خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 29/1/2021م
في مسجد مبارك، إسلام آباد تلفورد بريطانيا
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.
أتناول اليوم ذكر مشاركة سيدنا عثمان t في المغازي، وكما ذُكر سابقا أنه لم يستطع أن يشهد بدرا لأن زوجته السيدة رقية بنت الرسول r كانت مريضة جدا فوجهه النبي r أن يبقى عندها في المدينة للعناية بها، وعدَّه ضمن المشاركين في بدر وجعل له نصيبا في الغنائم.
غزوة غطفان كانت في المحرم أو صفر من العام الثالث الهجري، وعند خروجه من أجلها إلى نجد استخلف النبي r سيدنا عثمان على المدينة، ومن ثم لم يشترك سيدنا عثمان t في هذه الغزوة أيضا. لقد قال سيدنا مرزا بشير أحمد t في بيان تفصيل هذه الغزوة: بدأ أفراد بعض قبائل بني غطفان أي بنو ثعلبة وبنو محارب يجتمعون في موضع ذي أمر في نجد بحثٍّ من مقاتلهم المشهور دعثور بن حارث بنية شن الهجوم المفاجئ على المدينة، لكن لما كان النبي r يستطلع بانتظام تحركات أعدائه فقد علم بنيتهم الدموية في الوقت المناسب، فخرج كقائد واعٍ متيقظ وذكي للتصدي لهم في نهاية المحرم أو بداية صفر من العام الثالث الهجري برفقة أربعمائة وخمسين صحابيًا، فوصل سريعا إلى منطقة قريبة من ذي أمر. ولما علم العدو بمجيئه إلى هناك لجأوا فورا إلى الجبال المجاورة، ومن ثم حين وصل المسلمون إلى ذي أمر وجدوا الميدان خاليا، ولكن الصحابة وجدوا بدويا من بني ثعلبة اسمه جبار، فأسروه وجاؤوا به إلى النبي r، فاستكشف النبي r منه الأوضاعَ، فعلم أن جميع أفراد بني ثعلبة وبني محارب قد تحصنوا بالجبال، وأنهم لن ينزلوا إلى الميدان. فاضطر النبي r لأن يأمر بالعودة، ولقد أفادت هذه الغزوة حتما أن الخطر الذي كان قد ظهر من بني غطفان قد زال مؤقتا.
غزوة أُحد التي اندلعت في شوال من العام الثالث الهجري، قد شارك فيها سيدنا عثمان t (فهو لم يشارك في الغزوتين السابقتين لكنه شارك في هذه). في المعركة كان عدد من الصحابة قد انصرفوا من الميدان بسبب الهجوم المفاجئ وبعد سماع شائعة استشهاد النبي r- وقد طرأ على النبي r وقتٌ لم يبق فيه معه إلا فئة صغيرة تضم اثني عشر صحابيا فقط- وكان سيدنا عثمان من الفئة الأولى. إذ كان المسلمون قد بدأوا يجمعون الغنائم بعد أن انتصروا على الكفار، وقد لاحظ خمسون راميا هم الذين كان النبي r أمرهم بأن لا يبرحوا مكانهم في أي حال، أن المسلمين قد انتصروا، فتركوا أماكنهم مع أن النبي r كان قد أمرهم بصرامة أن لا يتركوا ذلك المكان في أي حال. أما خالد بن الوليد الذي لم يكن قد أسلم بعد؛ فقد رأى المكان خاليا فهاجم منه المسلمين فجأة، فكانت الغارة مفاجئة وعنيفة، وقد أدت إلى تولِّي المسلمين وفرارهم. ويقال إن سيدنا عثمان أيضا كان منهم، فعن هؤلاء ورد في القرآن الكريم أن الله I قد عفا عنهم نظرا للأوضاع الخطرة وما كانت قلوبهم تكنّ من الإيمان والإخلاص، فقد ورد: ]إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ[.
يقول سيدنا مرزا بشير أحمد t في بيان أوضاع المسلمين في هذه الغزوة، في كتاب سيرة خاتم النبيين: كان جيش قريش قد حاصر المسلمين من كل جهة وكان يتقدم بغاراته المتتالية بانتظام، ومع ذلك كان من المحتمل أن يتدارك المسلمون أمرهم، لكن الكارثة التي حلت أن مقاتلا جريئا من جيش الكفار يُدعَى عبد الله بن قمئة هاجم حاملَ لواء المسلمين سيدنا مصعب بن عمير، وقطع يده اليمنى بسيفه، فأمسك مصعب اللواء بيده الأخرى فورا، وتقدم للتصدي لابن قمئة، لكنه قطع يده الأخرى أيضا بهجمة أخرى، فحاول مصعب أن يضم ساعديه ليمسك بهما الراية الإسلامية ويضمها إلى صدره، لكن ابن قمئة شن عليه هجمة ثالثة فسقط مصعب شهيدا. أما العلَم فقد أمسكه أحد المسلمين فورا، لكن لما كان مصعب يشبه النبيَّ r في ملامحه فقد زعم ابن قمئة أنه قتل محمدا (r)، ومن المحتمل أنه أعلن ذلك بمحض مكيدة وبقصد الخداع. على كل حال عند سقوط مصعب شهيدا أعلن ابن قمئة صارخا: لقد قتلت محمدا (r).لقد أفقد هذا الخبر صواب المسلمين وتشتتوا فزعين، وهرب كثير من الصحابة من الميدان فزعين مذعورين، فكان المسلمون في تلك الساعة قد انقسموا إلى ثلاثة فرق، فريق كان قد فر من الميدان أو تشتت يأسا بعد سماع خبر شهادة النبي r، وكان هذا الفريق صغير العدد، وكان سيدنا عثمان بن عفان منهم، لكنه كما ورد في القرآن الكريم قد عفا الله عنهم نظرا لتلك الأوضاع الحرجة، وما كانت قلوب بعضهم عامرة بالإيمان والإخلاص، وكان بعضهم قد وصلوا إلى المدينة وبذلك وصل خبر شهادة النبي r المزعومة وهزيمة المسلمين، مما أدى إلى نشوء ضجة في المدينة كلها، وخرج المسلمون ذكورا وإناثا وأولادا وشيوخا بمنتهى الفزع والذعر، وانطلقوا إلى ميدان أُحد وكان بعضهم قد وصلوا إلى ميدان القتال ركضا مسرعين، واقتحموا باسم الله صفوف العدو. والفريق الثاني كان يضم أولئك الذين لم يهربوا لكنهم تركوا الهمة بعد سماع خبر شهادة النبي r أو كانوا يرون القتال عديم الجدوى، لذا انصرفوا من الميدان وجلسوا مطأطئي الرؤوس في مكان بعيد. والفريق الثالث كان لا يزال يقاتل في الميدان، وبعضهم كانوا قد التفُّوا حول النبي r ويسجلون أروع نماذج الفداء بأرواحهم، ومعظمهم كانوا يقاتلون منتشرين، وحيثما علموا هم وأفراد الفريق الثاني أن رسول الله r ما زال حيا، أسرعوا إليه مقاتلين كالمجانين واجتمعوا عنده r، وكان جيش قريش يتقدم في ميدان القتال آنذاك من الجهات الأربعة كأمواج البحر المهيبة، وفي ميدان الحرب كانت الرماح والأحجار كالمطر. وحين لاحظ المخلصون ذلك الخطر التفوا حول النبي r وستروا جسده المقدس بأجسامهم، ومع ذلك كلما صدرت هجمة كان أولئك المعدودون يُدفعون هنا وهناك، وكان النبي r في تلك الحالة يبقى أحيانا وحيدا تقريبا. يقال إن سيدنا عثمان بسبب اليأس أو بسماع خبر شهادة النبي r قد انصرف من هناك. وكان ممن يئسوا عمر بن الخطاب t أيضا وسيأتي ذكره في وقته.
والآن أبين السفارة التي حصلت أثناء صلح الحديبية ودور عثمان t في بيعة الرضوان، والوقائع بهذا الشأن.
فقد رأى النبي r في منامه أنه دخل البيت الحرام ومعه أصحابه آمنين، وحلق بعضهم رؤوسهم وقصر البعض الآخر. وبناء على هذه الرؤيا خرج النبي r من المدينة للعمرة في ذي القعدة من العام السادس للهجرة مع 1400 صحابيّ، ونزل في الحديبية، فمنعته قريش من العمرة، فبدأت السفارة بين الفريقين، وحين علم النبي r ثورة مكة أراد أن يرسل إلى مكة شخصًا يتمتع بنفوذ ويكون من أهل مكة ومن قبيلة شريفة فأرسل عثمان t لهذا الغرض.
لقد كتب مرزا بشير أحمد t هذا الأمر بالتفصيل وأذكر منه بعضه، كتب: رأى النبي r رؤيا أنه يطوف ببيت الله مع أصحابه، وكاد شهر ذي القعدة يبدأ وهو من الأشهر الأربعة التي كان القتال فيها ممنوعا حتى في زمن الجاهلية، رأى هذه الرؤيا من جهة، ومن جهة أخرى كانت تلك الأيام أيامًا يتوقف فيها القتال في جميع أطراف الجزيرة العربية ويسود الأمن والسلام، ومع أنها لم تكن أيام الحج ولم يكن الحج قد فُرض في الإسلام بعد؛ ولكن الطواف ببيت الله كان مشروعا في كل آن، لذلك بعد هذه الرؤيا دعا صحابته ليتجهزوا للعمرة، وفي هذه المناسبة أعلن بين الصحابة أن الهدف من هذا السفر ليس القتال بل هو القيام بالعبادة الدينية الآمنة، لذا على المسلمين ألا يأخذوا معهم أسلحتهم إلا أنه يمكن أن يأخذوا معهم سيوفهم وهي في أغمادها على طريق المسافرين. وكذلك دعا النبي البدو حول المدينة الذين كانوا مسلمين في الظاهر أن يعتمروا معه ولكن للأسف لم يخرج معه من هؤلاء البدو ضعيفي الإيمان المقيمين حول المدينة إلا عدد قليل جدا، لأنهم كانوا يرون أنه رغم أن المسلمين لا يقصدون إلا العمرة ولكنّ قريشًا سيمنعون المسلمين في كل حال، وسيؤدي ذلك إلى المواجهة حتماً، وكانوا يظنون أيضا أن هذه المواجهة ستكون بقرب مكة وعلى بعد من المدينة، لذا لن ينجو أحد من المسلمين، لذلك لم يشتركوا مع المسلمين خوفا. باختصار خرج النبي r من المدينة مع أكثر من 1400 صحابيٍّ في بداية ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة يوم الاثنين صباحا، وكانت زوجه أم سلمة معه في هذا السفر. أمّر على المدينة نميلة بن عبد الله t وجعل عبد الله بن أم مكتوم t الذي كان ضريرا إمام الصلاة.
حين وصل r إلى ذي الحليفة التي تبعد عن المدينة ستة أميال في الطريق إلى مكة أمر بالنزول، وبعد صلاة الظهر أمر بوسمة جِمال الأضحية التي كان عددها 70 جملا، وطلب من الصحابة ارتداء الإحرام، وهو اللباس الخاص للحجاج، وهو نفسه أيضا قد أحرم، ثم أرسل للاستطلاع بُسْر بن سفيان t من بني خزاعة المقيمين بقرب مكة ليعرف ما إذا كانت قريش يريدون شرا. وهو r نفسُه واصل سفره ببطء إلى مكة، ولمزيد من الاحتياط جعل أمام جماعة المسلمين كتيبة من عشرين راكبا في إمرة عباد بن بشر. وبعد بضعة أيام من السفر حين وصل بقرب عسفان، التي تبعد عن مكة مسافة منزلين، وقيل المنزل تسعة أميال، جاء المستطلع وأطلع النبي r على أن قريشًا ثائرون جدا، وقد عقدوا العزم على منعكم، حتى ارتدى بعضهم جلود النمر لإظهار حماسهم وشراستهم معتزمين للحرب، وكانوا ينوون منع المسلمين في كل حال، وعلم أيضا أن قريشًا قد أرسلوا كتيبة في إمرة خالد بن الوليد الذي لم يكن قد أسلم بعد، وهذه الكتيبة اقتربت من المسلمين، وفيها عكرمة بن أبي جهل وغيره. وحين علم النبي r بذلك أمر الصحابة أن يتركوا الطريق المعروف المؤدي إلى مكة ويتجهوا يمينا تحاشيا للمواجهة، فتقدم المسلمون على طريق صعب بجانب البحر. وحين وصل النبي r على هذا الطريق “الحديبية”، التي تبعد عن مكة منزلا واحدا أي تسعة أميال وتبدأ حدود مكة من الحديبية، جلست ناقته على الأرض فجأة ولم تكن تقوم رغم كل المحاولات، وهذه الناقة معروفة بالقصواء، وقد استخدمها النبي r في عدة غزوات، قال الصحابة لعلها خلأت (بركت ولن تقوم)، فقال النبي r: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياه. ثم نادى ناقته لتقوم فقامت فورا بإذن الله ومشت فأخذها النبي r إلى الطرف الآخر للحديبية حيث نزل r من الناقة قريبا من ينبوع، وهناك نزل الصحابة بأمر النبي r.
ثم يأتي ذكر كيفية التفاوض مع قريش للصلح. حين نزل النبي r في الحديبية أقام قرب ينبوع في الوادي، وحين كان الصحابة قد نزلوا وخيموا جاء أحد رؤساء بني خزاعة بديل بن ورقاء، الذي كان يقيم قريبا من هذه المنطقة، مع بعض رفقائه للقاء النبي r وقال: إن رؤساء مكة قد تجهزوا للقتال ولن يدَعوكم تدخلون مكة، فقال النبي r: إنَّا لم نجِئْ لقتالِ أَحدٍ ولكنَّا جِئْنا مُعتمرينَ. وللأسف مع أن نار الحرب حرقت قريشًا ولكنهم مع ذلك لا يكادون يتوقفون عن شرورهم، مع أنني جاهز لإبرام الميثاق معهم حتى يتوقفوا عن محاربتي ويتركوني وشأني لأبلغ الناس الآخرين دعوتي دون أن أتعرض لأهل مكة بل سأبلّغ الدعوة إلى الآخرين. وَإنْ هُمْ أَبَوْا وأصروا على إشعال نار الحرب “فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أمْرَهُ”. فلو قُتلتُ في المواجهة معهم لانتهى الأمر، ولكن إن كتب الله لي الفتح وغلب دينٌ جئتُ به فلن يكون عند أهل مكة أي عذر في الإيمان. تأثر بديل بن ورقاء كثيرًا بكلمات النبي r المخلصة والوقورة وطلب أن يُمنح بعض الوقت ليعود إلى أهل مكة ويبلغهم دعوته r ويحاول التوصل إلى اتفاق مع قريش، فوافق النبي r على ذلك وعاد بديل والنفر المرافق له إلى مكة. حين وصل بديل بن ورقاء إلى مكة جمع قريشًا وأخبرهم أنه قادم من عند محمد رسول الله r الذي قدم اقتراحًا ويود إطلاعهم عليه إن سمحوا له بذلك. فقال بعض سفهاء قريش أنهم ليسوا على استعداد للاستماع إلى أي شيء من ذلك الشخص؛ لكن أبدى ذووا الرأي منهم رغبتهم بالاستماع إلى اقتراح جاء به بديل فذكره لهم. وبعد الاستماع إليه، وقف عروة بن مسعود، الذي كان زعيما ذا نفوذ كبير في قبيلة ثقيف والذي تصادف وجوده في مكة حينذاك. فقام وقال بأسلوب العرب: يا أيها الناس ألستُ بمنـزلة والدكم؟ قالوا نعم. قال: ألستم بمنـزلة أولادي؟ قالوا نعم. قال: هل تنقصكم الثقة بي؟ قالوا: كلا. فقال: “برأيي فَإِنَّ محمدًا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آته”. قالت قريش: لا بأس، اذهب إليه وناقِش الأمور معه.
عندما وصل عروة إلى مجلس النبي r شاهد مشهدا جميلا. على أية حال، جاء عروة إلى النبي r وبدأ المفاوضات وأعاد الكلام نفسه الذي قاله لبديل بن ورقاء من قبل. كان عروة متفقا مبدئيا مع رأي النبي r، ولكن كان يريد -رغبة في أداء حق كونه سفيرا لقريش- أن يحفظ حقوقهم بوضع شروط مفيدة لهم. وحين عاد عروة إلى قريش بعد التفاوض مع النبي r قال لهم: أيها الناس، لقد سافرت في العالم كثيرا،
“وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ وَاللَّهِ ما رَأيْتُ مَلِكًا قَطُّ، يُعَظِّمُهُ أصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَإنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، فَاقْبَلُوهَا”. وعند سماع ما قاله عروة، قام رجل من كبار بني كنانة، يقال له الحليس بْنُ علقمة وعرض عليهم أن يذهب إلى النبي r ويحاول الوصول إلى تسوية معه. قالوا: افعل ما بدا لك. فذهب إلى الحديبية وعندما رآه النبي r يقترب من بعيد، قال لأصحابه: “هَذَا فُلاَنٌ، وَهْوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ حَتّى يَعْرف لماذا نحنُ هُنا” فساقوا حيواناتهم يصيحون “الله أكبر” وأحضروها أمام مبعوث قريش، الذي صاح عندما رأى هذا المشهد “سُبْحَانَ اللَّهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلاَءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ” فإنهم حُجاج. وهكذا عاد إلى قريش سريعا وقال لهم أن المسلمين وضعوا القلائد في أعناق حيواناتهم ووضعوا عليها علامات القربان، وأنه لا يصح لقريش أن تعرقل سبيلهم في أداء العمرة، ولكن قريشا كانوا قد تفرقوا إلى فريقين وكانوا متشتتين. كان فريق منهم مصرا على موقفه لإرجاع المسلمين دون الطواف. أما الفريق الثاني فكان خائفا لكون موقف الفريق الأول منافيا لتقاليدهم الدينية القديمة وكان يترقب ميثاقا محترما لأن القرار كان لا يزال معلقا.
فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص، فقال لهم: دعوني آته، قالوا: ائته، فلما أشرف قال النبي r: هذا مكرز بن حفص؛ وهو رجل فاجر؛ فجاء فجعل يكلم النبي r؛ فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو، لعل قريشا أرسلوه قلقين على مكرز بعد أن انتظروا عودته طويلاً. فلما جاء سهيل قال النبي: سهل أمركم.
ففي أثناء المفاوضات بدأ ممثلو قريش يأتون واحدًا بعد الآخر، فرأى النبي r أن يرسل شخصًا ذكيًا إلى قريش يبين لهم وجهة نظر المسلمين بحكمة وأسلوب ودي. ولهذا الغرض اختار خراش بن أمية الخزاعي، (كان بديل بن ورقاء، أول سفير إلى قريش من القبيلة نفسها) وقدم له أحد جماله الخاصة، وعندما وصل خراش إلى قريش وكانت المفاوضات في مرحلتها الابتدائية، كان شباب قريش متحمسين كثيرًا وهاجم عكرمة بن أبي جهل ناقة خراش وأصابها بجروح. كان المراد من ذلك بحسب تقاليد قريش أنهم يريدون إيقاف سيره قهرا. وليس ذلك فحسب بل كانت فئة متحمسة من قريش عازمة على الهجوم على خراش، ولكن تدخّل الكبار في السن وعاد خراش إلى مخيم المسلمين سالما.
ولم تكتف قريش بهذا، بل لقد أعماها حماسها حتى قررت إلحاق ما يمكن إلحاقه من الضرر بالنبي صلى الله عليه وسلم وبصحابته ما داموا قد صاروا قريبين من مكة وبعيدين عن المدينة لهذه الدرجة. فأرسل أهل مكة إلى الحديبية – والطرفان مستمران في المفاوضات الرامية إلى الصلح- كتيبةً مكونة من أربعين أو خمسين رجلًا وأمروهم أن يدوروا حول المعسكر الإسلامي باستمرار ويسعوا لإيقاع كل ضرر ممكن بالمسلمين كلما سنحت لهم الفرصة. وفي بعض الروايات أن عدد هذه الكتيبة كان ثمانين رجلاً، وأن قريشا تآمرت بهذه المناسبة حتى لقتل النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن المسلمين كانوا في حالة تأهب بفضل الله تعالى، فافتضحت هذه المؤامرة، وأُسر رجال قريش هؤلاء جميعا. كان المسلمون غاضبين جدا بسب هذه الفعلة الشنيعة التي ارتكبها أهل مكة في الأشهر الحرم وفي أرض الحرم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن هؤلاء الكفار كيلا تتعطل مفاوضات الصلح. وقد ذكر القرآن الكريم هذه الفعلة الشنيعة من قِبل أهل مكة في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}.
على كل حال، عندما ننظر إلى ما أبداه النبي صلى الله عليه وسلم مِن صبر عظيم ومتواصل وحلم وسعي للسلم في هذه الأوضاع وخلفياتها، فلا نجد لصبره وسلمه نظيرا في تاريخ العالم، إذ ظل صلى الله عليه وسلم يسعى سعيا حثيثا متواصلا لإيجاد فرصة للسلم.
وعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذه المكيدة الشريرة من قبل قريش، كما سمع من خراش بن أمية عن الحماس والثورة عند أهل مكة، قرّر تهدئة حماسهم وإرجاعهم إلى الصواب بإرسال شخص إليهم يكون مِن أهل مكة ومِن أسرة عريقة من قريش. وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع –رغم كل ما فعله الكفار- من السعي للتصالح، بل قام بالمخاطرة مرة أخرى، فقال لسيدنا عمر بن الخطاب: أرى من الأفضل أن تذهب أنت إلى مكة سفيرا من قبل المسلمين. فقال عمر يا رسول الله أنت تعلم أن أهل مكة يعادونني عداوة شديدة، وليس لي في مكة قريب ذو نفوذ يمكن أن يضغط عليهم، فأرى أن تختار عثمان لهذه الخدمة تمهيدا للنجاح بسهولة، فهو من بني أمية التي هي ذات نفوذ قوي في هذه الأيام ولن يجرؤ أهل مكة على التعرض له بسوء، وهناك أمل كبير للنجاح في إرساله.
فأعجب النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأيُ سيدنا عمر، فأمرَ سيدَنا عثمان بالذهاب إلى مكة وإخبار قريش بأن المسلمين يريدون السلم ولا ينوون إلا أن يعتمروا فقط. وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم كتابًا موجهًا إلى زعماء قريش، شرح فيه هدفه للمجيء مؤكدًا لهم أن نيته فقط القيام بالعبادة أي أداء العمرة في سلام ثم العودة. كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه بأن يسعى للقاء المسلمين المستضعفين في مكة وأن يرفع هممهم ويوصيهم بالصبر قليلا فإن الفرج من الله قريب.
ذهب سيدنا عثمان رضي الله عنه بهذه الرسالة إلى مكة والتقى بأبي سفيان الذي كان رئيس أهل مكة في تلك الأيام وكان من أقاربه. وجمع عثمان رضي الله عنه أهل مكة في مكان عام، وقرأ عليهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، كما جعل مختلف زعماء مكة يرونها واحد واحدا، ومع ذلك ظلوا مصممين جميعاً على ألا يسمحوا للمسلمين بدخول مكة هذا العام.
وعندما سعى عثمان لإقناع قريش، قالوا له: نسمح لك أنت، إن أردت، بزيارة الكعبة والطواف بها، ولكن لن نسمح بأكثر من ذلك، فقال عثمان رضي الله عنه: كيف يمكن أن أطوف بالبيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ممنوع منه خارج مكة.
فيئس منهم عثمان رضي الله عنه وبدأ يستعد للعودة إلى معسكر المسلمين، فرأى بعض أشرار قريش احتجاز عثمان رضي الله عنه ورفاقه في مكة، ظنًا منهم، على الأغلب، أن هذا سيمكّنهم من الحصول على شروط أفضل في مفاوضات الصلح. فشاع بين المسلمين أن المكيين قد قتلوا عثمان رضي الله عنه. لما بلغ ذلك النبيَّ – صلى الله عليه وسلم أصابته صدمة شديدة وغضب غضبا شديدا، فأخذ من الصحابة ما يسمى ببيعة الرضوان.
لما بلغ هذا الخبر إلى الحديبية ثار المسلمون ثورة شديدة، لأن عثمان رضي الله عنه كان صهرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كبار الصحابة، وكان قد ذهب إلى مكة سفيرا للمسلمين، وكان هذا في الأشهر الحرم وكانت مكة بحد ذاتها حرما.
فلم يلبث النبي صلى الله عليه وسلم أن أعلن بين المسلمين بأن يجتمعوا كلهم تحت شجرة سمرة، فلما اجتمع الصحابة أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم الخبر وقال إن كان خبرا صحيحا، فوالله لن نبرح حتى ننتقم لعثمان. ثم قال صلى الله عليه وسلم للصحابة تعالوا وبايعوني – كما هي الطريقة الإسلامية للبيعة واضعين أيديهم في يد النبي صلى الله عليه وسلم- على أنكم لن تولوا الأدبار ولن تبرحوا مكانكم حتى الموت. فسارع الجميع، وكانوا في ذلك الوقت حوالي ألف وأربعمئة أو ألف وخمسمئة بحماس للمبايعة يتساقطون بعضهم على بعض، وباع كل واحد منهم نفسه واحدا تلو الآخر على يد سيده المحبوب صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية. وضرب النبي صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على اليسرى، وقال: “هذه يد عثمان، إذ لو كان هنا لما تخلف عن هذه الصفقة المقدسة، ولكنه مشغول بأداء واجب لله ولرسوله”. وهكذا انتهى هذا المشهد كلمعان البرق.
وقد عُرفت هذه البيعة ببيعة الرضوان في تاريخ الإسلام، أي بيعةٌ فاز فيها المسلمون بكامل رضوان الله تعالى. وقد ذكرها القرآن الكريم بوجه خاص في قول الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح: 19).
وكان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، يذكرون هذه البيعة بفخر ومحبة، وكان أكثرهم يقولون لمن جاء بعدهم: تعدّون فتح مكة فتحًا، أما نحن فكنا نرى أن بيعة الرضوان هي الفتح. ولا جرم أن هذه البيعة مع ما فيها من أحداث كانت فتحا عظيما، وليس هذا لأنها فتحت بابا للانتصارات القادمة فقط، بل أيضا لأن روح الفداء الذي كان أبرز علامة للإسلام دين محمد صلى الله عليه وسلم قد تجلى فيها على أحسن وجه وأروعه، حيث أكد المسلمون بعملهم أنهم مستعدون لبيع أنفسهم وأرواحهم من أجل رسولهم ورسالته عند كل خطوة وفي كل موطن. ومن أجل ذلك كان الصحابة يقولون عن بيعة الرضوان إنها كانت بيعة العهد على الموت، أي كانت البيعة عبارة عن عهدٍ تعهَّدَ به كل مسلم أنه سيضحي بنفسه من أجل الإسلام وعزته، ولن يفرّ من هناك. وأحد الجوانب الهامة لهذا العهد هو أنه لم يكن فقط إقرارًا باللسان قد صدر بحماس مؤقت، بل كان صوتًا خرج من صميم الأفئدة، وكانت قوة المسلمين كلها قد ارتكزت في هذه النقطة الوحيدة. فلما علمت قريش بهذه البيعة ارتابها الخوف ولم تسمح فقط لعثمان ورفاقه بالعودة بل أوصت مندوبيها أن يعقدوا اتفاقية مع المسلمين بشرط أن يرجعوا هذه المرة ويأتوا العام المقبل لأداء العمرة.
ومن ناحية أخرى كان النبي r قد قرّر منذ البداية أنه لن يُقدم على خطوةٍ تُعارض تعظيم الحرم وبيت الله. وبما أن الله تعالى قد بشره بأن أي اتفاقية مع قريش ستكون مدعاةً للنجاحات في المستقبل، فكان الجو مناسبًا جدَّا للفريقين من أجل عقد اتفاقية، وفي هذا الجو وصل سهيل بن عمرو إلى النبي r، وعندما رآه النبي r قال: “لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ”. أي عند بدء الحديث حول الصلح وبروزِ سهيل أمام النبي r، قال بأن سهيلاً قادم وسيسهل الأمر إن شاء الله. على أية حال، لما جاء سهيل قال للنبي r: ندع المفاوضات الطويلة ونقول بأننا جاهزون لكتابة المعاهدة بيننا. قال له النبي r بأنه أيضا على استعداد لذلك، واستدعى سكرتيره عليًّا t لكتابة المعاهدة التي تتضمن الشروط التالية:
أن يرجع النبي r وأصحابه هذا العام، ويمكنهم زيارة مكة لمدة ثلاثة أيام وأداء العمرة فيها في العام القادم ولكن بدون أي أسلحة، ما عدا السيف في غمده، ولن يُسمح لهم البقاء في مكة أكثر من ثلاثة أيام.
وإذا جاء رجل من أهل مكة إلى المدينة لن يؤويه النبي r في المدينة بل يردّه حتى ولو كان مسلما. ولكن إذا ترك أي مسلم المدينة ووصل إلى مكة فليس على قريش أن ترده.
وفي رواية إذا جاء رجل من أهل مكة دون الحصول على إذن من وليه فيجب أن يُرَدَّ إلى قريش.
ومن أراد أن يتحالف مع المسلمين فله ذلك ومن أراد أن يتحالف مع أهل مكة فله ذلك. ومدة هذه المعاهدة هي عشر سنوات تظل فيها الحرب متوقفة بين المسلمين وقريش.
تم إعداد نسختين لهذه المعاهدة ووقع عليها شهود كبار من زعماء الطرفين. أما من وقع من جانب المسلمين فهم: أبوبكر، وعمر، وعثمان وكان قد رجع من مكة إلى ذلك الحين، أي أن الكفار قد خلّوا سبيله عند ذلك، فوقّع عثمان أيضا على هذه المعاهدة، ثم وقع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة. وبعد إتمام المعاهدة أخذ سهيل بن عمرو نسخة من المعاهدة ورجع بها إلى مكة، أما النسخة الثانية فبقيت عند النبي r.
ذكر المصلح الموعود t هذه الواقعة بكلماته فقال كما يلي:
وقد أصرت بعض القبائل المتحالفة مع أهل مكة على أن هؤلاء لم يأتوا إلا للطواف، فلماذا يُحرَمون حتى من هذا؟ ولكن أهل مكة ظلوا على عنادهم وصلابتهم، وعند ذلك هدّد قادة القبائل بالانفصال عن أهل مكة، ما دام أهل مكة يريدون شرًّا ولا يريدون السلام. (وهذا أمر جديد ذكره المصلح الموعود أن القبائل المتحالفة أيضا مارست ضغوطًا على أهل مكة) فخشي أهل مكة وسعوا إلى الوصول إلى اتفاقية مع المسلمين. وما إن علم الرسول r بذلك حتى أرسل عثمان بن عفان – الذي أصبح خليفته الثالث لاحقا- إلى أهل مكة من أجل التفاوض، فبلغ مكة وكان له أقرباء عديدون فيهم، فجاءوا وأحاطوا به وعرضوا عليه أن يطوف هو بالبيت إن أراد، ولكنهم لن يدعوا الرسول يفعل ذلك حتى العام القادم. ورفض عثمان أن يطوف هو إلا أن يكون في صحبة حبيبه وقائده r. وطال التفاوض بين عثمان وبين رؤساء مكة، وخلال ذلك نشر بعض المغرضين إشاعة أنه قُتل، وبلغت الإشاعة الرسول r. وعند ذلك جمع رسول الله r أصحابه وأخبرهم أن لرسول قوم حصانة خاصة في كل الأمم، غير أنكم سمعتم أن أهل مكة قتلوا عثمان، فإن صحّ هذا الخبر فسندخل مكة عنوة. أي كانت نيتنا أن ندخل مكة بالتصالح معهم ولكن ستتغير الآن الظروف التي عقدنا تلك النية فيها وبالتالي لن نبقى ملتزمين بتلك الإرادة السابقة. فقال r لهم: إن أولئك الذين يعاهدون الله تعالى -بأنهم إذا اضطروا للتقدم فلن يعودوا إلا بالفتح أو يضحون بأنفسهم في الميدان واحدًا تلو الآخر- عليهم أن يتقدموا ليبايعوني على هذا العهد. وما إن أنهى الرسول r حديثه، حتى تحول الألف وخمسمئة زائر أتى مع النبي r إلى ألف وخمسمئة جندي، وتقافزوا متسابقين إلى يد الرسول r سعيا منهم ليبايع كل واحد قبل غيره.
وكان لهذه البيْعة أهمية خاصة في تاريخ الإسلام، وهي تسمى بيْعة الشجرة، لأن الرسول r كان يجلس تحت شجرة عندما بايعه المسلمون. وكل من اشترك في هذه البيْعة ظل فخورًا بها إلى آخر أيام حياته. وظل يذكر أنه لم يتراجع واحد من الألف وخمسمئة من هذا العهد أنه إنْ قَتلَ العدوُّ سفيرَ المسلمين فسوف يحققون أحد الأمرين قبل الغسق؛ إمّا يفتحون مكة أو يُقتلون جميعا دون هدفهم في الميدان. ولم تكن البيْعة قد انتهت حتى عاد عثمان t وأبلغ الرسول r أن أهل مكة لن يتركوا المسلمين يطوفون بالكعبة حتى العام القادم، وأنهم قد عينوا مندوبين لهم لتوقيع الاتفاقية مع المسلمين.
ولم يلبث أن جاء إلى الرسول r بعد ذلك أحد زعماء مكة سُهَيْل بن عمرو، وتم تسجيل هذه المعاهدة. يستمر ذكر عثمان t وسأذكر البقية لاحقًا إن شاء الله.
أنبهكم إلى الأدعية اليوم أيضا، فادعوا الله تعالى لظروف الأحمديين في باكستان بشكل خاص إذ أنهم لم يبقوا محفوظين داخل بيوتهم وفي أماكنهم الخاصة أيضا، فإن رجال الشرطة يصلون الآن إلى حيثما يشير لهم المشايخ. يقول بعض رجال الشرطة النبلاء: نكن لكم مواساة قلبية غير أننا لا نستطيع فعل شيء تجاه ضغوط تتم ممارستها علينا فنضطر لتنفيذ ما يملي علينا ضباطنا. نجّانا الله تعالى ونجّى البلد من مثل هؤلاء الضباط سيئي الطوية، ووفق كل أحمدي للعيش في بلده محفوظًا وبكل حرية. فعليكم الاستمرار في الأدعية الخاصة، وإن استمرت هذه الأدعية فسنرى عما قريب بإذن الله تعالى أن عاقبة المعارضين ستكون مريعة. وفقنا الله تعالى للأدعية واستجاب لها أيضا. آمين.