خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 4/9/2020
في مسجد مبارك، إسلام آباد تلفورد بريطانيا
******
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.
يقول الله I في القرآن الكريم: ]الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ[ (آل عمران 173)
ضمن بيان سيرة الصحابة، كنت أذكر لكم في الخطبة قبل الماضية سوانحَ سيدنا الزبير t وتبقَّى شيء من سيرته واليوم سأتناوله.
عن هذه الآية التي تلوتها آنفا قالت السيدة عائشة رضي الله عنها لابن أختها: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ r مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا قَالَ مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا قَالَ كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ. وهذه رواية صحيح البخاري.
وفي رواية صحيح مسلم عن هِشَام عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: أَبَوَاكَ وَاللَّهِ مِنَ ]الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ[
عن علي t قال سمعت النبي r بأذني يقول إن طلحة والزبير من جيراني في الجنة.
وعن سعيد بن جبير قال كان سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي وسيدنا طلحة وسيدنا الزبير وسيدنا سعد وسيدنا عبد الرحمن وسيدنا سعيد بن زيد يقاتلون في الحرب أمام النبي r ويقفون في الصلاة خلفه.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَخْنَسِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَذَكَرَ رَجُلٌ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام فَقَامَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r أَنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ عَشْرَةٌ فِي الْجَنَّةِ النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُ الْعَاشِرَ قَالَ فَقَالُوا مَنْ هُوَ فَسَكَتَ قَالَ فَقَالُوا مَنْ هُوَ فَقَالَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ. (أبو داود)
أعتقد أن بيان هذه الرواية قد مر في ذكر سيدنا طلحة t أيضا.
يقول سيدنا الخليفة الثاني للمسيح الموعود u وهو يذكر كتبة الوحي أن الوحي الذي كان ينزل على النبي r كان يمليه على أحد فورا، فالكتبة الذين كان يملي عليهم النبي r الوحي أسماء خمسة عشر منهم مسجلة في التاريخ وهم:
زيد بن ثابت وأبي بن كعب وعبد الله بن سعد بن أبي السرح والزبير بن العوام وخالد بن سعيد بن العاص وحبان بن سعيد بن العاص وحنظلة بن ربيع الأسدي ومعيقب بن أبي فاطمة وعبد الله بن الأرقم الزهري وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة وسيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي y. فعندما كان ينزل عليه القرآن الكريم كان يطلب أحد هؤلاء ويمليه عليه.
وعن أنس t أن النبي r رخَّص للزبير بن العوام في غزوة لبْس الحرير بسبب الحكة.
حين حدد النبي r المكان للبيوت في المدينة أعطى الزبير t قطعة أرض كبيرة، كما كان قد أهدى له بستان النخل أيضا.
يقول سيدنا الخليفة الثاني للمسيح الموعود u عن هبة النبي r الأرضَ لسيدنا الزبير:
كان رسول الله r قد أعطى الزبير من الأراضي الحكومية قطعة كبيرة تُقدَّر مساحتها بركض حصانه أي المسافة التي قطعها حصانه في ركضة واحدة فقد أعطاه النبي r إياها، وحيث وقف حصان الزبير t رمى سوطه في الفضاء بقوة فقال النبي r ستعطى له الأرض التي قطعها حصانه وليس ذلك فحسب بل حيث سقط سوطه أيضا. يقول حضرته: الحصان في بلادنا أيضا يستطيع أن يقطْع مسافة الأميال، أما الحصان العربي فسريع جدا. إذا قدَّرنا أنه قطع مسافة خمسة أميال أو أربعة فهي تقدر بعشرين ألف فدان تقريبا. فقد أعطيتْ له هذه الأرض كلها. لقد كتب الإمام أبو يوسف في كتاب الخراج أن رسول الله r كان قد أهدى للزبير t أرضا بها أشجار النخيل، وكانت هذه الأرض في الماضي ملكا لقبيلة بني النضير اليهودية، وتسمى الجرف وكانت قرية مستقلة تقع على مسافة ثلاثة أمثال من المدينة على طريق الشام.
وحين نجمع هذه الرواية مع الأحاديث السابقة نتوصل إلى النتيجة أن النبي r كان قد أهدى الأرض التي ورد عنها ركضُ الخيل والتي كانت تقدر بعشرين ألف فدانا تقريبا، يوم كان يملك سلفا قرية بها بساتين النخيل.
عن عروة بن الزبير أن مروان بن الحكم أخبرنا أن العام الذي تفشى فيه الرعاف أصيب عثمان بن عفان أيضا برعاف شديد حتى حبسه عن الحج فأوصى، فدخل عليه رجل من قريش فقال له استخلفْ (لأن الوضع حرج جدا) قال هل قال ذلك الناسُ؟ قال نعم. فقال عثمان: ومن يريدون خليفةً؟ فسكت. ثم دخل عليه رجل آخر (يقول الراوي: أحسبه الحارث) فقال استخلف قال عثمان: هل قال ذلك الناسُ؟ قال نعم. فسأله عثمان من يمكن أن يكون خليفة بعدي؟ قال فسكت، فقال عثمان لعلهم قالوا الزبير. قال نعم، قال والذي نفسي بيده إنه لخيرهم وكان أحبَّهم إلى رسول الله r.
كان سيدنا الزبير t يقول أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فِي شِرَاجٍ مِنْ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلْزُّبَيْرِ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ آنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ r ثُمَّ قَالَ للزبیر اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ. (أي قد أعطى النبي r الآن حق الزبير وافيا مع أنه r قبل ذلك كان أوصى الزبير بأن يترك المجال لجاره ويحسن إليه، ولكن حين غضب الأنصاري لقرار رسول الله r فأنصف r وأوفى الزبير حقه.) فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللهِ إِنِّي لَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ]فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ (صحيح البخاري، كتاب المساقاة)
عَنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ]ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ[ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ مَعَ خُصُومَتِنَا فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: نَعَمْ. وَلَمَّا نَزَلَتْ ]ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ[ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَيْ رَسُولَ اللهِ أَيُّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَعْنِي هُمَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ قَالَ أَمَا إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ} (مسند أحمد، كتاب مسند العشرة المبشرين بالجنة) (أي لا شك اليوم توجهون الضيق ولكن زمن السعة أيضا آت عما قريب)
قال حَفْصُ بن خَالِدٍ: حَدَّثَنِي شَيْخٌ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمَوْصِلِ، (الموصل مدينة شهيرة بالشام وهي كانت لكثرة سكانها وسعة مساحتها مهمة جدا في البلاد الإسلامية آنذاك، وكان الناس يتوافدون فيها من جميع المدن، وهي تقع على طرف دجلة قريبة من نينوى وتبعد عن بغداد 222 ميل، هذا ما ورد في كتاب “فرهنك” عن هذه المدينة) قَالَ: صَحِبْتُ الزُّبَيْرَ بن الْعَوَّامِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَأَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ بِأَرْضٍ قَفْرٍ، فَقَالَ: اسْتُرْنِي، فَسَتَرْتُهُ، فَحَانَتْ مِنِّي الْتِفَاتَةٌ إِلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ مُجَدَّعًا بِالسُّيُوفِ، قُلْتُ: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ بِكَ آثَارًا مَا رَأَيْتُهَا بِأَحَدٍ قَطُّ! قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاللهِ مَا مِنْهَا جِرَاحَةٌ إِلا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
كان عثمان والمقداد وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف أوصوا إلى الزبير بن العوام، فكان يحفظ أموالهم ويُنفق على أولادهم من ماله، لأنه كان ذا سعة فكان ينفق على أولادهم من ماله ولم يكن ينفق مالهم لكي يُفيدهم هذا المال في المستقبل، لم يكن يطمع في مالهم. ورد عن الزبير t أنه كان له ألف مملوك يؤدون الخراج، ما يدخل سنة من خراجهم درهم. كان يتصدق بالكل. قال مطيع بن الأسود: سمعت عمر بن الخطاب يقول: الزبير ركن من أركان الدين.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا بُنَيِّ إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لَا أُرَانِي إِلَّا سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَـمِّي لَدَيْنِي أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا، فَقَالَ: يَا بُنَيِّ بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ دَيْنِي. وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ يَعْنِي بَنِي عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يَقُولُ ثُلُثُ الثُّلُثِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ. قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ خُبَيْبٌ وَعَبَّادٌ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ وَتِسْعُ بَنَاتٍ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ بن الزبير فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ يَا بُنَيِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ، قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلَاكَ؟ قَالَ اللهُ. قَالَ فَوَاللهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلَّا قُلْتُ يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ فَيَقْضِيهِ. (أي كان الله تعالى يهيئ له الأسباب ليؤدي الدين، وكان له ممتلكات يؤدي منها الديون) فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَـمًا إِلَّا أَرَضِينَ مِنْهَا الْغَابَةُ وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ وَدَارًا بِالْكُوفَةِ وَدَارًا بِمِصْرَ.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لَا وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ، (أي لم يكن الزبير يستودع أموال الناس كأمانة بل كان يحسبها دينا لكي يعيدها في كل حال، وهكذا كان يُنفق منها أيضا أو يحفظها) وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلَا جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلَا شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ. قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ.
قَالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي كَمْ عَلَى أَخِي مِنْ الدَّيْنِ فَكَتَمَهُ فَقَالَ مِائَةُ أَلْفٍ. فَقَالَ حَكِيمٌ: وَاللهِ مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: أَفَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي. قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ فَبَاعَهَا عَبْدُ اللهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ. فَأَتَاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: لَا، قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بن الزبیر لَا. قَالَ فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَة (من الأرض). فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لَكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا. قَالَ فَبَاعَ مِنْهَا، فَقَضَى دَيْنَهُ فَأَوْفَاهُ لعبد الله بن جعفر، وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ. فَقَدِمَ عبد الله عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتْ الْغَابَةُ؟ قَالَ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ أَلْفٍ. قَالَ كَمْ بَقِيَ؟ قَالَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ. قَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْف. قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمْ بَقِيَ؟ فَقَالَ سَهْمٌ وَنِصْفٌ. قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ أَلْف.ٍ قَالَ وَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ. (كان عبد الله بن الزبير قد قال إن الله تعالى سيدفع ديني، وهكذا ظل الله تعالى يهيئ له الأسباب حيث كان يبيع جزء من العقار ويدفع الدين). فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْن والده قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا (مادمتَ قد دفعت دين الوالد من الميراث). قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ أَلَا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ. قَالَ فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ، فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ.
قَالَ فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فقام عبد الله بن الزبير بتقسيم ثمن باقي الميراث على أربع نساء والده، فأصاب كل واحدة منهن ألفُ ألف ومائة ألف.
وكان جميع مال الزبير خمسة وثلاثين مليون ومائتي ألف.
وفي رواية سفيان بن عيينة: فجميع مال الزبير الذي قُسم هو أربعون مليون.
وروى هشام بن عروة عن أبيه كانت قيمة ما ترك الزبير رضي الله عنه واحداً أو اثنين وخمسين مليون.
وروى عروة أنه كانت للزبير رضي الله عنه أراضٍ في مصر وفي الاسكندرية وفي الكوفة، ودُورٌ في البصرة، وعقارات في المدينة تدر عليه بالدخل.
على كل حال، بعد تسديد كل ما كان على الزبير رضي الله عنه من دين قُسم على ورثته ما بقي من العقارات.
عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ قُلْنَا لِلزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا جَاءَ بِكُم؟ ضَيَّعْتُمْ الْخَلِيفَةَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ جِئْتُمْ تَطْلُبُونَ بِدَمِهِ. قَالَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا قَرَأْنَاهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}، (أي هذه الفتنة لا تكون خاصة بل تكون عامة)، ولَمْ نَكُنْ نَحْسَبُ أَنَّا أَهْلُهَا حَتَّى وَقَعَتْ مِنَّا حَيْثُ وَقَعَتْ.
وَقال حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه وهو يبين أحداث انتخاب سيدنا علي رضي الله عنه:
حين استشهد سيدنا عثمان t، ورأى الصحابة الموجودون في المدينة أن الفتنة تتفاقم في المسلمين، أصرّوا على سيدنا عليّ t أن يأخذ البيعة من الناس. ومن ناحية أخرى سارع بعض المفسدين إلى علي وقالوا له: هناك خطر كبير على انشقاق الدولة الإسلامية، فخذْ من الناس البيعة ليزول عنهم الخوف ويرسى الأمن والأمان،
باختصار، أجبر علي رضي الله عنه على أخذ البيعة، حيث ظل يرفض تحمّل هذه المسؤولية في أول الأمر، ولكنه لما رأى أن لا مناص له من أخذ البيعة أخذها منهم. وكان بعض أكابر الصحابة خارج المدينة في ذلك الوقت، بينما أُخذت البيعة من بعضهم جبرًا، حيث ورد أن طلحة والزبير أُرسل إليهما حكيم بن جبلة ومالك بن الأشتر مع نفر من الناس فاستلُّوا عليهما السيوف لإجبارهما على البيعة وقالوا: بايِعا عليًّا وإلا نقتلكما. وورد في بعض الروايات أنهم جاءوا بهما يجرّونهما على الأرض، فبايعا.
والواضح أن مثل هذه البيعة ليست حقيقية. ولما بايعا عليًا قالا: نبايعك على أن تقتصّ من قَتَلةِ عثمان t. ولكنهما لما رأوا أن عليًا t لا يسارع في القصاص من قَتَلَة عثمان، خلعا بيعته وذهبا إلى مكة. بينما تمكّنتْ جماعةٌ مِن قَتَلَةِ عثمان، مِن خداع عائشة رضي الله عنها وإقناعها بإعلان الجهاد ثأرًا له، بُغْيةَ الفتنة. فنادت رضي الله عنها بالجهاد ودعت الصحابة لنصرتها، فانضمّ إليها طلحة والزبير، وتقاتلَ جيش عليّ وجيش عائشة وطلحة والزبير، وتسمى هذه الحرب بحرب الجمل. ولكن قبل بداية المعركة انسحب الزبير ممتنعًا عن القتال بعد أن سمع من عليّ نبوءة للنبي r تخصه، واعترف بخطئه في اجتهاده حالفًا أنه لن يقاتل عليًّا. أما طلحة فاعترف ببيعته لعليّ قبيل وفاته، إذ ورد في الروايات أنه بينما كان يضطرب من شدة الجراح، إذ مرّ به شخص، فسأله طلحةُ: مِن أي فئة أنت، قال: أنا من فئة عليّ، فوضع طلحةُ يده في يده وقال: أعتبرُ يدك يد عليّ، وأبايعه ثانيةً.
باختصار، ورد عن الزبير رضي الله عنه أنه استُشهد وهو راجع من وقعة الجمل بعد أن رفض قتال علي رضي الله عنه، معترفا بخطئه في الخروج لقتاله. فعندما ذكّره علي رضي الله عنهما وقال أستحلفك بالله ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ستقاتل عليًا وتكون أنت المعتدي. فقال الزبير نعم تذكرت هذا الأمر حالا، ثم خرج من هنالك معرضا عن القتال. هذا هو سببُ ترك الزبير قتال علي رضي الله عنهما. وقد ذكرت هذا الأمر مفصلا عند ذكر طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أيضا، مما يبين أن نار الحرب هذه كان المفسدون والمنافقون قد أشعلوها وقد وقع فيها معظم الصحابة نتيجة سوء الفهم. على كل حال ما حدث كان خطأ.
وَقال حرب بن الاسود لقيت عليًا والزبير رضي الله عنهما، ولما ركب الزبير راحلته ورجع يشقّ طريقه من بين الصفوف، تعرض له ابنه عبد الله وقال ماذا بك؟ قال له الزبير: قد ذكّرني عليٌّ حديثاً سمعته من رسول الله r يقول: “لتقاتلنه وأنت له ظالم”، ولا أقاتله. قال له ابنه: لقد جئتَ لتُصلح بين الناس وسيعاملك الله في هذا الأمر معاملة الصلح. قال الزبير: ويحك! إني قد حلفت له ألاّ أقاتله، فقال: كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس، فأعتقه، وقام في الصّفّ معهم. ولكن حين اشتدت الخلافات بين الناس ركب حصانه وغادر. خرج الزبير قاصدا المدينة ووصل إلى وادي سفوان الذي يقع قرب البصرة فلقيه النّعر رجل من مجاشع فقال: أين تذهب يا حواريّ رسول الله r؟ إليّ فأنت في ذمتي لا يوصَل إليك؛ فأقبل معه؛ فأتى الأحنف خبره فقيل ذاك الزبير قد لقي بسفوان فما تأمر؟ قال جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف ثم يلحق ببيته فسمعه عمير بن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع فركبوا في طلبه فلقوه مع النعر فأتاه عمير بن جرموز من خلفه وهو على فرس له ضعيفة فطعنه طعنة خفيفة وحمل عليه الزبير وهو على فرس له يقال له: ذو الخمار، حتى إذا ظن أنه قاتله، نادى صاحبيه، فحملوا عليه فقتلوه.
وفي رواية: فلما واجه الزبير شخصا يريد قتله أقبل عليه فقال له ابن جرموز: أذكرك الله. فكفّ عنه الزبير حتى فعل ذلك مراراً. ثم تمرد على الزيبر وجرحه قال الزبير: قاتله الله يذكرنا الله وينساه. ثم أتى ابن جرموز برأس الزبير وبسيفه إلى علي t فأخذ علي السيف وقال: سيف والله طالما جلا به عن وجه رسول الله r الكرب ولكن الحَيْنُ ومصارع السوء. جاء بن جرموز يستأذن على عليّ t، فقال له الآذن: هذا ابن جرموز قاتل الزبير على الباب يستأذن، فقال عليّ u: ليدخلْ قاتل بن صفية النار. سمعت رسول الله r يقول: إن لكل نبي حواريا وحواريي الزبير. دفن الزبير رحمة الله بوادي السباع، وجلس عليٌّ يبكي عليه هو وأصحابه. وقُتل الزبير t وله أربع وسبعون سنة، وقيل ست وخمسون، أو سبع وخمسون سنة.
كانت عاتكة بنت زيد تحت الزبير بن العوام، وكان أهل المدينة يقولون عنها: من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة بنت زيد. كانت عند عبد الله بن أبي بكر فقُتل عنها، ثم كانت عند عمر بن الخطاب فقُتل عنها، ثم كانت عند الزبير فقتل عنها. فقالت ترثيه:
غدر ابنُ جُرْموزٍ بفارسِ بُهْمَةٍ … يومَ اللقاءِ وكان غير مُعَرِّدِ
يا عَمْرو، لو نبهته لوجدته … لا طائشاً رَعْشَ الجِنانِ ولا اليدِ
شلت يمينك إن قتلت لمسلماً … حلت عليك عقوبة المتعمد
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِنْ ظَفِرْتَ بِمِثْلِهِ | فِيمَا مَضَى مِمَّا تَرُوحُ وَتَغْتَدِي |
كم غمرةٍ قد خاضها لم يثنهِ … عنها طِرادُكَ يا ابن فَقْعِ القَرْدَدِ
جاء بن جرموز يستأذن على علي فاستجفاه فقال: أما أصحاب البلاء، فقال علي: بفيك التراب، إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله في حقهم: ]ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين[.
تزوج الزبير بأكثر من امرأة وكان له أولاد كثُر وفيما يلي أسماء أزواجه وأولاده:
تزوج أسماءَ بنت أبي بكر وأنجبت له: عبد الله، عروة، منذر، عاصم وخديجة الكبرى أمّ الحسن وعائشة. وتزوج أمَّ خالد وأنجبت له: خالد، عمرو، حبيبة، سودة وهند. وتزوج الربابَ بنت حنيف وأنجبت له: مصعب، حمزة ورملة. وتزوج زينبَ بنت مرثد أمّ جعفر وأنجبت له: عبيدة وجعفر. أمُّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وأنجبت له زينبَ. كما تزوج الجلالَ بنت قيس وأنجبت له خديجة الصغرى. وتزوج عاتكة بنت زيد أيضا. هنا ينتهي بيان الأحداث المتعلقة بالزبير t.
والآن سأذكر بعض المرحومين الذين سأصلي عليهم صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة، أولهم الحاجي إبراهيم مبايع الذي كان نائب أمير الجماعة في غامبيا وقد توفي في 10/8/2020م، إنا لله وإنا إليه راجعون. وُلد المرحوم في مدينة بانجول في 4/6/1944م، ودخل الأحمدية حين كان بالغا من العمر 61 أو 62 عاما، وذلك في عهد المرحوم شودهري محمد شريف أمير الجماعة الأسبق. كان المرحوم من الأحمديين القدامى، كان ملتزما بالصلاة ومعتادا على صلاة التهجد ومشتركا في نظام الوصية أيضا بفضل الله تعالى. كان سباقا في التضحيات المالية دائما. يقول ابنه أن المرحوم صلّى التهجد قبيل وفاته، وطلب الماء ثم لفظ أنفاسه. كان يعشق القرآن الكريم ويتلوه بالتزام. لقد وُفِّق المرحوم للخدمة إلى مدة طويلة نائبا لأمير الجماعة الوطني، وخدم إلى جانب ذلك مشرفا على الجلسة السنوية وسكرتيرا وطنيا للأمور الخارجية، ورئيس مجلس أنصار الله في غامبيا. وكان عضوا في اللجنة الإدارية لمدرسة: “مسرور” الثانوية. كان مدرِّسا مؤهّلا فخدم بصفته أستاذا في مختلف أنحاء البلاد. سافر إلى أميركا للدراسة العليا ثم عاد إلى بلاده وخدم البلد والملة. كان من الأعضاء المؤسسين لمعهد التطوير الإداري الحكومي المعروف في غامبيا، علما أن هذا المعهد يُعنى بالتعليم العالي للموظفين الحكوميين وغيرهم في البلاد، وكثير من كبار الموظفين هم خريجو هذا المعهد. كذلك خدم المرحوم عميدا لمدرسة أحمدية “طاهر” الثانوية، ومديرا لمدرسة “نصرة” الثانوية. وعليه فقد تتلمذ على يده عددٌ من المواطنين والأجانب. كان معروفًا في الأوساط العلمية ويناديه الناس بلقب “معلمي/ أستاذي”. لقد ترك خلفه زوجتين وسبعة أبناء وبنتين. إحدى زوجتيه السيدة عقيبة تخدم بصفتها رئيسة لجنة إماء الله في غامبيا، وأحد أبنائه من الواقفين والمتخرجين من جامعة المبشرين، كما أن أحد أبنائه خدم بصفته رئيسًا لمجلس خدام الأحمدية. اثنان من أبنائه يعيشان في أمريكا وإحدى بنتيه تعيش هنا في بريطانيا. رحمه الله تعالى وغفر له ووفق أولاده للتمسك بالدين وفق ما كان يتمناه.
يقول أمير الجماعة في غامبيا: كنت أيضا ممن تتلمذوا على يده في إعدادية “كرايا بائي ليند”، ولقد أجرى الطلاب الأحمديون في هذه المدرسة بالاشتراك مع الطلاب المسلمين الآخرين دورةً للعلوم الإسلامية كل يوم خميس، وكان المرحوم يشرف عليها ويدرّس فيها.
كان المرحوم يكنّ احترامًا كبيرًا للمسؤولين في الجماعة ولنظام الجماعة أيضا. فمع أنه كان أستاذي إلا أنه كان يطيعني بصفتي أميرًا للجماعة ويطيع المسؤولين الآخرين دومًا طاعة كاملة. كان مخلصًا ومجتهدًا ويتمتع برحابة الصدر. كان مخلصا ووفيا للخلافة ومطيعا لها. وكان يرتبط مع الخليفة بعلاقة الحب الشديد، وكان سباقًا دوما في الدفاع عن الجماعة والخلافة. كان قد حاز على مستوى جيد من العلوم الدينية وبالتالي كان يتكلم بالأدلة والبراهين وبالحكمة أيضا، كما أنه كان ينهمك في أعمال التبليغ ويسعى لتبليغ دعوة المسيح الموعود u بالتكنولوجيا الحديثة وشتى الوسائل الأخرى.
الجنازة الثانية هي للسيد نعيم أحمد خان ابن عبد الجليل خان نائب الأمير لكراتشي. وقد مضى على وفاته عدة أشهر حيث توفي في أواخر أبريل، إنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد دخلت الأحمدية في عائلته عن طريق السيد أختر علي الذي بايع عن طريق المولوي “حسن علي البهاغلبوري” أحد صحابة المسيح الموعود u، وكان هذا الصحابي خال والدته وزوج عمة والده.
لقد درس نعيم خان إلى الثانوية في “بتنه” ولاية “بهار” بالهند وانتقل إلى لاهور في 1948 بعد استقلال باكستان، فنال شهادة بكالوريوس من كلية “ديال سنغ” وعمل الماجستير من كلية تي آئي بلاهور، ثم سافر إلى لندن ورجع منها إلى كراتشي في 1959، فبدأ يعمل في شركة الغاز وتقاعد من وظيفته هذه في 1993 بعد أن وصل إلى درجة المدير العام الأول.
لقد بدأ يخدم الجماعة في كراتشي بصفته نائب ناظم الصناعة والتجارة في مجلس خدام الأحمدية، ثم تم تعيينه نائبًا لقائد مجلس خدام الأحمدية المحلي بكراتشي، ثم انتُخب قائدًا لمجلس خدام الأحمدية بكراتشي في عام 1966م، وظل يؤدي هذه الخدمة لأربع سنوات. ثم ظل يخدم بصفته الزعيم الأعلى لمجلس أنصار الله في فرع الجماعة في “مارتن رود” بكراتشي، وبعدها عيّن ناظمَ مجلس أنصار الله في محافظة كراتشي وظل يخدم في هذا المنصب إلى عام 1997، ثم عُين ناظم أنصار الله لمقاطعة كراتشي كلها. كما عيّن سيكرتيرًا للوقف الجديد في الجماعة بكراتشي في عام 1997 وظل يخدم في هذا المنصب إلى عام 2019. ووفق للخدمة لفترة طويلة بصفته نائبًا لأمير الجماعة في كراتشي. إضافة إلى ذلك كان مديرًا لمؤسسة فضل عمر. وأدى خدماته كمحاسب في الهيئة الإدارية الأولى للرابطة الدولية للمعماريين والمهندسين الأحمديين، وظل يرأس فرعها في كراتشي لسنوات عديدة.
عندما وضعتْ في عام 1970 خطةٌ لنصب الماكينات من أجل خبز الخبز لدار الضيافة بربوة بل بالأحرى للجلسة السنوية وبدأت صناعة الماكينات المطلوبة فقد تشرف المرحوم بصفته مهندسا بالاشتراك في هذا المشروع.
لقد توفيت زوجة نعيم خان قبل فترة، تقول ابنته السيدة عمارة: بعد وفاة والدتنا أدى والدنا -إضافة إلى دور الأب الشفوق- دورَ أمّ معتنية بأولادها وصديقٍ مواسٍ بأحسن ما يرام، وأعطانا دائما درس التمسك بالدين والوفاء بالخلافة والمواظبة على الصلوات والارتباط بالجماعة.
يقول زوج ابنته الدكتور غفار: لقد ارتبطت بالقرابة معه قبل ثلاثين عاما، وسنحت لي الفرصة خلالها لمراقبته عن كثب، إن قرابته وصحبته أثرت في حياتي بشكل إيجابي جدًّا. كانت أعماله اليومية مليئة بالطيبة والبساطة، وشغفه بالعبادة كان قد بلغ درجة يُغبَط عليها. كان مواظبًا على صلاة التهجد، وظل متقيدا بما اعتاد عليه حتى في الأيام الأخيرة التي لم يكن يستطيع فيها المشي جراء تعرضه للفالج. وطلب من ممرّضه أن يوقظه في وقت معين ويقعده على الكرسي، وبعد ذلك كان يصلي صلاة التهجد ويؤدي الصلوات الأخرى، ورغم إعاقته الجسدية كان يقوم ببعض أعمال الدين على الحاسوب المحمول.
يقول داعية الجماعة السيد “نسيم تبسم”: كانت الابتسامة تعلو شفتيه دومًا، ورغم مرضه كان يعتاد الحضور إلى المكتب، كما كان يعامل الواقفين بكل محبة واحترام عظيمين.
غفر له الله تعالى ورحمه ورفع درجاته ووفق أولاده لمواصلة العمل بحسناته.
لقد كتب عنه السيد زرتشت منير من النرويج أيضا أنه كان مستعدًّا كل حين وآن لخدمة الدين، وظل محافظًا دومًا على علاقة الحب والإخلاص والوفاء مع الخلافة.
يقول: لما كنت أخدم بصفتي قائد المحافظة كان المرحوم يوجهني بأحسن ما يرام. ولقد رأيت أنه ظل محافظًا على المستوى الرفيع من الطاعة والتعاون مع كل أمير للجماعة.
الجنازة التالية هي للسيدة بشرى بيغم زوجة المقاول المرحوم السيد ولي محمد، التي توفيت إثر صدمة قلبية في ألمانيا في 19 يوليو الفائت عن عمر يناهز74 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون.
كان جدها “ميان نظام الدين” من “نابها” صحابيًا للمسيح الموعود u. كانت مواظبة على صلاة التهجد والصلوات الأخرى، كما كانت مضيافةً ومعتنية بحوائج المحتاجين والمعوزين، وسباقة في التضحية المالية، وكانت سيدة صالحة ومخلصة. كانت تحب الخلافة حبًّا عظيمًا وترتبط بها بعلاقة التقدير والاحترام. لم تكن تستطيع قراءة القرآن الكريم لضعف بصرها منذ صغرها غير أنها بعد زواجها حفظت بعض أجزاء القرآن الكريم ظهرًا عن الغيب بمساعدة أولادها. كانت تهتم بالاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم على أم تي أيه كما أنها كانت تستمع إلى الخطب والبرامج الأخرى بكل مواظبة. وكانت بفضل الله منضمة إلى نظام الوصية. تركت خلفها أربع أبناء وابنتين؛ أحد أبنائها السيد شفيق الرحمن يخدم بصفته رئيس الدعاة في نيوزيلندا، وابنها الآخر السيد عتيق الرحمن أيضا نذر حياته ويعمل حاليا في قسم الأرشفة تحت مكتب السكرتير الخاص. والسيد شفيق الرحمن رئيس الدعاة لم يستطع أن يشترك في جنازة والدته، وقد دفنت في ألمانيا، ألهمه الله تعالى الصبر والسلوان، وغفر لها الله تعالى ورحمها، وأورث أولادَها أدعيتَها. وبعد صلاتي الجمعة والعصر سأصلي صلاة الغائب على هؤلاء المرحومين جميعًا.