خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 1/06/2018
في مسجد بيت الفتوح بلندن
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
كان من أصحاب النبي ﷺ عكاشةُ بنُ مِحصَن، وهو مِن كبار الصحابة. وحضر غزوةَ بدر على متن حصان، فكُسر سيفه، فآتاه النبي ﷺ خشبة فصارت في يده كأنها سيف حديدي ماضٍ، فحارب به العدو إلى أن كتب الله النصر للمسلمين. ثم شارك عكاشة في كل الغزوات بهذا السيف نفسه، وقد بقي معه إلى أن لقي ربه، وكان اسمه العون.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّره بدخول الجنة بغير حساب. في غزوة بدر قال رسول الله ﷺ لأصحابه إن أكبر فرسان العرب معنا اليوم. فقال الصحابة من يا رسول الله؟ قال: عكاشة بن محصن.
وعن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم.ْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ. ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ.
لقد سجّل حضرة مرزا بشير أحمد ؓ هذه الواقعة في كتابه سيرة خاتم النبيين حيث قال إن هذه الواقعة قد وقعت في مجلس الرسول ﷺ حيث قال سيدخل سبعون ألفا من أمتي الجنة بغير حساب، أي أنهم سيتبوأون مكانة روحانية عالية وسيهيج لهم فضل الله ورحمته بحيث لن تكون هناك حاجة إلى حسابهم، وقال رسول الله ﷺ: إن وجوه هؤلاء ستنير كما ينير البدر في كبد السماء في ليلته الرابعة عشرة. فقال عكاشة: يا رسول الله ادع الله تعالى أن يجعلني منهم، فدعا له النبي ﷺ بذلك. وبعد تسجيل هذه الواقعة قام حضرة مرزا بشير أحمد بشرح وتحليل رائع لها حيث قال: هذه الواقعة العابرة في الظاهر من مجلس النبي ﷺ تنطوي على كنز من المعارف، منها: أولا: أنها تدل على ما تفضل الله بها على أمة النبي ﷺ من فضل ورحمة، كما تدلّ على كمال الفيوض الروحانية لرسول الله ﷺ حيث أخبر أنْ سيكون من أمته سبعون ألفا سينجون من فزع الحساب يوم القيامة لما يتمتعون به من مرتبة روحانية بفضل الله ورحمته. ويقال إن السبعين ألفا إشارة إلى عدد كبير. وثانيا: تدل هذه الواقعة على ما يحظى به النبي ﷺ من قرب وزلفى عند الله تعالى، لأنه ﷺ توجه إلى الله تعالى فكشف الله عليه فورًا، من خلال الكشف أو الإلقاء، أن عكاشة من بين هؤلاء السبعين ألفا. ومن الممكن أن عكاشة لم يكن معدودا بين هذه الفئة من قبل، ولكن الله تعالى كتب له هذا الشرف نتيجة دعاء النبي ﷺ. وثالثا: تدل هذه الواقعة على أن النبي ﷺ كان شديد التأدب مع الله تعالى، وكان يريد من أمته أن يرفعوا مستوى مجاهداتهم، ذلك أنه لما رجاه شخص آخر أن يدعو له لم يُجِبْ طلبه، نظرًا إلى عظمة المكانة الروحانية التي تتبوأها تلك الفئة الطاهرة، وهكذا لفت النبي ﷺ أنظار المسلمين إلى ضرورة الترقي في التقوى والإيمان والعمل الصالح، مبينًا لهم أنهم لو اهتموا بهذا الأمر لتبوءوا تلك المكانة العالية. ورابعا: إن هذه الواقعة تسلط مزيدا من الضوء على عظمة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم إذ رفض طلب الصحابي الآخر بدون أن يكسر خاطره، إذ رفض طلبه بلباقة.
بعث النبي ﷺ عكاشة أميرًا على سرايا كثيرة. فقد أمّره النبي ﷺ في ربيع الأول في العام السادس الهجري على أربعين مسلما للقاء بني أسد الذين كانوا معسكرين بالقرب من عين تدعى “غمر”، وكانت على مسافة بضعة أيام ناحية مكة. خرجت سرية عكاشة مسرعة واقتربت من بني أسد لتمنعهم من شرورهم، إلا أن المسلمين لما وصلوا هناك علموا أن خبرهم وصل بني أسد فتفرقوا هنا وهناك. فرجع عكاشة وأصحابه إلى المدينة ولم يقع أي قتال، أي أنهم لم يسعوا لقتال العدو بدون داع. وفي ذلك رد على الذين يتهمون المسلمين بأنهم كانوا يحبون القتال وإراقة الدماء.
وعن عبد الله بن عباس في قول الله عز وجل: (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا)، قال: لما نزلتْ أمر محمد صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي بالصلاة جامعة. وبعد الصلاة خطب خطبة ذرفت لها العيون، ثم قال: “أيها الناس أي نبي كنتُ لكم؟” فقالوا: جزاك الله من نبي خيرًا، فلقد كنتَ بنا كالأب الرحيم وكالأخ الناصح المشفق، أديتَ رسالاتِ الله عز وجل، وأبلغتَنا وحيه، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، فجزاك الله عنا أفضل ما جازى نبيًا عن أمته. فقال لهم: “معاشِرَ المسلمين، أنا أنشُدكم بالله وبحقي عليكم مَن كانت له قِبَلي مَظْلَمةٌ فليَقُمْ فليقتصَّ مني”. فلم يقمْ إليه أحد. فناشدهم ثانية، فلم يقم أحد، فناشدهم الثالثة: “معاشرَ المسلمين أنشدكم بالله وبحقي عليكم مَن كانت له قِبلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في القيامة”. فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة، فتخطى المسلمين حتى وقف بين يدي رسول اللَّه ﷺ، فقال: فداك أبي وأمي، لولا أنك ناشدتنا مرة بعد أخرى ما كنت بالذي يُقدِم على شيء من هذا. ثم قال عكاشة: كنت معك في غزاة فلما كنا في الانصراف حاذت ناقتي ناقتك، فنـزلت عن الناقة ودنوت منك لأقبل قدمك، فرفعت القضيب فضربتَ خاصرتي، ولا أدري أكان عمدًا منك أم أردت ضرب الناقة؟ فقال رسول اللَّه ﷺ: “أعيذُك بجلال الله أن يَتعمد رسول اللَّه بالضرب. ثم قال ﷺ: يا بلال انطلق إلى منـزل فاطمة وائتني بالقضيب المَمشُوق”، فخرج بلال وقال لفاطمة: يا بنت رسول اللَّه، ناوليني القضيب الممشوق، فقالت فاطمة: يا بلال، وما يصنع أبي بالقضيب، وليس هذا يوم حج ولا غزاة؟ فقال: يا فاطمة ما أغفلك عما فيه أبوكِ! إن رسول اللهﷺ يودع ويفارق الدنيا ويعطي القصاص من نفسه. فقالت فاطمة رضي الله عنها: يا بلال، ومن ذا الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول الله ﷺ؟! يا بلال، إذن فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل، فيقتص منهما ولا يدعانه يقتص من رسول الله ﷺ. فدخل بلال المسجد ودفع القضيب إلى رسول اللهﷺ ، ودفع رسول اللهﷺ القضيب إلى عكاشة، فلما نظر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى ذلك قاما فقالا: يا عكاشة هذان نحن بين يديك فاقتص منا ولا تقتص من رسول اللهﷺ ، فقال لهما النبي ﷺ: “امضِ يا أبا بكر وأنت يا عمر فامضِ فقد عرف الله مكانكما ومقامكما”، فقام علي بن أبي طالب فقال: يا عكاشة أنا في الحياة بين يدي رسول اللَّهﷺ ، ولا تطيب نفسي أن يُضرب رسول اللَّهﷺ ، فهذا ظهري وبطني اقتص مني بيدك واجلدني مائة، ولا تقتص من رسول اللَّهﷺ ، فقال النبيﷺ : “يا علي، اقعد فقد عرف الله عز وجل مقامك ونيتك”. وقام الحسن والحسين رضي الله عنهما فقالا: يا عكاشة، أليس تعلم أنا سبطا رسول اللَّه؟! فالقصاص منا كالقصاص من رسول اللَّهﷺ ، فقال ﷺ: “اقعدا يا قُرة عيني”، ثم قال النبي ﷺ: يا عكاشة اضرب إن كنت ضَاربًا” فقال عكاشة: يا رسول الله ضربتَني وأنا حاسر عن بطني، فكشف عن بطنه ﷺ، وصاح المسلمون بالبكاء، وقالوا: أترى يا عكاشة ضارب رسول اللَّهﷺ ، فلما نظر عكاشة إلى بياض بطن رسول اللَّهﷺ ، لم يملك أن كب عليه وقبّل بطنه وهو يقول: فداءٌ لك أبي وأمي، ومن تطيق نفسه يا رسول الله أن يقتص منك؟ فقال له النبي ﷺ: إمَّا أن تضرب وإمَّا أن تعفو” فقال: قد عفوت عنك رجاءً أن يعفو الله عني يوم القيامة، فقال النبي ﷺ: “من أراد أن ينظر إلى رفيقي في الجنة فلينظر إلى هذا الشيخ”، فقام المسلمون فجعلوا يقبلون ما بين عيني عكاشة، ويقولون: طوباك طوباك نلت الدرجات العلى ومرافقة رسول اللَّهﷺ .
كان هذا عكاشة، فلما سمع عكاشة أن النبي ﷺ يخبر عن رحيله رأى أنه ربما لن يجد مثل هذه الفرصة لاحقا فاغتنمها ليلمس جسد رسول الله بل ليقبّله.
في عهد خلافة أبي بكر ؓ خرج عكاشة مع خالد بن الوليد يقاتل المرتدين. يروي عيسى بن عُمَيْلَةَ عن أبيه أن خالدًا بن الوليد كلما خرج لمحاربة المرتدين وسمع الأذان امتنع من الإغارة عليهم وإن لم يسمع الأذان أغار. فلما وصل إلى قوم كانوا في بُزَاخَةَ بعث خالد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم رضي الله عنهما طليعةً أمامه يأتيانيه بخبر العدو، وكانا فارسين، عكاشة على فرس يقال له الرزام وثابت على فرس له يقال له المحبَّر، فلقيا طليحةً وأخاه سلمة اللذين سبقا جيشهما لاستطلاع أخبار المسلمين. فانفرد طليحة بعكاشة وسلمة بثابت رضي الله عنهما، فقتل الأخوان الصحابيَين.
يقول أبو واقد الليثي: كنا في مائتي فارس في طليعة الجيش، فوقفنا عند هذين المقتولين عكاشة وثابت رضي الله عنهما إلى أن وصل خالد بن الوليد فأمر بدفنهما فدُفنا بدمائهما وثيابهما. وكان ذلك في السنة الـ 12 للهجرة. هكذا استشهد عكاشة.
وكان هناك صحابي آخر للنبي ﷺ وهو خارجة بن زيد، وكان من بني الأغرّ من الخزرج. كانت بنته حبيبة تزوجت من أبي بكر الصديق وولدت منه أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق.
لقد آخى رسول الله ﷺ بين خارجة بن زيد وبين أبي بكر ؓ. كان خارجة زعيم القبيلة ويُعّد من كبار الصحابة، وقد بايع يوم العقبة. وقد أقام أبو بكر ؓ في بيت خارجة بن زيد بعد الهجرة إلى المدينة. وقد اشترك في غزوة أُحد واستُشهد فيها بعد أن قاتل بشجاعة وبسالة كبيرتين. أخذته الرماح يوم أُحد، فجُرح بضعة عشر جرحًا، فمر به صفوان بن أمية فعرفه فأجهز عليه، ومثّل به وقال: هذا ممن أغرى بأبي عليّ يوم بدر يعني أباه أمية بن خلف…وقال: الآن شفيت نفسي حين قتلت الأماثل من أصحاب محمد، وقتل صفوانُ ابنَ قوقل خارجة بن زيد وأوسَ بن أرقمَ.
لقد دُفن خارجة بن زيد وسعدُ بن الربيع الذي كان ابن عمه في قبر واحد. وقد جاء في رواية: قال عباس بن عبادة يوم أُحدٍ بصوت عالٍ: يا معشر المسلمين، اللهَ ونبيَّكم! هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم، فيوعدكم النصر فما صبرتم! ثم نزع مغفره عن رأسه وخلع درعه فقال لخارجة بن زيد: هل لك في درعي ومغفري؟ قال خارجة: لا، أنا أريد الذي تريد. فخالطوا القوم جميعاً، وعباس بن عبادة يقول: ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسولُ الله ومنا عينٌ تطرف؟ يقول خارجة: لا عذر لنا عند ربنا ولا حجة. فأما عباس فقتله سفيان بن عبد شمس السلمي. وقد تلقى خارجة بن زيد بضعة عشر جرحًا من الرماح.
مر مالك بن الدُّخْشُم على خارجة بن زيد يوم أُحد ۔۔۔ وبه ثلاثة عشر جرحا، فقال له مالك: أما علمت أن محمدا قد قُتل؟ فقال خارجة: إنْ قُتل رسول الله ﷺ فإن الله حي لا يموت، فقد بلّغ رسولُ الله ﷺ رسالة ربه، فقاتِل عن دينك.
وكان لخارجة ولدان أحدهما زيد بن خارجة الذي توفّي في عهد خلافة عثمان ؓ. وكان من أولاده حبيبة بنت خارجة زوجة سيدنا أبي بكر ؓ. عندما توفّي أبو بكر ؓ كانت زوجته “حبيبة” حاملا، وقال ؓ: أتوقع أنها ستُرزق بنتا، فأنجبت بنتا.
ثم هناك صحابي آخر اسمه زياد بن لبيد، وأمه عمرة بنت عبيد بن مطروف. وكان لزياد بن لبيد من الولد عبد الله. شهد زياد العقبة الثانية مع السبعين من الصحابة وأسلموا جميعا. ولما عاد إلى المدينة بعد أن أسلم كسر أصنام بني بياضة التي كانوا يعبدونها. وخرج زياد إلى رسول الله، ﷺ، بمكة فأقام معه حتى هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة فهاجر معه، فكان يقال: زيادٌ مهاجريٌ أنصاريٌ. وشهد زياد بدرا وأُحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله، ﷺ. عندما جاء النبي ﷺ المدينة مهاجرا ومرّ من قبيلة بني بياضة رحّب به زياد وقال: يَا رَسُولَ اللهِ هَلُمّ إلَيْنَا. فقال ﷺ: خَلّوا سَبِيلَ ناقتي، فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ وستجد منـزلها بنفسها. وفي شهر محرم في العام التاسع من الهجرة عيّن رسولُ الله ﷺ محصّلين مستقلين لجمع أموال الزكاة والصدقات، وعيّن زيادا في منطقة حضرموت، فظل يؤدي هذه الخدمة إلى عهد خلافة عمر ؓ.
وقد ورد في التاريخ أنه عندما اشتدت فتنة الارتداد في عهد أبي بكر ؓ ورفض البعض أداء الزكاة وارتد الأشعث بن قيس الكندي أيضا بعث أبو بكر إليه زيادًا، فغزاه زياد ولاذ الأشعث في حصن النجير. فحاصره زياد بشدة فسأله الأشعث الأمنَ على نفسه وولده وماله على أن يفتح لهم. فقال له زياد: يجب أن تكتب عقدا وسأختم عليه، ثم فتح لهم بعد ذلك. وعندما فُحص العقد فيما بعد تبيّن أن الأشعث كتب أسماء تسعة أشخاص آخرين ونسي ذكر اسمه، وبُعث به إلى أبي بكر بالمدينة.
ثم هناك صحابي آخر هو معتب بن عبيد… وليس له عقب، وورثه ابنُ عمه أسير بن عروة. وشهد معتب بن عبيد بدرا وأحدا وقُتل يوم الرجيع شهيدا، وقد قُتل يوم الرجيع عشرة من المسلمين.
يقول حضرة مرزا بشير أحمد ؓ عن هذا الحدث: هذه الأيام كانت خطيرة جدا على المسلمين، إذ كان النبي ﷺ يتلقى أخبارا موحشة من كل جانب، ولكنه ﷺ كان يواجه أكبر خطرٍ من قريش الذين أصابهم الحماس والتجاسر بسبب غزوة أُحد.
عند الشعور بهذا الخطر شكَّل النبي ﷺ فريقا من عشرة من صحابته في شهر صفر من العام الرابع الهجري ، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت، وأمرهم بأن يتوجهوا سرًّا إلى قرب مكة ويستطلعوا أوضاع قريش، ويخبروه عن أعمالهم وأنشطتهم وخططهم، لكنه قبل أن ينطلق هذا الفريق، جاء نفر من عضل وقارة، مُقرين بالإسلام فقالوا يا رسول الله إن فينا الإسلام فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا فبعث رسول الله ﷺ معهم نفس الفريق الذي شكَّله للاستطلاع لكنهم كما تبين لاحقا كانوا كاذبين وإنما جاؤوا إلى المدينة بمؤامرة بني لحيان الذين وضعوا هذه الخطة لأخذ الثأر منهم على قتل زعيمهم سفيان بن خالد، زعما منهم أن المسلمين عندما سيخرجون بهذا القصد سوف يقتلونهم. وكان بنو لحيان قد وعدوا رجال عضل وقارة مقابل ذلك كثيرا من الجمال. فلما وصل هؤلاء الغدارون من عضل وقارة إلى ما بين عسفان ومكة، أخبروا بني لحيان سرا أن المسلمين يأتون معنا فتعالوا، فخرج منهم مائتا شاب مائة منهم رماة ليلحقوا بالمسلمين وأصابوهم عند الرجيع. وكيف كان لعشرة أشخاص أن يقاوموا مائتي مقاتل؟! لكن المسلمين لم يُعلَّموا الاستسلام بل قد عُلموا أنهم إذا حوصروا فليقاتلوا، لذا صعد هؤلاء الصحابة على تلة واستعدوا للدفاع. فقال لهم الكفار- الذين لا يعاب عندهم الخداع- لكم العهد والميثاق إن نزلتم ألا نقتل منكم. فقال لهم عاصم ؓ لا نثق بعهدكم وميثاقكم، لذا لن ننـزل لهذا العهد. ثم قال موجها إلى السماء: اللهم أنت ترى ما نواجهه فأَخبرْ عنا رسولَك. باختصار دافع عاصم ورفاقه واستُشهد منهم سبعةٌ وبقي خُبيب بن عدي وزيد بن الدِّثِنَّة وصحابي آخر. استنـزلهم الكفار مرة أخرى، ووعدوهم أنهم لن يضروهم إذ كانوا يتمنون أسْرهم أحياء، فانخدع هؤلاء المسلمون البسطاء هذه المرة. لكن الكفار فور نزولهم اعتقلوهم، عندها لم يطق رفيق خبيب وزيد- وذُكر اسمه في التاريخ عبد الله بن طارق- الصبرَ وقال للكفار هذا أول نقض للعهد منكم ولا ندري ماذا ستفعلون بنا لاحقا، فرفض المشي معهم، وهم جرّوه قليلا وضربوه ثم قتلوه وتركوه هناك. فلما كان انتقامهم قد حصل قد أخذوا معهم خبيبا وزيدا إلى مكة إفراحا لقريش وطمعا في المال، ثم باعوهما في مكة، إذ قد ابتاع خبيبا أولادُ الحارث بن عامر بن نوفل، لأن خبيبا كان قد قتل حارثا في بدر، أما زيد فاشتراه صفوان بن أمية، وهما الآخران قد استُشهدا فيما بعد.
ثم من الصحابة الذين شهدوا بدرا، سيدنا خالد بن بُكير، وكان سيدنا خالد بن بكير مع إخوته الثلاثة سيدنا عاقل وسيدنا عامر وسيدنا إياس ؓ هم أول من أسلموا معا في دار أرقم، وكان رسول الله ﷺ قد آخى بين سيدنا خالد بن بكير وسيدنا زيد ابن الدثنة، وهو قد شهد بدر وأحدا، واستُشهد في حادثة الرجيع المذكورة قبل قليل، حيث قُتل عشرة من الصحابة غدرا. وكان خالد بن بكير ضمن أفراد السرية التي بعثها النبي ﷺ لقافلة قريش برئاسة عبد الله بن جحش ؓ، واستشهد في شهر صفر من العام الرابع بعد الهجرة في الرجيع أثناء قتال مع أفراد عضل وقارة برفقة عاصم بن ثابت ومرثد بن أبي مرثد الغنوي. يقول ابن إسحاق: حين وصل أفراد عضل وقارة مع هؤلاء الصحابة إلى الرجيع، وهو اسم نبع قبيلة هُذَيل، وعلى حدود الحجاز، غدروا بالصحابة، وأثاروا قبيلة هُذَيل ضد أولئك الصحابة. كان الصحابة في خيمتهم إذ لاحظوا أن الناس من الجهات الأربع يتقدمون إليهم مسلحين بالسيوف، فاستعدوا للدفاع بشجاعة، فقال لهم الكفار: والله لن نقتلكم، وإنما نريد أن نعتقلكم ونبيعكم لأهل مكة، فقال لهم سيدنا مرثد بن أبي مرثد وسيدنا عاصم بن ثابت وسيدنا خالد بن بكير ؓ: والله لن نثق بأي عهد من المشرك، ثم حصل القتال واستُشهدوا كلُّهم. لقد قال سيدنا حسان بن ثابت ؓ:
أَلا لَيتَني فيها شَهِدتُ اِبنَ طارِقٍ… وَزَيداً وَما تُغني الأَماني وَمَرثَدا
وَدافَعتُ عَن حِبَّي خُبَيبٍ وَعاصِمٍ…. وَكانَ شِفاءً لَو تَدارَكتُ خالِدا
فهؤلاء قدّموا تضحيات لحماية الدين ولإيمانهم وأحرزوا رضى الله تعالى. قال المسيح الموعود u في كتاب له: الشكر للإله المرسِل والـمحسن وكاشف الهموم، والصلاة على رسوله والسلام على إمام الإنس والجن الذي هو طيب القلب والجاذب إلى الجنة، والسلام على أصحابه الذين ركضوا إلى ينبوع الإيمان كالظمآن وتنوَّروا بكمالهم العلمي والعملي في ليالي ظلمات الضلال. ثم قال u في موضع عن الصحابة: كانوا أُسد ميادين النهار ورهبان الليالي ونجوم الدين، والمراد من كونهم رهبان الليالي هو أنهم كانوا يعبدون في الليالي وهم نجوم الدين ويحالفهم رضى الله تعالى. وفقنا الله تعالى لتحسين حالتنا العلمية والعملية ولرفع مستوى عبادات الليالي. (آمين)
سأصلي بعد صلاة الجمعة صلاة الغائب على السيد إسماعيل مالاغالا الداعية في أوغندا الذي تعرّض لجلطة قلبية في 25 أيار قبل صلاة الجمعة ولقي ربه عن عمر يناهز 64 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. وُلد السيد إسماعيل مالاغالا في 1954م في محافظة مكونو في أوغندا، وكان أبواه مسيحيَّين لذا كان السيد مالاغالا أيضا مسيحيا من الولادة، وكان صهره الحاج شعيب نصيره أحمديا وكان يرتاد بيت صهره فأخذ يرغب في الإسلام بسبب الحاج شعيب واستمرت معه سلسلة الأسئلة والأجوبة إلى مدة طويلة، وأخذ صدقُ الإسلام يتّضح له شيئا فشيئا، وأخيرا بايع في 1978 ودخل الإسلام، وحين أسلم قال للحاج شعيب نصيره كنتُ أتطلَّع منذ صغري إلى أن أصبح قسيسا مسيحيا ولكنني الآن قد قبلتُ الإسلام فهل من سبيل لأخدم الإسلام؟ فأُخبر بأنه يستطيع أن يكرّس حياته لخدمة الإسلام، في ذلك الوقت كان أمير الجماعة الحالي في أوغندا السيد محمد علي قاهرو قد عاد من باكستان إلى أوغندا بعد تخرجه من الجامعة الأحمدية، فأرسلَ السيد مالاغالا وخمسةَ شباب آخرين إلى باكستان في 1980م، فسجّل المرحوم في كانون الأول 1980م في فصل خاص بالجامعة الأحمدية بربوة، وأكمل دراسته في 1 آذار 1988م.
كتب السيد مير محمود أحمد ناصر عميد الجامعة آنذاك في ملحوظاته عن الفتـرة الدراسية التي قضاها المرحوم في الجامعة: إنه طالبٌ ضعيف في الدراسة ولكنه ظل جِدّ متعاون ومطيعا ومتواضعا وعابدا. كانت مَزِيَّتُه زيارة صلحاء الجماعة وطلب الدعاء منهم. تعلم في الجامعة الأحمدية بجهد، وحين اضطُر الخليفة الرابع رحمه الله تعالى إلى الهجرة من باكستان كان المرحوم مـمن قاموا بواجب الحراسة بأحسن وجه وبشجاعة في تلك الظروف الخاصة.
كتب عميد الجامعة الحالي السيد مبشر أياز عن المرحوم: كنا ندرس معا في الجامعة، كان المرحوم جد صالح وهادئ الطبع، كان من الطلاب الذين يشغفون بالعبادات وكان يتميز بالطاعة. كنتُ نقيبا وقائدا، لذا تعاملت معه لمرات كثيرة فوجدته متواضعا ومطيعا، كان يحب لعب كرة القدم وكان هو اللاعب الوحيد الذي يحب كل فريق أن يكون فيه.
وبعد أن أكمل دراسته عُيّن في 1988م في أوغندا حيث خدم الجماعة كداعيةٍ في عدة فروع، وفي 2007م ذهب مع داعيتَين آخرَين إلى باكستان حيث راجع ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأوغندية وأكمل هذه المهمة في غضون ثلاثة أشهر. كان ضعيفا في الدراسة في الجامعة ولكنه فيما بعد تقدم علميًّا أيضا وزاد علمه كثيرا. كان يحب التبليغ جدا وقبل الأحمديةَ كثيرٌ من الناس نتيجةَ تبليغه، وكان يقوم بأسفار تبليغية طويلة على الدراجة. مرة كان في سفره للتبليغ إذ تُوفيت زوجته ولم تكن آنذاك أيةُ وسيلة للتواصل معه فحين عاد من سفره علم أن زوجته تُوفيت ودُفنت أيضًا. عاش حياة بسيطة منشغلا بخدمة الدين وكان لينَ القلب ومواسيا وكريما يهتم بالفقراء والمساكين ومحبا جدا للخلافة وكان يحسب ضروريا العمل بكل ما يأمر به الخليفة. رأيتُ أنَّ للدعاةِ والواقفين حياتهم من الأفارقة علاقة خاصة بالخلافة.
كتب أمير الجماعة في أوغندا السيد محمد علي قاهرو أن المرحوم كان داعية مثاليا وكان جد طيب القلب وداعيا إلى الله وخادمَ الدين، ولم يشكُ أبدا رغم وجود كثير من المشاكل بل ظل يخدم الدين في كل حال. بعد وفاة الزوجة الأولى تزوج من ثانية وبعد فتـرة تزوج من ثالثة. كتبت إحدى زوجاته: وجدتُه طول حياتي محبا جدا ولين القلب ومطمئنا في كل حال وشاكرا لله تعالى. قالت ابنته: كان والدنا إنسانا كريما وحليما للغاية وكان يهتم بحاجاتنا دوما ويعلّمنا أن نتمسك بالدين. ترك وراءه زوجتَين وتسعة أولاد، تغمّد الله تعالى المرحوم برحمته وغفر له وجعل ذُرِّيَّته متمسكين بالجماعة والخلافة. (آمين)
******