خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 11/12/2020
في مسجد مبارك، إسلام آباد تلفورد بريطانيا
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.
كان الحديث في الخطبة الماضية جاريا عن سيدنا علي t وسيستمر إلى بضع خطب أخرى بإذن الله.
في غزوة أُحد قتل ابن القمئةُ مصعبَ بن عميرٍ t وظنّ أَنَّهُ قتل رَسُولَ اللَّهِ r، فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمَّدًا. فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ r اللِّوَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَاتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وفي رواية أن طلحة بن أبي طلحة حامل لواء المشركين نادى عليّا t قائلا: من يبارز؟ فبدره عليٌّ وضربه على رأسه فوقع على الأرض مضطربا. لَمَّا قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَصْحَابَ الألوية، اَبصر رسولُ الله r جَمَاعَةً مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: احْمِلْ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَفَرَّقَ جَمْعَهُمْ، وَقَتَلَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْجُمَحِيَّ. قَالَ: ثُمَّ أَبْصَرَ رسول الله r جَمَاعَةً مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ: احْمِلْ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَفَرَّقَ جَمَاعَتَهُمْ، وَقَتَلَ شَيْبَةَ بن مالك أحد بني عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَلْمُوَاسَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: إِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: وَأَنَا مِنْكُمَا.
قَالَ عَلِيٌّ: “لَمَّا تَخَلَّى النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمَ أُحُدٍ نَظَرْتُ فِي الْقَتْلَى، فَلَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ r فَقُلْتُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ لِيَفِرَّ وَمَا أَرَاهُ فِي الْقَتْلَى، وَلَكِنَّ اللَّهَ غَضِبَ عَلَيْنَا بِمَا صَنَعْنَا فَرَفَعَ نَبِيَّهُ، فَمَا فِيَّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ أُقَاتِلَ حَتَّى أُقْتَلَ، فَكَسَرْتُ جَفْنَ سَيْفِي، ثُمَّ حَمَلْتُ عَلَى الْقَوْمِ، فَأَفْرَجُوا لِي، فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ r بَيْنَهُمْ.
أقول: هذه حكايات الحب والعشق التي بدأت من عهد الطفولة وتجلّت في كل موطن. وقد جاء ذكر جروح أصيب بها رسول الله r في غزوة أُحد، فقد ورد في رواية عن سهل بن سعد وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ r وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ وَبِمَا دُووِيَ قَالَ: كانت فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ r تَغْسِلُهُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ.
عَنْ سَعِيد بْن المسيب، قَالَ: “لقد أصابت عليًا يَوْم أحد ست عشرة ضربة.
يقول سيدنا المصلح الموعود t مبينا أن تحت المصائب تكمن كنوز البركات دائما: بعد العودة من غزوة أُحد أعطى عليّ سيفَه فاطمةَ وقال: اغسليه فقد صدقني اليوم. ولما كان النبي r يسمع هذا الكلام من عليّ فقال ما مفاده: يا عليّ لم يصدق سيفك فقط، بل هناك عديد من إخوتك الذين عملت سيوفهم أيضا أعمالا عظيمة، وذكر r أسماء ستة أو سبعة من أصحابه وقال بأن سيوفهم لم تكن أقل عملا من سيفك، وقد حاز هؤلاء الفتحَ في نهاية المطاف بعد تكبّد هذه المصائب.
لقد وقعت غزوة الخندق في شوال في العام الخامس من الهجرة، وحين حاصر جيش الكفار المدينةَ أجمع رؤساؤهم أن يغدوا يوما…وطلبوا مضيقا من الخندق يقحمون منه خيلهم إلى النبي r وأصحابه فلم يجدوا ذَلِكَ وقالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تصنعها. فقيل لهم: إن معه رجلا فارسيا أشار عليه بذلك. قالوا: فمِن هناك إذا! فصاروا إلى مكان ضيق أغفله المسلمون فعبر عكرمة بْن أَبِي جهل ونوفل بْن عَبْد اللَّه وضرار بْن الْخَطَّاب وهبيرة بْن أَبِي وهب وعمرو بْن عَبْد ودّ. فجعل عَمْرو بْن عَبْد ودّ يدعو إلى البراز ويقول: ولقد بححت مِن النداء … لجمعهم: هَل مِن مبارز؟
فَقَامَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ:
لا تعجلن فقد أتاك … مُجِيبُ صَوْتِكَ غَيْرَ عَاجِزْ
فِي نِيَّةٍ وَبَصِيرَةٍ … وَالصِّدْقُ مُنْجِي كُلَّ فَائِزْ
إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أقيم … عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء … يبقى ذِكْرُهَا عِنْدَ الْهَزَاهِزْ
قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طالب: أَنَا أبارزه يا رَسُول اللَّهِ. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ r سيفه وعمَّمه وَقَالَ: اللهم أعِنه عَلَيْهِ. ثُمَّ برز لَهُ ودنا أحدهما مِن صاحبه وثارت بينهما غبرة، وضربه عَلِيّ فقتله وكبّر. فعلمنا أَنَّهُ قد قتله وولَّى أصحابه هاربين وظفرت بهم خيولهم.
يقول مرزا بشير أحمد t عن هذا الموقف: كان عمرو مقاتلا محنكا جدا ويُعَدّ مساويا لألف جندي بسبب قوته وشجاعته وبسالته. ولو كان قد عاد خائبا وخاسرا من معركة لكان صدره متوغرا بعواطف البُغض والضغينة ضد المسلمين. فلما خرج إلى الميدان طلب المبارزة وقال بكل كِبر وغرور: هل من مبارز؟ كان بعض الصحابة مترددين في مبارزته ولكن عليا t خرج له بإذن من رسول الله r فأعطاه r سيفه ودعا له. عندما تصدّى عليّ t لعمرو قال له ما مفاده: سمعتُ أنك عهدتَ أنه لو طلب منك أحد من قريش أمرين لقبلتَ أحدهما. قال: نعم. قال عليّ t فأطلب منك أن تسلم وتؤمن بالنبي r وترث نِعم الله تعالى. قال عمرو: هذا مستحيل. قال علي t: إن لم تقبل ذلك فكنْ جاهزا للنـزال معي. فضحك عمرو وقال: ما كنت أظن أن أحدا سيقول لي مثل هذا الكلام. ثم سأل عليّا t اسمه ونسبَه ثم قال: يا ابن عمّ، ما زلتَ صغيرا ولا أريد أن أهدر دمك، فأرسِلْ إلي كبيرا من القوم. قال علي: إن كنت لا تريد هدرَ دمي فأنا لن أتردد في هدر دمك. فاستشاط عمرو على ذلك غضبا وقفز من فرسه وعقره وأسقطه على الأرض لكيلا يبقى سبيل لعودة الفرس. ثم تقدم إلى عليّ t كوميض البرق وضربه ضربة قاسية لدرجة قطع سيفُه مجنّـته t وأصابه بجرح خفيف على جبينه. عندها كبّر علي t وضرب خصمه بقوة فوصل سيفه إلى ما تحت منكب عمرو حتى سقط على الأرض مضطربا ولفظ أنفاسه.
وبعد أن قُتل عمرو بن عبد ودّ بَعَثَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَرُونَ جِيفَتَهُ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَقَالَ: هُوَ لَكُمْ، لَا نَأْكُلُ ثَمَنَ الْمَوْتَى.
قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَهُمْ كِتَابًا، فَكَتَبَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لا تَكْتُبْ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه،ِ لَوْ كُنْتَ رَسُولًا لَمْ نُقَاتِلْكَ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: امْحُهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ. فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَا يَدْخُلُوهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ. فَسَأَلُوهُ: مَا جُلُبَّانُ السِّلَاحِ؟ فَقَالَ: الجراب الذي يوضع فيه السيف مع غمده.
لقد ذكر حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه هذه الواقعة بشيء من التفصيل وقال: عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدا في مجلس صلح الحديبية وكان الكفار يضعون أمامه شروط الصلح، كانت قلوب الصحابة تشتعل، وكانت صدورهم تحترق بسبب مظالم الكفار التي كانوا يصبونها عليهم منذ عشرين عاما، وتكاد سيوف الصحابة تخرج من أغمادها من تلقائها حيث كانوا ينتظرون فرصة للانتقام من الكفار على ظلمهم الذي صبوه على الإسلام والمسلمين. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فظل يستمع لأقوال الكفار، فلما اقترحوا عليه الصلح، قال حسنا، فلنتصالح. فاشترطوا عليه وقالوا: لن تعتمروا هذه السنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حسنا، لن نعتمر هذه السنة. ثم قالوا عندما تأتون للعمرة في السنة القادمة فلا تقيموا في مكة أكثر من ثلاثة أيام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسنا، أقبل هذا الشرط أيضا. فقالوا لن يسمح لكم بدخول مكة مُسلَّحين. فقال صلى الله عليه وسلم: حسنا، لن ندخلها مُسلّحين. فكانت معاهدة الصلح تنعقد وصدور الصحابة تغلي حماسا وغيظا، ولكنهم ما كانوا يستطيعون فعل شيء. واختيرَ علي رضي الله عنه لكتابة عقد الصلح.
وعندما بدأ كتابة المعاهدة كتب: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفلان وفلان من الرؤساء ممثلين عن أهل مكة. فاستشاط الكفار غضبا وقالوا لا نرضى بهذه الكلمات، لأن محمدا (صلى الله عليه وسلم) ليس رسولَ الله عندنا، لو كان عندنا نبيًا لم نقاتله، إنما نعقد معه الصلح على أنه محمد بن عبد الله وليس على أنه محمد رسول الله، فلن تُكتب هذه الكلمات في العقد. فبلغ حماس الصحابة ذروته وبدأوا يرتجفون غضبا، وظنوا أن الله تعالى قد أتاح لهم الآن فرصة سانحة للانتقام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لن يرضى بمطالب الكفار هذه، وسوف نثلج صدورنا بقتالهم. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن القوم محقون فيما يقولون، ويجب محو كلمة “رسول الله” من نص المعاهدة، ثم قال: امحُ يا علي هذه الكلمة. أما علي -الذي كان مثالا عظيما للطاعة والإذعان، فقال وقلبه يرتجف وعيناه تسيلان الدموع: يا رسول الله، لا أقدر على محو هذه الكلمة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ناولني الورقة، فأخذها من علي ومحا بيده كلمة “رسول الله”.
وقعت غزوة خيبر في محرم وصفر في السنة السابعة الهجرية، وفي صحيح مسلم رواية طويلة عن هذه الغزوة. فعن سَلَمةَ بنِ الاَکْوَعِ قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ خَرَجَ مَلِكُهُمْ مَرْحَبٌ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَيَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
(أي عند اشتعال الحروب تُعرَف شجاعتي)
قَالَ الراوي: وَبَرَزَ لَهُ عَمِّي عَامِرٌ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي عَامِرٌ
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُغَامِرٌ
قَالَ الراوي: فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ فِي تُرْسِ عَامِر،ٍ وَذَهَبَ عَامِرٌ يَسْفُلُ لَهُ (أي يضربه مِن أسفله)، فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ، فَكَانَتْ فِيهَا نَفْسُهُ (أي استُشهدَ). قَالَ سَلَمَةُ: فَخَرَجْتُ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ قَتَلَ نَفْسَهُ. قَالَ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقُلْت:ُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَطَلَ عَمَلُ عَامِرٍ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَ قُلْتُ: نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. قَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ أَرْسَلَنِي النبي صلى الله عليه وسلم إِلَى عَلِيٍّ وَهُوَ أَرْمَدُ، وقَالَ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوْ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَجِئْتُ بِهِ أَقُودُهُ وَهُوَ أَرْمَدُ، (أي كان يشتكي عينيه وكانتا متورمتين لمرض) حَتَّى أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ، وَأَعْطَاهُ النبي صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ. وَخَرَجَ مَرْحَبٌ فَقَال:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ
شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ
إِذَا الْحُرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ
فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه:
أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ
كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ
أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ
هذا مثل عربي يماثله عندنا قولنا: سوف أرد عليك بكيلو وربع مقابل كيلو، أو: إذا كنتَ ريحا فقط لاقيت إعصارا، أو: ردَّ عليه بالحجر مقابل اللبنة. والصاع يساوي ثلاثة كيلوغرامات تقريبا، أما السندرة فمكيال واسع وأوسع من الصاع بكثير.
ثم قَالَ الراوي: فَضَرَبَ علي رضي الله عنه رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ. هذه الرواية أيضا وردت في مسلم.
قَال حضرة المصلح الموعود t وهو يتحدث عن الشرف الذي ناله سيدنا علي رضي الله عنه يوم خيبر: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأعطينّ الرايةَ اليوم رجلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَالله يحبه، وأسلّم سيفي رجلا كتب الله له الفضل. قال عمر رضي الله عنه: كنت حاضرا في ذلك المجلس، فبدأت أشْرئبُّ وأرفع عنقي لكي يراني النبي صلى الله عليه وسلم ويعطيني الراية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراني ولا يقول لي شيئا. حتى جاء علي وكان بعينيه رمد شديد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعال يا علي. فاقترب منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لعابه في عينيه وقال له: شفى الله عينيك، خذ هذا السيف الذي ناولك الله إياه.
وفي موضع آخر أيضا قال حضرة المصلح الموعود t: بعد العودة من الحديبية بخمسة أشهر تقريبا قرر النبي صلى الله عليه وسلم إجلاء اليهود من خيبر التي كانت تقع على مسافة بضعة منازل وكان بإمكانهم أن يحيكوا من هنالك المؤامرات ضد المدينة بمنتهى السهولة. فسار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر وفي رفقته ألف وستمئة صحابي، وذلك في شهر آب/ أغسطس عام 628 الميلادي. كانت خيبر جيّدة التحصين حيث كانت تحيطها صخور أقيمت عليها حصون، ولم يكن من السهل على قوة صغيرة أن تفتح مكانًا كهذا. فالذي حدث هو أن المعسكرات الصغيرة المرصودة في ضواحي خيبر سقطت بعد قتال محدود، ولكن اليهود قاموا بتجميع قواتهم في الحصن المركزي بالمدينة، وأخذت محاولات فتحه تذهب سدى. وفي أحد الأيام أخبر الله تعالى النبي r أن فتح هذه المدينة قد قُدّر بيد عليّ t.
وفي الصباح التالي أعلن الرسول r قائلا بأنني سأعطي اليوم الراية السوداء لرجل يحبه الله ورسوله، وقد قدّر الله تعالى فتح هذا الحصن على يديه. وهكذا دعا الرسول r عليًّا صباح اليوم التالي ودفع إليه الراية، فأخذ جيشا من الصحابة وهاجم الحصن. كان الیهود متحصنین مع ذلك وهب الله تعالى عليًّا والصحابة الآخرين قوةً بحيث فُتح الحصن قبل حلول المساء في ذلك اليوم.
ثم ذكر المصلح الموعود t سيدنا عليًّا t ضمن هذه الواقعة نفسها فقال:
لما أثير سؤال عن كيفية فتح خيبر، دعا r عليًّا t ليسلّمه راية الجيش، ولكن كان في عينيه رمد، وكانتا متورّمتين من شدة الألم، فلما رأه النبي r بهذه الحالة أمره أن يتقدم، فلما تقدّم أخذ الرسول r لعابه ووضع على عينيه، فشُفي في الحال.
ثم ذكر المصلح الموعود t معجزة شفاء النبي r في مكان آخر فقال:
نرى في العالم مشاهد حيث يُشفى بعض المرضى بفضل الله تعالى بما يفوق العادة وبدون أن تستخدم الوسائل الطبية، أو يُشفون حين لا تنفع الوسائل الطبية. ويلاحظ في حياة رسول الله r مثال على هذا النوع من الشفاء في معركة خيبر. قال رسول الله r للصحابة يوم خيبر: لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْهِ. يقول عمر t: لما حان ذلك الوقت استشرفت لعل النبي r يعطيني إياها، إلا أنه r لم يعهد إليّ هذه المهمة. فجاء علي وكان يشتكي في عينيه فوضع النبي r لعابه عليهما فَبَرَأَ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، وسلّم إليه مهمة فتح خيبر.
يقول المصلح الموعود t: هناك مَثل سامٍ ضربه سيدنا علي t ويزيد المرء إيمانًا. لقد خرج علي t في خيبر للنزال مقابل قائد يهودي كبير وظل يحاربه طويلاً لأن اليهودي كان بارعا أيضًا في فنون الحرب فطال النزال، وفي نهاية المطاف أسقط عليٌّ t اليهوديَّ وجلس على صدره وأراد أن يقطع رأسه بالسيف. فما كان من اليهودي إلا أن بصق في وجه علي t، عندها تركه علي t وابتعد عنه، مما جعل اليهوديَّ محتارًا مذهولاً وتساءل: لقد تمكن منّي عليّ، وكان قد أصبح قادرا على قتلي فلماذا تركني؟ فسأل عليًّا: لماذا تركتني بعد أن تمكّنت مني؟ قال t: كنتُ أحاربك لوجه الله، ولكن عندما بصقتَ في وجهي غضبتُ وقلتُ في نفسي بأنني لو قتلتُك الآن لكان ذلك من أجل نفسي وليس لوجه الله، لذلك تركتك حتى يزول عني الغضب كيلا يكون قتلي إياك لنفسي. ما أعظم هذا التصرف إذ ترك عدوًا لدودًا في ميدان الوغى لئلا يكون القتل من أجل النفس بل يجب أن يكون لوجه الله.
ثم ورد في رواية أن عليًّا أذّن في الحج الآيات الأولى من سورة التوبة. وهذه الرواية كالتالي:
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r، وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ بَعَثْتُ بِهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: لَا يُؤَدِّي عَنِّي إلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ ابْن أَبِي طَالِبٍ t، فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ بِهَذِهِ الآيات مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةٍ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ إذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى، أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدَّتِهِ. فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ t عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ r الْعَضْبَاءَ، حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ بِالطَّرِيقِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ بِالطَّرِيقِ قَالَ: أَأَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ: بَلْ مَأْمُورٌ، ثُمَّ مَضَيَا. فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، وَالْعَرَبُ إذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ الْحَجِّ، الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، قَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ t، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِاَلَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدَّتِهِ، وَأَجَّلَ النَّاسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَذَّنَ فِيهِمْ، لِيَرْجِعَ كُلُّ قَوْمٍ إلَى مَأْمَنِهِمْ أَوْ بِلَادِهِمْ، ثُمَّ لَا عَهْدٌ لِمُشْرِكِ وَلَا ذِمَّةٌ إلَّا أَحَدٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ، فَهُوَ لَهُ إلَى مُدَّتِهِ. فَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. ثُمَّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r.
أما الرواية التي سأقرأها الآن فقد ذُكرت فيما سبق في ذكر أحد الصحابة ولكني سأذكرها هنا في ذكر عليّ t. وهذه الحادثة وقعت عند فتح مكة الذي كان في السنة الثامنة للهجرة الموافق لـ يناير 630م.
عن عليّ t قال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ r أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ (حدثت هذه الواقعة قبيل فتح مكة) قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً (أي امرأة مسافرة راكبة بعيرا) وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا. فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ فَقَالَتْ مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا (أي من لفة شعرها) فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ r فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لَقَدْ صَدَقَكُمْ، أي قبل منه ما قال.
لقد ذكر سيدنا المصلح الموعود t هذه الواقعة فقال: بعث صحابي ضعيف الإيمان إلى أهل مكة رسالة قال فيها بأن رسول الله r خرج مع جيش من عشرة آلاف، لا أعرف مكان توجُّهه، غير أنني أظن أنه قادم إلى مكة، وإن لي بعض الأقارب والمعارف في مكة وأتوقع أنكم ستساعدونهم في ساعة العسرة هذه وتنقذونهم من كل إيذاء. لم تصل هذه الرسالة إلى مكة، إذ قد دعا النبيُّ r عليًّا t صباح ذات يوم وقال له: اذهبْ إلى هناك، فقد أخبرني الله تعالى أنك ستقابل هناك امرأة راكبة بعيرا ومعها رسالة إلى أهل مكة، فخُذ الرسالة منها وأتِ بها إليّ فورا. عندما همَّ عليّ للسفر قال له رسول الله r: إنها امرأة فحذار أن تقسو عليها بل عليك أن تصرّ وتلحّ عليها وإن لم تعترف ولم تنفع التوسلات فيمكنك أن تمارس بعض القسوة، وإذا اضطُررتَ لقتلها يمكنك ذلك أيضا، ولكن لا تسمح أن تمر الرسالة بأي حال.
فوصل عليّ t إلى هناك ووجد المرأة، فبدأت تبكي وتحلف وتقول: هل أنا خائنة ومخادعة؟ يمكنك أن تفحصني. ففحص جيوبها وأمتعتها ولكن لم يعثر على الرسالة. قال بعض الصحابة: لعل الرسالة ليست معها، غضب عليّ t وقال: عليكم بالسكوت، ثم قال بحماس شديد: والله إن الرسول لا يكذب أبدا. فقال للمرأة بأن محمدا رسول الله قال إن معك رسالة، ووالله لا أكذب. ثم شهر سيفه وقال: يجب أن تسلِّمي الرسالة لي وإلا فاعلمي أنني لو اضطررت لأفحصك عارية لفعلت ذلك أيضا لأن رسول الله r صادق وأنت كاذبة. فعندما هُدِّدت بالتعرية ارتعبت وكشفت خصلات شعرها وسلّمت رسالة كانت قد أخفتها فيها.
في موضع آخر ذكر سيدنا المصلح الموعود t هذه الواقعة كالتالي إذ قال: في زمن النبي r أراد صحابي أن يطلع أقاربه سرا على هجوم المسلمين على مكة، لكي يحسنوا إليه بسبب هذه المواساة لهم، لكن النبي r أُطلع على تصرفه هذا في الوحي، فبعث سيدنا عليا مع بعض الصحابة قائلا في موضع كذا ستجدون امرأة اذهبوا إليها وخذوا منها ورقة. فوصلوا إليها وطلبوا منها الورقة، فرفضت. فقال بعض الصحابة أن النبي r ربما أخطأ، فقال علي t كلا من المستحيل أن يخطئ، فلن أبرح الأرض حتى أعثر على الورقة عندها، فزجروها فأخرجتْ لهم الورقة.
عند فتح مكة جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ مَعَ السِّقَايَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ؟ فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: هَاكَ مِفْتَاحَكَ يَا عُثْمَانُ، الْيَوْمُ يَوْمُ بِرٍّ وَوَفَاءٍ. ثم قال رَسُولُ اللَّهِ r لِعَلِيٍّ: إنَّمَا أُعْطِيكُمْ مَا تُرْزَءُونَ لَا مَا تَرْزَءُونَ ۔ولن أعطيكم ما تطلبونه بأنفسكم، بالسؤال.
تقول أمُّ هَانِئ بنت أَبِي طَالِبٍ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ r بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَرَّ إلَيَّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّهُمَا، فَأَغْلَقْتُ عَلَيْهِمَا بَابَ بَيْتِي، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ r وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ مِنْ جَفْنَةٍ إنَّ فِيهَا لَأَثَرَ الْعَجِينِ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَوَشَّحَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مِنْ الضُّحَى ثُمَّ انْصَرَفَ إلَيَّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا أُمَّ هَانِئٍ، مَا جَاءَ بِكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الرَّجُلَيْنِ وَخَبَرَ عَلِيٍّ، فَقَالَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتُ، فَلَا يَقْتُلْهُمَا.
كان النبي r قد أمر بقتل الحويرث بن نقيذ لأنه كان يؤذي رسول الله r بمكة، ويعظم القول في أذيته، وينشد الهجاء، وكان العباس عم رسول الله r ورضي الله عنه حمل فاطمة وأم كلثوم بنتي رسول الله r من مكة يريد بهما المدينة فنخس الحويرث البعير الحامل لهما فرمى به الأرض، قتله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في ذلك اليوم وقد خرج يريد أن يهرب.
كانت غزوة حنين في شوال من العام الثامن الهجري وكان لواء المهاجرين يحمله عَلِيّ بْن أَبِي طالب وحين اشتدت الحرب بقي مع النبي r نفر من الصحابة جراء الهجوم العنيف من الكفار كان منهم علي t أيضا.
في غزوة من الغزوات كان أمام المشركين رجل على جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل وهوازن خلفه إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه، فبينما هو كذلك إذ أهوى إليه علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورجل من الأنصار يريدانه، فأتى عليّ من خلفه وضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه، واجتلد الناس.
ورد عن سرية علي t إلى بني طي أن رَسُول اللهِ r بعث عَلِيَّ بْن أَبِي طالب فِي خمسين ومائة رَجُل من الأنصار عَلَى مائة بعير وخمسين فرسا. ومعه راية سوداء ولواء أبيض إلى الفلس ليهدمه (الفلس صنم لبني طي الذين كانوا في شمال شرق المدينة). فشنوا الغارة عَلَى محلة آل حاتم مَعَ الفجر فهدموا الفلس وخربوه وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء. (الطبقات الكبرى لابن سعد)
غزوة تبوك حدثت في شهر رجب للسنة التاسعة للهجرة، ورد عنها في رواية عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فَقَالَ أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ، قَالَ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي. (صحيح البخاري كتاب المغازي)
قال المصلح الموعود t وهو يذكر هذا الحدث: إن الرسول r أراد مرةً المسير لحرب وأمّر عليًّا t على أهل المدينة في غيابه، ولم يبق فيها إلا المنافقون، فجاء إلى النبي r قلقًا وقال: خُذْني معك، فطمأَنَه الرسول r وقال: “ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس نبيّ بعدي.” أي يا عليّ، إن النسبة بيني وبينك هي كالنسبة بين هارون وموسى، وسوف تكون خليفة بعدي يوما ما، كما كان هارون خليفة موسى، إلا أنك لن تكون نبيًّا. (الخلافة الراشدة، أنوار العلوم ج15 ص579)
ورد عن بعثة علي t إلى اليمن أن فِي السَّنَةِ العاشرة للهجرة بَعَثَ رَسُولُ اللهِ r عَلِيًّا إِلَى الْيَمَنِ، وَقَدْ كَانَ أَرْسَلَ قَبْلَهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَأَرْسَلَ عَلِيًّا، وَقَرَأَ عَلِيٌّ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ r عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ كُلُّهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ r، فَقَالَ r: «السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ، يَقُولُهُ ثَلَاثًا». (وهمدان مدينة تقع في اليمن جنوب شرق المدينة المنورة على بُعد 1100ميل) ثُمَّ تَتَابَعَ أَهْلُ الْيَمَنِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ r فَسَجَدَ شُكْرًا للهِ تَعَالَى. (الکامل فی التاریخ جلد 2)
عَنْ عَلِيٍّ t قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ r إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ r: إِنَّ اللهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ. قَالَ علي: فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا أَوْ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ. (سنن أبي داود، كتاب الأقضية، باب كيف القضاء)
عَنْ عَمْرِو بْنِ شَاسٍ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَلِيٍّ إِلَى الْيَمَنِ، فَجَفَانِي فِي سَفَرِي ذَلِكَ، حَتَّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ أَظْهَرْتُ شَكَايَتَهُ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ r، فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ذَاتَ غَدَاةٍ، وَرَسُولُ اللهِ r فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَلَمَّا رَآنِي أَبَدَّنِي عَيْنَيْهِ – يَقُولُ: حَدَّدَ إِلَيَّ النَّظَرَ – حَتَّى إِذَا جَلَسْتُ، قَالَ: يَا عَمْرُو، وَاللهِ لَقَدْ آذَيْتَنِي. قُلْتُ: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أُوذِيَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: بَلَى مَنْ آذَى عَلِيًّا فَقَدْ آذَانِي. هذه رواية مسند أحمد بن حنبل.
والرواية التالية عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: اشْتَكَى النَّاسُ عَلِيًّا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ r فِينَا خَطِيبًا، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَشكوا عليًّا، فواللهِ إنَّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللهِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللهِ، مِنْ أَنْ يُشْكَى. (السيرة النبوية لابن هشام)
سوف أتناول ما بقي من ذكر علي t في المستقبل، واليوم أيضا سأوجهكم إلى الدعاء، لقد فات ذكر الجزائر في خطبة الجمعة الماضية فإن الظروف فيها أيضا قاسية على الأحمديين، وبعضهم قد أُسروا، لذا يُرجى الدعاء لهم أن يسهل الله تعالى عليهم ويهيئ أسباب فك الأسر للأسرى عاجلا، وهدى الحكومة أيضا لتعدل وتؤدي حقوق الأحمديين كغيرهم أيضا، وكذلك الظروف في باكستان تشتد على الأحمديين، وبعض المسؤولين في الحكومة يعارضون الجماعة، فادعوا الله تعالى أنه إذا كان لا يريد أن يهب هؤلاء المشايخ والمسؤولين العقل أو لن يعقلوا وكان مقدرا أنهم سيستمرون في الظلم ويتعرضون لعقاب الله في نهاية المطاف فيعجّل الله تعالى عقابهم ويسهل على الأحمديين.
سأصلي صلاة الغائب على السيد رشيد أحمد بن محمد عبد الله من ربوة وهو والد داعيتنا السيد محمد طاهر نديم الذي يعمل في المكتب العربي. لقد توفي المرحوم في 28 تشرين الأول/أكتوبر عن عمر يناهز 76 عاما، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد جاءت الأحمدية في أسرته بواسطة جد المرحوم حضرة عبد الغفور t الذي ذهب مع ابن خالته المولوي الله دته t في 1891 أو 1892 وبايعا على يد المسيح الموعود u. كان المولوي الله دته t رجل دين ومن المثقفين، وكان على صلة بالمسيح الموعود u قبل دعواه أيضا. رأى المولوي الله دته t في الرؤيا أن راية سيدنا محمد رسول الله r في يد المسيح الموعود u. فذهب مع ابن خالته المولوي عبد الغفور t -الذي هو جد المرحوم- إلى قاديان وبايع كلاهما على يد المسيح الموعود u. وبعد ذلك دخل الأحمديةَ كثير من الناس في “علي بور” و”حسن بور” بمحافظة ملتان نتيجة تبليغ المولوي الله دته t. كان المرحوم يقيم في محافظة بهاولبور حيث خدم الجماعة بصفته سكرتيرا للمال لفترة طويلة. كان المرحوم إنسانا صالحا وطيبا ومضيافا وعطوفا، وكانت له علاقة جيدة مع الأقارب وأهل المحلة والفقراء، وكان يهتم بالفقراء بصمت. وترك في ذويه زوجته السيدة صدّيقة بِيْغَمْ وهي حفيدة حضرة قادر بخش t الصحابي للمسيح الموعود u. كان المرحوم منخرطا في نظام الوصية بفضل الله تعالى. ومن ذويه الآخرين ثلاث بنات وابنان وأحد ابنيه كما قلتُ داعية الجماعة يخدم في المكتب العربي. غفر الله للمرحوم ورحمه ورفع درجاته، آمين.