خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 10/1/2020م
في مسجد مبارك، إسلام آباد ببريطانيا
*********
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم ]الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين[.
عند إعلان السنة الجديدة للوقف الجديد في الخطبة الماضية حين أخبرتكم عن مراكز وفروع الجماعة من حيث جمع التبرعات في بريطانيا قلت إن جماعة إسلام آباد هي الأولى. وتبين لاحقا أن المعلومة كانت خاطئة، إذ أن جماعة أولدرشوت هي الأولى، وإسلام آباد هي ثانية. لماذا وكيف حصل هذا الخطأ لا أريد الخوض في هذا التفصيل. لقد رأيت التصحيح ضروريا لذا تناولته أولا. إن جماعة أولدرشوت بفضل الله I تقدِّم تضحيات كبيرة، وخاصة قد أخبرتْني رئيسة لجنة إماء الله فيها أن بعض السيدات قدمن تضحية غير عادية. فحماسهن للتضحية مثاليٌّ. بارك الله I في أموالهن ونفوسهن. في الخطبة الماضية بينتُ أحداث تضحيات الفقراء عموما في البلاد الفقيرة، لكي ينشأ الإحساس في الأغنياء أيضا ويدركوا روح التضحية. وإلا في هذه الدول الراقية كثيرون يهملون حاجاتهم المادية ويضحُّون. باختصار إن جماعة أولدرشوت كما قلت هي الأولى في فروع الجماعة في بريطانيا من حيث جمع تبرعات الوقف الجديد.
الآن أعود إلى موضوع خطبة اليوم عن ذكر الصحابة البدريين، لقد تناولت ذكر سيدنا سعد بن عبادة t في الخطبة قبل الماضية، وبقي شيء من ذكره، سأتناوله اليوم. وهنا أيضا حاجة إلى تصحيح مقتبس. ففي الخطبة السابقة نشأ لدي الإحساس لكنني لم أذكر ذلك للذين يرسلون هذه المادة. لكنه تلقائيا نشأ الإحساس بذلك عند العاملين في خلية البحث وأرسلوا هذا التصحيح، وبذلك زال سوء فهم عندي. هم بفضل الله يُخرجون النصوص بجهد جهيد إلا أنهم يمرون أحيانا بسرعة ببعض النصوص التي فيها الأحداث المتماثلة للصحابيَين. كما لا تتبين الحقيقة أحيانا في الترجمة لعدم اختيار التعابير الدقيقة للكلمات العربية. على كل حال أرسلوا هذا التصحيح من تلقاء أنفسهم، وأتناوله أولا ثم أتابع الموضوع المتبقي.
في الخطبة التي ألقيتها في 27 ديسمبر بينت في ذكر سعد بن عبادة t أن النبي r آخى بين سعد وطليب بن عمير رضي الله عنهما، الذي كان قد هاجر من مكة إلى المدينة. أما ابن إسحاق فيقول إن النبي r كان قد آخى بين سعد بن عبادة وأبي ذر الغفاري رضي الله عنهما، والبعض يختلف معه، كما رفض ذلك الواقدي أيضا. وحجته أن النبي r آخى بين الصحابة قبل معركة بدر، وإلى ذلك الوقت لم يكن أبو ذر الغفاري قد جاء إلى المدينة ولم يحضر في بدر وأحد والخندق أيضا، بل كان قد جاء إلى النبي r بعد كل هذه الغزوات. وهذا ما بينت وهذه حجته، لكنه ليس هكذا. فذكر المؤاخاة تلك كانت ضمن ذكر المنذر بن عمرو بن خنيس، والكتاب الذي أُخذ منه هذا التفصيل – وهذا ما كتبه أصحاب خلية البحث- كان قد ذُكر فيه معه سعد بن عبادة أيضا. فذَكر أصحاب خلية البحث هذا النصَّ سهوًا مع سعد t أيضا، بينما ذُكرت المؤاخاة في ذكر المنذر بن عمرو، وقد بينت هذا التفصيل في الخطبة التي ألقيتُها في 25/1/2019 فهذا تصحيح.
والآن أتناول بيان ما تبقَّى من التفصيل عنه.
فحين حدثتْ غزوة الخندق فكَّر النبي r في تقديم ثُلث ثمار المدينة لعيينة بن حصن، بشرط أن يُرجع بني غطفان الذين معه. فاستشار النبيُّ r سعدَ بن معاذ وسعد بن عبادة فقط دون الصحابة، فقالا كلاهما يا رسول الله إذا كنت قد أُمرت بذلك من الله فافعل، وإلا فوالله لا نعطيهم إلا السيف، أي سوف نأخذ حقنا. وسينالون حتما عقوبة النفاق أو نقض العهد. فقال رسول الله I إني لم أؤمر بذلك فإنما هو رأيي الشخصي الذي طرحتُه عليكما، فقالا إن هؤلاء لم يطمعوا منا ذلك في الجاهلية، فلماذا اليوم حيث هدانا الله بك، أي سوف نعاملهم بحسب المبدأ السابق، ففرح النبي r بجوابهما، ولقد بين حضرة مرزا بشير أحمد t تفصيل ذلك في أحداث غزوة الخندق.
كانت تلك الأيام أليمة ومقلقة ومخيفة جدا، وحيثما طال الحصار كان لا بد أن تضعف مقاومة المسلمين، وإن كانت قلوبهم عامرة بالإيمان والإخلاص إلا أن الجسم يتبع قانون الأسباب المادي، فكان يضمحل، إذ لم تكن تتوفر حاجاته من الراحة والطعام بسبب الحصار، ومن ثمة كان يحصل التعب والضعف، وهو أمر طبيعي.
حين لاحظ ذلك النبيُّ r طلب سعدَ بن معاذ وسعد بن عبادة وبيَّن لهما الوضع واستشارهما، في ما يحب فعلُه في هذا الوضع، أنه كيف يعاني المسلمون الفقراء. ثم طرح من عنده رأيًا أنه إذا أردتما فيمكن إنهاء الحرب بتقديم نصيب من محاصيل المدينة لبني غطفان. فقالا كلاهما معا يا رسول الله، إذا كنت تلقيت الوحي عن ذلك، فنحن نسلِّم وافعل به بكل سرور. فقال النبي r أنا لم أتلق أي وحي، إنما أستشيركما بسبب معاناتكم. فقالا ما دمنا لم نقدم شيئا للعدو في أيام الشرك فلماذا نعطيه اليوم بعد الإسلام. أي الآن أيضا سنعمل بحسب القواعد السائدة، ثم قالا فوالله لا نعطيهم إلا السيف. فلما كان النبي r يخشى على الأنصار، أن يصيبهم اضطراب بسبب طول الحصار أو ينشأ لديهم أي شبهة أو ارتياب، وهم كانوا السكان الأصليين في المدينة، وربما كان يقصد من هذه الاستشارة أن يطَّلع على ما يجول في خواطرهم، هل كانوا قلقين من هذه المصائب وإذا كانوا فليجبر خاطرهم، لذا قد قبِل رأيهما بكل سرور، واستمرت الحرب.
يقول مرزا بشير أحمد t في بيان أحداث غزة الخندق، عن غدر بني قريظة: كانت من مكيدة أبي سفيان أنه وجَّه حيي بن أخطب زعيم قبيلة بني النضير اليهودية، أن يتوجه في ظلام الليل إلى حصن بني قريظة، ويتكلم مع زعيمهم كعب بن أسد ويسعى أن يحالفه بنو قريظة، فخرج حيي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد سيد قريظة فأغلق كعب حصنه أول الأمر ولم يأذن له قائلا قد عاهدت محمداً (r) ولم أر منه إلا الوفاء. لذا لا أستطيع أن أغدر به. ولم يزل معه يفتله في الذروة والغارب حتى حمله على الغدر بالنبي r وأكد له أن الإسلام سوف ينقرض عن قريب، وبين بكل قوة عزمه ووعَده أنه لن يعود من المدينة قبل القضاء على الإسلام، حتى رضي كعب أخيرا، وبذلك أضيفت إلى المشركين قوة بني قريظة أيضا، وكانت كفتهم راجحة سلفا، وكانت عندهم قوة وقدرة مادية كبيرة. فلما علم النبي r بالغدر الخطير لبني قريظة، أرسل الزبير بن العوام أولا مرتين أو ثلاثًا في الخفاء للاستطلاع ثم أرسل إلى بني قريظة سيدَي الأوس والخزرج سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وبعض الصحابة الآخرين ذوي النفوذ في صورة وفد رسميّ، وأوصاهم أنه إذا وجدوا أمرا مخيفا فينبغي أن لا يعلنوه علنا، بل يذكروه إشارة وكناية لئلا ينشأ الاضطراب في الناس.
حين وصل هؤلاء الناس مساكنَ بني قريظة وذهبوا إلى الرئيس كعب بن أسد فلقيهم ذلك الشقي بغاية التكبر، فذكر سعدان العهدَ فقال هو وأهل قبيلته بوقاحة: اذهبوا لا عهد بيننا وبين محمد (r). حين سمع الصحابةُ هذا الكلام رجعوا، وأخبر سعد بن معاذ وسعد بن عبادة الرسولَ r بما جرى بأسلوب مناسب، فاستمر عقاب بني قريظة أو الحرب معهم.
وفي مناسبة غزوة بني قريظة بعث سعد بن عبادة عددا من أحمال تمر لرسول الله r وللمسلمين، وكان ذلك طعامهم، فقال رسول الله r: نعم الطعام التمر.
حدثت غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة 8 للهجرة واستُشهد فيها زيد، لما جاء مصاب زيد وأصحابه أتى رسول الله r منزله بعد ذلك، فلقيته ابنته، فلما رأت رسول الله r أجهشت في وجهه بالبكاء، فلما رآها رسول الله r بكى حتى انتحب، فقال سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذا شوق الحبيب إلى الحبيب.
وهناك رواية أخرى لصحيح البخاري، عفوا، الأولى ليست من صحيح البخاري وإنما هذه الرواية من صحيح البخاري عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ r عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللهِ r فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ (وهي مكان قريب من مكة فيه كثير من العيون والنخل، وهي تبعد عن مكة خمسة أميال، حين أتوها) فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللهِ r فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللهِ r فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ فَلَمَّا سَارَ (النبي r نحو مكة) قَالَ لِلْعَبَّاسِ: احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ فَجَعَلَتْ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ r تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ قَالَ هَذِهِ غِفَارُ، قَالَ: مَا لِي وَلِغِفَارَ. ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَرَّتْ سُلَيْمُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا، قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ، (يعني لو كان في الجيش المقابل لكان يوم الذمار، ولكنه كان قد أسلم) ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ، فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ r وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِيِّ r مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللهِ r بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ النبي r: مَا قَالَ؟ قَالَ أبو سفيان: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ. أي لن تكون أية حرب.
لقد ذكر المصلح الموعود t هذا الحادث ببعض التفصيل فقال: حين قدم الجيش إلى مكة قال النبي r للعباس احبسه بمضيق الوادي إلى خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها وإخلاصها. وفعل العباس ذلك، بدأت قبائل العرب تمر بأبي سفيان وصديقَيه، التي كان أهل مكة يعتمدون عليها، أي كان أهل مكة يظنون أن هؤلاء القبائل تساعدهم ضد المسلمين ولكنها كانت مع الرسول r، إنهم كانوا يرفعون اليوم راية الإسلام لا راية الكفر، وكان على لسانهم إعلان وحدانية الله القادر، وكانوا يزحفون في تشكيلات عسكرية ليضعوا حياتهم فداء للرسول r لا لكي يقضوا على حياته، كما كان أهل مكة يرجون، بل كانوا مستعدين لسفك حتى آخرة قطرة من دمائهم دفاعًا عن محمد رسول الله r. وكانت غاية أمنياتهم أن يقيموا وحدانية الله الواحد ويبلغوا رسالته في العالم.
كانت تمر الجموع واحدًا بعد الآخر، حتى لاحت جموع قبيلة “أشجع” لعيون أبي سفيان، وكان حب الإسلام وحماس التضحية بالأرواح في سبيله باديَين في وجوههم وفي نبرة هتافاتهم. سأل أبو سفيان: “من هؤلاء”؟ قال العباس: “هذه قبيلة أشجع”. ورأى أبو سفيان إلى العباس مندهشًا وقال: “لم يكن أحد أعدَى لمحمد من هؤلاء”. وردّ العباس عليه بأن الفضل في ذلك لله الذي حين شاء أدخل في قلوبهم حب الإسلام.
وأخيرًا، مر به رسول الله r كتيبة المهاجرين والأنصار وكانوا ألفي مدرّع، وكان عمر t يسوي صفوفهم ويقول لهم: امشوا الهوينى لكي يعدل الفاصل بين الصفوف. كان إخلاص هؤلاء المسلمين القدامى وتصميمهم وحماسهم باديا في وجوههم، وعندما وقعت عين أبي سفيان عليهم ملأه الخشوع لفوْره، ولم يملك نفسه أن يسأل العباس قائلًا: “من كان هؤلاء”؟ وردّ العباس: “هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار”. وقال أبو سفيان: “ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة”. ثم توجّه بالخطاب إلى العباس وقال: “لقد أصبح ابن أخيك اليوم أقوى ملِكٍ في العالم”. وردّ العباس: “يا أبا سفيان، لا تزال بعيدا عن الحق. إنه ليس ملِكًا بل نبيّ الله”. قال أبو سفيان: “نعم نعم. إنه نبي وليس ملِكًا”.
وخلال مرور جيش الإسلام على أبي سفيان، كانت راية الأنصار مع سعد بن عُبادة، فوقعت عيناه على أبي سفيان، فقال: “اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشًا”. وحين مر رسول الله r بأبي سفيان، رفع أبو سفيان صوته مخاطبًا رسول الله r قائلاً: يا رسول الله! هل أذنتَ لقتل قومك؟ لأن رئيس الأنصار سعدا قال كذا وكذا. كان قوله “اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشًا”. قال أبو سفيان: يا رسول الله إنك أتقى الناس وأرحمهم وأكثرهم صلة بالرحم. أولن تنسى اليوم مظالم قومك؟ حين سمع هذه الشكوى وهذا الرجاء من أبي سفيان المسلمون المهاجرون الذين كانوا يلقون الضرْب والإهانة في شوارع مكة ويُرغَمون على ترك ممتلكاتهم ومنازلهم، بدأت تخالجهم مشاعر الرحمة نحو معذّبيهم من أهل مكة، قالوا: يا رسول الله، لا ندري ماذا سيفعله الأنصار بقريش بسبب ما سمعوه من المهاجرين عن التعذيب الوحشي والاضطهاد الذي ذاقوه على يد أهل مكة. قال النبي r لأبي سفيان: لقد أخطأ سعد فاليوم يوم المرحمة، واليوم سيعزّ الله تعالى قريشا والكعبة. ثم أرسل إلى سعد يأمره أن يسلم راية الأنصار إلى ابنه قيس ليكون هو قائد الأنصار مكانه، هكذا أخذ الراية من سعد وأعطى ابنه وبذلك هدأ من روع مكة وفي الوقت نفسه حمى قلوب الأنصار أيضا من الصدمة، كان النبي r يثق بقيس بن سعد أيما ثقة لأنه كان شابا نبيلا وورعا. قال المصلح الموعود t: ويمكن تبين مدى تقواه من حادثة سجلها التاريخ أنه قبل وفاته حين جاءه بعض الناس لعيادته ولم يأت البعض فسأل أصدقاءه: ما لي لا أرى بعض معارفي ليعودوني.
كان قيس جوادا كريما يعين الناس على حوائجهم، وإذا استدانه أحد من ضيق يؤتيه المال، فقال له أصدقاؤه إنك رجل كريم واستدان منك كثيرٌ من أهل البلدة، ولا يعودونك مخافة أن تطالبهم بدينك بسبب حاجتك إلى المال. فقال قيس متأسفا لقد تعرض أصحابي للعناء بسبب ديوني عليهم، وإذا كان هذا هو السبب وراء عدم زيارتهم لي، فنادُوا في المدينة أن قيسا قد أعفى من الدين كلَّ مَن عليه دين له. فجاء الناس يعودونه بكثرة حتى انكسرت سلالم بيته.
تُسمّى غزوة حنين غزوة هوازن أيضا. وحنين ممر ضيق يقع على ثلاثين ميلا بين مكة المكرمة والطائف، وقد وقعت غزوة حنين بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري. قسم النبي r غنائم هذه الحرب على المهاجرين، فوجد الأنصار بذلك شيئا في قلوبهم، وقد وردت بهذا الصدد رواية تفصيلية في مسند أحمد بن حنبل عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t حيث قال: لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ r مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِن الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ r قَوْمَهُ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ؛ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِن الْأَنْصَارِ شَيْءٌ. قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، وَمَا أَنَا؟ قَالَ (r) فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ (أي كان هناك مكان واسع فأمره أن يجمع قومه هنالك) قَالَ فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ. قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِن الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا، وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِن الْأَنْصَارِ. قَالَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ (لأنكم لم تُعْطَوا من الغنائم شيئا)؟ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ، وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟ قَالُوا بَل اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ: أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟ قَالُوا وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ. قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ: أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاك. أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِن الدُّنْيَا (بسبب حطامها) تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا (ويتقووا في إسلامهم)، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِن الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ. اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ. قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا.
لما بلغ النبيُّ r مكان الحج في حجة الوادع ضلّت ناقته، وكان يركبها معه أبو بكر رضي الله عنه. كانت الناقة عند عبد لأبي بكر فضلت عنه بالليل. وكان صفوان بن المعطل وراء الجيش، فوجدها وجاء بها وهي محملة بالزاد. لكن عندما بلغ سعدَ بن عبادة أن ناقة النبي r قد ضلت جاءه r مع ابنه قيس بجمل محمل بالزاد، وكان النبي r عند باب حجرته، وقبل أن يأتيه سعد كان الله تعالى قد رد له r ناقته الضالة المحملة بالزاد، فقال سعد يا رسول الله بلغنا أن ناقتك قد ضلت فخذْ راحلتنا مكانها. فقال رسول الله r لقد رد لي الله تعالى ناقتي الضالة، فارجعا براحلتكما، بارك الله فيكما.
وروى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ أَرْسَلَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أَنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا، فَأَرْسَلَ يَقْرَأُ السَّلَامَ وَيَقُولُ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَ اللَّهِ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا. فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ، قال عثمان أحسب أن أسامة قال كان صوت غرغرة الصبي يشبه صوتا يخرج عند نقر القربة الجافة (أي كان يتنفس نفسا عاليا طويلا) فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ r، فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ يَجْعَلُهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاء. أي لا بأس من هذه الحالة العاطفية، وإنما هي فضل الله تعالى.
وعن ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما – قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له (أي مرض مرضا)، فأتاه رسول الله r يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهم، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله، (أي كان أهل بيته وغيرهم قد ازدحموا حوله لشدة مرضه)، فقال: قد قضى؟ فقالوا: لا، يا رسول الله. فاقترب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكى برؤية حاله، فلما رأى القوم بكاء رسول الله r بكوا، فقال: ألا تسمعون، إن الله عز وجل لا يعذِّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا، وأشار إلى لسانه، أو يرحم. ثم قال r: إن الميت يعذب بنياح أهله عليه.
فالنياح على الميت هو الممنوع.
ربما غلب البكاء النبيَّ r برؤية حالة هذا الصحابي المريض أو بسبب الدعاء من أجله، ظن الآخرون أنه يبكي لأنه محتضَر، فقال لهم النبي r أن البكاء ليس ممنوعا، بل الممنوع هو أن يسخط الإنسان على ظهور قضاء الله وقدره. فإذا خرجت الدموع لكسب رضى الله تعالى فهي تجذب رحمته I، أما إذا خرجت نتيجة عدم الرضاء وكانت تمثّل النياحة فتجلب العقاب.
باختصار، إن سعد بن عبادة لم يكن قد مات إلى ذلك الحين إلا أن مرضه كان شديدا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْبَرَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَا أَخَا الْأَنْصَارِ كَيْفَ أَخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ صَالِحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ وَلَا قَلَانِسُ وَلَا قُمُصٌ (أي خرجوا مسرعين) نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللَّهِ r وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ.
هذه الرواية مأخوذة من صحيح مسلم، وتتناول الحادث المذكور أعلاه.
وعن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام قال: أمر أبي بحريرة (الحريرة طعام معروف يُصنع من الدقيق والجبنة والماء، هذا تعريف الحريرة كما أخرج أعضاء خلية البحث من لغات الحديث) فصنعت، ثم أمرني فأتيت بها رسول الله r (كان النبي r عندئذ في البيت) فقال: ماهذا يا جابر؟ ألحم ذا؟ قال: فقلت: لا يا رسول الله، ولكن أبي أمر بحريرة، وأمرني أن آتيك بها، فأخذها. ثم أتيت أبي فقال: هل رأيت رسول الله r؟ قلت: نعم. قال: ما قال؟ قال: ألحم ذا يا جابر؟ فقلت: لا يا رسول الله، ولكن أبي أمر بحريرة فصنعت، وأمرني فأتيتك بها. فقال لي: عسى أن يكون رسول الله r اشتهى اللحم، فقام إلى داجن له، فأمر بها فذبحت، ثم أمر بها فشويتُ، ثم أمرني فحملتها إلى رسول الله r، فأتيته وهو في مجلسه فقال لي: ما هذا يا جابر؟ فقلت: أتيت أبي فقال لي: هل رأيت رسول الله r؟ فقلت: نعم. فقال: هل قال لك شيئاً؟ قلت: نعم. قال: ما هذا يا جابر؟ ألحم هذا؟ فقال أبي: عسى أن يكون رسول الله r قد اشتهى اللحم، فقام إلى داجن فأمر بها فذبحت ثم أمر بها فشويت ثم أمرني فأتيتك بها فقال: جزاكم الله معشر الأنصار خيراً، ولا سيما آل عمرو بن حرام وسعد بن عبادة.
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ فَقَالَ سَعْدٌ مَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ r إِلَّا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا فَقِيلَ قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ….يَشْهَدُ أبو أُسيدٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ أُتَّهَمُ أَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r لَوْ كُنْتُ كَاذِبًا لَبَدَأْتُ بِقَوْمِي بَنِي سَاعِدَةَ وَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ وَقَالَ خُلِّفْنَا فَكُنَّا آخِرَ الْأَرْبَعِ أَسْرِجُوا لِي حِمَارِي آتِي رَسُولَ اللَّهِ r وَكَلَّمَهُ ابْنُ أَخِيهِ سَهْلٌ فَقَالَ أَتَذْهَبُ لِتَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَرَسُولُ اللَّهِ r أَعْلَمُ أَوَ لَيْسَ حَسْبُكَ أَنْ تَكُونَ رَابِعَ أَرْبَعٍ فَرَجَعَ وَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَأَمَرَ بِحِمَارِهِ فَحُلَّ عَنْهُ.
هذه الرواية أيضا مأخوذة من صحيح مسلم.
عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان سعد بن عبادة يقول: اللهم هب لي مجدا ولا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا يصلحني القليل ولا أصلح عليه.
على أية حال، هذا أسلوبه الخاص للدعاء.
وفي رواية في صحيح مسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: نَعَمْ قَالَ كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إِنَّهُ لَغَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي.
وفي رواية أخرى في صحيح مسلم: عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عَنْهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنِ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
أي الله تعالى ليس سريعا في العقاب، ولكن الإنسان قد يقول بأن الغيرة غلبتني واستعجلتُ. فالله تعالى يغفر للتائب ولا يكتفي بالغفران فقط بل يُنعم عليه أيضا. فقال النبي r: لا تسبقوا قانون الله بل ابقوا في دائرة قانون الله عز وجلّ.
وجاء في رواية في مسند أحمد بن حنبل: عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ لَهُ: قُمْ عَلَى صَدَقَةِ بَنِي فُلَانٍ وَانْظُرْ لَا تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَكْرٍ تَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِكَ أَوْ عَلَى كَاهِلِكَ لَهُ رُغَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اصْرِفْهَا عَنِّي فَصَرَفَهَا عَنْهُ.
المراد من ذلك أنه إذا كلِّفتم بمسؤولية ما فلا بد من أداء حقها بالعدل، ولا يجوز أدنى خيانة فيها. أما إذا خانها أحد ولم يعدل فهذا ذنب عظيم وسيُسأل عنها يوم القيامة.
جمع القرآن على عهد رسول الله r ستة من الأنصار (أي حفظوه عن ظهر قلب كاملا)، وكان منهم سعد بن عبادة أيضا.
يقول سيدنا المصلح الموعود t بهذا الشأن: إن من أشهر القراء من الأنصار هم: عبادة بن الصامت، معاذ بن جبل، مجمع بن جارية، فضالة بن عبيد، مسلمة بن مخلد، أبو الدرداء، زيد بن ثابت، أُبي بن كعب، سعد بن عبادة وأُمّ ورقة. وللحديث بقية سوف أذكرها مستقبلا بإذن الله.