خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 24/4/2020
في مسجد المبارك في إسلام آباد ببريطانيا
******
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. ]بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ[، آمين.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ (البقرة 184-186)
قدّم حضرته الترجمة الأردية لهذه الآيات ثم قال:
سيبدأ هنا رمضان غدا بفضل الله تعالى، وقد كتب الله صيام رمضان لرقينا الروحاني، والآية الأولى التي تلوتها قال الله تعالى فيها بأن الصيام كُتب عليكم لعلكم تتقون. وما هي التقوى؟ قال المسيح الموعود u في شرحها: “المراد من التقوى أن يراعي الإنسان جميع أمانات الله والعهود الإيمانية، ويراعي أيضا جميع أمانات المخلوق والعهود بقدر استطاعته، أي يلتزم بأدق جوانبها بكل ما في وسعه.” (البراهين الأحمدية، الجزء الخامس)
أي يجب على الإنسان أن يؤدي الأمانات والعهود مراعيا أدق جوانبها ويلتزم بها، وليس ذلك سهلا. ما هي حقوق الله وحقوق العباد؟ لو وضْع الإنسانُ فهرسٍ لها لأصابه القلق. إننا لا نستطيع أن نؤدي حق عبادة الله، ومن حق الله تعالى أن نشكره نظرا إلى مننه تعالى علينا، ولا نؤدي حق شكره ولا نستطيع أن نؤدّيه. إنّ معظم الناس يتمتعون بنِعَم الله تعالى دون أن يشكروه عليها مع أن ذلك واجب. وهذه أيضا منة الله تعالى أنه يُكرمنا بنِعمه بالرغم من حالتنا وعدم شكرنا. ثم إننا لا نفي بالعهود التي قطعناها مع الله تعالى، كما أننا لا نؤدي حقوق خَلقه وحقوق الوالدَين وحقوق الجيران وحقوق أبناء السبيل وحقوق المجتمع بصفة عامة مع أننا مأمورون بأدائها. فإذا استعرضنا بشكل دقيق، تبين لنا أننا لا نؤدي حقوق الله تعالى ولا حقوق العباد. كنتُ قد طلبتُ وضْع فهرس لحقوق العباد وحقوق خلق الله تعالى التي لا تتضمن إلا الحقوق الكبيرة فصار عددها ثمانية وعشرين أو تسعة وعشرين. باختصار، قال المسيح الموعود u أصل الإيمان ومقتضى التقوى أن تؤدوا بدقةٍ العهودَ التي قطعتموها مع الله تعالى وتؤدوا حق الأمانات، وتوفوا بعهودكم مع الخلق أيضا بدقة وأدّوا لهم أماناتهم باهتمام؛ حينها يمكن القول بأنكم متّقون.
ويقول الله تعالى قد جاءكم شهر رمضان ووُجّهتم إلى صيامه لكي تسدّوا النقائص-التي حدثت في أداء هذه الحقوق خلال أحد عشر شهرا من السنة-متوجهين إلى الله في هذا الشهر وتاركين الأشياء المباحة لوجه الله تعالى ومتحملين الجوع والعطش لوجه الله وملتزمين بعبادته تعالى أكثر من ذي قبل ومهتمين بأداء حقوق العباد بوجه خاص. وإذا فعلتم ذلك تحليتم بالتقوى، وهي الغاية من رمضان والصيام. وإذا صام الإنسان بهذه النية لنيل هذا الهدف وقضى رمضان بِنيّة حسنة فلن يكون هذا التغير مؤقتا بل سيكون دائما، وستتوجهون إلى أداء حقوق الله وإلى أداء حق العبادات بشكل دائم ولن تغلبكم أشغالُ الدنيا ولغْوها، وستنتبهون عموما إلى أداء حقوق الناس أيضا، ولن تكونوا ممن يغتصبون حقوق الآخرين لمصالحهم الشخصية. وإذا لم ندخل رمضان بهذه النية وبهذا العزم فدخولنا رمضانَ عبث لا جدوى منه.
قال النبي r في مناسبة: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا. (صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير) الفترة بين خريف إلى خريف آخر هي سنة كاملة وهذا يعني أن الله تعالى يُبعّد بينه وبين النار ما يوازي سبعين سنة. هذه هي بركات رمضان، وهذه هي التقوى التي يُنشئها الصيام. لا يُنشئ الصيامُ التقوى لثلاثين يوما فقط، بل للصيام الحقيقي، ولو ليومٍ واحد، تأثير إلى سبعين سنة. وإذا نظرنا بهذا الحساب وبتلك المعاني نجد أنه منذ وجوب الصيام على كل مسلمٍ بالغٍ الرشدَ فإنه يستفيد من الصيام استفادة حقيقية ويصوم مستوعبا الروح الحقيقية للصيام ويستفيدُ طوال حياته من البركات التي وضعها الله تعالى في الصيام ويتحرى سبل التقوى التي هي الغاية من الصيام، وهكذا سينجو من غضب الله تعالى وينال رضاه. تصوروا كم سيكون مجتمعنا مجتمعاً رائعاً لو كان فيه مثل هؤلاء الصائمين الذين يؤدون حقوق الله تعالى وحقوق العباد، وهذا هو المجتمع المثاليّ الذي يتمنى كلّ مؤمن إنشاءه، بل يسعى كل إنسان أن يُنشئ مجتمعاً كهذا. أما الحقوق فكل إنسان يريدها لنفسه بغض النظر عن عدم اهتمامه لحقوق الآخرين، ولكن الإسلام يقول إنه يجب أن تُنشئوا مثل هذا المجتمع للآخرين أيضا ولا تنظروا إلى مصالحكم أنتم فقط ولا تحافظوا على حقوقكم فقط، بل عليكم أن تراعوا حقوق الآخرين أيضا وتهتموا بها.
أما وباء الكورونا المتفشي في هذه الأيام فإنه قد حصَر معظمَ الناس في بيوتهم بقوة القانون، وهنا نشأ شيء جميل في الجماعة، وتوجّه إلى ذلك بعض الناس الآخرين أيضا، ولكن جماعتنا توجّهت إلى ذلك بشكل خاص، وهو أن خدام الأحمدية في جميع بلدان العالم يوصلون المساعدات والطعام والأدوية والأشياء الأخرى إلى الناس حيثما دعت الحاجة، وهذا هو النموذج الأمثل لأداء الحقوق والذي يستفيد منه أفراد الجماعة كما يستفيد منه الآخرون أيضا ويتأثرون به. هذا هو التوجه، أعني التوجه إلى خدمة الخلق، والذي قد تَولد في هذه الأيام فإنه يجب أن يبقى فينا دائما، وليس بشكل طارئ وعابر فقط. على كل حال، هناك فوائد أخرى لهذا الحجر المنزلي، ويكتب الإخوة قائلين إن بيوتنا سادها جو طيب، لقد جلسنا في البيوت منعزلين، وصرنا نؤدي الصلوات في جماعة، وتُلقى بعدها دروس دينية قصيرة، ونستمع معًا لخطب الجمعة ونشاهد برامج أخرى على قناة ايم تي اي. لو طال هذا الحجر المنزلي أكثر واستمر في رمضان أيضا، ففي هذه الحالة يجب على أبناء الجماعة أن يسعوا لأداء الصلوات جماعة وإلقاء الدروس في البيوت باهتمام أكثر من ذي قبل. علِّموا الصغار مسائل دينية بسيطة، وكما قلت من قبل في إحدى الخطب: يجب أن تزيدوا على هذا النحو علمكم وعلم الأولاد أيضا، وأن تهتموا بالدعاء خاصة، واسألوا الله رحمته لكم ولسائر أهل الدنيا. هذه الأيام التي هيأها الله لنا بنبغي اغتنامها إلى أقصى الحدود. وكما قلت من قبل، يجب الاهتمام بتحسين هذا الجو الطيب الذي خلقه هذا الوباء في بيوتنا عموما، وليس أن تكون بيوتنا كبيوت أهل الدنيا التي يقال عنها أن حالات الخصام والفساد والقلق والاضطراب قد ارتفعت فيها في هذه الأيام بصفة عامة. كلا، بل يجب أن تتحسن أجواؤنا في هذا المناخ الطيب بسبب الخير الذي نُدعى إليه. أحياناً لا يكون الرجال جزءًا فعالا من هذا الجو الديني الذي بدأ يتولد في البيوت، وفي بعض الأحيان تكون للنساء أيضا أولويات أخرى. إن هؤلاء لا يدركون مطلقا مدى ضرورة الإنابة إلى الله تعالى وكسب رضاه في هذه الأيام، كما لا يعلمون أن هذا هو الوقت الذي يمكن فيه تقريب الأولاد إلى الله تعالى أكثر فأكثر. فهناك حاجة ماسة في هذه الأيام إلى أن يهتم كل بيت أحمدي بهذا الأمر اهتماما كبيرا، لكي نجذب محبة الله أكثر فأكثر، وتكون عاقبتنا حسنى. وفقنا الله تعالى لإدراك حقيقة التقوى والتحلي بها.
لقد وضّح سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام دقائق التقوى بطرق شتى وفي مناسبات مختلفة. إن حضرته عليه السلام هو الحصن الحصين والملاذ المنيع في هذا العصر، وقد وضح لنا تعاليم الإسلام الحقيقية بعد أن أرشده الله إليها، وحثّنا بكل حرقة ولوعة على الدخول في هذا الملاذ بعد أن دلّنا على السبيل الذي دعا اللهُ ورسوله إليه. فمن واجبنا الوفاء بعهدنا الذي عاهدناه عليه عند انضمامنا إلى جماعته وهو بأننا سنصغي إلى كلامه ونعمل به. علينا أن نتدبر في كلماته المليئة بالحرقة والألم ونعمل بها، لكي نتمكن من الوفاء بعهدنا، ولنكون من الذين لهم العاقبة الحُسنى في الدنيا والآخرة.
سوف أقرأ على مسامعكم الآن مقتبساتٍ من كلمات سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام التي ألقاها أمام أبناء الجماعة في مختلف المجالس من أجل رقينا في الروحانية والتقوى. لقد قال عليه السلام في مجلس وهو يبين ماهية التقوى وكيف تُنال: لا بد للمرء أن يدرك أولاً ما هي التقوى وكيف تُنال؟ المراد من التقوى أن يجتنب المرء حتى أدنى أنواع الرجس. والسبيل لذلك هو أن يتخذ التدبير بصورة كاملة لكيلا يقترب من حافة الإثم، ثم يجب ألا يكتفي بالتدبير، بل عليه أن يدعو الله تعالى حق الدعاء حتى يذوب حرقةً. عليه أن يكون دائم التفكير والدعاء، في قعوده وسجوده وركوعه وقيامه وفي صلاة التهجد وفي كل حالة وآن أن ينجيه الله تعالى من خبث المعصية.
ثم يقول عليه السلام: ليس هناك نعمة أكبر من أن يصبح الإنسان محفوظا ومعصوما من الإثم والمعصية، وأن يُعَدّ من المتقين والصادقين عند الله تعالى.
ثم يقول عليه السلام: ولكن هذه النعمة لا تُنال بالتدبير وحده ولا بالدعاء وحده، وإنما تنال نتيجة الاتحاد الكامل بين الدعاء والتدبير، أي ما لم تقوموا بالتدبير والدعاء معاً بصورة كاملة لن تنالوا هذه النعمة. إن الذي يدعو فقط، ولا يتخذ التدبير فإنه يرتكب الإثم ويختبر اللهَ تعالى. كذلك من اتخذ التدبير فقط، ولم يقم بالدعاء، فإنه متجاسر، وكأنه يستغني عن الله تعالى ويريد أن ينال البر بأسلوبه وبتدبيره وقوة يده. إن الخيرات لا تُنال بقوة اليد.
ثم قال عليه السلام: أما المؤمن والمسلم الصادق فدأبه اتخاذ التدبير والدعاء معًا. إنه يتخذ التدبير بشكل كامل، ويأخذ بالأسباب المادية كما ينبغي، ثم يفوض الأمر إلى الله تعالى ويدعوه. وهذا هو التعليم الذي عُلّمناه في أول سورة في القرآن الكريم في قول الله تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين). إن الذي لا يستعمل قواه فإنه لا يضيعها وينتهك حرمتها فقط، بل يرتكب الإثم أيضا.
ثم فصّل المسيح الموعود عليه السلام الأمرَ وقال: إن المؤمن الصادق يستعمل كل ما أعطاه الله من قوى وكفاءات استعمالا كاملا، ثم يفوض النتيجة إلى الله تعالى، قائلا: ربِّ ها قد بذلت أقصى جهدي بحسب ما آتيتني من التوفيق. هذا هو المراد من قوله تعالى (إياك نعبد). ثم يقول المؤمن: (وإياك نستعين)، ويطلبُ عونه فيما تبقى من المراحل.
ولكن يجب أن نضع في الحسبان دوما أن الله تعالى يعلم بما في صدرونا وبجميع أعمالنا، لذا على المرء أن يبذل أقصى ما في وسعه وتوفيقه، ثم بعدها يمكنه أن يستعين بالله تعالى. لذلك فإنّ ثمة حاجة ماسة لفحص أنفسنا جيدا بهذا الصدد أيضا، لنرى ما إذا كنا نعمل بتقوى الله أم لا؟
ثم قال عليه السلام: لا شك أن الإنسان ينتفع من التدبير، ولكن الاعتماد الكلي على التدبير هو منتهى الغباء والجهالة. لا جدوى من التدبير إذا لم يكن مقرونا بالدعاء، ولا فائدة من الدعاء ما لم يكن معه التدبير. لا بد أولاً من إغلاق النافذة التي تدخل منها المعصية. (أي المنفذ الذي يدخل منه الإثم والأمر الذي يتسبب في الذنب والمعصية والابتعاد عن الدين، فلا بد من إغلاقه وإزالته أولا)، ثم على المرء ألا يبرح في الدعاء للنجاة من جذبات النفس، ومن أجل ذلك قال الله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)
ثم قال عليه السلام: كم حثنا الله تعالى هنا على اتخاذ التدبير. لكن على المرء ألا ينسى الله تعالى عند اتخاذ التدبير أيضا. ومن جانب آخر قال الله تعالى (ادعوني أستجب لكم). فإذا أراد الإنسان الحصول على التقوى الكاملة فعليه اللجوء إلى التدبير والدعاء كما ينبغي، وعندها سوف يشمله الله برحمته، ولكنه لو اتخذ أحدهما دون الآخر فسوف يظل محروما.
ثم يقول المسيح الموعود u شارحا الموضوع أكثر: الإنسان يتمسك بالتقوى نتيجة المجاهدة والدعاء. إن تقوى الله أصل كل عمل. فيقول u إن الإنسان يثبت على التقوى بهذه الطريقة. فما هي تلك الطريقة يا تُرى؟ ألا إنها المجاهدة والدعاء. وإن تقوى الله أصل كل عمل. مَن كان محروما من التقوى فهو فاسق. بالتقوى تنشأ الزينة في الأعمال، وبسببها ينال المرء قرب الله، وبواسطتها يصبح وليا لله تعالى. يقول U: ]إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ[
ويقول المسيح الموعود u موضحا هذه الآية: التقوى وحدها جزء من الولاية. فاقضوا حياتكم خائفين خاشعين لله تعالى، فلو نلتم هذه الدرجة لوصلتم إلى الكمال.
عندما لا تبقى مرحلة للتقوى الكاملة إلا وقد عبرها المرء فإنه حينها يدخل في أولياء الله. والتقوى في مرتبتها الكاملة نوع من الموت. نعم، التقوى في مرحلتها الكاملة تمثّل موتا، لأنك عندما تخالفُ النفس من جميع الجوانب تموت النفس، لذلك قيل: موتوا قبل أن تموتوا. النفس تحب الملذات الظاهرية وتكون غافلةً تماما عن المتعة الباطنية. (أي أن النفس لا تدرك المتعة الروحانية والباطنية، بل تميل إلى مغريات الدنيا الظاهرية وترغب فيها وحدها)
يقول u: لقد قال الله تعالى لتنبيه النفس إنه من الضروري أن يحلّ الموتُ على الملذات الظاهرية وأن تكون النفس على علم بالـمُتَع الباطنية؛ عندها ستنشأ المتعة الربانية التي هي نموذج حياة الجنة. (عندما تبدأ النفس بالعثور على المتعة الباطنية تبدأ حياة الجنة)
ثم قال حضرته u ناصحا جماعته بقوله: يجب على أفراد جماعتنا أن يورِدوا الموتَ على النفس. (هذه النصيحة ليست موجهة إلى أولياء الله أو الصلحاء الكبار فقط، بل هي موجهة إلى عامة أفراد الجماعة أيضا. فلا يظنن أحد أن الإنسان بحاجة إلى الوصول إلى مكانة معينة قبل تحقيق هذا الهدف، بل قدم u هذه النصيحة لأفراد الجماعة بوجه عام، فقال: يجب على أفراد جماعتنا أن يوردوا موتا على النفس ويجاهدوا أولا للحصول على التقوى. كما أن الأولاد الصغار عندما يتعلمون الكتابة بخط جميل يكتبون حروفا معوجة في البداية، ثم يشرعون بعد التدريب في كتابة الحروف بشكل سليم وصحيح. كذلك يجب على أفراد الجماعة أن يتدربوا. عندما يرى الله تعالى جهدهم سيرحمهم تلقائيا)
ثم يقول u شارحا قولَه تعالى: ]والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا[: المراد من المجاهدة أن يستمر المرء في التدريب والجهد والدعاء إلى الله تعالى، عندها يرحمه الله ويثمر مساعيه. كذلك المراد من المجاهدة هنا التمرين مثلما يقوم به الطفل، فيجب عليه أن يدعو من ناحية، ومن ناحية ثانية يجب أن يقوم بالمجاهدة على أكمل وجه فينزل فضل الله تعالى في نهاية المطاف ويخمد حماس النفس وتبرد ثورتُها وتصبح في حالةٍ كأن ماءً قد صُبّ على النار. ولكن كثيرا من الناس مُبتَلون بالنفس الأمّارة.
ثم قال حضرته u عن إصلاح الجماعة الداخلي: أرى أن النزاعات تحدث أحيانا بين أفراد الجماعة، وتحدث أنواع الشجار والبُعد، ويهاجم أحد عِرضَ غيره نتيجة نزاع بسيط، بل وينشأ بينهما خصام كبير. هذا تماما تصرف غير لائق، ويجب ألا يحدث. ما الضير إذا اعترف أحد بخطئه؟ ثمة مَن لا يرتدعون عن ملاحقة الآخرين وتذليلهم لأتفه الأسباب. هذه تصرفات يجب اجتنابها. إن من صفات الله تعالى أنه “الستّار” أيضا، فلماذا لا يرحم المرء أخاه ولا يعفو عنه ولا يستره؟ يجب على المرء أن يستر أخاه ولا يهتك عِرضه. مازال في جماعتنا أناس إذا سمعوا شيئا بسيطا يخالف طبعهم ثاروا فورا، بينما لا بد من إخماد الثورة ليحلَ محلّها الحِلمُ والتسامح. يلاحَظ أنه حينما يبدأ نقاش حاد بين اثنين على أتفه الأمور يسعى فريق ليتغلب على الفريق الآخر وينتصر عليه بأي شكل. لذلك فإنه يجب اجتناب ثورة النفس في مثل هذه المناسبات. بل يجب أن يختار المرء الذلة لنفسه قصدا لإزالة الفساد في أمور بسيطة، وألا يحاول تذليل أخيه عند المواجهة. إن أصل الرعونة الكبيرة والمرض أن يمسك المرء بخطأ أخيه ويشيعه. (أي إن محاولة المرء للانتصار على أخيه إنما هي أصل الرعونة. فقد ذكر u أولا أصل الرعونة وهو أن يتمسك المرء بخطأ أخيه ويشهّر به، ثم وضّح الموضوع أكثر وقال إن محاولة المرء للانتصار على أخيه أصل الرعونة، فقال: إنّ الرعونة ترغِّب الإنسان في إشهار عيوب أخيه)
يتابع حضرته ويقول: إن النفس تَفسد بسبب هذه التصرفات فلا بد من اجتنابها.
باختصار، كل هذه الأمور تدخل في التقوى، والذي يسلك دروب التقوى في الأمور الظاهرية والباطنية يُصنَّف مع الملائكة، لأنه لا يبقى فيه شيء من التمرد.
فحاولوا أن تنالوا التقوى لأن البركات كلها تأتي بعد التحلِّي بالتقوى، ويُنقَذ المتقي من بلايا الدنيا، ويستره الله تعالى. ولا يجني أحد فائدةً ما لم يسلك هذا المسلك. ومن لم يفعل ذلك لا يستفيد من بيعته لي شيئا. اعلموا أن إقرار البيعة باللسان فقط ليس بشيء، بل الله تعالى يريد التزكية. إذا بقيت فيكم الرعونة والكبر والعُجب وسرعة الغضب كما هي في الآخرين فما الفرق بينكم وبين غيركم؟
وقد وضّح المسيح الموعود هذا الموضوع على النحو التالي أيضا فقال: أَحدثِوا تغيُّرا في نفوسكم، وأحرِزوا مستوى عاليا من الأخلاق. إذا كان هناك شخص سعيد واحد في القرية سيتأثر الناس كلهم بكراماته. (أي لو كان هناك شخص صالح وسعيد الفطرة وينفع الناس ويتحكم في عواطفه وكان متواضعا لتأثر الناس من كراماته. وهذه أيضا وسيلة لتبليغ الدعوة. الصالح الذي يكسب الحسنات بخشية الله وينشأ فيه نوع من الرعب ويؤثر في القلوب ويبدو جلياً أنه من أهل الله)
يتابع حضرته u: مهما ناصَبَه الناس عداوة سيصبحون تابعين له تلقائيا رويدا رويدا ويبدؤون بتعظيمه بدلا من تحقير شأنه.
يقول حضرته u: “من الصدق والحق تماما أن الذي يأتي من الله فإن الله يرزقه نصيبا من عظمته، وهذا هو طريق السعادة. فتذكروا أنه لا يجوز إزعاج الإخوة وإيذاؤهم على أبسط الأمور. إن النبي r متمم جميع الأخلاق، وفي هذا الزمن أقام الله I النموذج الأخير لأخلاقه r، فسيكون من المؤسف جدا ومدعاة للشقاوة إن بقيت الوحشية نفسها قائمة الآن أيضا، فلا تتهموا الآخرين بالعيوب، لأن الإنسان أحيانا يتورط في العيب نفسه الذي يكون قد اتهم غيره به، إن لم يكن فيه ذلك العيب، (إن لم يكن ذلك العيب فيه فقد اتهمته ظلمًا، وبالتالي ستتورط فيه بنفسك) وإذا كان فعلا مصابا بذلك العيب فأمرُه إلى الله. (مع كل ذلك لستم بحاجة إلى اتهامه، بل إن كانت فيه تلك السيئة فاتركوا أمره لله تعالى، ولكن احذروا أنه إن لم يكن فيه ذلك العيب ومع ذلك تتهمه به فمن الممكن جدًّا أن تكون أنت عرضة له.)
ثم قال u: من عادة الكثيرين أنهم يلصقون تهما باطلة شنيعة بإخوتهم دون أي تردد، فاجتنبوا هذه الأمور، وانفعوا بني البشر، وواسوا إخوتكم، أحسنوا إلى الجيران، وعاشروا أزواجكم بخير، واجتنبوا الشرك قبل كل شيء، فإنه اللبنة الأساسية لبناء التقوى. (الحكم مجلد 8 رقم 8 صفحة 7،8 بتاريخ 10/3/1904)
ثم يقول u: التقوى تعني أن يجتنب المرء الطرق الدقيقة للسيئة، لكن اعلموا أن التقوى لا تنحصر في أن يعدَّ المرء نفسه صالحا لأنه لا يسرق ولا ينهب ولا يغصب مال أحد ولا يسيء النظر ولا يزني، فإن مثل هذه الحسنة مدعاة للضحك في نظر العارف بالله، لأنه إذا ارتكب أحد هذه السيئات وسرق أو قطع الطريق أو زنى لواجه العقوبة، فليست لهذه الحسنة مكانة تُذكر في نظر العارف بالله، وإنما البر الحقيقي هو أن يخدم المرء الإنسانية، ويظهر كامل الصدق والوفاء في سبيل الله، ويستعد للجود بحياته أيضا في سبيل الله، ولذلك قال الله I: ]إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[ أي أن الله مع الذين يكسبون الحسنات أيضا إلى جانب اجتنابهم السيئات. (أي أن الله تعالى مع أولئك الذين يجتنبون ارتكاب السيئات وإضافة إلى ذلك يكسبون الحسنات أيضا.) تذكروا جيدا أن مجرد اجتناب السيئة ليس أمرا محمودا ما لم يحرز المرء الحسنات أيضا.
ثم يقول حضرته u: اعلموا يقينا أن أساس كل طهارة وبِرّ هو الإيمان بالله I، فبقدر ما كان إيمان المرء بالله ضعيفا سبّب ضعفًا وتكاسلا في أعماله الصالحة، ولكن إذا كان إيمانه قويا بالله تعالى كانت أعماله أيضا حسنة، وكلما كان إيمان المرء قويا وكان يقينه كاملا بجميع صفات الله تعالى، أدّى إلى حدوث تغيير غريب في أعماله. فلا يمكن أن يجرؤ المؤمن الحقيقي بالله I على ارتكاب الاثم، لأن مثل هذا الإيمان يقطع قواه النفسانية وأعضاء الذنب أيضا. فانظروا إذا أُخرِجت عينا أحدٍ فأنّى له أن ينظر نظرة السوء؟ وكيف يصدر منه ذنب ترتكبه العيون، وكذلك لو بُترت يداه فكيف يقدر على ارتكاب الذنوب التي تصدر من هذه الأعضاء، وهكذا يحدث تمامًا حين يكون الإنسان حائزا على النفس المطمئنة فإنها تُعميه ولا تبقى في عيونه قوةٌ لارتكاب الذنب، فهو ينظر ولا ينظر، (أي أنه ينظر ولكنه لا ينظر بنظرة السوء ولا بنظرة لارتكاب الاثم) لأنها تسلب من عينيه القدرة على ارتكاب الذنب. وكذلك يكون أصم مع وجود الأذنين لأنه لا يسمع بهما أمورًا غير لائقة، ولا يسمع أمورا تعد من الذنوب، كذلك تُقطَع جميع قواه النفسانية والشهوانية وأعضاؤه الداخلية، ويحل الموت على جميع القوى التي كان بالإمكان أن تصدر منها الذنوب، ويصبح كالميت تماما، ويكون تابعا لمرضاة الله فقط، ولا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة بدون رضى الله تعالى، إنه الإيمان الصادق بالله تعالى الذي يولّد مثل هذه الحالة، ونتيجة لذلك يُعطى للمرء اطمئنانٌ كامل، ويجب أن يكون بلوغ هذا المقام هو الغاية المنشودة للإنسان.
ثم قال حضرته u ناصحًا جماعته: وإن جماعتنا بحاجة إلى مثل هذا الاطمئنان، ولكن للحصول على الاطمئنان الكامل هناك حاجة مُلحّة للإيمان الكامل، فإن الواجب الأول على أبناء جماعتنا هو أن يحرزوا الإيمان الصادق بالله.
ثم قال حضرته u: لا أحد يقدر على أن يتزكى ما لم يزكِّه الله I فعندما تسقط روحه على عتبة الله بالتذلل والتواضع فسوف يتقبل الله دعاءه، ويصبح من المتقين، وسيكون جديرا بأن يفقه دين النبي r، وبدون ذلك فإن ترديده كلمات الدين وقيامه بالعبادة وغيرها ليس إلا عادة وتقليد الآباء، (أي يقوم بذلك لأن آباءه وأجداده كانوا يفعلون ذلك) دون أن تكون فيه أي روحانية ولا حقيقة.
فهذا هو المستوى المطلوب من التقوى والتفقه في الدين والعمل بتعاليمه الذي نبّهنا إليه المسيح الموعود u؛ وعلينا أن نسعى جاهدين بأعمالنا، خاضعين أمام الله تعالى، ومستعينين به ليوفقنا الله تعالى لتحقيق هذه المستويات وتحقيق آمال المسيح الموعود u.
وإنها التقوى نفسها هي التي توفق المرء ليستخدم الرخصة في الصيام المذكورة في الآيات التالية بشكل صحيح، لأن الله تعالى ترك الأمر وفق حالة كل إنسان ولكن بشرط مراعاة التقوى. فإن كان أحد مريضًا بمرض لا يقوى معه على الصوم، أو منعه الطبيب من الصوم فعليه الفدية ولكن لا يجوز أن يبحث أحد عن حيل تجيز له أداء الفدية بدلا من الصوم. فقد قال تعالى بأنه لابد أن يراعي الإنسان التقوى عند كسب حسنة من الحسنات وأن يكون طائعًا لله تعالى وملتزمًا بالأمور التي أمر الله تعالى للقيام بها؛ فإن تعمق أحد في الموضوع مراعيًا التقوى ومحاسبًا نفسه فسيدرك حقًّا ما إذا كان الصوم خيرًا له أم تحل محله الفدية بشكل مؤقت.
ثم وضح الله تعالى الأمر لاحقا حيث قال من كان منكم مريضا أو على سفر فعليه ألا يصوم، لأن الله تعالى لا يريد بكم العسر. ولكن عليكم أن تكملوا عدة الصيام التي تركتموها عند زوال المرض وانتهاء السفر حتى ولو أدّيتم عنها الفدية أيضا.
على أية حال، يعود الأمر في النهاية إلى النقطة نفسها وهي أنه علينا اتخاذ القرار مراعين التقوى خاشعين لله تعالى ومدركين أن الله تعالى يعرف حقيقة حالتنا. إن فعلتم ذلك فإن الله تعالى يجعل من أمركم يسرًا ويظهر لأعمالكم نتائج فضلى.
يقول المسيح الموعود u: من سعد قلبُه بحلول رمضان وكان ينتظر ليحل رمضان فيصومه، ولكنه لم يقدر على ذلك بسبب مرض أصابه، لن يُعَدّ محروما من الصوم في السماء.
إن كثيرا من الناس في الدنيا يلجؤون إلى الأعذار ويزعمون أنهم يخادعون الله أيضا كما يخادعون أهل الدنيا. (أي يزعمون أنه يمكن خداعُ الله أيضا كما يخدعون أهل الدنيا).
الباحثون عن الأعذار ينحتون المسألة من عند أنفسهم ويضيفون إليها التكلّفات ويعدّون تلك الوسائل صحيحة (يقولون حدث كذا وكذا ويعتقدون أنهم وجدوا التبرير للإفطار) ولكنها ليست صحيحة عند الله. إن باب التكلّفات واسع جدا. (أي أن العذر يولد أعذارا أخرى) إذا أراد الإنسان العمل بناء على التكلف فيمكن أن يصلّي جالسا طوال حياته ولا يصوم أبدا، ولكن الله تعالى يعلم نيته وإرادته. (فالله عالم الغيب وهو مطلع على سريرتنا وهو أعلم بنياتنا وإراداتنا، فالله تعالى يتعامل مع المرء بحسب الصدق والإخلاص الذي يكنه في قلبه. أما الذي يلجأ إلى الأعذار فسوف يعامَل بحسبها، لأن الله عليم). فالذي يكنّ الصدق والإخلاص يعلم الله أن في قلبه ألما فيزيده ثوابا لأن ألم القلب جدير بالتقدير، (أما الباحث عن الأعذار فلا يكون في قلبه أي ألم وحرقة). إن الباحثين عن الأعذار يعتمدون على التأويلات ولكن هذا الاعتماد لا يعني عند الله شيئا.
فهذا هو المبدأ الذي يجب أن نضعه في البال دوما. فقد وضَّح الله I أنه لا حرج على المسافر والمريض، فليكملوا العدة فيما بعد. لكن سيدنا المسيح الموعود u قال أيضا أن على المرء أن يعطي الفدية أيضا حتما في هذه الحالة لأنه ببركتها سيوفَّق للصيام.
في هذه الأيام يسأل الناس أنه بسبب الصيام سيجف الحلق ويزداد الاحتمال بالإصابة بالفيروس، فهل يصومون أم لا؟ فأنا عادة لا أحكم ولا أفتي في ذلك، وإنما أكتب في الرد عموما: اتخِذوا القرار بأنفسكم بحسب أوضاعكم، واستفتُوا قلوبكم بصدق القلب والتقوى.
فمن هدْي القرآن الكريم الواضح أن على المريض ألا يصوم، أما أن يُفطر الإنسان خوفا من أن يصاب فهذا باطل، كما قال سيدنا المسيح الموعود u إن في هذه الحالة يولِّد العذر عذرا آخر والحيلة تخلق حيلة أخرى.
إذا قال أحدهم إن الأطباء يقولون إن هناك احتمالا لهذه المشكلة، فقد طلبتُ الرأي من شتى الأطباء المختصين، فآراء الأطباء أيضا متباينة، فقد كتب الأطباء المهرة أنه ليس من المؤكد أن الصيام يتسبب في المرض حتما. إلا أنه إذا ظهرت العلامات مثل السعال أو الحمى حتى لو كانت خفيفة أو لاحظتم أي علامة أخرى فلا تصوموا، وإذا كنتم صائمين فأفطروا. أما الأطباء الذين يميلون إلى الإفطار أو يقدمون الشروط التي تؤدي في نهاية المطاف إلى أنه من الأفضل أن لا تصوموا، فرأيُهم أيضا غير واضح. فهم يحذِّرون من ناحية ومن ناحية يقولون إنه يمكن أن يصوم المرء مراعيا الطعام المناسب. لكنْ لأي حد يستطيع الفقراء أن يراعوا الطعام المناسب.
على كل حال فبعد الاطلاع على آراء مختلفة نتوصل إلى الاعتقاد أنه لا حرج في الصيام، أما إذا كان هناك شبهة خفيفة للإصابة فينبغي الإفطار فورا. ويرى البعض أن البيت الذي فيه أي مريض فعلى الأصحاء فيه أيضا أن لا يصوموا، بينما يقول أطباء آخرون أنه لا جواز لذلك. باختصار ينبغي شرب الماء عند السحور والإفطار، والذين يخافون على أنفسهم فعليهم أن يتناولوا الطعام الذي يحفظ الماء في الجسم مدة أطول إذا كانوا يُطيقون.
باختصار ما دامت آراء الأطباء من أميركا وألمانيا وبريطانيا أيضا متباينة، فيجب أن نحذر من أن نُفطر بناءً عليها ونُعدّ من الذين قال المسيح الموعود u عنهم أنهم يعتمدون على التأويلات، غير أن الحذر لازم. فالبعض يكون احتياجُهم إلى الماء قليلا أصلا، فهم عادة قلما يشربون، وهم يصومون أيضا. كان هناك رجل صالح اسمه شودري نذير أحمد، وكان يتجول طول اليوم هناك وهناك في الصيف وكان يشرب قليلا أو ما كان يشرب، أما نحن فكنا نندفع إلى الماء فور دخول البيت، فسألتُه عدة مرات عن ذلك فكان يقول إن احتياجي إلى الماء قليل. فالطباع مختلفة، وفي هذه الأوضاع يجب أن يقرر كل إنسان بحسب طبعه مستفتيا ضميره.
اُدعوا الله I أن يوفقكم للصيام، وأكثروا الدعاء في هذه الأيام عموما أن يهب الله I للناس عقلا ليعرفوه، وأن يرفع هذا البلاء عن العالم عاجلا، ويرحمهم وأن يوفقنا نحن الأحمديين أيضا لأن نؤدي حقوقه وحقوق عباده سالكين على دروب التقوى، وأن نستفيد من بركات رمضان كاملة.
تذكروا أيضا أن أوضاع الاقتصاد في العالم قد تدهورت جدًّا بسبب الوباء، فحين يحدث التدهور الاقتصادي كما في هذه الأيام يزداد احتمال الحروب أيضا، فقد بدأ كثير من المحللين يتكلمون عن ذلك. ثم إن الحكومات المادية تبحث عن الحلول لمشاكلها والوسائل لنيل مصالحها بالحيل المادية، فالحكام يقومون لصرف انتباه الشعب عن المشاكل بتصرفات تقودهم إلى مشاكل أكثر، فيتقدمون إلى دمار أكبر. فكما قلتُ قد بدأ المحللون أيضا يتحدثون عن هذا. نسأل الله I أن يهب العقل والحكمة للقوى الكبرى، فتعمل بالعقل ولا تخطو أي خطوة تجر العالم إلى مزيد من الفتن والدمار. فهذه الأمور الآن تُتَداول في الجرائد علنا والمحللون أيضا يتكلمون عن ذلك. فقد هددت أميركا إيرانَ، كما تُتَّهم الصين بأنها لم تُقدم معلومات صحيحة، ومن ثم يجب أن تُرفع ضدها قضايا، ويجب أن تُعامَل بكذا، وأننا سنتصرف بكذا وكذا مع إيران. باختصار يجب أن تتعقل الحكومة الأمريكية والحكومات الأخرى أيضا، وفي هذه الأوضاع بدلا من أن تسوق العالم إلى مزيد من الدمار باتخاذ خطوة خاطئة، عليهم أن يخططوا بتفكير رصين راجعين إلى الله منيبين إليه ومستعينين به، وليدعوا الله لاتقاء هذا الوباء ويعينوا العلماء الذين يسعون للوصول إلى علاج هذا المرض. وفقَنا الله I لأن ندعو ونحسِّن حالتنا الروحانية، وأن يوفِّق العالم والحكومات الكبرى أن تتخذ القرارات وخطة عمل للمستقبل بالعقل والحكمة، آمين.