خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 19/1/2018
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
لقد توفي قبل يومين الخادم المخلص للجماعة السيد مرزا خورشيد أحمد، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد منّ الله عليه أن يحظى بشرف النَّسَب الروحي والجسدي كليهما إلى المسيح الموعود عليه السلام. هذا قانون الله تعالى أنه لا بد لمن يأتي إلى هذه الدنيا أن يرحل منها يوما ما. كل شيء فانٍ ولا بقاء إلا لله تعالى، ولكن السعداء هم الذين يسعون لتحويل حياتهم الدنيوية -التي رزقهم الله تعالى إياها- إلى حياة ذات هدف وغاية، ويسعون فيها لنيل رضى الله تعالى. إنهم يفهمون جيدًا أنه لا يمكن لمجرد النسب الجسدي إلى نبي أو ولي أو صالح أن يجعل الحياة ذات هدف وغاية ولا يؤدي هذا النسب إلى نيل رضى الله تعالى إنما هي أعمال الإنسان وأفعاله التي تنيله رضى الله تعالى.
كان المسيح الموعود عليه السلام يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لبنته فاطمة رضي الله عنها عندما قال لها: لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. أي لا تستطيعين الحصول على رضى الله تعالى لمجرد كونك بنتي، بل لنيل رضى الله تعالى يجب أن تسعي جاهدة لإخضاع حياتك لأحكام الله تعالى وأوامره، وبعد كل هذا ينبغي أن يكثر المرء من الدعاء ليقبل الله تعالى مساعيه ويجعل عاقبته الحسنى بفضله تعالى.
إنني أعرف مرزا خورشيد أحمد جيدًا وكنت على علاقة شخصية وطيدة معه وعاينت حياته عن كثب، كما كتب إلي كثير من الناس وتلقيت بهذا الخصوص رسائل عديدة تتلخص في أنه سعى جاهدًا وبكل تواضع لإتمام جميع مهامه ولتحقيق مقتضيات الوقف. لم يتفاخر قط بنسبه. كان قد حضر الجلسة السنوية الأخيرة هنا فذكر لي همّه وهو أن تكون عاقبته الحسنى، وذكر مثال ذلك الشخص الصالح الذي كان يقول عند وفاته: ليس بعد، ليس بعد، إلى أن فارق الحياة، فدعا تلامذتُه كثيرًا لمعرفة السبب في ترديد الصالح كلمات: ليس بعد، ليس بعد. وفي أحد الأيام رأى أحد تلامذته في الرؤيا ذلك الشخص الصالح فسأله عن سبب ترديده تلك الكلمات فقال: لما حان وقتي الأخير جاءني الشيطان فقال: بقيت تعمل أعمالا صالحة وأَفلتَّ من يدي. فرددت عليه بقولي: ليس بعد، لأنه ما دامت الحياة تدب في الجسم فلا أدري ما سأقدم على فعله، لذلك كنت أقول للشيطان عند لحظة الموت أيضا: لم أنج بعد، وفي هذه الحالة قبض الله روحي والآن أنا في الجنة. فهذا هو الطريق الذي يتبعه الذين يخافون على عاقبتهم. على أية حال، لقد ذكر لي مرزا خورشيد أحمد هذا المثال، وكان متفكرًا بهذا الخصوص. كان يعمل مدركا روح الوقف وحقيقته. ولقد وافته المنية في الليلة قبل الماضية وفي الساعة العاشرة بحسب توقيت لندن، وتوفي عن عمر يناهز 85 عاما. كان حفيد ابن المسيح الموعود عليه السلام مرزا سلطان أحمد الذي كان أكبر أولاد المسيح الموعود عليه السلام، وكان مرزا خورشيد أحمد ابن مرزا عزيز أحمد الذي كان حفيد المسيح الموعود عليه السلام وبايع قبل والده مرزا سلطان أحمد.
ولد مرزا خورشيد أحمد في 12 سبتمبر 1932 في لاهور، وملأ استمارة وقف الحياة في 21 أبريل عام 1945 بينما كان عمره 12 عامًا ونصف عام تقريبا، وكان يدرس في الصف التاسع. أكمل دراسته الثانوية في المدرسة العليا في قاديان وبعد ذلك درس في كلية تعليم الإسلام، ثم بأمر من المصلح الموعود رضي الله عنه حصل على شهادة الماجستير في الأدب الإنجليزي من الكلية الحكومية بلاهور. التحق بكلية تعليم الإسلام بربوة في 10 سبتمبر عام 1956 كواقف للحياة وظل يؤدي واجباته تجاه التدريس في القسم الإنجليزي طيلة 17 عاما. كان يجهّز محاضراته بكل جدّ وكدّ. ولقد درستُ أنا أيضا على يده، كما كتب لي كثير من تلامذته أنه كان يبذل قصارى جهده وكان يدرّس باجتهاد كبير، كان يحيط بالمادة التي يدرّسها، لأجل ذلك كان محبوبا لدى الطلاب.
لقد جاء إلى إنجلترا في عام 1964 بمنحة دراسية من المجلس البريطاني للاشتراك في دورة اللغة الإنجليزية الصوتية فدرس لمدة سنة كاملة في جامعة ليدز.
أما خدماته للجماعة في الظروف الصعبة عام 1974، فقد ساعد الخليفة الثالث رحمه الله وكان جاهزًا لخدمته كل حين وآن ولأجل ذلك ظل يقيم في قصر الخلافة شهرين أو ثلاثة. ولقد أقيمت في ربوة عام 1962 بموافقة المصلح الموعود رضي الله عنه مؤسسةٌ لرعاية الأيتام والأطفال الفقراء ولتعليمهم وتربيتهم باسم دار الإقامة والنصرة، ولقد سمّاها لاحقا الخليفة الثالث رحمه الله باسم صندوق مساعدة الطلبة، ظل مرزا خورشيد أحمد مشرفًا على هذا القسم من 1978 إلى 1983، ثم جُعل هذا القسم تحت إشراف نظارة التعليم.عُيّن ناظرًا لخدمة الدراويش في 30 أبريل 1973، وخدم الجماعة على منصب الناظر الأعلى الإضافي من أول مايو 1976 إلى 1988. إضافة إلى ذلك كان عضوًا في لجان كثيرة وقدم خدماته فيها أيضا.
خدم الجماعة كناظر للأمور العامة من أكتوبر 1988 إلى سبتمبر 1991، وخدم بوصفه ناظرًا للأمور الخارجية من أغسطس 1992 إلى مايو 2003. ثم عيّنتُه الناظر الأعلى والأمير المقامي في ربوة في بداية تولي منصب الخلافة، وأدى هذه الخدمة على أحسن ما يرام. بقي عضوًا لمجلس الإفتاء لمدة 12 أو 13 عاما وعضوًا في مجلس القضاء للفترة نفسها. ولقد وفقه الله لأداء فريضة الحج في عام 1973.
ولقد أعلن الخليفة الثاني رضي الله عنه عن نكاحه في 26 ديسمبر 1955 مع خمسة أو ستة إعلانات نكاح أخرى. ولقد قال الخليفة الثاني رضي الله عنه عن مرزا خورشيد أحمد في خطبة النكاح: هذا الشاب من عائلتنا نذر حياته، ولقد وفق الله تعالى أباه مرزا عزيز أحمد ليثقف ابنه هذا ثقافةً عالية والآن يدرس هذا الشاب الماجستير، ولم يكملها بعد، لأنه يقدم الامتحانات للماجستير في الأدب الإنجليزي، ويقال بأنه بارع في اللغة الإنجليزية، وأرى أن يكون أستاذا محاضرًا في الكلية، ثم قال المصلح الموعود رضي الله عنه أيضا بأنه سيساعد المترجمين الآخرين في مجال الترجمة أيضا.
لقد رزقه الله تعالى بستة أبناء، أربعة منهم نذروا حياتهم، واثنان منهم أطباء. أحد أبنائه نائب لناظر التعليم وهو حائز على شهادة الدكتوراه، وأحدهم يعمل نائبا في مكتب المستشار القانوني لأنه يحمل الشهادة في الحقوق.
لقد وفق مرزا خورشيد أحمد للعمل في المنظمات الفرعية للجماعة على مناصب مختلفة، ظل يخدم كرئيس لمجلس أنصار الله بباكستان من عام 2000 إلى 2003.
يقول أحد أبنائه مرزا سلطان أحمد: كان يحب الخليفة الثاني رضي الله عنه حبًّا جمًّا.
كان مرزا خورشيد أحمد مصابا بالمرض في القلب منذ مدة طويلة وظل يتفاقم هذا المرض رويدًا رويدًا، وقبل سنوات قليلة كان على سفر إلى مدينة “أوكاره”، فلما علم ابنه عن حالته ذهب لأخذه ورافقه الدكتور نوري أيضا، وبدوره كان مرزا خورشيد أحمد أيضا عائدًا إلى ربوة فتلاقوا في الطريق، فقال لهم مرزا خورشيد أحمد: كنت أدعو الله تعالى خلال الطريق أن أصل إلى ربوة وأموت لدى أقدام المصلح الموعود رضي الله عنه أي في قرية عمّرها الخليفة الثاني رضي الله عنه ودُفن فيها. هكذا كان يكن حبًّا وإخلاصًا للخليفة الثاني رضي الله عنه.ثم يقول ابنه: خلال مرضه الأخير استيقظ مضطربا وقال: لقد رأيت للتوّ رؤيا طويلة ورأيت أن بعض الناس يعترضون على الخليفة الثاني رضي الله عنه ولا أحد يرد عليهم. فكان مضطربا لعدم ردّ الناس على الاعتراضات، ولم يستطع أن ينام بعد ذلك لشدة اضطرابه.
كان كثيرا ما يقول بأن معارضي الجماعة يبغضون الخليفة الثاني رضي الله عنه كثيرا حتى أكثر مما يبغضون المسيح الموعود عليه السلام، لظنهم أن الخليفة الثاني رضي الله عنه هو الذي قوّى دعائم نظام الجماعة. (هذا صحيح بالفعل إلى حد كبير أنه هو الذي شكّل الهيكل الإداري للجماعة. فيقول المعارضون أنه لو لم يشكل الخليفة الثاني الهيكل الإداري للجماعة لقُضي عليها بحسب زعمهم. ولكن الحق أن هذا الأمر كان مقدرا للجماعة، أي كل ما فعله الخليفة الثاني رضي الله عنه من تنظيم الجماعة كان مقدرا سلفا عند الله تعالى، ولكن كثير من معارضي الجماعة يبغضونه رضي الله عنه لأنه قوّى دعائم الجماعة ووضع لها نظاما قويا ومنسّقا)
وكما قلت من قبل، كان المرحوم عضوا في فريق شكّله الخليفة الثالث رحمه الله في عام 1974م، ووُفِّق للخدمة كثيرا، وسكن في “قصر الخلافة”. واستمر الحال على هذا المنوال إلى شهر أو شهر ونصف تقريبا، فكان أولاده يزورونه هناك. ثم كان يُسمح له بالذهاب إلى بيته لساعة أو ساعتين أسبوعيا. يقول المرحوم بأنه لاحظ في تلك الأيام أن الخليفة الثالث رحمه الله ما كان ينام إلى عدة ليالٍ بل كان يغفو قليلا جالسا على الكرسي وإلا كان عاكفا ليل نهار على أمور الجماعة أو الأدعية. (فكان أعضاء الفريق المذكور أيضا يسهرون مثله)هناك رواية أخرى يرويها ابن المرحوم فقال إن والده كان ضمن الفريق الذي شكّله الخليفة الرابع رحمه الله في أيام الشغب ضد الجماعة في عام 1984م. وكان المرحوم يروي لنا أنه كلما حدثت الظروف الطارئة لم يصب الهلع والذعرُ الخليفةَ الثالث والرابع رحهما الله تعالى قط، بل كانا يعملان بكامل الهدوء والسكينة. وكان للمرحوم شرف الانضمام إلى قافلة الخليفة الرابع رحمه الله في أثناء السفر من ربوة إلى كراتشي عند هجرته رحمه الله إلى بريطانيا.
كذلك عندما وقع حادث مؤلم في 28/5/2010م في مدينة لاهور تولّى المرحوم إدارة الأمور بكل قوة وجدارة على الرغم من مرضه. كلما جيء إلى ربوة بجثمان شهيد صلّى عليه صلاة الجنازة على الرغم من الحر الشديد وشارك في مراسم الدفن. فكان يراعي المراتب كثيرا. يقول السيد مرزا عديل أحمد، وهو ابن المرحوم: كنا نرسل له التقارير من مجلس خدام الأحمدية المحلي في ربوة، فحدث ذات مرة أن كتب أحد خطأ حرف “ص” فقط بدلا من أن يكتب “صلى الله عليه وسلم” إلى جانب اسم النبي صلى الله عليه وسلم، بينما كتب “عليه السلام” بعد اسم المسيح الموعود. فوجّهنا المرحوم إلى هذا الخطأ وقال: لا بد من مراعاة المراتب، ويجب أن تكتبوا “صلى الله عليه وسلم” كاملا مع اسم النبي صلى الله عليه وسلم. كان المرحوم ملتزما بالصلاة، وما كان يجمع بين الصلاتين إلا في حالة ضرورة قصوى، حتى عندما كان في المستشفى في مرضه الأخير كان يصليها في وقتها إلا بضع مرات فقط. كان في أيامه الأخيرة يعمل “ناظرا أعلى”. هذا المنصب مهم جدا وتقع عليه مسؤوليات كبيرة فيما يتعلق بشؤون الجماعة. كان المرحوم دائم التفكير في القضايا المرفوعة على بعض أفراد الجماعة. فكان يسأل- وهو في المستشفى- ما هو تاريخ الاستئناف في قضية كذا وكذا وما هو وضعها الحالي.
كلما دعاه أحد بصفته ناطرا أعلى وأميرا محليا لمناسبات الأفراح مثل حفل الزواج كان يحضرها دائما ويقول: لقد أصبح ذلك من واجباتي الآن لأنني أمثّل الخليفة. كذلك كان يشارك الناسَ في أتراحهم وأحزانهم كاشتراكه بمناسبة الأتراح عند وفاة أحد. كان يزور المحتاجين ويعود المرضى ويطمئن عليهم. كان من عادته أن يحضر مكتبه على الرغم من مرضه ويعمل فيه ساعات الدوام كاملة.
nbsp;وفي أيام مرضه الأخير جاء ذات يوم إلى المكتب ووجد كثيرا من الموظفين غير موجودين فكتب إشعارا عاما وأرسله إلى المكاتب كلها قال فيه: إذا كنتُ أستطيع أنا أن أحضر المكتب في وقت محدد فلماذا لا يمكن ذلك للآخرين؟
كان رجلا إداريا قويا، فيبطش بقوة حيثما اقتضت الظروف ذلك ولكنه كان ينصح بعد ذلك بحب ورِفق. لقد توفّي الخليفة الثالث رحمه الله في مدينة “إسلام آباد”، وكان للمرحوم مرزا خورشيد أحمد شرف أن يصلي عليه صلاة الجنازة هناك لكونه ممثلا لمؤسسة “صدر أنجمن”. كان الخليفة الرابع رحمه الله (قبل توليه منصب الخلافة) أيضا موجودا هناك فرشح المرحومَ لإمامة صلاة الجنازة وقال له: أنت أكبرنا وتمثّل “صدر أنجمن أحمدية”. كما كان للمرحوم شرف أن يشارك في مراسم غسل جثمان الخليفة الثالث رحمه الله.
يقول السيد مرزا غلام أحمد (شقيق المرحوم) أن المرحوم سكن في قصر الخلافة لشهرين أو ثلاثة أشهر في أيام الشغب ضد الجماعة في عام 1974م، ثم أذن له الخليفة الثالث رحمه الله للذهاب إلى بيته ولكنه كان يكلّفه ببعض الأمور عند الفطور كل يوم، فكان المرحوم يقدّم للخليفة تقريرا يوميا ويأخذ منه أوامر جديدة ويقدم التقرير حولها في اليوم التالي بلا انقطاع. يتابع السيد مرزا غلام أحمد: عندما انتُخب الخليفةُ الرابع بعد وفاة الخليفة الثالث رحمهما الله، فُقد في اليوم الثاني خاتم الخليفة الرابع المكتوب عليه “أليس الله بكاف عبده”، فكان الخليفة الرابع رحمه الله قلقا جدا على فقدانه. فدعا المرحومَ مرزا خورشيد أحمد وقال له: إنك مخلص لي بل كنتَ مخلصا لكل خليفة، ثم أخبره بفقدان الخاتم وكلّفه بالبحث عنه، فتم العثور عليه بفضل الله تعالى.
لقد توفِّيت زوجة المرحوم في العام المنصرم. ثم اعتلّت صحته أيضا، وكان مصابا بمرض القلب من قبل. قلت له في العالم الماضي أن يحضر الجلسة السنوية هنا، فقال في البداية أنه قد لا يتمكن من السفر، ولكنه تشجع وجاء. وفي أثناء الإقامة هنا تحسّنت صحته كثيرا فكان يأتي للقائي كل ليلة على الرغم من قسوة الطقس في بعض الأيام ولا يبالي بالطقس. فكان يزورني كل ليلة في أيام مكثه هنا.
تقول السيدة فوزية شميم، رئيسة لجنة إماء الله في لاهور، وهي الابنة الصغرى للسيدة نواب مباركة بيغم ابنة المسيح الموعود عليه السلام: لقد ظهرت للعيان مزايا المرحوم بوضوح أكثر بعد توليه منصب “الناظر الأعلى”، فكان خادما متواضعا للدين. لقد حدث كثيرا أنني اتصلت به لأمر ما وعلمتُ أنه في اجتماع، فكان يتصل بي بعد نهاية الاجتماع. كذلك حدث مرارا أن وصلني طلبٌ طارئ للمساعدة المالية من “صندوق مريم للزيجات” وطُلب مني تسديد النقود فورا. فكنت أتصل بالمرحوم وأذكر له الظروف الطارئة فكان ينصحني بكل هدوء ويقول: خذي النقود من أمير الجماعة أو دبّريها بطريقة أخرى وسأرسلها لك فيما بعد. فكان المرحوم يواسي الجميع لدرجة لم أر مواسيا مثله.
ذات مرة تعرضت فتاة شابة للابتلاء في قرية وكادت أن تخرج من يد الوالدين وما كانت تخضع لنصيحة أحد. فحوّلتُ هذه القضية إلى المرحوم فعالجها بحكمة ولُطف وحب كبيرين. وأخبرني أيضا أنه قد دعا لهذه الفتاة في قاديان كثيرا، إذ كان مسافرا في تلك الأيام إلى قاديان في غير أيام الجلسة. فعادت الفتاة إلى صوابها بفضل الله تعالى وتزوّجت بعد ذلك. وعندما تزوجت أهداها المرحوم حلى ذهبية جميلة، وظل يستفسر عن حالها فيما بعد أيضا، فكان إنسانا مشفقا جدا.
كلما استشرتُه في أمر ما كانت مشورته صائبة جدا. كان المرحوم كثير الدعاء، أنّى لنا أن نجد شخصا صالحا وورعا كبيرا مثله؟ إنني حزينة جدا. ثم تقول لي: أدعو الله تعالى أن يعوضك أي الخلافة ببديل حسن له، وأدعو أيضا أن يهيئ الله من يقوم مقامه في عائلته.
يقول السيد شودهري حميد الله، الوكيل الأعلى في مؤسسة التحريك الجديد: عندما انتقلت الكلية “تعليم الإسلام” من لاهور إلى ربوة في عام 1954م، ولم ينتقل إلى ربوة المدرسون الذين يدرّسون الإنجليزية بل بقوا في لاهور. فنسّق المرحوم مرزا خورشيد أحمد الفرع الإنجليزي في عام 1956م من جديد. كان المرحوم يتقن الإنجليزية جيدا. أذكر أن مستوى اللغة الإنجليزية في الكلية قد تحسّن كثيرا في عهده.
يقول الأستاذ شودري حميد الله المحترم أيضا عن المرحوم أنه كان هادئ الطبع ويتمتع بالعفو والصفح الكثير. وكان يهتم بالفقراء كثيرًا ويساعدهم من جيبه الخاص وبصفته مسئولا في الجماعة أيضا. لقد قدم تعاونا كبيرا يوم كنا في الكلية وفي تنظيم الجلسة السنوية ومجلسَي خدام الأحمدية وأنصار الله والجلسات السنوية في قاديان أيضا، وكان يشارك الناس في الأفراح كالعرس وغيره والأحزان كالوفاة حتما. لقد حدث مرة أنه توفي موظف قديم في مكتب الجلسة السنوية ولم يعرف حضرته ذلك، فأبدى أسفا شديدا على ذلك.
يقول السيد طفيل المحترم في مكتب الناظر الأعلى: كان حضرة المرحوم كثير الخصال الحميدة ويستحيل بيانها، فكان شفيقا ومحبا ولطيفا واجتماعيا ومواسيا للبؤساء وأصحاب المشاكل، وكان بسيطا ومع ذلك وقورا وعطوفا جدا. لقد تسنى لي العمل معه قرابة عشر سنوات بصحبته وتحت إشرافه، ولا أتذكر أنه أبدى الغيظ أو العتاب مرة، فحين أخطأتُ وجَّهني إلى الصواب بمنتهى اللطف والشفقة.
ثم يقول الداعية الخواجه مظفر أحمد المحترم وهو يعمل في مكتب الناظر الأعلى: لقد صارع المرض الطويل بصبر عظيم وهمة ووقار. ولقد وُفقت لخدمة الجماعة قريبا منه لمدة طويلة، فكان عطوفا وشفيقا أكثر من الأب ورحيما ومتحمسا جدا لخدمة الخلق. فقد لاحظت مرارا أنه يأتيه إلى مكتبه ذو حاجة- سواء كان رجلا أو امرأة- فيقابله ويأمر بتوفير مواد غذائية والأسرّة والأفرشة والتلفاز ومبلغ من النقود له. ولاحظتُ أيضا أنه أحيانا كان بعد انصراف المحتاج يأمرني بأن أذهب إلى بيت ذلك المحتاج لأتأكد من حاجته الحقيقية. وذات مرة في اليوم التالي حين قدمتُ له التقرير قال لي كان حدسي يقول لي إن حاجته أكثر مما قدمنا له من مساعدة. (فلم يكن يحقق الطلب فقط بل كان يتقصى الحقائق لكي يقدم المساعدة التي يستحقها المحتاج). فكان محسنًا جدًّا وصبورا وهادئا وباسِم الثغر وغاضّ الطرف عن العيوب، وصافحٌ عنها. كان الناس يأتونه بشكاواهم ويتوقعون أن يصدر القرار بحسب رغبتهم وفي بعض الأحيان لم يصدر القرار بحسب رغبتهم فينـزعجون فكان المرحوم ينصحهم بالتحمل والصبر. فكان يستمع إلى كلام الشاكي طويلا بصبر (وهذا الصبر والتحمل واجب أساسي على كل مسئول في الجماعة، فإذا استمع المسئول إلى الشكوى بصبر وتحمل زالت كثير من الشكاوى والمشاكل تلقائيا). ذات مرة جاء شخص وقدَّم قضيته واقفا في المكتب، وكان مستعجلا فمزَّق طلبَه بدافع الغضب. لكن حضرته ظل صامتا وعلى أغلب الظن أنه كان يدعو له. كنت واقفا قريبا منه فانزعجتُ من إساءته إلى حضرته، وأردت أن أقول شيئا، فقال لي حضرته: لا بأس، كلٌّ يعمل على شاكلته. فكان تحمُّلُه وحلمه ورحابة صدره تبعث على الغبطة. كان رغم ضعفه (بسب المرض) يتسم بشخصية قوية، وكانت ذاكرته أيضا قوية وجديرة بالغبطة. وكان تفكيرة حكيما، وكان يقرأ مئات الرسائل والتقارير، ولاحظت مرارا أن القضية التي أغلق ملفُّها قبل أشهر، وسأله عنها صاحب الملف من أجل الدعاء أو المتابعة، وكان الموظف يبحث عنها في الكمبيوتر، لكن حضرة المرحوم كان يحفظ ما كتبه على الملف من توجيه أو ملاحظة، وكم كان عددُ أوراق الملف وأين يمكن العثور على ذلك الملف. (أي كان يعرف جيدا الملفات المختلفة في مكتبه وكان متمكنا من أعماله).
يقول الأستاذ راشد جاويد المحترم مديرُ دار القضاء: في قضية عائلية كان الزوج يريد الصلح مع زوجته في كل حال وسُوِّيت كل الأمور، لكن الزوجة كانت مصرّة على أن يعيد لها المبلغ الذي أخذَه منها، وكانت الأوضاع الاقتصادية للزوج صعبة. فذهبتُ إلى حضرة ميان صاحب والتمستُ منه شفهيا أن يؤمِّن جزءا من المبلغ المطلوب وأنا شخصيا سأحال أن أدبِّر بقية المبلغ. ثم قلت له: إنك أكبر فيمكن أن تدبر المبلغ كله. فابتسم حضرته وقال: إذا كان الصلح يمكن بهذا فأرسلْ لي طلبا خطيا بهذا الخصوص. وهكذا تم دفع المبلغ وتحقَّق الصلح خلال دقائق. يقول الداعية رباني المحترم في مؤسسة فضل عمر: مرة جاءت أخواتي إلى ربوة ولما كن يعانين حساسية الجِلد طلبن الإقامة في مبنى جديد لدار الضيافة نظرا للنظافة. فقيل لهن بحسب القواعد الجديدة أنه يجب الحصول على إذن خاص استثنائي من الناظر الأعلى. فقلن: كنا نخاف كيف نقابل مسئولا عظيما في الجماعة وهو مشغول جدا ولا نعرف هل يعطينا وقتا أم لا. باختصار قد دعانا، إلى مكتبه وعاملَنا كبناته وحل مشكلتنا وأعطانا الإذن أيضا، وبذلك زادت ثقتنا بنظام الجماعة وازددنا إيمانا أيضا.
يقول السيد منور مجوكه المحترم أميرُ الجماعة في محافظة خوشاب: كان المرحوم إنسانا إداريا كبيرا وكان نبيلا ونافعا وكان يراعي أدق الأمور في أبسط القضايا. وعن مواساته للفقراء ودقته في تأدية واجباته، أقدم حادثا بسيطا قد رسم في نفسي انطباعا رائعا عن شخصيته العظيمة. ففي 2015 على أغلب الظن كنت جالسا في مكتبي إذ جاءت إلي سيدتان من محافظة خوشاب وقالتا: قد أرسلَنا إليك ميان صاحب أي الناظر الأعلى لكي تشفع لنا وتوقِّع على طلبِنا للمساعدة. فلما سمعتُ منهما مشكلتهما قررتُ أن أساعدهما شخصيا في المحافظة ولا أعيدهما إلى المركز. ثم أرسلتُهما إلى سكرتير الأمور العامة في المحافظة، وقُدمتْ لهما المساعدة. في اليوم التالي كنت جالسا في المكتب فتلقيت من حضرة ميان صاحب مكالمة هاتفية مباشرة، فاستفسر مني وقال كنت أرسلت إليك سيدتين فقيرتين من محافظتك لكي تشفع لهما وتوقع على طلبهما لكنهما لم ترجعا إلي لتلقّي المساعدة حتى في اليوم الثاني، فأنا قلق مخافة أن تكون قد رددتهما. فرجاء أن تسجل شفاعتك على طلبهما وترسلهما إلي لكي أساعدهما قبل فوات الأوان. فقلت له: لقد قدمنا لهما المساعدة من جماعتنا المحلية ولذلك لم أرسلهما إليك. يقول أمير محافظة خوشاب إن هذه الواقعة البسيطة دليل عظيم لما كان يتمتع به هذا الشخص العظيم من مشاعر مواساة ومساعدة الفقراء وخدمة الخلق، ومراعاة أمور دقيقة في المساعدة.
أقول: هذا الإحساس يجب أن يتحلى به كل مسئول في جماعتنا ويجب أن يعرف كيف يقوم بواجبه، وليس أن يرسل الأوامر للطرف الآخر، بل عليه أن لا يبرح يتابع طلبات الفقراء ويسعى لتحقيقها، وإزالة الشكوى أو حل القضية، على ما يرام، وليس أن يمرّر الأمر إلى الطرف الآخر تهربا من المسئولية. لو اعتاد كل مسئول هذا الأمر لحلت كثير من القضايا تلقائيا. يقول الحافظ مظفر أحمد المحترم: إنني شاهد على أن حضرة ميان صاحب قد أكد على حبه ووفائه للخلافة بأداء الأمانة التي أنيطت به أو سُلمت له، حق الأداء، بحيث أنه لم يقصر أبدا في طاعة خليفة المسيح والوفاء بعهد وقف الحياة، وحقوق الله وحقوق العباد طول الحياة حتى آخر أنفاسه. لا شك أنه كان يشغل منصبا عاليا جدا في الجماعة ولكنه كان إنسانا متواضعا جدا، ومتحليا بالأخلاق الفاضلة، ومديرا متمسكا بالمبادئ السامية.
كذلك كتب السيد الحافظ: كان المرحوم نموذجا حسنا في الالتزام بالصلوات، حين تقلّد رئاسة “مجلس أنصار الله” وجّه مرارا وتكرارا في كل اجتماع إلى الالتزام بالصلوات بالجماعة، وكان يقول بنفسه: لعل الناس يقولون إنه يوجه دوما إلى شيء واحد فقط ولكن ماذا أفعل، إنه من واجبي أن أظل أذكّر ما لم يُؤدَّ حق هذه الفريضة. (ويجب على المسؤولين أيضا أن يلتزموا بالصلوات، فقد لاحظتُ أن بعض المسؤولين يتـركون الصلوات في بعض الأحيان ناهيك عن أدائها بالجماعة). كان المرحوم مواظبا على الذهاب إلى مكتبه على الوقت سواء كان في البرد أم الحر. كتب السيد الحافظ: من الصعب نسيان لطفه وعطفه وحبه، كان ملتزما بالمواعيد وكان مثالا لنا.
كتب أحد العاملين في مكتب النظارة العليا واسمه محمد أنور: من الصعب أن يُنسى كرم المرحوم وعطفه وحبه، كان يأتي مكتبه على الوقت رغم كِبر سِنّه ومرضه وكان يبدأ بأعمال المكتب مباشرةً، وظل يقدِّم خدمة الدين على راحة نفسه، وحين جاء إلى المكتب آخر مرة في 1 يناير/كانون الثاني (2018) كان يعاني من ضيق التنفس وكان يتنفس بصعوبة ولكنه كان يحاول إخفاء ذلك بضبط نفسه، فقلتُ له: يبدو أنك لست على ما يرام. عفوا، بل قال المرحوم إنني لستُ على ما يرام اليوم لذا سأعود إلى البيت عاجلا ولن أتمكن من البقاء في المكتب حتى نهاية الدوام، ولكن هذا لا يعني أنني لن أعمل، فطلب من العامل أن يقدّم له البريد عاجلا. يقول العامل: فقد قدّمت البريد عاجلا بحسب التوجيه، وأخذتُ توقيعه على بعض الملفات المتعلقة بالوصية ثم قلتُ له يبدو أن صحّتك ليست على ما يرام فسوف آخذ التوقيع فيما بعد، ولكنه قال: لا بل خذ التوقيع على جميع الملفات، لا بأس. ثم قام ببعض التوجيهات ولقي بعضَ الناظرين والمسؤولين قبل عودته، وبذلك علَّمنا بعمله كيف ينبغي القيام بخدمة الدين وما هي روح الوقف.
ثم قال الداعية ملك محمد أفضل: كان يجلس في المسجد مطأطئا رأسه، وكان يُصغي بالمواظبة إلى درس القرآن الكريم في المسجد المبارك بعد صلاة العصر في شهر رمضان المبارك. وإذا عرض شخص مشكلته أمامه استمع إليه بكل هدوء وطمأنينة وأخبره بحل هذه القضية. إنها كلها مشاهد يشاهدها جميع سكان ربوة. أضاف الداعية: أثناء الدراسة في الجامعة كنتُ قلقا جدا ولم أستطع فهم القضية وكان الحل الأخير هو الدعاء، فذهبتُ إلى السيد مرزا خورشيد أحمد في مكتبه ومع انشغاله الكثير دعاني إلى غرفته وحين عرضتُ عليه قضيتي كلها وكان هدفي هو طلب الدعاء فقط ولكنه استمع إلى مشكلتي وسأل بنفسه بعض الأسئلة. ما كنتُ فكرتُ قبل مجيئي إلى مكتبه أنني سآخذ الكثير من وقته ولكنه أظهر عطفه للغاية وأعطاني كثيرا من وقته، وبعد ذلك حين خرجتُ من مكتبه شعرتُ أن ما أثقل قلبي قد زال وخرجتُ من غرفته مع أمل جديد نشأ في قلبي. هذا هو واجب كل مسؤول أن يُطمئن الآخرين. كتب: كان لينا وعطفا متجسدا وملاكا.
قال: أخبرني أحد أصدقائي: حين كنتُ في العشرينات من عمري بدأتُ أتعلّم سياقة الدراجة، فاصطدمتْ درّاجتي مع السياج خارج بيت السيد مرزا خورشيد أحمد الأمير المحلي، وصادف أنه بنفسه كان يروي الغراس التي كانت تقابل الشارع فشعرتُ بخيفة وخجل. وكنت مرتكبا خطأ آخر وهو أن عمري كان أقل من المسموح به للسياقة. وأضف إلى ذلك أنني سقطتُ من الدراجة أمامه، لو كان شخصا آخر مكانه لنهَرَني بشدة لأنني كنتُ ألحقتُ ضررا بالسياج، ولكن المرحوم كان عطوفا وليّنا لدرجة تقدّم بسرعة لمساعدتي ثم سألني: هل أصبتَ يا بنيَّ بجرح شديد لا سمح الله؟ ثم قال لي بكل لطف: عليك أن تهتمّ بنفسك.
كان يحب الدعاة والذين نذروا حياتهم لخدمة الدين ويعاملهم بلطف كبير. كان علمه غزيرا وواسعا ومع ذلك كان متواضعا جدا. ذات مرة عيّنتُه ممثلا لي لرئاسة حفل التخرج للحائزين على شهادة “شاهد” في الجامعة الأحمدية فقال في خطابه مخاطبا طلاب الجامعة: “لقد تعودتُ على مدى حياتي أن أستمع إلى الدعاة والعلماء الكرام فأنّى لي أن أقول شيئا أمامهم. ثم نصحهم إضافة إلى بيان أمور أخرى كثيرة: لا يسعني هنا إلا أن أقول أنه من الضروري جدا أن نسمع باهتمام شديد إلى ما يقوله الخليفة ونعمل بتعليماته، نحن المسؤولون في الجماعة وأنتم الذين تخرجتم دعاة. فعلينا أن نجعل تعليمات الخليفة نصب أعيننا ونسعى للعمل بها بكل ما أُعطينا من قوة وقدرة، وندعو أيضا أن يوفقنا الله تعالى لذلك.
يقول السيد مسعود وهو يعمل داعية في مدينة “بدوملهي”: لقد لقيتُ المرحوم مرارا وكان كل لقاء زاخرا بعواطف الحب واللطف. كان المرحوم محبَّبا لدى الجميع ويحب الجميعَ وتجسيدا للأخلاق الفاضلة ومتواضعا جدا. كلما جاءه زائر للقائه في مكتبه نهض دائما من كرسيه وسلّم عليه، وصافحه وإن كان الزائر طفلا صغيرا، وسمع كلامه بكل اهتمام تاركا عمله مهما كان ضروريا ولاطفه بحب كبير. لذا كان الناس يأتونه بكثرة طالبين المساعدة. أقول: هذا ما كتبه الجميع تقريبا عن المرحوم.
كان يعامل الفقير والثري والمسئول والأحمدي العادي معاملة متساوية وكان يبدي على قضية كل واحد ردة فعل تدل على أنه شخص مهم جدا.
كتب الدكتور نوري المحترم: كان أكثر الناس مراعاة لأحاسيس ومشاعر وحاجات الآخرين وأتذكر أننا خفضنا نصف أجرة عملية قسطرة قلبية لمريض، فاتصل بالناظر الأعلى (بالمرحوم) فأعفاه من التكلفة كلها، ويقول الدكتور نوري المحترم أن المرحوم كان يقول لي لقد أوصاني الخليفة أن نسعى لمساعدة كل المرضى الذين يستحقّونها، ولذلك واجب علينا أداء هذه الفريضة.
عندما كان قيد العلاج في المستشفى قال لي خذ من ابني النقود واشترِ لكل المممرضين والممرضات وغيرهم الكنـزات هديةً مني.
وكان يشيد بجهود الآخرين جدا، ولقد كتب لي يوما: هناك من الأحاسيس والمشاعر التي لا يستطيع الإنسان أن يعبر عنها وجها لوجه وهكذا كانت حالتي عند وداعكم من المستشفى، جزاكم الله على خدمتكم أحسن الجزاء. وكان شديد الحب والولاء للخليفة وكان له علاقة خاصة بمستشفى طاهر لأمراض القلب. ويتابع الدكتور نوري المحترم وقال: كتب لي المرحوم ذات مرة السيد نوري، إن مستشفى طاهر لأمراض القلب، بمنـزلة ابن للخليفة وأدعو الله تعالى أن يحقق أمنية الخليفة وتصبح هذه المؤسسة دار شفاء حقا، وإنني أدعو الله كل يوم أن يحقق كافة أمنيات الخليفة، بحق هذه المؤسسة.
وكان الدكتور نوري يكتب تقريرا يوميا عن مرض المرحوم فيقول الدكتور: في أيام مرضه كنت أعدّ تقريرا عن حالته وكنت أقرئه إياه. وفي يوم من الأيام أمسك يدي وقال وهو عاطفي جدا، أليس هناك خبر لنرفعه لإمامنا إلا المرض والأذى؟
هناك رسائل أخرى من الإخوة ذكروا فيها محاسنه وشمائله، وقد ذكر كل واحد منهم تواضعه ومواساته ذكرا خاصا. لقد عبر أمام زوجتي عن ولائه وحبه للخلافة ذات مرة، وذلك أنها قالت له لا شك أنك تدعو للخليفة، وأرجوك أن تدعو لي ولأولادي أيضا، فقال إني أذكر أهل وأولاد الخليفة في سجداتي التي خصصتها للدعاء للخليفة، وكان عاطفيا جدا خلال قوله هذا. أما مستوى طاعته للأمير والمسؤول الذي فوقه فكان عاليا جدا. في أيام مرض حضرة الخليفة الرابع رحمه الله عام 2000 جئت أنا ومرزا خورشيد أحمد هنا إلى لندن، وكنت حينها أعمل بصفتي الناظر الأعلى واختلفت معه في أمر اختلافا بسيطا فرفض قولي بشيء من الحدة، وانتهى الأمر. ورجعت من لندن إلى ربوة قبله بأيام، ولما عاد بعد أيام حضر في مكتبي وجلس جلسة شخص جاد جدا، ثم قال جئت لأعتذر إليكم لقد أخطأت خطأ كبيرا. فقلت: أي خطأ أنا لا أذكر شيئا. قال: عندما اختلفنا في شيء في لندن كان صوتي ممزوجا بشيء من الغضب وهذا يتنافى مع احترام الأمير ولذلك أطلب منك العفو وأستميح منك العذر، ومع أنني قلت له أنه لا بأس في ذلك، إلا أنه ظل يعتذر إلي مرة بعد أخرى، هذا هو مبلغ تواضعه واحترامه للأمير.
ثم إنه كان يبدأ بأمور الإصلاح من بيته وليس أن يهتم بإصلاح الآخرين متناسيا أولاده، فقبل سنوات كنت كتبت رسالة إلى أفراد عائلة المسيح الموعود عليه السلام أذكرهم فيها بمسئولياتهم وكانت بلغتني بعض الشكاوى عنهم، فنصحتهم نصيحة عامة، لتلافي الأمر، ولما أرسلت له هذه الرسالة في باكستان، قلت له اجمع أفراد عائلة المسيح الموعود عليه السلام واقرأ عليهم رسالتي هذه ولما قرأها عليهم صار عاطفيا جدا وقال أريد أن أوضح هنا أن أولادي ليسوا بريئين من هذه الأخطاء التي أشير إليها في هذه الرسالة، وإنني أنصحهم أيضا أن علينا تدارك هذه التقصيرات وأن نسعى لنكون عند حسن ظن الخليفة بنا.
هذه هي معايير صدق وتقوى هذا الإنسان، وفق الله أولاده للتحلي بهذه الصالحات، والحفاظ عليها. وأسأل الله تعالى أن يمد الجماعة والخلافة الأحمدية بالمساعدين الأنصار المتحلين بالوفاء والإخلاص والتقوى دائما.
لقد كتب السيد مرزا أنس أحمد المحترم الابن الأكبر للخليفة الثالث رحمه الله وهو يتحدث عن المرحوم: ظل الأخ خورشيد يخدم الجماعة حتى آخر لحظة من حياته، بمنتهى التواضع والوفاء للخلافة. رفع الله درجاته وتقبل خدماته وأظله بظل أفضاله ورحماته التي لا تعد ولا تحصى. أما هو فقد أدى ما عليه. (قوله هذا صحيح مائة بالمائة لا شك أنه قد أدى ما عليه يقينا) ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لأداء ما علينا والوفاء بعهدنا.
بعد الصلاتين سوف أصلي جنازته غائبا. إن شاء الله.