خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 13/3/2020م
في المسجد المبارك في إسلام آباد بالمملكة المتحدة
*********
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم ]الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين[
سأذكر اليوم من صحابة بدر حضرةَ طلحة بن عبيد الله t. وهو من بني تميم بن مرة، واسم أبيه عبيد الله بن عثمان وأمه الصعبة بنت عبد الله بن عماد الحضرمي وهي أخت الصحابي العلاء بن الحضرمي t. كان والد العلاء بن الحضرمي عبد الله بن عماد الحضرمي وكان العلاء من حضرموت ومن حلفاء حر بن أمية. ولّى النبيُّ r العلاء على البحرين فظل والي البحرين حتى وفاته. توفي في 14 للهجرة في عهد عمر t. كان أخوه عامر بن الحضرمي قُتل يوم بدر على الكفر وكان أخوه الثاني عمرو بن الحضرمي أول شخص من بين المشركين قُتل على يد مسلم وصار ماله خُمسا في الإسلام أول مرة.
كان طلحة يُكنى بأبي محمد ويصل نسبُه إلى النبي في الجيل السابع عند مُرّة بن كعب، وإلى أبي بكر في الجيل الرابع. لم يشهد والده عبيدُ الله زمنَ الإسلام ولكن أمه عاشت حياة طويلة وآمنت بالنبي r وصارت صحابية. كانت قد أسلمت قبل الهجرة.
لم يشهد طلحة غزوة بدر ولكن ضرب له النبي r سهمه في الغنائم. وسببُ تخلفه عن الغزوة هو أن النبي r حين أراد قصد عير قريش القافلة من الشام أرسل طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد قبل عشرة أيام من خروجه ليتحسّسا خبر العير، فخرجا حتّى بلغا الحوراء، فلم يزالا مقيمين هناك حتّى مَرّت بهما العِير، (الحوراء موضع على البحر الأحمر تمر به القوافل المارة بين الحجاز والشام) ولكن بلغ النبيَّ محمداً r الخبرُ قبل رجوع طلحة وسعيد إليه، فنَدَبَ أصحابه وجهز جيشًا لملاقاة القافلة، ولكن استطاعت القافلة الإفلات بسرعة عن طريق السهل. لقد ذكرتُ هذا الحادث في موضع آخر، واصلت قافلة كفار مكة سفرها ليل نهار للنجاة من الذين يتحسسون خبرهم. ثم عاد طلحة بن عُبيد الله وسعيد بن زيد إلى المدينة المنورة ليُخبرا النبي r عن خبر العير؛ ولم يَعْلَما بخروجه، فَقَدِمَا المدينة في اليوم الذي حدثت فيه المعركة بين المسلمين وقريش ببدر، فخرجا من المدينة فلقياه r في موضع التربان مُنْصَرِفًا من بدر، (والتربان وادٍ على بعد تسعة عشر ميلا من المدينة وفيه كثير من آبار الماء العذب، وكان النبي r قد نزل هناك عند ذهابه إلى بدر) فلم يشهد طلحة وسعيد غزوةَ بدر لذلك، فضرب لهما النبي بسهامهما وأجورهما في غزوة بدر فكانا كَمَنْ شَهِدَها. شهد طلحة أُحدا والمشاهد الأخرى ويوم صلح الحديبية.
كان أحد العشرة الذين كان النبي r بشّرهم بالجنة في حياتهم، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا بتبليغ أبي بكر t وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب. وكانوا من الذين كان النبي r راضيا عنهم عند وفاته.
قال يزيد بن رومان أنه ذات يوم خرج عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله على أثر الزبير بن العوام فدخلا على رسول الله r فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن وأنبأهما بحقوق الإسلام ووعدهما الكرامة من الله، فآمنا وصدقا فقال عثمان: يا رسول الله، قدمت حديثا من الشام فلما كنا بين معان والزرقاء (معان اسم موضع حيث علم المسلمون أثناء غزوة مؤتة أن جيش الروم المؤلف من مئتي ألف جندي جاهز لمواجهة المسلمين فمكث الصحابة هناك ليومين، والزرقاء أيضا مكان قريب من معان، قال: فلما كنا بين معان والزرقاء) وقد كنا كالنيام إذا منادٍ ينادينا: أيها النيام، هبوا فإن أحمد قد خرج بمكة، فقدمنا فسمعنا بك.
قال طلحة بن عبيد الله: حضرت سوق بصرى (وهي مدينة عظيمة بالشام، وكان النبي r قد زارها مع عمه في قافلة تجارية من قبل). فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل الموسم: أفيهم رجل من أهل الحرم؟ قال طلحة: قلت: نعم أنا. فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قلتُ: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، هذا شَهرُه الذي يخرج فيه، وهو خاتم الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ، فإياك أن تُسبق إليه.)
قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجتُ سريعا حتى قدمتُ مكةَ، فقلت: هل كان من حديث؟ قالوا: نعم، محمد بن عبد الله الأمين قد تنبأ (أي ادعى النبوة)، وقد اتّبعه أبو بكر ابن أبى قحافة. قال: فخرجتُ حتى قدمت على أبى بكر، فقلت: اتّبعتَ هذا الرجلَ؟ قال: نعم، فانطلقْ إليه فادخلْ عليه فاتّبعْه، فإنه يدعو إلى الحق. فأخبرَه طلحة بما قال الراهب. فخرج أبو بكر بطلحة، فدخل به على رسول الله r فأسلم طلحةُ، وأخبر رسولَ الله r بما قال الراهب، فسُرَّ بذلك.
وورد في أحد كتب التاريخ ” الطبقات الكبرى”: حين أسلم طلحة قام نوفل بن خويلد بن العدوية بشدّه في حبل واحد مع أبي بكر، فلذلك كان يقال لهما القرينان.
وكان نوفل شهيرا في قريش بشدته.
وكان عثمان بن عبيد الله أخو طلحة مِن بين مَن شده بالحبل. وقد شدّه لكيلا يذهب إلى النبي r، ويرتدَّ عن الإسلام.
وروى البيهقي: قال النبي r: “اللهم اكفِنا شرَّ ابن العدوية”.
قال مسعود بن حراش: بينا أنا أطوف بين الصفا والمروة فإذا أناس كثير يتبعون فتى شابا موثقا يداه إلى عنقه، فقلت: ما شأن هؤلاء؟ فقالوا: هذا طلحة بن عبيد الله قد صبأ، وإذا وراءه أمّه الصعبةُ تسبّه.
وروى عبد الله بن سعد عن أبيه قال: لما ارتحل رسول الله r من الخرار (وهو وادٍ في الحجاز، ويقال إنه من وديان المدينة) في هجرته إلى المدينة، فكان الغد لقيه طلحة بن عبيد الله جائيًا من الشام في عيرٍ، فكسا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر من ثياب الشام وأخبر رسولَ اللهِ r أن أهل المدينة ينتظرونه بفارغ الصبر. فعجّل رسولُ الله r السيرَ، ومضى طلحةُ إلى مكة حتى فرغ من حاجته، ثم خرج بعد ذلك مع آل أبي بكر إلى المدينة.
ولما أسلم طلحة والزبير آخى النبي r بينهما، وذلك في مكة قبل الهجرة. ثم لما هاجر المسلمون إلى المدينة آخى النبي r بين طلحة وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما. وفي رواية أنه r آخى بينه وبين أبي بن كعب رضي الله عنهما.
ولما هاجر طلحة إلى المدينة نزل عند أسعد بن زرارة.
سمى النبي صلى الله عليه وسلم طلَحة بسبب بعض تضحياته المالية طلحة الفياض. كان كريما جوادا. في غزوة بني قرد مرّ النبي r بماء، فسأله عنها، فقيل له إنها تسمى بيسان وماؤها مالح. فقال النبي r لا اسمها النعمان، وماؤها عذب وطهور. فاشتراه طلحة بن عبيد الله ووقفها للمسلمين، وصار ماؤها عذبًا. ولما أتى طلحة النبي r وأخبره بما فعل قال: أنت طلحة الفيّاض، ومن ثم نودي طلحة الفياض.
وعن موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة، قال: سماني رسول الله r يوم أحد طلحة الخير، ويوم العسرة طلحة الفيّاض، ويوم حنين طلحة الجود.
وعن سائب بن يزيد قال كنت مع طلحة بن عبيد الله في السفر والحضر، ولم أر أحدًا أسخى منه مالا ولا كساء ولا طعاما.
بايع رسولَ الله r يوم أحدٍ جماعةٌ من أصحابه على الموت، ولما هُزم المسلمون في الظاهر ظل هؤلاء ثابتين دفاعًا عن رسول الله r بنفوسهم، حتى استُشهد بعضهم. وكان من هؤلاء المبايعين أبو بكر وعمر وطلحة وسعد وسهل بن حنيف وأبو دجانة رضوان الله عليهم أجمعين.
شهد طلحة t يوم أحد مع النبي r وكان من الذين ثبتوا معه وبايعوه على الموت.
ورمى مالكُ بن زهير يوم أُحد رسولَ الله r فاتقى طلحة بيده عن وجه رسول الله r فأصاب خنصره فشلت، فقال حين أصابته الرمية من شدة الألم: حسّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ r لَوْ قَالَ بِسْمِ اللّهِ لَدَخَلَ الْجَنّةَ وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ. وجاء في كتاب آخر للتاريخ بعد ذلك: كَانَ طَلْحَةُ قَدْ أَصَابَتْهُ فِي رَأْسِهِ الْمُصَلّبَةِ ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ضَرْبَتَيْنِ، ضَرْبَةً وَهُوَ مُقْبِلٌ وَالْأُخْرَى وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ وَكَانَ قَدْ نَزَفَ مِنْهَا الدّمُ.
وقد جاء في تفصيل هذا الحادث في السيرة الحلبية كما يلي: عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلاء وقى بها رسول الله r يومَ أُحد.. قيل من حربة ونزفَ به الدم حتى غُشي عليه؛ ونضح أبو بكر t الماء في وجهه حتى أفاق، فقال ما فعل رسول الله r؟ قال له أبو بكر: هو بخير، وهو أرسلني إليك، فقال: الحمد الله، كل مصيبة بعده جلل.
في رواية أخرى وردت في كتاب التاريخ في ذكر الغزوة نفسها ما معناه:
عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كان على رسول الله r يوم أحد درعان، فذهب لينهض على صخرة فلم يستطع بسبب ثقل الدرعين والنـزف نتيجة جرح الرأس والوجه، فبرك طلحة بن عبيد الله تحته وصعد رسول الله r على ظهره حتى صعد على الصخرة؛ قال الزبير: فسمعت رسول الله r يقول: “أوجب طلحة”، أي الجنة.
وفي رواية أخرى ما مفاده: كان في إحدى رِجلَي طلحة عرجٌ وبناء على ذلك ما كان قادرا على المشي جيدا، ولما حمل رسولَ الله r سعى جاهدا أن يعدِّل مِشيته وقدمَيه حتى لا يتأذى رسول الله r بسبب عرجه، وبعد ذلك زال عرجه للأبد.
عن عائشة وأمّ إسحاق ابنتيْ طلحة قالتا: جُرح أبونا يوم أُحد أربعا وعشرين جراحة، وقع منها في رأسه شجة مربعة، وقُطع نَساه “يعني عرق النَّسا”، وشُلَّت إصبعه وكانت الجراح في سائر جسده، وقد غلبه الغشي ورسول الله r مكسورة رباعيتاه مشجوج في وجه، قد علاه الغشي وطلحة محتمله يرجع به القهقرى، كلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسنده إلى الشِّعب. (الطبقات الكبرى لابن سعد)
لقد أعاد خالد بن الوليد الكَرَّةَ على المسلمين بغتة يوم أُحد مما أدى إلى تشتتهم. وقد صور سيدُنا المصلح الموعود t ذلك المشهد مفصلا مستخلصا الأحداث من روايات مختلفة تقدِّم نموذجا غريبا لثبات طلحة ومستوى تضحيته الفريدة. لقد رأينا وسمعنا شيئا من هذه الأحداث من قبل وتبين منها ذلك المستوى، أما في بيان المصلح الموعود t فهناك شيء من التفصيل حيث يقول: لقد ظل الصحابة يجتمعون حول رسول الله r وكان عددهم ثلاثين صحابيا على أكثر تقدير. فهاجم الكفارُ بشدة حيث كان النبي r موجودا. وقُتل الصحابة واحداً بعد الآخر مدافعين عنه r. إضافة إلى السيوف كان العدو يمطر السهام بشدة إلى النبي r من الأتلال. وحين رأى طلحة الذي كان من قريش ومن مهاجري مكة أن العدو يمطر وابلاً من السهام إلى النبي r وكلها موجّهة إلى وجهه المبارك، وضع يده أمام وجه رسول الله r. كان سهمٌ بعد سهمٍ يصيب الهدف أي على يد طلحة، ولكن هذا الصحابي المخلص والشجاع لم يحرك يده. فظلت السهام تصيب يده على هذا النحو حتى شُلت يده تماما من شدة الجروح وبقيت له يد واحدة. وحين نشبت حرب أهلية بين المسلمين بعد عدة سنوات في زمن الخليفة الرابع عيّر أحد من المعاندين طلحة قائلا ما معناه: “مشلول اليد”!! فقال أحد الصحابة ما معناه: نعم، هو مشلول اليد، ونِعْمَ المشلول إذ قد شُلت يده حماية عن وجه رسول الله r. وبعد غزوة أُحد سأل واحدٌ من الناس طلحةَ: ألم تكن تشعر بالألم عندما كانت السهام تسقط على يدك، أوَ لم تخرج من لسانك: أُفّ؟ قال طلحة: نعم، كنت أشعر بالألم وكادت كلمة “أفّ” أن تخرج من لساني ولكن لم أقل “أُفًّا” حتى لا تتحرك يدي فيصيب سهمٌ وجهَ النبي r.
عندما خرج النبي r للملاحقة عند غزوة حمراء الأسد، تلقاه طلحة بن عبيد الله t … فقال له رسول الله r: “يا طلحة، أين سلاحك؟ “قال: قريب يا رسول الله فخرج فأتى بسلاحه، وإذا به في صدره تسع جراحات؟
لقد كان على جسمه أكثر من سبعين قرحًا تلقاها في أُحد. يقول طلحة: كنت أنا أهمّ بجراح رسول الله ﷺ مني بجراحي. ثم أقبل علي رسول الله ﷺ فقال: أين ترى القوم الآن؟ قلت: هم بالسيالة. قال رسول الله ﷺ: ذلك الذي ظننت. أمَا إنهم (أي قريش) لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح الله مكة علينا.
تلقى النبي ﷺ خبرًا أن نفرًا من المنافقين اجتمعوا في بيت سويلم اليهودي عند بئر جاسوم. (وبئر جاسوم يقال لها جاسم أيضا وهو بئر أبي الهيثم بن التيهان، على مقربة من راتج، كان ماؤها عذبا وشرب منها النبي ﷺ) على أية حال، قد اجتمع المنافقون في ذلك البيت وأخذوا يثبّطون الناس عن الغزو والخروج مع رسول الله ﷺ. فبعث إليهم رسول الله ﷺ طلحة في جماعة وأمرهم أن يحرقوا عليهم بيت سويلم. ففعل. حاول ضحاك بن خليفة الفرار من عقب البيت فكُسرتْ رجلُه أما بقية أصحابه ففروا.
يقول علي رضي الله عنه: سمعتْ أذناي رسولَ الله ﷺ يقول: طلحة والزبير جاراي في الجنة.
لقد كان كعب بن مالك ممن تخلفوا عن النبي ﷺ في غزوة تبوك فقوطع، وبعد أربعين يوما عندما قبل الله تعالى توبته وأُعلن عن العفو عنه حضر المسجد عند رسول الله ﷺ، فقام طلحة رضي الله عنه يهرول حتى صافحه وهنأه، والله ما قام رجل آخر غير طلحة، قال كعب: لن أنساها لطلحة.
عن سعيد بن زيد قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم. قال: قيل له: لِمَ ذلك؟ قال: كنا مع رسول الله ﷺ بحراء، فتحرك حراء، فقال: اسكن حراء فإنه ليس عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد. قال: قيل: ومن هم؟ قال: رسول الله ﷺ وأبو بكر، وعمر وعثمان، وعلي، وطلحة والزبير، وسعد، وابن عوف. قيل: فمن العاشر؟ قال بشيء من التوقف: أنا، أي سعيد بن زيد.
يتحدث سعيد بن جبير فيقول: كان مقام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، كانوا أمام رسول الله ﷺ في القتال ووراءه في الصلاة.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: مَن سرَّهُ أن ينظرَ إلى شهيدٍ يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحةَ بن عُبَيْدِ اللَّه.
وعن موسى وعيسى ابنيْ طلحة عن أبيهما طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم: أن أعرابيا أتى النبيّ ﷺ، فسأله: من الذين قضوا نحبهم؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم سأله ثالثًا، فلم يجبه أيضا. ثم دخلت (أي طلحة) من باب المسجد وعليّ ثوبان أخضران، فقال: أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال الأعرابي: أنا يا رسول الله. قال مشيرًا إليّ: هذا ممن قضى نحبه.
عن عبد الرحمن بن عثمان قال: كنا مع طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ونحن حُرُم. فأهدي له طير، وطلحة راقد، فمنا من أكل ومنا من تورع، فلما استيقظ طلحة، وافق من أكله، قال: فأكلناه مع رسول الله ﷺ.
عن أسلم مولى عمر أن عمر رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبين مصبوغين بمشق وهو محرم، فقال: ما بال هذين الثوبين يا طلحة؟ (أي لماذا صبغت الثياب؟) فقال: يا أمير المؤمنين إنما صبغناه بمدر، قال عمر: إنكم أيها الرهط من الصحابة أئمة يقتدي بكم الناس، ولو أن جاهلا رأى عليك ثوبيك هذين لقال قد كان طلحة يلبس الثياب المصبغة وهو محرم.
أي سوف يعترض أنه لبس الثياب الملونة بدلا من البيضاء، بغضّ النظر بأي شيء لونتهما. وفي رواية أخرى أضيفت بعض الكلمات وهي أن عمر t قال له أفضل لباس للمعتمر هو الأبيض فلا تجعل الناس في شبهة.
عن الحسن، أن طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له من عثمان بن عفان بسبعمائة ألف، فحملها إليه، فلما جاء بها، قال: إن رجلا يبيت وهذه في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله لَعزيزٌ بالله (أي لا ضمان للحياة)، فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة (ليعطوها ذوي الحاجة) حتى أسحر وما عنده منها درهم.
وعن ابن جرير أنه كان لعثمان على طلحة خمسون ألف درهم فخرج عثمان يوماً إلى المسجد، فقال له طلحة: قد تهيأ لك مالك فاقبضه، قال: هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك.
قد استشهد سيدنا طلحة في يوم الجمل، فعن قيس بن أبي حازم قال: رمى مروان بن الحكم طلحة يوم الجمل في ركبتيه، فجعل الدم يغذو ويسيل، فإذا أمسكوه استمسك، فإذا تركوه سال. قال: والله، ما بلغت إلينا سهامهم بعد، ثم قال: دعوه، فإنما هو سهم أرسله الله. فمات.
استُشهد طلحة رضي الله عنه يوم الجمل في العاشر من جمادى الثانية سنة ست وثلاثين وهو ابن أربع وستين سنة. وقيل: هو ابن اثنتين وستين سنة.
عن سعيد بن المسيب: أن رجلاً كان يقع في علي وطلحة والزبير، فجعل سعد بن مالك (سعد بن أبي وقاص) ينهاه، ويقول: لا تقع في إخواني، فأبى، فقام سعد فصلى ركعتين، ثم قال: اللهم إن كان مسخطاً لك فيما يقول فأرني فيه آفة، واجعله للناس آية، فخرج الرجل فإذا هو ببخت يشق الناس، فأخذه بالبلاط، فوضعه بين كركرته والبلاط، فسحقه حتى قتله، فأنا رأيت الناس يتبعون سعداً ويقولون: هنيئاً لك أبا إسحاق، أجيبت دعوتك.
عن علي بن زيد عن أبيه أن رجلاً رأى في منامه أنّ طلحة بن عبيد الله قال: حولوني عن قبري فقد آذاني الماء، ثم رآه أيضاً حتى رآه ثلاث ليال، فأتى ابن عباس فأخبره، فنظروا فإذا شقه الذي يلي الأرضي قد اخضر من نز الماء، فحولوه، فكأني أنظر إلى الكافور في عينيه لم يتغير إلا عقيصته فإنها مالت عن موضعها، فاشتروا له داراً من دور أبي بكر بعشرة آلاف درهم، فدفنوه فيها.
كان يغل طلحة بالعراق أربعمائة وخمسمائة ألف دينار أي دخله من الأرض، ويغل بالسراة (وهي سلسلة الجبال غرب شبه الجزيرة العربية شمالا وجنوبا ويقال لها جبل السراة) عشرة آلاف دينار، وكان له دخل من أراضيه الأخرى أيضا، ولم يكن فقيرٌ من بني تيم لم يساعده وعائلتَه وأنكح أراملهم وساعد من كان يعاني منهم ضائقة مالية، وقضى ديونهم. وكان عندما يأتيه الدخل كل سنة يرسل إلى عائشة كل سنة بعشرة آلاف درهم.
سأل معاويةُ موسى بن طلحة: كم ترك أبو محمد (أي سيدنا طلحة بن عبيد الله) من العين؟ قال ترك مليونين ومائتي ألف درهم، ومائتي ألف دينار، وكانت كل أمواله من الغلال من الأراضي المختلفة. قد استُشهد في يوم الجمل كما ذُكر سابقا، وسوف أتناول تفصيله في المستقبل إن شاء الله، لأن ذلك يتطلب بيانا منفصلا، لكي تتوفر لنا الأجوبة عن بعض التساؤلات التي تنشأ في قلوبنا. فسوف أذكر ذلك مستقبلا، إن شاء الله.
الآن أود أن أقول كما قلت في الخطبة الماضية أن الوباء المتفشي في هذه الأيام أي فيروس الكورونا ينبغي أن تتخذوا له تدابير وقائية، واتخذوا الحذر عند حضور المساجد أيضا، إذا شعرتم بحمَّى خفيفة وألماً في الجسم فلا تخرجوا إلى أماكن عامة، وينبغي أن تتقوا، وقوا الآخرين أيضا، وادعوا الله I كثيرا أن ينقذ العالم من الآفات.