو تسبب الأذى للآخرين، فباجتنابها تتحقق الغاية من الصيام، ثم نلتفت إلى تحرِّي أوامر الله والعمل بها. أما إذا كنا لا نُقْلِعُ عن السيئات فلن تتحقق الغاية من الصيام، والتي هي التقوى. إذا كان يصدر منا ما ينم عن التكبر والافتخار بأعمالنا وشؤوننا دون مبرر حتى في الصيام، وكانت عندنا عادةُ الاعجاب بالنفس، وكنا نتمنى أن يمدحنا الناس ونحب أن يتملقنا مَن يتبعنا، ونُعجَب بمن أثنى علينا، فهذا ليس من التقوى في شيء. إذا كنا أثناء الصيام لا نجتنب الخصام والشجار وقول الزور والفساد فلا تقوى لنا، إذا كنا لا نقضي أوقاتنا في شهر الصيام في العبادة والدعاء والأعمال الصالحة، فلسنا متقين ولا محققين الهدف من الصيام. إنما تتحقق الغاية من صيام رمضان باجتناب السيئات وإحراز الحسنات فقط، وإذا سعى المرء إلى أن يَثبت على ذلك ويداوم عليه فيمكن أن ينال الهدف من الصيام في الحقيقة، أما إذا كان لا يحقق هذا الهدف فعبثا يتحمل الجوع والعطش. وقد قال النبي ﷺ إذا كنتم لا تحققون هذا الهدف فليس الله بحاجة إلى أن تجوعوا أو تعطشوا. بعض الناس يتظاهرون أنهم صائمون وهم فهم في الحقيقة لم يصوموا، فهم لا سيطرة لهم على الأكل والشرب. إذا كانوا لا يستطيعون الامتناع عن الأكل والشرب لسويعات من أجل الله، فكيف يمكن أن يسيطروا على أنفسهم في شؤون أخرى. فيوم أمس نُشر في الجريدة تقرير استطلاعي عن صيام المسلمين، وملخص هذا التقرير أن غالبية الشباب هنا يصومون رياءً فقط، ولا إلمام لهم بالغاية المبتغاة من الصيام مطلقا.
فقد سجل صحفي غير مسلم لقاءً مع شاب مسلم، فقال الشابُّ ردًّا على سؤال: إنني تسحَّرت مع أهل بيتي وصمت، وفي بيتنا اهتمام ملحوظ بالسَّحُور والإفطار، فأمي عمرها 64 سنة وهي مريضة بالسكري، وهي ربما تصوم أيضا، ومع ذلك تحضِّر لنا أنواع الطعام للإفطار باهتمام كبير. وحين أعود إلى البيت أتناولها. ثم قال: إنما أتظاهر أمام أهلي وأفراد المجتمع أنني أصوم، فقد تسحَّرتُ اليوم أيضا، لكنني تناولتُ قبل قليل السمك مع البطاطا (Fish and Chips) أيضا ثم قال: هنا في إنجلترا آلاف من الشباب مثلي يصومون هكذا.
فهذه حقيقة صيام البعض، وهناك آخرون يجوعون يوما كاملا لكنهم لا يهتمون بالصلوات والعبادة كما يجب، ويكتفون بصلاة واحدة فحسب، ولا يعيرون أي اهتمام لأوامر الله ونواهيه، فصيامهم لا يحقق الهدف الذي بيَّنه الله أي التقوى. فمن واجبنا الكبير نحن الأحمديين بعد إيماننا بالمسيح الموعود ؏ أن نسعى لأداء حق الصيام بحسب ما أمرَنا الله به، ويجب أن نسعى لإدراك ماهيَّة التقوى، والسبيل إلى التحلِّي بها. فقد بيَّن لنا المسيح الموعود ؏ في شتى المناسبات مَن هو المتقي، وأن الراحة الحقيقية واللذة إنما تنشأ بالتقوى، وأن الراحة لا تكمن في ملذات الدنيا، كما بيَّن لنا كيفية إحراز الحسنات، وأنه يجب على المرء أن ينجز كل عمل ابتغاء مرضاة الله فيكون مؤمنا حقيقيا، وهذا الأمر وحده يميز الكافر من المؤمن. ونصحَنا بضرورة التقدم في معرفة الله، بحيث نزداد كل يوم معرفةً له ﷻ، لا أن نقف في مكان واحد، أو نكون مثل أولئك الذين يصومون خاضعين لضغط المجتمع أو بدافع الرياء ولا يصومون قصدَ الاتقاء، كالمثال الذي ذكرته لكم. باختصار، الآن سأتلو عليكم بعض المقتبسات من كلام المسيح الموعود ؏ عن التقوى. لقد نَصَحَنَا المسيحُ الموعود ؏ بالسير على دروب التقوى لنيل رضوان الله ﷻ، وذلك في إلهامٍ له، فقال إن التقوى عصارة جميع الصحف المقدسة السابقة، فقال في اجتماع: بالأمس أي في 22/6/1899م تلقيتُ من الله الوحي التالي مرارا: “لو صرتم متقين، وسلكتم دقائق سبل التقوى لكان الله معكم”. ثم قال ؏: إن هذا يعصر قلبي ألمًا. وأقول في نفسي ماذا أعمل حتى تتحلى جماعتنا بالتقوى والطهارة الحقيقية؟! إنني أُكثِر من الدعاء حتى يغلبني الضعف، وأحيانا أوشك على الإغماء والموت.
ما لم تصبح جماعةٌ ما تقيةً عند الله تعالى، لا يحالفها تأييدُه ونصرته أبدًا.
إن التقوى ملخصُ تعاليم كل الصحف المقدسة والتوراة والإنجيل. إن القرآن الكريم قد عبَّر بكلمة واحدة عن مرضاة الله العظيمة ورضاه الكامل. (أي بكلمة “التقوى”) إنني أفكر أن آخذ من جماعتي المتقين الصادقين المؤثرين الدين على الدنيا المنقطعين إلى الله، وأفوض إليهم بعض مهامّ الدين، ثم لا أبالي بغيرهم ممن تشغلهم أمور الدنيا الفانية ويرهقون أنفسهم طلبا لها ليل نهار” (الملفوظات ج 1).
فهذا هو الألم الذي كان يعتصر قلبه ؏ فكان يودّ أن يسلك كل فرد من جماعته مسلك التقوى، ولا يركض وراء الدنيا فقط. ثم وجّه ؏ إلى أن السلوك على مسالك التقوى هو ملخص تعاليم الشريعة في الحقيقة، فاسلكوا طرق التقوى. إن كنتم تريدون أن تجاب دعواتكم فعليكم أن تتحلوا بالتقوى، فقال: إن التقوى هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يُعَدَّ لبّ الشريعة. فلو أردنا بيان الشريعة بإيجاز، فليس لبّها إلا التقوى. وللتقوى مدارج ومراتب كثيرة، ولكن لو تخطّى الإنسان المراحل الابتدائية بمثابرة وإخلاص طالبًا صادقًا، لارتقى إلى المدارج العليا نتيجة إخلاصه وطلبه الصادق. (أي يجب الدوام والمثابرة على كل حسنة سواء أكانت صغيرة أم كبيرة).
يقول الله تعالى: ]إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[، أي أنه تعالى لا يجيب إلا دعوات المتقين. وكأن هذا وعد من الله تعالى، والله لا يخلف الميعاد كما قال: ]إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ[ فما دامت التقوى شرطًا ضروريا لا فكاك منه لاستجابة الدعاء، فما أشدَّ حماقةَ وسفاهة مَن أراد استجابة دعائه مع عيشه عيشة الغفلة والانحراف! فعلى كل فرد من جماعتنا أن يبذل قصارى جهده لسلوك سبل التقوى، لينال لذة استجابة الدعاء ومتعتها، ويزداد إيمانًا. (المرجع السابق)
فهذه هي الوصفة الـمُثلى للاستفادة من شهر رمضان الفضيل، أي أن يهدف صيامنا وكل عمل من أعمالنا للحصول على التقوى. هناك كثير من الناس الذين يقولون أنهم طالما دَعَوا دون أن يُستجابَ لهم. فعليهم أن يفحصوا أنفسهم فيروا أكان الدين هو الغالب عليهم؟! أَوَيتحلون بالتقوى أم غلبتهم شوائب الدنيا؟! لأن التقوى هي من شروط استجابة الدعاء. ثم يقول ؏: الحقّ أن للمتقين وعودا عظيمة، وما أدلَّ على ذلك من أن الله تعالى يكون وليا لهم. فكاذبون الذين يقولون نحن مقَرَّبون إلى الله وهم ليسوا متقين، ويعيشون عيشة الفسق والفجور، ويظلمون ظلما كبيرا حين يدَّعون وِلاية الله وقربَه؛ فهم أولياء مزعومون فحسب، ذلك لأن الله تعالى قد جعل للولاية شرط التقوى. ثم إن الله تعالى وضع لذلك شرطا آخر، ويمكنكم القول أنه بيّن علامة للمتقين، فقال ]إن الله مع الذين اتقوا[ .. أي أنه ينصر المتقين. ونصرة الله لهم هي الدليل على مَعِيَّتِهِ لهم. فهؤلاء المُدَّعون قد سُدَّ في وجههم باب الولاية أولا، والآن سد في وجههم باب آخر أيضا، أي باب معية الله ونصرته. اعلموا أنّ الأنجاس والفساق لا يحظَون بنصرة الله ولا تحالفهم ، لأن مدارها التقوى. إن معونة الله هي للمتقي فقط. ثم هناك طريق آخر لمعرفتهم وهو أن الإنسان عرضة للشدائد والمصائب وشتى الحاجات، وقد جعل الله تعالى كشف الضُّر وسدّ الحاجات منوطا بالتقوى نفسها. (أي إن كنتم تريدون حلّ مشاكلكم وسد حاجاتكم فلا بد لكم من التحلي بالتقوى) إن سبيل النجاة من ضيق المعاش وغيرها من الشدائد إنما هي التقوى، قال الله تعالى ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ[ أي يجعل الله تعالى للمتقي مخرجا من كل مشكلة وصعوبة، ويهيئ له من الغيب أسباب النجاة والفرج ويرزقه من حيث لا يدري.” (المرجع السابق)
أقول: لو جعل الإنسان هذا المبدأ نصب عينيه دائما لبقي سالكا مسالك التقوى.
يتابع المسيح الموعود ؏ ويقول: “ففكروا الآن، ماذا يريد الإنسان في هذه الدنيا. إن أكبر أمنية للإنسان في الدنيا هي أن يعيش براحة وسكينة، وقد جعل الله لذلك سبيلا واحدا، وهو سبيل التقوى. وبتعبير آخر، سبيل القرآن الكريم، أو ما يسمى الصراط المستقيم. ولا يظنن أحد أن الكفار أيضا يملكون المال والثراء والعقارات ويعيشون عيشة راحة وسكينة. الحقّ والحق أقول: إنهم يبدون مسرورين في أعين الناس الماديين، بل في أعين الماديين الحقيرين الذين لا يرون إلا ظاهر الأمر فقط، بينما الحقيقة أنهم يقاسون حرقة وألمًا. إنكم تنظرون إلى صورهم فقط، أما أنا فأنظر إلى قلوبهم. إنهم مقيدون في سعير وسلاسل وأغلال، كما قال الله تعالى ]إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا[ إنهم لا يستطيعون أن يرجعوا الى كسب الحسنات، بل يَرْسِفون في قيودٍ بحيث لا يستطيعون النظر إلى الله، ويصبحون أسوأ من الحيوانات والبهائم. أنظارهم مصوَّبة إلى الدنيا كل حين، ويُخلدون إلى الأرض دائما، ويحترقون في بواطنهم حرقة ولوعةً دائمة. فإذا أصابتهم خسارة مال، أو فشلت جهودهم في تحقيق ما أرادوا، فيلتاعون ويحترقون كمدا فيصابون بالجنون أحيانا ويترددون إلى المحاكم قلقين. الحق أنّ غير الملتزم بالدين لا يخلو من السعير. (نرى عديدا من المشاهد من هذا القبيل ونقرأ في الجرائد أيضا) فلا يقرّ له قرار ولا تتيسر له السكينة التي هي نتيجة حتمية للراحة والطمأنينة. فكما أنّ المدمن على الخمر يستمر في طلب كأس بعد كأس، ويشعر بحرقة، كذلك يكون غير الملتزم بالدين في سعير ولا تخمد نار جشعه لحظة واحدة. إن الرخاء الحقّ إنما يتيسر للمتقي وحده الذي وعده الله تعالى بجنتين.” (المرجع السابق)
ثم يقول ؏ مبينا أن مدار الراحة والمتعة الحقيقية هو التقوى: “يمكن أن ينال المتقي ساكن الكوخ السعادة الحقيقية التي لا يمكن أن ينالها الشخص المادي الجشع في قصره المنيف. (إذا كان الإنسان يتحلى بالقناعة والتقوى والرغبة في نيل رضى الله تعالى فحتى لو عاش في ضيق أيضا فسينال راحة ولذة لا ينالهما الأثرياء الكبار).
يقول ؏: كلما نال المرء الدنيا زادت بلاياه، فتذكروا أنّ الراحة الحقيقية واللذة الحقيقية لا يمكن أن يحظى بها الماديون. لا تظنوا أن السعادة تكمن في المال الكثير والثياب الفاخرة والأطعمة الشهية، كلا، فإن مدارها التقوى.
فلما ثبت من ذلك كله ألا راحة وسعادة بدون التقوى الحقيقية فاعلموا أن للتقوى شعبا كثيرة دقيقة كخيوط العنكبوت. التقوى ذات صلة بجوارح الإنسان كلها وعقائده ولسانه وأخلاقه وغير ذلك. (أي يجب أن تكون التقوى في العقائد واللسان وفي الأخلاق العامة، وهناك حديث عن الصيام قال النبي ﷺ فيه: على الصائم أن يحافظ على طهارة لسانه فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ، فلا أستطيع أن أرد عليك. (صحيح البخاري، كتاب الصوم). قال ؏: إن أمر اللسان أخطر. يقول المرء أحيانا قولا وهو بعيد عن التقوى ويفرح في قلبه أنه قال كذا وكذا، مع أنه يكون قولا سيئا.
تذكرتُ هنا حكاية مفادها أنّ أحد الناس الماديين دعا صالحا إلى طعام، (وهذا أمر دقيق وجدير بالانتباه أنه لا يكفي اجتناب كيل الشتائم النابية والقتال والشجار، بل يجب أن يُنْتَبَهَ للعجب والرياء أيضا، والذي يظهر أحيانا باللسان، ويندرج تحت الذنوب التي تُرتكَب باللسان وتدل على قلة التقوى) يتابع المسيح الموعود قائلا: دعا أحد الماديين رجلا صالحا إلى طعام، وعندما جاء الرجل الصالح للمأدبة قال مضيفه المادي المتكبر لبعض خدمه: ناولني تلك الصَّحْفَة التي جئتُ بها عندما ذهبتُ إلى الحجّ أول مرة، ثم قال له: ناولني الصَّحْفَة التي أحضرتها في حجتي الثانية، ثم أمره بإحضار الصَّحْفَة الثالثة التي أحضرها في الحج الثالث. فقال له ذلك الصالح: حالتك مأساوية جدا، فقد ضيعتَ في هذه الجمل الثلاث حججك الثلاثة. (قال ؏: كانت حججه لمجرد رياء الناس ولم تكن لرضى الله تعالى وكانت بعيدة عن التقوى) ثم تابع الرجل الصالح قائلا: لقد قصدتَ من ذلك مجرد الإخبار بأنك حججت ثلاث مرات. ولذلك قد أمرنا الله تعالى بإمساك اللسان، وأن نحتـرز من الكلام التافه والذي في غير محله. (فلم نُنْهَ عن إيذاء الآخرين باللسان فحسب، بل لا بد أن ننتبه إلى الرياء والعجب أيضا، لأنهما يُبعدان المرءَ عن الحسنات والتقوى، قال ؏):
انظروا، إن الله تعالى علّمنا (إياك نعبد)، وكان من الممكن أن يغتـرّ الإنسان بقوّته ويبتعد عن الله تعالى، ولذلك أردف الله قوله هذا بقوله: (وإياك نستعين) أيْ لا يظنن أحد أنه يقوم بهذه العبادة بقوته وقدرته، كلا، إن الإنسان لا يستطيع فعل شيء من دون عون الله تعالى وتمكينه وتوفيقه من عنده. ثم إن الله تعالى لم يعلمنا “إياك أعبد” أو “إياك أستعين”، ذلك لأنّ هذا الكلام فيه رائحة تقديم المرء نفسه (أيْ يُظهر المرء وكأنه هو يفعل شيئا)، وهذا خلاف التقوى. إن المتقي يهتمّ بالناس جميعا.
بسبب اللسان يبتعد الإنسان عن التقوى، (أي التقوى ضرورية في كل أمر فباللسان يبتعد الإنسان عن التقوى) وباللسان يتكبر، وباللسان يتصف بالصفات الفرعونية، (يبدأ الناس يدّعون ادّعاءات كبيرة) وباللسان يبدل أعماله الخفية رياءً. وضرر اللسان سريع جدا. ورد في الحديث الشريف أنّ مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ. (صحيح البخاري، كتاب الرقاق). أكلُ الحرام لا يضرُّ بقدر ما يضر قول الزور، ولكن يجب ألا يفهمنّ أحد من ذلك أن أكل الحرام لا ضير منه. إذا فهم أحد هكذا فهو يخطئ خطأ فادحا. المراد أن الكذب أكثر ضررا من أكل الحرام، إنما أقصد أن أحدا إذا أكل لحم الخنزير اضطرارا فهذا أمر آخر (سمح الله تعالى بأكله في حالة الاضطرار)، ولكنه لو أفتى بلسانه بحلّ لحم الخنزير في كل حال فإنه يخرج من الإسلام بعيدا؛ إذ يُحِلُّ ما حرم الله. باختصار، لقد تبين من ذلك أنّ أذى اللسان وضرره خطير جدا، ولذلك من واجب المتقي أن يمسك لسانه جدا، فلا يتفوهن بما يتنافى مع التقوى، فعليكم أن تتحكموا في ألسنتكم، بدلا من أن تتحكم فيكم ألسنتكم، وتتفوهوا بها كلاما سخيفا. (الملفوظات ج1)
لقد ازداد ذكر الله مع الصيام، وكثير من الناس يكثرون من ذكر الله ومع ذلك يجب أن يقل لغو الكلام ولا بد للمرء أن يسعى لذلك لكي تتحقق الغاية من الصيام، أي التقوى، قال المسيح الموعود ؏:
علينا أن نفحص دائما مدى تقدّمنا في الطهارة والتقوى، ومعيار ذلك القرآن الكريم. لقد بيَّن الله تعالى أن من علامات المتقين أن الله تعالى ينجيهم من مكاره الدنيا ويتكفل أمورهم، فقال: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[ (الطلاق: 3 – 4)، أي أن الذي يتقي الله يجعل الله له مخرجًا من كل مصيبة، ويهيئ له أسباب الرزق من حيث لا يحتسب. أيْ أن من علامات المتقي أن الله تعالى لا يجعله يضطرّ إلى حاجات لا طائل منها، فيهيئ له ضروراته، والحاجات اللاغية والأماني الواهية لا تنشأ في قلبه ولا تخطر بباله فلا يحتاج إليها، وهذه أيضا علامة التقوى وعلامة تعامل الله تعالى مع المتقي. قال حضرته: مثلًا يزعم التاجر أن تجارته لن تزدهر بلا كذب وزور، فلا يتورع عن الكذب ويتظاهر أنه مضطر إلى ذلك. ولكن هذا باطل تماما، فإن الله نفسه يتولى المتقي ويحميه من مواقف تضطره إلى قول ما ليس بحق. (أيْ لا يضطر إلى الكذب) اعلموا أن من ترك الله تركَه الله، ومن تركه الرحمن والاه الشيطان حتمًا. (الملفوظات)
ثم يقول حضرته ؏: لا تظنوا أن الله تعالى ضعيف، كلا، بل هو شديدُ القُوى المتينُ، فلو توكلتم عليه في أمر ما لأعانكم يقينًا ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[ (الطلاق 4) فالذين كانوا أول المخاطَبين بهذه الآيات كانوا أهل صلاح ودين، وكانت جلُّ همومهم من أجل أمور الدين، وقد فوّضوا أمر دنياهم إلى الله تعالى، ولذلك طمأنهم الله بأنه معهم. باختصار، إن من بركات التقوى أن الله تعالى ينجي الإنسان المتقي من الصعاب التي تعيقه عن خدمة الدين. (الملفوظات)
لو اتقيتم الله حق تقاته لأزال الله تعالى الكُربات الدنيوية حتى لا تعيق عن خدمة الدين. وعليه، فعندما يقول بعض الناس أن لديهم ظروفا مادية خاصة تحول دون مساهمتهم في الأمور الدينية فليعلموا أنهم إذا كانوا يتحلون بالتقوى الحقيقية فسيتكفل الله ﷻ بنفسه حل مشاكلهم الدنيوية وبالتالي يُوفقون لخدمة الدين. يذكر المسيح الموعود ؏ أن الحسنات نوعين ويشرح كيفة تعامل الله تعالى مع من يعملون الصالحات فيقول:
“حسنات المرء قسمان، الفرائض والنوافل. (أيْ أن الأعمال التي ستقومون بها نوع منها يسمى فرضا والآخر نفلا) والفرائض واجبات لا بد للمرء من أدائها كسداد دين أو ردّ معروف بمعروف. (أي إذا أحسن أحد إليكم فأحسنوا إليه كما هو حقه، ليس الإحسان أن تحسنوا إلى من يحسن إليكم لأنه من واجبكم الإحسان إلى من أحسن إليكم وهو حقه الذي يجب عليكم أداؤه) وإضافة إلى الفرائض هناك مع كل حسنةٍ نوافلُ، أي أن ثمة حسنات إضافة إلى ما هو فرض عليه، كأن يرد على الآخر بمعروف أكبر مما صنع به. (إن صنعت معروفا لمن أحسن إليك فهو معروف مماثل ولكن أن تحسن أكثر مما أُحسن إليك هو زيادة على حق الآخر في الإحسان) والنوافل متممات للفرائض. (فإذا أحسن الإنسان إلى الآخرين بأكثر مما يستحقون فإن هذه النوافل تكون متممات للفرائض) والمقتبس المذكور آنفًا يبين أن فرائض أولياء الله الدينية أيضا تكتمل بالنوافل، فمثلا إنهم يُخرجون الصدقات علاوةً على أداء الزكاة المفروضة. والله تعالى يصبح وليا لمثل هؤلاء، ويخبر الله تعالى أن هذه الولاية والصداقة تصبح وثيقة ومتينة بحيث يصبح الله تعالى يدَ العبد ورجله وحتى لسانه الذي يتكلم به.
ثم يقول ؏: الحق أن الإنسان حين يتطهّر من أهواء النفس ويتّبع مشيئة الله متخليًا عن أنانيته، فلا يصدر عنه ما لا يجوز، بل تكون أفعاله كلها بمقتضى مشيئة الله تعالى. إنما يقع الإنسان في ابتلاء وعثرة حين لا يكون عمله موافقا لمشيئة الله، بل يكون خلاف مرضاته تعالى، ومِثل هذا الإنسان يتّبع أهواءه، فمثلا يرتكب في ثورة الغضب ما يجرّه إلى المحاكم، فيعاقَب. ولكن لو صمم الإنسان على ألا يعمل عملاً إلا باستشارة كتاب الله. وألا يتخذ أية خطوة إلا بعد الرجوع إلى كتاب الله، فلا بد أن يرشده كتاب الله، لأن الله تعالى يقول: ]وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ[ (الأنعام 60)، أي أن القرآن الكريم قد بيّن كل حسنة وسيئة بكل وضوح، ومن عمل به حظي بالحماية.
ثم يقول ؏: “فلو عقدنا العزم على استشارة كتاب الله فلا بد أن يرشدنا.
(الابتلاءات التي يواجهها الناس في الأمور الدنيوية يكون مآلها أنهم يقومون بأعمال غير لائقة ولا يعملون بأحكام القرآن الكريم. فلو غض المرء الطرف عن أوامر القرآن الكريم لواجه المشاكل حتما. هنا لا بد من الانتباه إلى أن الله تعالى يبتلي الإنسان أحيانا في دينه، ويقول أن هذا الابتلاء يكون لاختبار الأبرار لذلك يقول المسيح الموعود ؏ أن الأنبياء يُبتلون أكثر من غيرهم. ثم هناك أمور دنيوية فيواجه الإنسان المصائب بسببها وذلك لأنه يكون منهمكا في أفكار دنيوية فقط. إنه يدّعي كونه مؤمنا ولكن لا يسعى للعمل بالقرآن الكريم الذي هو سبيل الهداية لنا فيواجه المصائب وتحل به الابتلاء.)
يتابع المسيح الموعود ؏ ويقول: “ولكن الذي يتّبع أهواءه فلا بد أن يتضرر. (لقد اتضح الموضوع أكثر بأن الذي يتّبع أهواءه ويبقى منهمكا في أمور دنيوية يتضرر حتما) وفي أحيان كثيرة يؤاخَذ في هذه الدنيا نفسها. ولكن الله تعالى يقول إزاء ذلك إن أوليائي الذين يعملون معي ويمشون معي ويتكلمون معي فهم متفانون فيّ. فكلما كان المرء أقلَّ تفانيًا في الله صار أكثرَ بُعدًا عنه تعالى. ولكن إذا تفانى في الله، كما وصف الله أولياءه، فاق إيمانُه التقديرَ. يقول الله تعالى في مثل هؤلاء الناس: “مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب”، أي من يتصدى لأحد أوليائي فإنما يتصدى لي أنا. فانظروا حين يعيق الناس طرق الصلاح والبر فإن الله يؤيد أولياءه ويخيب أعداءهم ويُفشلهم.
فما أعظم درجةَ المتقي! وما أسمى مكانتَه! فمَن بلَغ في قرب الله تعالى بحيث كان إيذاؤه كإيذاء الله فيمكنكم أن تتصوروا كيف ينصره الله ويعينه!”
ثم قال حضرته ناصحا إيانا بأن نعيش بتواضع ومسكنة: “من الشروط التي يجب على أهل التقوى أداؤها أن يقضوا حياتهم بتواضع ومسكنة، هذا فرع من التقوى نقاوم به الغضب في غير محله. فاجتناب الغضب في غير محله هو المرحلة الأخيرة والأصعب لكبار العارفين والصِّدّيقين. فالعُجب والغرور يتولدان من الغضب، وبالمثل، فإنّ الغضب في بعض الأحيان يكون نتيجة للزهو والغرور، إذ ينشأ الغضب عندما يظن المرء أنه أفضل من غيره. إنني لا أرضى بأن يَعُدّ بعض أفراد هذه الجماعة أنفسهم أفضل مِن سواهم، أو أن يفاخر أو يزدري بعضُهم بعضًا. الله أعلم بمن هو أعظم ومن هو أحقر. إن هذه النزعة نوع من التحقير الذي يتضمن الازدراء، وأخشى أن ينمو هذا الازدراء نماء البذرة ويُهلِك صاحبَه. إن بعض الناس يلقون كبار القوم بفائق الاحترام، ولكن الكبير مَن يستمع للمسكين بمسكنة وتواضع، ويواسيه ويقيم لحديثه وزنا، ولا ينطق بما يستفزّه ويؤلمه. يقول الله تعالى ]وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[. فلا ينادِ بعضكم بعضا بما يستفزه، فإن هذا دأب الفسّاق والفجّار. إن الذي يستفزّ غيره لن يموت حتى يتعرض لمثل ما فعل. فلا تحتقروا إخوانكم، فما دمتم تنهلون جميعكم من نبع واحد، فما يدريكم أيّكم أكثرُ حظًّا من هذا الشراب. لا يكون أحد مكرما ولا معظما بحسب القواعد الدنيوية، إنما كريمكم عند الله التقيُّ ]إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[ فالله ﷻ عليم بكل حقيقة وكل أمر، فهو أعلم هل التقوى حقيقية أم بدافع الرياء، فما دام الله ﷻ عليما فيجب أن نسعى للتحلي بالتقوى الحقيقية التي أمرنا الله بها فاحصين أنفسنا بخشية وخوف.
ثم يقول ؏ موضحا كيف يتصرف المؤمن والمتقي عندما ينال نجاحا وكيف يكون سلوك الكافر عند نيله النجاح والفوز: ضعوا هذا المبدأ نصب أعينكم دوما، وهو أن المؤمن يخجل عند كل نجاح ويحمد الله تعالى لأنه قد أكرمه، وهكذا يمضي قدما ويزداد إيمانا لثبوت قدمه عند كل ابتلاء. إن نجاح الهندوسي ونجاح المؤمن متشابهان بادي الرأي، ولكن اعلموا أن نجاح الكافر هو سبيل الضلال، أما نجاح المؤمن فيفتح عليه أبواب النعم. إن نجاح الكافر يؤدي إلى الضلال لأنه لا يرجع إلى الله تعالى، بل يعدّ جهوده وذكاءه وكفاءته إلهًا. أما المؤمن فإنه يرجع إلى الله ويتعرّف إليه مجددا، وهكذا بعد كل نجاح تكون له معاملة جديدة مع الله تعالى، ويبدأ فيه التغيير. قال الله تعالى ]إن الله مع الذين اتقوا[. اعلموا أن كلمة “التقوى” وردت في القرآن الكريم مرات كثيرة، وتفسَّر بالنظر إلى كلمة سبقتها، وقد سبقها هنا حرف “مع”، فمعناه هنا أن الذي يؤثر اللهَ تعالى فالله يؤثره وينقذه من كل أنواع الخزي والهوان. إنني أؤمن أن المرء إذا أراد اجتناب كل أنواع الذلة والشدة فليس أمامه إلا سبيل وحيد وهو أن يصبح متقيا، وعندها لن ينقصه شيء. باختصار، إن نجاحات المؤمن تمضي به قدما، فلا يقف في مكان واحد.
لقد سُجِّلَت في الكتب أحوال كثير من الناس الذين كانوا متهافتين على الدنيا جدا في أول أمرهم، ولكنهم دعوا واستُجيب دعاؤهم، فتغيروا كليا. لذا فلا تفخروا باستجابة أدعيتكم ونجاحاتكم، بل اقدروا فضل الله ورحمته هذه. من الأمور المسلم بها أن النجاح يزيد صاحبه همة وعزيمة، فيجب أن تنتفعوا من هذا الأمر، وتزدادوا معرفة بالله، لأن أفضل ما ينفعكم إنما هو هذه المعرفة الإلهية، وهي تتيسر بالتدبر في فضل الله وكرمه، ولا راد لفضله تعالى.
إن الفقر المدقع يلقي بصاحبه في المصائب، ورد في الحديث “الفقر سواد الوجه”. لقد رأيت أناسا صاروا ملحدين نتيجة فقرهم. ولكن المؤمن لا يسيء الظن بالله تعالى عند أية ضائقة، بل يُرجعها إلى أخطائه ويسأل الله من فضله ورحمته، وعندما ينقضى ذلك الضيق وتأتي أدعيته بثمارها، لا ينسى زمن العجز والضيق ذلك، بل يتذكره.
باختصار، إذا كنتم تؤمنون بأنه لا بد لكم من الاحتياج إلى الله تعالى، فاسلكوا سبيل التقوى. ومبارك الذي يتقي عند النجاح والفرحة، وشقي الذي يتعثر ولا ينيب إلى الله تعالى. إن الله يحمي وينصر الذين يتقون. والمراد من التقوى هو اجتناب السيئة، أما المحسنون فهم الذين لا يكتفون باجتناب السيئة فقط بل يكسبون الحسنات أيضا. ثم يقول الله تعالى: ]لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى[، أي الذين يكسبون الحسنات على أتم وجه.
يقول حضرته في تفسير آية ]إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون[: لقد تلقيت وحيا: “إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون” مرات كثيرة لا أستطيع إحصاءها، لعلّه نزل ألفَي مرة. والمراد من ذلك ليعلم أفراد الجماعة أنهم يجب ألا يكتفوا بأنهم انضموا إلى هذه الجماعة وألا يرضوا بالإيمان الفكري والجاف فقط. بل إن معية الله ونصرته ستحالفكم عندما تكون التقوى صادقة إلى جانب الحسنات. (الحكم، مجلد10، رقم 22، عدد 24/ 6/1906م، ص3538)
أحد شروح هذه الآية هو: إن الذين يختارون التقوى والطهارة والتزكية يكونون تحت ظل حماية الله، ويخافون ارتكاب المعصية دوما. (الحكم، مجلد12، رقم34، عدد 18/ 5/1908م، ص2)
]إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[، إن الله تعالى يسجل أعمال الإنسان اليومية، لذلك على الإنسان أن يعدَّ هو الآخر سجل أعماله اليومية، ويتأمل إلى أي مدى تقدّم في الحسنات. يجب ألا يتساوى يومُ المرء وغدُه، فإذا كان يوم أحد وغدِه سيَّين من حيث تقدمه في الحسنات كان خاسرا. فإذا كان الإنسان مؤمنا بالله إيمانا كاملا فلا يضاع قط بل تُنقَذ من أجله مئات آلاف الأرواح.
كان أحد أولياء الله راكبا سفينةً فهاج البحر، وأوشكت السفينة على الغرق ولكنها أُنقذت بدعائه. وأُلهم عند الدعاء أننا أنقذنا الجميع من أجلك. ولكن هذا لا يتأتى بمجرد الكلام. (بل يتطلب المجاهدة والسعي) فقد وعدني الله تعالى أنا أيضا: “إني أحافظ كل من في الدار”.
لكن ذلك يتطلب منكم أيضا الاتقاءَ أولا، وقال ؏ إنكم عندما تحققون الأهلية للدعاء فعندئذ ستجاب دعواتي بحقكم وذلك يقتضي التقوى منكم.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأن نصوم رمضان ونعبده بهذه التقوى، ويمكننا من تأدية حقوق أخرى، وأن يبارك في هذا الشهر من كل النواحي، وأن يكون مباركا للجماعة ولعامة المسلمين بل للعالم أجمع. اُدعوا الله بصفة خاصة للأحمديين في باكستان فأوضاع الجماعة تسوء يوما بعد يوم، نسأل الله الفضل أن يوفقنا لتأدية هذه الحقوق وحقِّ الصيام أيضا سالكين على دروب التقوى وأن نكثر من الدعاء أيضا. وكذلك نسأل الله ﷻ أن يرحم المسلمين ويلهم قيادتهم وعلماءهم العقل والفهم ليؤمنوا بإمام الزمان.
وكذلك اُدعوا للعالم أيضا فكل يوم ترِد الأخبار أن لهيب الحرب يكاد يشتعل، فالسرعة التي تتقدم بها القوى الكبرى إلى الحرب يبدو في الظاهر أنها لن تتوقف، لذا ادعوا الله ﷻ أن يحمي المسلمين والأحمديين منهم خصوصا من أضرار الحرب، وينقذ البشرية عموما منها. وإذا كان إصلاح هؤلاء ممكنا في نظر الله حتى الآن ويمكن أن تظهر أي وسيلة له، فندعو الله أن يتم إصلاحهم ويعرفوا ربهم. نسأل الله تعالى أن يهيئ الأوضاع التي تمكِّنهم من معرفته وينجوا من الهلاك.