خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 12/1/2018
***
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
يقول سيدنا المسيح الموعود متحدثا عن القوة القدسية للنبي : “إن مذهبي هو أنه لم يُعطَ نبي في العالم قوة قدسية أُعطيها النبي . إن سرّ تقدم الإسلام هو أن قوة النبي الجاذبة كانت عظيمة. وكان كلامه يتسم بتأثير لدرجة شُغف في حبه تلقائيا كلّ مَن سمعه. فالذين جذبهم طهّرهم وزكّاهم.”
ثم قال حضرته عن التغييرات التي أحدثها رسول الله في صحابته: “عندما ننظر إلى الصحابة لا نجد أحدهم يكذب. لا يوجد شيء في تصوراتهم إلا النور بينما عندما ننظر إلى حالة العرب الابتدائية نجدهم ساقطين تحت الثرى. كانوا منهمكين في الوثنية ويتشجعون على أكل أموال اليتامى ومنغمسين في كل نوع من السيئات ويعيشون كالنُّهاب والسارقين. أي كانوا غارقين في النجاسة من قمة الرأس إلى أخمصِ القدم.”
لكن حضرته أحدث فيهم انقلابا يستحيل العثور على نظيره في الأمم الأخرى. وإن معجزة النبي هذه لعظيمة، وقد قال حضرته في موضع آخر أنها وحدها تكفي لفتح عيون العالم.
يقول حضرته : “إن تغيير شخص واحد يكون صعبا (أي من المعلوم أن مهمة إصلاح شخص واحد فقط غاية في الصعوبة) أما النبي فقد أعدّ قوما ضربوا لإخلاصهم مثلا أعلى حتى ذُبحوا مثل الخراف والشياه من أجل الصدق الذي اختاروه. الحق أنهم لم يعودوا أناسا أرضيين بل جعلهم تعليم النبي وهديه ونصيحته المؤثرة أناسا سماويين ونشأت فيهم صفات قدسية. هذا هو نموذج الإسلام الذي نقدمه أمام العالم، وبسبب هذا الإصلاح والهداية سمَّى الله تعالى النبيَّ نبوءةً محمدا فحُمِّد في الأرض لأنه ملأ الأرض بالأمن والصلح والأخلاق الفاضلة الحسنة والصلاح”
اليوم أيضا نلاحظ أن المنصفين لا يجدون بدًّا من الإقرار بأن رسول الله قد حوَّل أناسا غارقين في الجهل والعناد والنجاسة إلى متعلمين وربانيين. قبل بضع سنوات زارني عالم يهودي وقال لي أثناء تبادل الحديث: مع أنه لا يُسمح لليهود بدخول المسجد الأقصى قد ذهبتُ إلى هناك ودخلتُه وزرته كله. والتفصيل الذي سرده لي طويلٌ وملخّصه أن المسئول عن الزيارة قد أبدى شكَّه عدة مرات في إسلامي، وكل مرة كنت أحدِّثه عن أمر يوحي بإسلامي، حتى أني قد نطقت بشهادتين لإقناعه بأني مسلم، وقلت “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. باختصار حين انتهيت من زيارة المسجد جيدا، قال لي ذلك المسئول: مع أنك نطقت بالشهادتين إلا أني ما زلت غير مقتنع بإسلامك. لقد زرتَ المسجد وأرجو أن تقص علي الحقيقة. عندها قلت له: أنت على صواب، فلستُ مسلمًا بل أنا يهودي. أما النطق بشهادتين فأنا أؤمن بأن لا إله إلا الله. أما قولي: “محمد رسول الله”، فأنا أؤمن بذلك أيضا لأني مطلع على تاريخ العرب، وأعرف ما هي الأوضاع التي كان يعيشها العرب عند بعثة حضرته ، فالأوضاع التي كان يعيشها العرب قبل بعثة حضرته لم يكن أي قائد مادي يقدر على تغييرها ولم يكن إصلاحهم في وسع أي إنسان إلا نبي. فسواء آمنت به أم لا، فإنني أعدُّه نبيا مبعوثا من الله. باختصار قد أقرَّ رغم كونه رجلا ماديا بالانقلاب العظيم الذي خلقه رسول الله.
فالذين ينظرون اليوم أيضا بإنصاف إلى التغييرات غير العادية التي حدثت في الصحابة بالقوة القدسية للنبي فلا يجدون بدًّا من التسليم بأنه كان فعلا رسولا من الله. فعن الصحابة ومكانتهم الرفيعة وعن التغييرات العظيمة التي ظهرت فيهم قال سيدنا المسيح الموعود في موضع: “إن نماذج الصحابة تعكس سيرة جميع الأنبياء. إن الله يحب العمل فقط، فقد تحمَّل الصحابة بأن يُذبحوا في سبيل الله كالشياه، وإن مَثلهم كمثل هيكل النبوة الجارية من آدم عليه السلام (أي الشكل والصورة والمقام والتصور للنبوة يوجد من زمن آدم) ولكن ما كان يُدرك كُنهُها وعظمتها ولكن الصحابة أرَوها ساطعة وبيّنوا ما الذي يقال له الصدق والوفاء. ثم إن الحياة البعيدة عن كل أسباب الراحة عاشوها هي الأخرى بصورة منقطعة النظير. إن حزب أصحاب النبي كان حزبا عجيبا وحريا بالتقدير والتقليد. كانت قلوبهم عامرة باليقين. عندما يتحلى الإنسان باليقين يروق له رويدا رويدا أن ينفق المال أيضا. ثم عندما يزداد اليقين يحب صاحبه أن يجود بحياته أيضا في سبيل الله.”
وقال حضرته في موضع آخر: “كفى بالصحابة مدحًا آيةٌ وحيدة هي: لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ (النور: 38)، فقد أحدثوا في نفوسهم تغييراتٍ هائلة، وإن الإنجليز أيضًا يُقرون بأن الحصول على نظير الصحابة متعذر، فشجاعة البدو وبسالتهم العظيمة لمدعاة للعجب.. المؤمنون حائزون على كمال تام في حب الله تعالى بحيث لا تحول دونه المشاغل الدنيوية مهما كثرتْ.”
ثم قال حضرته: “اعلموا أن عباد الله الكمّل هم الذين قال عنهم: لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. عندما يُنشئ القلبُ علاقة صادقة وحبا صادقا مع الله تعالى لا ينفصل عنه قط. يمكن فهْم هذه الكيفية من أنه إذا كان لدى أحدكم ولدًا مريضا فحيثما يذهب ومهما كان مشغولا في عمل يبقى باله وانتباهه مشغولا في الولد، كذلك الذين يخلقون علاقة صادقة وحبا صادقا مع الله تعالى لا ينسونه بحال من الأحوال.”
فالصحابة الكرام رضوان الله عليهم أنشأوا العلاقة الصادقة بالله وعشقوه بحيث كان من المستحيل أن يغفلوا عنه أو يتقاعسوا عن تقديم تضحية ما. فهناك أمثلة كثيرة للصحابة. ورد عن خباب بن الأرت أنه حين قرب أجله غلب عليه خوف الله وخشيته لدرجة طلب رؤية كفنه وكان يراه ترفا وإسرافا فقال ودموعه تسيل: “انظروا هذا كفني، لكن حمزة عم رسول الله لم يوجد له كفن يوم استشهد إلا بردة ملحاء، إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه، حتى مدت على رأسه وجعل على قدميه الأذخر بحسب توجيه الرسول . وقال أيضا بغاية الخشية: لَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ مَا أَمْلِكُ دِرْهَـمًا واليوم بسبب بركة رسول الله وبسبب نِعم الله تعالى ولقبوله هذه التضحيات قد أعطاني مالا إلى درجة أن في الصندوق الموضوع فِي جَانِبِ بَيْتِي الآنَ أَرْبَعونَ أَلْف دِرْهَمٍ. وقال: لقد أعطاني الله تعالى من المال ما أخاف أن يكون ثوابا لأعمالي في هذه الدنيا وأخشى أن أُحرم من جزاء الآخرة.
وقال له بعض عُواده وهو في مرض الموت: أبشر يا أبا عبد الله، فإنك ملاقٍ إخوانك (أيْ الصحابةَ العظام) غدا. فأجابهم وهو يبكي: أما إنه ليس بي جزع، ولكنكم سمّيتموني أخا الصحابة الذين كان مقامهم عاليا جدا ولا أدري إذا كنتُ أهلا لأُسـمَّى أخاهم أم لا. قال: مضوا ولم ينالوا من الدنيا ما نلناه. هذا كان مستواه في خشية الله وتقواه بحيث يحسب نفسه حقيرا للغاية، وكان يخشى الله تعالى ويقلق لرضى الله تعالى بعد موته وكان يدعوه أن يرضى عنه.
تضحياته وخدمته للدين لم تكن أدنى من الآخرين، صلى علي جنازته وكان خليفة فقال كلمات تاريخية عن خباب يمكن منها تقدير مقامه. قال علي : رحم الله خبابًا، فلقد أسلم راغبًا، وهاجر طائعًا، وعاش مجاهدًا، وابتلي في جسمه فأبدى نموذج الصبر والثبات للغاية، ولن يضيعَ الله أجرَ مَنْ أحسنَ عملا.
ثم انظروا كم كان مقام خباب عظيما في نظر عمر . ذات يوم دعا عمر خبابا وأجلسه على متكئه وقال: يا خباب! أنت تستحق أن تجلس معي على هذا المتكأ، وما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا إلا بلال ، لأنه لقي أذى كثيرا لقبوله الإسلام في أول أيامه، فقال خباب : يا أمير المؤمنين! لا شك أن بلالا أيضا جدير بذلك؛ ولكن كان له في المشركين من يمنعه الله به، (فابتاعه أبو بكر وحرّره) ولم يكن لي أحد يمنعني من ظلم الكفار، فلقد رأيتني يومًا أُخذت فأوقدوا لي نارًا، ثم ألقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري فتعذر خروجي منها، فما اتّقيت الأرض إلا بظهري. سحبوه على الجمر فاحترق ظهره عليها، ثم كشف خباب عن ظهره، فإذا هو قد برص. فأخبر بأن هذه الآثار نتيجة إلقائه على الجمر الذي أحرق الشحم والجلد وظهر هذا اللون الأبيض من تحته. كان خباب قد شارك في بدر وأُحد والخندق ومع كل هذا كان يساوره القلق عند وفاته أيرضى الله تعالى عنه أم لا؟
ثم كان من الصحابة معاذ بن جبل ، ورد عنه أنه كان ملتزما بالتهجد ويصلي صلاة طويلة. ذكر بعض أصدقائه تهجده فقال: كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: “اللَّهُمَّ قَدْ نَامَتِ الْعُيُونُ (أي نام الجميع في هذا الوقت)، وَغَارَتِ النُّجُومُ، وَأَنْتَ حَيٌّ قَيُّومٌ، اللَّهُمَّ طَلَبِي لِلْجَنَّةِ بَطِيءٌ، (أي إنني مقصر في أعمالي) وَهَرَبِي مِنَ النَّارِ ضَعِيفٌ (أيْ أعرف أن الوقاية من النار تتطلب القيام بالحسنات ولكنني ضعيف في ذلك حتى أحمي نفسي من النار)، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي عِنْدَكَ هُدًى تَرُدُّهُ إِلَيَّ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.” كان يُنفق في سبيل الله تعالى كثيرا حتى كان يقع تحت الدين بسبب هذا الإنفاق. قال ابن كعب بن مالك عن معاذ : كان سلوك الله تعالى مع معاذ غريبا، كان شابًّا جميلًا ومعطاء وكانت أدعيته تُستجاب بكثرة، وكان لا يسأل شيئًا إلا أعطاه الله إياه، كان الله تعالى يعامله معاملة خاصة، وإذا صار عليه دين هيأ الله تعالى أسبابا لسده أيضا. وكان الله تعالى قد منحه فهما وفراسة عجيبَين.
وكان هؤلاء الصحابة يحبون رسول الله بسبب حبهم لله أو بسبب حبهم لرسول الله نشأ فيهم حب الله تعالى لأن قوة الرسول القدسية جعلتهم يدركون حب الله تعالى كما ذكرتُ أن القوة القدسية لرسول الله أحدثت فيهم إنقلابا وإلا كان مستحيلا ضرب نماذج العشق والمحبة هذه. فكانوا يحبون الرسول في الله تعالى حبا لا نظير له كما ذكر ذلك المسيح الموعود أيضا.
حفظ التاريخ حادثا لشماس بن عثمان الذي أصبح مثالا لحب الرسول ومثالا لإقامة مستوى عظيم للتضحية من أجل الإسلام. وردت قصة عشق طلحة وحبه في غزوة أحد كيف وضع يده أمام وجه رسول الله تعالى لكي لا يصيبه سهم، كذلك ضرب شماس أيضا نموذجا عظيما؛ فقد وقف شماس أمام رسول الله وكان جُنته بنفسه، وقال النبي عن شمّاس: لو شبهتُ الشماس بشيء لشبّهتُه بالترس. لقد صار جُنّة لي يوم أحد يذبّ بسيفه عني من أمامي ومن ورائي ومن يميني وشمالي حتى آخر لحظة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيل بصره يمنة ولا شمالا يومئذ إلا رأى شماسا يدافع عنه ببسالة عظيمة، ولما تمكن العدو من الهجوم على النبي ، وسقط مغشيا عليه، وقاه بنفسه حتى أصيب بجراح شديدة، فحمل إلى المدينة وبه رمق، فقالت أم المؤمنين أم سلمة: شماس ابن عمي، لذا سيعالج في بيتي. لكنه توفي بعد يوم ونصف من شدة الجراح. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفن في ثيابه كباقي شهداء أحد.
وهناك صحابي آخر هو سعيد بن زيد زوج أخت عمر رضي الله عنهم، وهو الذي رفع عمر يده لضربه بسبب إسلامه فحالت أخته بينهما فجُرحت، مما أثر في عمر تأثيرا كبيرا فمال إلى الإسلام. وهناك واقعة تدل على ما كان يتمتع به سعيد من الغنى وخشية الله. كانت عنده أرض يعيش على ما تدر به عليه، فخَاصَمَتْهُ امرأة كانت أرضها مجاورة لأرضه مدعية أنه قد أخذ من أرضها. فقال أُعطيها أرضي كلها ولا أخاصمها. وسلّم لها أرضه قائلا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِن الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فلا أريد أن أتهم بهذه التهمة وأخاصمها، فما هذه الأرض وما قيمتها. فتنازل عن أرضه غير أنه برأ نفسه من تهمتها بالدعاء عليها إذ كان مجاب الدعاء جدا، وقال اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، وظالمةً لا مظلومة، فخُذْها واجعل مصيرها سيئا. يقول الراوي: فَرَأَيْتُهَا ماتت عَمْيَاءَ وصارت عبرة لمن يعتبر.
وكان من شيمة الصحابة قول الحق غير خائفين من لومة لائم. فقد ورد عن سعيد بن زيد أنه كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الجامع بالكوفة مع واليها من قبل معاوية، وكان الوالي أكرمه واحتفى به وأجلسه بجنبه، فتحدث رَجُلٌ من الكوفة عن عليٍّ رضي الله عنه، بكلام سيئ، فَغضب سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ غضبا شديدا، ولم يفكر أن من الحكمة أن يلزم الصمت لأن هذا الرجل يتكلم أمام الوالي، كلا، بل قَالَ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: عَشْرَةٌ فِي الْجَنَّةِ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ والزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وقال لَوْ شِئْتُ لَسَمَّيْتُ الْعَاشِرَ، قَالَ فَقَالُوا مَنْ هُوَ؟ فَسَكَتَ قَالَ فَقَالُوا مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ.
ومن الأحاديث المروية عنه أن أكبر الربا أي الحرام النيلُ من عرض المسلم.
لكن الأسف أن المسلمين قد نسوا هذا الحكم النبوي، إذ نجدهم في كل الصعد أدناها وأعلاها يهجمون على أعراض إخوانهم المسلمين من أجل مآربهم الشخصية.
ثم هناك الصحابي صهيب بن سنان الرومي رضي الله عنه. لما أذن الله للمسلمين بالهجرة أراد أن يهاجر. وكان عبدًا أُعتق، ثم تحسن وضعه، حيث قام بالتجارة الرابحة وكسب فيها كثيرا وأصبح من كبار التجار. فلما أراد الخروج مهاجرا قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك. فقال لهم: أرأيتم إنْ جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم. فسلّم لأهل مكة نصف أمواله. ولما خرج بعائلته قاصدا المدينة، تبعه نفر من قريش. وكان صهيب شجاعا وراميا مُجيدا، فلما رآهم مطاردين له أخرج كل السهام من كنانته ونثرها على الأرض وقال لهم يا قريش تعلمون أني أفضلكم رمايةً، ولن تخلصوا إلي حتى آخر سهم عندي، ثم معي سيفي، فلا بد لكم من قتالي، فالأفضل لكم أن تدَعوني أذهب بسلام وخذوا مني النصف الباقي من مالي الذي قد جعلته في مكان كذا. فبحكمة بالغة افتدى نفسه وأهله وأولاده بماله، ووصل إلى المدينة بسلام. ولما حضر عند النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره كيف افتدى نفسه وإيمانه بماله، قال صلى الله عليه وسلم: ربح البيع أبا يحيى.
كل صحابي له طابعه وأسلوبه الخاص. فذات مرة قال عمر لصهيب رضي الله عنهما: إنك تطعم الناس كثيرا، فأخاف أن تكون من المسرفين. فقال صهيب إني أطعم الناس عملاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال لنا مرة خيركم من يطعم الطعام ويفشي السلام. فإفشاء السلام حسنة عظيمة وعلامة خير الناس عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت سمعت وصيته هذه عند وصولي إلى المدينة، فلم أنسها، وإني لا أنفق المال إلا في حقه، ولا أسرف أبدًا. وكان لصهيب مكانة عظمية عند عمر رضي الله عنهما، حيث أوصى بأن يصلي صهيب عليه الجنازة وأن يؤم الناس في الصلاة حتى انتخاب الخليفة الجديد.
ثم هناك الصحابي أسامة وهو ابن زيد الذي كان عبدًا فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم. وأسامة هو الرجل السعيد الذي منحه النبي صلى الله عليه وسلم شهادة حبه له. كان صلى الله عليه وسلم يحبه جدا حتى قال وقد أجلسه والحسين على فخذيه وهما صغار: اللهم أَحِبَّهما فإني أُحِبُّهما. ولكن فيما يتعلق بأمور التربية والدين، فلا مجال فيها للحب الذاتي بل الأهم بهذا الشأن هو العمل بأوامر الله تعالى.
كان أسامة صغير السن في عهد النبي إذ كان قد بلغ 18 عاما عندما توفّي رسول الله ولكنه مع ذلك وجد فرصة للاشتراك في بعض الحروب. وقد رُوي أن أسامة واجه في إحدى الحروب كافرا نطق بالشهادتين فورا. ولكن أسامة قتله على الرغم من نطقه “لا إله إلا الله محمد رسول الله” ظانا أنه قالها مخافة الموت.
يقول أسامة أنه ذكر الحادث للنبي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ أَقَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِلَاح. ِقَالَ أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ. ويقول أسامة ما مفاده: عهدتُ بعد ذلك عهدا وثيقا ألا أقتل مَن قال “لا إله إلا الله”.
أقول: ليت المسلمين المعاصرين يفهمون هذه الأمور. فمن ناحية يظلمون غير المسلمين باسم الإسلام، ومن ناحية أخرى يقتلون إخوانهم المسلمين. خذوا مثلا الحرب الجارية في سورية منذ عدة سنين، ويقال إن مئات آلاف الناس قُتلوا فيها منذ بدئها. والمسلمون هم الذين قتلوا المسلمين. الناطقون بالشهادتين يقتلون غيرهم الذين ينطقون بهما ويقتلونهم باسم الله ورسوله. كذلك يُقتل الناطقون بالشهادتين في اليمن أيضا وتُصَبّ عليهم مظالم أخرى ويُعذَّبون. ندعو الله تعالى أن يهب هؤلاء المسلمين عقلا وفطنة، حتى لا يرفعوا الهتافات فقط لحب الصحابة وحب النبي بل يتأسوا بأسوتهم أيضا. ولكن الحق أن هؤلاء الناس يشبعون أنانيتهم باسم الإسلام، ولا يعرفون من الإسلام وتعليمه شيئا، بل يسعون لإثبات تفوُّقهم فقط. يردّدون بألسنتهم اسم الله تعالى ولكن ليس في قلوبهم إلا إشباع أهوائهم. لقد أرسل الله تعالى المسيح الموعود في هذا العصر لخلق التقوى الحقيقية. ويتبين نظرا إلى حالة هؤلاء المسلمين أن إصلاحهم مستحيل ما لم يؤمنوا بالمسيح الموعود . أما نحن فيجب أن نشكر الله تعالى كثيرا ونزداد شكرا له على أنه وفّقنا للإيمان بذلك الهادي الذي أرسله في هذا العصر خادما صادقا للنبي . فقد أطلعنا على مكانة الصحابة ونصحنا للتأسي بأسوتهم وبيّن لنا أسوتهم، وقال إن عليكم أن تتخذوهم قدوة وتقتدوهم. فهذه هي الوسيلة الوحيدة التي لو جعلناها نصب أعيننا وحاولنا التأسي بأسوتهم لأمكن أن نكون مسلمين حقيقيين.
يقول المسيح الموعود : الحق أنه ما لم يحضر الإنسان على عتبات الله تعالى متخليا عن أهوائه ورغباته، لا ينال شيئا بل يواجه الخسارة. ولكن عندما يتخلى عن أهوائه ورغباته الشخصية ويأتي إلى الله صفر اليدين وبقلب نزيه يُعطيه الله تعالى، ويأخذ بيده. ولكن الشرط هو أن يكون الإنسان جاهزا للموت، ولا يعير للخزي والموت في سبيله أدنى اهتمام.
ثم يقول : الدنيا فانية ولكن لا ينال متعتها إلا من يتخلى عنها لوجه الله تعالى. ومن يفعل ذلك يصبح مقربا إلى الله تعالى. (وقد لاحظنا في وقائع سيرة الصحابة أنهم عندما تركوا الدنيا لوجه الله تعالى أعطاهم الله كثيرا، ومع ذلك نراهم منتبهين إلى تحسين عاقبتهم بعد تلقيهم إنعامات كثيرة، فقد صاروا كليا لله تعالى وحده)
من يصبح لله تعالى يضع الله له قبولا في الأرض، وهو القبول الذي يبذل الناس كل ما في وسعهم لنيله، ويسعون جاهدين أن ينالوا لقبا أو يجدوا كرسيَّ شرفٍ في مكان ما أو في بلاط أو ليُسجَّل اسمهم في قائمة الذين يستحقون كرسي الشرف. باختصار، إن الذين يستعدون ليتخلوا عن كل شيء لوجه الله تعالى يُكتب لهم كل نوع من العزة الدنيوية أيضا وتُرسَّخ في القلوب عظمتهم ويوضع لهم القبول.
خلاصة القول بأن الذين يستعدون للتخلي عن كل شيء لوجه الله، ولا يستعدون فقط بل يتخلون عن كل شيء في الحقيقة هم الذين يُعطَون. باختصار، إن الذين يفقدون لوجه الله يُعطَون كل شيء، ولا يموتون ما لم يجدوا أضعافا مضاعفة مما أعطوا في سبيل الله. إن الله تعالى لا يمكن أن يكون مدينا. ولكن للأسف الشديد ما أقل العالمون والمطّلعون بهذه الأمور.
ندعو الله تعالى أن يوفقنا للعمل بما أمرنا به وأن نكون متّبعين حقيقيين لله ولرسوله وعاملين بأوامرهما.
بعد أداء الصلاتين جمعا سأصلي صلاة الجنازة على المرحومة أمة المجيد زوجة السيد شودهري ناصر أحمد (نائب أمير الجماعة في بريطانيا والمسؤول على المكتب المركزي للعقارات) وقد توفيت بتاريخ 9/1/2018م، إنا لله وإنا إليه راجعون.
كانت المرحومة بنت حفيد المولوي عبد الله السنوري، أحد أصحاب المسيح الموعود . وقد سكنت قرب مسجد “فضل” منذ زواجها في 1978م. كانت ملتزمة بالصلاة والعبادات وبأداء التبرعات. كانت سيدة خلوقة، ومضيافة وتقية ومخلصة جدا، تشارك الجميعَ في أفراحهم وأتراحهم. كانت علاقتها مع الخلافة قوية جدا ونصحت أولادها أيضا دائما لتوطيد علاقتهم مع الخليفة والالتزام بالصلاة. فقد ربّت أولادها تربية حسنة. ووفِّقت لتدريس الصغار في الحي القرآنَ الكريم. وخدمتْ في لجنة إماء الله في بريطانيا بمناصب مختلفة بما فيها خدمة الخلق، والضيافة بالإضافة إلى “مسؤولة عن فرع الضيافة” في الجلسة السنوية في بريطانيا. وتركت وراءها زوجها، شودهري ناصر أحمد وأربع بنات. تقول رئيسة لجنة إماء الله الحالية والسابقة السيدة شمائلة أن المرحومة كانت تحسن معاملة الجميع بالحب وكان الجميع يشعرون بحسن معاملتها وحبها۔ لقد خدمت إلى فترة طويلة بصفتها “ناظمة الضيافة” في الجلسة السنوية في بريطانيا بإخلاص وتفان وجُهد. كما وفِّقت للخدمة سكرتيرةً للضيافة أيضا وقامت بالخدمات بكل تواضع. ندعو الله تعالى أن يرفع درجاتها ويديم حسناتها في بناتها.
جنازتها حاضرة لذا سأخرج من المسجد بعد الصلاة لأصلي عليها، وعلى الجميع أن يسووا صفوفهم لصلاة الجنازة داخل المسجد.