بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود
ملخص خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز في 09-03-2018:
بعد التعوذ والتشهد وتلاوة الفاتحة يقول حضرته نصره الله:
يقول المسيح الموعود u عن تضحيات صحابة النبي r: إن أبا بكر الصديق t أعطى كل ممتلكاته في سبيل الله ولبس المسوح، فجعله الله ملك العرب كلِّهم، وعلى يده أحيا الإسلام من جديد. إن حياة الصحابة كانت رائعة لدرجة لا نجد مثيلها حتى في حياة أي نبي.
فالإنسان ما دام لا يأتي ربَّه متخلِّيا عن جميع أمانيه فلا ينال شيئًا، بل يضر نفسه، أما إذا تخلى عن جميع الأهواء، فالله I يرزقه ويرشده بشرط أن يكون مستعدًّا لمواجهة الموت والهلاك في سبيله تعالى.
إن الذي يتقرب إلى الله فإنه I ينشر قبوله في الدنيا، فيُعطى جميع أنواع الاحترام المادي ويُرسَّخ في قلب كل واحد العظمةُ والقبول للذين يستعدون لترك كل شيء في سبيل الله.
يقول حضرته: “معلوم أن الذي يخسر مثقال ذرة من أجل الحكومات المادية ينال أجرًا أفلا يجد الذي يخسر شيئًا من أجل الله أجرًا؟ إن الله لا يبقي عنده دَين أحد، لكن المؤسف أن الذين يتقبلون هذه الأمور ويطلعون على حقيقتها قليلون جدًّا.
لقد غيَّرت القوة القدسية للنبي r الصحابة فتحولوا من حب الدنيا إلى حب الله بشكل لم يسبق له نظير في الماضي. فأخضعوا أنفسهم لله، وإليكم بعض النماذج التي أبدَوها:
كان سيدنا عبّاد بن بشر من الأنصار فقد استُشهد في عز الشباب حيث كان عمره 35 سنة فقط.
عَنْ عَائِشَةَ تقول تَهَجَّدَ النَّبِيُّ r فِي بَيْتِي فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا قُلْتُ نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَبَّادًا.
وكان عبّاد واثقا بناء على رؤيا رآها بأنه سينال درجة الشهادة. فعن أبي سعيد الخدري t قال قال لي عباد إنه قد انشقت السماء ودخلتُ فيها ثم عادت كما كانت. وبناء على هذه الرؤيا كان يقول إنه موقن بأن الله I سيهب له الشهادة.
وعن الصحابي حرام بن ملحان. كان هذا الصحابي نشيطا جدا في تعليم القرآنَ وفي خدمة الفقراء. حين قدم وفد من بني عامر وطلبوا من النبي r أن يرسل إليهم بعض أصحابه للتبليغ قَالَ لهم رَسُولُ اللهِ r إنّي أَخْشَى أن تُسيؤوا للذين أبعثهم إليكم، قَالَ رئيسهم: أَنَا لَهُمْ جارٌ وهم في أماني. فبعث النبي r وفدا إلى بني عامر وجعل حرام بن ملحان أميـرَهم. وحين وصل الوفد قال حرام لأصحابه لا بد من الحيطة فلا ينبغي أن نتقدم جميعنا لأنهم لو أحاطو بنا جميعا تمكنوا منا في وقت واحد. فتقدم إليهم حرام بن ملحان وأحد أصحابه فأومأ رئيسُ بني عامر إلى شخص فطعن حرامَ بن ملحان برمح من خلفه فقال حرام بن ملحان: فزتُ ورب الكعبة. ثم قتلوا صاحبه أيضا. ثم هاجموا بقية الوفد. فبلّغ جبريل u النبيَّ r عن أولئك الصحابة وأخبره بحالاتهم وشهادتهم. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r لِأَصْحَابِهِ إِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ قُتِلُوا جميعا. وكانوا سبعين كما أخبرتُ. وكان r حزينا جدا لمقتلهم.
قال المسيح الموعود u: “إن الذي يعشق ربه ويتمنى أن يفدي نفسه على عتبة الله ينال متعة عند المصائب والمشاكل. كذلك كانت حالة الصحابة –رضوان الله عليهم أجمعين.
تهون على المؤمن أشد المصائب. فلو قيل لمؤمن أن يختار بين التنصر والقتل، لآثر القتل على التنصر فالمؤمن يجد في المصائب التي تحل به لذة خفية. هذه أمثلة الصحابة الذين عندما قتلوا قالوا فزتُ ورب الكعبة. يجب أن يكون واضحا أن هؤلاء القوم كانوا يعملون الصالحات ويضحون في سبيل الله، ولم يكونوا ظالمين وينتظروا النصر من رب العالمين.
ثم ورد عن صحابي آخر اسمه عبد الله بن عمرو الأنصاري أنه قال لابنه وهو يخرج إلى غزوة أحد: يا بني سوف أكون أول من يستشهد. ثم أوصى ابنه وقال عليك برعاية أخواتك، وقد اقترضت من يهودي قرضا، فادفعْه له من ثمار نخلي. فلم يقلق على أبنائه بل توكل على الله بشأنهم وأوصاهم بأداء دينه.
وبعد الغزوة قال رسول الله r لابن عبد الله: إن الله تعالى أجلس أباك أمامه وكلمه كفاحا، فقال: يا عبدي، تمنَّ أعطِك، فقال عبد الله يا رب كيف أتمنى وأنا لم أؤد حق العبادة كما ينبغي. فآتني ما تؤتيني بمحض رحمتك وفضلك: ليس عندي أمنية يا رب إلا أن تحييني فأحارب العدو مع نبينك فأُقتل ثانية. فقال الله: إني قضيت أن الذين يموتون مرة لا يرجعون إلى الدنيا ثانية، فلن أحقق أمنيتك هذه، غير أنك ستنال درجة الشهيد حتما.
ونقرأ عن حماس الصحابي عمرو بن الجموح للتضحية والاستشهاد. كان أعرج شديد العرج، فلم يسمح له أبناؤه بالخروج في غزوة بدر بسبب مرضه، وفي غزوة أحد قال لأبنائه سأشترك في الجهاد هذه المرة، وقال لرسول الله r إنى لأرجو أن أشترك في الجهاد ويرزقني الله الشهادة فأُدخَل الجنة بسبب عرجي.. فاشترك عمرو في الغزوة وأخذ يدعو الله تعالى: اللهم ارزقني الشهادة، ولا تردني إلى أهلي خائباً. فتحققت أمنيته هذه فاستشهد في أحد.
وأما عن الصحابي أبو طلحة الأنصاري فقد كان ﺭَﺟُﻼ ﺭَﺍﻣِﻴًﺎ ﺷَﺪِﻳﺪَ ﺍﻟﻨَّﺰْﻉِ وقد أرى قدرته ومهارته في الرمي في غزوة بدر. وكان النبي r يقول: ﺃَﻧْﺜﺮُوا النبل ﻷَﺑِﻲ ﻃَﻠْﺤَﺔَ. وحظي بشرف عظيم يوم أحد حيث كان ﻳﺴﻮﺭ ﻧﻔﺴﻪ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ r. كان طلحة t قد وقى بيده رسول الله r. أما أبو طلحة فكان أنصاريًّا وحظي بشرف الوقوف بكل شجاعة أمام النبي r ﻟﻴﻘﻴﻪ ﺳﻬﺎﻡ ﺍﻟﻌﺪﻭ.
يقول حضرته u عن الصحابة: ” كانوا زمرة عظيمة تجدر بالإجلال والاتباع، كانت قلوبهم تفيض يقينا، فعندما ينشأ اليقين لدى المرء يضحي بماله ومن ثم بنفسه أيضًا في سبيل الله I.”
لقد واجه الصحابة صعوبات كثيرة في تبليغ الدعوة لأقاربهم. فقد بايع ابن عمرو بن جموح قبل والده الذي كان مشركا. فلما رأى أن والده لا يدرك حقيقة معتقده اتخذ لإفهامه طريقًا بحيث أخذ صنمه عدة مرات وألقاه في حفرة الفضلات فلما تكرر الأمر أدرك عمرو بن الجموع بأن الصنم الذي اتخذه إلها لا يستطيع أن يدافع عن نفسه فكيف يدافع عن من يعبده.
وعن الصحابي أُبي بن كعب t، فقد ورد في رواية أَنَّ نَبِيَّ اللهِ r قَالَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ. قَالَ أَاللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ نَعَمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ. فقرأ النبي r عليه: ]لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ[ أي قرأ عليه سورة البينة.
كما كان أُبي بن كعب t يملك فهمًا عميقا للقرآن الكريم. ذات مرة سأله النبي r عن آيَة هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ فقال أُبي في البداية: الله ورسوله أعلم. ثم قال بعد إصرار النبي r على سؤاله: هِيَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ. فسُرّ النبي r بذلك وقال ما معناه: بارك الله في علمك يا أُبي.
هذه كانت سيرة الصحابة y الذين ظلوا يتقدمون حتى بلغوا الكمال.
يقول المسيح الموعود u عن الصحابة y: لو أمعنا النظر في زمن الصحابة y لتبين أنهم كانوا أناسا بسطاء، وكما يصبح الإناء نظيفا ونقيا نتيجة الصقل كذلك كانت قلوبهم مضيئة بأنوار كلام الله تعالى ونزيهة ونقية من صدأ كدورة النفس. فكانوا مصداق: ]قد أفلح من زكاها[.
ثم يقول u: لقد أبدى الصحابة الصدق والإخلاص بحيث لم يتخلوا عن عبادة الأوثان والمخلوق فقط بل قد سلب منهم طلب الدنيا في الحقيقة، وبدأوا يرون الله I فكان كل واحد منهم فداء في سبيل الله I بمنتهى النشاط والصدق وكأن كل واحد منهم إبراهيم… إن النبي r بمنـزلة الجسم وصحابته y بمنـزلة أعضائه.
ندعو الله تعالى أن يوفقنا لإدراك مكانة الصحابة، ويزيدنا إخلاصا ووفاء متأسين بأسوتهم.