خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي u بتاريخ 4/10/2109
في “تيري شاتو” بمناسبة الجلسة السنوية لجماعة فرنسا
الیوم بفضل الله I تبدأ جلستكم السنوية، ولقد سمَّى سيدنا المسيح الموعود u الجلسةَ اجتماعا دينيا بحتا. فليتضح على كل من يشترك فيها أننا اجتمعنا اليوم هنا لتحسين أوضاعنا الدينية والعلمية والروحانية وسنقضي هنا ثلاثة أيام في التفكير والتأمل كيف يمْكننا تطويرُ أوضاعنا الدينية والعلمية والروحانية. وإن لم يكن لكم هذا التفكير فالحضور هنا عديم الجدوى. إن الدنيا تنسى الله I في العصر الراهن وتابِع كل دين يبتعد عن دينه، فالإحصائيات التي تظهر كل سنة تُفصح أن عددا كبيرا من الناس يعلنون أنهم ينكرون وجود الله I حتى إن أوضاع المسلمين أيضا تفيد حصرا أنهم مسلمون بالاسم فقط، وتستولي عليهم المادية. في هذه الأوضاع إذا كنا نحن الذين ندّعي بأننا آمنَّا بإمام الزمان- الذي بعثه الله I في هذا العصر تحقيقا لنبوءة النبي r لتجديد دينه، وأننا تعهدنا أننا سنحقق مهمة المهدي المعهود- لا نولي الاهتمام بتحسين أوضاعنا فسيكون إعلاننا بمبايعة المسيح الموعود u ظاهريا فقط لا مغزى فيه ولا روح، وسيكون عهد بيعتنا بالاسم فقط، إذ لا نوفي به. وإن حضورنا هنا للجلسة سيُعدّ كحضور لمهرجان مادي. إذن فكل أحمدي بحاجة ماسة إلى التأمل، والاهتمام بفحص أوضاعنا باضطراب، أنه إذا كان هذا هو حالنا فهذا مدعاة لقلق كبير، أنه إذا كان هذا هو حالنا فلا فائدة للبيعة وحضور الجلسات. إذا فحصنا أوضاعنا واضعين في الحسبان الأهدافَ التي بينها المسيح الموعود u للجلسة فسوف نحقق الهدف من اجتماعنا هنا لثلاثة أيام ونرث الأدعية التي دعا بها المسيح الموعود للمشاركين في الجلسة وبجعْلها جزءا لا يتجزأ من حياتنا سنحسِّن دنيانا وعقبانا وليس ذلك فحسب بل ببذل هذه السعي لإحراز الأعمال الحسنة سوف نجعل أجيالنا القادمة أيضا ورثة لأفضال الله. وفي الوقت الذي يبتعد العالم عن الله والدين ستتقرب أجيالنا القادمة إلى الله I، بل سوف تقرِّب العالم أيضا إليه I.
فإذا كنا نريد الإيفاء بعهد بيعتنا ووقاية أجيالنا، فثمة حاجة لوضع أهداف الجلسة هذه نُصب أعيننا، وقضاء هذه الأيام الثلاثة متعهدين بأننا سنجعل هذه الأمور جزءا لا يتجزأ من حياتنا للأبد. لقد قال سيدنا المسيح الموعود u بيانا لأهداف الجلسة هذه، إن الجلسة تُعقد ليهتم المشاركون فيها بالآخرة بالمكوث في هذه الأجواء، وتنشأ فيهم خشيةُ الله والتقوى والخشوع، وينشأ جوُّ التحابِّ والتآخي ويتولد فيهم التواضع والانكسار ويتمسكوا بالصدق وينشطوا لخدمة الدين.
فهذا هو هدف اجتماعنا اليوم حيث يجب أن يهتم بالآخرة كل فرد من أبناء جماعته من الذكور والإناث والشباب والشيوخ بحسب ما قاله حضرته u، بحيث يجب أن لا نقيم أي وزن للأمور المادية مقابلها. فهذا عمل جبار مع العيش في هذه الدنيا المادية، وهو تحدٍّ كبير جدا ويتطلب قبوله جهادا كبيرا. فلا يمكن الاهتمام بالآخرة إلا إذا كان هناك إيمان كامل بوجود الله تعالى وكان المرء يوقن بأن هذه الحياة أعوام معدودات، فالبعض يعيش لثمانين حولا أو تسعين سنة أو على أقصى تقدير يمكن أن يعيش المرء مائة عام، وهذا العمر أيضا لا يتمتع به كل إنسان إذ كثيرون يرحلون من هذه الدنيا قبل ذلك بكثير، وبعده حياة الآخرة وهي خالدة. فالعاقل من يضحِّي بالشيء المؤقت من أجل الخالد. أهل الدنيا يضحون بالشيء الأبدي الخالد من أجل الشيء المؤقت ويحسبون أنهم عظماء وعقلاء، أما المؤمن فيقوم على عكس ذلك وينبغي أن يكون كذلك، عندها يمكن أن يسمى مؤمنا. فهو يكنّ في قلبه خوفَ الله وخشيته، وحبُّه لله يغلب كل حب مادي، فهو لا يخاف الله ويخشاه لأنه سيواجه العقاب في الحياة الآخرة بعد الموت، كلا وإنما يحذر أن يسخط منه إلهه الحبيب. وعندما تكون لدى المرء عواطفُ الحب هذه يسعى للعمل بأحكام الله I فيقوم بكل عمل في هذه الحياة الدنيا واضعا الآخرة في الحسبان، فهو يوقن بأن إلهه وحده يهيئ له وسائل الربوبية، وهو الذي يمنّ عليه بنعمه، وهذه النعم تشمل كل أنواع النعم، أي المادية والروحانية، فهو يقول في نفسه إذا بقيتُ أؤدي حق عبادته I وظللت منيبا إليه إيمانا مني بأنه صاحب كل قدرة وقوة، فسوف أنال نصيبا من نعمه بانتظام إن شاء الله، وإذا قضيتُ حياتي بحسب ما أمر I ونهى، فسوف أرث أفضاله على الدوام، إذا واظبتُ على أداء حقوقه وحقوق عباده مطيعا له طاعة كاملة وسالكا على دروب التقوى، فسوف يرضى عني. فهذا التفكير والعمل بحسبه سيُكسبنَّ المرءَ إنعاماتِ الله وأفضالَه بحسب وعْده، وأصحابُ هذا التفكير هم الذين يسمَّون متقين، الذين يستجيبون لجميع أوامر الله I والذين تكون قلوبهم خاشعة، لأن الله I يعيش فيها كل حين وآن، وهم الذين يكنّون عواطف الحب لبعضهم البعض ابتغاء وجه الله I، أي لا يكون حبُّهم وموآخاتهم للأغراض الشخصية بل يكون ابتغاء وجه الله فقط. وكذلك فإن المتقين هم من يتواضعون، فهم لا يتواضعون لمن يفوقهم درجة وثروة أو لا يُبدون التواضع لأصحاب المناصب المرموقة أو أهلِ الدنيا، بل هم يقابلون الفقراء والمساكين أيضا بتواضع، وهم الذين يتمسكون بالصدق دوما، ويؤمنون بأن القول السديد وحده يوصل إلى الله، أما الكذب فيؤدي إلى الشرك. فحين يهتمون بالآخرة ويخافون الله I ويدركون حقيقة التقوى فكيف يمكن أن يُدعى المرء مؤمنا ثم يكذب!؟ فالذين يحرزون هذه الأمور ويدركون مغزى الحسنات، هم الذين ينشطون في الحقيقة لخدمة الدين، وإلا فهذه الخدمة في الظاهر تكون بدافع الحصول على بعض الفوائد، إذ نلاحظ مئات العلماء من المسلمين ينشطون في الظاهر باسم الدين وفي الخفاء يمارسون الظلم باسم الدين، فهم الذين لا يتحلون بالتقوى ولا تُرى فيهم خشية الله ويحبون مصالحهم المادية أكثر من الآخرة وإن كانوا يذكرون الله والآخرة في الظاهر.
فثمة حاجة لإدراك لب هذه الأمور الذي كان المسيح الموعود u يريد أن يخلقه فينا، حيث ينبغي ألا نملك قشرا فقط بل يجب أن نحوز روحا ولبا. نحن بحاجة إلى فحص أنفسنا واضعين هذه الأمور في الحسبان، هل نحن نشترك في الجلسة بهذه النية وهل نجد في نفوسنا لوعة لنيل هذه الأهداف. إذا كان في الماضي قد صدر منا التقصير والأخطاء في إحراز هذه الأمور بمقتضى البشرية فاليوم نستعد قدر المستطاع لبذل المساعي لإحراز هذه الحسنات والدوام عليها بعزم جديد. اليوم نتعهد أننا سنهتم بالآخرة أكثر من الدنيا، وسوف نؤثر خوف الله وخشيته وحبه على كل شيء، وسوف نبذل قصارى جهودنا للسير على أدق دروب التقوى، وسوف نولِّد في قلوبنا رفقا للآخرين، وننمي الحب المتبادل والتآخي لدرجة يكون مثالا، وسوف نزداد تواضعا وانكسارا، وسيكون الصدق والقول السديد ميزة لنا، حتى يقول كل إنسان إن الأحمديين يتمسكون بالصدق دوما، ويتحملون في سبيل ذلك أكبر خسارة. وسوف ننشط لخدمة الدين حتى يعدّ ذلك مثالا، ومن أجل ذلك سنسعى أكثر من ذي قبل لإيصال رسالة دين الله I إلى كل إنسان في محيطنا، وسوف نخبرهم ما هو الإسلام الصحيح. إذا أوفينا بعهدنا هذا وقضينا الحياة بحسب ذلك، فمن المؤكد أننا أوفينا عهد بيعتنا.
فتعالوا نخطط اليوم لنيل هذه الأهداف، فالذي يهتم بالآخرة ويخشى الله يعتني أولا بالحفاظ على عبادته، فهو ينظر ما هي الغاية التي حددها الله I لحياته، يقول الله I ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ ولقد ترجم سيدنا المسيح الموعود u هذه الآية كالتالي: أي قد خلقت الجنَّ والإنس ليعرفوني ويعبدوني. فبِناء على هذه الآية كان المقصد الحقيقي للحياة البشرية عبادةَ الله ومعرفته، وأن يصير الإنسان لله وحده. ومن الواضح أن الإنسان لا يملك خيارا لكي يحدد غايةَ حياته من تلقاء نفسه، (وصحيح أنه يحدد هذه الغاية إلا أنه ليس من صلاحيته) لأنه لا يأتي إلى هذا العالم بإرادته ولا هو تاركها برضاه، فما هو إلا مخلوق. فالذي خلقه وخصه من بين جميع الحيوانات بأفضل الملكات وأسماها هو الذي قد قدر لحياته غاية معينة (وهدفا معينا). وسواء فهِمها الإنسان أم لم يفهمها، فإنه مما لا شك فيه أن غاية خلق الإنسان إنما هي عبادة الله ومعرفته والفناء فيه تعالى. (فلسفة تعاليم الإسلام)
فما هو طريق العبادة وأسلوبها الذي علمَناه الله I لنيل هذا الهدف؟ ألا إنه إقامة الصلاة، فقد قال الله I: ]إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا[ يقول سيدنا المسيح الموعود u: إنني أجد مسألة كون الصلاة كتابا موقوتا أحبَّ وأعزَّ إلي، أي أنني أحب أداء الصلاة في وقتها كثيرا.
لكننا نلاحظ في العصر الراهن أن أكثر الناس يقصرون في أداء الصلاة في وقتها لأبسط الأمور، بل لا يصلُّون أصلا ناهيك عن أدائها في وقتها، فبعضهم يصلون ثلاثا بدلا من خمس، ويقصرون في ذلك، مع أن الله I قد أمر المؤمنين بالمحافظة على الصلوات، إذ قال الله I ]حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى[، لكن بعضا منا يُضيعون صلاتَي الظهر والعصر بسبب التجارات والوظائف، كما تُفوَّت صلاتا المغرب والعشاء بسبب البرامج التلفزيونية أو البرامج المسائية الخاصة، وبحجة النوم يُضيعون صلاة الفجر. فكل واحد منا بحاجة إلى فحص نفسه هل نحن نستجيب لأمر الله أم لا. فبأداء الصلاة جماعةً في برامج خاصة للجماعة أو في رمضان نظن أننا عملنا بأمر الله، فلا ضير إذا عملنا به سائر أيام السنة بانتظام أم لا. لكن اسمعوا وانظروا إلى ما يقوله الله I ورسولُه عن أهمية الصلاة، فقد ورد في القرآن الكريم: ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ[ (التوبة 18) ويقول النبي r: إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ[ (الترمذي)
نحن جميعا نسمي أنفسنا مؤمنين من حيث الإعلان، بينما المؤمن في نظر الله ورسولِه مَن يعمر بيت الله لأنه يؤمن بالله واليوم الآخر. هنا تبين أيضا أن مجرد حضور المسجد لا يكفي، بل من الضروري حضورُ المسجد إيمانا بالله واليوم الآخر، فالذي سيفكر في ذلك فسوف يخشى الله أيضا ولن يثير الفتن في المساجد ولن يكون من المصلين الذين تجلب لهم صلاتُهم ويلا، والذين بدلا من الفوز برضوان الله I يشترون غضبه. كلا بل إن الذين يفكرون في اليوم الآخر وأنه يجب أن يخشوا الله I فهم يتحلون بالتقوى الحقيقية، وقلوبهم لينة، وعامرة بالحب والمودة والتآخي والتواضع، وهم يتمسكون بالصدق، وينشرون تعليم الإسلام في الأمن والسلام، ولا تكون مساجدهم مخيفة ومحلَّ الفتن. ولذلك قال الله قوموا للصلاة حصرا في المسجد الذي أُسس على التقوى، ولم يُبن للفتنة الفساد، فالذين يعمرون المساجد متحلين بالتقوى، هم يؤدون حقوق الله وحقوق العباد أيضا، وهم الذين بشَّرهم النبي r قائلا:
أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ (فسوف يقول للملائكة انظروا إلى صلاة عبدي أي افحصوا هل كان يصلي أم لا) فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ كَامِلَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَةٍ. (مسند أحمد، كتاب مسند الشاميين) وهنا استخدم الله تعالى كلمة “عبدي” لأن عباد الله تعالى يسعون كل السعي لعبادة الله تعالى ويسعون لأداء حق العبادة ولكن بمقتضى البشرية يمكن أن يحدث منهم ضعف وينسوا في بعض الأحيان، يتعرض المرء لمثل هذه الحالات في بعض الأحيان، فإن الله تعالى سيكمل الفرائض بالنوافل لكي يعفو عن عبده ويجعل كفة حسناته أرجح عاملا إياه معاملة الرحمة والمغفرة. فالذين يؤدون النوافل هم الذين يخشون الله تعالى وحده لأن النوافل لا تُؤدَّى أمام الناس بل في الخفاء وفي الوحدة ولا يقوم بهذه الحسنة إلا الذي يخشى الله تعالى وهو الذي سماه الله تعالى “عبدي”، ويمكن أن يخطئ عباد الله أيضا ولكنهم لا يثبتون على أخطائهم بل يسعون لتداركها. هذه معاملة رحمة الله تعالى. من جهة أخبر أن الصلاة ليس شيئا غير مهم بل أول ما يحاسب به العبد هو الصلاة لذا يجب أن تتوجهوا إلى أدائها، ولكنه مع ذلك قال إذا سعيتم لأداء حق عبادتي سالكين دروب التقوى فسوف أجعل نوافلكم متساوية مع الفرائض في الثواب وسأغفر لكم. فحيث بعث فينا الأمل بالمغفرة كذلك وجه إلى النوافل لجذب أفضاله تعالى. فالمؤمن هو الذي يهتم بالفرائض حاملا خشية الله في قلبه لجذب أفضاله تعالى وإضافة إلى ذلك يهتم بالنوافل أيضا لتكميل النقص في الفرائض.
فهؤلاء الناس يخشون الله تعالى حقيقة ويسلكون دروب التقوى وبفضل التقوى يتوجهون إلى الحسنات الأخرى وتلين قلوبهم لبعضهم البعض، وبدلا من أن ينتقموا من بعضهم يعفون عن بعضهم ويتعاملون بالحب والوئام لكي ينالوا حب الله تعالى وينشأ في قلوبهم التواضع وروح التضحية من أجل بعضهم البعض. فثمة حاجة ليحاسب كل واحد نفسه هل نتحلى بهذه الأمور لأن العابد الحقيقي يسعى لكسب كل أنواع الحسنات، فإذا كان ثمة شخص لا يكن عواطف الحب لأخيه فهذا يعني أنه ليس فيه تقوى حقيقية. والذي ليس لينا يجب أن يقلق، والذي استاء منه زوجته وأولاده في البيت هو أيضا لا يحظى بالتقوى، والزوجات اللاتي لا تؤدين حقوق أزواجهن وأولادهن ويطالبن بما لا يجوز فقلوبهن أيضا تخلو من التقوى. والذين يتعاملون فيما بينهم بالحب واللين هم قائمون على التقوى الحقيقية. قال النبي r: إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي. (صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب) أي سأُظلهم برحمتي يوم القيامة، فالذين يعملون بأحكام الله تعالى لوجهه تعالى هم الذين يحملون عواطف الحب لبعضهم البعض وهم الذين يجذبون حب الله تعالى أو بكلمات أخرى الذين لا يفعلون هذا يصبحون مورد غضب الله تعالى، لذا ينبغي أن يُنشئ كل واحد منا هذه الروح. إننا ندعي أننا نحب الجميع ولا نكره أحدا، فلا بد أن نعمل بها في بيوتنا أولا لكي نستطيع أن نبلغ هذه الرسالة في العالم بصورة حقيقية. وهذا مما نستطيع أن نستظل في ظل رحمة الله تعالى ببذل جهد بسيط من دون بذل جهد جهيد. ومن الوصايا التي أسداها النبي r في مناسبات مختلفة للحفاظ على أمن المجتمع ولزيادة الحب والوئام والأخوة قال r في مناسبة: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (صحيح البخاري، كتاب المظالم والغصب) فإن الله تعالى يريد أن يرحمنا ويشفق علينا ويغفر لنا بطرق مختلفة ولكن الإنسان بسبب تقصيراته وأنانيته وعناده يُسخط الله تعالى. إنه مقام خوف عظيم وثمة حاجة لنفكر كثيرا وفي هذه الأيام التي نميل إلى الحسنات وقد أتينا هنا بنية حضور الجلسة، حيث سنستمع لما يدعو إلى الحسنات، فيجب أن نحاسب أنفسنا ونتوجه إلى أداء حقوق العباد إضافة إلى أداء العبادات. ونسعى لمعرفة أهمية اللين والتحابِّ والتواضع وهذا ضروري من هذه الناحية أيضا أننا قطعنا عهد البيعة مع المسيح الموعود u على أننا لن نشرك بالله شيئا وأن نصلي الصلوات الخمس ونؤدي النوافل أيضا كما عهدنا في البيعة أننا لن نؤذي أحدا من خلق الله عموما والمسلمين خصوصا من جراء ثوائر النفس. وهذا لا يقتصر على المسلمين وعلى أبناء الجماعة فقط، صحيح أنه يجب أن نبدأ من بيتنا وننشئ الحب لبعضنا البعض ثم يجب أن تكون في قلوبنا عواطف الحب والوئام للمسلمين ثم لخلق الله عموما، كما يجب أن نتخلى عن الأهواء النفسانية. ويجب أن نعامل العاملين تحت إمرتنا معاملة حسنة ويجب أن تكون معاملتنا مع من يعملون تحتنا بحيث إذا أراد أحد أن يمتحن سلوكنا وحسناتنا وجدها متطابقة مع التعاليم. وإذا أراد أن يعرف ما إذا كنا نعمل مثل ما نقول فلا يجد أي فرق وتباين، وإذا كنا على هذا المستوى وإذا كنا نستطيع أن نجتاز هذا الاختبار استطعنا القول بأننا أحمديون حقيقيون ونؤدي حق البيعة.
من شروط البيعة التي نتعهد بها هو أن نطلّق الكبرَ والزهو طلاقًا باتًّا، ونقضيَ أيامَ حياتنا بالتواضع والانكسار ودَماثة الأخلاق والحلم والرِّفق. وقد ذكر المسيح الموعود u التواضع والحلم من أهداف الجلسة السنوية أيضا، وإضافة إلى ذلك نتعهد عند البيعة أيضا أننا سنقضي حياتنا بالتواضع والحلم. فالإيفاء بهذا العهد من مسؤوليتنا وهذه خطوة أولى نحو الصدق أن نوفي بعهد البيعة. فعلينا أن نقرأ شروط البيعة أيضا بين حين وآخر ونرى هل نحن ثابتون عليها بالصدق وهل نسعى لنقضي حياتنا بحسبها؟ وإذا لم نكن كذلك فادّعاؤنا لإصلاح الدنيا باطل لذا يجب أن نصلح أنفسنا أولا وإلا سنكون ممن يقولون بما لا يفعلون والله I لا يحب ذلك أبدا، إن أعمالنا بدلا من أن تشهد على صدقنا ستشهد على كذبنا، وعندما يكون هناك تناقض بين قولنا وفعلنا فادعاؤنا لخدمة الدين وحماسنا لها أيضا سيكون باطلا، لا شك أن المسيح الموعود u صادق ودعواه أيضا صادقة ولا شك أن الله تعالى وعده بإعطائه جماعة المخلصين ولكن إذا كانت حالاتنا على غير ما يرام فلن نكون من أنصار هذه الجماعة. فمن أجل الحصول على بركات البيعة ثمة حاجة إلى محاسبة أنفسنا والتأمل في أهداف الجلسة التي بينها المسيح الموعود u، ومن حسن حظّنا قد تيسّرت لنا ثلاثة أيام لهذا التأمل. فيجب أن يفحص كل واحد نفسه في هذه الأيام بدلا من أن يقضي وقته هنا وهناك، ويجب أن ندعو ونستغفر ونصلي على النبي r حينها نستطيع أن نستفيد من هذه الجلسة. قال المسيح الموعود u:
“يجب على أفراد جماعتي… أن يصغوا إلى وصيتي هذه جيدا أنّ الهدف من انضمامهم إلى هذه الجماعة وتعهدهم معي بالولاء والطاعة هو أن يبلغوا أعلى مستوى في الأخلاق الحسنة والسعادة والتقوى، وألا يقربوا الفساد والشر، وسوء الخُلق في تصرفاتهم. (هذا هو مستوى التقوى) وعليهم أن يؤدوا الصلوات الخمس جماعةً؛ ولا يتفوّهوا بكلمة كذب، ولا يؤذوا أحدًا بلسانهم. عليهم ألا يُذنبوا بارتكاب رذيلة، ولا تخطرنّ ببالهم أي فكرة لأي أذى أو ظلم أو فتنة. عليهم أن يجتنبوا كلّ شكل من أشكال المعاصي والجرائم ومن كل ما نهينا عنه من أهواء النفس والأفعال والأقوال والأعمال غير المشروعة. وعليهم أن يكونوا عباد الله عزّ وجلّ، طاهري القلوب، حلماء متواضعين. وعليهم ألا يسمحوا لأيّة بذرة سامّة أن تنموَ وتزدهر في تربة نفوسهم… يجب أن يكون التعاطف مع الجنس البشري هدفهم الأول، وأن يتّقوا الله عزّ وجلّ ويخشوه. يجب أن يحفظوا ألْسِنَتَهم وأيديهم وأفكارهم من كلّ نوع من الرجس، أو مما يُنافي الأخلاق. وعليهم أن يجتنبوا التمرّد أو الخيانة. يجب عليهم إقامة الصلوات الخمس يوميًا بغير انقطاع، ويجب أن يجتنبوا الظلم، والاعتداء، والرشوة وغصب أموال الآخرين وهضم حقوقهم، والتحيّزَ والمحاباة. (يجب أن تجتنبوا هضم حقوق الآخرين والمحاباة وإلحاق الضرر بالآخر بغير وجه حق) عليهم ألّا يُشاركوا في أيّة صحبة فاسدة شريرة، (اجتنبوا الصحبة الفاسدة، يجب أن يتذكر ذلك الشباب ويجب أن يعلم الآباء والأمهات أيضا ألا يجلس أولادهم في صحبة الطالحين وإلا سيصبحون مثلهم) ولو ثبت فيما بعد أنّ واحدًا من الذين يجالسونهم لا يطيع أوامر الله… أو لا يهتم بأداء حقوق العباد، أو أنه ظالم أو مؤذ، أو سيئ السلوك،… فمن واجبكم عندها أن تزيلوا هذه السيئة من بينكم وأن تعرضوا عن مثل هذا الشخص الخطر. ولا تهمّوا بإيذاء أي شخص من أي دين أو قوم أو جماعة، وكونوا للجميع من الناصحين المخلصين. (إذا كنتم تريدون أن تنصحوا أحد فيجب أن تكونوا صادقين ومخلصين له ويجب أن يكون عملكم متطابقا مع قولكم لكي يؤثر قولكم في الآخرين ولا تكون هناك أية محاباة) قال u: واحذروا أن يكون أيُّ مؤذٍ أو فاسد أو شرير أو متمرِّد فاسق أو سيئ السلوك واحدًا من أصحابكم أو المقيمين بينكم؛ لأنّ مثل هذا الشخص يمكن أن يكون سبب عثاركم في أيّ وقت.
ومن واجب كلّ فرد من جماعتي أن يعمل بهذه الوصايا كلها. ويجب ألا يجد السلوك السيئ والسخرية والاستهزاء طريقا إلى مجالسكم. امشوا على الأرض بقلوب طيبة، وطبائع نزيهة، وأفكارًا نقية…. لا تُهاجموا أحدًا بغير وجه حق، وكونوا مسيطرين على انفعالاتكم سيطرة كاملة. وإذا دخلتم في نقاش أو بحث دينيّ، فيجب أن يكون حواركم متسما بلطف وأسلوب حضاري. وإذا أساء إليكم أحد فانسحبوا من مثل ذلك المجلس بإلقاء السلام عليه…. يريد الله عزّ وجلّ أن يجعلكم جماعة تكون أسوة في الصلاح والصدق للعالم كلّه،… وكونوا طيّبي القلب متواضعين أتقياء حقًا. ستُعرفون من خلال التزامكم بالصلوات الخمس ومن الحالة الأخلاقية العالية. (صفتكم التي تعرفون من خلالها هي الالتزام بالصلوات الخمس وأخلاقكم العالية، وإذا تولدت فيكم هذه الأشياء فاعلموا أنكم قد أديتم حق بيعتكم) قال u: ومن كانت فيه بذرة الشرّ فلن يقدر على الالتزام بهذه النصيحة.
وفقنا الله تعالى جميعا أن نؤدي حق بيعتنا للمسيح الموعود u ونعمل بحسب وصاياه وتوقعاته u، وأن نستفيد أكثر ما يمكن من هذه الجلسة ونحسّن حالتنا الدينية والروحانية والأخلاقية وأن نثبت على هذه الحسنات دوما. آمين
*****
