خطبة الجمعة
التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز
الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام
يوم 9/2/2018
*****
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.
عن عائشة عن النبي rقال: “مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِن المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ”. وفي رواية: مرّتْ جنازة بالنبي r، فأثني عليه الناس، فقال r: وجبتْ له الجنّة.
اليوم عليّ أن أصلي جنازتين، وكنت أنوي أن أذكر بعض الأحاديث وأقوال المسيح الموعود u والأمور الفقهية المتعلقة بالجنازة والتكفين والدفن، ثم أذكر المرحومينِ بالخير، ولكني لن أستطيع اليوم ذكر أحاديث الجنازة وغيرها من الأمور المتعلقة بالجنازة، لأني أريد اليوم ذكر محاسن خادم للجماعة وواقفٍ حياته لخدمة الدين ومطيعٍ للخلافة، وأصلي عليه جنازة الغائب. لقد أرسل إلي الإخوة مادة كثيرة عن محاسنه، وقد انتقيت منها خُمسها، لكن بيان هذا الخمس أيضا صعب، وربما لن أستطيع ذكره أيضا.
هذه الواقعات فيها دروس عديدة وأسوة صالحة للتأسي بها لكل أولئك الذين قد نذروا حياتهم لخدمة الدين، وكذلك لأبناء عائلة المسيح الموعود u، ولمسؤولي الجماعة، ولأبناء الجماعة عموما أيضا.
كما تعلمون فإن الصاحبزاده مرزا غلام أحمد ابن حضرة الصاحبزاده مرزا عزيز أحمد t قد توفي إلى رحمة الله قبل أيام عن عمر يناهز 78 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. توفي نتيجة صدمة قلبية مفاجئة. كان مصابا بمرض القلب منذ فترة، فتوقف قلبه فجأة وتوفي وهو في بيته.
كان مرزا غلام أحمد المرحوم ابنَ حفيد المسيح الموعود u، إذ كان المرحوم حفيدًا لحضرة مرزا سلطان أحمد الابنِ الأكبر للمسيح الموعود u، وابنًا لحضرة مرزا عزيز أحمد u، وحفيدًا من طرف أمه لحضرة مير محمد إسحاق رضي الله عنه، وكان زوجَ أختي أيضا. كانت والدة المرحوم السيدة الصاحبزادي نصيرة بيغم المحترمة أكبرَ بنات حضرة مير محمد إسحاق u.
كل هذه القرابات ليست ذات بال بحد ذاتها، بل إن الأمر الذي يجعل هذه القرابات ذات أهمية هو شمائل المرحوم التي سوف أتحدث عنها.
كان المرحوم خادمًا للدين، واقفًا لحياته في سبيل الله. كنت جعلته مؤخرًا الناظرَ الأعلى، فرغم ضعفه بسبب مرضه، ورغم تعرُّضه لصدمة وفاة أخيه الأكبر قبل أيام، فقد قام بواجبه أحسن ما يرام. كان يحضر في مكتبه، ويشترك في الجلسات والمناسبات. قبل يوم من وفاته كان هناك برنامج توزيع الشهادات على دفعة خريجي مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، فاشترك في هذا البرنامج. وفي يوم وفاته حضر في المساء برنامجًا لمجلس خدام الأحمدية. وفي صبيحة يوم وفاته ذهب إلى بيوت كثير من المرضى يعودهم. وصلى في ذلك اليوم صلواته الخمس في المسجد المبارك.
بدأ المرحوم حياته كواقف للحياة من أجل الدين في أيار عام 1962. نال شهادة الماجستير في العلوم السياسية من الكلية الحكومية بلاهور، ثم تقدم لاختبار للوظائف الحكومية العالية، وفاز فيه فوزا باهرا. كان أخبرني بنفسه قائلا لقد تقدمت لهذا الاختبار لأن الناس كانوا يقولون إنه اختبار صعب جدا والفوز فيه صعب المنال، فتقدمت له عمدًا لأفوز فيه، ثم لأنذر حياتي لخدمة الدين لكيلا يقول قائل إنه جاء لخدمة الجماعة لأنه لم يجد وظيفة في مكان آخر. فرغم فوزه في هذا الاختبار لم يذهب للعمل في الوظيفة الحكومية بل وقف حياته لخدمة الدين كما قلت في عام 1962. فأوكل إليه حضرة الخليفة الثاني t إدارة مجلة ريفيو اوف ريليجنز بربوة، وأوصاه حضرة الخليفة الثاني بهذه المناسبة قائلا عليك الآن تحصيل علوم الدين أيضا بعد تحصيلك التعليم الدنيوي هذا. فقام بتحصيل علوم الحديث والعلوم الدينية الأخرى على يد حضرة سيد مير داود أحمد. كان حضرة مير داود أحمد محررًا لمجلة ريفيو أوف ريليجنز آنذالك وكان خالاً له أيضا.
في البداية كان اسم المرحوم مرزا سعيد أحمد، فغيّره حضرة المصلح الموعود رضي الله عنه إلى “مرزا أحمد” بطلب من والدة المرحوم. كانت قرأت واقعة في “سيرة المهدي”، فقالت لا تسموه مرزا سعيد أحمد. إذ كان مرزا سعيد أحمد أخًا له من زوجة أبيه، وكان قد توفي في شبابه، وكان قد درس هنا في المملكة المتحدة، وكان زميلا لمرزا مظفر أحمد وغيره في الصف. وقالت والدته أيضا لحضرة المصلح الموعود t إن زوجي مرزا عزيز أحمد قد يستاء لو غيّرتُ أنا اسمه، أما لو غيرتَ اسمه أنت فلن ينزعج. فقال حضرة المصلح الموعود t إذنْ نسميه باسم لن ينزعج منه والده أيضا، فسماه مرزا غلام أحمد، وقال حضرة المصلح الموعود t أيضا: غير أننا سنناديه “أحمد” إذ لم تمض على وفاة المسيح الموعود عليه السلام فترة طويلة ومن الصعب عليّ جدا أن أنادي أحدًا باسم غلام أحمد.
في عام 1964 عُقد قرانه على أختي حيث أعلنه مولانا جلال الدين شمس، إذ كان حضرة الخليفة الثاني t مريضا آنذاك.
له ثلاثة أبناء وبنتان. اثنان من أبنائه واقفان لحياتهما لخدمة الدين، فمرزا فضل أحمد ناظر التعليم في ربوة، ومرزا ناصر أنعام عميدٌ للجامعة الإسلامية الأحمدية بالمملكة المتحدة. أما مرزا إحسان أحمد فمقيمٌ في أمريكا ويعمل في وظيفة دنيوية إلا أنه يخدم الجماعة هناك أيضا بصفته سكرتيرا للمال في الهيئة الإدارية الوطنية، كما يخدم بصفته المسؤول الأعلى للجلسة السنوية هنالك. إحدى بناته اسمها زبدة، والأخرى اسمها أمة العلي زهراء، وهي زوجة للسيد مير محمود أحمد ابن مير مسعود أحمد، الذي هو واقفٌ لحياته ويعمل بصفته ناظر الصحة حاليا.
أما خدمات مرزا غلام أحمد فقد عمل ناظرا للتعليم، والناظر الإضافي للإصلاح والإرشاد المحلي سنوات عديدة. كما خدم ناظرًا للديوان، بل ظل يخدم بهذا المنصب قبل توليه منصب الناظر الأعلى حيث خدم ناظرًا للديوان من عام 1996 إلى 2018. كما خدم رئيسًا للجنة المشرفة على نظام الوصية من عام 2012 إلى 2018. ثم بعد وفاة مرزا خورشيد أحمد جعلتُه الناظر الأعلى والأمير المحلي ورئيسَ مؤسسة صدر أنجمن أحمدية. لقد وفقه الله لخدمة الجماعة في زمن الخليفة الرابع رحمه الله أيضا بصفته نائبًا للناظر الأعلى ونائبا للأمير المحلي.
وكان عضوا في مجلس الوقف الجديد، ثم رئيسا له من عام 2016 إلى 2018.
كما كان عضوًا في الهيئة الإدارية لمجلس أنصار الله، وتولى قيادات عديدة فيها، ثم أصبح نائبًا لصدر مجلس أنصار الله بالصف الثاني، ثم أصبح نائب صدر (رئيس) للمجلس، ثم خدم بصفته صدر (رئيس) مجلس أنصار الله من عام 2004 إلى 2009.
أما في مجلس خدام الأحمدية فكان يعمل بصفته مهتم (سكرتير) لسنوات عديدة، ثم صار نائب صدر (رئيس) لمجلس خدام الأحمدية، ثم أصبح صدر مجلس خدام الأحمدية من عام 1975 إلى 1979.
كما عمل محررًا لمجلة ريفيو أوف ريليجنز بعد وفاة مير داود أحمد المحترم.
وخدم أيضا بصفته السكرتير الخاص لحضرة الخليفة الثالث رحمه الله، ورئيسا للجنة المشرفة على مكتبة الخلافة، ورئيسا للجنة المشرفة على مشروع “بيوت الحمد” بربوة، ومديرًا لمؤسسة “فضل عمر”.
كما وفّقه الله تعالى لتقديم خدماته في الجلسة السنوية سنوات عديدة. فظل يخدم فيها بصفته نائب المسؤول الأعلى للجلسة، وناظم الأجراء. علمًا أن عمل ناظم الأجراء صعب جدا يتطلب جهدًا وحنكة كبيرين، إذ إن هؤلاء الأجراء يقومون بأعمال العجن والخبز وهو عمل هام جدا في الجلسة، ولكن هؤلاء الأجراء يكونون غير أحمديين ذوي طبائع صعبة يتطلب التحكم فيهم حنكة وصرامة كبيرتين، ومع ذلك قام المرحوم بهذا الواجب على أحسن وجه بفضل الله تعالى.
ثم خدم المرحوم رئيسًا للجنة التبركات، وعضوا في لجنة تسجيل روايات صحابة المسيح الموعود عليه السلام، وعضوا في لجنة تدوين تاريخ الأحمدية، وسكرتيرا لمجلس انتخاب الخليفة، ومديرا للشركة الإسلامية الأحمدية، فبالإضافة إلى كونه ناظرًا لمختلف الدوائر كان عضوا في لجان كثيرة.
في عام 1989 سجن لبضعة أيام هو وأخوه مرزا خورشيد أحمد مع أحمديينِ آخرينِ تحت قانون 298 c، وهكذا جعله الله في عداد الأسرى في سبيل الله تعالى.
في 28 أيار 2010 عندما وقعت المجزرة في مسجدين أحمديين بلاهور حيث استُشهد الكثير من الأحمديين، أرسل الناظر الأعلى وفدًا إلى لاهور فورًا لتفقد أحوال أسر الشهداء وعيادة الجرحى المرضى وتهدئة بال جماعة لاهور عمومًا، فجعل مرزا غلام أحمد أميرًا على هذا الوفد. فوصل إلى لاهور والجرحى يُنقَلون إلى المستشفيات، ومكث في لاهور نحو أسبوعين، يشرف على الإجراءت بنفسه. كان هذا الوفد وصل إلى مسجدنا “دار الذكر” فورًا، وأنجز المرحوم المهام كلها بمنتهى الفراسة والجهد. كان يشرف بنفسه على علاج الجرحى ويزور عائلات الشهداء في بيوتهم. وعقد يوم وصوله إلى هناك اجتماعا للهيئة الإدارية، وأعلن الأمير الجديد لجماعتنا هناك.
ثم صلّى بالإخوة صلاة المغرب والعشاء هناك لكي يطمئنوا وتبقى همهم عالية ولئلا يخطر ببالهم أنه يمكن أن يهجروا المسجد بعد الحادث المذكور. وفي أثناء وجوده هناك حين زار المستشفى لعيادة المرضى، جاءه حاكم الإقليم واسمه “سلمان تاثير” وقدم تعازيه إلى المرحوم فقال له المرحوم إن السبب وراء الحادث المذكور هو أنه قد نُشرت المواد المبنية على النفور والكراهية ضد جماعتنا على نطاق واسع، ومن واجبك بصفتك حاكم الإقليم أن تنتبه إلى هذا الأمر. كذلك جاء وزير شؤون الأقليات في الإقليم جاويد مايكل أيضا لتقديم العزاء، فقال له المرحوم بكل شجاعة: نشكرك على مجيئك لتقديم العزاء ولكن يجب أن يكون واضحا بأننا لا نعترف قط أننا أقلية غير مسلمة بل نحن مسلمون. قال الوزير: لقد جئت هنا بصفتي وزيرا لحقوق الإنسان أيضا. فقال له المرحوم: عليك أن ترفع صوتك في هذا الموضوع في البرلمان وتقضوا على الحملة الجارية ضد جماعتنا. هكذا قد وجّه المرحوم أنظار الوزير إلى مسؤولياته وواجباته ولكننا نتوجه دائما إلى الله تعالى لأنه هو القادر على تحسين الظروف. وفي 29 و30 أيار عَقد مؤتمرا صحفيا، وفي 2 حزيران اشترك في برنامج حي بعنوان Black point في قناة Express News من الساعة الحادية عشرة إلى الثانية عشرة ليلا. كما سجلت مختلف القنوات مقابلة معه بما فيها التلفزيون الوطني السويسري، وبي بي سي، وصوت أميركا، وقناة “صحارى، وقناة 5، وقناة “دنيا”. باختصار، بقي هذا الوفد في لاهور إلى 12 حزيران. وفي المقابلات المذكورة قال المرحوم علنا إننا مسلمون ولا يستطيع أحد أن ينـزع منا شرف كوننا مسلمين.
لقد سرد الخليفة الرابع رحمه الله رؤياه في إحدى خطبه وذكر فيها المرحومَ في أثناء الحديث وقال: كنتُ أفكر أن أُكثر من مشاغلي، فرأيت في الرؤيا ليلا مرزا غلام أحمد الذي يقدم اقتراحات صائبة دائما. وهو الذي أشار علي بشأن ترجمة معاني القرآن الكريم التي قمتُ بها فقال: بدلا من أن تكتبوا ملاحظاتكم على التفسير الصغير (للخليفة الثاني t) يفضَّل أن تترجموا معاني القرآن الكريم بنفسكم. فنحمد الله تعالى على أنه وفقني لذلك وحُلّت مشاكل كثيرة بفضل الله تعالى.
أقول: لقد جاء في هذه الرؤيا الطويلة أن المرحوم مرزا غلام أحمد عرض على الخليفة الرابع رحمه الله في الرؤيا عدة مقترحات حول موضوع الزيجات ووظائف الشباب، وأنه يمكنه المساعدة في هذه الأمور.
لقد كتب الخليفة الرابع رحمه الله في إحدى رسائله إلى المرحوم: عزيزي أحمد! سلمك الله. وصلتني رسالتك التي أظهرت فيها قلقك، فدعوتُ لك بالتضرع والابتهال. لقد أودع الله طبيعتَك الصدقَ والسعادة. والله تعالى لا يضيع أبدا مَن كان يتحلى بهاتين الصفتين. أدعو الله تعالى أن يزيدك روحانية ويهبك جنةَ طمأنيةٍ قلبيةٍ.
وكتب رحمه الله في رسالة أخرى إلى المرحوم: أذكرك دائما في الدعاء لأن هذا من حقك لكونك تقوم بخدمات دينية، فأنت بمنـزلة “سلطان نصير” لي. أدعو الله تعالى أن يحميك ويعطيك الصحة والعافية وينقذك من كل مكروه. وبمناسبة أخرى كتب حضرته رحمه الله: أرجو أن تذكرني أيضا في دعائك. أتمنى من أعماق قلبي أن يقبل الناس الأحمديةَ سريعا. إن سلاح قناتنا الفضائية ماض في العالم كله، وتنفذ رغبتي عمليا. أرجو أن تسجلوا برامج جيدة وترسلوها لنا حتى تصبح برامج القناة نورا على نور، وأن يُصفَّد الطاغوت والشيطان كليا في شهر رمضان الجاري.
تقول زوجة المرحوم السيدة أمة القدوس: حين كان الخليفة الثاني t مريضا كان المرحوم يقوم بالخدمة في قصر الخلافة ليلا، (هذا الأمر يعود إلى فترة سبقت زواجه). كذلك كان على علاقة متينة مع الخليفة الثالث رحمه الله أيضا في عهد خلافته، وكان حضرته يثق به كثيرا. ففي (أيام المفسدة ضد الجماعة في) عام 1974م مكث المرحوم مرزا غلام أحمد وأخوه المرحوم مرزا خورشيد أحمد في قصر الخلافة إلى عدة أيام من أجل الخدمة ولم يكن مسموحا لهما أن يذهبا إلى بيتهما.
لقد عمل المرحوم تحت إشراف الخليفة الثالث رحمه الله في عام 1973م و1974 بوجه خاص حين كان رئيس مجلس خدام الأحمدية وفيما بعد أيضا، فما كان يأتي إلى بيته إلى فترة طويلة. في بعض الأحيان كان يخرج من بيته مبكرا صباحا ويعود إلى البيت قرب الساعة العاشرة ليلا. لقد أكرمه الخليفة الثالث رحمه الله تعالى بشرف خاص بمناسبة اجتماع خدام الأحمدية. وبيان ذلك أن المرحوم التمس من الخليفة أن يقرأ “عهد مجلس خدام الأحمدية”، ليكرره الجميع وراءه، فقال له الخليفة بل أمره قائلا: عليك أن تقرأه أنت بصفتك رئيس مجلس خدام الأحمدية، ثم ردّده حضرته وأعضاء المجلس كلهم وراء المرحوم.
كنتُ قد ذكرتُ في بيان سوانح الصاحبزاده مرزا خورشيد أحمد عند وفاته أن الخليفة الرابع رحمه الله قال مرة أن هذين الرجلين مخلصان جدا لي بل كانا مخلصان لكل خليفة. عندما أخبرني المرحوم بذلك لم يذكر اسمه استحياء بل ذكر اسم مرزا خورشيد أحمد فقط، فلم أذكر حينها اسمه بل ذكرتُ اسم مرزا خورشيد أحمد فقط، بينما كان الخليفة الرابع رحمه الله قد قال ذلك عن كليهما أنهما مخلصان لي بل للخلفاء جميعا. وعندما فُقد خاتَم الخليفة الرابع رحمه الله دعاه أولا للبحث عنه. وكان المرحوم يقول أن الخليفة الرابع رحمه الله ذكر اسمي أولا ثم اسم مرزا خورشيد أحمد حين قال بأنهما مخلصان لي بل مخلصان لكل خليفة.
تقول زوجة المرحوم: كان يتضرع ويبتهل كثيرا في النوافل ليلا لدرجة كان البيت كله يدوّي بصوت تضرعاته، ويدعو فيها للنبي r ثم للمسيح الموعود u ثم لخليفة الوقت، ثم للجماعة، ولوالديه وإخوته وأخواته وأهله وأولاده ولأقاربه الآخرين، وكان يردد آيات سورة الفاتحة كثيرا في صلوات النفل. كان متعلقا كثيرا بوالديه وأخواته وإخوته ولكن لم ينحرف عن جادة العدل والإنصاف فيما يتعلق بأهل بيته بل اعتنى دائما باحترام زوجته وأسس علاقات طيبة بين زوجته وأهله الآخرين، بمعنى أنه حافظ على الاعتدال والتوازن بين علاقات القرابة كلها.
تتابع زوجته قائلة: كلما قدم له أحد هدية، مهما كانت بسيطة، شكره دائما إما بهدية منه أو بالشكر والتقدير له بزيارته في بيته أو عن طريق المراسلة. كان من مزاياه أنه كلما كلِّف بعمل لم يهدأ له بال ما لم ينجزه. كان الله تعالى قد أكرمه بعلم غزيز وذاكرة قوية لدرجة كلما سألته عن رواية أو قرابة قديمة كان يحفظ كل شيء. كنتُ مولعة بالتنـزه، فكان يأخذني للتنزه كثيرا جبرا لخاطري سواء أكانت الظروف المالية حسنة أو لا، وسواء أكانت صحته على ما يرام أم لا.
تضيف زوجته وهي أختي: حدثتني زوجة السيد عبد الرحمن أنور أنه رأى في المنام أن هناك شجيرات الورد الجميلة تتسلق على باب بيت والدة المرحوم، وتحمل أزهارا جميلة. أرى أن هذه الرؤيا قد بفضل الله تعالى.
تضيف زوجة المرحوم وتقول: كان يدفع التبرعات فورا على كل نوع من الدخل قبل إنفاقه. الإرث الذي نالته زوجة المرحوم من أبويها دفع المرحوم منه تبرع الوصية أولا. كان يدفع تبرع الوصية من كل مدخول وكان يخبرني بأني قد دفعت تبرع الوصية. فعلى هذا النحو دفع المرحوم ما ترتب علينا من تبرع الوصية على جميع عقاراتنا وبالنتيجة لم أشعر بأدنى صعوبة. وإضافة إلى ذلك بنى بيتا لابنه وابنته ودفع تبرع الوصية أيضا من قِبلهما.
لقد كتب إلي كثير من الإخوة، وكذلك لاحظت أنا أيضا أن المرحوم وأخاه مرزا خورشيد أحمد يكونان معا عادة. وهذا ما كتبته أختي أيضا وقالت: كانت زوجة مرزا داود أحمد تقول أنه كلما أرى مرزا غلام أحمد ومرزا خورشيد أحمد ذاهبان معا فكنت أشعر أن هناك قضية مهمة تتعلق بالجماعة. فكان كلا الأخوين يعمل في كل مشكلة بكل شجاعة وفراسة وفطنة وعزم صميم. كان المرحوم مطيعا جدا للخلفاء. ذات مرة جاء إلى هنا للاشتراك في الجلسة السنوية وكان يشعر بضعف شديد، فقلتُ له: يمكنك أن تستخدم عكازة، فبدأ باستخدامها فورا وقال: لا بد من استخدامها الآن لأن الخليفة قد أمرني بذلك.
قلتُ قبل بضعة أعوام أن يزور النُّظّار (جمع الناظر، وهم المسؤولون الكبار في الجماعة في مؤسسة صدر أنجمن أحمدية) فروع الجماعة ويصِلوا إلى كل بيت ويبلغوا أهله سلامي. فكان في نصيب المرحوم أن يزور إقليم السند لهذا الغرض. تقول زوجته: عندما عاد المرحوم من الجولة كان يعاني عند المشي فسألته عما جرى، فقال: لقد سقطتُ من الأدراج في أحد البيوت، وعندما ذهبتُ إلى مستشفى “فضل عمر” للعلاج تبين أن عظم إصبع القدم الصغير مكسور، وأصيب كعب القدم أخرى أيضا بكسر بسيط. فسألتُه: ألا تشعر بالألم؟ قال: لا شك أنني أشعر بالألم ولكن كان علي أن أبلغ رسالة الخليفة إلى كل بيت. فلم يهتم بالألم وعاد بعد أحد عشر يوما بعد إنهاء مهمته.
يقول أحد أبنائه إنه بعد هجرة حضرة الخليفة الرابع رحمه الله كان شريط خطبته يصل أولا إلى المرحوم وكان يجمع الجميع باهتمام ويُسمعهم الخطبة. وعندما بدأت القناة أيم تي ايه ظل يهتم بالاستماع إلى الخطبة، وكان حريصا جدا على أن يستمع إلى خطبة الجمعة جميع أفراد الأسرة، وحتى الآخرون الذين يعملون في البيت والعاملون خارج البيت أيضا إذ كان قد هيأ لهم مكبر الصوت أو التلفاز باهتمام.
كتب ابنه أن المرحوم حين ذهب إلى مستشفى مِيُو في لاهور كان هناك ازدحام شديد وكان أصحاب سيارات الإسعاف يطلبون أجرة باهظة لنقل الجثث إلى المقبرة، فأعلن المرحوم بصوت عال أن صدر أنجمن أحمدية سيتولى نقل جثث الشهداء كلهم ودفْنِها في ربوة إن شاء الله، وإذا كان أحد يريد دفن أي شهيد في مقبرة عائلية فمسموح له أيضا، وبذلك اطمأن الجميع وهدأوا. ثم لاحقا ذهب إلى بيت كل جريح وشهيد وهيأ الطعام في بيوتهم والبيوت التي لم يكن فيها أي معيل دبَّر لهم المعاش.
كانت هناك بعض الأخبار من قبل بعض الوكالات أن بعض الناس يتربصون به وأن هناك خطرٌ لاغتياله، فأعيد المرحوم إلى ربوة، لكنه سافر في الجمعة التالية لـ 28 أيار وأمَّ صلاة الجمعة بنفسه في مسجد دار الذكر، لكي يرفع معنويات الأحمديين ويستنهض هممهم. كان يهتم بالفقراء كثيرا، كما كان مخلصا ووفيا لأصدقائه القدامى. كان له زميل في الصف في الطفولة، لم يستطع إنهاء الدراسة، وبدأ يكسب المعاش بالدهان في البيوت، فكان المرحوم يعتني به كثيرا وبعد وفاته اعتنى بأولاده أيضًا.
حين اعتقل في 1989 وكان سببه أنه كان يجري الاجتماع السنوي لخدام الأحمدية، وكان المرحوم مرزا خورشيد أحمد المحترم ناظر الأمور العامة خارج ربوة، وكان المرحوم قائما بأعماله، فطلبه الحاكم وأمَره بإنهاء الاجتماع. فقال له المرحوم: قد أعطيتنا السماح الخطي بعقد الاجتماع فأرسِل الأوامر الخطية بإنهائه فسوف نُنهيه. لكنه قال آمرك شفهيا بإنهاء الاجتماع. فقال له المرحوم إذن لن نتوقف إثر الكلام الشفهي. مساء عاد مرزا خورشيد أحمد المحترم أيضا، فطلبوه فردَّ هو الآخر عليهم الرد نفسه، ونتيجة لذلك اعتُقل وقضى بضعة أيام في السجن. تقول ابنة المرحوم إن والدي سعى جاهدا ليبقى وفيًّا بالخلافة، وبذلك كان ينصحنا أيضا. مرة طلب مني الدعاء بحرقة وظل يكرر الطلب لعدة أيام ولا أعرف ما الذي كان يعانيه وإنما أقدِّر أنه كان يواجه شيئا من العتاب من الخليفة، وبسبب ذلك كان في صلاته اضطرابٌ وحرقةٌ وتأثرتُ به وانتابتني الحالةُ نفسها.
عندما هاجر حضرة الخليفة الرابع رحمه الله كانت والدة المرحوم الصاحبزادي سيدة نصيرة بيغم مريضة جدا، وكان وضعها حرجا جدا، وفي الليلة التي خرج فيها حضرته مهاجرا كان يبدو أنها الأخيرة في حياتها، لكن المرحوم كان مشغولا جدا في أعمال الجماعة وترتيبات الهجرة إذ لم يستطع الدخول إلى غرفة والدته وظل ينجز أعمال الجماعة.
وكذلك كانت أواصر الطاعة والوفاء تربطه بي أيضا دوما، فقد قال ردًّا على سؤال ابنه الأكبر: ألا ترى كيف تحالف تأييدات الله I الخلافة تصديقا لنظام الخلافة. كتب أحد أبناء المرحوم كان والدي يوقظنا للصلاة، وبشكل عام كان حاد الطبع نوعا ما لكنه في الأيام الأخيرة كان يترشح من لهجته لطفٌ وشفقة. يقول ابنه إن جميع الرسائل التي وصلتْه وزوجتَه من قبل الخلفاء ووالدتِه جعل لها نُسخا ثم سلَّم لكل واحد منا نحن الأولاد نسخة منها في ملف، وقال: هذا هو رصيد حياتنا، فاحتفظوا بهذه الرسائل.
يقول السيد مرزا أنس أحمد المحترم: لقد رأيت في الرؤيا بعد وفاة المرحوم أن الأخ خورشيد وميان أحمد قد انتقلا إلى الله I وأنهما يزوران النبيَّ r والمسيحَ الموعود u، فنشأت في قلبي أمنية في أن تتسنى لي أيضا هذه الزيارة، فقلت يا إلهي نادِني أنا أيضا إلى قربك. فقال الله لي: تقدَّم إلى الأمام. كانت لي علاقات قديمة بميان أحمد وكان بنفس العمر لي تقريبا. حين أرى حسناته أخجل وأتمنى أن يتحقق لي ذلك أيضا. كلما سخِط علي لأمر ما بادر بالصلح والعفو عني. (وكذلك كتب الأستاذ عن صلوات المرحوم) إني حين كنت أراه يصلي برقة وخشوع كنت أُغبطه. كان ذكيا جدا ودقيقا في أداء المسئوليات، باختصار قد وُفق المرحوم لحضور المسجد لأداء الصلوات الخمس دوما، ومساعدةِ الفقراء والاعتناء بهم وبذل مواهبه في سبيل الله.
وهذا ما كتبه شودري حميد الله المحترم أيضا، أن المرحوم كان يفهم الأمور بدقة وكان ذا رأي سديد، وأغلب الأحيان كان رأيه هو الحاسم في مجالس التشاور. وكان له اطلاع دقيق وشامل على أدبيات الجماعة وتاريخها، وكان متقدما دوما في خدمة الجماعة كلما سنحت له فرصة. في اضطرابات عام 1974 ضد الجماعة قدم مساعدة شاملة لسيدنا الخليفة الثالث رحمه الله، كما كان رفيق سفر حضرته في الجولات خارج باكستان، مرة شارك في جولة مع حضرته ممثلا خدام الأحمدية.
يقول السيد أكرم الذي كان يعمل معه في قاديان: حين قدمت له التعازي على وفاة السيد مرزا خورشيد أحمد المحترم قال لي بحرقة: أرجو أن تدعو لي أنت أيضا في قاديان واطلب الدعاء لي من الصلحاء الآخرين أيضا، لأنني أجد نفسي بعد وفاته وحيدا. اُدع الله أن يوفقني لأداء مسئولياتي الجديدة، وهكذا كان يطلب الدعاء دوما. كلما سافر إلى قاديان زار الدراويش في بيوتهم، وكان يسعى جاهدا لخدمة أراملهم وأيتامهم أيضا. كان علمه غزيرا بالأماكن المقدسة في قاديان، كان بعد الوصول إلى قاديان عادة يصلي النوافل في مكان كان يصلي فيه المسيحُ الموعود u وكان ينصحني بذلك، ويقول أنتم سعداء حيث تعيشون في هذه القرية المقدسة فأكثروا الدعاء في هذه الأماكن المقدسة.
له خدمات كثيرا بصفته رئيس خدام الأحمدية حيث وصل إلى الخدام في كل مكان. فقد كتب الأستاذ غوندل المحترم أنه كانت للمرحوم جولة إلى السند فكانت بعض المواضع في الطريق وعرة حيث لم تكن السيارة تصل إليها. فقطع المسافة في الأدغال مشيا على الأقدام ووصل إلى الخدام. فقد تأثروا بذلك كثيرا وإلى الآن يتذكرونه.
يقول الأستاذ إِسفَندْ يار منيب المحترم المشرف على تدوين تاريخ الجماعة: كان المرحوم نافعا جدا لهذا القسم أيضا، إذ كان عضوا في لجنة المستشارين، وكان يقرأ مسودة التاريخ بإمعان وعمق، ويقدم اقتراحات قيِّمة ويوجِّهنا دوما. كان له اطلاع دقيق وشامل على أحداث تاريخ الجماعة وخلفياتها أيضا.
يقول الأستاذ محمد دين ناز المحترم الناظر الإضافي للإصلاح والإرشاد: حين عُيِّن المرحوم ناظرًا أعلى دخلت عليه في مكتبه وكان جالسًا على كرسي الناظر الأعلى وكانت حالته مؤثرة جدا، إذ كان عيناه تفيضان بالدموع، وكان يترشح من وجهه أنه منهمك في الدعاء، فطلب مني الدعاء بكل تواضع.
يقول السيد زاهد القريشي: يوم كان المرحوم رئيس خدام الأحمدية أرسلني قائدُ خدام الأحمدية في لاهور إلى حضرته لأمر ما، فقابلتُه في مكتبه في “إيوان محمود” بربوة، وسلَّمت له الأوراق، وكان الفصل صيفًا والوقت ظهرا. بعد استلام الأوراق سألني هل تغديت؟ قلت الآن بعد الفراغ من العمل سأتغدى في دار الضيافة. فقال لا بل يجب أن تأتي معي واجلس قليلا معي، سيدبَّر الطعام بعد قليل. فخطر ببالي أنه قد يطلب إحضار الطعام هنا في إيوان محمود، لكنه بعد قليل خرج من مكتبه وأخذ دراجته وقال لي اجلسْ معي على الدراجة. فانطلقنا وفي الطريق أيضا قلت له إن دار الضيافة قريبة من هنا، ويمكن أن أتغدى هناك، لكنه أصرَّ على أن أبقى جالسا خلفه. فقد جاء بي في الحر الشديد إلى بيته، وقدم لي الغداء ثم ودَّعني. كانت له علاقة خاصة بكل فرد من خدام الأحمدية يوم كان رئيسا لهم. لقد كتب الكثيرون أنهم تعلَّموا من المرحوم أمورًا كثيرة، فقد كتب الدكتور سلطان أحمد مبشر: تعلَّمت من المرحوم أساليب كثيرة، فكان المرحوم معتادا على إنجاز الأعمال بدقة وعمق.
کتب الدكتور سلطان مبشر نفسُه بأن ميان أحمد المحترم كان مسؤولا لترتيبات الاستئناف في المحكمة الشرعية الفدرالية بعد صدور القانون المضاد للجماعة في 1984م. يقول الدكتور: كنتُ ألعب تنس الريشة في “إيوان محمود” إذ جاء فجأة ميان أحمد المحترم وقال: تطرأ حاجة لكتب في محكمة لاهور ولا بد من أخذها من هنا، ومسؤوليتك توصيلها إلى هناك، وكان المسؤولون في لاهور يتصلون في ربوة ويسجّلون أسماء الكتب على الهاتف، وكان ميان أحمد بنفسه يعمل مع عاملي المكتبة بجهد لإخراج الكتب ولم يكن يذهب بمجرد إصدار أوامر بل كان يستعملهم وهو يجلس معهم.
كتب الدكتور أيضا: كان المرحوم يهتم بالأيتام والأرامل، جاءت اليوم إلي في المستشفى امرأة اسمها السيدة بشرى وهي تسكن في ربوة وكانت مصابة بالسكري وضغط الدم، وحين رأيتُ نتائج فحصها قلتُ لها إن النتائج طبيعية بفضل الله تعالى، وحين سمعت ذلك بدأت تبكي ونظرت إليها مستغربا، فقالت بصوت ملؤه الألم: نعم يا دكتور! قد تحسّن السكري ولكن الشخصَين أيْ مرزا خورشيد أحمد ومرزا غلام أحمد اللذَين كانا يعالجانني بالـمجّان قد ارتحلا من هذه الدنيا. فطمأنتُها قائلا سوف يستمر هذا العلاج تحت نظام الجماعة ولكنها ظلت تذكرهما واستمرت بالبكاء.
قال السيد عطاء المجيب راشد إمام مسجد فضل: في نهاية 1973 حين عيّنني الخليفة الثالث رحمه الله تعالى رئيس مجلس خدام الأحمدية المركزية بعدما تم التشاور في مجلس الشورى لخدام الأحمدية فكان السيد مرزا غلام أحمد نائب الرئيس لمجلس الخدام، فوضعتُه أنا أيضا نائبي في هيئتي الإدارية بسبب تجربته الواسعة. ومع أن السيد مرزا غلام أحمد كان أوسع مني علمًا وتجربةً وأكبر مني سِنًّا ومقامًا ولكنه حين عُيّن نائبي تعاون معي في كل شيء بكل تواضع أيما تعاونٍ ولم يُشعرني في أي مرحلة قط بأنه أكبر مني.
كتب السيد شاهد عباس من ماليزيا: بايعتُ في 2005 وذهبتُ لزيارة المركز (ربوة) فكان السيد مرزا غلام أحمد قادما إلى المكتب، فقال لي الداعية المحلي السيد دانيال: هذا الشخص من أقرباء الخليفة فيمكنك أن تطلب منه الدعاء، فذهبتُ إليه وقلتُ له: إنني دخلتُ الجماعة الأحمدية من مذهب الشيعة وأرجو منكم الدعاء، فعانقني ثم أمسك بيدي بقوة وقال بحماس: ألا أخبرك بشخص ألتمس أنا أيضا منه الدعاء. فسألته: من هو؟ فقال: هو الخليفة، وعليك أن تكتب إليه دوما من أجل الدعاء. قال هذا المبايع الجديد: الحب والحماس للخليفة اللذان لاحظتُهما في عيني المرحوم كانا جديرَين بالملاحظة، وارتسمت تلك اللحظات في عينيّ.
كتب الداعية السيد أنجم برويز الذي يعمل في المكتب العربي هنا: ذات يوم أخبرني السيد شودهري محمد علي أنه في أحد أيام الصيف كان المرحوم ميان أحمد يبحث ظهرا في الحر الشديد عن شخص كان يعمل دهّانا، فسالتُه: عمّن تبحث في هذا الحر الشديد؟ فقال: لقد أعطيتُ هذا الدهّان دواءً هوميوباثيا خاطئا وأبحث عنه الآن لكي لا يستخدم ذلك الدواء، ولكي أعطيه الدواء الصحيح، لذلك أبحث عنه شخصيا لأعطيه الدواء ولكنني لا أجده.
كذلك كان المرحوم يؤدي واجباته والخدمات الكثيرة، التي عُهدت إليه، بوجه أحسن، كتب الناس واقعات كثيرة، كذلك قال الذين كانوا يعملون معه في المكاتب بأن المرحوم كان يستعملهم بغاية اللين والعطف والحب. وكان يواسي بكل ما أمكن الموجوعين والمصابين بالمشاكل والمحتاجين ويحل مشاكلهم وكان حكيما ومتفهما للأمور، وكان الله تعالى أودعه قدرة وكفاءة بحيث كان يصل عمق القضية فورا وكان من عادته أن ينفذ الأمر فورا كما قلتُ آنفا فكان يُنجز الأعمال بسرعة.
كذلك جاء مرة بعض الشباب في المكتب قبل وفاته ببضعة أيام، واشتكوا أن بعض العاملين في مكتب حراسة المركز اعتدوا عليهم وضربوهم أو تعاملوا معهم بقسوة. وكان أحدهم مصابا بضربات حادة، فسألهم هل ذهبتم به إلى المستشفى وعالجتموه؟ فقالوا: لا، فقال: اذهبوا به أوّلا إلى المستشفى وعالجوه، ولأن اليوم عطلة في المكاتب، وحين سيبدأ الدوام سأقوم بكل ما يلزم، والذي يثبت عليه الحق سيعاقَب حتما بغض النظر عن كونه مسؤولا. وقام بما يلزم فورا وأرسل الشباب إلى المستشفى للعلاج أولا.
يقول السيد إقبال بشير: حين عُين ميان أحمد المحترم ناظرًا للديوان كان العمّالُ في المكتب بعدد قليل جدا، كنّا كاتبَين ومساعدا. وحين كان العمل يتـراكم كان ميان أحمد المحترم يأتينا ويجلس معنا في معظم الأحيان وكان يعمل معنا عمل إرسال البريد واستلامه.
قال السيد رياض محمود باجوة الذي كان داعيةً وقد تقاعد: ذات يوم كنتُ في المكتب أتحاور مع ميان أحمد المحترم، فأثناء الحوار احتدّ ميان المحترم بعض الشيء، وهذا شيء عادي لم أشعر بأي انزعاج منه ولم أستغرب الأمر. وعدتُ إلى البيت بعد الدوام. وعند المساء طُرق باب بيتي ففتحت الباب وإذ به ميان أحمد المحترم، فاستغربت رؤيته. فقال: لقد تحدثتُ معك ببعض القسوة في المكتب لذا أتيتُ لأعتذر منك على ذلك. قال الداعية: لم أتصوّر أبدا سلوكه هذا وأصبحتُ معترفا بسمو أخلاقه منذ تلك اللحظة.
كتب أحد العاملين العاديين أيضا بأن المرحوم زجرني أولا، ثم اعتذر مني. وكذلك كتب أحد الناس الآخرين: أخطأتُ في المكتب فزجرني قليلا، فكنتُ أستغفر الله تعالى في البيت إذ طُرق الباب وحين فتحت وجدتُ ميان المحترم واقفا، فقال: كنتُ قلتُ لك اليوم بعض الكلمات القاسية لذا أتيتُ لأعتذر منك. قال ذلك ورجع وجلس في السيارة.
قال السيد مبشر أياز: كنتُ رئيس تحرير مجلة “خالد”، وكان السيد محمود البنغالي قد جاء من أستراليا وأجريتُ مقابلة معه، فأخبرني حادثا وقال: كان ميان أحمد المحترم رئيس مجلس خدام الأحمدية وكنتُ ناظما أعلى للصف التربوي، وحين اختتم الصف وقدّمتُ حساب نفقات الصف الذي زاد عن الميزانية ببضع “آنات” أي قروش، رفض الرئيسُ الفاتورةَ ولم يوافق عليها. فذهبتُ إليه بنفسي وقلتُ: هذا ليس شيئا كبيرا إذ زادت بضع قروش وهذا ليس مبلغا كبيرا، وإذا لم توافق أنفقتُه من جبيبي. فقال: ليست القضية الإنفاق من جيب أحد، بل الشيء الأساسي الذي أريد أن أُفهمك إياه هو أن تتحرى الاحتياط في إنفاق أموال الجماعة وتتبع قواعد الجماعة ونظامها الجاري، وإن كانت ثـمة حاجة لمزيد من الأموال فكان من واجبك أن تأخذ الموافقة أوّلا ثم تُنفق. كان السيد البنغالي يقول: درسه هذا أفادني كثيرا فيما بعد في حياتي.
قال السيد مبشر أياز: كانت علاقة المرحوم مع الخلافة قوية. مرةً دار النقاش في لجنة الإفتاء حول قضية. كان مكتب الإفتاء أعدَّ تقريرا عن عدم وجوب الزكاة على الخيل بحسب ما أذكر، فرفضتُه وقلتُ يجب أن تبحثوا في الأمر مجددا، لأنه يحتاج إلى اجتهاد جديد. فشُكلِّت لجانٌ، وكل مرة دارت نقاشات طويلة بين العلماء، ولكنهم لم يصلوا إلى نتيجة، وفي الأخير جعل رئيسُ دار الإفتاء المرحومَ رئيسَ هذه اللجنة. وجاء العلماء هنا أيضا مجهِّزين أنفسهم ليلقوا كلمات عكس ما قلتُ، فسمِع المرحومُ كلامهم لوقت قليل، ثم قال بجلال: حين قضى الخليفةُ في الأمر فلماذا نفكّر في إمكانية حدوث الأمر عكس ذلك، وهكذا ردّ على جميع الأدلة ولم يبالِ بفضيلة العلماء وبحججهم.
قال: كان شبه موسوعة لتاريخ الجماعة وأحداثها وعاداتها. أدوّن في هذه الأيام سيرة المسيح الموعود u وحيثما وجدت مشكلة ما، كنت أرجع إليه. لقد وجدته يملك علمًا عميقا ومعلومات راسخة في كل أمر رجعت إليه بخصوصه. كذلك كانت لديه معلومات راسخة وثابتة عن المقامات المقدسة في قاديان. إذا كان أحد يطلب منه أن يرافقه في زيارة المقامات التاريخية ويعرفه عليها فكان يفعل ذلك بكل سرور. في إحدى المرات كان مريضا حيث كان قد أصيب بالتواء في قدمه ومع ذلك أخذ الناس للجولة ولم يدع أحدًا يعرف ذلك. يقول السيد مبشر أياز: فلما أراد أن يصعد على الدرج شعرنا بذلك فأخبَرَنا بأنه يعاني من ألم في قدمه، فندمنا على أننا أتعبناه في هذه الحالة.
كذلك هناك أمور أخرى كثيرة تتعلق به. كلما أُرسل إلى مكانٍ ما لم يبال بصعوبات السفر وعراقيله مهما كانت. ففي إحدى المرات حدث شجار بين فريقين في إحدى فروع الجماعة فأُرسل مرزا غلام أحمد من أجل الصلح بينهما. كان الطريق وعرا ولم يكن صالحًا لتمشي عليه السيارة، فركب الجرار هو ومرزا خورشيد أحمد الذي كان معه أيضا وأركب المبشرين الذين كانوا معه أيضا فتابعوا السفر حتى وصلوا إلى مكان كان مرور الجرار منه خطيرًا فنزل وواصل السفر مشيا على الأقدام حتى بلغ المكان المراد ودعا الفريقين في المسجد ثم بتّ في قضيتهم ودعا لهم، ولعل الناس أيضا أدركوا بأنه جاء بعد تجشم عناء هذا السفر الصعب فقبلوا قراره وهكذا بسبب تضحيته وأدعيته انحلت قضيتهم وانتهت الخصومة التي كانت مستمرة بين الفريقين منذ سنين طويلة.
وهناك أحداث أخرى من سيرته منها متشابه ومنها مختلف إلا أنه ليس هناك مجال بأن تُذكر كلها الآن. كان يعامل العاملين بكل لطف ومحبة وهذا ما كتبه جميع الذين عملوا معه. كان يهتم بحاجاتهم الصغيرة أيضا.
يقول نائب الناظر للتعليم بأنه إذا جاء من الخليفة الرفض لطلب المساعدة المالية لأحد الطلبة نظرا لبعض الظروف الخاصة فكان مرزا غلام أحمد يقول: ينبغي أن تعلنوا باسم أمير المؤمنين الموافقة على المساعدات المالية لأحد أو أي خبر مفرح آخر، أما إذا كان خبر عن عدم رضا الخليفة من أحد أو عن رفضه لمساعدة مالية لأحد فينبغي إعلانها بأسمائنا.
يقول أحد المبشرين السيد ظفر أحمد ظفر وهو يذكر قصة مشابهة لما مرّ بأنه كان مع مرزا غلام أحمد فلاحظ كسورًا في قدمه التي انتفخت كثيرًا بسب المشي معنا إلا أنه لم يبال بذلك أبدًا.
يقول السيد سليم: كان مرزا غلام أحمد سكرتيرًا خاصا للخليفة الثالث رحمه الله وكلما تراكم البريد كان يقول لجميع العاملين أن يجمعوا هذه الرسائل في مكان واحد ثم يوزعها على الجميع وكان يأخذ نصيبه أيضا منها، بل كان يأخذ نصيبا أكبر من أي عامل في مكتب السكرتير الخاص وكان ينهي عمله في الرد على هذه الرسائل قبل الجميع.
كان خبيرا في كتابة الرسائل وتحرير عباراتها المعينة، وكانت كتاباته رائعة وقوية، وكان يحسن كتابة الرسائل المكتبية.
يقول أحد العاملين في مكتب وكالة المال الثاني: كنا ندوّن تاريخ “التحريك الجديد” وخلال ذلك كنا بصدد تحرير مادة حول التضحية المالية وكان فيها أخطاء عديدة، فلما جهّزنا المادة بصورة نهائية قال لنا وكيل المال بإرسالها إلى مرزا غلام أحمد ليقرأها أخيرا ويرى إذا كان بها نقص ما. فقلت في نفسي بأن المادة تقع بين 150 إلى 200 صفحة فستستغرق من السيد أحمد قرابة 4 أو 5 أيام نرتاح خلالها قليلا. فلما أتيت المكتب صباحًا رأيت مغلفا يحتوي على هذه المادة المراجعة وعليها التصحيحات والكتابات أيضا. أي أن السيد أحمد ربما ظل طول الليل يقرأها ويصححها حتى أنجزها وأرسلها صباحًا. هكذا كان يجيد كل عمل وفيه نموذج حسن لكل عامل.
كان رئيسا لمجلس كاربرداز (القسم الذي يُعنى بنظام الوصية) وكان هناك أيضا يشرف على كل الأمور بعمق وتركيز كبيرين.
يقول السيد سميع الله زاهد: لما كان السيد أحمد ناظرًا للإصلاح والإرشاد قال لي في أحد الأيام: أعد لي قائمة عائلات المبشرين هنا. فلما أعددتها قام مع زوجته بزيارة كل عائلة وقال لزوجة كل مبشر: إن زوجك في ميدان العمل الآن لذا فإنْ واجهت أية مشكل أو إن كانت بك أية حاجة فلا تزعجيه بل يجب أن تخبريني عنها.
يقول السيد خليل الرحمن الذي يعمل في وكالة التعميل والتنفيذ الآن: لقد نضدت كتاب السيد شودري محمد علي فلما أُعِدّت المسودة بصورة نهائية أرسلني بها شودري محمد علي إلى السيد أحمد. أعطيته المسودة وتوقفت لديه قليلا فسألني: هل تعاني من مشكلة ما؟ قلت له بشيء من الخوف: إن والدتي ستخضع للعملية. لم أقل له شيئا آخر إلا أنه سأل: كم المبلغ؟ ثم أخرج من الخزانة دفتر الشيكات ووضعه على الطاولة. قلت له: أحتاج إلى سبعة آلاف روبية، ويمكن أن تحسمه من راتبي عندما يرسل. لم يقبل ذلك وأعطاني شيكًا من حسابه الخاص وكان به المبلغ المطلوب ثم قال: سوف أدعو أيضا، أما حسم المبلغ من حسابك فهذا لا يهمك، خذ هذا المبلغ وإن احتجت مبلغًا زائدًا أيضا فأتني دون أي خوف.
كذلك كتب الحافظ مظفر أحمد أيضا: كان السيد أحمد يرتبط مع الخلافة بعلاقة تظهر بشكل خاص في كل موطن. فلما عُيّن الناظرَ الأعلى فإن أول كلمة قالها أمام جميع النُّظَّار في اجتماع لمؤسسة صدر أنجمن أحمدية: لا حاجة لأطلب منكم أن تتعاونوا معي لأنه المرجو منكم أنتم خدام الجماعة في كل الأحوال وذلك لأن خليفة المسيح عيّنني، ولكنني بحاجة إلى دعواتكم كثيرا لأنه يصعب على الإنسان أن يتبوأ مكانا عند أقدام بعض الشخصيات العظيمة.
يقول أحد العاملين في نظارة الديوان: لما تم نقله من نظارة الديوان إلى النظارة العليا جاء للقائنا صباحا قبل توجهه إلى المكتب الجديد وقال لنا: جئت لأستأذنكم للذهاب. رق قلب كل واحد منا عند سماعنا لهذه الكلمات فقلنا له: إما أن تبقى أنت أيضا معنا أو تأخذنا معك. فتبسم ثم قال: كيف أستطيع أخذكم معي إذ إنني ذاهب إلى هناك بأمر من خليفة المسيح. ثم بعد عدة أيام استجاب لدعاء الله فانتقل إليه تعالى. فقد ذهب إلى مكان يتوجه إليه كل واحد منا عندما يأتي دوره. ولكن السعداء هم الذين يسعون لقضاء حياتهم من أجل نيل رضى الله تعالى. رفع الله تعالى درجاته ووفق أولاده أيضا للتمسك بحسنات كان يقوم بها المرحوم والعمل بها. وعلى جميع الواقفين والمسؤولين أن يسعوا جاهدين لأداء المهام الموكولة إليهم ولتحقيق مقتضيات الوقف كما حققها المرحوم بكل إخلاص ووفاء، وفقهم الله تعالى لذلك. وأعطى الله تعالى للجماعة في المستقبل أيضا عاملين صالحين يخدمون بالتفاني والإخلاص والوفاء، آمين.
الجنازة الثانية التي سأصلي صلاة الغائب عليها هي للسيدة ديبانو فروخوت التي وافتها المنية في 26 يناير الماضي عن عمر يناهز 47 عاما. إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد توفيت جراء ضغط الدم العالي والالتهاب في الأمعاء. خضعت لعملية إلا أنها توفيت بعد أسبوع تقريبا. لقد عانت من المرض لفترة طويلة حيث توقفت كليتاها عن العمل حين كان عمرها 15 عاما، ولكنها مع كل ذلك منذ أن دخلت الأحمدية كانت تؤدي الصلاة على وقتها وتهتم بصلاة التهجد وتلاوة القرآن الكريم. كانت مسيحية فأسلمت في عام 2004 ومنذ ذلك الوقت كانت مواظبة على الصلوات وتلاوة القرآن الكريم وصلاة التهجد. كانت تشعر بأن هناك فسادًا ما في حالة المسلمين، وبالتالي بحثت في الأمر فبعد أن أسلمت دخلت الأحمدية وأصبحت مسلمة أحمدية بناء على بحثها عن الحقيقة معتمدةً في بحثها على نبوءات النبي r عن الزمن الأخير.
تقول بأنها كانت تشعر بأنها تقترب رويدا رويدا إلى الموت، وكانت في حضن الموت تقريبا لما أسلمت، فتحسنت لدرجة قال طبيبها غير المسلم: إن قلبها أصبح يتنفس من جديد منذ لقائها مع الله. وقبل قبولها الأحمدية أي الإسلام الحقيقي كانت قد أصيبت بالتهاب الكبد من الدرجة الثالثة، إلا أن الله تعالى بعد بيعتها قد منّ عليها بالشفاء بشكل معجز، فكانت تتحدث كثيرا لأفراد عائلتها عن شفائها الإعجازي. التقت بي مرتين وأبدت إخلاصا ووفاء كبيرين كل مرة.
يقول أمير الجماعة: لقد زرتها قبل أيام قليلة فرأيت أنها قد أعدت لي طعامًا، فلما قلت لها ما كانت ثمة حاجة أن تتكلفي وتجهزي الطعام قالت: لأنك جئت إلى بيتي للمرة الأولى وقد أتيت مندوبًا من خليفة الوقت. كانت قناة أيم تي أيه شغالة في بيتها كل الأوقات.
رفع الله درجاتها وغفر لها ورحمها وحقق الله تعالى رغبتها في أن تقبل أسرتها أيضا الأحمدية واستجاب أدعيتها، آمين.