خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 2/4/2021م
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يوْم الدِّين * إيَّاكَ نعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.
كنت أتحدث عن حضرة عثمان t قبل الخطبة الماضية وسوف أتناول اليوم أيضا ذكره. كان عثمان بن عفان t يتحلى بالعفة والحياء الشديد، ورد في الرواية عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ. (سنن ابن ماجه، كتاب المقدمة)
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ. (سنن الترمذي، كتاب المناقب عن رسول الله)
قال عثمان بن عفان t: والله ما تغنيت ولا تمنيت. يعني لم يتمنَّ الخلافة ولا منصبا أو لم يتمنَّ أمنية كاذبة.
“عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَأَرْخَى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ فَلَمَّا قَامُوا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَذِنْتَ لَهُمَا وَأَنْتَ عَلَى حَالِكَ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ أَرْخَيْتَ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَلَا أَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ وَاللَّهِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَحْيِي مِنْهُ” (مسند أحمد، كتاب باقي مسند الأنصار)
وورد في رواية أخرى أن عائشة رضي الله عنها حين سألت النبي r لماذا هذا الاهتمام لعثمان دون غيره، فقَالَ r: “أَلَا أَسْتَحْيِي مِمَّنْ تَسْتَحْيِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَحْيِي مِنْ عُثْمَانَ كَمَا تَسْتَحْيِي مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَوْ دَخَلَ وَأَنْتِ قَرِيبَةٌ مِنِّي لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَتَحَدَّثْ حَتَّى يَخْرُجَ”. (المعجم الكبير للطبراني)
ذكر المصلح الموعود t واقعة لحضرة عثمان t وهو يتحدث عن صفة الله “الكريم”، فقال: “هناك واقعة للنبي r تبين أن الكريم يُستحى منه. ورد في الحديث أَن رَسُول اللهِ r كان مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِه كَاشِفًا عَنْ بعض رجلَيه، فَاسْتَأذَنَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ. ثُمَّ اسْتَأذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَحَدَّثَ. ثُمَّ اسْتَأذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ r وَسَوَّى ثِيَابَهُ وقال: إن عثمان حيي فأستحيي أن تكون ساقَيّ مكشوفتين أمامه… (قد نقلتُ كلمات الحديث من قبل أيضا) فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ؟ فَقَالَ: أَلا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلائِكَةُ. (مسلم: كتاب الفضائل، باب من فضائل عثمان). فنرى أن النبي r قد استحى من عثمان t لأنه كان كثير الحياء. (كان عثمان يستحيي من الناس فاستحيى منه النبي r، بعد ذكر هذه الواقعة قال المصلح الموعود t) فكيف نصدق بعد ذلك أن الله الذي هو رب كريم هو نفسه قد جرّأ الناس على الذنوب؟ أرى أن قوله تعالى “رَبِّكَ الْكَرِيمِ” إنما يشير أنه كان من واجب الإنسان أن يطيع ربه الكريم على الأقل، لا أن يعصيه. (التفسير الكبير ج8، تفسير سورة الانفطار)
ورد عن تواضع عثمان t وبساطته: عَنْ عَبْدِ اللهِ الرُّومِيِّ قَالَ: “كَانَ عُثْمَانُ يَلِي وُضُوءَ اللَّيْلِ بِنَفْسِهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَمَرْتَ بَعْضَ الْخَدَمِ فَكَفَوْكَ، فَقَالَ: لا، اللَّيْلُ لَهُمْ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ.” (الطبقات الكبرى لابن سعد) أي ينبغي أن نعطي الخدم وقتا للنوم في الليل.
عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: “قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِعُثْمَانَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا عُثْمَانُ، إِنَّكَ قَدْ رَكِبْتَ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَهَابِيرَ مِنَ الْأَمْرِ (أي إنك في خطابك على المنبر قلت بعض الأمور للأمة) فَتُبْ وَلْيَتُوبُوا مَعَكَ، (أي خوّفه جدا من الله تعالى) قَالَ: فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ وقاموا بهذا الدعاء.” (الطبقات الكبرى لابن سعد) هذه كانت خشيته وخوفه من الله تعالى أنه رفع يديه للدعاء فورا ولم يخض في أي نقاش ودعا لنفسه وللأمة.
وهناك روايات عن سخاء عثمان t وكرمه وإنفاقه في سبيل الله I. قال عثمان بن عفان t بنفسه: لَقَدِ اخْتَبَأتُ عِنْدَ رَبِّي عَشْرًا: إِنِّي لَرَابِعُ أَرْبَعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا تَغَنَّيْتُ، وَلَا تَمَنَّيْتُ، وَلَا وَضَعْتُ يَمِينِي عَلَى فَرْجِي مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ r وَمَا مَرَّتْ عَلَيَّ جُمْعَةٌ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا وَأَنَا أَعْتِقُ فِيهَا رَقَبَةً إِلَّا أَلَّا يَكُونَ عِنْدِي فَأَعْتِقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ. (المعجم الكبير للطبراني)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَنَّ عُثْمَانَ أَعْتَقَ عِشْرِينَ مَمْلُوكًا وَهُوَ مَحْصُورٌ. (أسد الغابة)
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ r فِي غَزَاةٍ، فَأَصَابَ النَّاسَ جَهْدٌ حَتَّى رَأَيْتُ الْكَآبَةَ فِي وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْفَرَحَ فِي وُجُوهِ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ r قَالَ: “وَاللهِ لَا تَغِيبُ الشَّمْسُ حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللهُ بِرِزْقٍ”. فَعَلِمَ عُثْمَانُ أَنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ سَيَصْدُقَانِ، فَاشْتَرَى عُثْمَانُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ رَاحِلَةً بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الطَّعَامِ، فَوَجَّهَ إِلَى النَّبِيِّ مِنْهَا بِتِسْعَةٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ النَّبِيُّ r قَالَ: “مَا هَذَا؟”. قَالَ: أَهْدَى إِلَيْكَ عُثْمَانُ، فَعُرِفَ الْفَرَحُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ r وَالْكَآبَةُ فِي وُجُوهِ الْمُنَافِقِينَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ r قَدْ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ يَدْعُو لِعُثْمَانَ دُعَاءً مَا سَمِعْتُهُ دَعَا لِأَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ عُثْمَانَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِعُثْمَانَ. أيْ أنزل على عثمان فضلك. (مختصر تاريخ دمشق)
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ r فَرَأَى لَحْمًا فَقَالَ: ” مَنْ بَعَثَ بِهَذَا؟ “. قُلْتُ: عُثْمَانُ. قَالَتْ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو لِعُثْمَانَ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ عَنْ جَدَّتِهِ، وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَوَلَدَتْ هِلَالًا، فَفَقَدَهَا يَوْمًا فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا قَدْ وَلَدَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ غُلَامًا، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَشُقَيْقَةً سُنْبُلَانِيَّةً، وَقَالَ: هَذَا عَطَاءُ ابْنِكِ وَكِسْوَتُهُ، فَإِذَا مَرَّتْ بِهِ سَنَةٌ رَفَعْنَاهُ إِلَى مِائَةٍ ”
قَالَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعِ: انْطَلَقْتُ وَأَنَا غُلَامٌ فِي الظَّهِيرَةِ وَمَعِي طير أرسله في المسجد، والمسجد بيننا، فَإِذَا شَيْخٌ جَمِيلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ نَائِمٌ، تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ أَوْ بَعْضُ لَبِنَةٍ، فَقُمْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ أَتَعَجَّبُ مِنْ جَمَالِهِ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَقَالَ: من أنت يا غلام؟ فأخبرته، فإذا غلام نائم قريبًا منه فدعاه فَلَمْ يَجُبْهُ، فَقَالَ لِيَ: ادْعُهُ! فَدَعَوْتُهُ فَأَمَرَهُ بشيء وقال لي: أُقعد! فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَجَاءَ بِحُلَّةٍ وَجَاءَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَنَزَعَ ثُوبِي وَأَلْبَسَنِي الْحُلَّةَ؟ وَجَعَلَ الْأَلْفَ دِرْهَمٍ فِيهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي إِلَّا أَنَّهُ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ نَائِمٌ لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، قَالَ: ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ”
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ طَلْحَةَ لَقِيَ عُثْمَانَ وَهُوَ خَارِجٌ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: إِنَّ الْخَمْسِينَ أَلْفًا الَّتِي لَكَ عِنْدِي قَدْ حَصَلَتْ، فَأَرْسِلْ مَنْ يَقْبِضُهَا. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: إِنَّا قَدْ وَهَبْنَاكَهَا لِمُرُوءَتِكَ. (أي لم يأخذها منه)
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: اسْتَعْمَلَ ابْنُ عَامِرٍ قَطَنَ بْنَ عَوْفٍ الْهِلَالِيَّ عَلَى كَرْمَانَ، فَأَقْبَلَ جَيْشٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَجَرَى الْوَادِي فَقَطَعَهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ، وَخَشِيَ قَطَنٌ الْفَوْتَ فَقَالَ: مَنْ جَازَ الْوَادِي فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ. فَحَمَلُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْعُظْمِ، فَكَانَ إِذَا جَازَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ قَالَ قَطَنٌ: أَعْطُوهُ جَائِزَتَهُ. حَتَّى جَازَوْا جَمِيعًا وَأَعْطَاهُمْ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَأَبَى ابْنُ عَامِرٍ أَنْ يَحْسِبَهَا لَهُ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ أَنِ احْسِبْهَا لَهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَعَانَ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَمِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمِّيَتِ الْجَوَائِزُ لِإِجَازَةِ الْوَادِي.
ذات مرة مرض عثمان t وطُلب منه أن يعين خليفة، وقد روى هشام هذه القصة عن أبيه، فقد جاء فيها:
عن هشام عن أبيه، عن مروان بن الحكم قال: أصاب عثمان الرعاف سنة الرعاف، حتى تخلف عن الحج، وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش فقال: استخلف. (أي أنك مريض فعيِّنْ خليفة) قال: وقالوه؟ قال: نعم. قال: من هو؟ قال: فسكت. ثم دخل عليه رجل آخر وأظنه حارث. فقال مثل ما قاله الأول، ورد عليه نحو ذلك، قال: فقال عثمان: الزبير بن العوام؟ قال: نعم. قال: أما والذي نفسي بيده إن كان لأَخيّرَهم ما علمت وأحبَّهم إلى رسول الله r.
لقد نال عثمان t شرف كتابة القرآن الكريم أيضا.
عن أم كلثوم بنت ثمامة … قالت عائشة لقد رأيت رسول الله r مع عثمان في هذا البيت في ليلة قائظة والنبي r يوحي إليه جبريل وكان إذا أوحي إليه ينزل عليه ثقلة شديدة قال الله U: “إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا.” وعثمان يكتب بين يدي النبي r، يقول له اُكتبْ يا عثمانُ. تقول عائشة: وما كان لينزل تلك المنزلة من رسول الله إلا رجلا كريما.
عندما جُمعت المصاحف في عهد أبي بكر t احتفظ بها عنده. ثم انتقلت إلى عمر t، ثم انتقلت إلى حفصة رضي الله عنها، وعندما تولّى عثمان t الخلافة وصلت تلك المصاحف إليه.
فقد جاء في الرواية: إنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ، قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ، وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ العِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي القِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلاَفَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: «أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي المـَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ»، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المـَـصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: «إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ» فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المـَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ، أَنْ يُحْرَقَ.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: الْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ أَبِي بَكْرٍ وَجَمْعِ عُثْمَانَ أَنَّ جَمْعَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لِخَشْيَة أَنْ يَذْهَبَ شيء مِنَ الْقُرْآنِ بذهاب حملته لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَجْمُوعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُ فِي صَحَائِفَ مُرَتِّبًا لِآيَاتِ سُوَرِهِ عَلَى مَا وَقَّفَهُمْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمْعُ عُثْمَانَ كَانَ لَمَّا كَثُرَ الَاخْتِلَافُ فِي وُجُوهِ القراءة حتى قرأوه بِلُغَاتِهِمْ عَلَى اتِّسَاعِ اللُّغَاتِ فَأَدَّى ذَلِكَ بَعْضَهُمِ إِلَى تَخْطِئَةِ بَعْضٍ فَخَشِيَ مِنْ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَ تِلْكَ الصُّحُفَ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ مُرَتِّبًا لِسُوَرِهِ وَاقْتَصَرَ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ، وإن كان قد وُسّع فی قِرَاءَتِهِ بِلُغَةِ غَيْرِهِمْ رَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، فَرَأَى أَنَّ الْحَاجَةَ قَدِ انْتَهَتْ، فَاقْتَصَرَ عَلَى لُغَةٍ وَاحِدَةٍ.
وقال العلاَّمة القرطبي: فإن قیل: فما وجهُ جمعِ عثمان t الناسَ على مصحفه، وقد سبَقه أبو بكر إلى ذلك وفرغ منه؟ قيل له: إن عثمان t لم يقصد بما صنع جمْعَ الناس على تأليف المصحف، ألا ترى كيف أرسل إلى حفصة: أنْ أرسلي إلينا بالصحف ننسخها فی المصاحف، ثم نردّها إليك؟ وإنما فعل ذلك عثمان لأن الناس اختلفوا في القراءۃ لِتفرُّق الصحابة في البلدان واشتدّ الأمر في ذلك وعظُم اختلافُهم وتشبُّثُهم، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة t.
وقال حضرة المصلح الموعود t في تفسير قول الله تعالى في سورة الأعلى ]سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى[: والمراد من ذلك أننا سنعلّمكم كلامًا لن تنسوه إلى يوم القيامة، بل سيظل محفوظا كما هو الآن. والدليل على صدق هذه الدعوى أنّ ألدّ أعداء الإسلام أيضا يقرّون اليوم علنًا أن القرآن الكريم محفوظ اليوم تمامًا كما عرضه محمد (r). فقد اعترف “نولدكه” و”سبرنغر” و”وليام موير” في كتبهم قائلين: ليس هناك كتاب سماوي سوى القرآن نستطيع القول جزمًا ويقينًا إنه لا يزال محفوظا حتى اليوم كما قدَّمه مؤسسه. إن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يمكن لنا القول حتمًا وجزمًا إنه لا يزال محفوظا حتى اليوم كما قدّمه محمدٌ لأصحابه. هؤلاء المستشرقون لا يصدّقون أن القرآن قد أنزله الله تعالى، بل يعتقدون أنه من تأليف محمد (رسول الله r)، فلا يستطيعون القول إنه لا يزال محفوظا كما نزل من عند الله تعالى، غير أنهم يقولون حتما إن هذا الكتاب لا يزال محفوظًا في الدنيا حتى اليوم كما عرضه محمد على الناس. فقال السير وليام موير في كتابه (The Quran):
“إن كل هذه الأدلة تُقنع القلب تمامًا بأن القرآن الذي نقرأه اليوم هو بنصّه وفصِّه نفسُ ما قرأه النبي (r) على الناس”.
وقال السير وليام موير في كتاب آخر (حياة محمد): “من الممكن جدًّا أن يكون القرآن الذي بين أيدينا اليوم هو ما اخترعه محمد (r) في زمنه، وربما أحدث فيه تغييرا وتعديلا في بعض الأماكن، إلا أنه مما لا شك فيه أنه هو نفس ما أتانا به محمد”.
وقال أيضًا: “نستطيع الجزم بناءً على قياسات قوية أن كل آية في القرآن الذي بين أيدينا هي أصلية وغير محرفة كما قدمها محمد (r)”.
ثم كتب المستشرق الألماني نولدكه: “من الممكن أن يتضمن القرآن أخطاء إملائية بسيطة، ولكن فحوى المصحف الذي قدّمه عثمان (t) للعالم هو نفس ما عرضه محمد (r)، وإنْ كان ترتيبه يبدو غريبًا. لقد فشلتْ تمامًا محاولاتُ العلماء الأوروبيين في إثبات أي تحريف في القرآن فيما بعد”.
باختصار، يعترف الكتاب الأوروبيون أيضا أنْ لا مجال للشبهة في القرآن الكريم مطلقا فيما يتعلق بحفظه الظاهري، بل هو الكتاب نفسه لفظًا لفظًا، الذي قرأه محمد (رسول الله r) على الناس.
وقال حضرة الخليفة الأول t: يقول الناس أن عثمان هو جامع القرآن، ولكن قولهم باطل، وليس فيها إلا السجع. نعم لو قلنا إن عثمان رضي الله عنه هو ناشر القرآن لكان قولا سليما إلى حد ما. الواقع أن الإسلام في خلافة عثمان t كان قد انتشر إلى أمصار بعيدة، فجعل نسخًا من الصحيفة القرآنية ونشرها في مكة والمدينة والشام والبصرة والكوفة وغيرها من الأمصار. أما جمع القرآن فكان النبي r نفسه قد تولى ترتيبه كما ارتضاه الله تعالى، وقد وصلنا القرآن بنفس الترتيب المرضي عند الله تعالى، غير أن قراءته والعمل به هو مسؤوليتنا.
ويقول حضرة المصلح الموعود: في عهد عثمان t لما أصبحت المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية، اتّحدت القبائل العربية بدلاً من أن يبقى أهل مكة أو المدينة أو نجد أو الطائف أو اليمن منغلقين على أنفسهم في مناطقهم الخاصة غير مطَّلعين على لغات الآخرين وتعابيرهم، إذ صار الحكم عندها بيد أهل المدينة الذين شكّل فيها المهاجرون من مكة شريحة كبيرة، كما كان أهل المدينة أنفسهم قد تعلموا اللهجة المكيّة نتيجة صحبة المهاجرين. فلما كان زمام الحكم وتطبيق القانون والمال بيد أهل المدينة وكانوا محط أنظار الناس كلهم، فكان أهل الأمصار الأخرى كالطائف ونجد ومكة واليمن وغيرها يفدون إلى المدينة بكثرة، ويخالطون فيها الأنصار والمهاجرين ويتعلمون منهم الدين، فأخذت اللغة العلمية للقوم كلهم تتوحد.
ثم إن بعضهم كانوا قد استقروا في المدينة، فصارت لغتهم حجازية تماما. وحين كان هؤلاء يرجعون إلى بلادهم علماءَ وأساتذةً فلا بدّ أن يكون لهم تأثير على أهالي أمصارهم.
كما أن الحروب أتاحت للقبائل العربية فرصة العيش معًا، ولأن القادة كانوا من أكابر الصحابة فكانت صحبتهم ورغبة الناس بتقليدهم عاملا كبيرًا على توحيد اللغة. فرغم أن أهل القبائل المختلفة كانوا يجدون في البداية صعوبة في فهم لغة القرآن الكريم، إلا أن المدينة لما أصبحت مركزا للعرب بحكم كونها عاصمة للدولة، وأخذت شتى القبائل والشعوب يفدون إليها تباعا وبكثرة، فلم يكن هناك مجال لهذا الاختلاف في اللهجات، لأن كل المسلمين ذوي المزاج العلمي صاروا ملمّين بلغة القرآن تماما. فلما وقف الناس على لغة القرآن حقَّ الوقوف، أمر عثمانُ رضي الله عنه بالاكتفاء بقراءته بلهجةِ الحجاز دون اللهجات الأخرى. وكان قراره هذا يعني أن الناس قد بدءوا يفهمون اللهجة الحجازية عموما، فلا مبرر للسماح لهم بقراءته بلهجات بديلة.
والشيعة الذين يخالفون أهل السنة يقولون بسبب هذا القرار العثماني أن المصحف الحالي هو مصحف عثمان. والحق أنه اعتراض باطل كليًّا. الواقع أنه في عهد عثمان t كان قد مضى على اختلاط العرب زمن طويل، فكانوا قد اطلعوا على الفروق الموجودة في لهجاتهم اطلاعا كاملا نتيجة الاختلاط، فلم يبق هناك حاجة للسماح لهم بقراءة القرآن بقراءات أخرى.
هذا السماح لم يكن إلا مؤقتًا، حيث كان الإسلام في بدايته، وكانت هناك قبائل وشعوب مختلفة، وكانت الفروق البسيطة بين اللهجات تؤدي إلى قلب بعض المعاني، ودفعًا لهذا اللبس سُمح للناس بقراءة بعض الكلمات الرائجة في لغة قبائلهم مكان كلمات الوحي الأصلي للقرآن، لكي لا يكون هناك عائق في فهم أحكامه والعمل بتعاليمه، ولكي يفهم أحكامَه كلُّ ذي لهجة بلهجته ويقرأها أيضا بلهجته. فلما انقضت عشرون سنة على هذا السماح، وانقلب الزمان وتغيرت أوضاع الشعوب، والعرب الذين كانوا قبائل متفرقة أصبحوا أمةً قوية حاكمة تدير النظام وتنفذ القانون وتنشر التعليم وتقسم المناصب وتقيم الحدود والقصاص، لم يجد الناس صعوبة في فهم لغة القرآن الأصلية، وعندها ألغى عثمان t هذا السماح الذي كان مؤقتا، وهكذا كانت مشيئة الله أيضا. ولكن الشيعة يرون أن أكبر جرائم عثمان t أنه ألغى القراءات المختلفة، وأبقى على قراءة واحدة. مع أنهم لو فكّروا لأدركوا بسهولة أن الله تعالى لم يأذن بقراءة القرآن بقراءات مختلفة إلا في فترة الإسلام الثانية لا في الفترة الأولى المكية. وهذا يوضح بجلاء أن القرآن وإن كان قد نزل بلغة الحجاز فإن فرق القراءات قد حصل بإسلام القبائل الأخرى؛ إذ كان بين قبيلة وأخرى اختلاف في نطق بعض الحروف أو في معاني بعض الكلمات، فسمح النبي r بإذن رباني لهؤلاء القبائل باستبدال هذه الكلمات أو نطقها، ولكن هذا لم يكن يغيّر معاني الآيات ومفاهيمها، بل لولا هذا الإذن لتغيرت معانيها.
والدليل على ذلك أن النبي r علّم عبد الله بن مسعود سورة بطريقة وأقرأَها عُمَرَ بطريقة أُخرى، لأن عمر كان من الحضر، وعبد الله بن مسعود راعٍ وكثير الاختلاط بالبدو، وبين لهجتَي الفريقين فرق كبير. وذات يوم كان عبد الله بن مسعود يقرأ تلك السورة، فمر به عمر فوجده يقرؤها بشيء من الاختلاف عن قراءته، فتعجّب عمر وقال إنه يغيّر بعض الكلمات، فلَبَّبَه بردائه وقال تعال أعرضك على رسول الله r، لأنك تقرؤها على خلاف ما هي. فانطلق به يقوده إلى النبي r وقال: يا رسول الله إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأها عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا.
فَقَالَ r لعبد الله بن مسعود: كيف تقرؤها؟ فأخذ يرتجف خوفا، ظنا منه أنه قد أخطأ، فهدّأ النبي r من روعه وقال: اقرأ. فَقَرَأَ. فقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَالَ لِي اقْرَأْ، فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فلا تختصموا على هذه الأمور البسيطة.
وليس سبب هذا الفرق إلا أن النبي r فكر أن عبد الله بن مسعود راعٍ، ولهجته مختلفة عن لهجة أهل الحضر، فعلّمه قراءةً تتفق مع لهجته، وأما عمر فهو من الحضر فعلّمه السورة باللهجة المكية الأصلية التي نزل بها القرآن. فقد سمح النبي r لعبد الله بن مسعود t بقراءة تلك السورة في لهجته وأقرأها عمر t بلغة الحضر.
هذه هي الفروق البسيطة التي ظهرت بسبب القراءات، ولكن هذا لم يغير من فحوى القرآن شيئًا، وكل عاقل يدرك أن هذا نتيجة حتمية للتمدن والتعليم وفروق اللهجات.
ثم يقول حضرته: لما تغيرت حالة القبائل نتيجة التمدن والحُكم، وصار العرب كلهم أمة واحدة، وتوحدت لغتهم حيث فهموا القراءة الحجازية تمامًا ارتأى سيدنا عثمان t -وكان مصيبا في رأيه كل الصواب- أن السماح بالقراءات المختلفة سيؤدي إلى الاختلاف، فألغى استعمال هذه القراءات استعمالا عاما ولم ير بأسًا في بقائها محفوظةً في الكتب. فبِنِيَّةٍ حسنة منع عثمان t من استخدام القراءات المختلفة، وجمعًا للعرب والعجم على قراءة واحدة، أجاز تداوُلَ المصاحف المطابقة للقراءة الأصلية الأولى للقرآن أعني القراءة الحجازية.
لقد بقي شيء قليل من ذكر عثمان وسأتناوله لاحقًا إن شاء الله.
أذكركم اليوم أيضا بالدعاء للأحمديين في باكستان والجزائر بل وللأحمديين في العالم كله حيثما يتعرضون للمشاكل والصعاب، بأن يزيلها الله تعالى. وبسبب القانون السائد في باكستان ضد الأحمديين تثار مشاكل شتى في أوقات مختلفة ولم يعودوا ينعمون بالحرية. كذلك الأمر في الجزائر حيث يثير المسؤولون الحكوميون المشاكل بين حين وآخر. خلّص الله تعالى الأحمديين من كل هذه المشاكل، آمين.
بعد صلاة الجمعة سوف أقوم بإطلاق موقع على شبكة الإنترنت، وهو موقع للمكتب الصيني وتم تصميمه بتعاون من إدارة تقنية المعلومات المركزية للجماعة وسيتيح هذا الموقع فرصة لتوفير المعلومات التفصيلية عن الأحمدية أي الإسلام الحقيقي باللغة الصينية. ويمكن زيارة هذا الموقع من صفحة الموقع المركزي للجماعة وبشكل منفصل أيضا. ولقد أدخلت فيه المواد تحت عناوين شتى، فأضيف إليه الطبعة الجديدة لترجمة معاني القرآن باللغة الصينية، كما أضيفت 23 كتابًا وكتيبًا أخرى. وتحت عنوان الأسئلة والأجوبة أضيفت ردود على شتى الأسئلة، وتحت عنوان المسيح الموعود u أضيفت نبذة تعريفية لحضرته u ولخلفائه. وعلى الصفحة الرئيسية أضيفت روابط ستة مواقع هامة للجماعة، بالإضافة إلى ذلك، تم تقديم تفاصيل الهاتف والفاكس والبريد الإلكتروني وما إلى ذلك. ندعو الله تعالى أن يكون هذا الموقع موجبًا لهداية الشعب الصيني وأن تُفتح قلوبهم للإسلام والأحمدية.
علاوة على هذا، سأصلي صلاة الغائب على بعض المرحومين، وأولهم داعية الجماعة السيد يونس خالد الذي توفي في 15 مارس الفائت إثر صدمة قلبية عن عمر يناهز 67 عامًا. إنا لله وإنا إليه راجعون.
كان جد المرحوم محمد يونس خالد حضرة ميان مراد بخش وأخوه الحاج أحمد من صحابة المسيح الموعود u، وكان الحاج أحمد أحد الستة من الوفد الذي توجه مشيًا على الأقدام من “بريم كوت” محافظة حافظ آباد إلى قاديان، فبايع المسيح الموعود u وطلب منه تبرك الماء فأعطاه حضرته u.
لقد درس السيد يونس خالد إلى الثانوية في ربوة ثم سجل في الجامعة الأحمدية، وخلال دراسته في الجامعة الأحمدية نال شهادة في العلوم الشرقية أيضا. كان بفضل الله منضمًّا إلى نظام الوصية.
لقد تخرج من الجماعة الأحمدية في عام 1980، ثم وفق لخدمة الجماعة قرابة 40 عاما في أماكن مختلفة بباكستان وفي بلاد أخرى في إفريقيا أيضا.
ترك خلفه زوجته مريم صديقة وابنًا واحدًا وهو السيد عتيق أحمد مبشر وهو داعية الجماعة أيضا.
يقول عتيق أحمد مبشر: كان والدي عالمـًا وصالحًا، وكان يقول لي: يعاملني الله تعالى كما كان يعامل الخليفة الأول للمسيح الموعود u بحيث كلما كانت لي حاجة حققها الله تعالى بفضله، ولقد لاحظت تحقق قوله هذا بأم عيني عدة مرات.
ثم يقول ابنه وهو ينقل عن السيد رانا مبارك أحمد -الذي كان رئيسًا في أحد فروع الجماعة في لاهور- أنه كلما بلغناه عن إنجاز أمر من أمور الجماعة كان يخرج فورًا لإتمامه ولم يكن ينتبه أحيانًا بأنه لبس حذاءه أم لا. أي كان يخرج بسرعة فائقة لذلك العمل.
كان سبّاقًا في المساهمة في التضحية المالية ويقول أمير الجماعة في “هري بور هزاره”: كان السيد الداعية مثالا في التبرعات لأفراد الجماعة في منطقة “تربيلا” كلها. كان إلى جانب ذلك يؤدي بانتظام تبرعات من طرف بعض الصلحاء المتوفِّين من عائلته.
ويقول عديلُه: كان مهتمًّا كثيرًا بأداء التبرعات ولاسيما تبرع الوصية. كان كثير الدعاء ويتسم بالبساطة والدروشة. كان يبحث عن الفقراء ويقدم لهم مساعدة مالية في الخفاء. وكان قد اعتاد على تجهيز بعض بنات الفقراء من الأقارب عند زواجهن. كان أقاربه يقولون عند وفاته بأنهم حُرموا من مخلص ومساعد ومحب لهم ومشفق عليهم. غفر له الله تعالى ورحمه.
الجنازة التالية هي للدكتور “نظام الدين بدهن” من ساحل العاج الذي توفي في 15 مارس الفائت عن عمر يناهز 73 عامًا. إنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد تلقى الدراسة الابتدائية في موريشيوس. ثم أعطاه الخليفة الثالث رحمه الله منحة دراسية في عام 1968 فجاء إلى باكستان ونال شهادة الثانوية العامة الفرع العلمي من كلية تعليم الإسلام، ثم سجل في كلية الطب ونال شهادة ايم بي بي ايس. في عام 1978 عيَّنه سيدنا الخليفة الثالث للمسيح الموعود u مديرا للعيادة الطبية للجماعة في نيجيريا، فخدم الجماعة هناك حتى عام 1984. حين سافر سيدنا الخليفة الثالث رحمه الله إلى غانا في جولة في عام 1980 تشرف بزيارته وفدٌ من الجماعة الأحمدية في ساحل العاج وطلب من حضرته أن يفتتح المستشفى في بلدهم بساحل العاج أيضا كما في غانا. فوافق حضرته على هذا الطلب، وبدأت الإجراءات. وصل الدكتور المرحوم في 18/3/1983 من لاغوس إلى ساحل العاج وقابل هناك المسئولين في وزارة الصحة، فلما كان المرحوم يعرف اللغة الفرنسية وكانت حاجة أن يعيَّن هناك طبيب يعرف الفرنسية لذا نُقل من نيجيريا إلى هناك. وحصل على الموافقة على فتح العيادة الأحمدية، ثم خدم الجماعة هناك في هذا المجال منذ 1984 إلى الوفاة. كان بفضل الله موصيا، زوجتُه أيضا متوفاة، وله ابن اسمه بشير الدين محمود بُدهن، وابنةٌ اسمها ناشمية عائشة مباركة. وفقهما الله أيضا للتمسك بالجماعة والخلافة.
يقول السيد عبد القيوم باشا الداعية المسئول في ساحل العاج: لقد خدم المرحوم بصفته مسئولا طبيا في العيادة الأحمدية في أبيدجان لمدة 36 سنة تقريبا. كان المرحوم طبيبا جيدا وإنسانا طيبا وعضوا متميزا في أفراد الجماعة في ساحل العاج، كانت لي معاملة معه لمدة 18 عاما تقريبا، فوجدته إنسانا طيبا من كل النواحي. كان يساعد الجميع ويرشد الجميع في إنجاز أعمال الجماعة، وكان مضيافا وخلوقا وعذب الحديث وأنيق الملبس، فقد خدم الجماعة أيضا في عدة مناصب مختلفة. وكان كريما ويتعامل مع الأولاد حيث كان يحفظ عنده في العيادة بعض الأشياء من الألعاب والسكاكر وغيرها ليُهديها للأولاد المرضى، كما كان يساعد كثيرا الطلابَ المقيمين في مركز الجماعة وكذلك العائلاتِ الأحمدية الفقيرة.
يقول داعية هناك: لاحظت أن المرحوم حين لم يكن لديه أي مريض في العيادة كان يشتغل في تعليم أي خادم أو ناصر وتربيته. إذ لم يكن يجلس فارغا إن لم يكن هناك مريض، بل كان يشغل نفسه في خدمة الجماعة بأي شكل كان. فكان يترجم في مثل هذه الأوقات ملفوظات المسيح الموعود u أو خطبة الجمعة إلى الفرنسية، ثم يرسل نُسَخ تلك الترجمة إلى أبناء الجماعة. فكان مستعدا لخدمة الجماعة كل حين وآن، وكان يشتري الأدوية من جيبه لبعض المرضى الفقراء، كما كان يقدم للفقراء المئونة أيضا مثل الأرز والزيت وغيرهما من الحاجات اليومية، غفر الله له وتغمده بواسع رحمته.
الجنازة التالية للسيدة سلمى بيغم زوجة الدكتور المرحوم راجة نصير أحمد ظفر التي توفيت في الرابع والعشرين من يناير عن عمر يناهز 85 سنة. إنا لله وإنا إليه راجعون. كان والدها راجه فضل داد خان بفضل الله I أول أحمدي في عائلته. لقد كتب أولادُها أن صلاتها الطويلة كانت تذكر مَثلا في العائلة كلها، كانت خلوقة ولطيفة وخادمة وتقية ووفية وخفيفة الظل ورحيبة الصدر وذات سلوك حسن ووقورة وكثيرة الدعاء وصبورة وشكورة وقنوعة ومتوكلة على الله. كانت بفضل الله موصية، تركت خلفها ابنين وثلاث بنات، رحمها الله وغفر لها.
الجنازة التالية للسيدة كشور تنوير أرشد زوجة السيد عبد الباقي أرشد رئيس الشركة الإسلامية في بريطانيا التي توفيت في 27 فبراير عن عمر يناهز 87 سنة، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد قاومت المرض بشجاعة وهمة في السن المتأخر، ولبت نداء ربها الحبيب راضية برضا الله. تركت خلفها ابنين وبنتين وعددا من الأحفاد والحفيدات. أحد أصهارها السيد نصير دين الذي يخدم الجماعة بصفته نائبا لأمير الجماعة في بريطانيا. ابنها السيد نبيل أرشد وُفق لخدمة سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله وأنا أيضا كلما دعوته حضر فورا. فقد ربَّت المرحومة أولادها تربية رائعة، لها خصال حميدة لا حصر لها، فكانت ظريفة جدا ومدبرة، وسيدة صالحة مخلصة تحافظ على الصلاة والصوم وتسارع في أداء التبرعات وكانت تتبرع بكل سخاء. يقول الأستاد عبد الباقي أرشد أن المرحومة أقامت في لندن طويلا، وحين هاجر سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله إلى هنا ظلت المرحومة تتعاون معي دوما في إنجاز شتى أعمال الجماعة، وكانت تعطي الأولوية لخدمة الجماعة دوما، فجعلتْ بيتها هادئا ونظيرا للجنَّة. كان سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله يقول هذا البيت في نظري مثالي من حيث السكينة والهدوء. تقول ابنة المرحومة أنها كانت دوما تشكر الله في كل حال، فقد رضيتْ في السراء والضراء بما قدَّر الله لها وقضاه، ولم تشتكِ قط. فقد أقامت في السعودية أيضا، وكانت تخدم كثيرا الحجاج والمعتمرين الأحمديين، غفر الله لها وتغمدها بواسع رحمته.
الجنازة التالية للسيد عبد الرحمن حسين محمد خير من السودان، فقد توفي في 24 ديسمبر عن عمر يناهز 56 سنة، إنا لله وإنا إليه راجعون. لم يكن المرحوم قبل الانضمام إلى الجماعة الأحمدية في أي فرقة إسلامية، بل كان يشك في بعض المعتقدات مثل الناسخ والمنسوخ والجنّ وغير ذلك، كان أخوه الأكبر يعمل في السعودية، وهناك تعرَّف إلى الأحمدية، فتكلم مع المرحوم عنها. وكان ذلك في عام 2007، فلما سمع المرحوم عن الأحمدية من أخيه، تلهف لمشاهدة قناة أيم تي إيه وفي تلك الأيام كان تلقِّي برامج أيم تي إيه في تلك المنطقة صعبا نوعا ما، فأنفق الكثير لتركيب الصحون المختلفة وأخيرا نجح في استقبال برامج ايم تي ايه. وبعده كانت عادته اليومية أن يشاهد القناة معظم الأوقات بعد العودة إلى البيت من العمل، وأخيرا حين اقتنع قلبه واطمأن بايع في عام 2010. وبعد البيعة نشر الدعوة بين أقاربه ومعارفه. من أبرز خصاله الحميدة التواضع والحلم وإكرام الضيف والاعتناء بالفقراء وحسن المعاملة. لقد أدى دورا مهما في تأسيس فرع الجماعة في السودان في 2013، وقد أنفق الكثير في سبيل ذلك بكل سخاء. كان المرحوم يساعد بأمواله كثيرا من أبناء الجماعة الفقراء. حين تعرَّض الأحمديون من قبيلة فقيرة في إحدى المناطق في السودان لاضطهاد سكانها، قدم لهم المرحوم مساعدة مالية بسخاء، وسد حاجاتهم. في كل يوم جمعة كان يُحضر بسيارته الأحمديين من شتى المناطق إلى مركز الجماعة لأداء صلاة الجمعة، ويعيدهم إلى بيوتهم بعد الصلاة. كان الإخوة من غير الأحمديين أيضا يمدحون أخلاقه، كان يدفع تبرعاته بانتظام وبكثرة. كان عضوا في أول هيئة إدارية للجماعة في السودان، وأنجز مسئوليته إلى آخر الحياة. ترك خلفه زوجته وابنين وبنتين. عزز الله علاقتهم أيضا بالجماعة والخلافة وغفر للمرحوم وتغمده بواسع رحمته. آمين.
سأصلي على كل هؤلاء المرحومين جنازة الغائب كما قلت بعد الصلاة.