خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 25/05/2018
في مسجد بيت الفتوح بلندن
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور: 56-57)
لقد تضمنت هذه الآيات وعدًا من وعود الله تعالى. واعلموا أن الله تعالى قد وعد المؤمنين بأنهم سينعمون بنعمة الخلافة ما حققوا كذا وكذا من الأمور، ونتيجة لذلك سوف ينالون التمكين في الدين وتتبدل حال خوفهم بحال الأمن. فإنه وعد، وليست نبوءة، وهذا يعني أن الله تعالى سيحقق ذلك حتمًا، ويُنعم بهذا الإنعام على الذين يحققون الشروط المنوطة بهذا الوعد. ما هي تلك الشروط؟ يقول الله تعالى: (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، أي لا يسعهم الاستفادة الكاملة من هذا الوعد إن لم يكونوا عابدين لله تعالى كما هو حق العبادة، وإن لم يكونوا مجتنبين الشرك بشكل كامل ومبتعدين عنه كما يريده الله تعالى، أي لا يستطيع هؤلاء، الذين لا يعملون بهذه الشروط، أن يستفيدوا من نعمة الخلافة حق الاستفادة حتى ولو كانت قائمة إن لم يحققوا هذه الشروط.
يتضح لنا من القرآن الكريم أيضا أن الخلافة على منهاج النبوة ستقام في الزمن الأخير، ويتضح من الأحاديت أيضا أن الخلافة على منهاج النبوة ستقام وستكون هذه الخلافة دائمة، وذكر لنا المسيح الموعود ؏ أيضا بكل وضوح أنَّ الخلافة تُقام بعده وتبقى إلى الأبد. ولقد بيّن الله تعالى للمسلمين مع ذكر هذا الإنعام أنه لابد لهم من إحداث التغيير في سلوكهم وحالاتهم من أجل الاستفاضة الكاملة بوعد الخلافة، إذ لا يجعلهم الله تعالى مستحقين نعمة الخلافة لمجرد إيمانهم الظاهري وادعائهم الإسلام، فينصح الله تعالى المسلمين بأن يقيموا الصلاة ويؤدوا الزكاة ويطيعوا الرسول من أجل أداء حق العبادة وتجنب الشرك، وبعد كل ذلك ينالون رحمة الله تعالى.
وفيما يتعلق بطاعة الرسول فيجب أن تتذكروا قول النبي ﷺ: من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني. والخليفة في نظام الخلافة هو أكبر أمير تمّ تعيينه من قبل النبي ﷺ. ومن هنا يتضح أن طاعة الخلافة ضرورية كطاعة النبي ﷺ. ولكن ليس المراد منها تلك الخلافة التي تُنال بالقوة وبمساعدة الزعماء الدنيويين، بل هي تلك الخلافة التي تقوم على منهاج النبوة والتي بشر بها النبي ﷺ، والتي قُدّر لها أن تقام بعد مجيء المسيح الموعود، ثم تبدأ سلسلة الخلافة، لأن المسيح الموعود سيكون خاتم الخلفاء. ولن تخوض هذه الخلافة في الحروب ولا في ممارسة الظلم، بل هي معنية بتنبيه الناس وتذكيرهم بإقامة الصلوات ونشر الدين، وتذكيرهم بأن يؤدوا الزكاة ويركزوا على التضحية المالية، وهذا النظام أيضا ساري المفعول في الجماعة الإسلامية الأحمدية فقط. كذلك لا يمكن بدون الخلافة أن تتحقق الوحدة التي هي الهدف الأسمى من طاعة الرسول. لا شك أن المسلمين الآخرين يؤدُّون الصلوات غير أن قلوبهم شتى جراء انعدام الوحدة. رغم اتفاقهم على مذهب واحد يحدِثون الفُرقة بسبب الاختلاف في الجزئيات. ويستخدم العلماء منابرهم للمشاحنات فيما بينهم من أجل تحقيق أهدافهم الشخصية بل يستخدمونها الآن في باكستان لتحقيق الأهداف السياسية أيضا. والحال نفسها لمن يتبعونهم. قبل فترة، لما كانت المظاهرات ضد الحكومة في أوجها، تحارب حزبان من العلماء، منهم من كان يسعى للبروز ولتحقيق أهدافه الشخصية تحت شعار “لبيك يا رسول”، ومنهم من كان يحاول ترويج تجارته تحت شعار “ختم النبوة”، وكانت الدنيا تشاهد هذه التمثيلية على شاشات التلفاز إذ عُرِض كل ذلك على فضائيات باكستان، ومع ذلك لا يدرك الناسُ حقيقة هؤلاء الذين يتبعونهم. أهؤلاء سيصبحون ذريعة لتمكين الدين لعامة الناس ولعامة المسلمين؟! أهؤلاء سيرشدون الناس؟! كلا، بل هؤلاء أنفسهم فاسدون بل إنهم كما ورد في حديث النبي ﷺ عن علماء هذا الزمن، سيكونون شر مَن تحت أديم السماء. إنهم يؤدون الزكاة للحكومة ولكن لا يُعرَف استخدامها، تدّعي الحكومة أنها تنفق على الفقراء في حين أن أخبار اختلاس ملايين الروبيات من أموال الزكاة تنتشر بين حين وآخر على وسائل الإعلام. لا يُهِمّ الحكومات نشر الإسلام. ما الذي أنجزته الحكومات التي أقيمت باسم الإسلام والتي هي ترفل في ثروات النفط؟! إنها لا تسطيع إنجاز أي عمل لنشر الإسلام. وإن كان أحد يقوم بهذا العمل باذلا تضحيات جسيمة فإنها الجماعة الإسلامية الأحمدية. فلا يستقيم هذا الأمر أيضا إلا إذا كان هناك نظام الخلافة.
يقول بعض العلماء والفئة الجادة من المسلمين أنه ينبغي أن يكون هناك نظام الخلافة، ولكن إذا قيل لهم آمنوا بنظام الخلافة الذي أقامه الله تعالى فلا يقبلون بل يزدادون معارضةً.
ولقد حدثت حادثة جديدة لهذه المعارضة قبل يومين في مسجدنا في سيالكوت وفي البيت المجاور له باشتراك الشرطة والسلطات المحلية، بل ينبغي القول أن هذه العملية تمت بإشراف من السلطة حيث هاجم المشايخ مع بضع مئات من أتباعهم، وأنجزوا “مهمة عظيمة” على حد زعمهم، بل نفذوا هذه العملية في جنح الليل من أجل “إنقاذ الإسلام”. والحقيقة أن السلطة كانت قد أغلقت هذا البيت قبل بضعة أيام دون أي مبرر أو سبب، فلم يكن فيه أحد، مع ذلك هاجموا هذا البيت تحت إشرافها وألحقوا به أضرارًا فادحة جراء أعمال التكسير والتخريب.
لقد أنشئ هذا البيت والمسجد هناك قبل انفصال باكستان بفترة طويلة تقدّر بأكثر من مائة عام. ولا مبرر لفعلهم ليقولوا بأن الأحمديين قد أنشأوا هذا البيت والمسجد حديثا فلا بد أن نهدم مناراته وقبابه.
هذه هي حالهم، إنهم متجاوزون الحدود في المعارضة. ولقد أعلنوا الآن بأنهم سيلحقون الأضرار بالمساجد الأخرى ويهدمونها. على رأسهم شخص يُلقَّب بالحافظ أو القارئ وهو ينتمي إلى حزب سياسي أيضا، إنه يُدعى حافظًا للقرآن الكريم إلا أنه خال من معرفة تعاليم القرآن الكريم. ولا بد أن يكون كذلك جراء معارضته لمن أرسله الله تعالى خاتم الخلفاء وحكمًا عدلا لهذا الزمان، فلا شك أنهم يحفظون الكلمات الظاهرة إلا أنهم يفتقرون إلى علوم القرآن الكريم، وعلى أذهانهم أقفال فلا يفهمون تعاليمه، وهذه في حد ذاتها أيضا عقوبة من الله تعالى. أما الفتنة والفساد فإنهم يعرفون طرقها حق المعرفة، وإنهم مستعدون لإحداث الفتنة مهما كان الطلب كبيرا بل سيخترعون لها طرقا جديدة. لا نستطيع مواجهتهم في هذه الأمور. هذه هي حالهم، بحيث يتكلمون ضد بعضهم البعض في مساجدهم وبالتالي يسيئون إلى قدسية المساجد بوضعهم خطط الفتن والفساد فيها، كما أنهم ينتهكون قدسية مساجدنا أيضا التي أسست لعبادة الله تعالى خالصة بإغلاقهم إياها ثم مُداهمتها باستمرار وإلحاقهم أضرارًا فادحة بها.
هذه هي نتيجة تقديم المصالح الخاصة على الدين، فما دام هؤلاء لا يؤمنون بالخلافة التي أقيمت تحقيقا لنبوءة النبي ﷺ ستظل تصدر منهم مثل هذه التصرفات الغاشمة، ولا يرجى منهم أي خير مطلقا. ومع ذلك هناك عدد من النبلاء أيضا، فقد أبدت عضوة في مجلس الشعب يوم الأمس بهمة كبيرة قلقها وأسفها على ما حدث واستنكرت هذا التصرف. والآن نرى كيف يتعامل مع تلك المسكينة المشايخُ ومَن هم على شاكلتهم، ورجالُ السياسة. فمن الملاحظ إلى الآن أن هؤلاء يلاحقون أمثال أولئك النبلاء فيضطروهم إما إلى الاستقالة من السياسة أو الاعتذار على تصريحهم. أما عواطفنا ومشىاعرنا على إلحاق هؤلاء الرعاع الضررَ بتذكار المسيح الموعود ؏ وأن الحكومة قد احتلتْه وصادرتْه، فإنما ردُّنا المعتاد على ذلك أو كيف ينبغي أن يكون، فهو “إنما أشكو بثي وحرني إلى الله”. صحيح أننا تربطنا مع هذا البناء علاقةٌ حساسة ورقيقة، لكن أسمى إظهار للعلاقة بالمسيح الموعود ؏ لا يتمثل في مجرَّد حماية البنايات فقط، وإنما في العمل بتعليمه ؏ والتمسك بالخلافة التي أقيمت بعد وفاته. وبتحقيق الأمور التي بيَّنها الله ﷻ للانتفاع بنعمة الخلافة، وبرفع معايير عبادتنا، والاستجابة لأوامر الله ﷻ ورفع مستويات طاعتنا، ومن أجل ذلك يجب أن نبذل الجهود الحثيثة.
ذات مرة سئل حضرته ما هي الغاية من بعثة الخليفة؟
فقال ؏: الإصلاح، انظروا قد بدأ نسل الإنسان من آدم ؏ وبعد مدة طويلة حين ضعفت الحالات العملية للناس، ونسوا الغاية المنشودة من خلق الإنسان وكتابِ الله وابتعَدوا عن هُدى الله، هَدى الله العالم عن طريق مبعوث ومرسل منه وأخرجهم من هوة الضلال، وتجلى الكبرياء، وأقيم نور المعرفة في العالم من جديد كالمصباح، وجعل الإيمان نورانيا ومنيرا.
باختصار من سنة الله المستمرة منذ القدم، كما منذ زمن آدم إلى النبي ﷺ، أنه بعد مرور حين من الزمان ينسى الناس تعليم نبي سابق ويضلُّون الطريق القويم ويفقدون متاع الإيمان، ونور المعرفة، ويحيط بالعالم من كل جهة ظلامٌ خطير من الضلال والفسق والفجور، تهيج صفات الله. وبواسطة إنسان جليل القدر يُنشر اسم الله وتوحيده والأخلاق الفاضلة من جديد في العالم بعد إقامة معرفة الله تعالى، وتُقدّم آلاف الأدلة البينة على وجوده عزَّ وجلَّ، وتُقام في العالم المعرفة الضائعة والتقوى والطهارة المفقودة مجددا. باختصار قد أقيمت جماعتُنا بحسب هذه السنة نفسها”.
أقول: الإيمان مفقود والتقوى ضائعة من بين المسلمين وغيرهم أيضا لذلك أرسل الله تعالى خاتَم الخلفاء في هذا الزمن بحسب نبوءة النبي ﷺ فأقامهما.
يقول حضرته:.. يتحقق انقلاب عظيم. فقوله ؏: “بحسب هذه السنة القديمة نفسها قد أقيمت جماعتُنا هذه”. أي لقد أقيمت الجماعة الإسلامية الأحمدية من أجل تقديم الإثباتات البينة على وجود الله تعالى وإقامة التوحيد والأخلاق السامية من جديد. نلاحظ أن الحالة العملية لغالبية المسلمين ضعيفة. فهؤلاء متورطون في عبادة القبور والشرك والبدع، حيث يعمّ الفسق والفجور، وهم أنفسهم يعترفون بذلك، وتُكتب الأعمدة حول هذا الموضوع في الجرائد، لكنهم، كما قلت، غير مستعدّين للإيمان بمن أرسله الله ﷻ تابعًا للنبي ﷺ من أجل الهداية والانتشال من هوة الضلال. فهم متورطون في الشرك الخفي، وليس فيهم أثر للأخلاق الفاضلة. لكن الجملة الأخيرة من كلام المسيح الموعود ؏ يجب أن تنبِّهنا دوما كما قلت سابقا، أي أن جماعتنا قد أقيمت بحسب هذه السنة القديمة فحسب، حيث عندما يتفشى الفسق والفجور والفساد في كل مكان وتتلاشى الأخلاق وينسى الناس التوحيد وينتشر الشرك، عندها يرسل الله أحد أحبائه، ويتحقق إحياء الدين من جديد. فإذا كنا لا نُحدث هذه التغييرات في نفوسنا بعد الإيمان بالمسيح الموعود ؏ فهذا مدعاة للخوف والقلق الكبير. فعلينا أن نفحص أنفسنا دائما هل نسعى جاهدين أم لا للعمل بالنصائح التي أمرنا الله تعالى بها للحصول على النِعم المنوطة بالخلافة؟ وما هو مستوى أعمالنا؟ ويجب أن نفحص مستوى عباداتنا وكيف نقيم الصلاة وهل كل قول من أقوالنا وكل عمل من أعمالنا بريء من الشرك أم لا؟ وما هو مستوى تضحياتنا وطاعتنا؟ هل نسعى لبلوغ المستوى الذي يريده الله تعالى ورسوله منا؟ وهل نحاول الوصول إلى المستوى الذي كان يريد المسيح الموعود ؏ أن يرى عليها أتباعه؟ هناك حديث عن أهمية العبادات والصلاة جاء فيه: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ.
إذًا، هذه هي أهمية الصلاة. في هذه الأيام نجد الناس متوجهين أكثر من الأيام الأخرى إلى المساجد والصلاة بسبب شهر رمضان الفضيل، ولكن الأمر لا يقتصر على شهر رمضان فحسب، ولن يسأل الله عن الصلاة في شهر رمضان فقط بل يحاسب المرء عن الصلاة في حياته كلها. لذا فالموقف خطير جدا.
إن الله تعالى رحيم بعباده، والمعلوم أن الإنسان لا يستطيع أداء ما يتوجب عليه بسبب الضعف البشري والظروف الطارئة على طبيعته، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ.
ثم هناك رواية أخرى عن جابر ؓ مفادها أنه سمع النبي ﷺ يقول بأن ترك الصلاة يقرّب الإنسان إلى الشرك. هذا أيضا موقف مخيف جدا. والشرك لا يُغتفر، وهو مكروه عند الله جدا ولا يغفره. فلو ارتكب أحد مثل هذه الجرائم أيمكنه أن يستفيد من نعمة الخلافة؟! كلا.
ثم يقول المسيح الموعود ؏ مبينا كيفية الصلاة ومستواها:
بعض الناس يذهبون إلى المساجد ويصلُّون أيضًا، ويمارسون سائر طقوس الإسلام، ولا يحالفهم نصْر الله وعونُه ولا يُرى تغيير ملحوظ في عاداتهم وأخلاقهم. (أي لا بد من أن يلاحَظ تغيُّر ملحوظ في عادات المصلين وأخلاقهم) مما يتبين أن عباداتهم تقليدٌ فحسب، وليست لها أية حقيقة، لأن العمل بأوامر الله تعالى كمثل بذرة، ويؤثِّر في الروح والجسم كليهما. (كما تنبت البذرة وتنمو رويدا رويد كذلك يجب أن أن يلاحَظ تأثير الصلاة على روحنا وجسمنا وأخلاقنا) يتابع حضرته ؏ قائلا: فالإنسان يُروي الحقل ويبذر فيه بمنتهى الجهد، فإن لم تنبت البذور خلال شهر أو شهرين فلا بد من الإقرار بأن البذرة فاسدة، وهذا هو حال العبادات. (هنا شرح حضرته كلمة أردية لعامة الناس وقال بأني شرحتُ هذه الكلمة لأن بعض المترجمين يسألونني بعد الخطبة أنك استخدمت كلمة كذا وكذا ولكننا لم نعرف معناها) إذا كان الإنسان يؤمن بأن الله واحد لا شريك له، ويصلي ويصوم وفي الظاهر ويستجيب لأوامر الله قدر الإمكان، ومع ذلك لا يحالفه النصر الملحوظ من الله فلا بد من الإيمان أن البذرة التي يبذرها فاسدة.” (الملفوظات ج 10)
أقول: يجب أن ننتبه إلى هذه النكتة جيدا، أي يجب أن نعرف مدى قربنا من الله تعالى من خلال كيفية عباداتنا وأخلاقنا وعاداتنا. إذا كانت أخلاقنا وعاداتنا على ما يرام فهذا يعني أن الصلاة تنفعنا، ونحن نتقرب من الله تعالى شيئا فشيئا. أما إذا لم تتغير أحوال المرء الظاهرية فهذا يعني أنه لا ينال قرب الله تعالى، ولا تنفعه الصلاة.
ويقول ؏ أيضا بهذا الشأن: “ما هي الصلاة؟ إنها لدعاءٌ يُدعى بالتضرّع وبالتسبيح والتحميد والتقديس والاستغفار والصلاة على النبي ﷺ. فإذا صلّيتم فلا تتقيّدوا كالغافلين في دعواتكم بالكلمات العربية فقط (أي إذا كانت لسانكم الأُمّ غير العربية فلا تتقيدوا بها عند الدعاء لأن ذلك لا يخلق في القلب حالة يجب أن يكون عليها الداعي) فإن صلاتهم واستغفارهم كله مجردُ عادة وطقوس خالية من لُبّ الحقيقة. أما أنتم فحينما تقومون للصلاة، فإضافةً إلى أدعية القرآن الذي هو كلام الله والأدعية المأثورة التي هي كلام الرسول ﷺ، والتي يجب على المرء أن يتعلم معانيها أيضا ليعلم مغزاها. ثم يمكنه الدعاء بأدعية أخرى أيضا، عليكم أن تدعوا دعواتكم العامة الأخرى كلها بلسانكم الأمّ متضرعين، لكي يكون لهذا التضرع والخشوع وقعٌ في قلوبكم”.
ثم يقول ؏: “الصلاة قوة بها تحنو السماء على الإنسان. إنّ الذي يقيم الصلاة كما هو حقها يشعر أنّه قد مات، وأنّ روحه قد ذابت، ووقعتْ على عتبة الله. البيت الذي تُقام فيه الصلاة بهذه الطريقة لا يواجه الخراب مطلقًا. جاء في حديث: “لو فُرضت الصلاة على قوم نوح لما هلكوا”. الحجّ مشروط بشروط، (أي أن الحج ليس واجبا ما لم تتحقق شروطه فهو ليس فرضا على كل شخص) ، وكذلك الصيام، (فهو ليس واجبا على المسافر والمريض إلا أنهما يستطيعان أن يكمل العدة فيما بعد) ، كذلك الزكاة (لا تجب إلا على صاحب النصاب فقط) ، أما الصلاة فليس لفرضيتها أية شروط. وسائر الفرائض المذكورة تؤدّى مرّة في السنة، ولكن الصلاة مفروضة خمس مرات يوميا. فما لم تؤدَ الصلاة بشروطها كاملة، لن تُكسب البركات المرجوة منها، ولن تستفيدوا من هذه البيعة شيئا”.
أقول: يجب على كل واحد منا أن يحقق هذا المستوى المذكور في كلامه ؏.
يقول الله تعالى أن اجتنبوا الشرك، وقد ورد في رواية أن النبي ﷺ كان يخشى على أمته الشركَ. فقد ورد في حديث عن عبادة بن نسي عن شداد بن أوس أنه دخل عليه وهو في مصلاه يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: حديث ذكرته سمعته من رسول الله ﷺ، فقيل له وما هو؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ: إني أتخوف على أمتي من بعدي الشرك والشهوة الخفية. قلت: يا رسول الله، أو تشرك أمتك من بعدك؟ قال: … إنهم لا يعبدون شمسا ولا قمرا ولا حجرا ولا وثنا، ولكن يراؤون بأعمالهم، قلت: يا رسول الله، وما الشهوة الخفية؟ قال: يصبح أحدهم صائما فتعرض له شهوة من شهواته، فيواقع شهوته ويدع صومه.
أقول: لقد سردتُ لكم حادثا في الخطبة الماضية أن البعض يصومون لإراءة الوالدين فقط ولكنهم يأكلون الطعام في الظهيرة في السوق ثم يجلسون عند الإفطار مع أهل البيت جميعا ببالغ الاهتمام ويتظاهرون كأنهم أشد الناس التزاما بالصوم. فهذه هي حال بعض الناس. وقد نُشر في الأسبوع الماضي بهذا الشأن مقال في الجرائد المحلية هنا كما ذكرتُ في الخطبة الماضية.
إذًا، هذا موقف مخيف جدا. فإذا فحصنا أنفسنا جيدا ظهرت لنا عيانًا مظاهر كثيرة للشرك الخفي، إذ تفوت أحيانا الصلاة بسبب اتباع الرغبات الشخصية أو يفوت الصوم لأعذار دنيوية. لقد زارني شاب وقال أنه يدير محلا لصنع “البيزا” (Pizza) ويكون مضطرا إلى تذوّقه في أثناء إعداده لذا لا يستطيع أن يصوم. أقول: إذا كان أحد من الأحمديين يفعل ذلك فلا يسعني إلا أقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. لا أدري! ألم يشعر هذا القائل بشيء من الندم على قوله؟! ولكني أخجل على أية حال عند سماع مثل هذا الكلام من أمثال هؤلاء. إذا كان المرء يدّعي نوال الإنعام من الله تعالى ولكنه لا يعمل بأوامره فإن ادعاءه باطل تماما. يقول المسيح الموعود ؏: “يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) أي أن الشركَ لن يُغفَر، فلا تقربوه بل احسبوه شجرة ممنوعة” (التحفة الغولروية). هنا يجري الحديث عن الشرك.
ثم قال ؏: ليس التوحيد قولَ لا إله إلا الله بالفم بينما في القلب آلاف الأوثان، بل من يعطي لأي عمل له أو مكر أو مكيدة أو تدبير عظمةً يستحقها الله أو يتّكل على أي إنسان كما يجب التوكل على الله أو يعطي نفسَه عظمةً يستحقها الله تعالى ففي جميع هذه الحالات هو عابد الأوثان عند الله.
هذا شرح للحديث المذكور، ليست الأوثان ما تُصنع من الذهب أو الفضة أو النحاس أو الحجر وتُعْبَد، بل كل شيء وقول وفعل يُعطى عظمة يستحقها الله تعالى هو وثن عند الله، إذًا ثمة حاجة إلى فحص أنفسنا بدقة.
ثم فُرض على المنعَم عليهم بالخلافة أداء الزكاة والتضحية المالية، ورد في الحديث عن ابن مسعود ؓ قال قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا. (صحيح البخاري، كتاب العلم)
وعن الحسن ؓ قال قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ. أيْ وجَّه الجميعَ إلى التضحية المالية سواء كانوا ممن وجبت عليهم الزكاة أم لم تجب، لأن الزكاة ليست واجبة على الجميع، كما قال المسيح الموعود ؏ أن الذي وجبت عليه الزكاة فليؤدِّها والذي لم تجب عليها الزكاة فعليه التوجُّه إلى الصدقات وعليكم الاهتمام بالفقراء والمحتاجين.
فحيث وُجِّه هنا إلى الاهتمام بحاجة ذوي الحاجة وهو شيء ضروري كذلك وُجِّه إلى خلق الوحدة لأن الزكاة والأموال لا يمكن أن تُصرف بوجه أحسن إلا تحت إشراف الخلافة، وفي نظام الجماعة يمكن جمع بيانات المحتاجين بوجه أحسن، وعلى فروع الجماعة أن تدرس هذا الأمر، فترسل البيانات إلى المركز، وعموما تأتي المركز قوائم بأسماء مثل هؤلاء، وكذلك تأتي إلى الخليفة معلوماتٌ من مختلف الأماكن ومختلف الناس ويكتب البعض عن أنفسهم أيضًا فبحسب ذلك يوجّه نظام الجماعة الإنفاق في محله، ولذلك تسعى الجماعةُ لمساعدة الناس ولسهولتهم بحسب إمكانياتها في أفريقيا وفي بلاد أخرى أيضا وتهيء أسباب العلاج والتعليم والغذاء، ورأيتُ كثيرا من الأحمديين يقدّمون التضحية المالية لمساعدة إخوتهم الفقراء بكل حرقة وألم، وبذلك تنشأ الوحدة. بيّن المسيح الموعود ؏ العلاقة بين الصلوات والزكاة بحسب تعليم الله تعالى فقال:
“عندما يحظى الناس بالخشوع في صلواتهم تكون نتيجته الطبيعية أنهم يُعرضون عن اللغو بطبيعتهم، (أيْ لو أدّوا صلواتهم بشكل صحيح لأعرضوا عن اللغو حتما) ، ويتخلصون من هذه الدنيا السيئة. يفتر حب هذه الدنيا وينشأ في قلوبهم حب الله تعالى، وتكون نتيجة ذلك أنهم (لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) أي ينفقون في سبيل الله. (وحين يُعرضون عن اللغو ولا ينفقون فيه ويتوجهون إلى العبادات فيتوجهون إلى الإنفاق في سبيل الله، قال ؏:) وهذه هي نتيجةُ (عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)، (أيْ أنَّ إعراضهم عن اللغو يوجِّههم إلى التضحية المالية ويبدؤون يشعرون بالآخرين) ، لأنه عندما يفتـر حب الدنيا تكون النتيجة الحتمية أنهم سينفقون في سبيل الله. ولو حازوا كنوز قارون فلن يبالوا بها ولن يتـرددوا في البذل في سبيل الله. هناك آلاف الناس الذين لا يدفعون الزكاة وبالتالي يُباد كثير من الفقراء والمفلسين من قومهم ويهلكون، ولكنهم لا يبالون بذلك، مع أن الله تعالى قد أمر بدفع الزكاة على كل شيء حتى على الحلي ولكن ليس على المعادن وما شابهها. الأغنياء والأثرياء مأمورون أن يحسبوا كنوزهم بحسب أوامر الشريعة ويدفعوا الزكاة، (ولا يكتفوا بأداء الزكاة على النقود المحبوسة لمدة معينة فقط)، ولكنهم لا يدفعون. لذلك يقول الله تعالى بأن حالة (عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) تتولد حين يدفعون الزكاة أيضا، (أيْ لو أدوا الزكاة سعوا للإعراض عن اللغو وحظوا بالخشوع والخضوع في الصلوات، ولو كانت صلواتهم صحيحة لأعرضوا عن اللغو وتوجّهوا إلى التضحية المالية، قال ؏ المنفقون في سبيل الله هم المعرضون عن اللغو. فكل شيء مرتبط ببعض، قال ؏: وكأن أداء الزكاة نتيجة للإعراض عن اللغو” (الملفوظات).
فالصلاة توجه المرء إلى اجتناب اللغو واجتناب اللغو يدفعه إلى العمل بأحكام الله فيتوجه إلى إنفاقِ ماله في سبيل الله بدلا من هدره في ما لا يجوز، فاستنتج حضرته ؏ أن الإنفاق في سبيل الله تعالى يحمي المرء من كثير من اللغو.
ثم أوصى الله تعالى المنعمَ عليهم بالخلافة بأن يرفعوا مستوى الطاعة، ورد في حديث عن عبادة ؓ قال: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. (صحيح البخاري، كتاب الأحكام) ولم يقتصر هذا الأمر على شخصه ﷺ فقط بل هو ينطبق على الخلافة ونظام الخلافة أيضا، كما ورد في حديث عن أبي هريرة ؓ قال قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ. (صحيح مسلم، كتاب الإمارة) أيْ ولو اغتُصب حقُّك وأوثِر عليك غيرُك وعوملتَ بالتمييز ففي كل حال عليك بالسمْع والطاعة للحاكم ، يقول المسيح الموعود ؏ عن الطاعة:
“أطيعوا الله ورسوله والملوكَ. الطاعة شيء إذا اختاره الإنسان بصدق القلب نشأ في قلبه نورٌ وفي روحه لذة ونورٌ. ليست هناك حاجة إلى المجاهدات بقدر الحاجة إلى الطاعة. ولكن الشرط هو أن تكون الطاعة صادقة وهذا هو الأصعب. لا بد من ذبح أهواء النفس في سبيل الطاعة وإلا لا تتحقق الطاعة. إن أهواء النفس هي الشيء الذي يمكن أن يصبح أوثانا في قلوب الموحدين الكبار أيضا. (أي إن كانت في القلب أهواء لأصبحت أوثانا ولا تتأتى الطاعة حالَ وجودها، قال ؏: كم كان فضل الله تعالى عظيما على الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين! كم كانوا فانين في طاعة رسول الله ﷺ! صحيح تماما أنه لا يمكن لقوم أن يسمَّى قوما ولا يمكن أن تُنفخ فيهم روح الملة والوحدة ما لم يتمسك بمبدأ الطاعة. وإذا بقيت الفُرقة والخلاف في الرأي فاعلموا أنها بوادر الانحطاط والإدبار. إن كانت هناك فرقة وتشتت استمر الانحطاط والتدني ولن يتأتى التقدم والرقي، ومن جملة أسباب ضعف المسلمين وانحطاطهم الخلافاتُ والنزاعات الداخلية أيضا. فلو تركوا الخلافات في الرأي وأطاعوا مَن أمر الله بطاعته لتَمَّ ما أرادوا إتمامه. يد الله تكون على الجماعة والسر في ذلك أن الله يحب الوحدة. والوحدة لا تتحقق دون الطاعة. كان الصحابة في زمن رسول الله ﷺ ذوي رأي سديد من الدرجة العليا وقد خلقهم الله تعالى على هذا النحو، فكانوا مطّلعين جيدا على مبادئ السياسة أيضا لأنه حين صار أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة خلفاء وملكوا السلطنة فبحسن الإدارة والنظام الذي تحملوا به عبء السلطنة الثقيل يتبين منه بجلاء كم كانوا موهوبين من حيث سداد الرأي! ولكن كانت حالهم بين يدي رسول الله ﷺ أنهم كلما قال ﷺ شيئا استخفوا مقابله بآرائهم وفطنتهم واعتبروا كل ما قاله النبي ﷺ واجبا العمل به. كان من مظاهر فنائهم في الطاعة أنهم كانوا يتباركون بفضل وضوئه ويعتبرون رُضابَه مباركا. ولولا هذه الطاعة والتسليم فيهم ولو قدَّم كل شخص رأيه وحدثت الفُرقة لـمَا نالوا تلك المراتب العليا.
أرى أنه يكفي دليلا لرفع النزاعات من بين أهل الشيعة والسنة أنه لم يكن في الصحابة شيء من الفُرقة والعداوة الداخلية قط لأن تقدمهم ونجاحاتهم تدل على أنهم كان متحدين دون أن تكون بينهم أدنى معاداة. يقول المعارضون الأغبياء بأن الإسلام نُشر بقوة السيف ولكني أقول بأن ذلك ليس صحيحا. بل الحقيقة أن قنوات القلب جرت فياضةً بماء الطاعة. وكانت نتيجة الطاعة والوحدة أن سخّروا قلوب الآخرين. إن مذهبي هو أنهم اضطروا إلى حمل السيف لحماية أنفسهم فقط. وإلا كانوا قادرين على فتح العالم باللسان وحده حتمًا دون رفع السيف، كما يقول المثل الفارسي: القول الذي ينبع من القلب يؤثر في القلب.
لقد قبلوا الصدق والحق بصدق القلب ولم يكن في ذلك أدنى تكلف أو رياء. فكان صدقهم سببا لنجاحاتهم. الحق أن الصادق إنما يستخدم سيف صدقه. إن وجه النبي الكريم ﷺ الذي كان يعلوه نورُ التوكل على الله وكان يحمل صبغة الجمال والجلال وكان يملك جذبا وقوة ويجذب القلوب عفويا. وقد أبدت جماعته ﷺ نموذج طاعة الرسول وثبتت استقامتهم فوق الكرامة حتى أن كل مَن يراهم كان يُجذب إليهم تلقائيا. إذًا، فهناك حاجة اليوم أيضا إلى التمسك بحالة الصحابة ووحدتهم لأن الله تعالى جمع هذه الجماعة التي تُعدُّ على يد المسيح الموعود مع الجماعة التي أعدّها رسول الله ﷺ. ولأن تقدم الجماعة يحصل نتيجة أسوة أناس مثلهم، أي (الذين يُحدثون تغييرا في حالتهم وفق هذا التعليم ويُرون نماذج عليا للطاعة)، لذا أنتم الذين تسمَّون جماعة المسيح الموعود وتتمنون أن تلحقوا جماعة الصحابة عليكم أن تصطبغوا بصبغة الصحابة. فلتكن طاعتكم كطاعة الصحابة، ولتكونوا في الحب والأخوة المتبادلة مثلهم. باختصار يجب أن تتخلقوا بأخلاق الصحابة في كل شيء. (الحكم، عدد10/ 2/1901م ص1 – 2).
ومع أن المسيح الموعود عليه السلام يوجه هذا الكلام إلى صحابته، إلا أننا إذا أردنا أن تتقدم جماعتنا باستمرار وأن نسعى لبقاء نظام الخلافة على الدوام، فلا بد لنا من الـتأسي بأسوة الصحابة هذه بدون انقطاع، وعندها سوف تحظى الجماعة بتلك الترقيات التي تحققت من قبل. فهذه هي المعايير التي لا بد لنا منها للاستفاضة من إنعام الله هذا. لا بد لنا من رفع مستوى عباداتنا، ومن الحفاظ على صلواتنا، ومن تنزيه كل قول وفعل لنا من لوثة الشرك كلية، ومن إنفاق أموالنا في سبيل الله. كما لا بد لنا من الحفاظ على أعلى معايير الوفاء والطاعة للخلافة، وعندها سوف نتمتع بإنعام الخلافة وما جعل الله فيها من بركات، ونبقى مستمسكين بأصل الخلافة التي تدوم إلى يوم القيامة، كما نجعل أجيالنا أيضا مستمسكة بأهدابها. يقول المسيح الموعود عليه السلام وهو يبشر بهذه الخلافة الدائمة:
لابد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي “البراهين الأحمدية”، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم. كما يقول الله (عز وجل): إني جاعل هذه الجماعة الذين اتبعوك فوق غيرهم إلى يوم القيامة.فمن الضروري أن يأتي يومُ فراقي لِيليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إن إلهنا إلهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. وبالرغم من أن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آن وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها. لقد بُعثتُ من الله تعالى كمظهر لقدرته ﷻ، فأنا قدرة الله المتجسدة. وسيأتي من بعدي آخرون، سيكونون مظاهر قدرة الله الثانية”.
فالله تعالى قد أعطانا هذه النعمة، وإننا لنشاهد منذ حوالي 110 أعوام الماضية مشاهد أفضال الله تعالى وتحقُّق الوعود التي قطعها الله تعالى مع المسيح الموعود عليه السلام.
وفق الله كلَّ من دخل في بيعة المسيح الموعود عليه السلام لأن يستفيض من فيوض بركات الخلافة واضعًا في حسبانه أحكام الله تعالى دائما.
في الأسبوع المنصرم كنت طلبت منكم الدعاء من أجل الإخوة الأحمديين في باكستان خاصة، وها أنا ذا أكرر هذا الطلب، ويجب على الباكستانيين خاصة أن يهتموا بالدعاء، ويجب أن يرفعوا جدا مستواهم في الصلوات وذكر الله تعالى. وفقنا الله جميعا لذلك. آمين.