خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 27/12/2019
في مسجد بيت الفتوح بلندن
*********
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم ]الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين[.
كنت أتحدث في الخطبة الماضية عن الصحابي سعد بن عبادة رضي الله عنه، وسوف أذكر اليوم أيضا بعض الأمور عنه.
كان سعد بن عبادة t من النقباء الإثني عشر الذين جُعلوا عند بيعة العقبة الثانية. كتب مرزا بشير أحمد t في سيرة خاتم النبيين r: كان سعد مِن بني ساعدة من الخزرج، وكان رئيسَ الخزرج، وكان يُعَدّ من كبار الأنصار في عهد الرسول r حتى رشح بعض الأنصار اسمه للخلافة من بين الأنصار عند وفاة النبي r. تُوفي في خلافة سيدنا عمر t. عندما أسلم سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة كسروا معًا أصنام بني ساعدة.
عندما وصل النبي r مهاجرا إلى المدينة مرَّ بديار بني ساعدة، فقال له سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وأبو دجانة يا رسول الله تفضّلْ انزلْ عندنا، فإنا ذوو عزة وقوة ومنعة. وقال سعد بن عبادة يا رسول الله ليس في قومي أحد أكثرَ مني نخلاً وبئرا وقوة ومالا ومنعة وعددا. فقال النبي r خلّوا سبيل ناقتي، فإنها مأمورة وسوف تبرك حيث تشاء.
كان سعد بن عبادة t نقيبا على بني ساعدة، وكما قلت آنفا كان من النقباء الذين عُيّنوا. آخى النبي r بين سعد وطليب بن عمير الذي هاجر من مكة إلى المدينة. بينما قال ابن إسحاق آخى النبي r بين سعد بن عبادة وأبو ذر الغفاري. لكن الآخرون اختلفوا معه، فقد رفض قوله الواقدي وقال لقد آخى النبي r بين الصحابة قبل غزوة بدر، وما كان أبو ذر الغفاري موجودًا عندها في المدينة، ولم يشارك بدرًا ولا أحدًا ولا الخندق بل حضر عند النبي r بعد هذه الغزوات. هذا هو دليل الواقدي.
يقال لم يكن في الأوس والخزرج بيتٌ كان فيه أربعة كرماء على التوالي، إلا دليم، ثم ابنه عبادة، ثم ابنه سعد ثم ابنه قيس. هناك أخبار طيبة شاعت عن كرم دليم وأهل بيته.
عندما قدم النبي r إلى المدينة كان سعد يرسل إليه قصعة فيها الثريد من لحم وخبز أو لبن أو خلّ أو زيتون أو سمن، وكان عموما لحمًا، وكانت قصعة سعد تمرّ مع النبي r ببيوت أزواجه المطهرات، بمعنى أن أزواجه r أيضا كن يأكلن منه. وهناك روايات تقول أنه كانت أحيانا تأتي أيام وليس في بيت النبي r شيء للأكل. من الممكن أن سعدًا كان يرسل الطعام للنبي r في معظم الأيام وليس كل يوم، أو كان يرسله كل يوم في أول الهجرة. ولعل سبب عدم وجود طعام في بيت النبي r أياما أنه كان بسبب كرمه واعتنائه بالفقراء يوزع طعامه على الفقراء ويطعمهم. على كل حال هناك رواية أخرى تقول: عن زيد بن ثابت t قال: لما نزل رسول الله r على أبي أيوب الأنصاري لم يدخل منزلَ رسول الله هديةٌ، وأولُّ هدية دخلتُ بها عليه قصعةُ مثرودة خبزَ بُرٍّ وسمنًا ولبنًا، فأضعها بين يديه، فقلت: يا رسول الله أَرسلتْ بهذه القصعة أمي. فقال: بارك الله فيها. ودعا أصحابَه، فأكلوا، فلم أَرُمِ البابَ حتى جاءته قصعةُ سعد بن عبادة، على رأس غلامٍ مغطاةٌ، فأقف على باب أبي أيوب فأكشف غطاءها لأنظر، فرأيت ثريدا عليه عراق [1]، فدخل بها على رسول الله r. قال زيد: فلقد كنا في بني مالك بن النجار ما من ليلة إلا على باب رسول الله r منا الثلاثة والأربعة يحملون الطعام ويتناوبون بينهم، حتى تحوّلَ رسول الله r من بيت أبي أيوب، وكان مقامه فيه سبعة أشهر، وما كانت تخطئه جفنةُ سعد بن عبادة وجفنةُ أسعد بن زرارة كل ليلة.
[1] أي عظام عليها قليل من اللحم.
يوجد في هذه الرواية شيء من التوضيح بأن الطعام كان يأتي النبي r كل يوم بانتظام في أول الهجرة، وربما كان يأتيه بعد ذلك أيضا ولكن ليس بانتظام تام.
ثم يقول زيد في روايته: قيل لأمّ أيوب: أي الطعام كان أحبَّ إلى رسول الله r، فإنكم عرفتم ذلك لمقامه عندكم؟ فقالت: ما رأيت النبي r أمَر بطعام فصُنع له بعينه، ولا رأيناه أُتِيَ بطعام فعابَه.
وقد أخبرني أبو أيوب أنه تعشى عنده ليلةً مِن قصعةٍ أرسلَ بها سعدُ بن عبادة طفيشلَ (وهو نوع الحساء)، قال أبو أيوب فرأيت رسول الله r ينهَل تلك القدرَ ما لم أرَه ينهل غيرَها. فكنا نعملها له، وكنا نعمل له الهريس (طعام شهير يصنع بالقمح واللحم) وكانت تعجبه. وكان يحضر عَشاءَه خمسةٌ إلى ستة عشر كما يكون الطعام في الكثرة والقلة.
وكتب حضرة مرزا بشير أحمد وهو يتحدث عن مكوث النبي r في بيت أبي أيوب الأنصاري t: أقام النبي r في بيت أبي أيوب سبعة أشهر، وبحسب رواية ابن إسحاق حتى شهر صفر من السنة الثانية من الهجرة، وكأن النبي r أقام عند أبي أيوب حتى بناء المسجد النبوي والحجرات معه. كان أبو أيوب يقدم له الطعام ويأكل من بقيه طعامه ومن المكان الذي أكل منه. وكان الصحابة الآخرون يرسلون الطعام لرسول الله r عادة، ويخبر التاريخ من بينهم اسم سعد بن عبادة رئيس الخزرج بوجه خاص، فعن أنس أن سعد بن عبادة قال للنبي r يا رسول الله، تفضل عندنا في بيتنا، فذهب معه النبي r إلى بيته، فقدم له سعد التمر والسمسم، ثم أتاه بقدح لبن فشرب منه.
وعن قيس بن سعد بن عبادة: زارنا رسول الله r في منزلنا فقال: “السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ”، فردّ عليه سعد ردًا خفيًا. قال قيس لأبيه: ألا تأذن لرسول الله r بالدخول؟ قال: دَعْه يُكثر علينا من السلام. وبعد أن سلّم عليه رسول الله r ثلاثا رجع (أي أن سعدًا قال بأن النبي r سلّم عليّ فرددتُ بصوت منخفض، وذلك ليسلّم النبي r مرة أخرى فيُكثر السلام علينا. على أية حال، يقول الراوي:)
فانصرف r، فأسرع سعد وراءه، وقال: يا رسول الله، كنت أسمع تسليمك وأرد عليك ردَّا خفيَّا لتُكثر علينا السلام. فانصرف معه رسول الله r وقال سعد للنبي r عن غسل فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو “ورس” فاشتمل بها، ثم رفع رسول الله r يديه وهو يقول: اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة.
ورويت هذه الرواية نفسها عن أنس على هذا النحو: استأذن رسول الله r مرة على سعد بن عبادة (أي أراد الدخول إلى بيت سعد) فقال: “السلام عليكم ورحمة الله”، فقال سعد: وعليكم السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي r حتى سلم ثلاثا، ورد عليه سعد ثلاثا، ولم يسمعه، فرجع النبي r فاتبعه سعد، فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك (أي لم أبلّغك صوتي)، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم دخلوا البيت، فقرب له زبيبا، فأكل نبي الله r، فلما فرغ قال: أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون. أي دعا له بهذا الدعاء.
يقول العلامة ابن سيرين: كان أهل الصُّفَّة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد أو بالاثنين منهم لإطعامهم الطعام، أما سعد بن عبادة فكان يعشي كل ليلة ثمانين من أهل الصفة.
هذا ما كان يحدث في معظم الأحيان ولكن قد أتى على أصحاب الصفة يوم اضطروا للبقاء جائعين أيضا كما ورد في بعض الروايات. على أية حال، كان الصحابة يهتمون بهؤلاء الفقراء من أصحاب الصفة الذين كانوا يجلسون عند باب النبي r، وكان سعد بن عبادة أكثر من كان يهتم بهم.
بعد هجرة النبي r إلى المدينة بسنة واحدة في صفر خرج النبي r إلى الأبواء التي تبعد ٢٣ ميلا عن الجحفة على شارع بين المدينة ومكة. ويوجد في هذا المقام قبر والدة النبي r. كان لواؤه يومها أبيض.
استخلف رسول الله r سعد بن عبادة t على المدينة المنورة. تسمى هذه غزوة الأبواء واسمها الثاني غزوة ودان. يقول مرزا بشير أحمد t في كتابه سيرة خاتم النبيين حول غزوة ودان كما يلي: كان دأب النبي r أن يخرج أحيانًا بنفسه مع أصحابه، وأحيانًا أخرى يبعث بعثًا ويؤمّر عليه أحد أصحابه. لقد أطلق المؤرخون تسميات مختلفة على المهمّتَين؛ فإن اشترك فيها النبي r سماها المؤرخون الغزوة، وإن لم يشترك فيها النبي r فهي السرية أو البعث. ولكن جدير بالذكر أنه لا يلزم الخروج من أجل الجهاد بالسيف في كلتي المهمتين غزوة كانت أم سرية، بل كل مهمة اشترك فيها النبي r في حالة الحرب تسمى الغزوة ولو لم يتم ذلك من أجل القتال خاصة. وكل مهمة قامت بها جماعة من الصحابة فهي سرية أو بعث في مصطلح المؤرخين ولو لم يكن الهدف من وراء ذلك هو القتال. ولكن بعض الناس بسبب عدم معرفتهم يعتبرون كل غزوة وسرية أنها مهمة من أجل القتال، وهو ليس صحيحًا.
لقد ذكرنا سابقًا أن الإذن بالجهاد بالسيف قد نزل في شهر صفر من العام الثاني للهجرة، (ولقد ذكر ذلك في الخطب الماضية أيضا). لما كانت هناك حاجة ماسة لاتخاذ إجراءات فورية للحفاظ على المسلمين من مخططات قريش الدموية ومكايدهم الخطيرة، لأجل ذلك خرج النبي r من المدينة في هذا الشهر نفسه مع جماعة من المهاجرين. وقبل خروجه جعل سعد بن عبادة رئيس الخزرج أميرًا على المدينة. سلك النبي r طريق مكة التي كانت في جنوب غرب المدينة حتى وصل موضعًا يسمى “ودان”، ولقد ذُكر تفصيله قبل هذا أن بني ضمرة كانوا يسكنون هذه المنطقة، وهم فرع من بني كنانة وهكذا كانوا أبناء عمومة قريش. تكلم النبي r مع رئيس بني ضمرة في هذا المقام وعقدا فيما بينهما معاهدة اتفقا عليها بشروط تالية: أن بني ضمرة يرتبطون بعلاقات الصداقة مع المسلمين، وأنهم لن يعينوا عدوًّا على المسلمين، وأن المسلمين إذا دعوهم لنصر أجابوه. ومن ناحية أخرى كتب النبي r من طرف المسلمين أنهم يرتبطون ببني ضمرة بعلاقات الصداقة وأن عليهم النصر لهم عند حاجتهم إليه. لقد حُرّرت هذه المعاهدة وتم توقيع الفريقين عليها. فانصرف النبي r إلى المدينة بعد غيبته خمس عشرة ليلة.
تسمى غزوة ودان بغزوة الأبواء أيضا لأن منطقة ودان قريبة من قرية الأبواء التي توفيت فيها والدة النبي r. يقول المؤرخون بأن النبي r كان يقصد إضافة إلى بني ضمرة قريشا أيضا. ويتضح من هناك أن مهمته هذه كانت هادفة إلى إفشال خطط قريش الخطيرة والحيلولة دونها، وكان قصده من خلال هذه الغزوة إزالة ذلك التأثير السام والخطير الذي كانت قوافل قريش تلقيه في قلوب قبائل العرب ضد المسلمين، وحيث كانوا يقومون في القبائل بدعاية خطيرة ضد المسلمين مما يجعلهم يتعرضون لأوضاع خطيرة.
هناك رأيان فيما إذا كان سعد بن عبادة شهد بدرًا أم لا. يقول الواقدي والمدايني وابن الكلبي بأنه شهد بدرًا، بينما يرى ابن إسحاق وابن عقبي وابن سعد أنه لم يشهد بدرًا.
على أية حال هناك توضيح هام ورد في إحدى روايات الطبقات الكبرى أن سعد بن عبادة لم يستطع أن يشهد بدرًا. لأنه عندما كان يستعد لذلك ويقصد بيوت الأنصار لحثهم على الخروج عقره كلب فلم يستطع الخروج لغزوة بدر. قال النبي r بأن سعدًا لم يستطع الحضور إلا أنه كان يرغب في ذلك لذلك فقد أعطاه النبي r سهمًا من غنائم بدر.
لقد شهد سعد ابن عبادة أُحدًا والخندق وسائر الغزوات الأخرى مع رسول الله r. وورد في إحدى روايات المستدرك بأن لواء الأنصار يوم بدر كان بيد سعد بن عبادة.
عند الخروج إلى بدر أهدى سعد بن عبادة للنبي r سيفًا يقال له العضب، فشهد به النبي r بدرًا. كما أهدى سعد للنبي r حمارًا أيضا.
كان عند النبي سبعة أدرع وإحداها تسمى “ذات الفضول”، وسميت بهذا لطولها، وقد أهداها إلى رسول الله r سعد بن عبادة حين سار إلى غزوة بدر. وكانت من حديد، وهي التي رهنها النبي r عند أبي شحم اليهودي عن قرض ثلاثين صاعًا من شعير وكان وزن الشعير 30 صاعًا وكان هذا القرض لعام.
“عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَايَةَ النَّبِيِّ r مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ. وَكَانَ إِذَا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r مِمَّا يَكُونَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ”. أي أن هجوم العدو أكثر شدة على الأنصار لأن النبي r كان فيهم.
عن عُرْوَة بْن الزُّبَيْرِ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ. قَالَ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ. (وهذا هو الحادث نفسه الذي أساء عبد الله بن أُبي بن سلول إلى النبي r) … فَلَمَّا غَشِيَت الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا. فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَقَفَ (أي حين قال هذا الكلام أوقف النبي r دابته، وسلّم عليهم) فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ. إِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا. (لقد سردت هذه القصة من قبل أيضا باختصار) ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ. فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ r يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا. ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ r دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r يَا سَعْدُ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ – يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ – قَالَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ. لَقَدْ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ. فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ. فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ r وَكَانَ النَّبِيُّ r وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى؛ قَالَ اللَّهُ U: ] لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ[ (آل عمران: 187) ثم قال I: ]وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ (البقرة:110)
وَكَانَ النَّبِيُّ r يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ. فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ r بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ فَبَايَعُوا الرَّسُولَ r عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا.
عندما استشار النبي r الصحابةَ عند غزوة بدر قال سعد بن عبادة كما جاء في رواية عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لَأَخَضْنَاهَا، وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا. (برك الغماد مدينة تقع على شاطئ البحر على بُعد خمسة ليال من مكة) قَالَ فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ r النَّاسَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدْرًا وَوَرَدَتْ عَلَيْهِمْ رَوَايَا قُرَيْشٍ وَفِيهِمْ غُلَامٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ فَأَخَذُوهُ فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ r يَسْأَلُونَهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ مَا لِي عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ فَقَالَ: نَعَمْ أَنَا أُخْبِرُكُمْ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ فَإِذَا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ مَا لِي بِأَبِي سُفْيَانَ عِلْمٌ وَلَكِنْ هَذَا أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ فِي النَّاسِ. فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيْضًا ضَرَبُوهُ وَرَسُولُ اللَّهِ r قَائِمٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَضْرِبُوهُ إِذَا صَدَقَكُمْ وَتَتْرُكُوهُ إِذَا كَذَبَكُمْ. قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ قَالَ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَاهُنَا هَاهُنَا. قَالَ فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ r.
قبل غزوة أُحد حرس ذات مرة سعد بن معاذ وأُسَيد بن حُضَير وسعد بن عبادة باب النبي r حاملين السلاح من مساء يوم الجمعة إلى صباح الغد. عندما خرج النبي r من المدينة لغزوة أُحد، ركب حصانه ووضع القوس على عاتقه وأخذ الرمح باليد، فجعل السعدان، أي سعد بن معاذ وسعد بن عبادة يجريان أمامه وكانا لابسان الدرع. أما الصحابة الآخرون فكانوا على يمين النبي r ويساره.
يقول مرزا بشير أحمد t في بيان أحداث غزوة أُحد أن النبي r خرج مع جماعة كبيرة من المدينة بعد صلاة العصر. كان رئيسا قبيلة الأوس والخزرج أي سعد به معاذ وسعد بن عبادة يجريان أمام دابته r، أما بقية الصحابة فكانوا يمشون على يمينه ويساره.
والصحابة الذين ثبتوا مع النبي r يوم أحد كان من بينهم سعد بن عبادة t، وحين رجع النبي r من أحد إلى المدينة نزل من حصانه ودخل بيته مستندا إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، لأنه كان مصابا بجروح.
عن جابر بن عبد الله t قال: كانت عامة زادنا التمر في غزوة حمراء الأسد، وكانت غزوة حمراء الأسد في شوال من السنة الثالثة للهجرة حين نزل بعض أهل قريش عند عودتهم من غزوة أحد في الروحاء التي تبعد عن المدينة 36 ميلا، فخطر ببالهم بأن المسلمين واجهوا خسائر كبيرة في أحد لذا ينبغي أن نشن على المدينة هجوما مباغتا ولن يتمكن المسلمون من المواجهة لأنهم قد ضعفوا جدا. ولكن النبي r خرج وراء قريش حتى وصل حمراء الأسد، لأنه كان قد بلغه r أيضا أن قريشا يريدون الهجوم فخرج متعقبا لهم، وحمراء الأسد تبعد عن المدينة ثمانية أميال إلى جهة ذي الحليفة، وحين بلغ جيش قريش خروج النبي r هربوا إلى مكة، حين رؤوا أن المسلمين بدلا من أن يضعفوا يتقدمون إلينا للهجوم علينا هربوا. وحمل سعد بن عبادة t ثلاثين جملًا تمرا حتى وافت الحمراء. وساق جزرًا فنحروا في يومٍ اثنين وفي يومٍ ثلاثًا للأكل.
حين واجه النبي r غزوة بني النضير في ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة وحاصرهم رسول الله r خمسة عشر يومًا، فأجلاهم رسول الله r من المدينة إلى خيبر، فلمّا غنم رسول الله r بني النضير دعا ثابت بن قيس t فقال: ادع لي قومك! قال ثابت: الخزرج يا رسول الله؟ قال رسول الله r: الأنصار كلها! فدعا له الأوس والخزرج، فتكلم رسول الله r فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم، وأثرتهم على أنفسهم، ثم قال: إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين مما أفاء الله علي من بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم. (أي إما أن يتم التقسيم بين المهاجرين والأنصار على أن يبقى المهاجرون مقيمين في بيوت الأنصار وكان قام هذا الحق نتيجة المؤاخاة، وإما أن يأخذوا مال الفيء كله ويخرجوا من بيوت الأنصار وفي هذه الحالة لن يكون لهم أي حق في البقاء)
فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا: يا رسول الله، بل تقسيمه للمهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا. (أي لا نحتاج إلى المال، يمكنك أن تعطيهم كله ولكن سيبقى حقهم الذي قام نتيجة المؤاخاة كما كان ويمكن أن يأتوا ويقيموا في بيوتنا) ونادت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول الله. قال رسول الله r: اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار! فقسم رسول الله r ما أفاء الله عليه، وأعطى المهاجرين ولم يعط أحدًا من الأنصار من ذلك الفيء شيئا، إلا رجلين كانا محتاجين سهل بن حنيف، وأبا دجانة. وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق.
كانت عمرة بنت مسعود، أم سعد بن عبادة من الصحابيات وتوفيت بالمدينة ورسول الله r غائب في غزوة دومة الجندل وكانت في ربيع الأول سنة خمس من الهجرة، وكان سعد بن عبادة معه في تلك الغزوة، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ، أَنَّ أُمَّ سَعْدِ بن عُبَادَةَ مَاتَتْ وَهُوَ غَائِبٌ، فَلَمَّا قَدِمَ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ، أُحِبُّ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى أُمِّي، فَأَتَى النَّبِيُّ r قَبْرَهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا وَقَدْ أَتَى لَهَا شَهْرٌ. (المعجم الكبير للطبراني)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ r فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r اقْضِهِ عَنْهَا (صحيح البخاري)
عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدِ بن عُبَادَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ، وَلَمْ تُوصِ، أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ. يبدو أن الناس كانوا حينها يعانون من شح الماء. وجاء في رواية أن سعدا حَفَرَ بِئْرًا وَقَالَ هَذِهِ لِأُمِّ سَعْدٍ. (سنن أبي داود)
قال العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم أبادي في شرحه لسنن أب داود: قول النبي r لسعد أفضل الصدقة هو سقي الماء كان بسبب قلة الماء في تلك الأيام أو لأن الإنسان يحتاج إلى الماء أكثر من أي شيء. ثم كتب: “إنما كان الماء أفضل لأنه أعم نفعا في الأمور الدينية والدنيوية خصوصا في تلك البلاد الحارة، ولذلك منَّ الله تعالى بقوله ]وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا[ (الفرقان 49)… كان هناك (في المدينة) أفضل لشدة الحر والحاجة وقلة الماء” (عون المعبود في شرح سنن أبي داود) واليوم أيضا يُحسب الماء ذا قيمة لذلك توجه الحكومات إلى الاهتمام به بين حين وآخر ويجب الاهتمام به. باختصار لم يكتف سعد بالسؤال فقط بل حفر بئرا أيضا.
عن ابْن عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ y أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَأَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا (لعله علم بوفاتها بعد عودته، ولعلي قلتُ سابقا علم بوفاتها في سفره، بغض النظر عن أنه علم بذلك في سفره أو بعد عودته فالمهم أنها توفيت وهو غائب عنها. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا) فَهَلْ يَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا. (صحيح البخاري) كان واسع القلب وباسط اليدين في الصدقة ومساعدة الفقراء. وذكره مستمر وسأذكر ما تبقى منه في المستقبل إن شاء الله.